:: عودة للمكتبة
سلاطين الخلافة العثمانية
سلاطين الخلافة العثمانية
بسم الله الرحمن الرحيم
كان للخلافة العثمانية الدور البارز في حفظ البلاد والأراضي وحفظ العقيدة المرضيّة وفتح البلاد وتوسيع الرقعة الإسلامية في العالم وحفظ الإسلام من التطفـّل الغربي الحاقد ودفع غزواتهم بل وكذلك من الفرق الضالة التي اجتمعت على النهش في أمـّة محمّد وإثارة الفتن في البلاد لقلب الحكومة رأساً على عقب وذلك بالتعاون مع الأيدي البريطانية لإضعاف الكيان الإسلامي مما أدى اليوم إلى ضياع حقوق المسلمين فلا خليفة لهم يدافع عن مصالحهم وحقوقهم و دينهم.
إعلم أخي المسلم أن من الأساليب التي اتخذها اليهود والبريطان زرع الجواسيس في الأمصار ومنهم جواسيس مختصين ببث الإشاعات المفسدة ضد الحكم المسلم حتى انتقلت هذه الإشاعات ألى أيامنا بالرغم من التبيان المتواصل من قبل العلماء والصالحين كالإمام العلامة مفتي الشافعية بمكـّة المكرمة أحمد بن زيني دحلان وكذلك مفتي بيروت الصالح الشيخ عبد الباسط الفاخوري رحمه الله والذي قيل فيه:
صُغتَ للإسلام يا مفتي الورى دُرَرَ التاريخ في عِقدٍ منضّدْ >> ليس بدعاً أن غلا جوهره فهو تاريخٌ له التاريخ يشهدْ
لذا نقوم بتقديم أعلام السلطنة العثمانية مع ذكر بعض الآثارالحسنة لكلّ منهم فإنّهم جمعوا رحمهم الله بين الدعوة إلى الله و الجهاد و بين الإصلاح.
1-) السلطان الغازي عثمان خان الأول الأشعري
ابن الأمير أرطغول أصل هذه الشجرة الطيبة العثمانية
كان السلطان عثمان رحمه الله رجلا صالحا عابدا زاهدا متواضعا معظما للدين وأهله وشعائره, يروى أنه قبل أن يتسلطن كان مسافرا إلى موضع فنزل ضيفا على إنسان فلما أراد النوم رأى مصحفا معلقا في الموضع الذي كان به فوقف على قدميه إلى الصباح تعظيما للمصحف وترك النوم, و من زهده في الدنيا أنه ما خلف نقدا ولا متاعا إلا درعا وسيفا يقاتل بهما الكفار وشيئا من الأغنام وذلك لزهده في الدنيا وكثرة كرمه وإنعاماته على العسكر الذين كان يستجلبهم إليه لجهاد الكفار, حتى كانوا يلقون أنفسهم في المهالك لأجل خدمته ونصرته رحمه الله تعالى وكان ملكا عادلا شجاعا عامرا مجاهدا يراعي الأبطال والأيتام والأرامل ويحسن إليهم وكان يحب العلماء والصلحاء وكان ابتداء أمره أنه كان شديد التعلق بالولي العارف بالله (اده بالي القرماني) فرأى ليلة في المنام قمرا أخرج من حضن الشيخ المذكور فدخل في حضنه وعند ذلك نبتت من سرته شجرة عظيمة سد ّت أغصانها الآفاق وتحتها جبال راسيات ذات أنهار وعيون والناس ينتفعون من تلك المياه فلما استيقظ الأمير عثمان قص رؤياه على الشيخ فقال له الشيخ: (لك البشارة بمنصب السلطنة وسيعلو أمرك وينتفع الناس بك و بأولادك وإني زوّجتك ابنتي) فقبلها الأمير عثمان وتزوج بها فولدت له أولادا منهم السلطان أورخان. ولما حضرته الوفاة رحمه الله تعالى أوصى ولده أورخان الغازي بوصايا ثلاث فقال له: أولا ً تمسك في كل أمورك بالشريعة الغراء وشاور في المهمات أهل الرأي والدهاء, ثانيا: أعط كل ذي حق حقه من التكريم والإنعام من الخواص و العوام لا سيما العلماء الأعلام الذين هم دعائم دين الإسلام لتكون مظهرا لما قيل: (خير الناس من ينفع الناس), ثالثا: حيث أنك خليفتي من بعدي فتنبّه لما هو أعظم ركن من أركان هذا المقام وهو التعظيم لأوامر الله والشفقة على خلق الله, واطلب النتائج الخيرية من إعلاء كلمة الله والغزو لوجه الله انتهى.
هكذا ابتدأت خلافة بني عثمان والجدير بالذكر أننا ما رأينا ولا سمعنا بعد دولة الخلفاء الراشدين مثل دولة بني عثمان ولا أحسن نظاما منها ولا سيما إطاعتها للشرع الشريف وتوقيرها لأهل العلم وحملة القرآن الكريم وأهل البيت النبوي وإسداء الخيرات للفقراء ولسكان الحرمين الشريفين على ما سيأتي بيانه, و هذا ما قاله الشيخ المؤرخ عبد الباسط الفاخوري.
2-) السلطان الغازي أورخان الأول الأشعري
ابن السلطان عثمان خان الغازي
كان رحمه الله عادلاً شجاعا مهاباً زاهداً حكيماً كريما محباً للعلماء والصالحين, بنى مساجد ومدارس وكثر العلماء في زمانه لاعتنائه بهم وإقباله عليهم وقيامه بمصالحهم وله في الجهاد مآثر محمودة وافتتح كثيراً من مدائن الكفر وصيرها دار إسلام, فبعد أن فتح مدينة بروسه بعد جهد جهيد واستولى على القلعة وأسكنها المسلمين, جعلها دار الإسلام بعد أن كانت معقلا ً لأهل الأوثان والأزلام وجعلها دار السلطنة, وبنى فيها جامعا ً ومدرسة وتكية يطبخ فيها طعام للفقراء والغرباء وفتح رحمه الله الكثير من المدن والقلاع وكان ملكا ً جليلا ً, ذا صورة حسنة وسيرة مرضية وكرم وافر وعدل متكاثر, بنى بأ زنيق جامعا ً ومدرسة ً وهي أول مدرسة بنيت في الدولة.
3-) السلطان الغازي مراد خان الأول الأشعري
ابن السلطان أورخان الغازي
كان رحمه الله ملكا ً جليلا ً عادلا ً شجاعا ً مقداما ً, فلما استقر على سرير الملك باشر بالجهاد بنفسه وأفنى عمره في الجهاد. افتتح بلادا ً كثيرة منها أنقورية وأدرنة وغير ذلك, وفي أيام سلطنته علـّم عساكره علم المكاحل (البنادق). وكان رحمه الله شديد البأس ثاقب العقل, ثابت العزم زاهدا في الدنيا لا يحبّ البذخ في الملابس فكان لا يلبس إلا ثوبا ً من الصوف الرقيق الذي يلبسه الفقراء, و كان كثير التقشّف.
و في سنة 736 أشار قرة خليل باشا على حضرة السلطان أن يأخذ خمس الأسارى وكانت كثيرة فاجتمع من الأسارى طائفة كثيرة فأمر السلطان بهم أن يتعلموا الفنون العسكرية فتعلموا ثم أرسلهم لخدمة الشيخ العارف (حاج بكتاش) ليعلمهم بعلامة ويسيمهم ويدعو لهم بالخير والظفر. فلما حضروا عند الشيخ قطع كم قبائه وكان من لبدة فألبسه على رأس رئيسهم ودعا لهم بالبركة والظفر وسمّاهم (العسكر الجديد).
و في سنة احدى وتسعين وسبعمائة خرج لقتال الصرب فقاتلهم قتالا ً شديدا حتى هزمهم وقتل الكثير منهم ثم أقبل أمير من أ مرائهم ويقال له (وبلوش) مظهرا ً للطاعة فلمـّا همّ بتقبيل يد السلطان ضربه بخنجر كان في كمّه فقتله فدفنوا أمعاءه هناك وحملوا جسده الشريف ودفنوه بمدينة بروسة وقبره يزار ويتبرّك به, وقـُتِـل ذلك القاتل وقطع. فمن ذلك الوقت سنّ العثمانية عند قدوم الوافد وتقبيل يد السلطان أن يمسك واحد من طرف كمه وآخر من كمه الآخر احترازا ً من ذلك.
4-) السلطان السعيد بيلديرم بايزيد خان الأول الأشعري
ابن السلطان مراد خان الأول
و كان رحمه الله كثير الجهاد محبّا ً للعلماء والصالحين مكرما ً لهم, وباشر بالجهاد ففتح (قره طوه) وبلاد (اسكوب) وقلعة (ودين) وبلاد (قره سي) و(صاروخان) و(قسطموني) وكثير غيرها. ولما نقض العهد علاء الدين صاحب بلاد قرمان وأغار على بعض بلاد أناطولي توجه السلطان بايزيد بنفسه فانهزم علاء الدين ولحقوه فمسكوه أسيرا ً وتسلـّم سلطان قونية كرسي مملكته ثم حاصر قلعتها وكان وقت الغلال فأمر السلطان ألا يتعرض أحد لشيئ من الغلال, وألا يظلموا أحدا ً, وأذن لأهل القلعة أن يخرجوا ويبيعوا غلالهم فخرج أهل القلعة وأصلحوا شأن غلاتهم وباعوها من العسكر كما أرادوا فلمّـا شاهدوا هذه العدالة رجعوا إلى أنفسهم فقالوا: إنّ ملكا ً بلغ منّـا هذا المبلغ من العدالة لا ينبغي أن نعصيه فحضروا جميعهم طائعين راضين و سلموه القلعة فلمّـا رأى أهل تلك البلاد والقلاع ما فعل أهل قونية رغبوا في متابعتهم فجاؤوا بمفاتيح قلاعهم (آق سراي) و(ينكدة) و(قيصرية) و(دولـّى قرّة حصار) وسلموها طائعين.
وكان السلطان السعيد ييلدرم بايزيد من خيار ملوك الأرض مجاهدا ً مرابطا ً, قوي النفس, شديد البطش, عالي الهمّة فمات رحمه الله وله من الأولاد عيسى وموسى وسليمان وقاسم ومحمد. احتدم بينهم النزاع و الخلاف نحو اثنتي عشرة سنة إلى أن رحم الله العباد فاستقل أصغرهم محمّد بالملك.
5-) السلطان محمد الأول الأشعري
ابن السلطان بايزيد خان الأول
وكان دأبه الجهاد والحرب وكانت مدة حكمه كلـّها حروبا ً داخلية لوقوع الفوضى التي أعقبت موت السلطان بايزيد, فحافظ على إرجاع الأمور كما كانت, ثم بعد ذلك صفا له الدهر وانتظم له الأمر ولم يبق من ينازعه.
و ظهر في أيامه رجل يسمى بدر الدين ينسب إلى العلم وكان معيّنا ً بوظيفة قاضي عسكر فهرب من مدينة ازنيك بعد أن كان محجورا ً عليه فيها وابتدأ بنشر مذهبه المؤسس على المساواة في الأموال والأمتعة فتبعه خلق كثير من المسلمين والنصارى وغيرهم وكان يعتبر جميع الأديان على السواء ولا يفرّق بينها وعنده جميع الناس أخوة وإن اختلفت أديانهم ومذاهبهم, فكثر عدد تابعيه حتي خيف على المملكة من امتداد مذهبه فأرسل إليه السلطان محمد قائدا ً فقتله وفرّق جمعه.
كان رحمه الله ملكا ً جليلا ً مهيبا ً محبّـا ً للعلماء الصلحاء محبا للخير وهو أول من عين الصرة من أوقافه لأهل الحرمين الشريفين من سلاطين آل عثمان وهو أول من جعل العساكر البحرية من آل عثمان وقد اشتهر في العالم شجاعته وحسن سيرته كما ذكر مفتي مكة أحمد بن زيني دحلان رحمه الله و طيّب مثواه.
6-) الملك العادل السلطان مَراد خان الثاني الأشعري
ابن السلطان محمد خان الأول
تولى الخلافة و عمره ثمانى عشرة سنة بعهد من أبيه له لرؤيا رآها أبوه السلطان محمد, وكان ملكا ً عالما ً عادلا ً عاقلا ً وكان يعتني بشأن العلم والعلماء والمشايخ والصالحين وكان لأهل الحرمين عنده منزلة عظيمة, كان يرسل لهم من مال نفسه كل عام ثلاثة آلاف وخمسمائة دينارا ً, مهد الممالك, وآمن المسالك وأقام الشرع والدين وأذلّ الكفار والملحدين. وظهر رجل من أهل الفتنة يبتغي الملك يسمى مصطفى فاجتمع عليه خلق كثير فاستولى على (أدرنة) ثم اجتاز البحر إلى أناضولي وكان السلطان مراد قد بعث لقتاله وزيره بايزيد باشا بعسكر كثيرة فقاتلوه فانتصر الخارج وانهزمت عساكر الوزير وأسر ثم قتله الخارج فاندهش لذلك السلطان فقام وتضرع إلى الله تعالى والتجأ إلى قطب العارفين بوقته مولانا السيد محمد البخاري واستمد منه فوعده بالنصر والظفر وطمنه وقلده السيف بيده وقال: سر بإذن الله وحفظه فإنك منصور وذلك بمبشرة رآها في منامه الشيخ العارف ورزق الله النصر للسلطان.
ثم نزل عن السلطنة باختياره ليعتزل للعبادة وجعل السلطنة لابنه محمد وهو إذ ذاك عمره أربع عشرة سنة. ثم إن الكفار ظهر منهم احتقار واستهانة بالمسلمين وقالوا إن سلطان المسلمين صار شيخا وصار الملك بيد ولد صغير فاتفقوا كلهم على قتال المسلمين وطمعوا في أخذ كثير من البلاد فاستحسن الوزراء إرجاعه إلى السلطنة العثمانية فأعيد وغزى الكفار وقتل منهم كثيرا ً وأزال أطماعهم حتى خضعوا غاية الخضوع.
كان ملكا ً عالما عادلا عاقلا شجاعا دينا و كان يرسل لأهل الحرمين و بيت المقدس من خزينته الخاصة رحمه الله.
7-) مولانا السلطان نِعم الملك المجاهد أبو المعالي الغازي
محمد خان الثاني الفاتح الأشعري
ابن السلطان مراد خان الثاني الذي أخبر عنه و مدحه رسول الله صلّى الله عليه و سلم: [لتفتحن القسطنطينية و لنعم الأمير أميرها و لنعم الجيش ذلك الجيش]رواه أحمد.
وهو السلطان الجليل والملك النبيل أعظم الملوك جهادا ً, وأقواهم إقداما ً واجتهادا ً وأكثرهم توكلا ً على الله تعالى واعتمادا ً, وهو الذي أسس ملك هذه الدولة العلية المؤسسة على التقوى وشـَيـّد لها قواعد العدالة ودعائم الاستعمار حتى أصبحت راسخة كالجبال الشامخة لا تزعزعها أعاصير الأعصار, وله مناقب جميلة ومزايا فاضلة جليلة وءاثار باقية في صفحات الليالي والأيام ومآثر لا يمحوها تعاقب السنين والأعوام وهو الذي فتح القسطنطينية وجعلها مدينة من مدن الإسلام والسلطة والعلم وكان جلوسه على تخت السلطنة سنة 855 وكان عمره تسع عشرة سنة وقصة فتح القسطنطينية طويلة مذكورة في التواريخ وكذلك سيرته مذكورة فإنها سيرة حميدة يطول ذكرها وكان السلطان محمد طلب من الشيخ ءاق بيق والعارف بالله الشيخ ءاق شمس الدين (وكان مستجاب الدعوة ومن مناقبه أنه كان طبيبا ً يداوي الأبدان كما يداوي الأرواح) أن يحضر مع المجاهدين عند فتح القسطنطينية وكان يعظم الشيخ المذكور ويعتقد فيه كمال الولاية فحضر وبشره بالفتح وعين له اليوم والساعة التي يكون الفتح فيها بطريق الكشف, فلما كان ذلك الوقت ذهب وزير السلطان للشيخ في خيمته ظنـّا ً منه أن الوعد قد تأخـّر فوجد الشيخ ساجدا ً على التراب مكشوف الرأس وهو يتضرع ويبكي ثم رفع رأسه وكبّرو قال الله أكبر الحمد لله الذي منحنا فتح هذه المدينة فإذا بالعسكر قد دخلوا بأجمعهم ففتح الله ببركة دعائه في ذلك الوقت الذي أشار به, ثم أن السلطان طلب من الشيخ شمس الدين المذكور أن يريه موضع قبر أبي أيوب الأنصاري فقال الشيخ: إني شاهدت في موضع كذا نوراً فلعل قبره هناك, فجاء إلى ذلك الموضع و توجه زمانا ً ثم قال: اجتمعت روحي بروح أبي أيوب و هنأني بهذا الفتح و قال: (شكر الله سعيكم, لقد خلصتموني من ظلمة الكفر) فأ خبر السلطان بذلك فحضر بنفسه إلى ذلك الموضع وقال: ألتمس منك يا مولانا أن تريني علامة أراها بعيني ليطمئن قلبي فتوجه الشيخ ساعة ثم قال: احفروا في هذا الموضع و هو من جانب الرأس من القبر مقدار ذراعين فحفروا فظهر عليهم القبر وعليه لوح من الرخام مكتوب عليه بالعبراني إنه قبر أبي أيوب الأنصاري ففرح السلطان وتغير وغلب عليه حال حتى كاد يسقط لولا أن أمسكوه, وقال السلطان: فرحي بوجود مثل هذا الشيخ في زماني أكبر من فرحي بفتح القسطنطينية, ثم أمر ببناء على قبر أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قبة وجامعا. وصلى المسلمون أول جمعة في أكبر كنائس الدنيا وهي ءابا صوفيا بعد أن طهرها, ثم بناها السلطان محمد الفاتح مسجدا ً وسمى المدينة (اسلامبول), وفتح غيرها من بلاد الكفر نحو اثنتي عشر ولاية واستولى على أكثر من مائتي مدينة.
واعلم أن هذا الفتح من أعظم الفتوحات الإسلامية وقد حاول غير واحد من الخلفاء والسلاطين وصرفوا همتهم وجهدهم وعساكرهم فلم ينالوه وقد حاصر قسطنطينية معاوية بن أبي سفيان في خلافة علي رضي الله عنه, وفي زمن يزيد بن معاوية , وحاصرها سفيان بن أوس في خلافة معاوية, وفي زمن عمر بن عبد العزيز حاصرها مسلمة بن عبدالملك (وبنى هناك مسجدا فحول كنيسة وطهرت بعد الفتح), وحاصرها أيضا ً أحد قواد الخليفة الزاهد الصالح هارون الرشيد رحمه الله, وخص هذا الفتح لهذا السلطان الجليل لكونه من أعدلهم وأحسنهم سيرة وأخلصهم نية وطوية. وقد ظهرت فيه معجزة النبي صلى الله عليه وسلم بقوله مؤكدا ً: (لتفتحن القسطنطينية ولنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش) رواه أحمد في مسنده 4/335, والحاكم في المستدرك وصححه وأقرّه الذهبي, وأورده السيوطي في الصغير 2/402 ورمز له بالصحة. وضمن بعضهم ذلك بقوله:
رام أمر الفتح قوم أ َوّ لون ... حازه بالنصر قوم آخرون
8-) السلطان الغازي ضياء الدين بايزيد خان الثاني
ابن السلطان محمد خان الفاتح
وهو من أعيان السلاطين العظماء وما كان همه إلا الجهاد وكان ذو هيبة شديدة, تفرع من شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تزينت باسمه رؤوس المنابر وتوشحت بذكره صدور المنائر وهو الذي بنى بمدينة أدرنة على شاطئ النهر جامعا ومدرسة وفتح قلعة (كلي) وقلعة (آق كرمان) وقلعة (ملوان) وقلعة (طرسوس) وقلعة (نفشة) وقلعة (كولك).
وفي سنة 893 أمر ببناء الجامع بقرب دار السعادة العتيقة بمدينة قسطنطينة.
وفي سنة 895 سار بعساكره فاستولى على قلعة (اينه بختي) وقلعة (متون) وقلعة (ترون).
كان رحمه الله ملكا ً جليلا ً جميلا ً كبيرا ً عالما ً ورعا ً مجاهدا ً مرابطا ً, بنى المساجد والمدارس والجسور وفتح الفتوحات.
عاش سعيدا ً ومات شهيدا ً, حكي عنه أنه كان يجمع في كل محل نزل فيه من غزواته ما على بدنه وثيابه من الغبار ويحفظه فلما دنا أجله المحتوم أمر بذلك الغبار فضرب لبنة صغيرة وأوصى بأن توضع معه تحت خده في القبر لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمه الله على النار) كما روى البخاري في صحيحه كتاب الجمعة وفي الجهاد.
9-) السلطان سليم خان الأول الغازي الأشعري فاتح مصر
ابن السلطان بايزيد خان الثاني
افتتح السلطان سليم الأول جملة حصون ومدائن كانت للكفار. كان محبا لأهل الحرمين وهو أول من خـُطب له بالحرمين من آل عثمان, وهو أول من رتب لهم صدقة الحب, اشترى من ماله أرضا ً بمصر وجعل محصولها لذلك, وهو أول من اجتمع به أشراف مكة فإنه أرسل إليهم الشريف بركات ابنه الشريف اباغي فأنعم عليه وجعله شريكا ً لأبيه في الإمارة, وهو أول من أحدث المحمل الرومي, وأول من قام بكسوة الكعبة من آل عثمان من مال نفسه, وأول من ملك مصر والحجاز واليمن والشام وجميع أقطار العرب وكان ذلك تحت يد السلطان الغوري وقصته معه طويلة مذكورة في التواريخ ولما فتح حلب بالنصر خرج أهل حلب بعلمائهم وصلحائهم حاملين المصاحف الشريفة على رؤوسهم يستقبلون السلطان و يهنؤونه بالنصر ويسترحمون منه الرفق والصفح, فقابلهم السلطان بكل جميل, ودخل مدينة حلب وخـُطِبَ له فيها بلقب سلطان البرين والبحرين وخادم الحرمين الشريفين فسجد لله شاكرا ً.
ولما قصد بلاد الشام استقبله أهلها بالإعزاز والاحترام واسترحموا منه اللطف والإحسان فعاملهم بكل جميل وصلى الجمعة بجامع بني أمية وخـُطب باسمه وأمر بعمارة قبة على قبر العارف بالله الشيخ محي الدين بن عربي قدس سره وبنى مآكل للطعام.
ثم مهد الأمور في الإسكندرية ورجع إلى القاهرة فلما قصد الرجوع إلى مقر السلطة القسطنطينية أخذ بصحبته الخليفة المتوكل على الله آخر خلفاء بني العباس بمصر فأقام بقسطنطينة إلى أن كبر سنه وشاخ فاستأذن فأطلقه السلطان وأذن له بالرجوع إلى مصر وعين له ما يكفيه إلى أن توفي بها سنة (945).
وكان قد استلم السلطان سليم خان الآثار النبوية الشريفة من الخليفة المتوكل على الله وهي (اللواء والسيف والبردة الشريفة) وتسلم مفاتيح الحرمين الشريفين ومن ذلك صار السلطان سليم خان صاحب الخلافة العظمى والتخت الأسمى.
وبينما السلطان في أثناء الطريق قدم عليه شريف مكة وواليها الشريف بركات الحسني ومعه ولده الشريف أبو نمى محمد بن بركات فاجتمعا بحضرة السلطان وأخبراه أنه خُطب له بمكة المكرمة و المدينة المنورة فشكر لهما.
وكان رحمه الله ملكا ً فاضلا ً ذكيا ً عالما ً, حسن الطبع, بعيد الفور, صاحب رأي وتدبير وحزم, وكان يعرف الألسنة الثلاثة اللغة العربية والتركية والفارسية وكان أديبا ً له شعر حسن يدل على أدبه.
ولما كان بمصر كتب على رخام في حائط القصر الذي سكن فيه هذين البيتين:
الملك لله من يظفر بنيل مني يردده قهرا و يضمن بعده الدركا
لو كان لي أو لغيري قدر أنملة فوق التراب لكان الأمر مشتركا
10-) السلطان الأعظم و الخليفة الأفخم و الخاقان المفخم
سليمان خان الأول الأشعري، الملقب بالقانوني
ابن السلطان سليم خان الأول
بسم الله الرحمن الرحيم
{إنّه من سليمان و إنه بسم الله الرحمن الرحيم}
و الحديث عنه يطول فسنقتصر على ما يلي بعون الله:
استلم الخلافة العظمى وعمره ست وعشرون سنة فأول أمر أصدره إبلاغ توليته على عرش الخلافة إلى كافة الولاة وإلى أشراف مكة المكرمة والمدينة المنورة وأعيانها بخطابات بليغة ونصائح ثمينة مزينة بآيات قرآنية مبينة لفضل العدل في الأحكام وبيان عاقبة الظلم والعدوان. وكان يستفتح خطاباته بالآية الشريفة (إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم) من سورة النمل. وهذا السلطان العظيم مهد الملك لأولاده ورتب لهم القوانين فكانوا يسمونه القانونجي. وكان له مآثر حسنة كثيرة منها أنه رمم الكعبة الشريفة بقدر الضرر.
و في سنة 932 حضر سفير من دولة فرنسا إلى الباب العالي أرسلته الملكة لويز زوجة فرنسيس الأول (وهو مأسور في بلاد إسبانيا) ومعه كتاب من ملك فرنسا إلى جلالة السلطان الأعظم يطلب منه بكل تواضع أن يهاجم ملك المجر أحد خلفاء (شارلكان) حتى يمنعه من مساعدته فيمكن فرنسا بذلك أن تنتصر على شارلكان وتسترد ما سلبه منها من الشرف في واقعة, فقابل السفير حضرة السلطان سليمان خان وبعد أن عرض على جلالته مطالب الملك وعده السلطان بمحاربة المجر. ثم كتب للملك ما صورته:
ثم عزم على محاربة المجر فسافر من القسطنطينية بجيش مؤلف من نحو مائة ألف جندي وثلاثمائة مدفع, وثمانمائة سفينة في نهر التونة لنقل الجيش فسار الجيش تحت قيادة جلالة السلطان ووزرائه الثلاثة من طريق الصرب مارين بقلعة بلغراد ففتحوا في طريقهم عدة قلاع ذات أهمية حتى وصلوا إلى المجر ونالوا النصر من شدة قوة وسرعة المدافع.
و في سنة 941 قصد السلطان بلاد المشرق والعراق وقصد زيارة الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان رحمه الله وجدد له السلطان سليمان مشهدا ً عظيما ً وبنى فيه تكية لطعام الفقراء وبنى عليه قبة حصينة وزار سيد بني هاشم موسى الكاظم, وزار قبر سيدنا عبد القادر الكيلاني. ثم قصد زيارة المشهدين المعظمين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وولده الحسين عليهما السلام و استمد من بركاتهم.
و في سنة 964 أمر السلطان بعمارة الجامع والتكة بمدينة دمشق بمكان يعرف بالقصر الأبلق بالمرجة.
كان رحمه الله ملكا ً جليلا ً مهيبا ً عالي الهمة عالما ً شجاعا ً إلى الغاية طويل القامة حسن الصورة اشتهر في الآفاق بالعدل والخيرات. بنى المدارس الأربعة بمكة المكرمة وبنى الرواق في الحرم الشريف على عواميد من رخام و أجرى عين عرفة.
كان عدد الجيوش عند موته رحمه الله ثلاثمائة ألف وقد تقدمت الفتوحات في أيامه تقدما ً عظيما ً لم يوصل إليه قبله ولا بعده, وبلغت الدولة العلية أوج سعادتها. وله مناقب كثيرة مفردة في التآليف رحمه الله رحمة واسعة عاش سعيدا ً ومات شهيدا ً خرج للجهاد أكثر من نصف مدته.
11-) السلطان الغازي و الخليفة المعظم
خان الثاني سليم الأشعري
ابن السلطان سليمان خان
و قيل فيه في تاريخ توليته:
تهن مليك العصر وابن مليكه ... بعز وإقبال ونصر وإمكان
ودولة الملك قلت فيها مؤخرا ... سليم تولى الملك بعد سليمان
و كان حسن السيرة محمود السريرة وغزواته كثيرة ومآثره شهيرة, وكان ملكا ً شجاعا ً مائلا إلى التقوى ووجوه الخير, مهيبا ً جليل القدر صحيح العقيدة حنفي المذهب مواظبا ً على الصلوات الخمس, ومن مآثره الحميدة أنه جرى على عزم أبيه في دخول عين زبيدة مكة المشرفة فدخلت في مدته جزاهما الله عن المسلمين خيرا, ومن مآثره وحسناته أنه أمر ببناء المسجد الحرام وتجديده فجدد جميعه بما فيه إلا البيت العتيق فأنفق فيه الأموال الطائلة فكان بهجة الدنيا وكان قبل ذلك أروقته مسقفة بالخشب, وشرع في بنائه سنة 980 وتوفي رحمه الله في أثناء ذلك وأتمه ابنه السلطان مراد الثالث سنة 984. ولما مات صلى عليه العالم الفاضل أبو حامد المفتي و دفن في جنب أيا صوفيا التي كان قد زاد على بنائها مئذنتين.
12-) السلطان مراد خان الثالث الأشعري
ابن السلطان سليم خان الثاني
و كان شهما ً شجاعا ً ذكيا ً مائلا ً إلى التقوى ووجوه الخير حنفي المذهب وصحيح العقيدة كبقية أسلافه وكان له اشتغال بالعلوم حتى حصل علوما ً كثيرة و فاق كثيرا ً من أسلافه, وكان له نظم جيد بالألسن الثلاثة العربي والفارسي والتركي وله غزوات شهيرة وكان مغرما ً بجمع الكتب والمطالعات وأول أمر أصدره منع شرب الخمر الذي أفرط فيه جنود الانكشارية وكان غاية في الاستكانة والتواضع لله تعالى, يحكى أنه أمر بعرض العساكر عليه وكان عنده بعض أقارب سلطان العجم وأتباعه فمرت عليه العساكر على ترتيبها من أول النهار إلى الظهر وكان مشهدا ً عظيما ً, فبكى السلطان حتى انتحب وخرّ ساجدا ً ثم قال: أشهد أني عبد الله تعالى من جملة عبيده هؤلاء لا مزية لي بسلطنتي عليهم, وهذا غاية في التواضع والخضوع لله تعالى. وخلف رحمه الله عشرين ولدا ً ذكرا ً غير الإناث ودفن رحمه الله تجاه أيا صوفيا.
13-) السلطان الغازي محمد خان الثالث
ابن السلطان مراد خان الثالث
لما استقر على السلطنة جهز الجيوش والعساكر للجهاد وخرج بنفسه حتى وصلوا بلغراد ومنها يتوصل إلى العدو ثم تقدم بعساكره المظفرة إلى أن نزل إلى حصن عظيم يقال له (اكري) معناه أعوج وهو حصن مشهور بالمنعة والمتانة فحاصره فصاح أهله الأمان فأعطاهم السلطان أمانا ً فخرجوا من الحصن ودخله المسلمون ثم توغلوا بتلك الجهات والنواحي ورجع منصورا ً مؤيدا ً إلى دار السلطنة مع عساكره المنصورة بعد أن دمر جيوش المجر والنمسا. وكان رحمه الله عظيم القدر مهابا حتى من الإفرنج. وكان ساعيا ً في إقامة شعائر الدين صالحا ً محافظا ً للجماعة في الأوقات الخمس قائما ً بالسنن والرواتب ومخلصا ً في محبة سيدنا رسول الله صلى الله عليه و سلم, وكان من عادته إذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم نهض قائما ً على رجليه من التعظيم.
:: عودة للمكتبة
تم بحمد الله