الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد سيد الاولين والآخرين وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين
ايها الأحبة هذا درس في التصوف الإسلامي الحقيقي اعلموا أن الله تبارك وتعالى اذا اراد بانسان خيرا كبيرا يفقهه في الدين، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين وهذا معناه ان من لم يرد الله به خيراً كثيراً لا يفقهه في الدين بل يعيش جاهلاً. فمن تعلم القدر الضروري في العقيده ثم الصلاة والطهاره وتعلم معاصي القلب واليد والرجل واللسان والبطن والبدن وتجنب المحرمات كلها وادى الواجبات كلها واكثر من السنن يصير ولياً، اما بدون هذا فلا يصير ولياً بمجرد الذكر لا يصير ولياً. الانسان الذي لم يتعلم علم الدين الضروري هو كالاناء الفارغ الاناء الفارغ يقبل ما يصب فيه ان كان شيئأ طاهراً وإن كان شيئاً نجساً، وبالعلم يعرف العمل الذي يحبه الله والعمل الذي لا يحبه الله. وافضل الاعمال العلم افضل شىء ينفع في الآخره العلم فهو سبيل النجاة في الآخرة وأما هؤلاء الذين يقولون نحن أهل الحقيقه وأنتم أهل الشريعه نحن أهل الباطن وأنتم أهل الظاهر وهم لا يعملون بشريعة الله فيقال لهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل عمل ليس عليه أمرنا هذا فهو رد يفهم من هذا الحديث أن كل ما يفعله الإنسان اذا لم يوافق شريعة الرسول صلى الله عليه وسلم فهو مردود.
الحقيقة والشريعة واحد، الحقيقة باطن الشريعه هما شىء واحد ليسا متضادين ولا يصل الى الحقيقة الا من تمسك بالشريعه الكرامات والكشوفات لا يصل اليها الا من عمل بالشريعة على التمام فبدون الشريعة مستحيل أن يصل الانسان الى ذلك فهذا الجنيد سيد الطائفة الصوفيه رضي الله عنه المتوفى سنة مائتين واثنتين وتسعين قال ما أخذنا التصوف بالقال والقيل ولكن أخذناه بالسهر والجوع وترك المألوفات والمستحسنات لأن التصوف صفاء المعاملة مع الله كما قال حارثه رضي الله عنه عزفت نفسي عن الدنيا أسهرت ليلي واظمأت نهاري فكأني بعرش ربي بارزا وكأني بأهل الجنة يتزاورون فيها وكأني بأهل النار يتعاوون فيها. فمعنى كلام الجنيد رضي الله عنه أن التصوف ليس بالقال والقيل قال ابو يزيد كذا قال الحلاج كذا قال فلان كذا قال ولكن أخذناه بالسهر والجوع معناه نصوم كثيراً من النوافل ونقوم الليل بعضهم يقوم نصف الليل وبعضهم ثلثه او اقل او اكثر على حسب نشاط الشخص قال رضي الله عنه ولكن أخذناه بالسهر والجوع وترك المألوفات والمستحسنات اي ترك هوى النفس ترك شهوات النفس واما قوله رضى الله عنه لأن التصوف صفاء المعامله اي ان يعامل العبد ربه معاملة صافيه هذا هو التصوف اما هؤلاء الجهال الذين عندهم التصوف هو الاناشيد وحمل المسبحه وقال فلان كذا وقال فلان كذا فهؤلاء كسالى يدّعون التصوف ولا يعملون بطريقة أولئك كالجنيد هذا الجنيد رضي الله عنه كان عالماً متبحرا حتى قال ما جعل الله سبيلاً لخلقه الى علم الا اعطاني حظاً من ذلك، يعني كل فنون العلم من الحديث والفقه والنحو والبلاغة والحساب والفرائض وغير ذلك الله اعطاني من كل ذلك حظا.
ما كان جاهلا كهؤلاء الذين لو سئلوا عن احكام الوضوء ما عرفوه لكن لا يشترط ان يكون الشخص كالجنيد أخذ من كل علم حظاً وافرا يكفي ان يتعلم الشخص علم الدين الضروري ما يصحح به صلاته وصيامه وما يحل أكله وما يحرم واحكام البيع لأن القرآن ما نزل بالعبادات فقط فيه عن البيع واحكام الشراء وعدة النساء والجنايات اي حكم القاتل عمدا وحكم القاتل خطأ. فمن تعلم القدر الضروري الذي لا بد منه لتصحيح صلاته وصيامه وعقيدته ومعرفة الحلال والحرام مع تعلمه احكام الصلاه والطهاره وما يتبع ذلك فهذا اذا جد في العمل صار صوفياً هذا يستحق أن يعطيه الله الحقيقه. أما هؤلاء الذين ما تعلموا علم الدين الضروري انما حظهم انهم يعرفون استعمال المسبحه والأناشيد والفاظ الذكر فهيهات هيهات أن يكونوا صوفيه مستحيل أن يكونوا صوفيه واساس هذا كله التوحيد معرفة الله كما يجب.
كان رجل يقال له حارثه بن مالك من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم لقيه الرسول عليه الصلاة والسلام فقال له كيف اصبحت يا حارثه فقال أصبحت مؤمنا حقا فقال الرسول صلى الله عليه وسلم انظر ما تقول فإن لكل مقال حقيقه فما حقيقة مقالك فقال رضي الله عنه عزفت نفسي عن الدنيا يعني قطعت نفسي عن التعلق بالدنيا أسهرت ليلي واظمأت نهاري اي اقوم الليل واصوم النهار وكأني بعرش ربي بارزا اي كأني أشاهد العرش عياناً من شدة اليقين الذي صار عندي وكأني بأهل الجنة يتزاورون فيها أي كأني ارى اهل الجنه يزور بعضهم بعضا في الجنه وكأني بأهل النار يتعاوون فيها أي كأني ارى اهل النار يتعاوون فيها أي يصرخون من شدة الالم فيها فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم اصبحت مؤمنا حقا الزم عبد نوّر الله الايمان في قلبه.
هؤلاء الصوفيه هؤلاء الله يمنحهم الكرامات ويخرق لهم العادات ابو مسلم الخولاني رضي الله عنه كان من التابعين من اهل اليمن ولد في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم لكنه لم يره وفي زمانه قبل وفاة الرسول إدعى شخص النبوه فصار ابو مسلم يكذبه ويقول للناس هذا كذاب فعرف به الأسود العنسي بلغه الخبر فقال ائتوا به فتكلم معه فكذبه ابو مسلم في دعواه انه رسول الله فقال اشعلوا ناراً فاشعلوا ناراً فرموه فيها فما احرقته ثم في اليوم الثاني فعل مثل ذلك فلم تحرقه النار ثم في اليوم الثالث فعل مثل ذلك فلم تحرقه النار فقال له جماعته الذين آمنوا به اخرج هذا الرجل من ارضك حتى لا يفسد عليك الناس فنفاه. هذا ابو مسلم بلغ خبره سيدنا عمر رضي الله عنه ثم سيدنا عمر عرفه لما رآه بالكشف وذلك لما حضر أبو مسلم الى المدينه المنوره فقال له عمر انت ابو مسلم الخولاني قال نعم فقام سيدنا عمر فقبله بين عينيه وقال الحمد لله الذي جعل في امة محمد من هو مثل خليل الرحمن ابراهيم. هذا ابو مسلم رضي الله عنه في بعض الايام نام وهو يذكر الله تعالى فصارت السبحة تدور على يده وتذكر وهو نائم هذا لولا أنه متمسك بالشريعه ما حصل له ذلك هؤلاء هم الذين جمعوا بين الحقيقة والشريعة.
امااليوم فاكثر الذين يدعون التصوف هم فارغون من حقيقة التصوف جهال يشتغلون بقيل وقال وبمجالس يحرفون فيها اسم الله وبدل ان يقولوا الله يقولوا آه آه او أح اح ونحو ذلك من الالفاظ التي فيها تحريف وقد سئل الشيخ سليم البشري شيخ الجامع الازهر رحمه الله قبل نحو ثمانين سنه عن هذه المجالس قال حضور مجالس هؤلاء الذين يحرفون اسم الله حرام. في الشام بعض مدعي التصوف يعملون حلقات ذكر يبدأون باللفظ الصحيح ثم يتماسكون بأيدهم وقوفاُ يعملون حلقه فيرقصون ويغيرون لفظ الذكر بدل أن يقولوا الله الله يقولون آه آه ويكون في وسط الحلقة واحد يرتب لهم الحركات والنغمات واذا واحد ذكر الله امامهم ذكراً صحيحاً يقولون له والعياذ بالله وحد الله كأنه عمل غلطاً فإنا لله وإنا اليه راجعون. نسأل الله تبارك وتعالى أن يثبتنا على نهج النبي صلى الله عليه وسلم وأن يكرمنا برؤيته وشفاعته وسبحان الله وبحمده والحمد لله رب العالمين.