الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد، وعلى ءاله وصحبه وسلم وبعد،
أخي القارئ، اعلم أن العقيدة المنجية هي اعتقاد أن الله موجود بلا مكان ولا يسكن السماء ولا يجلس على العرش كما تقول اليهود والنصارى والمشبهة من الذين يدعون الاسلام. فاعتقاد اهل الحق، ان الله منزه عن التغير والحدوث. فالله كان موجوداً قبل خلق المخلوقات، كان موجوداً قبل المكان، قبل السماء وقبل الجهات، وقبل العرش وقبل الماء، وقبل كل شىء.
وهذا مصداق قول رسول الله: “كان الله ولم يكن شىء غيره”. فالله لا يتغير، موجود قبل الخلق بلا مكان وهو الآن على ما عليه كان. قال سيدنا علي كرم الله وجهه: “كان الله ولا مكان وهو الآن على ما عليه كان”. أما أهل الحق، فقد أجمعوا على تنزيه الله عن المكان والجهات والحد والتغير والحدوث والجلوس والقعود وغيرها من العقائد التي تبثها المشبهة بين المسلمين.
يلي ذكر النقول من المذاهب الأربعة وغيرها على أن أهل السنة يقولون:
الله موجود بلامكان ولاجهة.
ا- قال مصباح التوحيد ومصباح التفريد الصحابي الجليل والخليفة الراشد سيدنا علي رضي الله عنه (40 هـ) ما نصه (1): (كان- الله- ولا مكان، وهو الان على ما- عليه- كان اهـ. أي بلا مكان.
2- وقال أيضا (2): “إن الله تعالى خلق العرش إظهارًا لقدرته لا مكانا
لذاته” أ هـ.
3- وقال أيضا (3): (من زعم أن إلهنا محدود فقد جهل الخالق المعبود” اهـ. (المحدود: ما له حجم صغيرا كان أو كبيرا)
4- وقال التابعي الجليل الإمام زين العابدين علي بن الحسين بن علي رضي الله عنهم (94 هـ) ما نصه (4): (أنت الله الذي لا يحويك مكان” أ هـ.
5- وقال أيضا (5): (أنت الله الذي لا تحد فتكون محدودا) اهـ.
6- وقال الإمام جعفر الصادق (6) بن محمد الباقر بن زين العابدين علي بن الحسين رضوان الله عليهم (148 هـ) ما نصه (7): “من زعم أن الله في شىء، أو من شىء، أو على شىء فقد أشرك. إذ لو كان على شىء لكان محمولا، ولو كان في شىء لكان محصورا، ولو كان من شىء لكان محدثا- أي مخلوقا” أ هـ.
7- قال الإمام المجتهد أبو حنيفة النعمان بن ثابت رضي الله عنه (150 هـ) أحد مشاهير علماء السلف إمام المذهب الحنفي ما نصه (8): “والله تعالى يرى في الآخرة، ويراه المؤمنون وهم في الجنة بأعين رؤوسهم بلا تشبيه ولا كميّة، ولا يكون بينه وبين خلقه مسافة” اهـ.
8- وقال أيضا في كتابه الوصية (9): “ولقاء الله تعالى لأهل الجنة بلا كيف ولا تشبيه ولا جهة حق” اهـ.
9- وقال أيضًا (10): ” قلت: أرأيت لو قيل أين الله تعالى؟ فقال- أي أبو حنيفة-: يقال له كان الله تعالى ولا مكان قبل أن يخلق الخلق، وكان الله تعالى ولم يكن أين ولا خلق ولا شىء، وهو خالق كل شىء” اهـ.
15- وقال أيضا (11): “ونقر بأن الله سبحانه وتعالى على العرش استوى من غير أن يكون له حاجة إليه واستقرار عليه، وهو حافظ العرش وغير العرش من غير احتياج، فلو كان محتاجا لما قدر على إيجاد العالم وتدبيره كالمخلوقين، ولو كان محتاجا إلى الجلوس والقرار فقبل خلق العرش أين كان الله، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا” اهـ.
وهذا رد صريح على المشبهة المجسمة أدعياء السلفية الذين يسمون أنفسهم الوهابية ويزعمون أن السلف لم يصرحوا بنفي الجهة عن الله تعالى. فإن أبا حنيفة رأس من رءوس السلف الذين تلقوا العلم عن التابعين، والتابعون تلقوا العلم عن الصحابة رضي الله عنهم، فاحفظ هذا أخي المسلم فإنه مهم في رد افتراءات الوهابية على علماء السلف.
ونلفت النظر إلى أن أتباع أبي حنيفة أي الذين هم على مذهبه سواء في لبنان وسوريا وتركيا وأندنوسيا والهند وغيرها من البلدان على هذا المعتقد أي ينزهون الله تعالى عن التحيز في جهة فوق العرش ويقولون الله موجود بلا كيف ولا جهة ولا مكان، إلا من لحق منهم بأهل التجسيم الذين فتنوا بالوهابية وغرتهم الحياة الدنيا أو فتنوا بابن تيمية رافع لواء المجسمة في القرن السابع الهجري كابن أبي العز الحنفي الذي فتن به أي ابن تيمية فشرح العقيدة الطحاوية على خلاف منهج أهل الحق عامة وأهل مذهبه خاصة، فقد حشا شرحه وملاه بضلالات ابن تيمية، فإنه كالظّل له، ومما ذكره (12) في هذا الشرح من عقيدة ابن تيمية أن أهل السنة على زعمه يقولون بفناء النار أي عنده وعند ابن تيمية وعند الوهابية عذاب الكفار والمشركين والوثنيين الذين حاربوا الله وأنبياءه في نار جهنم ينتهي وينقطع مكذبين قول الله تعالى: (وَلَا يُخَفَّفُ عَنهُم مِن عَذَابِهَا) (سورة فاطر/36). ومما ذكره (13) أيضا من عقيدة ابن تيمية قوله بأزلية نوع العالم التي أخذها ابن تيمية عن الفلاسفة أي على زعمهم أن الله لم يخلق نوع العالم إنما خلق الأفراد فقط والعياذ بالله.
وقد اتفق علماء الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها منذ زمن الصحابة إلى يومنا هذا على أن هاتين العقيدتين هما عقيدتان كفريتان لما في ذلك من تكذيب الله ورسوله، ومما علم من الدين بالضرورة أن النار باقية إلى ما لا نهاية له لأن الله شاء لها البقاء، وأن العالم كله مخلوق لله نوعه وأفراده، وهذا توارثه المسلمون خلفًا عن سلف لا يناقضه ولا يعارضه إلا من استحوذ الشيطان على قلبه وأضله الله وطمس على بصيرته.
ومن العجب مع ما في هذا الشرح لابن أبي العز الحنفي من ضلالات كثيرة أن الوهابية استحسنته وصاروا ينشرون هذه العقيدة الفاسدة بين المسلمين ويتدارسونه فيما بينهم، حتى قرروا تدريس هذا الشرح في المعاهد والكليات بالرياض (14) وادعوا (15) أن هذا الشرح يمثل عقيدة السلف أحسن تمثيل.
ونقول نحن: والذي أرواحنا بيده لقد كذبوا في ادعائهم وافترائهم على السلف كما هو دأبهم، وستكتب شهادتهم ويُسألون.
(1) و (2) الفرق بين الفرق لأبي منصور البغدادي (ص/333).
(3) حلية الأولياء: ترجمة علي بن أي طالب (73/1).
(4) و (5) إتحاف السادة المتقين (4/ 380).
(6) كان من سادات أهل البيت فقها وعلما وفضلاً (أنظر الثقات لابن حبان 6/ 131).
(7) ذكره القشيري في رسالته المعروفة بالرسالة القشيرية (ص/ 6).
(8) ذكره في الفقه الأكبر، أنظر شرح الفقه الأكبر لملا علي القاري (ص/ 136- 137).
(9) الوصية: (ص/ 4)، ونقله ملا علي القاري في شرح الفقه الأكبر (ص/138).
(10) الفقه الأبسط ضمن مجموعة رسائل أبي حنيفة بتحقيق الكوثري (ص/ 25). ونقل ذلك أيضا المحدث الفقيه الشيخ عبد الله الهرري المعروف بالحبشي في كتابه الدليل القويم (ص/ 54).
(11) كتاب الوصية، ضمن مجموعة رسائل أبي حنيفة بتحقيق الكوثري (ص/ 2)، وذكره الشيخ الهرري
في كتابه الدليل (ص/ 54)، وملا علي القاري في شرح الفقه الأكبر (ص/ 75) عند شرح قول الإمام: ولكن يده صفته بلا كيف”.
(12) ذكر ذلك عند الكلام على قول الطحاوي (والجنة والنار مخلوقتان لا تفنيان أبدا ولا تبيدان” : (ص/ 427 سطر 16 و. 2)، ط 9، عام 08 14 هـ.
(13) ذكر ذلك عند الكلام على قول الطحاري: “ليس بعد خلق الخلق استفاد اسم الخالق): (ص/32 1 سطر 5- 6)، ط 9، عام 1988 ر.
(14) صحيفة 9 من الشرح.
(15) صحيفة 5 من الشرح.
وأما تكفير الإمام أبي حنيفة لمن يقول: “لا أعرف ربي فى السماء أو في الأرض “، وكذا من قال: “إنه على العرش، ولا أدري العرش أفي السماء أو في الأرض ” فلأن قائل هاتين العبارتين جعل الله تعالى مختصا بجهة وحيز ومكان، وكل ما هو مختص بالجهة والحيز فإنه محتاج محدث بالضرورة. وليس مراده كما زعم المشبهة إثبات أن السماء والعرش مكان لله تعالى، بدليل كلامه السابق الصريح في نفي الجهة والمكان عن الله.
وقال الشيخ الإمام العز بن عبد السلام الشافعي في كتابه “حل الرموز” في بيان مراد أبي حنيفة ما نصه (1): “لأن هذا القول يوهم أن للحق مكانا، ومن توهم أن للحق مكانا فهو مشبه ” اهـ، وأيد ملا علي القاري كلام ابن عبد السلام بقوله (2): “ولا شك أن ابن عبد السلام من أجل العلماء وأوثقهم، فيجب الاعتماد على نقله ” اهـ.
11- وقال الإمام المجتهد محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه إمام المذهب الشافعي (204 ص) ما نصه (3): “إنه تعالى كان ولا مكان فخلق المكان وهو على صفة الأزلية كما كان قبل خلقه المكان لا يجوز عليه التغيير في ذاته ولا التبديل في صفاته ” اهـ.
12- وأما الإمام المجتهد الجليل أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني (241 هـ) رضي الله عنه إمام المذهب الحنبلي وأحد الأئمة
(1) نقله ملا علي القاري في شرح الفقه الأكبر بعد أن انتهى من شرح رسالة الفقه الأكبر (ص/ 198).
(2) المصدر السابق.
(3) إتحاف السادة المتقن (2/ 24).
الأربعة، فقد ذكر الشيخ ابن حجر الهيتمي أنه كان من المنزهين لله تعالى عن الجهة والجسمية، ثم قال ابن حجر ما نصه (1): “وما اشتهر بين جهلة المنسوبين إلى هذا الإمام الأعظم المجتهد من أنه قائل بشىء سن الجهة أو نحوها فكذب وبهتان وافتراء عليه ” اهـ.
13- وقال الصوفي الزاهد ذو النون المصري (245 ص) ما نصه (2):
“ربي تعالى فلا شىء يحيط به رفو المحيط بنا في كل مرتصد
لا الأين والحيث والتكييف يدركه ولا يـحـد بـمـقـدار ولا امـد
وكـيـف يـدركـه حـد ولـم تـره عين وليس له ير المثل من أحد
أم كـيف يبلغه وهـم بلا شبه وقد تعالى عن الأشباه والولد” اهـ
14- وسئل ذو النون عن معنى، فقال (3): أثبت ذاته ونفى مكانه، فهو موجود بذاته والأشياء موجودة بحكمة كما شاء سبحانه ! اهـ.
15- وكذا كان على هذا المعتقد الإمام شيخ المحدثين أبو عبد الله محمد ابن إسماعيل البخاري صاحب الصحيح (256 هـ) فقد فهم شراح صحيحه أن البخاري كان ينزه الله عن المكان والجهة.
قال الشيخ علي بن خلف المالكي المشهور بابن بطال أحد شراح البخاري (449هـ) ما نصه (4): “غرض البخاري في هذا الباب الرد على
(1) الفتاوى الحدينية (ص/ 144).
(2)- حلية الأولياء ترجمة ذي النون المصري (9/388)
(3)- الرسالة القشيرية (ص/6).
(4) فتح الباري (13/416).
الجهمية المجسمة في تعلقها بهذه الظواهر، وقد تقرر أن الله ليس بجسم فلا يحتاج إلى مكان يستقر فيه، فقد كان ولا مكان، وانما أضاف المعارج إليه إضافة تشريف، ومعنى الارتفاع إليه اعتلاؤه- أي تعاليه- مع تنزيهه عن المكان ” اهـ.
وقال الشيخ ابن المنيِّر المالكي (695 هـ) ما نصه:”جميع الأحاديث في هذه الترجمة مطابقة لها إلا حديث ابن عباس فليس فيه إلا قوله “رب العرش” ومطابقته، والله أعلم من جهة أنه نبه على بطلان قول من أثبت الجهة أخذا من قوله (ذِى المَعَارِجِ) (سورة المعارج/3) ، ففهم أن العلو الفوقي مضاف إلى الله تعالى، فبيَّن المصنف- يعني البخاري- أن الجهة التي يصدق عليها أنها سماء والجهة التي يصدق عليها أنها عرش، كل منهما مخلوق مربوب محدث، وقد كان الله قبل ذلك وغيره، فحدثت هذه الأمكنة، وقدمه يحيل وصفه بالتحيز فيها” اهـ، نقله عنه الحافظ ابن حجر وأقره عليه (1).
16- وقال الإمام الحافظ المجتهد أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (310 هـ) ما نصه (2): “القول في الدلالة على أن الله عز وجل القديم الأول قبل كل شىء، وأنه هو المحدث كل شىء بقدرته تعالى ذكره فمن الدلالة على ذلك أنه لا شىء في العالم مشاهد إلا جسم أو قائم بجسم، وأنه لا جسم إلا مفترق أو مجتمع، وأنه لا مفترق منه إلا وهو موهوم فيه الائتلاف إلى غيره من أشكاله، ولا مجتمع منه إلا وهو موهوم فيه الافتراق، وأنه متى عدم أحدهما عدم الآخر معه، وأنه إذا اجتمع الجزءان
(1) فتح الباري (13/ 418- 419).
(2) تاريخ الطبري (1/ 25).
منه بعد الافتراق، فمعلوم أن اجتماعهما حادث فيهما بعد أن لم يكن،. وأن الافتراق إذا حدث فيهما بعد الاجتماع فمعلوم أن الافتراق فيهما حادث بعد أن لم يكن. وإذا كان الأمر فيما في العالم من شىء كذلك، وكان حكم ما لم يشاهد وما هو من جنس ما شاهدنا في معنى جسم أو قائم بجسم، وكان ما لم يخل من الحدث لا شك أنه محدث بتأليف مؤلف له إن كان مجتمعا، وتفريق مفرق له إن كان مفترقا, وكان معلوما بذلك أن جامع ذلك إن كان مجتمعا، ومفرقه إن كان مفترقا من لا يشبهه ومن لا يجوز عليه الاجتماع والافتراق وهو الواحد القادر الجامع بين المختلفات الذي لا يشبهه شىء، وهو على كل شىء قدير. فبين بما وصفنا أن بارىء الأشياء ومحدثها كان قبل كل شىء (1)، وأن الليل والنهار والزمان والساعات محدثات، وأن محدثها الذي يدبرها ويصرفها قبلها (3)، إذ كان من المحال أن يكون شىء يحدث شيئا إلا ومحدثه قبله، وأن في قوله تعالى ذكره (فَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ {17} وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ {18} وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ {19} وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ
سُطِحَتْ {20})(الغاشية)، لأبلغ الحجج وأدل الدلائل لمن فكر بعقل واعتبر بفهم على قدم بارئها، وحدوث كل ما جانسها، وأن لها خالقا لا يشبهها” اهـ.
17- ثم قال (3): “فتبين إذا أن القديم (4) بارىء الأشياء وصانعها هو
(1) أي وقبل الزمان والمكان وغيرهما من المخلوقات.
(2) ومن ضرورة العقل أن يكون خالق الزمان والمكان والجهة لا يجري عليه زمان ولا ينحل في الأماكن بعد خلقه الزمان والمكان والجهة، لأن التغير من صفات المخلوقات فتنبه.
(3) تاريخ الطبري (1/ 26).
الواحد الذي كان قبل كل شىء، وهو الكائن بعد كل شىء، والأول قبل كل شىء، والآخر بعد كل شىء، وأنه كان ولا وقت ولا زمان ولا ليل ولا نهار، ولا ظلمة ولا نور ولا سماء ولا أرض ولا شمس ولا قمر ولا نجوم، وأن كل شىء سواه محدث مدبر مصنوع، انفرد بخلق جميعه بغير شريك ولا معين ولا ظهير، سبحانه من قادر قاهر” اهـ.
18- وقال أيضا عند تفسير قول الله تعالى: (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ) (سورة الحديد/3) ما نصه (1): لا شىء أقرب إلى شىء منه كما قال: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) سورة ق/16).
أي أن القرب المسافي منفيٌّ عن الله، فالذي في رأس الجبل والذي في أسفل الوادي هما بالنسبة إلى الله تعالى من حيث المسافة على حد سواء لأن الله تعالى منزه عن القرب الحسّي أي القرب بالمسافة، أما القرب المعنوي فلا ينفيه هذا الإمام ولا غيره من علماء المسلمين. فهذا دليل ءاخر أن السلف كانوا ينزهون الله عن الجهة.
19- وقال اللغوي إبراهيم بن السري الزجاج أحد مشاهير اللغويين (311 هـ) ما نصه (2): العلي: هو فعيل في معنى فاعل، فالله تعالى عال على خلقه وهو عليٌّ عليهم بقدرته، ولا يجب أن يذهب بالعلو ارتفاع مكاني، إذ قد بينا أن ذلك لا يجوز في صفاته تقدست، ولا يجوز أن يكون على أن يتصور بذهن، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا” اهـ.
(1) جامع البيان (مجلد13/جزء 27/215).
(2) تفسير أسماء الله الحسنى (ص/48).
20- وقال أيضا (1): “والله تعالى عال على كل شىء، وليس المراد بالعلو: ارتفاع المحلِّ، لأن الله تعالى يجل عن المحل والمكان، وإنما العلو علو الشأن وارتفاع السلطان ” اهـ.
21- وقال الإمام الحافظ الفقيه أبو جعفر أحمد بن سلامة الطحاوي الحنفي (321 هـ) (2) في رسالته (العقيدة الطحاوية) ما نصه: “وتعالى- أي الله- عن الحدود والغايات والأركان والأعضاء والأدوات، لا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات ” اهـ.
22- وقال إمام أهل السنة أبو الحسن الأشعري (324 هـ) رضي الله عنه ما نصه (3): ” كان الله ولا مكان فخلق العرش والكرسي ولم يحتج إلى مكان، وهو بعد خلق المكان كما كان قبل خلقه ” اهـ أي بلا مكان ومن غير احتياج إلى العرش والكرسي. نقل ذلك عنه الحافظ ابن عساكر نقلا عن القاضي أبي المعالي الجويني.
23- وقال أيضا ما نصه (4): “فأما الحركة والسكون والكلام فيهما فاصلهما موجود في القرءان وهما يدلان على التوحيد، وكذلك الاجتماع والافتراق، قال الله تعالى مخبرا عن خليله إبراهيم صلوات الله عليه
(1) المصدر السابق (ص/ 60).
(1) الطحاوي هو من علماء السلف، قال في أول رسالته: “هذا ذكر بيان عقيدة أهل السنة والجماعة أي أن هذه هي عقيدة السلف من الصحابة والتابعين وأتباع التابعين في تنزيه
الله عن المكان والجهة والجسمية، وكلام الطحاوي في غاية الأهمية فهو من علماء الحديث ومن علماء الفقه وهو حنفيّ أيضا. وهذه العقيدة تدرس في أنحاء الأرض في المعاهد والجامعات الإسلامية.
(3) تبيين كذب المفتري (ص/ 150).
(4) أنظر رسالته استحسان الخوض في علم الكلام (ص/ 45).
وسلامه –( لَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ) (الانعام/76) في قصة أفول الكوكب والشمس والقمر وتحريكها من مكان إلى مكان ما دل على أن ربه عز وجل لا يجوز عليه شىء من ذلك، وأن من جاز عليه الأفول والانتقال من مكان إلى مكان فليس بإله ” اهـ.
24- وقال إمام أهل السنة أبو منصور الماتريدي (333 هـ) رضي الله عنه
ما نصه (1): “إن الله سبحانه كان ولا مكان، وجائز ارتفاع الأمكنة وبقاؤه على ما كان، فهو على ما كان، وكان على ما عليه الان، جل عن التغير والزوال والاستحالة” اهـ. يعني بالاستحالة التحول والتطور والتغير من حال إلى حال وهذا منفي عن الله ومستحيل عليه سبحانه وتعالى.
والإمام محمد بن محمد الشهير بأبي منصور الماتريدي إمام جليل من أئمة السلف الصالح مناضل عن الدين موضح لعقيدة أهل السنة التي كان عليها الصحابة ومن تبعهم بإيراد أدلة نقلية من القرءان والحديث وأدلة عقلية مع رد شبه المعتزلة وذوي البدع في مناظراتهم وخصمهم في محاوراتهم حتى أسكتهم، ومجاهد في نصرة السنة وإحياء الشريعة حتى لقب بإمام أهل السنة.
25- قال في كتابه “التوحيد” في إثبات رؤية المؤمنين لله في الآخرة ما نصه (2): “فإن قيل: كيف يرى؟ قيل: بلا كيف، إذ الكيفية تكون لذي صورة، بل يرى بلا وصف قيام وقعود واتكاء وتعلق، واتصال وانفصال،
(1) كتاب التوحيد (ص/ 69).
(2) كتاب التوحيد (ص/ 85).
ومقابلة ومدابرة، وقصير وطويل، ونور وظلمة، وساكن ومتحرك، ومماس ومباين، وخارج وداخل، ولا معنى يـأخذه الوهم أو يقدره العقل لتعاليه عن ذلك “اهـ.
فالماتريدي يصرح بنفي الجهة عن الله تعالى، وهذا فيه رد أيضا على المجسمة والمشبهة كالوهابية الذين يزعمون أن السلف يقولون بإثبات الجهة، فتمسك بما قاله الماتريدي تكن على هدى.
26- وقال أيضا (1): “وأما رفع الأيدي إلى السماء فعلى العبادة، ولله أن يتعبد عباده بما شاء، ويوجههم إلى حيث شاء، وإن ظن من يظن أن رفع الأبصار إلى السماء لأن الله من ذلك الوجه إنما هو كظن من يزعم أنه إلى جهة أسفل الأرض بما يضع عليها وجهه متوجها في الصلاة ونحوها، وكظن من يزعم أنه في شرق الأرض وغربها بما يتوجه إلى ذلك في الصلاة، أو نحو مكة لخروجه إلى الحج، جل الله عن ذلك “. انتهى باختصار.
27- وقال الحافظ محمد بن حبان (354 هـ) صاحب الصحيح المشهور بصحيح ابن حبان ما نصه (2): “الحمد لله الذي ليس له حد محدود فيحتوى، ولا له أجل معدود فيفنى، ولا يحيط به جوامع المكان ولا يشتمل عليه تواتر الزمان”
(1) كتاب التوحيد (ص/ 75- 76).
(2) الثقات (1/ 1).
28- وقال أيضا ما نصه (1): “كان- الله- ولا زمان ولا مكان” اهـ.
29- وقال أيضا (2): “كذلك ينزل- يعني الله- بلا ءالة ولا تحرك ولا انتقال من مكان إلى مكان ” اهـ.
30- وقال الصوفي أبو عثمان المغربي سعيد بن سلام (373 هـ) فيما نقله عنه أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري (469 هـ) ونصه (3): ” سمعت الإمام أبا بكر محمد بن الحسن بن فورك رحمه الله تعالى يقول: سمعت محمد بن المحبوب خادم أبي عثمان المغربي يقول: قال لي أبو عثمان المغربي يوما: يا محمد، لو قال لك أحد: أين معبودك أيش تقول؟ قال: قلت أقول حيث لم يزل، قال: فإن قال أين كان في الأزل، أيش تقول؟ قال: قلت أقول حيث هو الان، يعني أنه كما كان ولا مكان فهو الآن كما كان، قال: فارتضى مني ذلك ونزع قميصه وأعطانيه ” اهـ.
وهو الصوفي الزاهد الشيخ سعيد بن سلام أبو عثمان المغربي، قال عنه الحافظ الخطيب البغدادي (4): “ورد بغداد وأقام بها مدة ثم خرج منها إلى نيسابور فسكنها، وكان من كبار المشايخ له أحوال مأثورة وكرامات مذكورة ” اهـ.
31- قال أبو القاسم القشيري ما نصه (5): سمعت الإمام أبا بكر بن
(1) صحيح ابن حبان، أنظر الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان (8/ 4).
(2) المصدر السابق (2/ 136).
(3) الرسالة القشيرية (ص/ 5).
(4) تاريخ بغداد (9/ 112).
(5) الرسالة القشيرية (ص/ 5).
فورك رحمه الله تعالى يقول سمعت أبا عثمان المغربي يقول: كنت أعتقد شيئا من حديث الجهة فلما قدمت بغداد زال ذلك عن قلبي، فكتبت إلى أصحابنا بمكة إني أسلمت الان إسلاما جديدا” اهـ.
32- وقال الشيخ أبو بكر محمد بن إسحق الكلاباذي الحنفي (385 هـ) في بيان عقيدة الصوفية ما نصه (1) (اجتمعت الصوفية على أن الله لا يحويه مكان ولا يجري عليه زمان ” اهـ.
33- وقال الشيخ أبو سليمان حمد بن محمد الخطابي (388 هـ) صاحب “معالم السنن” ما نصه (2): “وليس معنى قول المسلمين إن الله على العرش هو أنه تعالى مماس له أو متمكن فيه أو متحيز في جهة من جهاته، لكنه بائن من جميع خلقه، وإنما هو خبر جاء به التوقيف فقلنا به ونفينا عنه التكييف إذ (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ
وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ).
34- وقال الشيخ أبو عبد الله الحسين بن الحسن الحليمي الشافعي (403 هـ) ما نصه (3): “وأما البراءة من التشبيه بإثبات أنه- تعالى- ليس بجوهر ولا عرض، فلأن قوما زاغوا عن الحق فوصفوا البارىء جل ثناؤه ببعض صفات المحدثين، فمنهم من قال: إنه جوهر، ومنهم من قال: إنه جسم، ومنهم من أجاز أن يكون على العرش كما يكون الملك على سريره، وكان ذلك في وجوب اسم الكفر لقائله كالتعطيل والتشريك.
(1) التعرّف لمذهب أهل التصوف (ص/33).
(2) أعلام الحديث: كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ
ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) (سورة الروم/27) (2/،147).
(3) المنهاج في شعب الإيمان (1/ 184).
فإذا أثبت المثبت أنه ليس كمثله شيء، وجماع ذلك أنه ليس بجوهر ولا عرض فقد انتفى التشبيه، لأنه لو كان جوهرا أو عرضا لجاز عليه ما يجوز على سائر الجواهر والأعراض، ولأنه إذا لم يكن جوهراً ولا عرض لم يجز عليه ما يجوز على الجواهر من حين إنها جواهر كالتآلف والتجسم وشغل الأمكنة والحركة والسكون، ولا ما يجوز على الأعراض من حيث إنها أعراض كالحدوث وعدم البقاء” اهـ.
5- وقال القاضي أبو بكر محمد الباقلاني المالكي الأشعري (403) ما نصه (1): “ولا نقول إن العرش له- أي الله- قرار ولا مكان، لأن الله تعالى كان ولا مكان، فلما خلق المكان لم يتغير عما كان” اهـ.
36- وقال أيضا ما نصه (2): “ويجب أن يعلم أن كل ما يدل على الحدوث أو على سمة النقص فالرب تعالى يتقدس عنه، فمن ذلك: أنه تعالى متقدس عن الاختصاص بالجهات، والاتصاف بصفات المحدثات، وكذلك لا يوصف بالتحول والانتقال، ولا القيام ولا القعود، ولأن هذه الصفات تدل على الحدوث، والله تعالى يتقدس عن ذلك” اهـ.
37- وقال الحافظ المؤرخ ابن عساكر (3) نقلا عن أبي عبد الله الحسين بن محمد الدامغاني: (وكان أبو الحسن التميمي الحنبلي يقول
(1) الانصاف فيما يجب اعتقاده ولا يجوز الجهل به (ص/65).
(2) المرجع السابق (ص/ 64).
(3) تبيين كذب المفتري: ترجمة الباقلاني (ص/ 221).
لأصحابه: تمسكوا بهذا الرجل- أي بالباقلاني- فليس للسنة عنه غنى أبدا. قال: وسمعت الشيخ أبا الفضل التميمي الحنبلي رحمه الله وهو عبد الواحد بن أبي الحسن بن عبد العزيز بن الحرث يقول: اجتمع رأسي ورأس القاضي أبي بكر محمد بن الطيب- يعني الباقلاني- على مخدة واحدة سبع سنين. قال الشيخ أبو عبد الله: وحضر الشيخ أبو الفضل التميمي يوم وفاته العزاء حافيا مع إخوته وأصحابه وأمر أن ينادي بين يدي جنازته: “هذا ناصر السنة والدين، هذا إمام المسلمين، هذا الذي كان يذب عن الشريعة ألسنة المخالفين، هذا الذي صنف سبعين ألف ورقة ردا على الملحدين “، وقعد للعزاء مع أصحابه ثلاثة ايام فلم يبرح، وكان يزور تربته كل يوم جمعة في الدار” اهـ.
38- وذكر الشيخ أبو الطيب سهل بن محمد الشافعي مفتي نيسابور (404 هـ) ما نقله عنه الحافظ البيهقي: “سمعت الشيخ أبا الطيب الصعلوكي يقول: “ُتضامّون” بضم أوله وتشديد الميم يريد لا تجتمعون لرؤيته- تعالى- في جهة ولا ينضم بعضكم إلى بعض فإنه لا يرى في جهة” اهـ، ذكر ذلك الحافظ ابن حجر في الفتح (1).
39- وقال أبو بكر محمد بن الحسن المعروف بابن فورك الأشعري (406 هـ) ما نصه (2): “لا يجوز على الله تعالى الحلول في الأماكن لاستحالة كونه محدودا ومتناهيا وذلك لاستحالة كونه محدثا” اهـ.
(1) فتح الباري (447/11).
(2) مشكل الحديث (ص/ 57).
40- وقال أيضا ما نصه (1): “واعلم أنا إذا قلنا إن الله عز وجل فوق ما خلق لم يرجع به إلى فوقية المكان والارتفاع على الأمكنة بالمسافة والإشراف عليها بالمماسة لشىء منها” اهـ.
41- وقال الأديب النحوي أبو علي المرزوقي (421 هـ) ما نصه (2): “الله تعالى لا تحويه الأماكن ولا تحيط به الأقطار والجوانب ” اهـ.
42- وقال الشيخ الإمام أبو منصور عبد القاهر بن طاهر التميمي البغدادي الإسفراييني (429 هـ) ما نصه (3): “وأجمعوا- أي أهل السنة- على أنه- أي الله- لا يحويه مكان ولا يجري عليه زمان ” اهـ.
43- وقال أيضا ما نصه (4): “لو كان الإله مقدرا بحد ونهاية لم يخل من أن يكون مقداره مثل أقل المقادير فيكون كالجزء الذي لا يتجزأ، أو يختص ببعض المقادير فيتعارض فيه المقادير فلا يكون بعضها أولى من بعض إلا بمخصص خصه ببعضها، وإذا بطل هذان الوجهان صح أنه بلا حد ولا نهاية” اهـ.
44- وقال الشيخ علي بن خلف المشهور بابن بطال المالكي (449 هـ) أحد شراح صحيح البخاري ما نصه (5): “غرض البخاري في هذا الباب الرد على الجهمية المجسمة في تعلقها بهذه الظواهر، وقد تقرر أن الله
(1) مشكل الحديث (ص/ 64).
(2) ا لأزمنة والأمكنة (1/ 92).
(3) الفرق بين الفرق (ص/ 333).
(4) أصول الدين (ص/ 73).
(5) فتح الباري (13/ 416).
ليس بجسم فلا يحتاج إلى مكان يستقر فيه، فقد كان ولا مكان، وإنما أضاف المعارج إليه إضافة تشريف، ومعنى الارتفاع إليه اعتلاؤه- أي تعاليه- مع تنزيهه عن المكان” اهـ.
45- وقال أيضا ما نصه: “لا تعلق للمجسمة في إثبات المكان، لما ثبت من استحالة أن يكون سبحانه جسما أو حالا في مكان ” اهـ. وقد نقله الحافظ ابن حجر العسقلاني مقرا وموافقا له (1)، مما يدل على أن هذه هي عقيدة أهل الحديث أيضا.
46- وقال أبو محمد علي بن أحمد المعروف بابن حزم الأندلسي (456 هـ)- وهو منتقد من العلماء على بعض مقالاته التي انفرد بها- ما نصه (2): ” وأنه تعالى لا في مكان ولا في زمان، بل هو تعالى خالق الأزمنة والأمكنة، قال تعالى: (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً)(سورة الفرقان/2)، وقال (قَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا)(سورة الفرقان/59)، والزمان والمكان هما مخلوقان، قد كان تعالى دونهما، والمكان إنما هو للأجسام اهـ.
47- وقال الحافظ أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي الشافعي (458 هـ) ما نصه (3): “والذي روي في ءاخر هذا الحديث (4) إشارة إلى نفي المكان
(1) المصدر السابق (13/ 433).
(2) أنظر كتابه علم الكلام: مسألة في نفي المكان عن الله تعالى (ص/ 65) !
(3) الأسماء والصفات (ص/ 400).
(4) أي حديث: “والذي نفس محمد بيده لو أنكم دليتم أحدكم بحبل إلى الأرض السابعة لهبط على الله تبارك وتعالى”, وهو حديث ضعيف.
عن الله تعالى، وأن العبد أينما كان فهو في القرب والبعد من الله تعالى سواء، وأنه الظاهر فيصح إدراكه بالأدلة، الباطن فلا يصح إدراكه بالكون في مكان. واستدل بعض أصحابنا في نفي المكان عنه بقول النبي (صلّى الله عليه و سلّم) “أنت الظاهر فليس فوقك شىء، وأنت الباطن فليس دونك شىء”، وإذا لم يكن فوقه شىء ولا دونه شىء لم يكن في مكان ” اهـ.
48- وقال أيضا ما نصه (1): ” أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: سمعت أبا محمد أحمد بن عبد الله المزني يقول: حديث النزول قد ثبت عن رسول الله (صلى الله عليه و سلّم) من وجوه صحيحة وورد في التنزيل ما يصدقه وهو (وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً)(الفجر/22) والنزول والمجيء صفتان منفيتان عن الله تعالى من طريق الحركة والانتقال من حال إلى حال, بل هما صفتان من صفات الله تعالى بلا تشبيه، جل الله تعالى عما تقول المعطلة لصفاته والمشبهة بها علوا كبيرا. قلت: وكان أبو سليمان الخطابي رحمه الله يقول: إنما ينكر هذا وما أشبهه من الحديث من يقيس الأمور في ذلك بما يشاهده من النزول الذي هو تدلٍّ من أعلى إلى أسفل وانتقال من فوق إلى تحت وهذه صفة الأجسام والأشباح، فأما نزول من لا تستولي عليه صفات الأجسام فإن هذه المعاني غير متوهمة فيه وإنما هو خبر عن قدرته ورأفته بعباده وعطفه عليهم واستجابته دعاءهم ومغفرته لهم يفعل ما يشاء لا يتوجه على صفاته كيفية ولا على أفعاله كمية سبحانه ليس كمثله شىء وهو السميع البصير” اهـ.
49- وقال أيضا ما نصه (2): “قال أبو سليمان الخطابي: وليس معنى
(1) السنن الكبرى (3/ 3).
(2) الأسماء والصفات: باب ما جاء في العرش والكرسي (ص/396- 397).
قول المسلمين: إن الله استوى على العرش هو أنه مماس له أو متمكن فيه أو متحيز في جهة من جهاته، لكنه بائن (1) من جميع خلقه، هـانما هو خبر جاء به التوقيف فقلنا به ونفينا عنه التكييف، إذ _ليس كمثله شيء” اهـ.
50- وقال أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري (465 هـ) في رسالته المشهورة ب “الرسالة القشيرية” عند ذكر عقيدة الصوفية ما نصه (2): “وهذه فصول تشتمل على بيان عقائدهم في مسائل التوحيد ذكرناها على وجه الترتيب. قال شيوخ هذه الطريقة على ما يدل عليه متفرقات كلامهم ومجموعاتها ومصنفاتهم في التوحيد: إن الحق سبحانه وتعالى موجود قديم لا يشبهه شىء من الفخلوقات، ليس بجسم ولا جوهر ولا عرض، ولا صفاته أعراض، ولا يتصور في الأوهام، ولا يتقدر في العقول، ولا له جهة ولا مكان، ولا يجري عليه وقت وزمان” انتهى باختصار.
51- وقال الفقيه المتكلم أبو المظفر الإسفراييني الأشعري (471 هـ) ما نصه (3): “الباب الخامس عشر في بيان اعتقاد أهل السنة والجماعة: وأن تعلم أن كل ما دل على حدوث شىء من الحد، والنهاية، والمكان، والجهة، والسكون، والحركة، فهو مستحيل عليه سبحانه وتعالى، لأن ما لا يكون محدثا لا يجوز عليه ما هو دليل على الحدوث ” اهـ.
(1) قال الكوثري: أي بمعنى أنه غير ممازج للخلق لا بمعنى أنه متباعد عن الخلق بالمسافة، تعالى الله عن القرب والبعد الحسيين والبينرنة الحتمية فليس في ذلك ما يطمع المجسمة في كلامه.اهـ.
(2) الرسالة القشيرية (ص/ 7).
(3) التبصير في الدين (ص/ 161)..
52- وقال الفقيه الإمام الشيخ أبو إسحاق الشيرازي الشافعي الأشعري (476 هـ) في عقيدته ما نصه (1): “وان استواءه ليس باستقرار ولا ملاصقة لأن الاستقرار والملاصقة صفة الأجسام المخلوقة، والرب عز وجل قديم أزلي، فدل على أنه كان ولا مكان ثم خلق المكان وهو على ما عليه كان ” اهـ.
53- وقال إمام الحرمين أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله الجويني الأشعري (478 هـ) ما نصه (2): “البارىء سبحانه وتعالى قائم بنفسه (3)، متعال عن الافتقار إلى محل يحله أو مكان يقله ” اهـ.
54- وقال أيضا ما نصه (4): “مذهب أهل الحق قاطبة أن الله سبحانه وتعالى يتعالى عن التحيز والتخصص بالجهات” اهـ.
55- وقال أيضا ما نصه (5): “واعلموا أن مذهب أهل الحق: أن الرب سبحانه وتعالى يتقدس عن شغل حيز، وبتنزه عن الاختصاص بجهة.
وذهبت المشبهة إلى أنه مختص بجهة فوق، ثم افترقت ءاراؤهم بعد الاتفاق منهم على إثبات الجهة، فصار غلاة المشبهة إلى أن الرب تعالى مماس للصفحة العليا من العرش وهو مماشه، وجوزوا عليه التحول والانتقال وتبدل الجهات والحركات والسكنات، وقد حكينا جملا من
(1) أنظر عقيدة الشيرازي في مقدمة كتابه شرح اللمع (1/ 101).
(2) الإرشاد إلى قواطع الأدلة (ص/ 53).
(3) اعلم أن معنى قيامه بنفسه هو استغناؤه عن كل ما سواه، فلا يحتاج إلى مخصص له بالوجود، لأن الاحتياج إلى الغير ينافي قدمه، وتد ثبت وجوب قدمه وبمائه.
(4) الإرشاد (ص/ 58).
(5) الشامل في أصول الدين (ص/ 511).
فضائح مذهبهم فيما تقدم” اهـ.
56- وقال الفقيه المتكلم أبو سعيد المتولي الشافعي الأشعري (478 هـ) أحد أصحاب الوجوه في المذهب الشافعي ما نصه (1): (ثبت بالدليل أنه لا يجوز أن يوصف ذاته- تعالى- بالحوادث، ولأن الجوهر متحيز، والحق تعالى لا يجوز أن يكون متحيزا” اهـ.
57- وقال أيضا ما نصه (2): “والغرض من هذا الفصل نفي الحاجة إلى المحل والجهة خلافا للكرامية والحشوية الذين قالوا:” إن لله جهة فوق” اهـ
58- وقال اللغوي أبو القاسم الحسين بن محمد المشهور بالراغب الأصفهاني (552 هـ) ما نصه (3): أوقرب الله تعالى من العبد هو بالإفضال عليه والفيض لا بالمكان” اهـ.
59- وقال الشيخ أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الشافعي الأشعري (505 هـ) ما نصه (4): ” (تعالى- أي الله- عن أن يحويه مكان، كما تقدس عن أن يحده زمان، بل كان قبل أن خلق الزمان والمكان وهو الان على ما عليه كان ” اهـ.
60- وقال أيضا في كتابه “إحياء علوم الدين) ما نصه (5): “الأصل السابع: العلم بأن الله تعالى منزه الذات عن الاختصاص بالجهات، فإن
(1) الغنية قي أضول الدين (ص/83).
(2) المرجع السابق (ص/ 73).
(3) المفردات في غريب القرءان (مادة: ق رب، س/ 399).
(4) إحياء علوم الدين: كتاب قواعد العقاند، الفصل الأول (1/ 108).
(5) إحياء علوم الدين: كتاب قواعد العقائ، الفصل الثالت، الاصل السابع (1/ 128).
الجهة إما فوق وإما أسفل وإما يمين وإما شمال أو قدّام أو خلف، وهذه الجهات هو الذي خلقها وأحدثها بواسطة خلق الإنسان إذ خلق له طرفين أحدهما يعتمد على الأرض ويسمى رجلا، والاخر يقابله ويسمى رأسا، فحدث اسم الفوق لما يلي جهة الرأس واسم السفل لما يلي جهة الرِّجل، حتى إن النملة التي تدب منكسة تحت السقف تنقلب جهة الفوق في حقها تحت وإن كان في حقنا فوقًا. وخلق للإنسان اليدين وإحداهما أقوى من الأخرى في الغالب، فحدث اسم اليمين للأقوى واسم الشمال لما يقابله وتسمى الجهة التي تلي اليمين يمينا والأخرى شمالا، وخلق له جانبين يبصر من أحدهما ويتحرّك إليه فحدث اسم القدّام للجهة التي يتقدم إليها بالحركة واسم الخلف لما يقابلها، فالجهات حادثة بحدوث الإنسان. ثم قال: “فكيف كان في الأزل مختصًا بجهة والجهة حادثة؟ أو كيف صار مختصا بجهة بعد أن لم يكن له؟ أبأن خلق العالم فوقه، ويتعالى عن أن يكون له فوق إذ تعالى أن يكون له رأس، والفوق عبارة عما يكون جهة الرأس، أو خلق العالم تحته، فتعالى عن أن يكون له تحت إذ تعالى عن أن يكون له رجل والتحت عبارة عما يلي جهة الرّجل: وكل ذلك مما يستحيل في العقل ولأن المعقول من كونه مختصّا بجهة أنه مختص بحيز اختصاص الجواهر أو مختص بالجواهر اختصاص العرض، وقد ظهر استحالة كونه جوهرا أو عرضا فاستحال كونه مختصًا بالجهة: وإن اريد بالجهة غير هذين المعنيين كان غلطا في الاسم مع المساعدة على المعنى ولأنه لو كان فوق العالم لكان محاذيا له، وكل محاذ لجسم فإما أن يكون مثله أو أصغر منه أو أكبر وكل ذلك تقدير محوج بالضرورة إلى مقدّر ويتعالى عنه الخالق الواحد المدبّر، فأما رفع الأيدي عند السؤال إلى جهة السماء فهو لأنها قبلة الدعاء، وفيه أيضا اشاره إلى ما هو وصف للمدعو من الجلال و الكبرياء تنبيها بقصد جهة العلو على صفة المجد والعلاء، فإنه تعالى فوق كل موجود بالقهر والاستيلاء” اهـ.
61- وقال لسان المتكلمين الشيخ أبو المعين ميمون بن محمد النسفي (في 50 هـ) ما نصه (1): “القول بالمكان- أي في حق الله- منافيا للتوحيد” اه
62- وقال أيضا (2): “إنا ثبتنا بالآية المحكمة التي لا تحتمل التأويل، وبالدلائل العقلية التي لا احتمال فيها أن تمكنه- سبحانه- في مكان مخصوص أو الأمكنة كلها محال ” اهـ.
63- وقال الإمام أبو القاسم سليمان (سلمان) بن ناصر الأنصاري النيسابوري (512 هـ) شارح كتاب “الإرشاد” لإمام الحرمين بعد كلام في الاستدلال على نفي التحيز في الجهة عن الله تعالى ما نصه (3): “ثم نقول سبيل التوصل إلى درك المعلومات الأدلة دون الأوهام، ورب أمر يتوصل العقل إلى ثبوته مع تقاعد الوهم عنه، وكيف يدرك العقل موجودا يحاذي العرش مع استحالة أن يكون مثل العرش في القدر أو دونه أو أكبر منه، وهذا حكم كل مختص بجهة” اهـ.
64- وقال أبو الوفاء علي بن عقيل البغدادي شيخ الحنابلة في زمانه (513 هـ) ما نصه (4): “تعالى الله أن يكون له صفة تشغل الأمكنة، هذا عين التجسيم، وليس الحق بذي أجزاء وأبعاض يعالج بها” اهـ.
65- وقال الشيخ أبو نصر عبد الرحيم بن عبد الكريم المعروف بابن
(1) و (2) تبصرة الأدلة (1/ 171 و 182).
(3) شرح الإرشاد (ق/ 58- 59)، مخطوط.
(4) الباز الأشهب: الحديث الحادي عشر (ص/ 86).
القشيري (514هـ) الذي وصفه العلى عبد الرزاق الطبسي بامام الأئمة كما نقل ذلك الحافظ ابن عساكر في كتابه “تبيين كذب المفتري ” ما نصه (1): “فالرب إذا موصوف بالعلو وفوقية الرتبة والعظمة منزه عن الكون في المكان ” اهـ.
66- وقال القاضي الشيخ أبو الوليد محمد بن أحمد قاضي الجماعة بقرطبة المعروف بابن رشد الجد المالكي (520 هـ) ما نصه: “ليس- الله- في مكان، فقد كان قبل أن يخلق المكان) اهـ. ذكره ابن الحاج المالكي في كتابه “المدخل” (2).
67- وقال ابن رشد أيضا (3): ” فلا يقال أين ولا كيف ولا متى لأنه خالق الزمان والمكان” اهـ.
68- وقال أيضا ما نصه (4): أوإضافته- أي العرش- إلى الله تعالى إنما هو بمعنى التشريف له كما يقال: بيت الله وحرمه، لا أنه محل له وموضع لاستقراره” أ هـ.
وذكر ذلك أيضا الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابه “فتح الباري لما (5) موافقا له ومقرا لكلامه.
(1) إتحاف السادة المتقين (108/2).
(2) المدخل: فصل في الاشتغال بالعلم يوم الجمعة (149/2).
(3) المدخل: نصانح المريد (3/ 181).
(4) المدخل: فصل في الاشتغال بالعلم يوم الجمعة (149/2).
(5) فتح الباري (7/ 124).
69- وقال أبو الثناء محمود بن زيد اللاَّمشي الحنفي الماتريدي من علماء ما وراء النهر (كان حيّا سنة 539 هـ) ما نصه (1): “ثم إن الصانع جل وعلا وعزَّ لا يوصف بالمكان لما مر أنه لا مشابهة بينه تعالى وبين شىء من أجزاء العالم، فلو كان متمكنّا بمكان لوقعت المشابهة بينه وبين المكان من حيث المقدار لأن المكان كل متمكن قدر ما يتمكن فيه. والمشابهة منتفية بين الله تعالى وبين شىء من أجزاء العالم لما ذكرنا من الدليل السمعي والعقلي، ولأن في القول بالمكان قولا بِقِدَمِ المكان أو بحدوث البارىء تعالى، وكل ذلك محالُ، لأنه لو كان لم يزل في المكان لكان المكان قديما أزليا، ولو كان ولا مكان ثم خلق المكان وتمكن فيه لتغير عن حاله ولحدثت فيه صفة التمكن بعد أن لم تكن، وقَبول الحوادث من أمارات الحَدَث، وهو على القدير محالٌ” اهـ.
70- وقال المحدّث أبو حفص نجم الدين عمر بن محمد النسفي الحنفي (537 ص) صاحب العقيدة المشهورة ب “العقيدة النسفية ” ما نصه (2): “والمُحدِثُ للعالَم هو الله تعالى، لا يوصف بالماهيَّة ولا بالكيفية ولا يَتمكَّن في مكان ” انتهى باختصار.
71- وقال أيضا ما نصه (3): “وقد وَرد الدليلُ السمعيُّ بإيجاب رؤية المؤمنين اللهَ تعالى في دار الآخرة، فيرى لا في مكان، ولا على جهة من مقابلة أو اتصال شُعاع أو ثبوتِ مَسافة بين الرائي وبين الله تعالى” اهـ.
(1) التمهيد لقواعد التوحيد (ص/ 62- 63).
(2) العقيدة النسفية (ضمن مجموع مهمات المتون) (ص/28). (3) المصدر السابق (ص/ 29).
72- وقال القاضي أبو بكر بن العربي المالكي . الأندلسي (543 هـ) ما نصه (1): “البارىء تعالى يتقدس عن أن يُحَدّ بالجهات أو تكتنفه الأقطار” اهـ.
73- وقال أيضا ما نصه (2): “إن الله سبحانه منزه عن الحركـة والانتقال لأنه لا يحويه مكان كما لا يشتمل عليه زمان، ولا يشغل حيزا كما لا يدنو إلى مسافة بشىء، متقدس الذا ت عن الآفات منزه عن التغيير، وهذه عقيدة مستقرة في القلوب ثابتة بواضح الدليل” اهـ.
74- وقال أيضا ما نصه (3): “الله تعالى يتقدس عن أن يحد بالجهات “
75- وقال أيضا ما نصه (4): “وان علم الله لا يحل في مكان ولا ينتسب إلى جهة، كما أنه سبحانه كذلك، لكنه يعلم كل شىء في كل موضع وعلى كل حال، فما كان فهو بعلم الله لا يشذ عنه شىء ولا يعزب عن علمه موجود ولا معدوم، والمقصود من الخبر أن نسبة البارىء من الجهات إلى فوق كنسبته إلى تحت، إذ لا ينسب إلى الكون في واحدة منهما بذاته ” اهـ.
76- وقال القاضي عياض بن موسى المالكي (544 ) ما نصه (5): “اعلم أن ما وقع من إضافة الدنو والقرب هنا من الله او إلى الله فليس بدنو مكان ولا قُرب مدى، بل كما ذكرنا عن جعفر بن محمد الصادق: ليس بدُنو حد،
صفة المجد والعلاء، فإنه تعالى فوق كل موجود بالقهر والاستيلاء” اهـ.
77- وقال الشيخ محمد بن عبد الكريم الشهرستاني الشافعي (548هـ) ما نصه (1): “فمذهب أهل الحق أن الله سبحانه لا يشبه شيئا من المخلوقات ولا يشبهه شىء منها بوجه من وجوه المشابهة والمماثلة”لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ” ( سورة الشورى/11). فليس البارىء سبحانه بجوهر ولا جسم ولا عرض ولا في مكان ولا في زمان ” اهـ.
78- وقال الشيخ سراج الدين علي بن عثمان الأوشي الحنفي (569 هـ) مانصه (2):
“نسمي الله شيئا لا كـالاشيا وذاتا عن جهات الست خالي ” اهـ
أي أن الله تعالى لا يحتاج إلى جهة ولا إلى مكان يحلُّ به لأنه خالق الأماكن والجهات. ومعنى الشىء: الثابت الوجود، قال الله تعالى:” قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللّهِ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ” (19) سورة الأنعام
79- وقال الحافظ المؤرخ أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله الشهير بابن عساكر الدمشقي (571 هـ) (3) في بيان عقيدته التي هي عقيدة أبي الحسن الأشعري نقلاً عن القاضي أبي المعالي بن عبد الملك ما نصه: “قالت النجارية: إن البارىء سبحانه بكل مكان من غير حلول ولا جهة. وقالت الحشوية والمجسمة: إنه سبحانه حالّ. في العرش وإن العرش
(1) نهاية الأقدام (ص/ 103).
( 2) أنظر منظومتة بدء الأمالي (ضمن مجموع مهمات المتون) (رقم البيت 7، ص/ 19).
(3) تبيين كذب المفتري (ص/ 150).
مكان له وهو جالس عليه – وهي عقدة ابن تيمية واتباعه الوهابية- فسلك طريقة بينهما فقال: كان ولا مكان فخلق العرش والكرسي ولم يحتج إلى مكان، وهو بعد خلق المكان كما كان قبل خلقه ” اهـ.
80- وقال أيضا في تنزيه الله عن المكان والجهة ما نصه (1):
“خـلـق السـمـاءكـمـايـشـا ءبـلادعـانـم مـسـتقـلـه
لالـلـتـحـيـزكـي تـكـو ن لـذاتـه جـهـة مـقـلـه
رب عـلـى الـعـرش اسـتـوى قـهـرا ويـنـزل لا بـنـقـلـه “اهـ
81- وقال الشيخ إمام الصوفية العارف بالله السيد أحمد الرفاعي الشافعي الأشعري (578 هـ) ما نصه (2): “وطهِّروا عقائدكم من تفسير معنى الاستواء في حقه تعالى بالاستقرار، كاستواء الأجسام على الأجسام المستلزم للحلول، تعالى الله عن ذلك. وإياكم والقول بالفوقية والسُّفْلية والمكان واليد والعين بالجارحة، والنزول بالإتيان والانتقال، فإن كل ما جاء في الكتاب والسنة مما يدل ظاهره على ما ذُكر فقد جاء في الكتاب والسنة مثله مما يؤيد المقصود” اه.
82- وقال أيضا ما نصه (3): “وقال الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه: من قال لا أعرف الله أفي السماء هو أم في الأرض، فقد كفر، لأن هذا القول يوهم أن للحق مكانا، ومن توهم أن للحق مكانا فهو مشبه ” اهـ.
(1) أنظر مقدمة تبيين كذب المفتري للكوثري (ص/ 2).
(2) البرهان المؤيد (ص/17 و 18).
(3) المصدر السابق (ص/ 18).
83- وقال أيضا ما نصه (1): “غاية المعرفة بالله الإيقان بوجوده تعالى بلا كيف ولا مكان ” اهـ.
84- وقال أيضا ما نصه (2): ” وأنه- أي الله- لا يحل في شىء ولا يحل فيه شىء، تعالى عن أن يحويه مكان، كما تقدَس عن أن يحده زمان، بل كان قبل خلق الزمان والمكان، وهو الآن على ما عليه كان ” اهـ.
85- وقال أيضا ما نصه (3): “لايحده تعالى المقدار، ولا تحويه الأقطار، ولا تحيط به الجهات، ولا تكتنفه السماوات وأنه مستوٍ على العرش على الوجه الذي قاله وبالمعنى الذي أراده، استواء منزَها عن المماسة والاستقرار والتمكن والتحول والانتقال، لا يحمله العرش، بل العرش وحملتُه محمولون بلطف قدرته، ومقهورون في قبضته، وهو فوق العرش، وفوق كل شىء إلى تخوم الثرى، فوقية لا تزيده قربا إلى العرش والسماء بل هو رفيع الدرجات عن العرش كما أنه رفيع الدرجات عن الثرى ” اهـ.
86- وكذا كان على هذا المعتقد السلطان المجاهد صلاح الدين الأيوبي رحمه الله (589 هـ) كما وصفه أصحاب التراجم: “شافعي المذهب، أشعري الاعتقاد”، وقد كان له اعتناء خاص بنشر عقيدة الإمام الأشعري رحمه الله فقد قال السيوطي ما نصه (4): “فلما ولي صلاح الدين بن أيوب أمر المؤذنين
(1) أنظر كتاب حكم الشيخ أحمد الرفاعي الكبير (ص/ 35- 36).
(2) إجابة الداعي إلى بيان اعتقاد الإمام الرفاعي (ص/ 44).
(3) المرجع السابق (ص/ 43).
(4)الوسائل إلى مسامرة الأوانل (ص/ 15).
في وقت التسبيح أن يعلنوا العقيدة الأشعرية، فوظف امؤذنين على ذكرها كل ليلة الى و قتنا هذا) اهـ أي إلى وقت السيوطي المتوفى سنة 911.اهـ