العدد الأول
بسم الله الرحمن الرحيم
كثيرة الحوادث المضيئة المشرفة في تاريخنا الحافل بأنواع البطولات والتضحيات وحطين التي وقعت في الرابع والعشرين من ربيع الآخر سنة 583 هـ واحدة من أبرز المحطات نتعلم من قائدها ورائدها المقدام كيف تكون القيادة وحماية مصالح الأمة والذود عنها.
صلاح الدين الذي هو رمز المجاهدين وقدوتهم الذي ما كان ليحقق ما حققه لولا تلك المناقب والصفات التي كان يتمتع بها. فقد كان رحمه الله شجاعاً كريم الأخلاق، عالماً صالحاً متواضعاً. وقيل لم يؤخر صلاة عن وقتها ولم يصل الصلاة المفروضة إلا في جماعة.
وقد كان كثير الذكر لله تعالى تقياً ورعاً شافعي المذهب أشعري الإعتقاد، وكان شديد الاهتمام بعلوم الشريعة الإسلامية، وقد التزم طلاب المدارس بحفظ العقيدة الصلاحية في شرح أصول الدين.
وقد ورد أنه أوصى أحد أولاده قائلاً: “أوصيك بتقوى الله، فهي رأس كل خير، وءامرك بما أمر الله به، فإنه سبب نجاحك. واحذر من الدماء والدخول فيها والتقلد بها، فإن الدم لا ينام، وأوصيك بحفظ قلوب الرعية والنظر في أحوالها، ولا تحقد على أحد فإن الموت لا يُبقي على أحد”.
توفي رحمه الله بقلعة دمشق في اليوم السابع عشر من صفر سنة 589 هـ ولم يوجد في خزانته الخاصة سوى دينار وأربعين درهماً، ودفن خلف المسجد الأموي في دمشق وله مقام ظاهر يزوره المسلمون تبركاً بسيرته العطرة ونهجه السوي وقد كان لهذا السلطان المجاهد ثلاثة عوامل هيأت له النجاح بتوفيق الله وكرَّسَتْة حاكماً وقائداً وفارساً فذاً: الطبع الموهوب، والعلم المكتسب، والتجربة العملية، يزينها جميعاً دين وتقوى وورع وحنكة عسكرية.
رحم الله السلطان المجاهد صلاح الدين بطل حطين ومحرر بيت المقدس. فقد كان رجل عقيدة وصاحب زهد وتقى، حقق لأمة الإسلام عزها وقهر أعدائها وجعل كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى.
“عليكم بعلم الدين فهو حياة الإسلام من أغفله فهو ضائع تائه يميل مع كل ريح ويتبع كل ناعق، فالعلم يحرسك والمال أنت تحرسه”.
الله موجود بلا مكان
اعلم يا أخي المسلم أن الله سبحانه وتعالى غني عن العالمين أي مستغن عن كل ما سواه أزلاً وأبدًا فلا يحتاج إلى جهة ولا إلى مكان يقوم به أو شيء يحل به، ولا يحتاج تعالى إلى مخصص له بالوجود لأن الاحتياج ينافي الألوهية، والله سبحانه وتعالى هو الإله الذي أوجد هذا العالم كله، والعالم كله بحاجة إلى الله تعالى ليحفظ عليه وجوده، فالله تبارك وتعالى هو خالق السموات السبع والأرضين والعرش والكرسي وخالق الأماكن كلها، لذلك لا يجوز أن يعتقد أن الله تعالى موجود في مكان أو في كل الأمكنة أو أنه موجود في السماء بذاته أو متمكن وجالس على العرش أو منبث ومنتشر في الفضاء أو أنه قريب منّا أو بعيد بالمسافة تعالى الله سبحانه وتعالى، وتنـزه عن هذه الكيفيات كلها، لأنه تعالى موجود بلا كيف ولا مكان. ويكفي في تنـزيه الله تعالى عن المكان والحيز والجهة قوله تعالى: {ليس كمثله شىء}،[سورة الشورى 11]. فلو كان لله تعالى مكان وجهة لكان له أمثال وأبعاد طول وعرض وعمق، ومن كان كذلك كان محدثاً مخلوقاً محدوداً محتاجاً لمن حده بهذا الطول والعرض والعمق. يقول الإمام علي رضي الله عنه مصباح التوحيد: من زعم أن إلهنا محدود فقد جهل الخالق المعبود. ويقول الإمام أبو جعفر الطحاوي فى عقيدته المسماة العقيدة الطحاوية والتى بيّن فيها عقيدة أهل السنة والجماعة: تعالى {يعني الله} عن الحدود والغايات والأركان والأعضاء والأدوات، ويقول أيضاً في نفى الجهة عن الله عز وجل: ولا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات. والجهات الست هي فوق وتحت ويمين وشمال وأمام وخلف.
ويقول الإمام الجليل زين العابدين علي بن الحسين رضي الله عنه في رسالته المشهورة “بالصحيفة السجادية” والمنقولة عنه بالإسناد المتسلسل إليه بأهل البيت في نفي الجهة والمكان عن الله عز وجل “لا يحويه مكان”. ويقول الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه في كتابه الفقه الأبسط في نفي المكان والجهة عن الله عز وجل “كان الله ولا مكان كان قبل أن يخلق الخلق.. كان ولم يكن أين ولا خلق وهو خالق كل شيء. ويقول الإمام ابن مكي رضي الله عنه في العقيدة التي ألفها لصلاح الدين الأيوبي وبيّن فيها تنـزيه الله عز وجل عن مشابهة المخلوقات وعن المكان والجهة فقرر صلاح الدين لعظيم أمرها وفائدتها ولما حوت من معان عظيمة في توحيد الله جل وعلا تدريسها للصغار والكبار لما تضمنت من عقائد أهل السنة والجماعة وما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة ومن تبعهم بإحسان، حتى سميت العقيدة الصلاحية.. يقول في هذه العقيدة:
وصانع العلم لا يحويه قطر … تعالى الله عن تشبيه
قد كان ولا مكانا … وحكمه الآن على ما كانا
سبحانه جل عن المكان … وعز عن تغير الزمان
واعلم يا أخي المسلم أنه يجب طرد كل فكرة عن الأذهان تفضي إلى تقدير الله عز وجل وتحديده لأنه تعالى لا يحد وهو موجود بلا كيف ولا مكان ولذلك يقول الإمام الجليل أبو سليمان الخطابي رضي الله عنه: “إنّ الذي يجب علينا وعلى كل مسلم أن يعلمه أن ربنا ليس بذي صورة ولا هيئة فإن الصورة تقتضي الكيفية وهي عن الله وعن صفاته منفية”.
والله أعلم وأحكم.
لما كانت النية في العمل الصالح من جملة ما فرضه الله تعالى ليكون العمل صحيحاً مقبولاً عنده، جاء عن رسوله صلى الله عليه وسلم ما يبين ما لها من مكانة فقال: “إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئٍ ما نوى”
والنية-كما هو معلوم- مكانها القلب، فمن نوى بقلبه عند الصلاة أن يصلي الظهر مثلاً من غير أن ينطق بلسانه فهذا نوى. وعلى هذا فالنية المقصودة بالحديث الشريف: “إنما الأعمال بالنيات” المراد بها العزم والقصد بالقلب، لا بمجرد النطق دون أن يعزم بقلبه.
ولما كان الصيام إحدى هذه العبادات، كان لا بد من النية فيه لصحته، ويجب في رمضان تبييت النية أي إيقاعه ليلاً قبل الفجر، فلو غربت الشمس على الصائم فنوى قبل أن يتعاطى مُفطراً صوم اليوم التالي عن رمضان، ثم لم يُعِد هذه النية بعد الأكل كفته هذه النية. وقد نص الشافعي رضى الله عنه أن النية تجب لكل يوم من أيام رمضان، والأكمل في النية أن يقول بقلبه: نويت صوم غد عن أداء فرض رمضان هذه السنة إيماناً واحتساباً لله تعالى” والاحتساب -كما قال العلماء- هو طلب الأجر والثواب.
وأما قول بعض الناس في أول ليلة من رمضان : نصوم غداً إن كا ن رمضان، فإن هذه النية لا تصح لأنها مقرونة بالشك، فلا بد من التحري في ليلة اليوم الأول والتيقن من أن الصيام قد ثبت.
ثبوت الصيام
وأما كيفية ثبوت الصيام فإنها معلومة من الحديث الشريف الذي رواه البخاري: “لا تَقَدَّموا رمضان بيوم أو يومين، صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غُمّ عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوماً” أما الحديث الذي أخرجه أحمد وأصحاب السنن وابن خُزيمة وأبو يعلى من حديث ابن عباس، فهو بلفظ: “فإن حال بينكم وبينه سحاب فأكملوا العدة ثلاثين ولا تستقبلوا الشهر استقبالاً”.
ولفظ الطيالسي هو: “ولا تستقبلوا رمضان بيوم من شعبان”. ولأبي داود من حديث عائشة “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحفظ من شعبان ما لا يتحفظ من غيره، يصوم لرؤية الهلال فإن غُمَّ عليه عَدَّ ثلاثين يوماً ثم صام”. وقال ابن عمر رضي الله عنهما: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:”إذا رأيتموه فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غُمّ عليكم فاقدُرُا عليه”. متفق عليه.
لقد بينت لنا هذه الأحاديث الشريفة أن رمضان لا يثبت بالحساب وإنما برؤية الهلال أو بإكمال ثلاثين يوماً من شعبان إن حال حائل دون رؤية الهلال. وقد وَضّح رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه المسئلة مزيد توضيح فيما رواه عنه البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: “نحن أمة أُمية لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا”. وليس هذا الحديث نفياً مطلقاً للكتابة والحساب عن أُمّة محمد صلى الله عليه وسلم، بل المراد منه أن المسلمين ليسوا مكلفين بحساب مواقع النجوم وحركتها لإثبات أوائل الشهور وأواخرها ولا سيما شهر رمضان المبارك. والحاسب أو المُنَجّم هو الذي يعتمد منازل القمر والنجوم لحساب أول الشهر.
ويزيد المسئلة توضيحها ما نصه فقهاء المذاهب الأربعة على أن وجوب صوم رمضان لا يثبت بقول المنجمين. فقد ذكر ابن عابدين (وهو حنفي المذهب) في كتاب “رد المحتار على الدر المختار” في الجزء الثاني صحيفة مائة (100) ما نصه “قوله ولا عبارة بالمؤقتين، أي في وجوب الصوم على الناس، بل في “المعراج” لا يعتبر قولهم بالإجماع ولا يجوز للمنجم أن يعمل بحساب نفسه”. ثم يقول في نفس الصحيفة: “ووجه ما قلناه أن الشارع لم يعتمد الحساب بل ألغاه بالكلية بقوله: “نحن أُمة أمية لا نكتب ولا نحسب الشهر، هكذا وهكذا”.
وفي كتاب “أسنى المطالب في شرح روض الطالب” للشيخ زكريا الأنصاري (وهو شافعي) يذكر في الجزء الأول الصحيفة أربعمائة وعشرة (410) ما نصه: “ولا عبرة بالمنجم، أي بقوله، فلا يجب به الصوم ولا يجوز. والمراد باللآية: {وبالنجم هم يهتدون} الاهتداء في أدلة القبلة وفي السفر”.
وفي كتاب حاشية العلامة شمس الدين الشيخ محمد عرفة الدسوقي (المالكي المذهب) على الشرح الكبير لأبي البركات سيدي أحمد الدردير، الجزء الأول (ج:1، ص469) ما نصه: “قوله: لا بالمنجم:، وهو الذي يحسب قوس الهلال هل يظهر في تلك الليلة أو لا. وظاهره أنه لا يثبت بقول المنجم ولو وقع في القلب صدقه”. وفي هامشه: “لا يثبت رمضان بمنجم أي بقوله لا في حق غيره ولا في حق نفسه”. وأما البهوتي (وهو حنبلي المذهب) فيذكر في كتاب “كشاف القناع عن متن الإقناع” الجزء الثاني الصحيفة (302) ما نصه: “وإن نواه أي صوم يوم الثلاثين من شعبان بلا مستند شرعي من رؤية هلاله أو إكمال شعبان أو حيلولة غيم أو قتر (غبار) أو نحوه كأن صامه لحساب ونجوم ولو كثرت إصابتهما لم يجزئه صومه لعدم استناده لما يعول عليه شرعاً”.
بعد هذه الأدلة الشرعية عُلِم أن اعتماد بعض من الناس على حساب المنجمين، محتجين بأن علم الفلك قد تقدم اليوم، فلا عبرة لكلامه هذا لأن الحساب والمنجمين كانوا موجودين في أيام النبي صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك منع الشرع من الاعتماد على حساباتهم، بل المستند الشرعي في ذلك أمران: رؤية هلال رمضان، وإلا فإكمال شعبان ثلاثين يوماً.
نسأل الله تعالى أن يُعلمنا ما جهلنا وينفعنا بم علمنا، ويعيد شهر رمضان على المؤمنين في أقطار الأرض بالأمن والبركة والخيرات، إنه سميع قريب مجيب الدعوات.
أحكام الصيام
إن وجوب صوم رمضان ثابت بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، فمن الكتاب قول تعالى: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} [البقرة 185] ومن الحديث الصحيح “بُني السلام على خمس” وذكر منها صوم رمضان. فمن جحد وجوبه فقد كذب الشريعة ومن لم يصمه بلا عذر كسفر ولم ينكر وجوبه فهو من أهل الكبائر.
على من يجب الصيام
إن وجوب صيام رمضان يتعلق بالمسلم البالغ العاقل القادر المقيم الطاهر من الحيض والنفاس. فأما الكافر فإن كان أصلياً أي ولد من أبوين كافرين وبلغ على الكفر فلا يؤمر به في حال كفره لأنه لا يصح منه وإن مات على كفره عوقب على تركه الدخول في الإسلام وتركه للصيام والصلاة وغيرها من الواجبات لأنه مأمور بالإسلام ثم الصلاة والصيام ونحوهما، وإن أسلم لم يجب عليه القضاء لقول الله تعالى {قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف} [الأنفال 38] هذا في الكافر الأصلي. أما المرتد وهو الذي قطع إسلامه بكفر فلا يصح منه الصيام وهو على كفره، فإن عاد إلى الإسلام وجب عليه قضاء ما فاته من الصيام الواجب زمن ردته عند الشافعي.
أما الصبي والمجنون فلا يجب عليهما الصيام لعدم التكليف. لكن الصبي والصبية يؤمران بفعله إذا أتما سبع سنين هجرية إذا قدرا على الصوم، ويضربان على تركه لعشر سنين مع قدرتهما على الصوم وذلك قياساً على الصلاة، قال صلى الله عليه وسلم : “مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع واضربوهم عليها وهم أبناء عشر” رواه أبو داوود. ولو صام الصبي المميز أي الذي بلغ حداً من العمر بحيث يفهم الخطاب ويرد الجواب صح منه الصوم، بخلاف المجنون فإنه لا يصح صيامه. أما المغمى عليه فيشترط لصحة صومه أن لا يستغرق إغمائه كل النهار وإلا فسد صومه.
أما النائم فلو استمر نائماً بعدما نوى الصيام قبل الفجر حتى غربت الشمس صح صومه. أما غير القادر على الصيام كعجوز كبير فلا يجب عليه للعجز، قال الله تعالى {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها} [سورة البقرة 286]، ويجب عليه الفدية وهي إطعام مسكين عن كل يوم إفطار مداً من غالب قوت البلد ففي لبنان مثلاً غالب قوت البلد هو القمح، والمد هو الحفنة بملء الكفين المعتدلتين، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال “رخص للشيخ الكبير أن يفطر ويطعم عن كل يوم مسكيناً ولا قضاء عليه” رواه الحاكم والدارقطني وصححاه. وفي معنى العجوز الهرم المريض مرضاً مزمناً لا يرجى شفاؤه منه بحيث لا يقدر على الصيام. ومن لم يقدر على الصوم لمرض غير مزمن إنما يرجو البرء منه لم يجب عليه الصوم ووجب عليه القضاء لقوله عز وجل {فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أُخر} [سورة البقرة 185]. فمن أصبح صائماً ثم مرض مرضاً يشق معه الصوم مشقة لا تُحتمل أفطر لعذر المرض ثم قضى أياماً بعدد ما أفطر ولا فدية عليه. وإن خافت الحامل أو المرضع على أنفسهما الضرر من الصوم أفطرتا للعذر وعليهما القضاء دون الفدية.
أما إن خافتا على الولد أن يجهض أو يقل اللبن جاز لهما الإفطار وعليهما القضاء والفدية معاً عن كل يوم.
ويجزىء بدل المد إعطاء المسكين مالاً بمقدار ما يغذيه ويعشيه عند الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه.
أما المسافر سفر قصر أي سفراً يبيح له قصر الصلاة الرباعية إلى اثنتين (ومسافة القصر 45كيلومتر تقريباً على قول وهناك أقوال أخرى) فيعذر بعدم الصوم للآية المتقدمة، وعليه القضاء. وشرط السفر الذي يبيح الفطر أن يكون بغير معصية الله وأن يحدث السفر قبل الفجر أي قبل دخول وقت صلاة الفجر، فمن خرج مسافراً بعد الفجر لم يجز له الإفطار في ذلك اليوم هذا عند الشافعي وأبي حنيفة ومالك، أما عند الإمام أحمد فإنه يجوز الإفطار ولو خرج بعد الظهر إذا فارق العمران أي عمران المدينة التي خرج منها. ولو صام المسافر أجزأه، فإن كان يجد مشقةً في الصيام فالأفضل له الفطر وهذا معنى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم “ليس من البر الصيام في السفر” رواه البخاري. أما من لم يشق عليه الصوم فالأفضل له المثابرة على الصيام في السفر. وينقطع السفر بنية الإقامة في بلد السفر أربعة أيام كوامل أي غير يومي الدخول والخروج فإنه بذلك يصبح مقيماً.
وأما الحائض والنفساء فلا يجب عليهم الصوم ولا يصح منهما ولا يجوز أي تأثمان بالصيام وعليهما القضاء لحديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت “كنا نؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة” أي في الحيض وفي معنى الحيضِ النفاسُ، وإذا طرأ على المرأة حيض أو نفاس ولو قبيل الغروب أفطرت. ولا يجب على الحائض والنفساء تناول مفطرٍ، فإذا أمسكتا عن الطعام بغير نية الصيام جاز لهما ما لم تتضررا. وإن طهرت المرأة ليلاً ونوت الصوم وصامت أو صام الجنب بلا غسل صح الصوم لخبر الصحيحين “كان النبي صلى الله عليه وسلم يصبح جنباً من جماع غير احتلام ثم يغتسل ويصوم” فبهذا دليل على صحة صوم من طلع عليه النهار وهو جنب.
وأخرج مسلم وابن حبان عن عائشة أن رجلاً جاء النبي يستفتيه وهي تسمع من وراء حجاب فقال: يا رسول الله تدركني الصلاة (أي صلاة الصبح) وأنا جنب فقال النبي صلى الله عليه وسلم : “وأنا تدركني الصلاة وأنا جنب فأصوم” وقيس بالجنب الحائضُ والنفساءُ فلا يجب على هؤلاء الغسل لصحة الصيام وإنما يجب عليهم الغسل للصلاة.
واجبات الصيام:
1. النية: فلا يصح صوم رمضان ولا غيره من الصيام إلا بالنية لقوله صلى الله عليه وسلم “إنما الأعمال بالنيات” رواه الشيخان، وتجب النية لكل يومٍ من رمضان لأن صوم كل يوم عبادة مستقلة يدخل وقتها بطلوع الفجر ويخرج وقتها بغروب الشمس ويتخلل اليومين ما يناقض الصيام كالأكل، كالصلاتين يتخللهما السلام، أما عند مالك فتكفي النية لكل رمضان إذا نوى في ليلة اليوم الأول صيام ثلاثين يوماً عن شهر رمضان هذه السنة.
ووقت النية للصيام الواجب أي صوم رمضان وصوم النذر والقضاء والكفارة هو الليل أي ما بين المغرب والفجر لحديث “من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له” رواه الترمذي والنسائي وابن حبان وابن خزيمة، فإذا غربت الشمس على الصائم فنوى قبل أن يفطر صومَ يوم غد من رمضان كفته هذه النية وليس عليه إعادتها بعد الإفطار. أما لو نسي أن ينوي في الليل وتذكر بعد الفجر فلا صيام له ويمسك عن المفطرات باقي نهاره ويلزمه قضاء هذا اليوم ولا معصية عليه لنسيانه النية.. أما صيام النفل كصوم تاسوعاء وعاشوراء وصوم ستة من شوال أو نحوها فإن النية تجزئ قبل أن تزول الشمس أي تميل عن وسط السماء نحو جهة المغرب أي قبل دخول وقت صلا ة الطهر، هذا إذا لم يكن قد أكل أو شرب أو جامع بعد الفجر، لأنه صلى الله عليه وسلم قال لعائشة يوماً: “هل عندكم من غداء” قالت لا قال :”فإني إذاً أصوم” رواه الدارقطني وصححه، واختص بما قبل الزوال لأن الغداء لغة ما يؤكل قبل الزوال والعشاء اسم لما يؤكل بعده. ومن أحكام الصيام المتعلقة بالنية أنه يجب تعيين الصوم المنوي بالنية كتعيين أنه من رمضان، أو أنه عن نذر، أو أنه عن كفارة، كما أن الصلاة واجب تعيين كونها ظهراً أو عصراً أو غير ذلك. ولو نوى في ليلة الثلاثين من شعبان فقال إن كان الغد من رمضان فأنا صائم عن رمضان وكان من رمضان لم يصح.
قال الله تعالى (يا أيها الذين ءامنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون). [البقرة 183]
ب-الامساك عن المفطرات وهي:
1.الجماع:وهو مفطر، فالإمساك عنه لازم لصحة الصيام فيكف للصائم نفسه عن المباشرة في الفرج قُبلاً كان أو دبراً أنزل أو لم ينزل، ولا يضر الجماع ليلاً، قال تعالى {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم} والرفث الجماع.
وإنما يفسد الجماع الصيام إن كان ذاكراً كونه صائماً، أما إن كان ناسياً فلا يفطر، ولا يبطل الصوم لو نام فاحتلم.
ويحرم تقبيل الزوجة تقبيلاً محركاً للشهوة في نهار رمضان.
ومن أفسد صوم نهار من رمضان بالجماع فعليه أن يمسك بقية نهاره عن كل المفطرات وعليه القضاء والكفارة وهي عتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع أطعم ستين مسكيناً ستين مداً لكل مسكين مد من غالب قوت البلد. وإنما تجب هذه الكفارة على الرجل ولا تجب على المرأة.
2.الاستمناء: وهو استخراج المني بنحو اليد فإنه مفطر لأنه إنزال بمباشرة، ويوجب القضاء دون الكفارة.
3.الاستقاءة: فمن طلب القيء عامداً بأن أدخل إصبعه مثلاً في فمه فتقيأ أفطر سواء عاد من القيء شيء إلى الجوف أم لا، أما من تقيأ بغير طلب منه أي رغماً عنه لم يفسد صومه إن لم يبتلع شيئاً منه عمداً لحديث “من ذرعه القيء فلا قضاء عليه ومن استقاء فعليه القضاء” رواه الدارقطني، وذرعه القيء أي غلبه.
4. الردة: فمن ارتد أي قطع إسلامه بنوع من أنواع الكفر أثناء الصوم بطل صومه وعليه أن يعود إلى الإسلام فوراً بالنطق بالشهادتين، وعليه القضاء.
5. وصول عين إلى الجوف من منفذ مفتوح إلا ريقه الصافي الذي يكون في الفم: مما يفطر الصائم الأكل والشرب ولو قدراً يسيراً، قال عز وجل {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر} [البقرة 187]، هذا إن أكل أو شرب ناسياً فإنه لا يفطر لحديث “من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه” متفق عليه.
ومن صب ماءً أو دواءً في أذنه أو أنفه فوصل إلى الجوف أفطر، ولو دخل ماء المضمضة أو الاستنشاق في الوضوء إلى الجوف فإن كان بالغ بهما أفطر لأن الصائم منهي عن المبالغة بهما، وإن كان لم يبالغ بهما لم يفطر. أما القطرة في العين فلا تفطر وإن أحس بطعمها في الحلق لأن العين ليست بمنفذ مفتوح. وتفطر الحقنة في القبل أو الدبر، ولا تفطر الإبرة في الشريان ولا تشرب مسام الجلد الماء وغيره لأنه الجلد ليس بمنفذ مفتوح، ولا يفطر ابتلاع الريق الصافي من معدنه وهو الفم إلا إذا تغير هذا الريق بمخالط من الطاهرات فإنه يفطر إذا وصل إلى الجوف، وكذلك الريق النجس. أما ما يسمى بالبلغم فلو أخرجه الصائم من صدره إلى فمه أو جذبه من رأسه ثم ابتلعه أفطر عند الشافعي ولم يفطر عند مالك. ولا يضر الصيام دخول ما ليس بعين إلى الجوف كرائحة بخور وطيب ولا ما يصعب الاحتراز منه كغربلة دقيق أو غبار طريق ولو وصل إلى الجوف. أما السيجارة فيفطر شاربها لأسنه تنفصل منها ذرات تصل إلى الجوف.
الأيام التي لا يصح صومها:
1. لا يصح ولا يجوز صوم عيد الفطر وعيد الأضحى. فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صوم يومين يوم الفطر ويوم النحر، متفق عليه، ويوم النحر هو اليوم العاشر من ذي الحجة أي يوم العيد.
2. ولا يصح ولا يجوز صوم أيام التشريق الثلاث وهي التي تلي يوم عيد الأضحى، فقد روى أصحاب السنن من حديث عقبة بن عامر والبزار من حديث ابن عمر “أيام التشريق أيام أكل وشرب فلا يصومها أحد”.
3. ولا يصح ولا يجوز صوم النصف الأخير من شعبان تطوعاً لغير سبب لحديث “إذا انتصف شعبان فلا تصوموا” صححه ابن حبان وغيره، أما إذا كان لقضاء أو نذر أو وِرد أو وصله بما قبله فيجوز.
4. لا يصح ولا يجوز صوم يوم الشك من غير سبب وليس من الأسباب الاحتياط لرمضان، لقول عمار بن ياسر رضي الله عنه “من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم” صححه الترمذي وبن حبان والحاكم وغيرهم، ويوم الشك هو يوم الثلاثين من شعبان إذا تحدث الصبيان أو النساء أو نحوهم برؤية الهلال.
والله تعالى أعلم وأحكم.
مما يستحب للصائم
قال الفقاء ينبغي للصائم أن ينزه صومه عن الشتم والغيبة، فإن شوتم فليقل: إني صائم. ويستحب له أن يتسحر، وأن يؤخر السُحور ما لم يخش طلوع الفجر ويعجب الفطر إذا تحقق غروب الشمس ويستحب أن يفطر على تمر فإن لم يجد فعلى ماء، ويستحب أن يدعو الله على الإفطار بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم:”اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت”. ويطلب ليلة القدر في جميع شهر رمضان، وفي العشر الأخير أكثر، وفي ليالي الوترأكثر وأرجاها ليلة الحادي والعشرين والثالث والعشرين على قول بعض العلماء ويستحب أن يكون دعاؤه فيها: “اللهم إنك عفو تحب العفو فاعفُ عني”.
زكاة الفطر
من جملة الفرائض المتعلقة بشهر رمضان”زكاة الفطر”،وللزكاة عدة مسائل وقواعد لا بد من الأخذ لها لأدائها كما أمر الله.
اعلم يا أخي المسلم وفقنا الله وإياك لطاعته أن الفرائض هي أفضل ما يتقرب به إلى الله عز وجل بدليل الحديث القدسي: “وما تقرب إلي عبدي بشىء أحب إلي مما افترضت عليه” رواه البخاري.
ومن جملة هذه الفرائض المتعلقة بشهر رمضان زكاة الفطر وهي واجبة لما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: “فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر في رمضان على الناس صاعاً من قمح أو صاعاً من شعير على كل زكر وأنثى حر وعبد من المسلمين”.
وزكاة الفطر تجب بإدراك جزء من رمضان وجزء من شوال بأن كان حياً عند غروب شمس ءاخر يوم من رمضان-وعلى هذا تجب على الولي عن المولود الجديد الذي ولد ءاخر يوم من رمضان وأدرك جزءاً من شوال.
والمسلم يخرج زكاة الفطر عن نفسه وعمن عليه نفقتهم إن كانوا مسلمين، ومن كان له أبوان مسلمان فقيران وجب عليه أداء الزكاة عنهما.
ويجب على الرجل المسلم فطرة زوجته وأولاده الذين هم دون البلوغ. أما الابن والابنة البالغان فلا يجب على الأب دفع زكاة الفطر عنهما وإنما يؤدي الولد البالغ عن نفسه إن استطاع، وإن لم يستطع جاز لأبيه أن يدفع عنه بإذنه.
وإنما تجب زكاة الفطر على من عنده مال فاضل عن دينه وكسوته ومسكنه وقوت من عليه نفقتهم يوم العيد وليلته.
أما مقدار الزكاة التي يجب اخراجها عن كل واحد فهو صاع من غالب قوت البلد، كالقمح في بلادنا، والصاع أربعة أمداد، والمد ملء الكفين المعتدلين. وعند بعض الأئمة من شاء قوِّم الصاع وأخرج مالاً بقيمته.
ولا بد من النية لقوله صلى الله عليه وسلم “إنما الأعمال بالنيات”. أي أن الأعمال الصالحة لا تكون معتبرة إلا بالنية. وتعطى زكاة الفطر لأي صنف من الأصناف الثمانية المذكورة في القرءان الكريم المستحقين للزكاة. قال الله تعالى: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاميلن عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل وابن فريضة من الله واله عليم حكيم} [سورة التولة/61] ويجب أداؤها قبل غروب شمس يوم العيد ويحرم تأخيرها عنه بلا عذر. ويجوز دفعها في أول رمضان وفي أي يوم منه. ومن أهمل أداءها فقد عصى ولا تسقط عنه إلا بإتيانها، والسنة اخراجها يوم عيد الفطر قبل صلاة العيد. ولا يجوز دفع الزكاة إلى غير هؤلاء الأصناف الثمانية الذين ذكرهم الله في القرءان وهم:
1. الفقراء: جمع فقير وهو من لا نفقة له واجبة ولا مال ولا كسب حلال يقع موقعاً من كفايته، كالذي يحتاج لعشرة ولا يجد إلى أربعة فأقل.
2. المساكين: المسكين هو الذي له ما يسد مسداً من حاجته، لكنه لا يكفيه كفاية لائقة بحاله كمن يحتاج لعشرة، فلا يجد إلى ثمانية فيعطى كفايته.
3. العاملون عليها: فهم الذين نصبهم الخليفة أو السلطان لأخذ الزكوات من أصحاب الأموال، ولم يجعل لهم أجرة من بيت المال.
4. المؤلفة قلوبهم: كالذي كان ضعيف النية بأن دخل في الإسلام حديثاً، وفي نفسه وحشة من المسلمين، أي لم يتآلف مع المسلمين فيعطى من الزكاة حتى تقوى نيته بالإسلام، أو يتوقع بإعطائه إسلام نظرائه.
5. وفي الرقاب: هم المكاتبون كتابة صحيحة، أي العبيد الذين تشارطوا مع أسيادهم الذين يملكونهم على أن يدفعوا كذا من المال فإذا دفعوا ذلك المبلغ يكونون أحراراً. فالله تعالى جعل لهم حقاً في الزكاة إذا لم يكن معهم ما يفي بالمال الذي اشترط عليهم لتحررهم.
6. والغارمون: هم المدينون العاجزون عن الوفاء.
7. في سبيل الله: المراد الغزاة المتطوعون بالجهاد بأن لم يكن لهم سهم في ديوان المرتزقة من الفيء فيعطون ما يحتاجونه للجهاد. المرتزقة في عرف أهل الفقه الإسلامي هم الغزاة الذين يصل إليهم عطاء أي راتب من الخليفة أو السلطان.
8. ابن السبيل: المراد به المسافر سفراً مباحاً ليس فيه معصية ولم يبق معه من المال ما يكفيه لرجوعه إلا بلده فيعطى من مال الزكاة قدر كفايته ولو كان في بلده غنياً.
مسائل في زكاة الفطر
*يجز للأب أن يدفع الزكاة للابنة البالغة الفقيرة عند الشافعي ولابنه الفقير البالغ، وكذلك يجوز للأم ذلك.
*والزوجة تستأذن من زوجها لدفع زكاة الفطر عن نفسها.
*والخادمة في البيت تدفع عن نفسها إلا إذا وكلت صاحب البيت ليدفع عنها.
*لا يدفع مال الزكاة لكافر ولا مرتد ولا لمسلم غني ولا لمسلم قوي قادر على العمل متقاعس عنه، ولا لمكتف عنده كفايته ومدخوله يسد حاجاته الضرورية. ولا يدفع المزكي لمن تجب عليه نفقتهم، كالجد والجدة والأم والأب الفقراء وزوجته وأبنائه الذين هم دون البلوغ.
إنما يجب عليه النفقة هنا. ولا تدفع الزكاة لمن كان شريفاً من حيث النسب، وذلك بأن يكون هاشمياً أو مطلبياً ، ومنهم الحسنيون والحسينيون كآل الرفاعي. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “صدقة تؤخذ من أغنيائهم (المسلمين) وترد على فقرائهم”(أي المسلمين) وقال أيضاً عن الزكاة: “إنه لا حق فيها لغني ولا لقوي مكتسب” أي لا يجوز دفع الزكاة لهذين الصنفين.
*يجوز لصاحب المال الذي وجبت عليه الزكاة أن يوكل مسلماً ثقة بدفع زكاته عنه أو يدفعها بنفسه، ولا تدفع كتبرع للمساجد أو للجمعيات أو لدار الأيتام، لأنه لا بد أن تعطى لواحد من الأصناف الثمانية المذكورين في القرءان.
*والوكيل بتوزيع الزكاة لا يجوز له أن يأخذ لنفسه شيئاً منها إن كان فقيراً إلا بإذن صاحبها.
وفقنا الله وإياكم لأداء فريضة زكاة الفطر وفريضة صوم رمضان.
شهر الصـيام حللت بالأنوار حنَّ المشوقَ لفجرك المعطارِ
وتنسَّمت روحي شذاك فحفَّها ضوعُ الجِنانِ ونفخةُ الأسحارِ
التفقه في الدين
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنما العلم بالتعلم والفقه بالتفقه”
وقال “طلب العلم فريضة على كل مسلم”
الحمد لله ربّ العالمين و الصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين أما بعدُ فقد ورد بالإسناد المتصل في صحيح ابن حبان بإسناده إلى أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “خيارُكم أحاسنكم أخلاقاً إذا فقهوا” هذا الحديث فيه الحث على حسن الخلق وعلى التفقه في الدين وفيه بيان أنّ أفضل المسلمين من جمع بين هذين الأمرين حسن الخلق والتفقه في الدين، فحسن الخلق وحده من دون التفقه في الدين لا يجعلُ صاحبه راقياً عند الله تعالى لأن حسن الخلق مشترك بين المسلمين والكافرين فكم من أناس كفار يعبدون الأوثان فيهم حسن الخلق كما أنّه يوجد في كثير من المؤمنين. فمن كان متفقهاً في الدين عاملاً به أي تعلم ما يجب معرفته من علم الدين من الإعتقاديات والأحكام وعمل بذلك ولكن لم يحصل له حسن الخلق فذلك يمنعه من كمال الترقي عند الله تبارك وتعالى ولكن نقصانه خفيف بالنسبة لنقصان الآخر.
فحسن الخلق عبارة عن تحمّل أذى النّاس وبذل المعروف وكفّ الأذى عن الغير هذه عبارةٌ موجزة في تفسير حسن الخلق وبذل المعروف أي أن تعمل مع الناس معروفاً في خطابك لهم و بطلاقة وجهك و نحو ذلك أي أن توطن نفسك على أن تعمل مع النّاس المعروف لمن يعرف لك ولمن لا يعرف لك لأنه إذا كان المرء يوطن نفسه على أن يعمل المعروف مع الذي يعامله بالمثل ولا يحسن خلقه مع الذي لا يعرف له فهذا ليس من حسن الخلق. أما تحمل الأذى أي أن يصبر على أذى الناس ثم يكف أذاه عنهم. فمن جمع هذه الخصال الثلاث فهو حسنُ الخلق و هذا الأمر صعب إلا على من يسّره الله تعالى له قال الله تعالى: }وما يُلقّاها إلا الذين صبروا و ما يُلقّاها إلا ذو حظ عظيم{. فمن جمع بين حسن الخلق و بين التفقه في الدين فقد صار من خيار المؤمنين وانطبق عليه قوله صلى الله عليه وسلم: “خياركم أحاسنكم أخلاقاً إذا فقهوا”. قال تعالى: ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله.
فمن يجعل حسن الخلق دون اعتبار التفقه في الدين كافياً فهؤلاء على غلط كبير لأن هذا الأمر ليس هو الأهم إنما الإيمان بالله ورسوله وتعلم ما يجب على المكلف وتطبيق ذلك أهم ، كم من الصالحين ليس فيهم حسن الخلق ومع ذلك هم ناجون عند الله تبارك وتعالى و إن لم يكونوا من أهل هذا المقام الذي هو حسن الخلق فبعض النّاس لا يعرفون مراتب الأمور بل يعتقدون أن حسن الخلق هو الأصل حتى قال بعض الذين يظنون بأنفسهم أنهم دينون وهم ليسوا من الدين في شيء }عندي الأخلاق قبل الإيمان)فهذا و أمثاله يجب التحذير منهم وإلا كان الذي يسكت و يحذر منه شيطاناً أخرس كما قال أبو علي الدقاق }الساكتُ عن الحق شيطان أخرس)فمن لا يتفقه في دين الله تعالى لا تستقيم أموره بل إنه يتصور مفاهيم خاطئة فيظنها مفاهيم راقية و ذلك كقول بعضهم: }الدين المعاملة )هذا كلام النّاس وهو كلام فاسد لا يجوز قوله، قال الله تعالى: }قُلْ هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضلّ سعيُهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً أولئك الذين كفروا بآيات ربّهم و لقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً{، والرسول عليه الصلاة والسلام قال: “الدين النصيحة” .
وهناك حديث في صحيح البخاري يبين مراد الرسول وهو: “النّاس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا” المعنى أنّ الإسلام لا يزيد الرجل إلا خيراً فمن كان قبل إسلامه على حالة حسنة من حيث المعاملة للناس فهذا إذا دخل في الإسلام يكون أحسن و أزيد لأن الإسلام يأمر بمكارم الأخلاق ويحث عليها. فالحاصل أنّ حسن الخلق مطلوب وهو ممّا يثقل ميزان المؤمن يوم القيامة عند الله لكن شرطه أن يكون مقترناً به التفقه في دين الله وذلك من سمو الأحوال وأعلى المقامات عند الله ثمّ إن الفقهاء قالوا: الأعمال الحسنة التي لا تحتاج إلى نية إذا أسلم الكافر ينتفع بها كالصدقة وصلة الرحم وإغاثة الملهوفين كأن كان يكثر الصدقة لما كان كافراً وكان يغيث الملهوفين وكان له مكارم أخلاق، فهذا إذا أسلم ينتفع بتلك الأعمال التي كان قدمها في حال كفره بسبب إسلامه، أما لو لم يسلم ما كان ينتفع بها والأعمال التي لا تصح إلا بنية كالحج والصلاة والصيام فلا ينتفعُ بشيء بعد إسلامه لأنّ مشركي قريش أهل مكة وغيرهم كانوا يحجون وهم على شركهم كانوا يعبدون الأوثان كانوا وضعوا حول الكعبة ثلاثمائة وستين صنماً كانوا يعبدونها ويعبدون غيرها من الأصنام ومع ذلك كانوا يحبون تقليد أجدادهم المسلين الذين كانوا على شريعة إسماعيل عليه السلام يحجون ويعتمرون على حسب شريعة الإسلام ثمّ لما طال الزمن فتنهم رجلٌ يقال له عمرو فعلمهم عبادة الأوثان وعلمهم أشياء قبيحة فأطاعوه وكانوا يتمسكون ببعض ما كان أجدادهم يعملونه في الحج حتى أنه بلغ من تمويه الشيطان وتلبيسه عليهم إلى أن أمرهم بأن يطوفوا بالكعبة عراةً قال لهم هذه الثياب التي تلبسونها تعصون الله بها كيف تطوفون بالبيت وهي عليكم، تعرّوا منها. فأطاعوه، فالذين أدركوا بعثة محمد ممن أسلم منهم تلك الحجات لا ينتفعون بها إنما ينفعهم الأعمال الصالحة التي يعملونها بعد الدخول في الإسلام وأما الصدقات والإحسان إلى الناس الذي كانوا يعملونه قبل دخولهم في الإسلام ينتفعون به بعد دخولهم في الإسلام بسبب إسلامهم أما من كان مسلماً ثم كفر فهذا كل حسناته لا تنفعه.
صيدلية القارئ
التمر
لشجرة التمر مكانة مهمة، فقد ذُكِرت في القرءان الكريم في مواضع عديدة كما ورد ذكرها في الأحاديث النبوية، وفوائد التمر الطيبة عديدة، فمما قيل عن التمر إنه مليّن للطبع مقوٍ للكبد وينفع خشونه الحلق ويغذي البدن. وأكله على الريق يقتل الدود، وهو يعد غذاء كاملاً، وله أهمية قصوى في تقوية وتقويم أجسام الأطفال، لأنه يحتوي على الفوسفور الذي يساعد على نمو العظام ويغذي حجيرات الدماغ مما يقويه وينشطه، كما يفيد البلح في حالات الالتهابات في المجاري البولية، ويفيد للسعال المزمن وأوجاع الصدر، والبلغم.
والتمر يحتوي على نسبة عالية من السكر. ومن السنة الإفطار يوم الصيام على تمر.
وتُظهر التحاليل المخبرية أن التمر يحتوي على 6،7 بالمائة من الكربوهيدرات 5،2 بالمائة من الدهن، 33 بالمائة من الماء، 23،1 بالمائة أملاح معدنية 10 بالمائة ألياف وفيتامينات أ وب1، وج، وهو غني بالحديد والكبريت والفوسفور والبوطاس والمنغنيز والكلورين والكلسيوم والنحاس ويحفظ بريق العين ورطوبتها ويقوي الرؤية وأعصاب السمع، ويهدئ الأعصاب ويحارب القلق العصبي وينشّط الغدة الدرقية.
ويمتنع عن أكله البدنيون والمصابون بالبول السكري، وليقلِّل من أكله من ارتفعت معه السوداء، أو من يعاني من عسر هضم.
سبحان الله والحمد لله.