ذو القرنين رضي الله عنه وقوم يأجوج ومأجوج
اسمه الصعب بن الحارث وقيل الصعب بن ذي مرائد وهو أشهر التبابعة الذين هم ملوك اليمن وذكره أحد أحفاده في شعر قديم منه:
قد كان ذو القرنين جدي مسلما … ملكا علا في الأرض غير مبعّدِ
بلغ المشارق والمغارب يبتغي … أسباب ملك من كريم سيِّدِ
ويروى أن سيدنا الخضر كان وزيره وعلى مقدمة جيشه. وقد حج ذو القرنين ماشيا من اليمن الى مكة المكرمة والتقى بسيدنا إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام وطاف معهما حول الكعبة المشرفة وذبح الذبائح لله تعالى، ولما سمع سيدنا إبراهيم بقدومه استقبله ودعا له وأوصاه بوصايا، وجيء له بفرس ليركبها فقال تأدبا: لا أركب في بلد فيه الخليل إبراهيم عليه السلام، فسخر الله تعالى له السحاب وبشره سيدنا إبراهيم بذلك فكانت تحمله إذا أراد. وكان من أمره أن الله مد له في عمره، ونصره حتى قهر البلاد وفتح المدائن وسار حتى أتى المشرق والمغرب فمن اتبع دين الإسلام سلم، وإلا فقد أخزاه. ومما أكرمه الله به من الكرامات الباهرة أن علمه معالم الأرض وءاثارها وكان لديه فهم للغات المختلفة، فكان لا يغزو قوما إلا ومن النعم التي أعطيت له أن الله سخر له نورا وظلمة، فكان إذا مشى في الليل ينور طريقة ويكون الظلام خلفه، وأحيانا تسلط الظلمة بإذن الله على أقوام رفضوا دين الإسلام وحاولوا محاربة ذي القرنين، فتدخل الظلمة أفواهم وبيوتهم وتغشاهم من جميع الجهات حتى يتراجعوا، وهذا ما حصل معه حين سار ذات يوم إلى موضع في المغرب حيث تغرب الشمس فرأى هناك قوما كافرين، قد ظلموا وأجرموا وأكثروا الفساد وسفكوا الدماء، فخيرهم بين أن يعذبوا بعذاب شديد ويوضعوا في ثيران نحاسية محماة وبعد موتهم يكون لهم عذاب أكبر يوم القيامة، وبين أن يؤمنوا ويعملوا الصالحات فيكون لهم النعيم الكبير في الجنة، وأقام فيهم مدة ينشر الهدى والخير.
والصعب ذو القرنين أمسى ملكه … ألفين عاما ثم صار رميما
ولما رأى أهل ما بين الجبلين أن ذا القرنين ملك قوي، شديد المراس، واسع السلطان، كثير الأعوان، التجأوا إليه طالبين أن يقيم سدا بينهم وبين جيرانهم، يفصل بلادهم، ويمنع عنهم عدوانهم، على أن يعطوه اجره، فقال ذو القرنين بعفة وصلاح: ما مكنني فيه ربي وأعطاني من الملك خير لي من الذي تجمعونه، ولكن ساعدوني بقوة عملكم وبالآت البناء لعمل السد، فجاءوه بقطع الحديد الضخمة حسب طلبه فكانت كل قطعة تزن قنطارا أو أكثر، ووضعهما بين الجبلين الواحدة فوق الأخرى من الأساس حتى إذا وصل قمة الجبلين أحاط القطع الحديدية بالفحم والخشب وأضرم النار فيها، وأمر بالنفخ عليها بالمنافخ حتى تحمى، ثم جاء بالنحاس المذاب مع الرصاص فأفرغهما على تلك القطع الحديدية فالتأمت واشتدت والتصقت ببعضها حتى صارت سدا شامخا أملس سميكا جدا يصل ارتفاعه إلى مائتين وخمسين ذراعا يصعب الصعود عليه إذ لا نتوء ولا ثـقوب فيه ويصعب بالتالي ثـقبه.