تــــــــــتمة
كيف تغيرت حال ابن تيمية وانحرف عن ما كان عليه والده
كلام ابن تيمية في الاستواء ووثوب الناس عليه
فمن ذلك ما أخبر به أبو الحسن علي الدمشقي في صحن الجامع الأموي عن أبيه قال: كنا جلوسا في مجلس ابن تيمية فذكر ووعظ وتعرض لآيات الاستواء ثم قال: ((واستوى الله على عرشه كاستوائي هذا))، قال: فوثب الناس عليه وثبة واحدة وأنزلوه من الكرسي وبادروا إليه ضربا باللكم والنعال وغير ذلك حتى أوصلوه إلى بعض الحكام واجتمع في ذلك المجلس العلماء فشرع يناظرهم فقالوا: ما الدليل على ما صدر منك، فقال: قوله تعالى: ? الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ? [سورة طه] فضحكوا منه وعرفوا أنه جاهل لا يجري على قواعد العلم ثم نقلوه ليتحققوا أمره فقالوا: ما تقول في قوله تعالى ? فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ وَاسِعٌ عَلِيم ٌ? [سورة البقرة]، فأجاب بأجوبة تحققوا أنه من الجهلة على التحقيق وأنه لا يدري ما يقول وكان قد غره بنفسه ثناء العوام عليه وكذا الجامدون من الفقهاء العارون عن العلوم التي بها يجتمع شمل الأدلة على الوجه المرضي. وقد رأيت في فتاويه ما يتعلق بمسألة الاستواء وقد أطنب فيها وذكر أمورا كلها تلبيسات وتجريات خارجة عن قواعد أهل الحق والناظر فيها إذا لم يكن ذا علوم وفطنة وحسن روية ظن أنها على منوال مرضي. ومن جملة ذلك بعد تقريره وتطويله: ((إن الله معنا حقيقة وهو فوق العرش حقيقة كما جمع الله بينهما في قوله تعالى: ? هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ? [سورة الحديد] فأخبر أنه فوق العرش يعلم كل شىء وهو معنا أينما كنا)) هذه عبارته بحروفها)) اهـ.
ثم قال الحصني ما نصه21 : ((ولنرجع إلى ما ذكره ابن شاكر الكتبي في تاريخه في الجزء العشرين قال: ((وفي سنة خمس وسبعمائة في ثامن رجب عقد مجلس بالقضاة والفقهاء بحضرة نائب السلطنة بالقصر الأبلق، فسئل ابن تيمية عن عقيدته فأملى شيئا منها ثم أحضرت عقيدته الواسطية وقرئت في المجلس ووقعت بحوث كثيرة وبقيت مواضع أخرت إلى مجلس ثاني، ثم اجتمعوا يوم الجمعة ثاني عشر رجب وحضر المجلس صفي الدين الهندي وبحثوا، ثم اتفقوا على أن كمال الدين بن الزملكاني يحاقق ابن تيمية ورضوا كلهم بذلك فافحم كمال الدين ابن تيمية، وخاف ابن تيمية على نفسه فأشهد على نفسه الحاضرين أنه شافعي المذهب ويعتقد ما يعتقده الإمام الشافعي، فرضوا منه بذلك وانصرفوا.
ثم إن أصحاب ابن تيمية أظهروا أن الحق ظهر مع شيخهم وأن الحق معه، فأحضروا إلى مجلس القاضي جلال الدين القزويني وأحضروا ابن تيمية وصفع ورسم بتعزيره فشفع فيه، وكذلك فعل الحنفي باثنين من أصحاب ابن تيمية. ثم قال: ولما كان سلخ رجب جمعوا القضاة والفقهاء وعقد مجلس بالميدان أيضا وحضر نائب السلطنة أيضا وتباحثوا في أمر العقيدة وسلك معهم المسلك الأول، فلما كان بعد أيام ورد مرسوم السلطان صحبة بريدي من الديار المصرية بطلب قاضي القضاة نجـم الدين بن صصرى وبابن تيمية، وفي الكتاب: ((تعرفون ما وقع في سنة ثمان وتسعين في عقيدة ابن تيمية، فطلبوا الناس وسألوهم عما جرى لابن تيمية في أيام نقل عنه فيها كلام قاله، وأحضروا للقاضي جلال الدين القزويني العقيدة التي كانت أحضرت في زمن قاضي القضاة إمام الدين، وتحدثوا مع ملك الأمراء في أن يكاتب في هذا الأمر فأجاب فلما كان ثاني يوم وصل مملوك ملك الأمراء على البريد من مصر وأخبر أن الطلب على ابن تيمية كثير وأن القاضي المالكي قائم في قضيته قياما عظيما، وأخبر بأشياء كثيرة من الحنابلة وقعت في الديار المصرية وأن بعضهم صفع، فلما سمع ملك الأمراء بذلك انحلت عزائمه عن المكاتبة وسير شمس الدين بن محمد المهمندار إلى ابن تيمية وقال له قد رسم مولانا ملك الأمراء بأن تسافر غذا، وكذلك راح إلى قاضي القضاة فشرعوا في التجهيز، وسافر بصحبة ابن تيمية أخواه عبد الله وعبد الرحمن وسافر معهم جماعة من أصحاب ابن تيمية.
وفي سابع شوال وصل البريدي إلى دمشق وأخبر بوصولهم إلى الديار المصرية وأنه عقد لهم مجلس بقلعة القاهرة بحضرة القضاة والفقهاء والعلماء والأمراء، فتكلم الشيخ شمس الدين بن عدنان الشافعي وادعى على ابن تيمية في أمر العقيدة فذكر منها فصولأ، فشرع ابن تيمية فحمد الله تعالى وأثنى عليه وتكلم بما يقتضي الوعظ، فقيل له: يا شيخ إن الذي تقوله نحن نعرفه وما لنا حاجة إلى وعظك، وقد ادعي عليك بدعوى شرعية فأجب، فأراد ابن تيمية أن يعيد التحميد فلم يمكنوه من ذلك بل قيل له أجب، فتوقف، وكرر عليه القول مرارا فلم يزدهم على ذلك شيئا، وطال الأمر، فعند ذلك حكم القاضي المالكي بحبسه وحبس أخويه معه فحبسوه في برج من أبراج القلعة، فتردد إليه جماعة من الأمراء فسمع القاضي بذلك فاجتمع بالأمراء وقال: يجب عليه التضييق إذا لم يقتل وإلا فقد وجب قتله وثبت كفره، فنقلوه إلى الجب بقلعة الجبل ونقلوا أخويه معه بإهانة.
وفي سادس عشر ذي القعدة وصل من الديار المصرية قاضي القضاة نجم الدين بن صصرى وجلس يوم الجمعة في الشباك الكمالي وحضر القراء والمنشدون وأنشدت التهاني، وكان وصل معه كتب ولم يعرضها على نائب السلطنة، فلما كان بعد أيام عرضها عليه فرسم ملك الأمراء بقراءتها والعمل بما فيها امتثالا للمراسيم السلطانية، وكانوا قد بيتوا على الحنابلة كلهم بأن يحضروا إلى مقصورة الخطابة بالجامع الأموي بعد الصلاة، وحضر القضاة كلهم بالمقصورة وحضر معهم الأمير الكبير ركن الدين بيبرس العلائي، وأحضروا تقليد القضاة نجم الدين بن صصرى الذي حضر معه من مصر باستمراره على قضاء القضاة وقضاء العسكر ونظر الأوقاف وزيادة المعلوم، وقرىء عقيبه الكتاب الذي وصل على يديه، وفيه ما يتعلق بمخالفة ابن تيمية في عقيدته الزام الناس بذلك خصوصا الحنابلة والوعيد الشديد عليهم والعزل من المناصب والحبس وأخذ المال والروح لخروجهم بهذه العقيدة عن الملة المحمدية، ونسخة الكتاب نحو الكتاب المتقدم، وتولى قراءته شمس الدين محمد بن شهاب الدين الموقع وبلغ عنه الناس ابن صبح المؤذن، وقرىء بعده تقليد الشيخ برهان الدين بالخطابة وأحضروا بعد القراءة الحنابلة مهانين بين يدي القاضي جمال الدين المالكي بحضور باقي القضاة، واعترفوا أنهم يعتقدون ما يعتقده محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه.
وفي سابع شهر صفر سنة ثمان عشرة ورد مرسوم السلطان بالمنع من الفتوى في مسألة الطلاق الذي يفتي بها ابن تيمية وأمر بعقد مجلس له بدار السعادة وحضر القضاة وجماعة من الفقهاء، وحضر ابن تيمية وسألوه عن فتاويه في مسألة الطلاق وكونهم نهوه وما انتهى ولا قبل مرسوم السلطان ولا حكم الحكام بمنعه، فأنكر، فحضر خمسة نفر فذكروا عنه أنه أفتاهم بعد ذلك، فأنكر وصقم على الإنكار، فحضر ابن طليش وشهود شهدوا أنه أفتى لحاما اسمه قمر مسلماني في بستان ابن منجا فقيل لابن تيمية اكتب بخطك أنك لا تفتي بها ولا بغيرها، فكتب بخطه أنه لا يفتي بها وما كتب بغيرها، فقال القاضي نجم الدين بن صصرى: حكمت بحبسك واعتقالك، فقال له: حكمك باطل لأنك عدوي فلم يقبل منه وأخذوه واعتقلوه في قلعة دمشق. وفي سنة إحدى وعشرين وسبعمائة يوم عاشوراء أفرج عن ابن تيمية من حبسه بقلعة دمشق وكانت مدة اعتقاللا خمسة أشهر ونصف)). انتهى كلام الحصني.
قال أبن شاكر الكتبي22 : ((وفي سادس شعبان قدم البريدي من الديار المصرية وعلى يده مرسوم سلطاني باعتقال الشيخ الإمام العلامة تقي الدين بن تيمية، فحضر ناصر الدين مشد الأوقاف والأمير بدر الدين ابن الخطيب الحاجب إلى عند الشيخ تقي الدين وأخبروه بصورة الحال، فقال في هذا خير كثير، وأحضروا له مركوبا، فركب معهم إلى قلعة دمشق فأخليت له دار يجرى إليها الماء وكان من جملة المرسوم أن يكون معه ولد أو أخ أو خادم يخدمه وأن تجرى عليهم كفايتهم، فاختار أخوه زين الدين عبد الرحمن المقام معه لخدمته. وكان السبب في ذلك أنه أفتى فتيا وذكر فيها: لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد- الحديث المشهور -، وآن زيارة قبور الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا تشد إليها الرحال كقبر إبراهيم الخليل وقبر محمد النبي، واتفق أن شمس الدين بن قيم الجوزية سافر إلى القدس الشريف ورقي في الحرم على منبر وعظ، وفي أثناء وعظه ذكر هذه المسئلة وقال: ها أنا من ههنا أرجع ولا أزور الخليل، وجاء إلى نابلس وعمل له مجلس وعظ وذكر المسئلة بعينها حتى إنه قال: ولا يزار قبر النبي إلا مسجده، فقاموا عليه الناس فحماه منهم والي البلد وكتبوا أهل القدس ونابلس إلى دمشق بصورة ما وقع من المذكور وما صدر منه، فطلبه القاضي المالكي فتودد وصعد إلى الصالحية إلى قاضي القضاة شمس الدين بن مسلم، وتاب وأسلم على يده فقبل توبته وحكم بإسلامه وحقن دمه، ولم يعزره لأجل الشيخ تقي الدين بن تيمية، فحينئذ قامت الفقهاء الشافعية والمالكية وكتبوا فتيا في الشيخ تقي الدين بن تيمية لكونه أول من تكلم في هذه المسئلة فكتب عليها الشيخ برهان الدين ابن الشيخ تاج الدين نحو أربعين سطرا بأشياء كثيرة يقولها ويفتي بها، وءإخر القول أفتي بتكفيره، ووافقه شهاب الدين ابن جهبل الشافعي وكتب تحت خطه كذلك الصدر المالكي وغيرهم، وحفلت الفتيا إلى نائب السلطنة فأراد أن يعقد لهم مجلسا ويجمع الفقهاء والعلماء فرأى أن الأمر يتسع الكلام فيه، ولا بد من إعلام السلطان فأخذ الفتيا وجعلها في المطالعة وسيرها إلى السلطان فجمع لها القضاة ولم يحضر المالكي فإنه كان مريضا، فلما قرئت عليهم أخذها قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة فقال: القائل بهذه المقالة ضال مضل مبتاع ووافقه الحنفي والحنبلي، فقال السلطان لقاضي القضاة بدر الدين: ما ترى في أمره، فقال: يحبس، وقال السلطان وكذا كان في نفسي أن أفعل به، وكتب الكتاب إلى دمشق بما يعتمده نائب السلطنة وقرءوه على السدة قرأه بدر الدين بن الأعزازي الموقع وبلغه ابن النجيبي المؤذن، ومضمونه بعد البسملة أدام الله نعمته نوضح لعلمه الكريم وزود مكانته التي جهزها بسبب ابن تيمية فوقفنا عليها وعلمنا مضمونها من أمر المذكور واقدامه على الفتوى بعد تكرار المراسيم الشريفة بمنعه حسب ما حكـم به القضاة وأكابر العلماء، وعقدنا لهذا السبب مجلسا بين أيدينا ورسمنا بقراءة الفتيا على القضاة والعلماء فذكروا جميعا أن الذي أفتى به ابن تيمية في ذلك خطأ ومردود عليه، وحكموا بزجره وحبسه وطول سجنه ومنعه من الفتيا مطلقا، وكتبوا خطوطهم بذلك بين أيدينا على ظاهر الفتيا المجهز بنسخة ما كتبه ابن تيمية، وقد جهزناه إلى الجناب العالي طي هذه المكاتبة ليقف على ما كتب فيه القضاة الأربعة ويتقدم باعتقال المذكور في قلعة دمشق المحروسة، ومنعه من الفتيا مطلقا، ومنع الناس من الاجتماع به والتردد إليه ويرتب له كل يوم ما يقوم بكفايته وينزل عنده من يختار لخدمته مثل قرابة ولد أو أخ أو من يجري مجراهم فيحيط علمه بهذا الأمر ويكون اعتماده بحسب ما حكم به الأئمة العلماء في السجن المذكور وطول حبسه، فانه كل وقت يحدث للناس شيئا منكرا يشغل خواطرهم به ومنع ذلك وسد الذريعة منه أولى فليكن عمله على هذا الحكم ويتقدم أمره فيه، واذا اعتمد الجناب العالي هذا الاعتماد الذي رسمنا به في أمر ابن تيمية فيتقدم بمنع من يسلك مسالكه ويفتي بهذه الفتاوي ويعمل بها في أمر الطلاق أو هذه الفتيا المستجدة. وإذا اطلع على أحد عمل بذلك أو أفتى به فيعتبر حاله، فإن كان من مشايخ العلماء فيعزر تعزير مثله وان كان من الشباب المنتسبين الذين يقصدون الظهور أيضا كما يقصده ابن تيمية فيؤدبهم ويردعهم ويعتمد في أموره ما تحسم به مواد أمثالهم ليستقيم أحوال الناس ويمشي على السداد، ولا يعود أحد يتجاسر على الإفتاء بما يخالف الإجماع ويبتدع في دين الله تعالى من أنواع الاقتراح ما لم يسبقه إليه أحد، فالجناب العالي يراعي هذه الأمور التي عرفناها فإن بها تسد الذرائع فيها أولى من الرخصة فيه. وقد عجلنا لهذا الجواب وبقية فصوله مكاتبته الواردة صحبته تصل بعد هذا الكتاب إن شاء الله تعالى، وكتب في سابع عشري رجب الفرد سنة ست وعشرين وسبعمائة صورة المنقول بخط القضاة إلأربعة بالقاهرة المحروسة على ظهر الفتيا:الحمد لله، هذا المنقول باطنها جواب عن السؤال من قوله إن زيارة قبور الأنبياء والصالحين بدعة، وما ذكره من نحو ذلك وانه لا يرخص في السفر لزيارة الأنبياء فهو باطل مردود عليه، وقد نقل جماعة من العلماء الكبار أن زيارة النبي فضيلة وسنة مجمع عليها، وهذا المفتي المذكور ينبغي أن يزجر عن مثل هذه المقالة والفتاوي الغريبة ويحبس إذا لم يمتنع من ذلك، ويشهر أمره ليتحفظ الناس عن الاقتداء به، كتب محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة الشافعي وكذلك يقول محمد بن الحريري الأنصاري الحنفي لكن يحبس الآن جزما مطلقا كتب المذكور، كذلك يقول أحمد بن عمر المقدسي الحنبلي، كذلك يقول محمد بن أبي بكر المالكي إن ثبت عليه ذلك فيبالغ في زجره حسبما تندفع هذه المفسدة وغيرها من المفاسد.
ولما كان يوم الجمعة رابع عشري شعبان قعد قاضي القضاة جلال الدين بعد الصلاة بالمدرسة العادلية وأحضر جماعة من جماعة الشيخ تقي الدين بن تيمية كانوا معتقلين في حبس الشرع فادعي على عماد الدين بن كثير صهر المزي أنه قال إن التوراة والإنجيل ما بدلت وإنها بحالها كما أنزلت وشهدوا عليه وثبت ذلك في وجهه فعزر بالدرة في المجلس وأخرج وطيف به ونودي عليه هذا جزاء من قال إن التوراة والإنجيل ما بدلت وبعد ذلك أطلقوه، وأحضر عبد الله الإسكندري وادعي عليه أنه قال عن مؤذني الجامع هؤلاء كفروا وانهم كفار بسبب أنهم يقولون في المنارة ألا يا رسول الله أنت وسيلتي وشىء ءاخر من هذا الجنس فذكر أنه أعترف بذلك وغيره عند قاضي القضاة شمس الدين بن مسلم، وأسلم على يده وقبل توبته وحقن دمه وأبقى عليه جهاته وزوجته، فسيروا إلى الحنبلي يسألونه عن ذلك وأحضر بعد ذلك الصلاح الكتبي الداراني وادعي عليه أنه قال لا فرق بين حجارة طهارة جيرون وحجارة صخرة بيت المقدس فأنكر ذلك فقامت عليه البينة، وأحضر ابن قيم الجوزية الذي عمل الفتنة من أصلها وادعي عليه بما قال في المجلسين اللذين عملهما بالقدس الشريف ونابلس فأنكر ذلك وكان قد سافر جماعة من أهل دمشق كلهم فقهاء وعدول من جملتهم مدرس الطرخانية وحضروا مجلس نابلس فشهدوا عليه بما قال وثبت ذلك فعزره قاضي القضاة عبد الله الإسكندري على حمار غير مقلوب ومعه صلاح الداراني وشخص ءاخر كان قد أساء الأدب عند دار الحديث وقال: كل من قال عن الشيخ تقي الدين شىء فهو كذب وأريد أن أضربه بمداتي فشهدوا عليه وضربوهم جميعا بالدرة في قفيهم، وبعد ذلك أعيدوا إلى الحبس فلما كان يوم الثلاثاء ءاخر النهار حضروا المالكية وأخذوا ابن قيم الجوزية إلى حبسهم وأحضروه يوم الأربعاء إلى قاضي القضاة شرف الدين المالكي وادعوا عليه فما كان له جواب إلا أن قال إن قاضي القضاة الحنبلي حكم بحقن دمي وتوبتي، فأعيد إلى الحبس وتركوه إلى حيث يحضر الحنبلي إلى البلد وسألوه كيف كان الحكم وسير الحنبلي وغيره إلى قاضي القضاة جلال الدين يشفعون في المذكور أن لا يكون الحكم إلا عنده، فأحضره في سابع وعشري الشهر وعزروه عنده في العادلية بالدرة وأركب حمارا وطيف به البلد وراحوا به إلى الصالحية، وءاخر النهار ردوه إلى الحبس وأعلموا نائب السلطنة بما فعلوه فسير مشد الأوقاف تسلم المذكور من قاضي القضاة جلال الدين وصعد به إلى القلعة وحبسه بها مقيدا وأطلقوا الباقي وسكنت الفتنة)). ا.هـ.
المصادر
(21) دفع شبه من شبه وتمرد (ص/43 – 45).
(22) أنظر عيون التواريخ (ص/179), مخطوط.
[الصفحة الخامسة>>]
صفحة الوهابية ::