ما هي الرقية الشرعية وما هي الرقى التى نهى عنها الرسول؟
سؤال : ما هي الرقية الشرعية وما هي الرقى التى نهى عنها الرسول صلى الله عليه وسلم ؟
الجواب : بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدِ المرسلينَ، وعلى ءالهِ وأصحابهِ الطيبينَ الطاهرين.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
أما بعد، يقولُ اللهُ سبحانَه وتعالى { ومنْ يتوكَّلْ على اللهِ فهُو حسْبُه } وقالَ تعالى أيضاً { وعلى اللهِ فتوكَّلوا إنْ كنتم مؤمنين } لقَدْ أمرَ اللهُ سبحانَهُ وتعالى بالتوكُّل عليه. والتوكُّلُ على اللهِ هو ثِقَةُ القلبِ بالله، أي اعتمادُ القلبِ على الله، وبهذا يتجنّبُ الانسانُ أن يلجأ الى طُرُقِ الحرامِ التي لا ترضي اللهَ تباركَ وتعالى كحالِ البعضِ حينما تنـزِلُ عليه المصائِبُ فيلجأون الى السَحَرةِ والعرّافينَ والمُنجِمين.
حرَّمَ علينا اللهُ ورسُولُه ذلك، وقد قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم :” إنَّ الرُّقى والتمائِمَ والتِوَلَةَ شرك ” رواه الترمذي. وأما الرُّقى التي قال عنها الرسولُ صلى اللهُ عليه وسلم إنها شِركٌ ما كانَ فيها عبادةُ غير اللهِ بالتلفُّظِ بكلماتٍ خبيثةٍ فيها عبادةُ كوكبٍ أو شمسٍ أو قمرٍ أو نجمٍ أو مَلِكٍ من مُلوكِ الشياطين. فهذه الرُقَيةُ التي فيها هذهِ الكلماتُ الخبيثةُ هي التي تُنافي التوكُّلَ على الله.
أما الرُّقى التي هي مِنَ القرءانِ أو من ذكرِ اللهِ تعالى فإنها جائزةٌ لا ضررَ فيها بل فيها ثوابٌ ونفعٌ بإذنِ اللهِ تعالى. وقد روى البيهقيُّ عن عثمانَ بنِ عفانٍ أنه قال ” مَرِضْتُ فعادَنِي رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فقال : بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيم، أُعِيذُكَ باللهِ الواحدِ الأحدِ الصَمَدِ الذي لم يلدْ ولم يولَدْ ولم يكن له كُفُواً أحد، مِنْ شرِّ ما تجدْ ” قال ذلك مراراً، وأفضلُ الرقيةِ وأحسنُ التعوُّذ : المُعوِّذتان.
أما التمائمُ التي هي شرك، فهي خَرَزاتٌ كان المشركونَ الجاهليونَ يعلِّقونَها على أولادِهم على اعتقادِ أنها تدفَعُ العينَ والضررَ بذاتِها، وما كانوا يعتقدونَ أن اللهَ هو الذي يدفَعُ الضررَ بها. وليسَ الحرزُ أي الحجابُ الذي فيه آياتٌ قرءانيةٌ أو ذكرُ اللهِ كالتمائمِ التي قال عنها النبيُ عليه الصلاةُ والسلامُ :” إنها شِرك ” فمن علَّقَ على عُنُقِه حِرزاً أي حجاباً لا يكونُ مُشركاً ما دامَ يعتقِدُ أنَّ اللهَ تعالى إن شَاءَ يدفَعُ الضررَ والألمَ عنْهُ ببركَةِ القرءانِ وكلماتِ الذكْرِ، يعتقد أنه لا شىءَ ينفَعُ ويَضُرُّ بغيرِ إذنِ اللهِ تعالى.وقد روى الترمذِيُّ عن عبدِ اللهِ بنِ عمرو بنِ العاصِ أنَّ الصحابةَ كانوا يكتُبُونَ كلماتٍ فيها استعاذَةٌ باللهِ من الشياطينِ ثم يعلّقونها على أولادهم الأطفال.
وأما التِوَلَةُ فهي شىءٌ مِنَ السحْرِ اعتادتِ النساءُ في الجاهليةِ أن يفعَلْنَهُ بِقَصْدِ تحبيبِ نفسها الى زوجها حتى يُطيعَها ولا يخالِفها، وكانتْ هذِهِ التولَةُ مما يشتملُ على كلامِ الكفرِ والشركِ وكان مِنْ جملةِ ما يتعاطاهُ المشركونَ مِنَ السحرِ، وكانَ هذا معروفاً بينهم مما تعلمُوه مِنَ الشياطينِ لأنَّ معظمَ السحْرِ مِنَ الشياطينِ.
والسحرُ قِسْمان : سحرٌ يكونُ كُفْراً وهو ما فيهِ عبادةُ كوكبٍ أو شيطانٍ أو نحوِ ذلك، وهناكَ سحرٌ مِنَ الكبائرِ كمن يكتُبُ كلاماً للتفريقِ بينَ زوجَين، ولا فَرْقَ بينَ أن يكونَ السحرُ للتحبيبِ أو للتبغِيضِ. فمن عُمِلَ له سحرٌ فلا يُقابِلُ السحرَ بالسحر، ومَنْ أرادَ أن يتخلَّصَ منهُ يداوي نفسَه بشىءٍ مِنَ العقاقيرِ التي جعلَ اللهُ فيها خاصِّيَةٍ لإبطالِ السحْرِ وبتلاوةِ القرءانِ وبالأذكارِ الواردةِ عنِ النبيِ صلى الله عليه وسلم، ولا يجوزُ الذهابُ الى العَرَّافينَ والسَحرةِ لمقابلةِ سحرٍ بسحرٍ آخَر.قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : ” مَنْ أتى كاهِنَاً أو عرّافاً فصَدَّقَهُ بما يقولُ فقد كفَر بما أُنزِلَ على محمد “. رواه الحاكم.
والكاهِنُ هو مَنْ يتعاطى الأخبارَ عمَّا يقعُ في المستقبل، والعرَّافُ هو مَنْ يتحدَّثُ عنِ الماضي من المسروقِ ونحوهِ، فلذا لا يجوزُ الذَهابُ إليهم بهذا القَصْدِ وإنه لا أحدَ يعلمُ الغيْبَ كُلَّه إلا اللهُ، فمن كانَ يعتقِدُ بأَنَّ أحداً مِنْ خلْقِ اللهِ يعلمُ الغيبَ كُلَّه فقد كفر. قال الله تعالى { قُلْ لا يعلَمُ مَنْ في السمواتِ والأرضِ الغَيْبَ إلا الله }. اللهُ تعالى يُطْلِعُ الملائكةَ على شىءٍ مِنَ الغيبِ لا كلّه.
وبناء على ذلك فالذين وصفتهم في السؤال ليسوا أهلا لذلك ولا ينبغي الذهاب إليهم.
نسألُ اللهَ أن يثبتنَا على دينِه. اللهم يا مُقَلِّبَ القلوبِ ثبّتْ قلوبنا على دينك. وآخر دعوانا سبحان الله وبحمده والحمد لله رب العالمين.