قصة وفاة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ودفنه
ثمَّ لمَّا كانَ ءاخرُ الأمرِ منهُ أنَّ عِرْقَ قلبهِ انقطعَ من أَثَرِ هذا السُّمِّ نالَ الشَّهادة. فلولا أنَّ الله أراد لنبيِّهِ الشَّهَادَةَ لكانتْ ذراعُ الشَّاةِ أخبرتهُ قبلَ أنْ يمضُغ هذه اللُّقْمَةَ. لكنْ بما أنَّ الله أراد له الشَّهَادَةَ ما أنطقَ ذراعَ الشَّاةِ إلَّا بعدَ أن بلعَ لقمةً واحدة.
ومُدَّةُ مَرَضهِ الذي ماتَ فيهِ إثنا عَشَرَ يومًا. كانَ قال لعائشةَ في مَرَضِ وفاتهِ “يا عائشةُ لا أزالُ أجدُ أَلَمَ الطَّعامِ الذي أكلتُ بخيبرَ ، فهذا أوانُ وجدتُ انقطاعَ أَبْهَرِي من ذلكَ السُّمِّ” رَوَاهُ البخاريُّ في (صحيحه). قال صاحبُ العُجَالةِ السَّنِيَّةِ على ألفيَّة السِّيرة النبويَّة للحافظِ العراقيِّ في الصَّحيفة 348 من كتابهِ ما نصُّه [وتُوُفِّيَ رسولُ الله شَهيدًا يومَ الإثنينِ من ربيعٍ الأَوَّل]ا.هـ.
وفي (فتح الباري)/كتاب المغازي/كتاب الطِّبِّ لابنِ حَجَرٍ أنَّ اسمَ اليهوديَّة التي دَسَّتِ السُّمَّ لرسول الله ، صلَّى الله عليه وسلَّم ، هو زينبُ بنتُ الحارثِ ، وقد اختُلف في إسلامِها .
وفي (سننِ أبي داود) أنها أختُ مَرْحَب .
وفي (سننِ أبي داود) أيضًا عن جابرِ بنِ عبدِ الله أنَّ الرَّسُولَ لم يُرَخِّصْ بقتلِها ..
وفي (صَحِيحَيْ البخاريِّ ومسلم) عن أنسِ بنِ مالكٍ أنَّ رسولَ الله ، صلَّى الله عليه وسلَّم ، لم يُرَخِّصْ بقتلِ اليَهُودِيَّةِ التي دَسَّتْ له السُّمَّ في ذراعِ الشاة.
وفي (سننِ أبي داودَ) أنَّ بِشْرَ بنَ البَراءِ بنِ مَعْرورٍ الأنصارِيَّ كان قد أكلَ من تلكَ الذِّراعِ المسمومةِ مَعَ رسولِ الله وأنه ماتَ بهذا السُّمِّ.
والظَّاهرُ أنَّ الرَّسُولَ لم يُرَخِّصْ بقتلها أَوَّلَ الأمر، ولكنْ بعد مَوْتِ صاحبهِ بِشْرِ بنِ البَراءِ بنِ مَعْرُورٍ الأنصارِيِّ أَمَرَ بقتلها. ففي (سننِ أبي داودَ) عن أبي هريرةَ أنه أمرَ بها فقُتِلَتْ. وفيهِ أيضًا بإسنادٍ ءاخَرَ أنَّ الرَّسُولَ لمَّا ماتَ بِشْرُ بنُ البَراءِ بنِ مَعْرُورٍ أمرَ رسولُ الله بها فقُتِلَتْ.
وتُوُفِّيَ رسولُ الله ضُحَى الإثنينِ لاثْنَتَيْ عَشْرَةَ خَلَتْ من شهرِ ربيعٍ الأَوَّلِ سَنَةَ إحدَى عَشْرَةَ من الهجرةِ وغَسَلَهُ عَمُّهُ العَبَّاسُ وابناهُ قُثَمُ والفَضْلُ وابنُ عَمِّهِ عليُّ بنُ أبي طالب وشُقْرانُ مولى رسولِ الله وأسامةُ بنُ زيدِ بنِ حارثةَ وكُفِّنَ في ثلاثةِ أثواب بيضٍ ليسَ فيها قميصٌ ولا عِمامة. وصلَّى عليه المسلمونَ أَفْذَاذًا لا يَؤُمُّهُمْ أحدٌ. ودخلَ قبرَه عمُّه العَبَّاسُ وابناهُ قُثَمُ والفَضْلُ وابنُ عَمِّهِ عليُّ بنُ أبي طالب وشُقْرانُ مولى رسولِ الله.
ودُفِنَ ليلةَ الأَربعاء .. وقيل دُفِنَ يومَ الثلاثاء .. وما عَجَّلُوا بدفنهِ علمًا بأنَّ الأَوْلى تعجيلُ دَفْنِ الميتِ المسلم . وإنما أَخَّرَ الصَّحابةُ دفنَه من ضُحَى يومِ الإثنينِ إلى ليلةِ الأَربعاء من أجلِ تنظيم شؤونِ الأُمَّةِ لأنهم خافوا أنْ يَتَصَدَّعَ أمرُ الأُمَّةِ فتداركوا الأمرَ واشتغلوا بنصبِ خليفةٍ لرسولِ الله. فنصَبوا أبا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ، رضيَ الله عنه، خليفةً. ثمَّ بعد ذلكَ وفي مساء اليومِ الذي تَمَّتْ فيهِ البَيْعَةُ لأبي بكرٍ دفنوا رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم.
لا يُكْرَهُ تأخيرُ دَفْنِ المَيْتِ المسلمِ إذا كانَ هذا التأخيرُ لسببٍ شرعيٍّ أي لمصلحةٍ دينيَّة.
ودُفِنَ رسولُ الله في الموضعِ الذي تُوُفِّيَ فيه. وهو حُجْرَةُ عائشة.
رَوَى مالكٌ في (المُوَطَّإ) أنَّ رسولَ الله، صلَّى الله عليه وسلَّم، تُوُفِّيَ يومَ الإثنينِ ودُفِنَ يومَ الثلاثاء وصلَّّى النَّاسُ عليه أفذاذًا لا يَؤُمُّهُمْ أحدٌ فقال ناسٌ يُدْفَنُ عندَ المنبرِ وقال ءاخَرُونَ يُدْفَنُ بالبقيع. فجاء أبو بكرٍ الصِّدِّيقُ فقال سمعتُ رسولَ الله يقول “ما دُفِنَ نبيٌّ قَطُّ إلَّا في مكانهِ الذي تُوُفِّيَ فيه”. فَحُفِرَ له فيه. فلمَّا كانَ عندَ غُسْلهِ أرادوا نَزْعَ قميصهِ فسمعوا صوتًا يقول “لا تَنْزِعُوا القميص”ا .. فغُسِّلَ وهو عليه .. ثمَّ حفروا له تحتَ فراشهِ ودفنوه .
كانتْ عائشةُ بنتُ أبي بكرٍ زوجةُ رسولِ الله، صلَّى الله عليه وسلَّم، رأتْ في منامِها قبلَ وفاةِ الرَّسُولِ ثلاثةَ أقمارٍ وَقَعْنَ في بيتِها. فلمَّا ماتَ الرَّسُولُ قال لها أبو بكر “هذا أحدُ أقمارِك الثَّلاثة “.
ثمَّ ماتَ أبو بكر ودُفِنَ إلى جانب الرَّسول. ثمَّ بعدَ أنْ طُعِنَ عُمَرُ بنُ الخَطَّاب قال له بعضُ الأطبَّاء ” أَوْصِ” .. فقال “إستأذِنوا عائشةَ في أنْ أُدْفَنَ في بيتها”. فسألوها فأَذِنَتْ من طيبِ نفسِها فدُفِنَ إلى جانبِ أبي بكر.
رُوِيَ أَنَّ السَّيِّدَةَ الجليلةَ عائشةَ زَوْجَ النبيِّ، عليه الصَّلاةُ والسَّلام، كانتْ قد رأتْ في المنام ثلاثةَ أقمارٍ سَقَطْنَ في بيتِها. فَقَصَّتْ رؤيتَها على أبيها أبي بكرٍ فقال لها “إنْ صَدَقَتْ رُؤْياكِ يُدْفَنُ في بيتكِ ثلاثةٌ هم خيرُ أهلِ الأرض” .. فلمَّا دُفِنَ النبيُّ المصطفى، صلَّى الله عليه وسلم، قال لها ا”هذا خيرُ أقماركِ الثلاثةِ الذينَ نَزَلُوا حُجْرَتَكِ قد حَلَّ الدَّار” .. ثمَّ دُفِنَ بعدَ ذلكَ في حُجْرَةِ عائشةَ، أيْ بيتِها، صاحبا رسولِ الله أبو بكرٍ الصِّدِّيقُ ثمَّ عُمَرُ بنُ الخَطَّاب .. فهُمَا، رضيَ الله عنهما، الضَّجيعانِ للنبيِّ من الأقمارِ الثَّلاثة .. وهو، صلَّى الله عليه وسلم، خيرُ جارٍ في المماتِ وخيرُ جارٍ في الحياة .
قال بعضُ العلماء “إنَّ التُّرابَ الذي ضَمَّ النبيَّ في قبرِه أفضلُ عندَ الله تعالى من العرشِ الذي هو سقفُ الجنَّة” .
رَوَى الدَّارِميُّ في (سننه) أنَّ كَعْبًا لمَّا دَخَلَ على أُمِّ المؤمنينَ عائشةَ، رضيَ الله عنها ، أتى الحاضرونَ على ذكرِ رسولِ الله، صلَّى الله عليه وسلَّم، فقال كَعْبٌ “ما مِنْ يومٍ يَطْلُعُ إلَّا نزَل سبعونَ ألفًا من الملائكةِ حتَّى يحُفُّوا بقبرِ النبيِّ ، صلَّى الله عليه وسلَّم، يضرِبون بأجنحتهم ويُصَلُّونَ على رسولِ الله حتَّى إذا أمسَوا عرجوا وهبط مثلُهم فصنعوا مثلَ ذلكَ حتَّى إذا انشقَّت عنه الأرضُ، يومَ القيامةِ، خَرَجَ في سبعينَ ألفًا من الملائكةِ يَزِفُّونهُ”. ورَوَى مثلَه ابنُ النَّجَّارِ عن كَعْبِ الأحبارِ أيضًا والبيهقيُّ في شُعَبِ الإيمان .
هؤلاء الألوفُ من الملائكةِ يَنْزِلُونَ كُلَّ يومٍ إلى قبرِ رسولِ الله ليحُفُّوا بقبرِه الشَّريفِ ويضرِبوا بأجنحتهم أيْ ليتمسَّحوا بهِ تَبَرُّكًا .. فمن أينَ لهؤلاء الجُهَّالِ أنْ يُنْكِرُوا التَّمَسُّحَ بقبرِ رسولِ الله تَبَرُّكًا . وهذا الحديثُ ثابتٌ صحيحٌ عندَ أهلِ السُّنَّةِ وثابتٌ أيضًا عندَ ابنِ القَيِّمِ الجَوْزِيَّةِ الذي تأتمُّ به الوَهَّابيَّة . فقد أَوْرَدَهُ ابنُ القَيِّمِ في كتابهِ المُسَمَّى (جَلاءُ الأفهام) مستحسنًا له من غيرِ أَنْ يُنْكِرَهُ.