من مواعظ سيدنا لقمان عليه السلام
سيدنا لقمان رجل حكيم اختلف في نبوته والأرجح أنه رجل ولي صالح ءاتاه الله الحكمة وليس بنبي. قال الله: {وَلَقَدْ ءاتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ} سورة لقمان الآية 12.
واسمع أخي المسلم إلى وعظ لقمان لابنه كما جاء في القرءان، قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} سورة لقمان الآية 13.
استفتح لقمان ينصح ابنه بالابتعاد عن الشرك وحذّره منه ووصفه بأنه ظلم عظيم وهذا دأب الأنبياء والصالحين أن الأمر بالتوحيد والإيمان والابتعاد عن الشرك هذا أهمّ ما يوجّه به العبد على الإطلاق.
سيدنا لقمان بعد أن حذّر ولده من الشرك يقول له: { يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ } سورة لقمان 16.
فبعد أن حذّره من الشرك ها هو يعطيه درسًا في التوحيد بأن الله على كل شىء قدير وأن الله أحاط بكل شىء علمًا حتى لو كانت مثقال ذرّة لا تعجز الله، فالله يأتي بـها ولو كانت في أبعد مجاهل الكون، وهذا الكلام يذكّرنا بحديث جندب بن عَبْد اللّه، قَالَ:” كنا مع النبي صلى اللّه عليه وسلم ونحن فتيان حزاورة. فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرءان. فازددنا به إيمانا”. رواه ابن ماجه، قال الحافظ البوصيري في الزوائد: إسناد هذا الحديث صحيح. رجاله ثقات اهـ. (حزاورة) جمع الحَزَوَّر وهو الغلام إذا اشتد وقوي وحزم اهـ. وفي رواية عند الطبراني في المعجم الكبير: عن جندب: قال كنا مع نبينا صلى الله عليه وسلم فتيانا حزاورة فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرءان ثم تعلمنا القرءان فنزداد به إيمانا فإنكم اليوم تعلمون القرءان قبل الإيمان.اهـ
وبعد أن انتهى سيدنا لقمان من تلقين ولده الأصول تكلم في الفروع فقال: { يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} سورة لقمان 17 .
تكلّم في الفروع في عظته من بعد الأصول فأمر ولده بأهمّ الفرائض بعد الإيمان وهي الصلاة التي كانت فرضًا على كلّ الأمَم السابقة ثم وعظه أن يلتزم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهما من الأركان التي يقوم عليها المجتمع الصالح وذلك بأن يأمر بالفرائض والواجبات وأولاها الإيمان وينهى عن المنكرات وأخطرها الكفر بأنواعه والعياذ بالله ثُمّ يرشده إلى الصبر، فالصبر ضياء كما جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . فالإيمان لا بدّ له من الصبر للثبات عليه، وكذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يصبر لِما قد يلحقه من أذى الناس، وكذلك سائر العبادات.
وبعد ذلك راح سيدنا لقمان عليه السلام يعلّمه على مكارم الأخلاق فقال لولده: { وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} سورة لقمان 18 .
قال الْـهَـــرَوي في قوله: {ولا تُصَعِّر} أي لا تعرض عنهم تكبّرًا عليهم. وقال القرطبي في تفسيره وفي الحديث: “يأتي على الناس زمان ليس فيهم إلا أصْعَرُ أو أبتر“. والأصعر المعرض بوجهه، وأراد رُذالة الناس الذين لا دين لهم.
وقال القرطبي: {ولا تمشِ في الأرض مرحًا} “أي متبخترًا متكبِّرًا”. ثم قال: “وأهل هذا الخلق ملازمون للفخر والْخُيلاء، فالمرح مختال في مشيته”.
ثم أرشد ولده خُلقًا ونـهاه عن ءاخر فقال: { وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} سورة لقمان 19 .
قال القرطبي: “في قوله { وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ} أي توسط فيه ما بين الإسراع والبطء أي لا تدبّ دبيب المتماوتين ولا تثب وثب الشُطار”. والشطار جمع شاطر، والشاطر هو الذي أعيا أهله خبثًا .
وقال: “في قوله { وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ} أي انقص منه ولا تتكلف رفع الصوت وخذ منه ما تحتاج إليه فإن الجهر بأكثر من الحاجة تكلّفٌ يؤذي والمراد بذلك كله التواضع” .
وأما قوله: { إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} أي أقبحها وأوحشها. والحمار مثل في الذم البليغ والشتيمة، وكذلك نـهاقه.
وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: “وإذا سمعتم نهيق الحمير فتعوذوا بالله من الشيطان فإنها رأت شيطانًا” .
ونختم بفائدة هامّة وهي أن طالبًا من اليمن كان يدرس في بلاد الغرب في علم اللغة فقال أحد المحاضرين: لقد توصلت إلى اكتشاف لغوي لم أسبق إليه ألا وهو وبعد جهد عشرين سنة من الدراسة توصلت إلى نظرية تثبت أن صوت الحمار هو أقبح الأصوات. فقام اليمني وقال له: نحن نعرف ذلك منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا. فقال وكيف ؟ قال ذلك مذكور في القرءان . فقال أرني. فجيء بالمصحف والترجمة فرأى ذلك عِيانًا. فمن شدّة غيظه مزّق الدراسة وقال ضيّعت عمري في أمر يعرفه المسلمون منذ مئات السنين.