الحمد لله وبعد فقد روى البخارى في صحيحه والبيهقي وابن الجارود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءه وفد من اليمن فقالوا يا رسول الله جئناك لنتفقه في هذا الدين فانبئنا عن بدء هذا الأمر ما كان فقال صلى الله عليه وسلم كان الله ولم يكن شىء غيره وكان عرشه على الماء وكتب في الذكر كل شىء ثم خلق السموات والأرض.
هؤلاء الذين جاءوا رسول الله ليسألوه عن أول شىء خلقه الله فكان جوابه صلى الله عليه وسلم عما هو أهم لأنه بدأ كلامه بالكلام عن الله فقال كان الله ولم يكن شىء غيره وكان هنا للأزلية أي كان الله في الأزل ولم يكن في الأزل إلا الله لا عرش ولا كرسي ولا ماء ولا فضاء ولا مكان ولا جهة ولم يكن في الأزل جنس العالم ولا أفراده لم يكن إلا الله ومعنى ذلك أن الله كان في الأزل موجودا بلا مكان ولا جهة وهذا منسجم مع قوله تعالى {هو الأول} أي هو الموجود الذي لا ابتداء لوجوده , ولا شىء لا ابتداء لوجوده إلا الله وهذا ما يشهد به العقل السليم والعقل السليم هو شاهد الشرع والشرع هو الأصل وكان الثانية في قوله { وكان عرشه على الماء} للحدوث أي خلق الله الماء ومن هذا الماء خلق العرش فالماء هو أصل المخلوقات وخلقه الله أي أبرزه من العدم إلى الوجود من دون أصل ثم الله لا يتغير لأن أقوى علامات الحدوث التغير فكما كان موجودا قبل خلق المكان والجهة بلا مكان ولا جهة لا يزال موجودا بعد خلقها بلا مكان أما ما ورد في الحديث الذي رواه النسائي في السنن الكبرى أن الله كتب كتابا قبل أن يخلق السموات والأرض بألفى سنة فهو عنده على العرش وإنه أنزل من ذلك الكتاب آيتين ختم بهما سورة البقرة وفي لفظ لمسلم فهو موضوع عنده أفاد ذلك صراحة أن ذلك الكتاب فوق العرش فوقية حقيقية فمن زعم أن الله فوق العرش حقيقة جعل هذا الكتاب مساويا لله وكلمة عند الواردةُ في لفظِ الحديث للتشريف ليس لإثبات تحيز الله فوق العرش لأن عند تستعمل لغير المكان قال الله تعالى {وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود مسومة عند ربك} وإنما تدل عند هنا أن ذلك بعلم الله وليس المعنى أن تلك الحجارة مساوية لله تعالى في المكان فمن يحتج بمجرد كلمة عند لإثبات المكان والتقارب بين الله وبين خلقه فهو من أجهل الجاهلين وهل يقول عاقل إن تلك الحجارة التى أنزلها الله على أولئك الكفرة نزلت من العرش إليهم وكانت مكومة بمكان في جنب الله فوق العرش؟ ثم ماذا يقول هؤلاء في قول الله تعالى حكاية عن ءاسية قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة هل يقولون إن عند هنا تفيد المكان ليثبتوا مكانا لله بزعمهم في الجنة فإن قالوا عند هنا تفيد التشريف أي أن الجنة مكان مشرف عند الله وهذا هو الحق قلنا كذلك رواية فهو موضوع عنده فوق العرش تفيد أن ذلك الكتاب في مكان مشرف عند الله وهو فوق العرش ومن لم يرض بهذا وأثبت لله مكانا فقد كفر قال الإمام أبو حنيفة: من قال لا أدرى الله في السماء أم في الأرض فقد كفر لأنه أثبت للحق مكانا.اهـ
قال الله تعالى: (فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلَّهِ الأَمْثَالَ) سورة :النّحل.