الغلط في التوحيد هلاك كبير يؤدي إلى الكفر
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رســـول الله محمد :
اللهُ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى مَوْجُودٌ لا يُشْبِهُ ﭐلْمَوْجُودَاتِ. ذَاتُهُ أَزَلِيٌّ أَبَدِيٌّ لَمْ يَسْبِقْ لَهُ عَدَمٌ وَلا يَلْحَقُهُ عَدَمٌ. قَالَ ﭐلإمَامُ أَبُو جَعْفَرٍ ﭐلطَّحَاوِيُّ -ﭐلسَّلَفَيُّ-: (تَعَالَى –أَيِ اللهُ- عَنِ ﭐلْحُدُودِ وَﭐلْغَايَاتِ وَﭐلأرْكَانِ وَﭐلأعْضَاءِ وَﭐلأَدَوَاتِ) إِذَا قِيلَ اللهُ لَيْسَ بِمَحْدُودٍ لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ شَىءٌ مُمْتَدٌّ إِلَى غَيْرِ نِهَايّةٍ، مَعْنَاهُ لَيْسَ لَهُ حَجْمٌ كَبِيرٌ أَوْ صَغِيرٌ. ﭐلَّذِي يَعْتَقِدُ أَنَّ اللهَ شَىءٌ مُمْتَدٌّ إِلَى غَيْرِ نِهَايَةٍ كَافِرٌ.
مَنْ ظَنَّ أَنَّ اللهَ لَهُ ﭐمْتِدَادٌ لا نِهَائِيٌّ كَافِرٌ. وﭐلَّذِي يَعْتَقِدُ أَنَّ اللهَ لَهُ ﭐمْتِدَادٌ يَنْتَهِي، صَغِيرٌ أَوْ كَبِيرٌ كَذَلِكَ كَافِرٌ، كُلُّ شَىءٍ لَهُ مِقْدَارٌ مَخْلُوقٌ، وَﭐلْعَرْشُ ﭐلَّذِي هُوَ أَكْبَرُ ﭐلْعَوَالِمِ مَخْلُوقٌ. ﭐلْوَهَّابِيَّةُ تَقُولُ: ((اللهُ بِقَدْرِ ﭐلْعَرْشِ))، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: ((تَرَكَ مِنَ ﭐلْعّرْشِ بُقْعَةً لِيُقْعِدَ عَلَيْهَا ﭐلرَّسُولَ يَوْمَ ﭐلْقِيَامَةِ)). هَؤُلاءِ جَعَلُوا ﭐلْعَرْشَ جِسْمًا أَكْبَرَ مِنَ اللهِ. وَلَوْ قَالُوا بِقَدْرِﭐلْعَرْشِ فَهُمْ كُفَّارٌ، وَلَوْ قَالُوا أَوْسَعُ مِنَ ﭐلْعَرْشِ بِآلافِ ﭐلْمَرَّاتِ فَهُمْ أَيْضًا كُفَّارٌ كُفَّارٌ.
كُلُّ شَىءٍ يَحُلُّ فِي جِهَةٍ جِسْمٌ. ﭐلنُّورُ أَلَيْسَ يَأْخُذُ مَكَانًا؟ وَﭐلظَّلامُ أَلَيْسَ يَأْخُذُ مَكَانًا؟ فَالنُّورُ جِسْمٌ وَﭐلظَّلامُ جِسْمٌ. ﭐلَّذِي يَعْتَقِدُ أَنَّ اللهَ فِي جِهَةِ فَوْقٍ كَفَرَ.
بَعْضُ ﭐلشَّافِعِيَّةِ خَالَفَ كَلامُهُ كَلامَ ﭐلإمَامِ ﭐلشَّافِعِيِّ. قَالَ هَؤُلاءِ ﭐلشَّافِعِيَّةُ: “ﭐلْجَاهِلُ إِذَا قَالَ اللهُ فِي جِهَةِ فَوْقٍ لا نُكَفِّرُهُ”، هَذَا كُفْرٌ.
إِذَا قَالَ ﭐلشَّخْصُ: “اللهُ فِي ﭐلسَّمَاءِ” وَفَهِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ اللهَ حَالٌّ فِي ﭐلسَّمَاءِ كَافِرٌ، أَمَّا إِذَا كَانَ يَفْهَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ اللهَ أَعْلَى مِنْ كُلِّ شَىءٍ دَرَجَةً لا يَكْفُرُ.
فِي ﭐلْقُرْءَانِ وَرَدَ: ﴿وَهُوَ اللّهُ فِي ﭐلسَّمَوَاتِ وَفِي ﭐلأَرْضِ﴾ مَعْنَاهَا اللهُ مَعْبُودٌ فِي ﭐلسَّمَواتِ وَفِي ﭐلأَرْضِ، فِي ﭐلسَّمَواتِ تَعْبُدُهُ ﭐلْمَلائِكَةُ وَفِي ﭐلأَرْضِ يَعْبُدُهُ مُؤْمِنُوا ﭐلإنْسِ وَمُؤْمِنُوا ﭐلْجِنِّ .
قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ءَأَمِنتُم مَّن فِي ﭐلسَّمَاء﴾ هَذِهِ ﭐلآيةُ ﭐلَّذِي يُفسِّرُهَا عَلَى ﭐلظَّاهِرِ يَظُنُّ مِنْهَا أَنَّ اللهَ حَالٌّ فِي ﭐلسَّمَاءِ ( وهذا كفر )، وَﭐلَّذِي لا يَفْهَمُ ﭐلْحُلُولَ وَيَفْهَمُ مِنْهَا أَنَّ اللهَ أَعْلَى مِنْ كُلِّ شَىءٍ دَرَجَةً فَلا يَكْفُرُ.
كَذَلِكَ مَنْ قَالَ: ﴿ﭐلرَّحْمَنُ عَلَى ﭐلْعَرْشِ ﭐسْتَوَى﴾ إِنْ فُهِمَ مِنْهَا أَنَّ اللهَ قَهَرَ ﭐلْعَرْشَ فَهُو حَقٌّ. ﭐلْعَرْشُ ﭐلَّذِي هُوَ أَكْبَرُ ﭐلْمَخْلُوقَاتِ مَقْهُورٌ للهِ، مَعْنَاهُ أَنَّ اللهَ قَهَرَ كُلَّ شَىءٍ. أَمَّا ﭐلَّذِي يَفْهَمُ مِنْهَا ﭐلْجُلُوسَ كَفَرَ. ﭐلشَّافِعِيُّ قَالَ: (ﭐلْمُجَسِّمُ كَافِرٌ.)
بَعْدَ أَنْ قَالَ ﭐلشَّافِعِيُّ: (ﭐلْمُجَسِّمُ كَافِرٌ) فِإِذَا وَجَدْنَا فِي كُتُبِ بَعْضِ ﭐلشَّافِعِيَّةِ: ((مَنْ قَالَ اللهُ فِي جِهَةِ فَوْقٍ لا نُكَفِّرُهُ)) نَنْبُذُ كَلامَهُ لا نَعْتَبِرُهُ شَيْئًا. نَرُدُّهُ لأنَّهُ خَالَفَ كَلامَ ﭐلإمَامِ.
ﭐلشَّافِعِيُّ وُلِدَ سَنَةَ مَائَةٍ وَخَمْسِينَ مِنَ ﭐلْهِجْرَةِ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ مَائَتَيْنِ وَأَرْبَعٍ مِنَ ﭐلْهِجْرَةِ. وَرَدَ حَدِيثٌ عَنْ رَسُولِ اللهِ : “عَالِمُ قُرَيْشٍ يَمْلأُ طِبَاقَ ﭐلأَرْضِ عِلْمًا” مَعْنَاهُ سَيَأَتِي عَالِمٌ مِنْ قُرَيْشٍ يَمْلأُ طِبَاقَ ﭐلأَرْضِ عِلْمًا. ﭐلْعُلَمَاءُ نَظَرُوا قَالُوا مَنْ يَكُونُ؟ قَالُوا: ﭐلشَّافِعِيُّ، لأَنَّ عِلْمَهُ ﭐنْتَشَرَ فِي ﭐلأَرْضِ، فِي أَنْدُونِيسْيَا وَﭐلْيَمَنِ وَﭐلْحَبَشَةِ وَﭐلصُّومَالِ حَتَّى بِلادِ إِيرَانَ.
قَالُوا: مَا وَجَدْنَا عَالِمًا ﭐنْتَشَرَ عِلْمُهُ فِي ﭐلأَرْضِ كَمَا ﭐنْتَشَرَ عِلْمُ ﭐلشَّافِعِيِّ.
يُوجَدُ كِتَابٌ يُقَالُ لَهُ كِتَابُ ﭐلْقَوَاعِدِ لِلعِزِّ بنِ عَبْدِ ﭐلسَّلامِ ذُكِرَ فِيهِ: “مَنْ قَالَ اللهُ فِي جِهَةِ فَوْقٍ لا نُكَفِّرُه” قَالَ: “لأَنَّ ﭐلتَّخَلِّيَ عَنْ هَذَا صَعْبٌ” هَذَا ﭐلْكَلامُ مَرْدُودٌ[1] لأَنَّهُ خَالَفَ كَلامَ ﭐلإِمَامِ. كُلُّ شَىءٍ يَكُونُ فِي جِهَةٍ فَهْوَ جِسْمٌ، إِمَّا جِسْمٌ لَطِيفٌ أَوْ جِسْمٌ كَثِيفٌ. ﭐلْجِسْمُ ﭐللَّطِيفُ كَالنُّورِ وَﭐلرِّيحِ وَﭐلظَّلامِ، وَﭐلْجِسْمُ ﭐلْكَثِيفُ كَالنَّجْمِ وَﭐلشَّمْسِ وَﭐلْقَمَرِ. ﭐلنَّجْمُ وَﭐلشَّمْسُ وَﭐلْقَمْرُ فِي هَذَا ﭐلْفَرَاغِ فَوْقَنَا، هَذَا ﭐلْفَرَاغُ مِنْ هُنَا إِلَى ﭐلسَّمَاءِ ﭐلأُولَى مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ سَنَةٍ، ﭐلرِّيْحُ فِي هَذَا ﭐلْفَرَاغِ، ﭐلرِّيْحُ جِسْمٌ. ﭐلَّذِي يَقُولُ: اللهُ فِي ﭐلسَّمَاءِ وَيَظُنُّ أَنَّ اللهَ ضَوْءٌ وَنُورٌ حَلَّ فِي جِهَةِ ﭐلسَّمَاءِ جَعَلَهُ جِسْمًا، كَفَرَ.
وَﭐلَّذِي يَقُولُ: بِصُورَةِ ﭐلْبَشَرِ، أَكْفَرُ. كَانَ فِي ﭐلْمَاضِي مُشَبِّهَةٌ يَدَّعُونَ ﭐلإِسْلامَ وَيُصَلُّونَ وَيَصُومُونَ، مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: “اللهُ بِصُورَةِ شَابٍّ أَمْرَدَ” وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: “بِصُورَةِ شَيْخٍ أَشْمَطَ” ﭐخْتَلَطَ سَوادُ شَعَرِهِ بِبَيَاضِهِ. كَانُوا يَدَّعُونَ ﭐلإِسْلامَ وَيُصَلُّونَ وَيَصُومُونَ، هَؤُلاءِ أَكْفَرُ مِنَ ﭐلَّذِي يَقُولُ: “اللهُ جِهَةَ فَوْقٍ” وَلَمْ يَجْعَلْهُ بِصُورَةِ بَشَرٍ. ﭐلَّذِي جَعَلَهُ بِصُورَةِ بَشَرٍ أَكْفَرُ، هَذَا مَعْنَى ﭐلْمُجَسِّمِ.
أَمَّا: (وَمَنْ وَصَفَ اللهَ بِمَعَنًى مِنْ مَعَانِي ﭐلْبَشَرِ فَقَدْ كَفَرَ) مَعْنَاهُ أَنَّ ﭐلَّذِي يَعْتَقِدُ أَنَّ للهِ كَلامًا كَكَلامِ ﭐلْبَشَرِ مِنْ حَرْفٍ وَصَوْتٍ وَﭐلَّذِي يَعْتَقِدُ أَنَّ رُؤيَتَهُ بِمُقَابَلَةٍ، أَيْ أَنْهُ يَرَى ﭐلْعَالَمَ مِنْ جِهَةٍ مِنَ ﭐلْجِهَاتِ كَافِرٌ، كَذَلِكَ ﭐلَّذِي يَعْتَقِدُ أَنَّ ﭐلْمُؤمِنِينَ يَرَوْنَ اللهَ بَعْدَمَا يَدْخُلُونَ ﭐلْجَنَّةَ فِي جِهَةٍ مِنَ ﭐلْجِهَاتِ أَوْ فِي كُلِّ ﭐلْجِهَاتِ فَهُوَ أَيْضًا كَافِرٌ، بَلْ يَرَاهُ ﭐلْمُؤمِنُونَ فِي ﭐلْجَنَّةِ مِنْ غَيْرِ مُقَابَلَةٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ فِي جِهَةٍ مِنْهُمْ،
اللهُ يُرَى لا كَمَا يُرَى ﭐلْمَخْلُوقُ، ﭐلْمَخْلُوقُ يُرَى قَرِيبًا بِالْمسَافَةِ أَوْ بَعِيدًا بِالْمسَافَةِ.
باركـ الله فيكـ