Search or ask ابحث او اسأل

اجماع السلف والخلف على استحسان التبرك بالنبي وءاثاره

بسم الله الرحمن الرحيم

التبرك بالنبي صلى الله عليه وسلم وآثاره

روى الحافظ ابن حجرٍ في كتابيه الإصابة في تمييز الصحابة وأسد الغابة عن صفية بنت بحرة قالت: استوهب عمي فراس من النبي صلى الله عليه وسلم قصعةً رءاه يأكل فيها فأعطاه إياها، قالوا: كان عمر إذا جاءنا قال: أخرجوا لي قصعة رسول الله صلى الله عليه وسلم فنخرجها إليه فيملؤها من ماء زمزم فيشرب منها وينضحه على وجهه اهـ.

النضح:الرش.

وأخرج مسلم في صحيحه عن عبد الله بن كيسان مولى أسماء بنت أبي بكرٍ قال أخرجت إلينا جبةً طيالسةً كسروانيةً لها لبنة ديباجٍ وفرجاها مكفوفان بالديباج فقالت هذه كانت عند عائشة حتى قبضت فلما قبضت قبضتها وكان النبي يلبسها فنحن نغسلها للمرضى نستشفي بها اهـ. قال الحافظ النووي في شرح مسلمٍ: وفي هذا الحديث دليل على استحباب التبرك بآثار الصالحين وثيابهم اهـ. قال القاضي عياض في شرحه على مسلمٍ: قولها “فنحن نغسلها للمرضى نستشفي بها” لما في ذلك من بركة ما لبسه النبي صلى الله عليه وسلم أو لمسه وقد جرت عادة السلف والخلف بالتبرك بذلك منه عليه السلام ووجود ذلك وبلوغ الأمل من شفاءٍ وغيره اهـ. والفرج يطلق على فتحة القميص، والديباج الحرير.

وروى الحافظ أبو يعلى عن ثابتٍ البناني قال: كنت إذا أتيت أنسًا يخبر بمكاني فآخذ بيديه وأقبلهما وأقول بأبي هاتان اليدان اللتان مستا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقبل عينيه وأقول بأبي هاتان العينان اللتان رأتا رسول الله صلى الله عليه وسلم اهـ. وثابت هو أحد كبار التابعين وكان تلميذًا خاصًا لأنس بن مالكٍ رضي الله عنهما.

وفي كتاب الشفا للقاضي عياضٍ أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يضع يده على مقعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنبر ثم يضعها على وجهه وهو تبرك بما مس من ثيابه صلى الله عليه وسلم اهـ.

وروى ابن أبي شيبة عن أبي مودودة قال حدثني يزيد بن عبد الملك بن قسيطٍ قال رأيت نفرًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا خلا لهم المسجد قاموا إلى رمانة المنبر القرعاء فمسحوها ودعوا.

قال الحافظ ابن الجوزي في كتابه صفة الصفوة وروى جعفر بن محمدٍ قال كان الماء يستنقع في جفون النبي صلى الله عليه وسلم فكان علي يحسوه أي يشربه أثناء غسلهم للنبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته.

وفي صحيح البخاري عن موسى بن عقبة قال: رأيت سالم بن عبد الله يتحرى أماكن من الطريق ويصلي فيها ويحدث أن أباه أي عبد الله بن عمر كان يصلي فيها وأنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في تلك الأمكنة اهـ. قال موسى حدثني نافع أن ابن عمر كان يصلي في تلك الأمكنة اهـ.

وروى ابن حبان في صحيحه عن نافعٍ قال: كان ابن عمر يتتبع أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكل منزلٍ نزله رسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل فيه فنزل رسول الله تحت سمرة فكان ابن عمر يجئ بالماء فيصبه في أصل السمر لكي لا ييبس اهـ. وذكر الحميدي في مسنده روايةً جاء فيها فجعل لها الماء من المكان البعيد حتى يصبه تحتها اهـ.
السمرة:من شجر الطلع.

 
أخرج البخاري ومسلم والنسائي أن عبد الله بن عمر كان يصلي بالبطحاء التي بذي الحليفة اهـ. أسوةً برسول الله صلى الله عليه وسلم حيث ورد أنه أناخ بالبطحاء وصلى بها. وقال مالك لا ينبغي لأحدٍ أن يجاوز المعرس إذا قفل راجعًا من المدينة اهـ.البطحاء موضع بمكة. والمعرس موضع.

ويقال أنخت الجمل فاستناخ أي أبركته فبرك.

روى البخاري في صحيحه عن عاصم الأحول قال رأيت قدح النبي صلى الله عليه وسلم عند أنس بن مالكٍ وكان قد انصدع فسلسله بفضةٍ قال وهو قدح جيد عريض قال: قال أنس وقد سقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا القدح أكثر من كذا وكذا اهـ. قال العيني في عمدة القاري: فيه أن الشرب من قدحه وءانيته من باب التبرك بآثاره اهـ. وقال الحافظ ابن حجرٍ في شرح البخاري: وذكر القرطبي في مختصر البخاري أنه رأى في بعض النسخ القديمة من صحيح البخاري قال أبو عبد الله البخاري: رأيت هذا القدح في البصرة وشربت منه وكان اشتري من ميراث النضر بن أنسٍ بثمانمائة ألفٍ اهـ. قال الحافظ النووي تعقيبًا على قدح أنسٍ يعني القدح الذي شرب منه رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا فيه التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم وما مسه أو لبسه أو كان منه فيه سبب وهذا نحو ما أجمعوا عليه وأطبق السلف والخلف عليه من التبرك بالصلاة في مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الروضة الكريمة ودخول الغار الذي دخله النبي صلى الله عليه وسلم وغير ذلك. ومن هذا إعطاؤه صلى الله عليه وسلم أبا طلحة شعره ليقسمه بين الناس وإعطاؤه صلى الله عليه وسلم حقوه لتكفن فيه ابنته رضي الله عنها وجعله الجريدتين على القبرين، وجمعت بنت ملحان عرقه صلى الله عليه وسلم، وتمسحوا بوضوئه صلى الله عليه وسلم، وأشباه هذه كثيرة مشهورة في الصحيح وكل ذلك واضح لا شك اهـ. والحقو بالفتح الإزار.

 
فانظر إلى قوله “وهذا نحو ما أجمعوا عليه وأطبق السلف والخلف عليه من التبرك” ففي هذا إعلام بأن السلف والخلف كلهم مجمعون على استحسان التبرك بكل ما ذكر فماذا يكون بعد هذا قول من شذ فحرم ذلك أو وصف الفاعل بالمبتدع أو المشرك والعياذ بالله، فيكون ذلك من هذا الشاذ نعتًا للصحابة ومن بعدهم من المسلمين بالشرك والبدعة المنكرة وأعظم بذلك افتراءً، قال عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه “ما رءاه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن وما رءاه المسلمون قبيحًا فهو عند الله قبيح” ولما ثبت أن الأمة لا تجتمع على ضلالةٍ لقوله صلى الله عليه وسلم: “لا تجتمع أمتي على ضلالة” ثبت أن ما أجمعت عليه الأمة من جواز التبرك بآثار نبيها صلى الله عليه وسلم هو الحق وأن من ضللهم وكفرهم هو الضال لأن “من قال قولاً يتوصل به إلى تضليل الأمة فهو مقطوع بكفره”.
 
قاله القاضي عياض المالكي والنووي الشافعي وغيرهما.

 
هذا والله أعلم.