News:

One of the bad traits is for the Muslim to think badly of others because of a word that his brother uttered, while he may interpret it in a good way. Nevertheless, the individual likes people to think well of him. Let him then do in return the same thing for other Muslims.

Main Menu

Bayan al-Quran (In Arabic)

Started by Alsunna Teacher, 02, 24

Previous topic - Next topic

Alsunna Teacher

بيان القرءان.. الآيات المحكمات والآيات

الحمد لله الذي رفع أهل العلم درجات وأنزل الكتاب منه ءايات محكمات واُخَرُ متشابهات وخفض أهل الزيغ والجهل والضلالات، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي ميزه الله بختم الرسالات، وعلى ءاله وأصحابه الذين نصروا بأفعالهم وأقوالهم الصريحة شواهد الدين والواضحات.

الحمد لله رب الكائنات، الموجود أزلاً وأبداً بلا كيف ولا مكان وبعد، فإن معتقد أهل الحق من السلف والخلف هو تنـزيه الله عن مشابهة خلقه المأخوذ من الآية المحكمة ليس كمثله شىء فمهما تصورت ببالك فالله بخلاف ذلك كما قال الإمام ذو النون المصري رضي الله عنه، وقد قال الإمام الشافعي رضي الله عنه: ءامنت بما جاء عن الله على مراد الله وءامنت بما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله.

إن المعتقد الحق ليس مبنياً على ما تذهب إليه الأوهام والظنون، كما حصل لأناس أهملوا العقل واتبعوا الوهم فشذوا عن معتقد أهل الحق، فعمدوا إلى الآيات والأحاديث المتشابهة فحملوها على ظواهرها فوقعوا في التجسيم والتشبيه ونسبوا إلى الخالق تعالى الجلوس والاستقرار على العرش والجهة والمكان والحركة ونحو ذلك من صفات المخلوقات الحادثات، تعالى الله عما يقول الكافرون علواً كبيراً. تمسكوا بتعليم الناس حمل الآيات المتشابهة والأحاديث المتشابهة على ظواهرهها ليفتنوهم عن دينهم، وبدأوا بتوزيع المنشورات والكتيبات التي فيها عن هذه الآيات، فيقولون "هذا باب في الوجه" و "باب في اليد" و "باب في الإصبع" و "باب في العين" و "باب في المشي" و "باب في المجيء" ونحو ذلك، ثم يقولون "هذه هي صفات الله تعالى على ظاهرها لا يجوز تأويلها ومن أوّلها فهو ضال"، لذلك يجب أن نبين أن منهج السلف والخلف هو التنـزيه مع اعتقاد أن هذه المتشابهات لا تحمل على ظواهرها.

في بيان معنى الآيات المتشابهة والآيات المحكمة
لفهم الموضوع كما ينبغي يجب معرفة أن القرءان توجد فيه ءايات محكمات وءايات متشابهات قال الله تعالى (هو الذى أَنزلَ عليكَ الكتابَ منه ءاياتٌ محكماتٌ هنَّ أمُّ الكتاب وأُخَرُ متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون ءامنا به كل من عند ربنا وما يذّكر إلا أولوا الألباب) [سورة ءال عمران/ءاية 7 هو الذي أنزل عليك يا محمد الكتاب أي القرءان منه من الكتاب ءايت محكمات أحكمت عبارتها بأن حفظت من الاحتمال والاشتباه هن أم الكتاب أصل الكتاب الذي يرجع إليه، فتحمل المتشابهات عليها وترد إليها وأُخَرُ وءايات أخر متشابهات متشابهات، محتملات.

فأما الذين في قلوبهم زيغ ميل عن الحق وهو أهل البدع فيتبعون ما تشابه فيتعلقون بالمتشابه الذي يحتمل ما يذهب إليه المبتدع مما لا يطابق المحكم ويحتمل ما يطابقه من قول أهل الحق، وفسر بعض العلماء فأما الذين في قلوبهم زيغ يتبعون ما تشابه منه باليهود الذين كانوا يأخذون فواتح السور كـ: الم-كهيعص وغيرهما فيستعملونها في حساب الجمل على زعمهم حتى يعلموا متى زوال هذه الأمة المحمدية، وحساب الجمل على: "أبجد هوز حطي كلمن سعفص قرشت ثخذ ضظغ".ابتغاء الفتنة طلب أن يفتنوا الناس عن دينهم ويضلوهم معناه الإيقاع في الأمر المحظور لأن المشبهة غرضهم في جدالهم أن يوقعوا الناس باعتقادهم الباطل.
وقد حصل في زمن عمر رضي الله عنه أن رجلاً يقال له صبيغ بن عِسْل كان يسأل عن المتشابه على وجه يخشى منه الفتنة، فضربه عمر ثم نفاه وأمر أن لا يختلط الناس به. أخرج مسلم عن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: تلى رسول الله هو الذي أنزل عليك الكتاب إلى وما يذّكر إلا أولوا الألباب قالت قال رسول الله «إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمّاهم الله فاحذروهم».

قال الإمام النووي رحمه الله: "وفي هذا الحديث التحذير من مخالطة أهل الزيغ وأهل البدع ومن يتبع المشكلات للفتنة فأما من سأل عما أشكل عليه وجوابه واجب وأما الأول فلا يجاب بل يزجر ويعزر كما عزر عمر بن الخطاب رضي الله عنه صبيغ بن عِسْل. حين كان يتبع المتشابه.

وما يعلم تأويله إلا الله وأما المتشابه الذي أريد بقوله تعالى: وما يعلم تأويله إلى الله على قراءة الوقف على لفظ الجلالة، فهو كوجبة القيامة وخروج الدجال على التحديد، وليس من قبيل ءاية الاستواء.
وأما السور التي تبدأ بـ الم ونحو ذلك فلا تدخل تحت الآية وما يعلم تأويله إلا الله بعض العلماء يقولون هذه أوائل أسماء إلهية. وبعضهم يقولون أنها أسماء هذه السور التي صدّرت بهذه الحروف، وبعضهم يقولون إنها أقسام أقسم الله بها. يقولون ءامنا به كل من عند ربنا أي كل من المحكم والمتشابه وما يذّكر أي يتعظ بالمحكم والمتشابه إلا أولوا الألباب أي ذوو العقول السليمة الناظرون في وجوه التأويلات والاحتمالات، الحاملون ذلك على ما اقتضاه لسان العرب في الحقيقة والمجاز مع النظر فيما يجوز وما يستحيل.

Alsunna Teacher

فيتبين مما سبق أن ءايات القرءان نوعان:
1. الآيات المحكمة: هي ما لا يحتمل من التأويل بحسب وضع اللغة إلا وجهاً واحداً أو ما عرف بوضوح المعنى المراد منه كقوله تعالى ليس كمثله شىء [سورة الشورى وقوله: ولم يكن له كفواً أحد [سورة الإخلاص وقوله تعالى هل تعلم له سميًا [سورة مريم سمياً أي مِثلا.

2. الآيات المتشابهة: المتشابه هو ما لم تتضح دلالته، أو يحتمل أوجهاً عديدة من حيث اللغة واحتيج إلى النظر لحمله على الوجه المطابق كقوله تعالى : الرحمن على العرش استوى [سورة طه وقوله تعالى إليه يصعدُ الكَلِمُ الطيبُ والعملُ الصالح [سورة فاطر أي أن العمل الصالح يصعد إلى محل كرامته وهو السماء وهذا منطبق ومنسجم مع الآية الكريمة المحكمة ليس كمثله شىء فتفسير الآيات المتشابهة بجب أن يرد إلى الآيات المحكمة. هذا من المتشابه الذي يجوز للعلماء أن يعلموه كآية الرحمن على العرش استوى.
فالاستواء هنا بمعنى الاستيلاء والقهر كما نص كثير من العلماء. وقد ورد عنه «اعملوا بمحكمه وءامنوا بمتشابهه» ضعيف ضعفاً خفيفاً.

وهاكم بعض كتب التفسير التي تشهد بصحة ما ذكرنا.1- ففي تفسير الجامع لأحكام القرءان للقرطبي ج4 ص 13-14 ما نصه: قوله تعالى: فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله متبعو المتشابه لا يخلو أن يتبعوه ويجمعوه طلباً للتشكيك في القرءان وإضلال العوام أو طلباً لاعتقاد ظواهر المتشابهة كما فعلته المجسمة الذين جمعوا ما في الكتاب والسنة مما ظاهره الجسمية حتى اعتقدوا أن البارئ تعالى جسم مجسم وصورة مصورة ذات وجه وعين ويد وجنب ورجل وإصبع، تعالى الله عن ذلك.
ثم قال القرطبي بتكفير هؤلاء إذ لا فرق بينهم وبين عبّاد الأصنام والصور.

ثم قال في تفسير وما يعلم تأويله إلا الله ما نصه: يقال إن جماعة من اليهود منهم حيي بن أخطب دخلوا على رسول الله وقالوا: بلغنا أنه نزل عليك ألم فإن كنت صادقاً في مقالتك فإن ملك أمتك يكون إحدى وسبعين سنة لأن الألف في حساب الجمل واحد واللام ثلاثون والميم أربعون فنـزل وما يعلم تأويله إلا الله. ثم قال في تفسير الراسخون في العلم: فقد روى ابن عباس أن الراسخون معطوف على اسم الله عز وجل وأنهم داخلون في علم المتشابه وأنهم مع علمهم به يقولون ءامنا به وقاله الربيع ومحمد بن جعفر بن الزبير والقاسم بن محمد وغيرهم، واحتج قائلوا هذه المقالة أيضاً بأن الله سبحانه مدحهم بالرسوخ في العلم فكيف يمدحهم وهم جهال! وقد قال ابن عباس "أنا ممن يعلم تأويله" حكاه عنه إمام الحرمين أبو المعالي.

Alsunna Teacher

قال الإمام القرطبي رحمه الله: ورجح ابن فورك أن الراسخين يعلمون التأويل وأطنب في ذلك. وفي قوله عليه السلام لابن عباس «اللهم فقّهه في الدين وعلّمه التأويل» ما بيّن ذلك أي علمه معاني كتابك، والوقف على هذا يكون عند قوله والراسخون في العلم قال شيخنا أبو العباس أحمد بن عمر وهو الصحيح أن تسميتهم راسخين يقتضي أنهم يعلمون أكثر من المحكم الذي يستوي في علمه جميع من يفهم كلام العرب وأي شيء هو رسوخهم إذا لم يعلموا إلا ما يعلم الجميع. لكن المتشابه يتنوع، فمنه لا يُعلم البتة كأمر الروح والساعة مما استأثر الله بغيبه وهذا لا يتعاطى علمه أحد لا ابن عباس ولا غيره.

فمن قال من العلماء الحذاق بأن الراسخين لا يعلمون علم المتشابه فإنما أراد هذا النوع، وأما ما يمكن حمله على وجوه في اللغة ومناح في كلام العرب فيتأول ويُعلم تأويله المستقيم ويُزال ما فيه مما عسى أن يتعلق من تأويل غير مستقيم كقوله في عيسى وروحٌ منه إلى غير ذلك فلا يسمى أحد راسخاً إلا بأن يعلم من هذا النوع كثيراً بحسب ما قُدّر له. اهـ.

قال العارف بالله السيد محمد عثمان الميرغني (توفي سنة 1268)عن الله: "ولا يوصف بالصغر ولا بالكبر (أي حجماً) ولا بالحلول في الأمكنة ولا بالاتحاد ولا بالاتصال ولا بالانفعال".

هذه عقيدة السلف الصالح، عقيدة الرسول والصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، نسأل الله لنا ولكم الثبات على هذا الدين والحمد لله رب العالمين. والله تعالى أعلم وأحكم.

Alsunna Teacher

حديث الجارية

الله خالق السماء والعرش والمكان

والله كان موجوداً في الأزل قبل السماء بلا مكان وهو الآن على ما عليه كان



اعلم أخي المسلم، أن جاء ما في مسلم من أن رجلاً جاءَ إلى رسولِ الله صلّى الله عليه وسلّم فسألهُ عن جارية لهُ قال: قلتُ: يا رسولَ الله أفلا أعتِقُها، قال : ائتني بِها، فأتاهُ بِها فقالَ لَها: أينَ الله، قالت: في السماءِ، قال: مَن أنا، قالت: أنتَ رسولُ الله، قال: أعتِقْها فإنّها مؤمنةٌ. فليسَ بصحيحٍ لأمرينِ: للاضطرابِ لأنه رُويَ بِهذا اللفظ وبلفظِ : مَن رَبُّك، فقالت: الله، وبلفظ : أين الله، فأشارت إلى السّماءِ، وبلفظ : أتشهَدينَ أن لا إله إلا الله، قالت: نعم، قال: أتشهدينَ أنّي رسولُ الله، قالت : نعم.

والأمرُ الثاني : أن رواية أين الله مخالفةٌ للأصولِ لأنَّ من أصولِ الشريعةِ أن الشخصَ لا يُحكَمُ له بقولِ "الله في السماءِ" بالإسلامِ لأنَّ هذا القولَ مشتَركٌ بين اليهودِ والنّصارى وغيرِهم وإنّما الأصلُ المعروفُ في شريعةِ الله ما جَاءَ في الحديثِ المتواتر: " أمرتُ أن أقاتلَ النَّاسَ حتّى يشهَدُوا أن لا إلهَ إلا الله وأنّي رسولُ الله " (١).

ولفظُ روايةِ مالكٍ : أتشهدينَ، موافقٌ للأصول.

فإن قيلَ : كيف تكونُ روايةُ مسلم: أين الله، فقالت: في السماءِ، إلى ءاخره مردودةً مع إخراج مسلم لهُ في كتابهِ وكلُّ ما رواهُ مسلمٌ موسومٌ بالصّحّةِ، فالجوابُ : أن عدَدًا من أحاديثِ مسلمٍ ردَّها علماءُ الحديثِ وذكرَها المحدّثونَ في كتبهم كحديث أن الرسولَ قال لرجُلٍ : إنَّ أبي وأبَاكَ في النّار، وحديث إنه يُعطى كل مسلم يومَ القيامَةِ فِداءً لهُ مِنَ اليهودِ والنصارَى، وكذلكَ حديث أنسٍ: صَليتُ خلفَ رسولِ الله وأبي بكرٍ وعمرَ فكانوا لا يذكرونَ بسم الله الرحمنِ الرحيم. فأمَّا الأولُ ضَعَّفَهُ الحافظُ السيوطيُّ، والثاني رَدَّهُ البخاريُّ، والثالثُ ضَعَّفَهُ الشافعيُّ وعدد من الحفاظ.

فهذا الحديثُ على ظاهرِهِ باطلٌ لمعارضَتِهِ الحديثَ المتواترَ المذكورَ وما خالفَ المتواترَ فهو باطلٌ إن لم يقبل التأويلَ. اتفقَ على ذلك المحدِّثونَ والأصوليُّونَ لكن بعض العلماءِ أوَّلُوهُ على هذا الوجهِ قالوا معنى أينَ الله سؤال عن تعظيمِها لله وقولـها في السماءِ عالي القدرِ جدًّا أما أخذه على ظاهره من أن الله ساكن السماء فهو باطلٌ مردودٌ وقد تقررَ في عِلمِ مصطلح الحديثِ أنَّ ما خالفَ المتواتر باطلٌ إن لم يقبل التأويل فإن ظاهرَه ظاهرُ الفساد فإن ظاهرَه أنَّ الكافرَ إذا قالَ الله في السماءِ يُحكم لهُ بالإيمانِ.

وحمل المُشبهة رواية مسلم على ظاهرهَا فَضَلُّوا ولا يُنجيهم منَ الضلالِ قولُهم إننا نحملُ كلمةَ في السماءِ بمعنى إنهُ فوقَ العرشِ لأنهم يكونونَ بذلكَ أثبتوا لهُ مِثلاً وهوَ الكتابُ الذي كَتَبَ الله فيه إن رَحمَتي سَبَقَت غَضبي فوقَ العرشِ فيكونونَ أثبتوا المُمَاثَلَةَ بينَ الله وبينَ ذلكَ الكتاب لأنهم جعلوا الله وذلكَ الكتاب مستقرَّينِ فوقَ العرش فيكونونَ كذبوا قولَ الله تعالى : ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ ﴾ وهذا الحديث رواهُ ابن حبانَ بلفظ "مرفوع فوقَ العرشِ"، وأما روايةُ البخاري فهي "موضوع فوقَ العرشِ"، وقد حَملَ بعضُ الناسِ فوقَ بمعنى تحت وهو مردودٌ بروايةِ ابنِ حبانَ بلفظ "مرفوع فوق العرش" فإنه لا يَصحُّ تأويلُ فوقَ فيه بتحت. ثم على اعتقادِهم هذا يلزمُ أن يكونَ الله محاذيًا للعرشِ بقدرِ العرشِ أو أوسَعَ منهُ أو أصغرَ، وكلُّ ما جَرَى عليهِ التقديرُ حادِثٌ محتاجٌ إلى من جَعَلَهُ على ذلكَ المقدارِ، والعرشُ لا مناسبةَ بينهُ وبينَ الله كما أنه لا مناسبةَ بينهُ وبينَ شىءٍ من خَلقِهِ، ولا يتشرَّفُ الله بشىءٍ من خلقِهِ ولا ينتفعُ بشىءٍ من خلقِهِ. وقولُ المشبهةِ الله قاعدٌ على العرشِ شَتمٌ لله لأن القعود من صفةِ البشرِ والبهائمِ والجِنِّ والحشرات وكلُّ وَصفٍ من صفاتِ المخلوقِ وُصِفَ الله به شَتمٌ لهُ، قالَ الحافظُ الفقيهُ اللغويُّ مرتضى الزبيديُّ: "مَن جَعَلَ الله تعالى مُقَدَّرًا بِمقدارٍ كَفَرَ" أي لأنهُ جعلَهُ ذا كميةٍ وحجم والحجمُ والكميةًُ من موجبَاتِ الحُدوثِ، وهل عرفنا أن الشمس حادثةٌ مخلوقةٌ من جهةِ العقلِ إلا لأن لَها حَجمًا، ولو كانَ لله تعالى حجمٌ لكانَ مِثلاً للشمسِ في الحجميَّةِ ولو كانَ كذلكَ ما كانَ يستحُقُّ الألوهيةَ كَما أن الشمسَ لا تستحقُّ الألوهية. فلو طَالَبَ هؤلاءِ المشبهةَ عابدُ الشمسِ بدليلٍ عقليّ على استحقاقِ الله الألوهية وعدم استحقاقِ الشمسِ الألوهية لم يكن عندَهم دليلٌ، وغَايَةُ ما يستطيعونَ أن يقولوا قالَ الله تعالى : ﴿لله خالق كُلِّ شَىْءٍ ﴾ فإن قالوا ذلكَ لعابدِ الشمسِ يقولُ لهم عابدُ الشمس : أنا لا أؤمنُ بكتابكم أعطوني دليلاً عقليًّا على أن الشمسَ لا تستحقُّ الألوهيةَ فهنا ينقطعونَ.

فلا يوجدُ فوقَ العرش شىءٌ حيٌّ يسكنه إنما يوجدُ كتابٌ فوقَ العرشِ مكتوبٌ فيه: " إنَّ رحمتي سَبَقَت غَضبي" أي أن مظاهر الرحمة أكثر من مظاهر الغضب، الملائكة من مظاهر الرحمة وهم أكثرُ عددًا من قطرات الأمطار وأوراق الأشجار، والجنة من مظاهر الرحمة وهي أكبر من جهنم بآلاف المرات.

وكونُ ذلك الكتابِ فوقَ العرشِ ثابتٌ أخرجَ حديثهُ البخاريُّ والنسائيُّ في السننِ الكبرى وغيرهُما، ولفظ روايةِ ابن حبّانَ : " لَمَّا خلقَ الله الخلقَ كتبَ في كتابٍ يكتبُهُ على نفسِهِ (١) وهو مرفوعٌ فوق العرشِ إن رحمتي تَغلبُ غَضَبي".

فإن حاوَلَ محاوِلٌ أن يؤوّلَ "فوق" بمعنى دون قيلَ لهُ: تأويلُ النصوصِ لا يجوزُ إلا بدليلٍ نقليّ ثابتٍ أو عقليّ قاطِعٍ وليس عندهم شىءٌ من هذينِ، ولا دليلَ على لزومِ التأويلِ في هذا الحديث، كيفَ وقد قالَ بعضُ العلمَاءِ إن اللوحَ المحفوظَ فوقَ العرشِ لأنه لم يَرد نصٌّ صريحٌ بأنه فوق العرشِ ولا بأنه تحتَ العرشِ فبقي الأمرُ على الاحتمالِ أي احتمالِ أن اللوحَ المحفوظَ فوقَ العرشِ واحتمالِ أنه تحتَ العرشِ، فعلى قولهِ إنهُ فوقَ العرشِ يكون جعلَ اللوحَ المحفوظَ معادِلا لله أي أن يكونَ الله بمحاذاةِ قسم منَ العرشِ واللوحُ بمحاذاةِ قسمٍ مِنَ العرشِ وهذا تشبيهٌ لهُ بخلقِهِ لأن محاذاةَ شىءٍ لشىءٍ مِن صفاتِ المخلوقِ. ومما يدل على أن ذلك الكتاب فوق العرش فوقيةً حقيقيةً لا تحتمل التأويل الحديث الذي رواه النسائيُّ في السنن الكبرى: "إنَّ الله كتَب كتابًا قبل أن يخلُقَ السمواتِ والأرض بألفي سنة فهوَ عندَهُ على العرشِ وإنه أنزلَ من ذلك الكتاب ءايتين ختم بِهما سورة البقرةِ"، وفي لفظ لمسلم : "فهو موضوعٌ عندهُ" فهذا صريحٌ في أنَّ ذلكَ الكتاب فوقَ العرشِ فوقيةً حقيقيةً لا تحتَمِلُ التأويلَ.

وكلمةُ "عندَ" للتشريفِ ليسَ لإثباتِ تحيز الله فوقَ العرشِ لأنَّ "عندَ" تُستعمَلُ لغيرِ المكانِ قالَ الله تعالى: ﴿وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ ﴾ [سورة هود/83-84) إنَّما تدلُّ "عندَ" هنا أنَّ ذلكَ بعلمِ الله وليسَ المعنى أنَّ تلكَ الحجارة مجاورةٌ لله تعالى في المكَان. فمَن يحتجُّ بمجرّدِ كلمةِ عند لإثباتِ المكانِ والتَّقارُبِ بينَ الله وبينَ خلقِهِ فهوَ من أجهَل الجاهلينَ، وهل يقولُ عاقلٌ إنَّ تلكَ الحجارةَ التي أنزلَها الله على أولئكَ الكفرةِ نَزَلَت مِنَ العرشِ إليهم وكانت مكوّمَةً بمكان في جنبِ الله فوقَ العرشِ على زعمِهم.

الشرح: حديثُ الجاريةِ مضطربٌ سندا ومتنا لا يصح عن رسول الله، ولا يليق برسول الله أن يقال عنه إنه حكَم على الجارية السّوداء بالإسلام لِمجردِ قولها الله في السماء، فإن من أراد الدخول في الإسلام يدخل فيه بالنّطق بالشهادتين وليس بقول الله في السماء. أما المشبهة فقد حملوا حديث الجارية على غير مراد الرسول. والمعنى الحقيقيُّ لِهذا الحديث عند من اعتبره صحيحًا لا يخالفُ تنزيهَ الله عن المكان والحدّ والأعضاء. وقد ورَد هذا الحديث بعدَّة ألفاظ منها أن رجلا جاء فقال: يا رسول الله إن لي جارية ترعى لي غنما فجاء ذاتَ يوم ذئبٌ فأكلَ شاة فغضبت فَصككتها – أي ضربتها على وجههَا – قال : أريدُ أن أُعتقها إن كانت مؤمنة فقال : " ائتني بِها "، فَأتى بها فقال لها الرسول : " أين الله "، ومعناه ما اعتقادك في الله من التَّعظيم ومن العلوّ ورفعَة القدر، لأن أين تأتي للسؤال عن المكان وهو الأكثر وتأتي للسّؤال عن القدْر.

وأما قول الجارية: " في السماء"، وفي رواية : "فأشارت إلى السماء"، أرادت به أنه رفيع القدر جدًّا، وقد فَهِم الرسول ذلك من كلامها أي على تقدير صحة تلك الرواية. أي هذا عند من صحح هذا الحديث من أهل السنة.

ونقولُ للمشبهة: لو كانَ الأمر كما تدَّعون من حمل ءاية ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى العرش استوى﴾[سورة طه/62] على ظاهرها وحمل حديث الجارية على ظاهرهِ لتناقَض القرءان بعضه مع بعض والحديث بعضه مع بعضٍ، فما تقولون في قوله تعالى ﴿ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وجه الله ﴾[سورة البقرة/115] فإما أن تجعلوا القرءانَ مناقضًا بعضُه لبعضٍ والحديثُ مناقضًا بعضه لبعض فهذا اعتراف بكفركم لأن القرءان يُنَزهُ عن المناقضة وحديث الرسول كذلك، وإن أوَّلتم ءاية ﴿ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وجه الله ﴾ ولم تأوّلوا ءايةَ الاستواء فهذا تحكُّمٌ أي قولٌ بلا دليل. ومن حديث الجارية الذي مرَّ ذكرهُ يُعلَم أن الشخصَ إذا قالَ : "الله في السماء" وقَصَدَ أنه عالي القدرِ جدًّا لا يكفَّرُ لأن هذا حالُهُ مثلُ حالِ الجارية السَّوداء أي على تقدير صحة تلك الرواية، أما إذا قالَ الله موجود بذاته في السماء هذا فيه إثباتُ التحيز وهو كفر.

وحديث الجارية فيه معارضة للحديث المتواتر: " أمرتُ أن أُقَاتِلَ الناسَ حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ". وهو من أصحّ الصحيح، ووجهُ المعارضَةِ أن حديث الجارية فيه الاكتفاءُ بقول " الله في السماء" للحكم على قائله بالإسلام، وحديث ابن عمر رضي الله عنه: " حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله " فيه التصريحُ بأنه لا بُدَّ للدخول في الإسلام من النطقِ بالشهادتين، فحديث الجارية لا يقوى لمقاومة هذا الحديث لأن فيه اضطرابًا في روايته ولأنه مما انفرد مسلم به. وكذلك هناكَ عدة أحاديث صحاح لا اختلافَ فيها ولا علة تناقضُ حديث الجارية فكيف يؤخذ بظاهرِهِ ويُعرضُ عن تلك الأحاديثِ الصّحاح، فلولا أن المشبهة لَها هوًى في تجسيم الله وتحييزه في السماء كما هو معتقد اليهود والنصارى لما تشبَّثوا به ولذلك يَرَونَهُ أقوى شبهة يجتذبونَ به ضعفاءَ الفَهم إلى عقيدتهم عقيدة التجسيم، فكيف يَخفى على ذي لبّ أن عقيدة تحيز الله في السماء منافيةٌ لقوله تعالى: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ ﴾ ، فإنه على ذلك يلزمُ أن يكون لله أمثالٌ كثيرٌ فالسمواتُ السبعُ مشحونةٌ بالملائكة وما فوقها فيها ملائكةٌ حافون من حول العرش لا يعلمُ عددَهم إلا الله وفوقَ العرشِ ذلك الكتابُ الذي كُتِبَ فيه: " إن رحمتي سبقت غضبي "، فباعتقادهم هذا أثبتوا لله أمثالا لا تُحصى فتبينَ بذلك أنهم مخالفون لهذه الآية ولا يَسلم من إثباتِ الأمثال لله إلا من نَزَّهَ الله عن التحيّز في المكان والجهة مطلقاً.

قال المؤلّف رحمه الله : وقَد رَوى البخاري أنَّ النّبيَّ قَال: "إذَا كَانَ أحَدُكُم في صلاته فَإِنَّهُ يُنَاجِي رَبَّهُ فَلا يَبْصُقَنَّ في قبلته ولا عَنْ يَمِينِهِ فَإنَّ رَبَّهُ بَيْنَه وبَيْنَ قِبْلَتِهِ"، وهذا الحديثُ أقْوى إسْنادًا منْ حَدِيثِ الجارية .

الشرح: مناجاةُ الله معناه الإقبالُ على الله بدعائِهِ وتمجيدِهِ، والمعنى المصلّي تجرَّدَ لمخاطبة ربّه انقطعَ عن مخاطبةِ الناسِ لمخاطبةِ الله، فليس من الأدبِ مع الله أن يَبصُقَ أمامَ وجهِهِ، وليس معناهُ أن الله هو بذاتِهِ تِلقَاءَ وجهِهِ.

وأما قولُهُ عليه الصلاة والسلام: " فإن ربَّه بينَهُ وبين قِبلته "، أي رحمةُ ربّه أمامَهُ، أي الرحمة الخاصة التي تنزلُ على المصلين.

قال المؤلّف رحمه الله : وأَخْرَجَ البُخَارِيُّ أَيْضًا عَنْ أَبي موسى الأشعري أنَّ رَسول الله صلّى الله عليه وسلّم قالَ: " ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُم فإِنَّكم لا تَدْعون أصم ولا غَائبا، إنكم تدْعون سمِيْعا قَرِيبا، والذي تدعونَهُ أقْرَبُ إلى أحدكم مِن عنق رَاحلة أحدكُم".

الشرح: هذا الحديثُ يُستفادُ منه فوائدُ منها أن الاجتماع على ذِكر الله كان في زمن الصّحابة، فقد كانوا في سفر فوصلوا إلى وادي خيبر فصاروا يُهللّونَ ويُكبّرون بصوت مرتفع فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شفقة عليهم: " اربَعُوا على أنفسكم" أي هَوّنوا على أَنفسكم ولا تُجهدوها برفع الصّوتِ كثيرًا، "فإنكم لا تدعون أصمَّ ولا غائبًا" أي الله تعالى يسمع بسمعه الأزليّ كلَّ المسموعات قويةً كانت أم ضعيفةً في أي مكانٍِ كانت، وأما قوله "ولا غائبًا " فمعناه أنه لا يخفى عليه شىء، وقوله : "إنكم تدعون سميعًا قريبًا والذي تدعونَهُ أقربُ إلى أحدِكم من عنقِ رَاحلةِ أحدكم"، ليس معناه القربَ بالمسافةِ لأن ذلك مستحيلٌ على الله فالعرش والفرش الذي هو أسفلُ العالم بالنّسبة إلى ذات الله على حدّ سواءٍ ليس أحدُهما أقربَ من الآخر إلى الله بالمسافة، وإنما معناه أن الله أعلمُ بالعبد من نفسه وأن الله مطَّلعٌ على أحوالِ عباده لا يخفى عليه شىء.

ثم إنه يلزمُ على ما ذهبتم إليه من حَملِ النصوص التي ظاهرها أن الله متحيزٌ في جهة فوق على ظاهرها كونُ الله تعالى غائبًا لا قريبًا لأن بين العرشِ وبين المؤمنين الذين يذكرونَ الله في الأرض مسافةً تقرُبُ من مسيرةِ خمسين ألف سنة وفي خلال هذه المسافة أجرامٌ صلبةٌ وهي أجرامُ السمواتِ وجِرمُ الكرسي، فلا يصحُّ ع&#