الرد على الوهابي ناصر الدين الألباني
المقدمة
الفصل الأول شذوذ الألباني في العقيدة
الفصل الثاني بيان شذوذ الألباني في مسألة كلام الله
الفصل الثالث بيان شذوذ الألباني في مسألة التأويل
الفصل الرابع إنكار الألباني تأويل البخاري
الفصل الخامس يدعي الألباني أن كل من تكلم بالكفر أو يكفر بالفعل في حكم المكره
الفصل السادس بيان شذوذ الألباني في مسألة التوسل والاستغاثة
الفصل السابع يدعي الألباني أنه لا يجوز الزيادة في التلبية على تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم(1).
الفصل الثامن يعتبر الألباني النبي صلى الله عليه و سلم ضالا كما يعتبر المتوسلين بالأنبياء و الأولياء ضالين
الفصل التاسع شذوذ الألباني في مسألة الشرك
الفصل العاشر الألباني ينكر تسمية ملك الموت عزرائيل
الفصل الحادي عشر بيان شذوذ الألباني عن أهل السنة و الجماعة
الفصل الثاني عشر الألباني يدعو إلى هدم ءاثار الرسول و يمنع من قول ” السلام عليك أيها النبي …” في الصلاة
الفصل الثالث عشر شذوذ الألباني عن المذاهب الاربعة
الفصل الرابع عشر شذوذ الألباني عن الجمهور فيحكم على نفسه بأنه ليس جمهوريًّا
الفصل الخامس عشر: الألباني و اليهود
الفصل السادس عشر شذوذ الألباني في الأحكام
الفصل السابع عشر تحريم الألباني استعمال السبحة للذِّكر
الفصل الثامن عشر يمنع الألباني الزيادة على إحدى عشرة ركعة في صلاة قيام رمضان (1)
الفصل التاسع عشر يدعي الألباني أن قيام اليل بأكثر من إحدى عشر ركعة بدعة و يرى أن هذا ليس بطاعة
الفصل العشرون الألباني يمنع سنة الجمعة القبلية قبل الجمعة و بعد الأذان بحجة أنها بدعة
عجيبة للالباني
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, مالك يوم الدين, الذي قال في القرءان الكريم }كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ} (110)]سورة ءال عمران[. والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
أما بعد, فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:{ من رأى منكم منكراً فليغيّره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان}رواه مسلم, فالحمد لله الذي سخّر علماء أفاضل نشروا الحق وعلّموا الدين الذي لم يدخله زيادة ولا تحريف. وءاخرهم المحدث العالم الفقيه اللغوي الشيخ عبد الله الهرري حفظه الله تعالى وأطال بعمره ولطف به ونفعنا بعلمه وغفر له ولوالديه, الذي انطبقت عليه صفات مجدد القرن. فقد نُشر العلم على يديه ووصل مريدوه إلى جميع بلدان العالم وذلك بفضل الله عز وجل. والشيخ حفظه الله إتخذ القرءان والسنة دليلا له, فحذر من الفرق الضالة الكثيرة, كالوهابية ورؤسائهم وحزب الإخوان وحزب التحرير ومحمد رجب ديب وغيرهم.. إلا أننا قد وصلنا إلى الزمان الذي كثر فيه المبطلون والمفترون وأدعياء العلم الذين يغشون الناس في دينهم ويبيعون الدنيا بعرض من الدنيا ورجاء دراهم قليلة, فصاروا يتصدرون للتدريس والتأليف والفتوى, ويتكلمون في دين الله برأيهم وهواهم ويضعون القرءان في غير محله لنصرة مذهبهم الفاسد الذي حوى عقيدة التشبيه والتجسيم ومخالفة السلف والخلف ويتهجمون على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فيضعّفون ما يخالف عقيدتهم ويخرقون إجماع الأمة المحمدية ويتطاولون على صحابة رسول الله والسلف الصالح وعلماء الأمة الأجلاء من أشاعرة وماتردية شافعية كانوا أو حنفية أو مالكية أو من فضلاء الحنابلة, فهذا ولا شك طبع الجاهل وسلاح المفلس العاجز الذي انطبق عليه قوله عليه الصلاة والسلام :{أناسٌ من جِلْدَتِنا يَتَكَلَّمونَ بألسِنَتِنا تعرفُ منهم وتُنْكِر، دُعاة على أبوابِ جهنَّم من استجاب لهم قذفوهُ فيها} رواه البخاري.
ومن هؤلاء, رجل نسب نفسه للعلم والعلماء, والحديث والمحدثين زورا وبهتانا, فأطلق لسانه وقلمه بغير علم, وعمد من خلال فتاويه إلى زرع الفتنة وبث الحقد والعداوة والبغضاء بين المسلمين, إنه الساعاتي المدعو( ناصر الدين الألباني) الذي كفانا مؤنة نفسه في الرد عليه حيث وصف نفسه بأنه كان يعمل ساعاتيا وكانت هوايته قراءة الكتب بدون تلقّ للعلم من أهله ودون أن يكون له إسناد معتبر فيه, فتخبط هنا وهناك بين الكتب ونسب نفسه إلى السلف مع مخالفته لهم في العقيدة والأحكام الفقهية.
وزعم أنه من المحدثين وهو لا يحفظ حديثا واحدا بالإسناد المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم كيف يكون محدثا وهو يصحح أحاديث في كتبه ويحكم عليها بالتضعيف في مواضع أخرى والعكس, ويتهجم على علماء المحدثين بعبارات الازدراء والتهكم, وهو مع ذلك يكابر ويماري ويجادل بالباطل لهوى نفسه فيتجرأ على البخاري ومسلم وغيرهما, فيضعف من الأحاديث ما أجمع الحفاظ على صحتها, فهو بهذا شذّ عما عليه جمهور الأمة المحمدية من أشاعرة وماتُريدية الذي ادعى زورا وبهتانا أنهم أهل بدعة, سبحانك ربنا هذا بهتان عظيم.
وهو أيضا شذّ عن الشرط الذي اشترطه علماء الحديث, لأن التصحيح والتضعيف من وظيفة الحافظ, وقد صرّح بذلك كثير منهم في مؤلفاتهم, ويكفي في ذلك قول الحافظ السيوطي في ألفية الحديث:
وَخُذْهُ حَيْثُ حَافِظٌ عَلَيْهِ نَصْ—–أَو مِن مُصَنِّفٍ بِجَمْعِهِ يُخَصْ
فكيف تجرأ مَعْ بعدِهِ عن أهلية التصحيح والتضعيف بُعد السماء عن الأرض على تسمية بعض مؤلفاته الصحيحة – يعني بذلك أنه جمع فيها الأحاديث الصحيحة فقط – , وبعضها ضعيفة.
فما هذه الجرأة والوقاحة اللتان يتصف بهما هذا الرجل, حيث أوهم تلاميذه الذين أعماهم الله بأنه من أهل التصحيح والتضعيف, على أنه اعترف في بعض مجالسه بأنه ليس بحافظ, فلو كان هذا الرجل اطلع على كتب الحديث لعَلِم أن التصحيح ليس من وظيفة المحدث, ولا من هو دونه, ولعلم أن الحافظ هو من له وظيفة التصحيح والتضعيف كما بينا. وقد ذُكر لنا أن رجلا من المحامين قال له: أنت محدث؟ قال: نعم, قال: تروي لنا عشرة أحاديث بأسانيدها, قال: أنا لست محدث حفظ, بل محدث كتاب, فقال الرجل: وأنا أستطيع أن أحدّث من كتاب, فأسكته.
فويل للذين قلّدوه من أتباعه الذي يشتغلون بالتعليق على كتب المحدثين فليتقوا الله فإنهم تائهون كما تاه متبوعهم, ولا يقلّد هذا الألباني إلا المغترون الذين لا يحسنون قواعد علم الحديث لم يؤتوا حظا لحفظ متون الأحاديث ولا في دراية قواعده مثل علي الحلبي, ومراد شكر, ومحمد شقرة, وعمر الأشقر, وسليم الهلالي وغيرهم. فغيرةً منا على ديننا وعقيدتنا وسنة نبينا وانتصارا للسلف والخلف أهل الحق, وحرصا منا على تبيان حال من شبّه الخالق سبحانه وتعالى بخلقه وتجرأ على حديث رسول الله وضلل المسلمين, فعملا بالآية الكريمة { وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } (104) [سورة ءال عمران], وقوله تعالى:{ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ } (18) [سورة الأنبياء]. فإنا وبحمد الله وفضله علينا أن أعطانا القدرة على نشر هذا التحذير من المدعو ناصر الدين الألباني. سوف نرى في هذا التحذير إن شاء الله معظم ضلالاته والرد عليها. ولِيُعلم أن هذا الرد كُتِبَ في حياة الألباني, وقد غيرت بعض العبارات للمناسبةِ وسميته: “تبيين ضلالات الألباني, شيخ الوهابية المُتَمَحْدِث”.
———————————————
الفصل الأول شذوذ الألباني في العقيدة
ينقل(1) ناصر الدين الألباني عن بعض المشبهة ومقرا له بأن من قال عن الله ”ويُرى لا في جهة ” فليُراجع عقله. وقال الالباني(2) “إن اريد بالجهة امر عدمي وهو ما فوق العالم فليس هناك الا الله وحده”. اهــ.
الرد: قال الإمام أبو جعفر الطحاوي في العقيدة التي ألفها لبيان عقيدة أهل السنة والجماعة:{ لا تحويه – أي الله – الجهات الست كسائر المبتدعات}اهـ, أي أن الله تعالى منزه عن الجهة لان في ذلك نسبة المكان والحد لله وتوابعهما من
الحركة والسكون ونحو ذلك مما هي من صفات المخلوقين. فالألباني بكلامه الاول يكون اتّهَم أهل السنة والجماعة بأنهم لا عقل لهم وحكم على نفسه أنه شذ عن مذهبهم والرسول صلى الله عليه وسلم قال:{ عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد فمن أراد بُحبوحة الجنة فليلزم الجماعة} رواه الترمذي(3). وقال {ثلاثة لا يُغل عليهن قلب مسلم: اخلاص العمل لله، ومناصحة ولاة الأمر، ولزوم الجماعة ، فإن دعوتهم تحيط من ورائهم} رواه ابن حبان وصححه(4)، والحافظ ابن حجر في الامالي وحسنه، ثم هو لا يرتدع بكلام الطحاوي ولا بكلام أهل السنة قاطبة ولا يرده إجماع الأمة فيدّعي مغرورا بجهله أن الله فوق العرش بذاته.
ومما انفرد به في العقيدة حيث شبه الله تعالى أنه محيط بالعالم من جميع الجهات كما أن الحقّة تحيط بما في ضمنها ولم يسبقه بهذا أحد لا من أهل السنة ولا من المشبهة, وقد ذكر ذلك في كتابه المسمى صحيح الترغيب والترهيب (5), فكيف جمع بين هذا وبين قوله إن الله بذاته فوق العرش؟! وفي هذا تناقض لا يخفى, وهذا ضد عقيدة طائفته الوهابية المشبهة المجسمة “أن الله فوق العرش فقط”, فهذه من مفرداته التي انفرد بها عن طائفته, وهذا نشأ من سوء فهمه بقوله تعالى:{ وَكَانَ اللهُ بِكُلِّ شَىْءٍ مُّحِيطًا }(126) [ سورة النساء]. ومعنى الآية أن الله محيط بكل شيء علما, فهذا الرجل من شدة تهوره يناقض نفسه وهو لا يدري, فماذا تقول فيه طائفته وقد أثبت عقيدة ضد عقيدتهم هل تتبرأ منه؟؟ أم تسكت له مداهنة؟ لان طائفته الوهابية تعتبره قدوة لهم وزعيما كبيرا بل تعتبره مجدد العصر لهم، فقد شبه الالباني الله بالحقة التي تحيط بما فيها من جميع الجهات كما ذكر في كتابه المسمى “صحيح الترغيب والترهيب”, فجعله تحت العالم وفوق العالم وعن شمال العالم وعن يمين العالم وامام العالم وخلف العالم, ولم يقل بذلك قط مسلم ولا كافر قبله, هذا ما شهر عنه, وقد ذكر في بعض مؤلفاته في أكثر من موضع أن الله متحيز فوق العرش بذاته, فها هو ذا ينتقل من ضلال إلى ضلال ليس له مستقر في فساده في العقيدة والأحكام.
فائدة: قال الألباني: اعلم أن قوله في هذا الحديث فإن الله قبل وجهه وفي الحديث الذي قبله فإن الله عز وجل بين أيديكم في صلاتكم لا ينافي كونه تعالى على عرشه فوق مخلوقاته كلها كما تواترت فيه نصوص الكتاب والسنة وءاثار الصحابة والسلف الصالح رضي الله عنهم ورزقنا الاقتداء بهم فإنه تعالى مع ذلك واسع محيط بالعالم كله, وقد أخبر أنه حيثما توجه العبد فإنه مستقبل وجه الله عز وجل بل هذا شأن مخلوقاته المحيط بما دونه فإن كل خط يخرج من المركز إلى المحيط فإنه يستقبل وجه المحيط ويواجهه وإذا كان عالي المخلوقات يستقبل سافلها المحاط بها بوجهه من جميع الجهات والجوانب فكيف بشأن من هو بكل شيء محيط وهو محيط ولا يُحاط به}. اهـ.
هذه عبارته حتى يتأكد المطالع أنه قال إن الله يحيط بالعالم من جميع الجهات بالذات لا يعني بالعلم كما هو معتقد المسلمين, وهي صريحة في أنه أراد إحاطة الله بالعالم بذاته لا بالعلم والقدرة كما هو معتقد المسلمين سلفهم و خلفهم, وهذه المقالة التي قالها لم تقل بها فرقته غير أن شابا دمشقياً من المنتسبين إليه صرّح بذلك يوما وشبّه ذلك بضم كفه إلى الأخرى.
أما زعمه أنه ليس فوق العرش شيء من المخلوقات فهذا دليل جهله بالحديث وعلومه رغم ادِعائه انه اشتغل بهذا العلم سنين عديدة, فقد روى البخاري ومسلم (6) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:{ لمَّا قضى الله الخلق كتب في كتابه فهو عنده فوق العرش إن رحمتي سبقت غضبي}, وفي رواية عند مسلم(7){ فهو موضوع عنده}, وفي رواية عند ابن حبان(8) بلفظ:{ وهو مرفوع فوق العرش} وقد ذكر الحافظ ابن حجر عند شرحه(9) لهذا الحديث أنه لا مانع من أن يكون فوق العرش مكان, وروى النسائي في سننه الكبرى(10):{ فهو عنده على العرش} وهذا صريح في أن فوقية هذا الكتاب هي الفوقية المتبادرة فاندفع ما يقال إن “فوق” في حديث البخاري بمعنى تحت, ويبطل هذه الدعوى قول بعض أهل الأثر إن اللوح المحفوظ فوق العرش مقابل قول الآخرين إنه تحت العرش. وهذا الحديث فيه الرد على الألباني وعلى كل من ينفي وجود مخلوق فوق العرش, وفيه أيضا دليل على أن فوق العرش مكان, فلو كان الله متحيزا في جهة فوق العرش لكان له أمثال وأبعاد وطول وعرض وعمق ومن كان كذلك كان محدثا محتاجا لمن حدّه بذلك الطول وبذلك العرض والعمق.
ويكفي في الرد عليه قول الله تعالى:{ وَكُلُّ شَىْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ} (8)[سورة الرعد] ومعناه أن الله خلق كل شيء على مقدار أي على كمية وكيفية مخصوصة, فالعرش له كمية وحبة الخردل لها كمية, فالمعنى المفهوم من هذه الآية أن الله الذي خلق كل شيء على كمية – أي حجم وشكل مخصوص – لا يجوز أن يكون ذا حجم لا حجم كبير ولا حجم صغير, ومعلوم أن الجالس على شيء له حجم إما بقدر ما جلس عليه أو أقل منه أو أوسع منه, فلا يجوز على الله الجلوس, والموجود المتحيز في مكان له مقدار, والمقدار صفة المخلوق فالإنسان له مقدار أي حجم وشكل مخصوص والملائكة كذلك, والعرش والشمس وكل فرد من أفراد النجوم كذلك, وكذلك الحجم الصغير كحجم حبة الخردل, فالله تعالى هو الذي خصّص هذه الأشياء بحجم وشكل مخصوص, وقد أفهمنا بقوله:{ وَكُلُّ شَىْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ} أن هذا وصف الخلق وهو سبحانه الخالق لا يجوز أن يتصف بصفات المخلوقين, فلا يجوز على الله التحيز في مكان, ولا يجوز وصفه بالحركة ولا السكون, ولا الهيئة ولا الصورة, ولا التغيّر, هذا الدليل من القرءان.
أما الدليل من الحديث فما رواه البخاري وابن جارود والبيهقي بالإسناد الصحيح (11) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:{ كان الله ولم يكن شيء غيره}.
وقال الحافظ البيهقي في كتابه “الأسماء والصفات” ما نصه:{ استدل بعض أصحابنا في نفي المكان عنه تعالى بقول النبي صلى الله عليه وسلم:{ أنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء}, وإذا لم يكن فوقه شيء ولا دونه شيء لم يكن في مكان}. انتهى, وهذا الحديث فيه أيضا الرد على القائلين بالجهة في حقه تعالى. .
وقال الإمام علي رضي الله عنه(12):{ كان الله ولا مكان وهو الآن على ما عليه كان}.
وأما رفع الأيدي عند الدعاء إلى السماء فلا يدل على أن الله متحيز في جهة فوق كما أن حديث مسلم (13)عن أنس بن مالك رضي الله عنه:{ أن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى فأشار بظهر كفيه إلى السماء} لا يدل على أن الله في جهة تحت, فلا حجة في هذا ولا في هذا لإثبات جهة تحت أو فوق لله تعالى بل الله تعالى منزه عن الجهات كلها.
وقال الإمام أبو جعفر الطحاوي رضي الله عنه في عقيدته التي ذكر أنها عقيدة أهل السنة والجماعة:{ تعالى – يعني الله – عن الحدود والغايات والأركان والأعضاء والأدوات ولا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات}. !
وممن نقل إجماع المسلمين سلفهم وخلفهم على أن الله موجود بلا مكان الإمام النحرير أبو منصور البغدادي الذي قال في كتابه “الفرق بين الفرق” (14) ما نصه:{ وأجمعوا – أي أهل السنة والجماعة – على أنه تعالى لا يحويه مكان ولا يجري عليه زمان}. انتهى بحروفه.
وقال إمام الحرمين عبد الملك الجويني في كتابه “الإرشاد” ما نصه:{ مذهب أهل الحق قاطبة أن الله يتعالى عن التحيز والتخصص بالجهات} انتهى.
فكما صح وجود الله تعالى بلا جهة قبل خلق الأماكن والجهات فكذلك يصح وجوده بعد خلق الأماكن بلا مكان وجهة وهذا لا يكون نفيا لوجوده تعالى.
قال القشيري(15):{ والذي يدحض شبههم – أي شبه المشبهة – أن يقال لهم قبل أن يخلق العالم أو المكان هل كان موجودا أم لا؟ فمن ضرورة العقل أن يقولوا: بلى, فيلزمه لو صح قوله لا يُعلم موجود إلا في مكان أحد أمرين إما ان يقول المكان والعرش والعالم قديم – يعني لا بداية لوجودها – وإما أن يقول أن الرب محدَث وهذا مآل الجهلة الحشوية, ليس القديم بالمحدَث والمُحدَث بالقديم}. انتهى.
وقد قال الحافظ النووي الشافعي في شرح صحيح مسلم(16) ما نصه:{ قال القاضي عياض: لا خلاف بين المسلمين قاطبة فقيههم ومحدّثهم ومتكلمهم ونظارهم ومقلدهم أن الظواهر الواردة بذكر الله تعالى في السماء كقوله تعالى:{ءأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء}(16)[سورة الملك] ونحوه ليس على ظاهرها بل متأوّلة عند جميعهم}. انتهى, يعني تأويلا إجماليّا أو تأويلا تفصيليّا.
وكذا قال المفسرون من أهل السنة كالإمام فخر الدين الرازي في تفسيره(17) وأبي حيان الأندلسي في تفسيره (18) وأبي السعود في تفسيره (19) والقرطبي في تفسيره (20) وغيرهم. وعبارة القرطبي: { ءأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء } قال ابن عباس “ءامنتم عذاب من في السماء ان عصيتموه” ثم قال “وقيل هو اشارة الى الملائكة، وقيل الى جبريل وهو الملك الموكل بالعذاب. قلت : ويحتمل ان يكون المعنى “ءأمنتم خالق من في السماء ان يخسف بكم الأرض كما خسفها بقارون”. اهـ
فبَعد هذا يُقال لهذا المجسم أعني الألباني وجماعته: أنتم تعتقدون أن الله جسم متحيّز فوق العرش له مقدار عندكم وهو أنه بقدر العرش لا أصغر ولا أكبر على ما قال زعيمكم ابن تيمية في بعض مؤلفاته وفي بعض إنه بقدر بالعرش ويزيد, ولو قال لكم عابد الشمس: كيف تقولون معبودي الذي هو الشمس لا يجوز أن يكون إلـها مع أنه موجود مشاهد لنا ولكم وكثير النفع ينفع البشر والشجر والنبات والهواء ويُطيّب الماء, وضَوْؤه يعُمُّ نفعُه البشر, وأما معبودكم الذي هو جسم تخيلتموه فوق العرش لم تشاهدوه ولا نحن شاهدناه ولا شاهدنا له منفعة, فغاية ما تحتجّون به إيراد بعض الآيات كقوله:{ اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَىْءٍ } (16) [سورة الرعد] فيقول لكم عابد الشمس:{ أنا لا أؤمن بكتابكم أعطوني دليلا عقليا}. فهل عندكم من جواب يقطعه كلا, أما نحن أهل السنة الأشاعرة والماتريدية نقول لعابد الشمس: معبودك هذا له حجم وشكل مخصوص فهو محتاج لمن أوجده على هذا الحجم وعلى هذا الشكل, ومعبودنا موجود ليس ذا حجم ولا شكل فلا يحتاج لمن خصّصه بحجم وشكل بخلاف الشمس, فهو الذي أوجد الشمس على حجمها وشكلها المخصوص وهو الذي يستحق أن يكون إله العالم لأنه لا يشبه شيئا من العالم, ويقال أيضا: أنواع العالم العلوي والسفلي له حجم وشكل مخصوص فعلى قولكم الله له أمثال لا تحصى, فتبين أنكم مخالفون لقوله تعالى:{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ } (11) [سورة الشورى], فكلمة شيء تشمل كل ما دخل في الوجود من علوي أو سفلي وكثيف ولطيف, فالآية نصٌّ على أن الله تعالى لا يشبه شيئا من هؤلاء أي لا يكون مثل العالم حجما كثيفا ولا حجما لطيفا ولا متحيزا في جهة من الجهات, ولم يقل الله تعالى ليس كمثله البشر ولا قال ليس كمثله الملائكة ولا قال ليس كمثله الشمس, بل عَمَّم فقال:{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ }, قال شيخنا العلامة المحدث عبد الله الهرري المعروف بالحبشي ما نصه:{ والنَّكِرَةُ عند أهل اللغة إذا وقعت في حيِّز النفي فهي للعموم, فمعنى الآية ليس كمثله تعالى شيء من الأشياء على الإطلاق بلا استثناء}اهـ. أما أنتم فقد جعلتموه حجما في جهة فوق تلي العرش وجعلتم له أعضاء فقد شبهتموه بخلقه, فلم يبق لكم إلا أن تقولوا إنه إنسان, تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
———————————————
الفصل الثاني بيان شذوذ الألباني في مسألة كلام الله
ها هو الألباني يصرح باعتقاد ليس له سلف فيه إلا الكرامية والمشبهة وهما فرقتان من الفرق الضالة الذين انحرفوا عن عقيدة أهل السنة والجماعة, فيقول في كتابه المسمى “مختصر العلو”(21), بأن الله متكلم بصوت وحرف, وما هذا الكلام إلا امتداد لعقيدة التشبيه التي يحملها وينسبها زورا وبهتانا إلى أئمة الحديث وإلى أهل السنة والجماعة, وهم بريئون منه ومن عقيدته الكفرية, شأنه في ذلك شأن متبوعه إمام الضلالة أحمد بن تيمية الحراني, ثم نقل في شرحه على الطحاوية(22) عن بعض المجسمة ما نصه:{ وأن نوع الكلام قديم وإن لم يكن الصوت المعين قديما, وهذا المأثور عن أئمة الحديث والسنة}اهـ.
الرد: لا يستطيع هذا المجسم ولا أحد من الوهابية أن يثبتوا نقلا صحيحا عن أحد أئمة الحديث والسنة المعتبرين ما زعمه الألباني, بل هذه عقيدة ابتدعها ابن تيمية, فإن عقيدة السلف كما قال الإمام أبو حنيفة في الفقه الأكبر رضي الله عنه عن كلام الله:{ ويتكلم لا ككلامنا, نحن نتكلم بالآلات والحروف والله تعالى يتكلم بلا آلة ولا حرف} انتهى بحروفه.
وقال العز بن عبد السلام(23) ما نصه:{ فالله متكلم بكلام قديم أزلي ليس بحروف ولا صوت, ولا يتصور في كلامه أن ينقلب مدادا في الألواح والأوراق شكلا ترمقه العيون والأحداق كما زعم أهل الحشو والنفاق, بل الكتابة من أفعال العباد ولا يتصور من أفعالهم أن تكون قديمة, ويجب احترامها لدلالتها على كلامه كما يجب احترام أسمائه لدلالتها على ذاته}, إلى أن قال:{ فويل لمن زعم أن كلام الله القديم شيء من ألفاظ العباد أو رسم من أشكال المداد}. انتهى, وهذا هو عين الرد على الألباني وجماعته الوهابية المجسمة لأنهم قالوا إن الله يتكلم بالحروف التي يتكلم بها البشر, أي على زعمهم عندما قال الله في القرءان الكريم سورة مريم:{ كهيعص }(1) فالله عندهم متكلم بالكاف والهاء والياء والعين والصاد وهذا عين كلام البشر, فما جوابكم عن ذلك؟!اهـ.
وفي كتاب “نجم المهتدي ورجم المعتدي” للفخر بن المعلم القرشي الفتاوى التي تبطل عقيدة هؤلاء المشبهة, فمن أراد مزيد التأكد فليرجع إليه.
وعلى هذا علماء الإسلام كالحافظ البيهقي الأشعري وإمام الحرمين والغزالي وغيرهم من الشافعية, وأبي المعين النسفي والقونوي وغيرهما من الحنفية, ومحمد بن يوسف السنوسي والعز بن عبد السلام وغيرهما من المالكية, والحافظ ابن الجوزي وغيره من فضلاء الحنابلة.
فليُعلم أن هؤلاء المشبهة يعتقدون أن الله متكلم بكلام هو حروف وأصوات متعددة يحدث في ذاته ثم ينقطع, ثم يحدث ثم ينقطع والعياذ بالله تعالى, وهذا ضلال مبين مخالف لقوله تعالى :{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ }(11)[سورة الشورى].
فاعلم أن كلام الله الذي هو صفة ذاته ليس حرفا وصوتا ولغة, فالله تعالى موجود متكلم سميع بصير قادر عالم قبل وجود الخلق فهو موصوف بصفة الكلام قبل وجود الحرف والصوت واللغات.
والقرءان الكريم له إطلاقان يطلق ويراد به صفة الله القائمة بذاته أي الثابتة له فهو على هذا المعنى ليس حرفا ولا صوتا وليس بمبتدإ ولا مختتم, فالحروف متعاقبة, فحين يقول القارئ بسم الله الرحمن الرحيم نطق بالباء ثم السين وهكذا, ولا شك أن هذا الناطق ونطقه بالحروف المتعاقبة كلٌّ مخلوق ولا يجوز ذلك على الله.
ويطلق القرءان ويراد به اللفظ المنزل على سيدنا محمد فهذا اللفظ المكتوب في المصاحف المقروء بالألسنة المحفوظ في الصدور الذي هو باللغة العربية لا يشك عاقل أنه مخلوق, ومع ذلك فهو ليس من تأليف مَلَك ولا بشر. ومن الدليل على أن اللفظ المنزل مخلوق قول الله تعالى:{ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ }(19)[سورة التكوير] أي أن هذا القرءان لمقروء رسول كريم هو جبريل عليه السلام, ولا يجوز أن تكون قراءة جبريل أزلية, وكذلك قوله تعالى:{ وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللهِ }(6)[سورة التوبة] يدل على أن كلام الله يُطلق ويراد به اللفظ المنزل المخلوق لأن الكافر في الدنيا لا يسمع كلام الله الذي هو الصفة القائمة بذات الله.
ولا يطلق القول بأن القرءان مخلوق ولو مع إرادة اللفظ المنزل حتى لا يُتوهم من ذلك أن كلام الله الذي هو صفة ذاته مخلوق, بل يقال في مقام التعليم: القرءان إن أريد به اللفظ المنزل فهو مخلوق, وإن أريد به الكلام الذاتي فهو أزلي ليس بحرف ولا صوت.
ومن أصرح الأدلة على أن كلام الله بمعنى الصفة القائمة بذات الله ليس حرفا ولا صوتا ولا لغة قوله صلى الله عليه وسلم:{ ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان} رواه البخاري(24), فالله تعالى هو يحاسب جميع الخلق بنفسه فيُسمع الكافر والمؤمن كلامه الذاتي فيفهم العباد منه السؤال عن نياتهم وأفعالهم وأقوالهم, والله قال في القرءان:{ ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ }(62)[سورة الأنعام]. فلو كان حساب الله تعالى لعباده بتكليمه لهم بحرف وصوت ولغة لأخذ الحساب وقتا طويلا ولما كان الله أسرع الحاسبين كما قال, بل كان أبطأ الحاسبين لأن الخلق كثير وإبليس وحده عاش ءالافا من السنين والله أعلم كم سيعيش بعد, ويأجوج ومأجوج الكفار ورد في الحديث أن كل البشر بالنسبة لهم كواحد من ألف فلو كان حساب هؤلاء بالسؤال بالحرف والصوت لكان حساب العبد يحتاج لوقت طويل, والله يفرغ من حساب العباد في لحظة قصيرة في جزء من موقف من مواقف القيامة الخمسين, فتبين للعاقل أن كلام الله الذي هو صفة ذاته ليس حرفا ولا صوتا ولا لغة.
———————————————
الفصل الثالث بيان شذوذ الألباني في مسألة التأويل
تهجم الألباني على علماء الخلف وجَمعٍ من علماء السلف لتأولهم ما تشابه من ءايات القرءان والحديث, فقال ما نصه(25):{ ونحن نعتقد أن كثيرا من المؤولة ليسوا زنادقة لكن في الحقيقة أنهم يقولون قولة الزنادقة}اهـ, وقال(26):{ التأويل هو عين التعطيل}اهـ.
فنقول: علماء السلف والخلف أوّلوا فأنت يا ألباني لست مع السلف ولا مع الخلف, فهذا كأنه اعتراف منك بالخروج عن الملة, أليس أوّلت أنت وجماعتك المشبهة قوله تعالى:{ وَللهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ }(115)[سورة البقرة] فهذه الآية ظاهرها أن الله محيط بالأرض بحيث يكون المصلي متوجها إلى ذات الله, أليس أنت وجماعتك أوّلتم قوله تعالى حكاية عن إبراهيم:{ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ }(99)[سورة الصافات] أليس إبراهيم كان في العراق وذهب إلى فلسطين, أليس أولتم هذه الآية ولم تأخذوا بظاهرها الذي يوهم أن الله متحيز في أرض فلسطين, وأين أنت يا ألباني وجماعتك من حديث مسلم(27):{ ما تصدّق أحد بصدقة من طيّب, ولا يقبل الله إلا الطيب, إلا أخذها الرحمن بيمينه وإن كانت تمرة فتربو في كف الرحمن}, أليس ظاهر هذا الحديث أن المتصدق إذا تصدق وقعت صدقته في يد الله, أليس أولتم هذا؟؟؟ أم حملتموه على الظاهر فتكونون جعلتم يد الله تحت يد المتصدق.
فإن قلتم: هذا الحديث والآيات التي ظواهرها أن الله في غير جهة فوق نؤولها وأما الآيات التي ظواهرها أنه متحيز في جهة فوق نعتقدها ولا نؤولها, قلنا: هذا تحكّم أي دعوى بلا دليل, بل الدليل العقلي والنقلي يدلان على وجوب ترك حمل هذه الآيات وما كان على نحو هذا الحديث على ظواهرها وإلا لتناقضت هذه الآيات مع قوله تعالى:{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ }(11)[سورة الشورى] والقرءان منزه عن التناقض, والذي أوقعكم في هذا هو أنكم لا تؤمنون بوجود موجود ليس في جهة ومكان وليس حجما مخصوصا فمن أين يصح لكم معرفة الله وأنتم على هذه الحال.
أما نحن أهل السنة والجماعة فقد أوّلنا هذه وهذه, فنحن نوفّق بين الآية:{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ } وبين تلك الآيات, فإن الآيات والأحاديث منها ما هو محكم ومنها ما هو متشابه ونحن رددنا المتشابه بقسميه القسم الذي يدل ظاهره أن الله متحيز في جهة فوق والقسم الذي يدل على أنه متحيز في جهة تحت إلى الآيات المحكمة كقوله تعالى:{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ }(11)[سورة الشورى]
وأما حديث:{ كان الله ولم يكن شيء غيره} فهو دال دلالة صريحة على أن الله موجود بلا مكان لأن المكان غير الله. فتبين أن مذهبكم التحكّم, ومذهب أهل السنة الاعتدال, وليس مذهبنا التعطيل بل أنتم عطلتم قسما من الآيات والأحاديث جعلتموها وراء ظهوركم كأنكم لم تسمعوها أو تروها.
فالحاصل أن المتشابه من الكتاب والسنة قسمان قسم يوهم ظاهره أن الله في جهة فوق متحيز وأن له أعضاء وحركة وسكون, وقسم ظاهره أن الله متحيز في جهة تحت, فعَمَد أهل السنة إلى تأويل القسمين وردّهما إلى الآيات المحكمة كقوله تعالى:{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ } وقوله:{ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ }(4)[سورة الإخلاص] عملا بقول الله تعالى:{ هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ ءايَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ }(7)[سورة ءال عمران], لما وصف سبحانه المحكمات بأنها أم الكتاب رددنا القسمين من المتشابه إلى المحكمات وهن أم الكتاب أي أصل الكتاب.
أما أنت يا ألباني وطائفتك المشبهة حملتم قسما من المتشابه على الظاهر وألغيتم القسم الآخر فكأنكم جعلتم القسم الآخر ما لا يلتفت إليه والقرءان كله حق وصحيح, ثم إنكم جعلتم لله أعضاء وحَدا ومقدارا حملا للآيات التي ظواهرها ذلك على الظاهر فجعلتم لله أمثالا وخالفتم قوله تعالى:{ وَكُلُّ شَىْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ} (8)[سورة الرعد] والعالم لطيفه وكثيفه له مقدار فجعلتم الخالق مثل خلقه, فالعرش له مقدار أي حد يعلمه الله والشمس لها مقدار أي حد يعلمه الله والنور والظلام له مقدار يعلمه الله, وجعلتم أنتم لله مقدارا فقلتم الله بقدر العرش, وقال بعضكم ليس بقدر العرش بل بقدر بعض العرش, فأهل السنة المباينون لكم هم الأمة هم مئات الملايين اليوم وهم الأشاعرة والماتُريدية, وأما أنتم معشر المشبهة شرذمة قليلة لا تتجاوزن نحو مليون.
والآيات المحكمة: هي ما لا يحتمل من التأويل بحسب وضع اللغة إلا وجها واحدا, أو ما عُرف بوضوح المعنى المراد منه كقوله تعالى:{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ }(11)[سورة الشورى]
:{ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ }(4)[سورة الإخلاص], وقوله:{ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا }(65)[سورة مريم].
وأما المتشابه: فهو ما لم تتضح دلالته, أو يحتمل أكثر من وجه واحتيج إلى النظر لحمله على الوجه المطابق, كقوله تعالى:{ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}(5)[سورة طه].
وأما قوله تعالى:{ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ }(7)[سورة ءال عمران] يحتمل أن يكون ابتداءً, ويحتمل أن يكون معطوفا على لفظ الجلالة, فعلى الأول المراد بالمتشابه ما استأثر الله بعلمه كوجبة القيامة وخروج الدجال ونحو ذلك, فأنه لا يعلم متى وقوع ذلك أحد إلا الله؛ وعلى الثاني: المراد بالمتشابه ما لم يتضح دلالته من الآيات أو يحتمل أوجها عديدة من حيث اللغة مع الحاجة إلى إعمال الفكر ليحمل على الوجه المطابق كآية:{ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى }(5)[سورة طه], فعلى هذا القول يكون الراسخون في العلم داخلين في الاستثناء, ويؤيد هذا ما رواه مجاهد عن ابن عباس أنه قال:{ أنا ممن يعلم تأويله}(28).
قال القشيري في التذكرة الشرقية(29):{ وأما قول الله عز وجل:{ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ }(7)[سورة ءال عمران] إنما يريد به وقت قيام الساعة, فإن المشركين سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن الساعة أيان مرساها ومتى وقوعها, فالمتشابه إشارة إلى علم الغيب, فليس يعلم عواقب الأمور إلا الله عزّ وجل ولهذا قال:{ هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ }(53)[سورة الأعراف] أي هل ينظرون إلا قيام الساعة. وكيف يسوغ لقائل أن يقول في كتاب الله تعالى ما لا سبيل لمخلوق إلى معرفته ولا يعلم تأويله إلا الله, أليس هذا من أعظم القدح بالنبوات, وأن النبي صلى الله عليه وسلم ما عرف تأويل ما ورد في صفات الله تعالى ودعا الخلق إلى علم ما لا يعلم, أليس الله يقول:{ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ }(195)[سورة الشعراء] فإذا على زعمهم يجب أن يقولوا كذب حيث قال:{ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ } إذ لم يكن معلوما عندهم, وإلا فأين هذا البيان؛ وإذا كان بلغة العرب فكيف يدعي أنه مما لا تعلمه العرب لما كان ذلك الشيء عربيّا, فما قول في مقال مآله إلى تكذيب الرب سبحانه.
ثم كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو الناس إلى عبادة الله تعالى, فلو كان في كلامه وفيما يلقيه إلى أمته شيء لا يعلم تأويله إلا الله تعالى, لكان للقوم أن يقولوا بيّن لنا أوّلا من تدعونا إليه وما الذي تقول, فإن الإيمان بما لا يعلم أصله غيرُ مُتَأَتّ, ونسبة النبي صلى الله عليه وسلم إلى أنه دعا إلى رب موصوف بصفات لا تعقل أمر عظيم لا يتخيله مسلم, فإن الجهل بالصفات يؤدي إلى الجهل بالموصوف, والغرض أن يستبين من معه مُسْكَةٌ من العقل أن قول من يقول:{ استواؤه صفة ذاتية لا يعقل معناها, واليد صفة ذاتية لا يعقل معناها, والقدَم صفة ذاتية لا يعقل معناها} تمويه ضمنه تكييف وتشبيه ودعاء إلى الجهل؛ وقد وضح الحق لذي عينين, وليت شعري هذا الذي ينكر التأويل يَطَّرِدُ هذا الإنكار في كل شيء وفي كل ءاية أم يقنع بترك التأويل في صفات الله تعالى, فإن امتنع من التأويل أصلا فقد أبطل الشريعة والعلوم, إذ ما من ءاية وخبر إلا ويحتاج إلى تأويل وتصرف في الكلام إلا ما كان نحو قوله تعالى:{ وَخَلَقَ كُلَّ شَىْءٍ وهُوَ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ }(101)[سورة الأنعام] لأن ثَمَّ أشياء لا بدّ من تأويلها لا خلاف بين العقلاء فيه إلا الملاحدة الذين قصدهم التعطيل للشرائع, والاعتقاد لهذا يؤدي إلى إبطال ما هو عليه من التمسك بالشرع بزعمه. وإن قال: يجوز التأويل على الجملة إلا فيما يتعلق بالله وبصفاته فلا تأويل فيه, فهذا مصير منه إلى أن ما يتعلق بغير الله تعالى يجب أن يعلم وما يتعلق بالصانع وصفاته يجب التقاصي عنه, وهذا لا يرضى به مسلم؛ وسرّ الأمر أن هؤلاء الذين يمتنعون عن التأويل معتقدون حقيقة التشبيه غير أنهم يُدلّسون ويقولون: له يد لا كالأيدي وقدم لا كالأقدام واستواء بالذات لا كما نعقل فيما بيننا. فليقل المحقق: هذا كلام لا بد من استبيان (30), قولكم نجري الأمر على الظاهر ولا يعقل معناه تناقض, إن أجريت على الظاهر فظاهر السياق في قوله تعالى:{ يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ }(42)[سورة القلم] هو العضو المشتمل على الجلد واللحم والعظم والعصب والمخ, فإن أخذت بهذا الظاهر والتزمت بالإقرار بهذه الأعضاء فهو كفر, وإن لم يمكنك الأخذ بها فأين الأخذ بالظاهر, ألست قد تركتَ الظاهر وعلمت تقدس الرب تعالى عما يوهم الظاهر, فكيف يكون أخذا بالظاهر؟ وإن قال الخصم: هذه الظواهر لا معنى لها أصلا, فهو حكم بأنها ملغاة, وما كان في إبلاغها إلينا فائدة وهي هدَر وهذا محال. وفي لغة العرب ما شئت من التجوز والتوسع في الخطاب, وكانوا يعرفون موارد الكلام ويفهمون المقاصد, فمن تجافى عن التأويل فذلك لقلة فهمه بالعربية, ومن أحاط بطرق من العربية هان عليه مدرك الحقائق, وقد قيل{ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ }(7)[سورة ءال عمران]: فكأنه قال: والراسخون في العلم أيضا يعلمونه ويقولون ءامنا به. فإن الإيمان به غير متأت, ولهذا قال ابن عباس:{ أنا من الراسخين في العلم}}.اهـ.
فتبين أن قول من يقول إن التأويل غير جائز خبط وجهل, وهو محجوج بقوله صلى الله عليه وسلم لابن عباس:{ اللهم علمه الحكمة وتأويل الكتاب}(31).
هذا وقد شدّد الحافظ ابن الجوزي الفقيه الحنبلي – وهو حرب على حنابلة المجسمة وما أكثرهم – في كتابه ” المجالس” النكيرَ والتشنيع على من يمنع التأويل ووسّع القول في ذلك, فمما ورد فيه(32):{ وكيف يمكن أن يقال إن السلف ما استعملوا التأويل وقد ورد في الصحيح عن سيد الكونين صلى الله عليه وسلم أنه قدّم له ابن عباس وَضوءه فقال:{ من فعل هذا}, فقال: قلت: أنا يا رسول الله, فقال:{ اللهم فقّهه في الدين وعلّمه التأويل}, فلا يخلو إما أن يكون الرسول أراد أن يدعو له أو عليه, فلا بد أن تقول أراد الدعاء له لا دعاءً عليه, ولو كان التأويل محظورا لكان هذا دعاء عليه لا له. ثم أقول: لا يخلو إما أن تقول: إن دعاء الرسول ليس مستجابا فليس بصحيح, وإن قلت: إنه مستجاب فقد تركت مذهبك وبَطَل قولك: إنهم ما كانوا يقولون بالتأويل, وكيف والله يقول:{ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ ءامَنَّا بِهِ}(7)[سورة ءال عمران], وقال:{ الم}(1)[سورة البقرة] أنا الله أعلم, و{ كهيعص}(1)[سورة مريم] الكاف من كافي, والهاء من هادي, والياء من حكيم, والعين من عليم, والصاد من صادق, إلى غير ذلك من المتشابه}. اهـ.
ثبوت التأويل التفصيلي عن السلف:
والتأويل التفصيلي وإن كان عادة الخلف فقد ثبت أيضا عن غير واحد من أئمة السلف وأكابرهم كابن عباس من الصحابة, ومجاهد تلميذ ابن عباس من التابعين, والإمام أحمد ممن جاء بعدهم, وكذلك البخاري وغيره.
أما ابن عباس فقد قال الحافظ ابن حجر في شرح البخاري(33):{ وأما الساق فجاء عن ابن عباس في قوله تعالى:{ يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ}(42)[سورة القلم] قال: عن شدة من الأمر, والعرب تقول قامت الحرب على ساق إذا اشتدت, ومنه:
قد سَنّ أصحابك ضرب الأعناقْ—-وقامت الحرب بنا على ساقْ
وجاء عن أبي موسى الأشعري في تفسيرها: عن نور عظيم, قال ابن فورك: معناه ما يتجدد للمؤمنين من الفوائد والألطاف, وقال المُهَلَّب: كشف ساق للمؤمنين رحمة ولغيرهم نقمة, وقال الخطابي(34): تهيب كثير من الشيوخ الخوض في معنى الساق, ومعنى قول ابن عباس أن الله يكشف عن قدرته التي تظهر بها الشدة, وأسند البيهقي (35) الأثر المذكور عن ابن عباس بسندين كل منهما حسن وزاد: إذا خفي عليكم شيء من القرءان فابتغوه من الشعر, وذكر الرجز المشار إليه, وأنشد الخطابي في إطلاق الساق على الأمر الشديد:
—–في سنة قد كَشَفَت عن ساقِها}اهـ.
وأما مجاهد فقد قال الحافظ البيهقي(36):{ وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو بكر القاضي قالا: ثنا أبو العباس محمد ابن يعقوب, حدثنا الحسن بن علي بن عفان, ثنا أبو أسامة, عن النضر, عن مجاهد في قوله عز وجل:{ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ}(115)[سورةالبقرة] قال: قِبلة الله, فأينما كنت في شرق أو غرب فلا توجهن إلا إليها}. اهـ.
وأما الإمام أحمد فقد روى البيهقي في مناقب أحمد عن الحاكم, عن أبي عمرو بن السماك, عن حنبل أن أحمد ابن حنبل تأوّل قول الله تعالى:{ وَجَاء رَبُّكَ }(22)[سورة الفجرٍ] أنه جاء ثوابه, ثم قال البيهقي:{ وهذا إسناد لا غبار عليه}, نقل ذلك ابن كثير في تاريخه(37).
وقال البيهقي في مناقب أحمد(38):{ أنبأنا الحاكم, قال حدثنا أبو عمرو بن السماك, قال: حدثنا حنبل بن إسحاق, قال: سمعت عمي أبا عبد الله – يعني أحمد – يقول: احتجوا عليّ يومئذ – يعني يوم نوظر في دار أمير المؤمنين – فقالوا تجيء سورة البقرة يوم القيامة وتجيء سورة تبارك فقلت لهم: إنما هو الثواب قال الله تعالى:{ وَجَاء رَبُّكَ }(22)[سورة الفجرٍ] إنما يأتي قدرته وإنما القرءان أمثال ومواعظ.
قال البيهقي: وفيه دليل على أنه لا يعتقد في المجيء الذي ورد به الكتاب والنزول الذي وردت به السنة انتقالا من مكان إلى مكان كمجيء ذوات الأجسام ونزولها, وإنما هو عبارة عن ظهور ءايات قدرته, فإنهم لما زعموا أن القرءان لو كان كلام الله وصفة من صفات ذاته لم يجز عليه المجيء والإتيان, فأجابهم أبو عبد الله بأنه إنما يجيء ثواب قراءته التي يريد إظهارها يومئذ فعبر عن إظهاره إياها بمجيئه}.اهـ.
وهذا دليل على أن الإمام أحمد رضي الله عنه ما كان يحمل ءايات الصفات وأحاديث الصفات التي توهم أن الله متحيّز في مكان أو أن له حركة وسكونا وانتقالا من علو إلى سفل على ظواهرها, كما يحملها ابن تيمية وأتباعه فيثبتون اعتقادا التحيز لله في المكان والجسمية ويقولون لفظا ما يموهون به على الناس ليظن بهم أنهم منزهون لله عن مشابهة المخلوق, فتارة يقولون بلا كيف كما قالت الأئمة, وتارة يقولون على ما يليق بالله. نقول: لو كان الإمام أحمد يعتقد في الله الحركة والسكون والانتقال لترك الآية على ظاهرها وحملها على المجيء بمعنى التنقل من علو إلى سفل كمجيء الملائكة وما فاه بهذا التأويل.
وقد روى البيهقي في الأسماء والصفات(39) عن أبي الحسن المقرئ, قال:{ أنا أبو عمرو الصفار, ثنا أبو عوانة, ثنا أبو الحسن الميموني قال: خرج إليّ يوما أبو عبد الله أحمد بن حنبل فقال: ادخل, فدخلت منزله فقلت: أخبرني عما كنت فيه مع القوم وبأيّ شيء كانوا يحتجون عليك؟ قال: بأشياء من القرءان يتأولونها ويفسرونها, هم احتجوا بقوله:{ مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ }(2)[سورة الأنبياء] قال: قلت: قد يحتمل أن يكون تنزيله إلينا هو المُحدث لا الذكر نفسه هو المُحدَث. قلت – أي قال البيهقي-: والذي يدل على صحة تأويل أحمد بن حنبل رحمه الله ما حدثنا أبو بكر محمد بن الحسن بن فورك, أنا عبد الله بن جعفر, ثنا يونس ابن حبيب, ثنا أبو داود, ثنا شعبة, عن عاصم, عن أبي وائل عن عبد الله – هو ابن مسعود – رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه فلم يردّ عليّ فأخذني ما قََدُمَ وما حَدَث, فقلت: يا رسول الله أحدث فيّ شيء, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:{ إن الله عز وجلّ يحدث لنبيه من أمره ما شاء, وإن مما أحدث ألا تكلموا في الصلاة}}. اهـ.
وورد أيضا التأويل عن الإمام مالك فقد نقل الزرقاني(40) عن أبي بكر بن العربي أنه قال في حديث:{ ينزل ربنا}:{ النزول راجع إلى أفعاله لا إلى ذاته, بل ذلك عبارة عن مَلَكِهِ الذي ينزل بأمره ونهيه. فالنزول حسيّ صفة الملك المبعوث بذلك, أو معنوي بمعنى لم يفعل ثم فعل, فسمى ذلك نزولا عن مرتبة إلى مرتبة, فهي عربية صحيحة}. اهـ.
قال الحافظ ابن حجر في شرح البخاري(41):{ وقال ابن العربي: حكي عن المبتدعة ردّ هذه الأحاديث, وعن السلف إمرارها, وعن قوم تأويلها وبه أقول. فأما قوله:{ ينزل} فهو راجع إلى أفعاله لا إلى ذاته, بل ذلك عبارة عن مَلَكِهِ الذي ينزل بأمره ونهيه, والنزول كما يكون في الأجسام يكون في المعاني, فإن حملته في الحديث على الحسي فتلك صفة المَلَك المبعوث بذلك, وإن حملته على المعنوي بمعنى أنه لم يفعل ثم فعل فيسمى ذلك نزولا عن مرتبة إلى مرتبة, فهي عربية صحيحة انتهى. والحاصل أنه تأوّله بوجهين: إما بأن المعنى ينزل أمره أو المَلَك بأمره, وإما بأنه استعارة بمعنى التلطّف بالداعين والإجابة لهم ونحوه} انتهى كلام الحافظ, وكذا حكي عن مالك أنه أوّله بنزول رحمته وأمره أو ملائكته كما يقال فعل المَلِك كذا أي أتباعه بأمره.
وورد التأويل أيضا عن سفيان الثوري فقد روى الحافظ البيهقي أيضا في الأسماء والصفات(42) عن أبي عبد الرحمن محمد بن الحسين السلمي, قال:{ أنا أبو الحسن محمد بن محمود المروزي الفقيه, ثنا أبو عبد الله محمد بن علي الحافظ, ثنا أبو موسى محمد بن المثنى, حدثني سعيد بن نوح, ثنا علي ابن الحسن شقيق, ثنا عبد الله بن موسى الضبي, ثنا معدان العابد قال: سألت سفيان الثوري عن قول الله عزّ وجل:{ وَهُوَ مَعَكُمْ }(4)[سورة الحديد] قال: علمه}.ا.هـ.
وقد ورد أيضا عن الإمام البخاري فقد روى في صحيحه(43) عند قوله تعالى:{ كُلُّ شَىْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ }(88)[سورة القصص], قال البخاري:{ إلا مُلكه, ويقال: إلا ما أُريد به وجه الله}. ا.هـ.
وروى أيضا(44) عن أبي هريرة رضي الله عنه:{ أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فبعث إلى نسائه فقلن: ما معنا إلا الماء, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:{ من يضم}, أو:{ يضيف هذا؟} فقال رجل من الأنصار: أنا. فانطلق به إلى امرأته فقال: أكرمي ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: ما عندنا إلا قوت صبياني, فقال: هيئي طعامك وأصبحي سراجك ونوّمي صبيانك إذا أرادوا عشاء, فهيأت طعامها وأصبحت سراجها ونوّمت صبيانها, ثم قامت كأنها تصلح سراجها فأطفأته, فجعلا يُريانِه أنهما يأكلان, فباتا طاويين, فلما أصبح غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:{ ضحك الله الليلة}, أو:{ عجب من فعالكما}. فأنزل الله:{ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }(9)[سورة الحشر].
قال الحافظ ابن حجر(45):{ ونسبة الضحك والتعجّب إلى الله مجازية والمراد بهما الرضا بصنعيهما}.ا.هـ.
وأوّل البخاري الضحك الوارد في الحديث بالرحمة نقل ذلك عنه الخطابي(46) فقال:{ وقد تأوّل البخاري الضحك في موضع ءاخر على معنى الرحمة وهو قريب, وتأويله على معنى الرضا أقرب}(50). ا.هـ.
خلاصة ما يتعلق بمسئلة التأويل يقال: هنا مسلكان كل منهما صحيح: الأول مسلك السلف وهم أهل القرون الثلاثة الأولى أي الغالب عليهم, فإنهم يؤولونها تأويلا إجماليا بالإيمان بها واعتقاد أن لها معنى يليق بجلال الله وعظمته بلا تعيين, بل ردوا تلك الآيات إلى الآيات المحكمات كقوله تعالى:{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ }(11)[سورة الشورى].
الثاني: مسلك الخلف: وهم يؤولونها تفصيلا بتعيين معان لها مما تقتضيه لغة العرب ولا يحملونها على ظواهرها أيضا كالسلف, ولا بأس بسلوكه ولا سيما عند الخوف من تزلزل العقيدة حفظا من التشبيه.
قال الحافظ ابن دقيق العيد(51):{ نقول في الصفات المشكلة أنها حقّ وصدق على المعنى الذي أراده الله, ومن تأوّلها نظرنا فإن كان تأويله قريبا على مقتضى لسان العرب لم ننكر عليه, وإن كان بعيدا توقفنا عنه ورجعنا إلى التصديق مع التنزيه}.اهـ
فضيحة للألباني
يثبت الألباني لله تعالى معيّة ذاتية مع عباده(52) مع قوله فوق العرش بذاته, ومع قوله مرة أُخرى: إن الله محيط بالعالم إحاطة ذاتية أي أنه تعالى فوق العالم وتحت العالم وعلى يمين العالم وعلى يسار العالم بذاته, فكيف ساغ في عقله الجمع بين هذه التناقضات فهل هذا كلام من له عقل؟!.
فماذا تقول له فرقته لو اطّلعوا على هاتين المقالتين أي القول بالمعية الذاتية مع عباده المتقين والقول بأنه محيط بالعالم إحاطة ذاتية وهم القائلون بأن من لم يعتقد أن الله فوق العرش بذاته كافر – وكَذَبوا – أيكفّرونه أم يسكتون عنه لأنه يوافقهم في أكثر عقائدهم مداهنة.
ثم إن في فتاوى هذا الرجل مقالات بشعة خبيثة تمجها أسماع المؤمنين وكل من يفرق بين الحق والباطل.
فيا أيها الألباني يا أيها المتذبذب في عقيدته بين ضلالة وضلالة متناقضتين هل خفي عليك تذبذبك هذا أم أنك تدري ومع هذا تُصِرُّ وذلك أن تعتقد أن الله فوق العرش بذاته كما تقول طائفتك, وتقول إنه محيط بالعالم من جميع النواحي, وتقول إنه ينزل من فوق إلى السماء الدنيا بذاته فأدى بكم فساد أفهامكم إلى أن جعلتم النصوص القرءانية والحديثية متناقضة حيث جعلتم الآيات التي ظواهرها أن الله في جهة فوق وأنه يتحرك ويسكن وأن له أعضاء محمولة على ظواهرها فاعتقدتم أن الله جسما يتحرك ويسكن كما أن أجسام المخلوقات كذلك, وأما أهل العدل أهل السنة لم يحملوا هذه النصوص على ظواهرها بل ردوا الجميع إلى قوله تعالى:{ ليس كمثله شيء}, وقد سميتم أهل السنة لهذا التأويل معطلة, فكيف استجزتم القول المشهور عندكم التأويل تعطيل ولم تدروا أن هذا ينطبق عليكم وليس على أهل السنة, فهل عندكم ذنب لأهل السنة غير أنكم جعلتم تأويلهم لتلك الآيات والأحاديث مردودة إلى آية:{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ }(11)[سورة الشورى] تنزيها لتلك الآيات والأحاديث من التناقض.
أما تخجلون من إطلاق هذا القول “التأويل تعطيل” وقد أوّلتم كل ءاية ظاهرها أن الله في الأرض وكذلك كل حديث. فقد أوّلتم قول الله تعالى:{ وَللهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ}(115)[سورة البقرة], وأولتم قول الله تعالى إخبارا عن إبراهيم عليه السلام:{ وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ}(99)[سورة الصافات], فلم تأخذوا بظاهره, وأولتم حديث البخاري(53):{ وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أُحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها} فلم تأخذوا بظاهره, وأولتم حديث(54):{ ما تصدّق أحد بصدقة من طيب, ولا يقبل الله إلا الطيب, إلا أخذها الرحمن بيمينه وإن كانت تمرة فتربو في كفّ الرحمن}, فلم تأخذوا بظاهر هذا الحديث أن يد المتصدق فوق يد الله, أما قوله تعالى:{ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ}(10)[سورة الفتح], فقد حملتموه على الظاهر, فما هذا التناقض؟!.
———————————————
الفصل الرابع إنكار الألباني تأويل البخاري
أنكر الألباني(54) تأويل البخاري لقوله تعالى:{ كُلُّ شَىْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ }(88)[سورة القصص] أي إلا ملكه فقال الألباني(55) أيضا عن هذا التأويل:{ هذا لا يقوله مسلم مؤمن} اهـ, وذكر أنه ليس في البخاري مثل هذا التأويل الذي هو عين التعطيل ثم قال ما نصه(56):{ ننزه الإمام البخاري أن يؤول هذه الآية وهو إمام في الحديث وفي الصفات وهو سلفي العقيدة والحمد لله}. اهـ.
الرد: الألباني بهذا يكون كفّر من أوّل هذه الآية بهذا التأويل فإذن البخاري عنده كافر لأن نسخ البخاري كلها متفقة على هذا ولا يستطيع الألباني أن يُثبت نسخة خالية عن هذا التأويل لكنه يُكابر هربا مما يتوقعه, فمثله كمثل من أراد أن يغطي الشمس بكفه في يوم صحو رابعة النهار. ثم ليس هذا التأويل مما انفرد به البخاري بل أوّل(57) سفيان الثوري رضي الله عنه هذه الآية:{ كُلُّ شَىْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ }(88) بقوله:{ ما أريد به وجهه}.
ثم إن تأويل البخاري لهذه الآية ثابت عنه, فقد قال في أول سورة القصص ما نصه:{ كُلُّ شَىْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ }(88)[سورة القصص] إلا ملكه, ويقال: إلا ما أُريد به وجه الله} انتهى بحروفه. فإنكار الألباني لذلك دليل جهله فكيف يدعي أصحابه بأنه حافظ محدث, سبحانك ربنا هذا بهتان عظيم.
أما قوله بأن هذا التأويل لا يقوله مسلم مؤمن لأنه على زعمه يكون من أهل التعطيل الضالين, فماذا يقول عن البخاري بعد ثبوت ذلك عنه, هل يرميه بالتعطيل(58)؟
———————————————
الفصل الخامس يدعي الألباني أن كل من تكلم بالكفر أو يكفر بالفعل في حكم المكره
من ضلالات ناصر الدين الألباني قوله(59):{ ولم تلاحظ أن هذا يستحيل أن يكون الكفر العملي خروج عن الملة إلا إذا كان الكفر قد انعقد في قلب الكافر عملا}. اهـ.
الرد: هذا من كفريات الألباني حيث إنه شرط أن يقارن الكفرَ الفعلي والقولي الاعتقاد وهذا معناه إلغاء حكم ءاية الإكراه بأن الله تعالى استثنى المكره فشرط في الحكم عليه بالكفر أن يكون شارحا صدره أي معتقدا لكفره هذا, هذا الذي استثناه الله تعالى بهذه الآية من الحكم عليه بالتكفير, وناصر الألباني جعل هذا عامّا في المكره وغيره وهو بهذا خالف الآية وخالف إجماع علماء الإسلام, فإنهم صرحوا في المذاهب الأربعة بأن الكفر ثلاثة أقسام أي كل قسم كفر بمفرده من غير أن ينضاف إليه الآخر, قالوا كفر قولي وكفر فعلي وكفر اعتقادي, فخالف الألباني علماء الإسلام فحصر الكفر في الاعتقاد فمعنى ذلك لا كفر إلا ما قارنه الاعتقاد, وأما ءاية الإكراه فقد ورد فيها ما يبين هذا المعنى, والدليل على ذلك ما ذكره الفقيه المحدث ابن أمير الحاج تلميذ الحافظ ابن حجر في كتابه التقرير والتحبير(60) قال ما نصه:{ ثم مما يدل على هذه الجملة ما روى إسحاق بن راهويه وعبد الرزاق وأبو نُعيم والحاكم والبيهقي بإسناد صحيح من طريق أبي عبيدة بن محمد بن عمار عن أبيه قال: أخذ المشركون عمار بن ياسر فلم يتركوه حتى سبّ النبي صلى الله عليه وسلم وذكر ءالهتهم بخير, فلما أتى النبي صلى الله عليه وسلم قال:{ ما وراءك}, قال: شر يا رسول الله, ما تركت حتى نلت منك وذكرت ءالهتهم بخير, قال:{ فكيف تجد قلبك}, قال: مطمئنا بالإيمان, قال:{ فإن عادوا فعد}, وقال ابن عبد البر: أجمع أهل التفسير على أن قوله تعالى:{ مَن كَفَرَ بِاللهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ }(106)[سورة النحل] نزلت في عمار} انتهى.
وقال الحافظ المجتهد ابن المنذر في الإشراف(61) ما نصه:{ قال الله عز وجلّ:{ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ }(106) نزلت في عمار وغيره قال لهم كلمة أعجبتهم تقيَّةً فاشتد على عمار الذي كان تكلم به فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:{ كيف كان قلبك حين قلتَ الذي قلتَ أكان منشرحا بالذي قلت أم لا؟} فأنزل الله عز وجل:{ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ }(106)الآية}. انتهى.
وقال الحافظ ابن حجر في شرح البخاري(62) ما نصه:{ وقد أخرج الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله:{ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ }(106) قال: أخبر الله أن من كفر بعد إيمانه فعليه غضب من الله, وأما من أُكره بلسانه وخالفه قلبه بالإيمان لينجو بذلك من عدوه فلا حرج عليه, إن الله إنما يأخذ العباد بما عقدت عليه قلوبهم, قلت: وعلى هذا فالاستثناء مقدم من قوله:{ فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ }(106) كأنه قيل:{ فعليهم غضب من الله إلا من أُكره} لأن الكفر يكون بالقول والفعل من غير اعتقاد, وقد يكون باعتقاد فاستثنى الأول وهو المكره} انتهى كلام الحافظ. فقد بان وظهر خروجك يا ألباني عن حكم هذه الآية والتفصيل الذي تضمنته لأنك جعلت كل من تكلم بالكفر أو يكفر بالفعل في حكم المكره حيث اشترطت للحكم عليه بالكفر الاعتقاد وفارقت بذلك المسلمين حتى عن فرقتك الوهابية فإليك نص أحدهم وهو عبد المنعم مصطفى حليمة حيث ردّ على ما ادعيت من أن شاتم الله أو الرسول لا تراه ردة على الإطلاق فقال ما نصه(63):{ بل هو كافر مرتد على الإطلاق, بهذا نطقت أدلة الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والتابعين لهم بإحسان وتابعي تابعيهم من أئمة العلم والدين, لم يشذ عنهم إلا من كان في الإيمان مرجئ أو جهمي جلد} اهـ.
فالاعتقاد هو شرح الصدر لأن الاعتقاد هو عقد القلب على شيء, والآية المذكورة لما نفت الحكم بالكفر عن هذا المكره أثبتت في غيره بلا شرح الصدر بمجرد النطق أو الفعل من غير أن يقال إنه اعتقاد, فأفادت الآية حكمين الحكمَ المذكور على المكره والحكمَ على غير المكره بقول الكفر أو فعل الكفر من غير أن يقترن بهما اعتقاد, فأنت يا شاذ إمام الشاذين عطَّلت حكم الآية وخالفت علماء الإسلام سلفهم وخلفهم بما فيهم من الخلفاء والسلاطين والحكام فلن تجد خليفة من الخلفاء أو سلطانا من سلاطين المسلمين أو حاكما من حكامهم الشرعيين أنه أتي بمرتد فقال له: هل كنت شارحا صدرك, وهذا البخاري قد روى في صحيحه(64)أن معاذ بن جبل قدم على أبي موسى وإذا رجل عنده قد جمعت يداه إلى عنقه, فقال له معاذ: يا عبد الله بن قيس أيّم هذا؟ قال: هذا رجل كفر بعد إسلامه, قال: لا أنزل حتى يقتل, قال: إنما جئ به لذلك, فانزِل, قال: ما أنزل حتى يقتل, فأمر به فقتل ثم نزل, فهل سئل معاذ بن جبل: هل سألته هل كان شارحا بكفره الذي كفره أم لا, فإن ما ادعاه الألباني شرعٌ أحدثه من بنات أفكاره, فما أشد ولعه بالخلاف والتفرد عن العلماء, وأما سبق اللسان إلى الكفر بدون إرادة فهذا كغير الموجود أي كأنه لم يحصل.
وأما احتجاجك بحديث الذي كان نباش القبور فأوصى أولاده بأن يحرقوه إذا مات ويذروا رماده في يوم ريح شديدة وقال لهم:{ لئن قدر الله علي ليعذبني عذابا لا يعذبه أحدا} وقال:{ لعلي أَضَلُّ الله}, فاحتجاجك بهذا باطل مردود لأن هذا الرجل خرج منه هذا الكلام ليس عن شك في قدرة الله عليه وإنما كان الرجل في حال دهشة فتلجلج لسانه فنطق بلا إرادة مثل الرجل الذي ورد في صحيح مسلم(65) أنه أَضَلَّ ناقته وكان عليها طعامه وشرابه فنزل تحت شجرة فنام ثم استيقظ فلم يجدها ثم نام ثم استيقظ فوجدها قائمة عنده فقال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:{ أخطأ من شدة الفرح}, وهذا حاله كحال هذا لأن شدة الحزن والكرب قد يسبب النطق بالكلام بشيء قبيح بدون إرادة كما أن شدة الفرح كفرح هذا الرجل قد يسبب ذلك, هذا هو الصحيح في توجيه حديث هذا الرجل الذي أوصى أن يحرق إذا مات, قال الحافظ ابن الجوزي: لم يكن هذا الرجل على شكّ بقدرة الله عليه لأن الشك في قدرة الله كفر باتفاق, فيا ويلك يا ألباني ويا ويل من قلدك فتهور كما تهورت إلى أمر يجعل فاعله مرتدا كافرا لأن من خصائص الإسلام الإيمان بأن الله قادر على كل شيء كما أن من خصائص الإسلام أن الله عالم بكل شيء, فكيف يصح الإسلام لمن شك في قدرة الله على كل شيء أو علم الله بكل شيء.
وأما الاجتهاد بنوع من التأويل فإنما يكون عذرا في ترك تكفير فاعله فالشرط أن لا يكون ذلك في القطعيات لأنه لا يقبل التأويل في القطعيات ككفر ابن سينا في قوله بأزلية العالم وكان منتسبا إلى الإسلام فكفّره العلماء في قوله هذا ولم يعذروه فلم يقولوا هذا تأوّل بالاجتهاد فهو معذور لا يكفّر كما كفّره زعيمكم ابن تيمية وهو موافِقُهُ في هذه الكفرية لا فرق بينه وبين ابن سينا الا ان ابن سينا يقول العالم قديم بمادته وصورته وزعيمكم ابن تيمية يقول العالم قديم بجنسه لا بنوعه وأفراده, ولزم من قوله هذا قدم الأفراد لأن الجنس والنوع لا وجود لهما إلا في ضمن الأفراد ولذلك قال الحافظ السبكي إن ابن تيمية قال لم يزل مع الله مخلوق, ولا يشك ذو فهم من لزوم هذا من قول ابن تيمية العالم قديم بنوعه, فكذّب زعيمكم ابن تيمية قول الله تعالى:{ هُوَ الأَوَّلُ }(3)[سورة الحديد] أي لا أوّل أوّلية مطلقة إلا الله, وكذلك كذب حديث البخاري:{ كان الله ولم يكن شيء غيره}, لأن نوع العالم وأفراده غير الله كما أن المكان والجهات غير الله, وكذب حديث (66):{ كان الله تبارك وتعالى قبل كل شيء}, ولفظ شيء يشمل النوع والأفراد, ومع هذا الكفر الذي صرح به في عدة من كتبه تسمونه شيخ الإسلام من باب العصبية الاعتقادية لأنكم وجدتموه زعيمكم الأول في تكفير المتوسلين بالأنبياء والأولياء.
ومن ضلالات الألباني ما ذكره في فتاويه ونص عبارته(67):{ ذلك لأن المسلم حقّا قد يخفى عليه حكم ما فيقع في الكفر المخرج عن الملة لكن هو لا يدري ولا يشعر ولذلك فلا يجوز أن نحكم على مسلم بعينه أنه كفر ولو كان وقع في الكفر – كفر ردة – إلا بعد إقامة الحجة عليه}. اهـ.
فهذا فيه رد وإبطال لحكم شرع الله تعالى وهو أن المسلم إذا تكلم بكلمة كفرية أو فعل فعلا كفريا كَسَبِّ الله وسبِّ رسوله أو سجود للصنم أو للشمس فمن فعل ذلك بإرادة ولو من غير اعتقاد وانشراح صدر كفر وهو مجمع عليه عند العلماء.
وأما احتجاج الألباني في بعض كلامه بآية:{ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً }(15)[سورة الإسراء] فهو احتجاج بالآية في غير محلّها, لأن هذه الآية تعني أن من لم يسمع بدعوة الأنبياء غير مكلف كالصبي فلا يُجرى عليهما قلم السيئات. فقد تبين أن هذا من جملة تحريفات الألباني لكتاب الله, لم يدرِ الألباني الفرق بين المشرك الذي بلغته دعوة نبي فعاند فأصرَّ على شركه وبين من لم تبلغه دعوة نبي من الأنبياء من المشركين حتى مات وهو على هذه الحال, فأين هذا مما ادعاه الألباني أن المسلم إذا تكلم بكلمة الكفر أو فعل فعلا كفريا لا يحكم عليه بالكفر إلا بعد إقامة الحجة عليه, فما أجرأ هذا الرجل على تحريف الدين, وفليُحذر من تآليف هذا الرجل وليُحذَّر منها.
ومن شدة تحريفه للدين رد عليه بعض فرقته الوهابية لمثل هذه المقالة وأشباهها ومنها عبد المنعم مصطفى حليمة كما رد بعض هؤلاء على سيد قطب بعد سكوتهم مدة طويلة.
ومما يشهد على الألباني إلغاء ءاية الإكراه قوله في فتاويه ما نصه(68):{ نحن نبني قاعدة ونستريح الكفر المخرج عن الملة يتعلق بالقلب لا يتعلق باللسان}.اهـ, وهذا من أصرح ما وقفنا عليه من تحريف حكم الشرع في حكم من ارتد عن الدين بالقول أو بالفعل, والعجب كيف يعتبر هذا الرجلَ المحرف لدين الله أناس طُمست قلوبهم أوحد علماء العصر وهو في الحقيقة أشد المحرفين لدين الله, وقوله هذا لم يقله قبله مسلم فهو بهذه المقالة ألغى الاستثناء الذي في الآية:{ مَن كَفَرَ بِاللهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}(106) والقاعدة أن المستثنى يختلف مع المستثنى منه فهو جعل الاستثناء عدما, فعلى موجب قوله كان ينبغي أن تكون الآية هكذا: من كفر بالله من بعد إيمانه من غير اعتقاد وشرح صدر ليس عليه غضب من الله أي ليس عليه عقوبة, فعلى دين هذا الرجل الذي اخترعه لنفسه يقول الرجل ما شاء من سب الله وسب الإسلام وسب القرءان ويسجد للصنم والشمس وهو غير مكره بل باختياره ثم يقول أنا ما انشرح قلبي بهذا الكلام الذي قلته وبالفعل الذي فعلته فيخلّى سبيله من غير اعتراض عليه عند حكام الشريعة وغيرهم ويتزوج المسلمات ويرث من أقاربه المسلمين وما أعظم هذا فسادا.
أما ما ذكره الألباني في فتاويه بقوله(69):{ ثم هناك القول الذي يذكره بعض الفقهاء المتأخرين أنه إذا كان هناك مائة شهادة في هالإنسان تسع وتسعون أنه كفر في ما فعل أو في ما قال وواحد يقول لا: هذا ليس كفرا, هذا فسق فقط}اهـ.
الجواب: أن الذي هو معروف بين الفقهاء في كتبهم أنه إذا كان للكلمة وجه واحد لترك التكفير ووجوه تقتضي التكفير يأخذ المفتي بالقول بترك التكفير إلا أن يُبين قائلها أنه أراد الوجه الكفريّ, وهذا محله الكلمات التي لها معنيان أو أكثر من معنيين بعض تلك المعاني كفر وبعضها ليست كفرا كقول القائل:{ هذا خير من الله} فهذه الكلمة تحتمل معنيين أحدهما هذا خير أي نعمة من الله, والآخر, هذا أفضل من الله. فالأول شيء يوافق الشرع, والثاني كفر بالاتفاق. وليس مراد الفقهاء أنه إذا قال الشخص كلمة معناها صريح في الكفر ليس لها إلا هذا المعنى ثم اختلف الناس في أمره فقال بعضهم كفر وقال بعضهم لم يكفر ليس هذا محل المسئلة التي قالها الفقهاء, ويا للعجب ما أجرأ هذا الرجل على الافتراء على العلماء فليأت إن كان صادقا بالعبارة التي قالها من كتاب لشافعي أو مالكي أو حنبلي أو حنفي فيه ما يدعيه, أما العبارة التي نقلها فهي تدور على ألسنة بعض من أهل هذا العصر كسيد سابق المصري في كتاب فقه السنة الذي تجرأ من شدة جهله بالحديث على نسبة هذه المقالة:{ الساكت عن الحق شيطان أخرس} إلى رسول الله ولم يدرِ أن هذه الكلمة من كلام أبي على الدقاق الصوفي الحنفي رضي الله عنه.
———————————————
الفصل السادس بيان شذوذ الألباني في مسألة التوسل والاستغاثة
زادت جرأة الألباني وتطاوله على الحق وأهله حين حرّم(70) التوسل بذات النبي صلى الله عليه وسلم وجعل الاستغاثة بغير الله شركا.
الرد: روى البخاري(71) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:{ إن الشمس تدنو يوم القيامة حتى يبلغ العرق نصف الأذن, فبينا هم كذلك استغاثوا بآدم ثم بموسى ثم بمحمد}, والتوسل والاستغاثة بمعنى واحد كما قال الحافظ اللغوي تقي الدين السبكي الذي قال فيه السيوطي إنه حافظ مجتهد لغوي فقيه أصولي نحوي متكلم.
ومما يدل على ذلك أن حديث الشفاعة روي بلفظين, رواه البخاري عن ابن عمر بهذا اللفظ, ورواه أيضا عن أنس بلفظ الاستشفاع ونصه:{ فاشفع لنا عند ربنا}, فهاتان الروايتان يؤخذ منهما أن الاستغاثة توسل والتوسل استغاثة.
ومن أدلة أهل السنة على جواز الاستغاثة ما رواه البخاري في الأدب المفرد(72) عن ابن عمر أنه قال: يا محمد, وذلك عندما خدرت رجله, ولم ينكر عليه أحد من الصحابة, وكلامه هذا استغاثة ويقال عنه توسل أيضا.
ومن أدلة التوسل ما رواه الحافظ الطبراني(73) عن عثمان بن حنَيف أن رجلا كان يختلف إلى عثمان بن عفان فكان عثمان لا يلتَفت إليه ولا ينظر في حاجته فلقي عثمان بن حُنَيْف فشكى اليه ذلك فقال: ائت الميضأةَ فَتَوضأ ثم صل ركعتين ثم قل:{ اللهم إني أسألك وأتَوجّه إليك بنبِيّنا محمد نبيّ الرحمة، يا محمّدُ إني أتَوجهُ بكَ إلى ربّي في حاجتي لتُقضَى لي}، ثم رح حتى أرُوحَ معك.
فانطلق الرجل ففعل ما قال، ثم أتَى باب عثمان, فجاء البواب فأخذ بيده فأدخله على عثمان بن عفان فأجلسه على طنفسته فقال: ما حاجتك؟ فذكر له حاجته، فقضى له حاجتَه وقال: ما ذكرت حاجتَك حتى كانَت هذه الساعة، ثم خرج من عنده فلقي عثمان بن حنيف فقال: جزاك الله خيرا، ما كان ينظر في حاجتي ولا يلتفت إلي حتى كلمته فيَّ، فقال عثْمان بن حنيف: والله ما كلمته ولكن شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أتاه ضرير فشكى إليه ذهاب بصره، فقال صلى الله عليه وسلم: إن شئت صبرتَ وإن شئت دعوت لك، قال: يا رسول الله إنه شق عليّ ذهاب بصري وإنه ليس لي قائد فقال له:{ائتِ المِيْضَأةَ فتَوضأ وصل ركعتين ثم قلْ هؤلاءِ الكَلمات}، ففعلَ الرجل ما قال، فوَالله مَا تفرقنا ولا طال بِنا المجلس حتى دخل علينا الرجل وقَد أبصر كأنه لم يكن به ضرّ قط. قال الطبراني(74): والحديث صحيح. ففي هذا الحديث الصحيح دليل على جواز التوسل بالنبي في حياته بغير حضوره وبعد وفاته.
ومن أدلة الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم ما رواه الحافظ البيهقي(74)أيضا بإسناد صحيح عن مالك الدار – وكان خازن عمر – قال:{ أصاب الناس قحط في زمان عمر, فجاء رجل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال:{ يا رسول الله استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا, فأُتي الرجل في المنام – أي رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام – فقيل له: أقرئ عمر السلام وأخبره أنهم يسقون وقل له: عليك الكيس الكيس, فأتى الرجل عمر فأخبره فبكى عمر وقال:{ يا رب ما ءالوا إلا ما عجزت} اهـ. وهذا الرجل هو بلال بن الحرث المزني الصحابي, فهذا الصحابي قد قصد قبر الرسول للتبرك فلم ينكر عليه عمر ولا غيره.
وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري(75) ما نصه:{ وروى ابن شيبة بإسناد صحيح من رواية أبي صالح السمّان عن مالك الدار قال: أصاب الناس قحط في زمن عمر فجاء رجل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا, فأُتي الرجل في المنام فقيل له: ائت عمر… الحديث. وقد روى سيف الفتوح أن الذي رأى المنام المذكور هو بلال بن الحرث المزني أحد الصحابة}.اهـ.
ولما لم يستطع الألباني أن يثبت ضعف هذا الأثر عمد إلى الافتراء على الحافظ ابن حجر بأنه ضعفه(76) مع أن الحافظ صرّح بصحة سنده كما نقلنا عنه من كتابه “فتح الباري”, وهذا دليل أيضا على أن الألباني لا يوثق بنقله ولا برأيه الذي يحرّف الحقائق والوقائع نصرة لرأيه.
ثم إن الاستغاثة بالرسول بعد موته شرك وكفر عند هذا الرجل أي ناصر الدين الألباني فماذا يقول في زعيمه ابن تيمية الذي أوقعه في التجسيم وتوابعه في قوله في كتابه الذي سماه “الكلم الطيب”, أي أن كل ما فيه شئ حسن أن عبد الله بن عمر رضي الله عنه خدرت رجله – أي أصابها مرض الخدر الذي هو شبه فالج في الرِّجل وهو معروف عند الأطباء – فقال له رجل: اذكر أحبّ الناس إليك فقال: يا محمد, فكأنما نشط من عقال.
وكتاب ابن تيمية هذا توجد منه نسخ خطية وطبع عدة طبعات في مصر وغيرها, فموجب قوله بتكفير المستغيث برسول الله بعد موته تكفير ابن تيمية حيث انه استحسن هذا ومن استحسن الكفر فهو كافر ومن دلَّ إلى الكفر فهو كافر, فهل يكفر ابن تيمية لأنه استحسن هذه الاستغاثة كما يُكفر المستغيثين بالرسول بعد وفاته على الإطلاق أم يستثنيه؟! أم ماذا يفعل؟! فإن قال: لا أكفر ابن تيمية لاستحسانه ذلك لأنه زعيمنا قيل له: إذن أنت تتحكم تطبق على الناس ما لا تطبقه على زعيمك فقد أشبهت في هذا اليهود الذين كانوا بدّلوا حكم التوراة في الرجل الزاني المحصن كانوا يرجمون الزاني المحصن إن كان من الوضعاء ولا يرجمونه إن كان من أشرافهم. وقد اعترفت يا ألباني بأن هذا الكتاب من مؤلفات ابن تيمية كما عرف الناس سواك لأن مترجميه ذكروا ذلك في عداد من مؤلفاته, فأين المهرب؟!
ثم ماذا يقول الألباني فيما ذكره الحافظ الخطيب(77) بسنده إلى عبد الواحد بن ءادم يقول:{ رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم ومعه جماعة من أصحابه وهو واقف في موضع, فسلمت عليه فرد على السلام, فقلت: وما وقوفك ههنا يا رسول الله؟ قال: أنتظر محمد بن إسماعيل – إلى آخر ما تقدم – وقال القسطلاني: لما ظهر أمره بعد وفاته, خرج بعض مخالفيه إلى قبره وأظهروا التوبة والندامة, وقال أبو علي الحافظ: أخبرنا أبو الفتح نصر بن الحسن السمرقندي, قدم علينا “بلنسية” عام أربعة وستين وأربعمائة, قال: فقحط المطر عندنا بسمرقند في بعض الأعوام, فاستسقى الناس مرارا فلم يسقوا, فأتى رجل صالح معروف بالصلاح إلى قاضي سمرقند وقال له: إني رأيت رأيا أعرضه عليك, قال: وما هو؟ قال: أرى أن تخرج ويخرج الناس معك إلى قبر الإمام البخاري فتستسقي عنده فعسى الله أن يسقينا, فقال القاضي: نِعْمَ ما رأيت! فخرج القاضي ومعه الناس واستسقى بهم وبكى الناس عند القبر وتشفعوا بصاحبه, فأرسل الله تعالى السماء بماء عظيم غزير, أدام الناس من أجله بخرتنك سبعة أيام ونحوها لا يستطيع أحد الوصول إلى سمرقند من كثرة المطر وغزارته}. اهـ. – لامع الدراري (1/44) -
وقد حصل لشخص من أهل السنة الطيبين أنه ذهب إلى رأس من رؤوس الوهابية في الأردن لمناقشته في مسألة التوسل والاستغاثة, قال: فتكلمت معه في موضوعه التوسل أولا وأعطيته حديث الطبراني فقال لي: إنه يُجيز التوسل بالنبي في حال حياته, فقلت له: حديث الطبراني فيه جواز التوسل بالنبي في حال حياته وبعد مماته, وكذلك حديث بلال بن الحارث المزني الذي ذهب إلى قبر النبي وتوسل به بعد موته, فقال لي: هذا الحديث ضعيف, فقلت له رواه البيهقي بسند صحيح كما قال الحافظ ابن حجر في الفتح وكذلك صححه ابن كثير, فقال لي: ابن حجر يقول رواه البيهقي بسند صحيح إلى مالك الدار أي أن الحديث صحيح إلى مالك الدار, ومالك الدار هذا مجهول, فلا حجة في الحديث, فقلت له: عمر يولي على خزائن المسلمين على بيت مال المسلمين رجلا مجهولا ليس معروفا أم ثقة, فسكت. ثم رجع فقال: أنا التوسل أقول إن فيه خلافا فلا أعترض على من يتوسل أما الاستغاثة بغير الله هي المحرّمة ولا يجوز لمخلوق أن يستغيث بمخلوق ءاخر, فقلت له: ماذا تقول في الحديث الذي رواه البخاري من طريق ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:{ إن الشمس تدنو يوم القيامة حتى يبلغ العرق نصف الأذن, فبينا هم كذلك استغاثوا بآدم}, فقال لي: هذا في حال حياتهم يجوز أن تستغيث بهم أما بعد مماتهم لا يجوز.
فقلت له: إذا أنت تُقرُّ بجواز الاستغاثة بالأنبياء في حال حياتهم فقال لي: نعم, فقلت له: ما المانع عقلا أو شرعا من الاستغاثة بهم بعد مماتهم, فقال لي: حديث أحمد الذي رواه في مسنده والذي أقوم بتحقيقه ولم تر الأسواق مثله, ثم قال لي: الحديث هو أن الرسول قال:{ إنه لا يُستغاث بي, إنما يُستغاث بالله}, فقلت له أنت شهدت على نفسك الآن بالتناقض, فقد قلت لي لما ذكرت لك حديث ابن عمر إن الاستغاثة بالأنبياء في حال حياتهم جائزة فكيف تُورِد حديثا أن النبي في حال حياته قال إنه لا يُستغاث بي, فقال لي: هذا الحديث ضعيف لا حُجة فيه!!! ثم قال لي: أعطني واحدا من الأئمة الأربعة ذهب إلى قبرٍ أو ولي تبرك أو استغاث به, فقلت له: روى الخطيب البغدادي بإسناد صحيح في تاريخ بغداد – (1/123) – أن الشافعي قال: إني لأتبرك بأبي حنيفة وأجيء إلى قبره كل يوم يعني زائرا فإذا عرضت لي حاجة صليت ركعتين وأتيت إلى قبره وسألت الله الحاجة عنده فما تبعد عني حتى تقضى, فقال لي: هذا ليس صحيحا وصار يصرخ ويقول: من أين أتيت بهذا, فكان الكتاب كتاب تاريخ بغداد خلف ظهره, فقلتُ له: أعطني الكتاب ففتحت له الكتاب حيث الرواية فلما رأى ذلك بعينه عجب وقال لشخص عنده: اذهب وخرّج لي رواه هذا الحديث, وهذا يعني أن يُجرئ الذين عنده على التصحيح والتضعيف, فذهب هذا ورجع فسمعته يقول له بصوت منخفض: كل رواة الحديث ثقات, فقلت له فورا: ماذا وجدت في رواة هذا الحديث, فقال: كل رواته ثقات إلا راوٍ لم أجد له عندي ترجمة, فقال الوهابي: إذا هذا الحديث ضعيف لأن فيه راوٍ مجهول, فقلت له: كيف تحكم بضعف هذه الرواية لأنك لم تجد ترجمة لراوٍ عندك والقاعدة تقول ” عدم الوجدان ليس دليل العدم”, فقال لي: ما معنى هذه القاعدة, فقلت له: إذا لم تجد ترجمة لراوٍ عندك فليس المعنى أنه مجهول ضعيف فقال لي: إذا أتيتني بترجمة هذا الراوي أنا أبصم لك بالعشرة, ثم قال لي: أنا مشغول الآن, وسألني عن اسمي, فقلت له اسمي
———————————————
الفصل السابع يدعي الألباني أنه لا يجوز الزيادة في التلبية على تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم(1).
ومن بدع هذا الألباني التي شوش بها على المسلمين حكمه على أفعال أحدثها العلماء الأخيار من السلف والخلف, وهي موافقة لكتاب الله وسنة رسوله غير مخالفة وهي داخلة تحت قوله صلى الله عليه وسلم:{ من سنّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء, ومن سنّ في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمِل بها من بعده, من غير أن ينقص من أوزارهم شيء}, رواه مسلم, وللحديث الصحيح الموقوف وهو قول عبد الله بن مسعود:{ ما رءاه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن, وما رءاه المسلمون قبيحا فهو عند الله قبيح}. حسنه الحافظ ابن حجر في الأمالي وذلك مثل عمل المولد في شهر ربيع الأول, واستعمال السبحة للذكر, والطرق التي أحدثها العلماء الأولياء الأبرار كالطريقة القادرية والطريقة الرفاعية, وصيغة التلبية التي أحدثها عمر رضي الله عنه, كانت تلبية رسول الله:{ لبيك اللهم لبيك, لبيك لا شريك لك لبيك, إن الحمد والنعمة لك والملك, لا شريك لك}, فأحدث عمر:{ لبيك اللهم لبيك لبيك وسعديك والخيرُ في يديك, لبيك والرغباءُ إليك والعمل}, وزاد ابن عمر في التشهد:{ وحده لا شريك له}, قال:{ أنا زدتها}.
أما تلبية عمر التي زادها على تلبية الرسول فقد رواه مسلم, أما زيادة ابن عمر في تشهد الصلاة:{ وحده لا شريك له}, فأخرجها أبو داود.
وكذلك أحدث السلف من التابعين التعريف أي الاجتماع يوم عرَفة للذكر والدعاء تشبها بالحجاج الذين يذكرون ويدعون الله في عرفات ومنهم الحسن البصري رضي الله عنه رواه جمع من علماء الحفاظ منهم النووي.
وأحدث العلماء من السلف كتابة ” صلى الله عليه وسلم” عند كتابة اسم محمد وكُتُب الرسول التي أملاها على الصحابة التي كتبها إلى الملوك ليدعوهم إلى الإسلام كهرقل خالية عن ذلك فلم يملِ الرسول عليهم إلا اسمه, ففي صحيح البخاري صورة كتابة رسالته صلى الله عليه وسلم ولفظه:{ بسم الله الرحمن الرحيم من محمد بن عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى أما بعد: فإني أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم} الحديث, وهذه الكتابة سنة حسنة أحدثها العلماء مما لم يفعله الرسول وقبلها أهل السنة وغيرهم حتى المشبهة جماعة الألباني في مؤلفاتهم عند كتابة اسم الرسول يكتبون صلى الله عليه وسلم, ومن ذلك ما ذكره المحدثون في كتب اصطلاح الحديث أن يبدأ مجلس الحديث بقراءة شيء من القرءان والحمد لله والصلاة والسلام على النبي ثم يقول المستملي للمملي:{ من ذكرتَ رحمك الله}, وهذا لم يكن في عهد الرسول ولا فيما بعده إلى زمان طويل, فالعجب, من هذا الرجل وجماعته الوهابية حيث ينكرون بعض ما أحدثه علماء الإسلام مما ذكرنا ونحوه محتجين بأن الرسول لم يفعله وهم موافقون في بعض ذلك, بل يفعلونه ويحرمون على الناس بعضا تحكما بلا دليل, فإن كان عندهم كل ما لم يفعله الرسول ولا رغب في فعله حراما فليحرموا هذا أي كتابة صلى الله عليه وسلم عقب كتابة اسم محمد , وليحرموا أيضا تلبية عمر التي لم ينكرها عليه أحد من الصحابة وغيرهم, وليحرموا على عبد الله بن عمر قوله:{ وأنا زدتها}, أي كلمة ” وحده لا شريك له”, وليحرموا على المحدثين ما استحسنوه لمجلس إملاء الحديث ما سبق ذكره آنفا.
ومن قبيل ما ذكر مما يحرمونه على المسلمين بدعوى أن الرسول لم يفعله الجهر بالصلاة على النبي عقب الأذان مع أنه لا يخالف الشرع وإن لم ينقل عن مؤذني الرسول أنهم كانوا يجهرون بذلك فأي بأس في الجهر بالصلاة عليه عقب الأذان بعد قوله عليه الصلاة والسلام:{ إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول ثم صلوا عليّ} رواه مسلم, وقوله عليه السلام:{ من ذكرت عنده فليصل عليّ}, رواه الحافظ السخاوي وحسن اسناده, فقوله:{ من ذكرت عنده فليصل عليّ} يشمل المؤذن وغيره من كل ذاكر اسم الرسول ، مطلوب من الكل الصلاة عليه إما سرا وإما جهرا لأن قوله:{ فليصل عليّ}, مطلق يشمل الصلاة عليه سرا والصلاة عليه جهرا. فعند فرقة هذا الرجل الوهابية حرام حتى غلا بعضهم في ذلك فقال في الذي صلى على النبي عقب الأذان جهرا:{ هذا مثل الذي ينكح أمه}. – والعياذ بالله -.
و نقل الشيخ أحمد بن زيني دحلان رحمه الله عن زعيم الوهابية محمد بن عبد الوهاب أنه أتي برجل مؤذن أعمى صلى على النبي عقب الأذان جهرًا فأمر بقتله فقتل و هذه الحادثة التي قال فيها الوهابية للذي صلى على النبي جهرًا عقب الأذان هذا مثل الذي ينكح أمه يعرفها الرجال الكبار من محلة أهل جامع الدقاق بدمشق من محلة الميدان، فما دعوى هؤلاء الفرقة الإسلام و هم ساووا بين من يصلي على النبي جهرًا عقب الأذان و بين الزنى بالأم؟!.
هذا و قد جرى عمل السلف و الخلف من أهل السنة على التبرك بقبور الأنبياء و الصالحين و كان ذلك عادة الفقهاء و الحفاظ و المحدثين و الزهاد، و تشهد بذلك كتب التواريخ و طبقات الفقهاء و طبقات المحدثين و طبقات الصوفية الزهاد، و من طالع طبقات الحفاظ يجد الكثير الكثير من ذلك و أقدمُ السلف في ذلك الصحابي أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه فقد ثبت أنه وضع وجهه على قبر الرسول رواه الحاكم و صححه ووافقه الذهبي.
تنبيه: قد يقول بعض هؤلاء أن حديث مسلم:” من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها و أجر من عمل بها بعده” خاص بإحياء سنة فعلها الرسول لأن سبب الحديث أن أناسًا مجتابي النّمار من شدة البؤس فرقوا أوساط نمارهم فأدخلوها على رءوسهم فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه و سلم، فأمر الرسول بالتصدق فجمع لهم فسر رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال هذا الحديث، فلا تدخل تحته هذه الأشياء من عمل المولد و الطريقة و أشباهها. فيقال لهم: دعواكم هذه باطلة مخالفة للقاعدة الأصولية:” العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب” فلو كان الأمر كما تقولون لانسد باب القياس، لأن القياس إلحاق ما لم ينص عليه بما نص عليه لشبه بينهما و على هذا يدور عمل الأئمة المجتهدين.
ألست يا ألباني تقول في من عمل المولد: (و طرق أهل الله من قادرية و رفاعية و غيرهما و جهر المؤذن بالصلاة على النبي عقب الأذان إنها بدعة ضلالة) و تحتج في ذلك بالحديث المشهور:” و إياكم و محدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة و كل بدعة ضلالة” رواه أبو داود (10) و تنكر عموم حديث:” من سنة في الإسلام سنة حسنة” و تقول إن هذا الحديث مخصوص بإحياء ما فعله الرسول و تنكر عمومه
لكل ما أحدث من غير أن يكون مخالفًا للكتاب و السنة، و تدعي بلسان حالك أنك محدث العصر و أنت في الحقيقة ضدهم تنقض ما صححوه و تصحح ما ضعفوه، و قد كفرت في فتاويك من يأول قوله تعالى:{ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ (88)}: ” إلا ملكه”، و قد علمت أن البخاري قال ذلك و هو موجود في كل نسخة فلما قلت في فتاويك:” لا يقول ذلك مؤمن” كفرت البخاري، و لن تجد أنت نسخة من البخاري ليس فيها ذلك. فقولك:” لا يقول هذا البخاري” حيلة أردت أن تدفع بها ظاهرًا أن يثور الناس عليك لو قلت ” البخاري قال هذا فهو كافر” و لن تستطيع أن تأتي بنسخة من البخاري تخلو عن هذا التأويل، إنما أردت أن تدافع عن عقيدتك عقيدة التجسيم إثبات الجسمية و ما يتبعها لله تعالى و هذه العقيدة يهدمها قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ (11)}.
———————————————
الفصل الثامن يعتبر الألباني النبي صلى الله عليه و سلم ضالا كما يعتبر المتوسلين بالأنبياء و الأولياء ضالين
و من مقالاته الكفرية قوله في فتاويه (1) ما نصه:” أنا أقول هؤلاء- يعني المتوسلين بالأولياء و الصالحين و الذين يحرمون اتباع الكتاب و السنة- و لا أتورع من أن أسميهم باسمهم هؤلاء ضالون عن الحق، و لا إشكال في إطلاق هذا التعبير إسلاميًا حين أقول إنهم ضالون عن الحق فإن الله عز و جل أطلق على نبيه عليه السلام أنه حينما كان قبل نزول الوحي عليه يقول:{ وَوَجَدَكَ ضَآلّاً فَهَدَى (7)} [ سورة الضحى]” اهـ.
ففي هذا الكلام جعل الألباني الرسول ضالا كضلال من حكم عليهم هذا الرجل من علماء الإسلام و عوامهم لتوسلهم بالأنبياء و الأولياء و هذا عنده شرك، فحكم على الرسول بما حكم به على علماء المسلمين و عوامهم لضلالهم و كفرهم كما زعم، فهذا طعن في الرسول صلى الله عليه و سلم صريح، و من طعن في الرسول فقد أجمع علماء الإسلام على كفره، فهذا دليل على أنه لا يحترم الأنبياء لأنه انتقص
أفضلهم و أكرمهم على الله و هو نبينا محمد، فبعد تقيصه للرسول صلى الله عليه و سلم فهل يهون عليه تنقيص من سواه كائنًا من كان، هذا مبلغ اعتقاد هذا الرجل فإنه جعل نفسه حاكما على كل من سواه من غير تفريق بين النبي و بين أفراد أمته.
و ليس معنى الآية كما زعمه هذا الملحد الوقح إنما معناها على أحد التفاسير للعلماء أن الرسول عليه السلام قبل أن ينزل عليه الوحي كان لا يعلم تفاصيل أحكام الشريعة إنما عرف تفاصيل أحكام الشريعة بعد أن أنزل الله عليه الوحي.
و هذه الآية مثل ءاية:{ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ (52)} [ سورة الشورى] أي قبل أن نعلمك بالوحي لا تدري ما هو القرءان و ما تفاصيل الإيمان، و ليس معناه أنك يا محمد كنت كافرًا فهديناك إلى الإسلام و الإيمان، فإذا كان هذا الرجل يتجرأ على الطعن في الرسول فلا يستغرب إذا تجرأ على غيره من الأكابر في الدين كالصحابة و من جاء بعدهم، فإنه ساوى الرسول صلى الله عليه و سلم بالضالين الكافرين، فالرسول عليه الصلاة و السلام قبل نزول الوحي عليه كان عارفًا بربه مؤمنًا به أنه لا يستحق أحد غيره أن يعبد حتى أكرمه الله بالوحي فأعطاه الله تعالى من علم أحكام الإيمان و أمور الآخرة فجعله أعلم الأولين و الآخرين بأمور الدين صلى الله عليه و سلم أتم صلاة و سلام عليه و على ءاله و ذريته و صلى و سلم على جميع إخوانه من النبيين.
فإذا كان الألباني تجرأ على ذكر سيدنا محمد في عداد الضالين و يعني هذا الرجل بالضالين الذين ألحق الرسول بهم من هم مشركون عنده لأن التوسل بالأنبياء و الأولياء شرك عنده و عند طائفته، فكيف يشبه سيدنا محمدًا صلى الله عليه و سلم بهؤلاء لمجرد أن الله تعالى قال في حقه:{ وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى (7)} [ سورة الضحى] و معنى الآية غير هذا الذي أراده الألباني، لأن الضلال الذي تفيده هذه الآية هو ان الرسول لم يكن عالمًا بعلوم الشريعة قبل نزول الوحي عليه كما قدمنا، فكأن هذا الرجل فال الرسول كان كافرًا كما أن هؤلاء المتوسلين بالأنبياء و الولياء كفار و كما أن من يحرم اتباع الكتاب و السنة كافر، فما الذي دعاه إلى غلحاق سيدنا محمد بمن يعتبرهم مشركين كافرين لأنهم يتوسلون بالأنبياء و الأولياء، و التوسل بالأنبياء و الأولياء أجمع عليه المسلمون سلفهم و خلفهم لم يخالف في هذا إلا ابن تيمية، ثم هؤلاء – أعني الألباني و جماعته المشبهة – قلدوه، فالمسلمون مع اختلاف طبقاتهم في الفضل في الدين كانوا متوسلين بالأنبياء و الأولياء و إن كان هذا الأمر عند هذا المعكوس القلب كفرًا، و لن يستطيع هذا الملحد إثبات منع التوسل بالأنبياء و الولياء من عالم معتبر قبل ابن تيمية، فليعلم أن هذا الرجل هواه الغض من قدر الأولياء و الصالحين إلا فرقته و زعيمهم محمد بن عبد الوهاب و زعيمهم الأول ابن تيمية فإن هؤلاء عندهم هم المسلمون الحقيقيون.
و لو عبر هذا الرجل بما في نفسه لقال بعبارة صريحة: ” لا يوجد مسلمون سوى طائفتنا الوهابية” كما قال زعيمهم السابق محمد بن عبد الوهاب:” من دخل دعوتنا فله ما لنا و عليه ما علينا، و من لم يدخل في دعوتنا فهو كافر مباح الدم”، و قد نقل ذلك خلق منهم العالم الجليل الشيخ أحمد بن زيني دحلان المكي و الشيخ محمد بن عبيد الله النجدي مفتي الحنابلة في مكة المكرمة المتوفى في أواخر القرن الثالث عشر في كتابه ” السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة” فقال في زعيمهم هذا إنه يكفر من خالف رأيه و يستحل قتله، و شواهد أفعال أتباعه تشهد بذلك.
————————————————————–
(1)- فتاوى الألباني (ص/ 432).
———————————————
الفصل التاسع شذوذ الألباني في مسألة الشرك
و من كفريات الألباني قوله في فتاويه ما نصه (1):” { إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ (48)} [ سورة النساء] ليست الآية على عمومها و شمولها، فبعض الشرك يغفر” اهـ.
الرد: الله تبارك و تعالى لم يذكر الاستثناء في هذه الآية كما استثنى في ءاية المكره، فالله تعالى يقول:{ إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ (48)} [ سورة النساء]، و سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم يقول:” إن الله ليغفر لعبده ما لم يقع الحجاب” قيل: و ما يقع الحجاب يا رسول الله؟ قال:” أن تموت النفس و هي مشركة” (2)، و الألباني يعارض هذين النصين الصريحين فيقول: إن الله يغفر بعض الشرك. و معلوم عند المسلمين أن أعظم حقوق الله تعالى على عباده هو توحيده تعالى و أن لا يشرك به شىء، لأن الشرك هو أكبر ذنب يقترفه العبد و هو الذنب الذي لا يغفره الله لمن مات عليه و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء.
فإذا كان الألباني لا يفهم ما قاله الله تعالى في القرءان
الكريم و ما قاله سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم فكيف يدعي أنه من أهل الحديث؟ و كيف يتجرأ على التفسير و هو ليس من أهله؟!.
نقول للألباني: يا ألباني بقولك هذا رددت نص كتاب الله تعالى، و قد أجمع الفقهاء على أن رد النصوص كفر و هذا مما اتفق عليه العلماء.
ثم إن الألباني لم يكتف بذلك بل وضع قاعدة لم يقلها عالم و لا عامي قبله و هي هذه فإنه يقول في فتاويه ما نصه (3) :” كل كافر مشرك و كل مشرك كافر” اهـ، و هذا يرده القرءان و الإجماع قال الله تعالى:{ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ (6)} [ سورة البينة] قسم الله تعالى الكفر إلى قسمين: كفر إشراك و كفر غير إشراك فما أعظم هذه الفضيحة، إنما الشرك بإجماع المسلمين عبادة غير الله أي أن يتذلل العبد لغير الله غاية التذلل.
———————————————-
(1)- انظر فتاوى الألباني (ص/350-351).
(2)- رواه أحمد في مسنده(5/174).
(3)- فتاوى الألباني (ص/ 351).
———————————————
الفصل العاشر الألباني ينكر تسمية ملك الموت عزرائيل
و مما يدل على جهل الألباني بما أجمعت عليه الأمة و عدم اطلاعه أنه ينكر تسمية ملك الموت بعزرائيل، حيث يقول إن تسميته بعزرائيل كما هو شائع بين الناس فلا أصل له و إنما هو من الإسرائيليات.
فنقول له: كلاّ ليس كما زعمت، فقد نقل القاضي عياض (1) الإجماع على أن اسم ملك الموت عزرائيل، و هذا الإجماع وحده كاف لأن الأمة معصومة عن الخطأ في إجماعها، قال أبو مسعود البدري رضي الله عنه: ” و عليكم بالجماعة فإن الله لا يجمع هذه الأمة على ضلالة”، و هذا موقوف صحيح الإسناد كما قال الحافظ ابن حجر (2)، و ذكر الحافظ ابن الجوزي الحنبلي ملك الموت باسم عزرائيل في بعض مؤلفاته.
فإذا كان الألباني لا يعرف ما اجتمعت عليه الأمة و يقول عن أمر مجمع عليه إنه من الإسرائيليات فيجب أن تُكف يده عن العبث بالدين و يُمنع من الفتوى لئلا يفتن بجهله العوام، و أنت يا أخي المسلم اسمع كلام سيدنا علي ابن أبي طالب رضي الله عنه حيث قال:” الناس ثلاثة عالم رباني، و متعلم على سبيل النجاة، و همج رعاع أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح”، فاحذر أن تكون من النوع الثالث.
————————————-
(1)- كتاب الشفا (2/303)
(2)- موافقة الخبر الخبر (1/115)
———————————————
الفصل الحادي عشر بيان شذوذ الألباني عن أهل السنة و الجماعة
لقد سلك المدعو الألباني طريقًا شائكًا لنصرة معتقده و للفت الأنظار إليه و التمويه على العوام فتهجم على أهل السنة و الجماعة و رماهم بالكفر، فقد ذكر (شريط بصوته يوزع في مدينة فاس و غيرها) أن الأشاعرة اليوم كلهم كفار و أغلب الماتريدية إن لم يكونوا كلهم، و من راجع فتاويه وجد الطعن في أكثر من موضع بالأشاعرة و الماتريدية.
فنسأل الألباني: هل تعرف الفرق بين الأشاعرة و الماتريدية من جهة و بين المعتزلة من جهة أخرى؟
ألم تسمع أن الحافظ ابن عساكر أخرج في كتاب ” تبيين كذب المفتري” و الحاكم في ” المستدرك” أنه لما نزل قول الله تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54)} [ سورة المائدة ] أشار النبي إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه فقال:” هم قوم هذا”.
قال القشيري: فأتباع أبي الحسن الأشعري من قومه لأن كل موضع أضيف فيه قوم إلى نبي أريد به الأتباع، قاله القرطبي (1) و قال الحافظ البيهقي: و ذلك لما وجد فيه من الفضيلة الجليلة و المرتبة الشريفة للإمام ابي الحسن الأشعري رضي الله عنه فهو من قوم أبي موسى و أولاده الذين أوتوا العلم و رزقوا الفهم مخصوصًا من بينهم لتقوية السنة و قمع البدعة بإظهار الحجة و رد الشُّبَه، ذكره ابن عساكر (2). و روى البخاري (3) أن النبي صلى الله عليه و سلم قال عن أبي موسى الأشعري و قومه:” هم مني و أنا منهم “، و نحن نحمد الله تعالى على هذه العقيدة السُّنية التي نحن عليها و النبي كان عليها رسول الله صلى الله عليه و سلم و أصحابه و من تبعهم بإحسان و التي مدح الرسول صلى الله عليه و سلم معتنقها، فقد روى الإمام أحمد و الحاكم (4) بسند صحيح:” لتفتحن القسطنطينية فلنعم الأمير أميرها و لنعم الجيش ذلك الجيش “، و لقد فتحت القسطنطينية بعد ثمانمائة عام فتحها السلطان محمد الفاتح رحمه الله، و كان سنيًّا ماتريديًّا أشعريًّا يعتقد أن الله موجود بلا مكان و يحب الصوفية الصادقين و يتوسل بالنبي صلى الله عليه و سلم
و بالأولياء و كان له شيخ صوفي من المحققين بالتصوف كان يتوجه بإشاراته، و جيشه شمله تزكية الرسول لهم و كانوا كذلك أشاعرة ماتريدية، و على هذا الاعتقاد مئات الملايين من المسلمين سلفًا و خلفًا في الشرق و الغرب تدريسًا و تعليمًا و يشهد بذلك الواقع المشاهد، و يكفي لبيان حقيَّة هذا كون الصحابة و التابعين و من تبعهم بإحسان على هذه العقيدة، فممن تبعهم بإحسان هؤلاء الحفاظ أبو بكر الإسماعيلي صاحب المستخرج على البخاري، ثم الحافظ العلم المشهور أبو بكر البيهقي، ثم الحافظ الذي وصف بأنه أفضل المحدثين بالشام في زمانه ابن عساكر، كان كل واحد من هؤلاء عَلَمًا في الحديث في زمانه، ثم جاء من هو على منهجهم الحافظ الموصوف بأنه أمير المؤمنين في الحديث أحمد بن حجر العسقلاني، فمن حقق عرف أن الأشاعرة فرسان ميادين العلم و الحديث و فرسان ميادين الجهاد. و يكفي أن منهم مجدد القرن الرابع الهجري الإمام أبا الطيب سهل بن محمد، و أبا الحسن الباهلي، و ابا بكر بن فورك و هو أحد شيوخ البيهقي في الحديث، و أبا بكر الباقلاني، و أبا اسحق الإسفراييني، و الحافظ أبا نعيم الصبهاني، و القاضي عبد الوهاب المالكي، و الشيخ أبا محمد الجويني، و ابنه أبا المعالي إمام الحرمين، و الحافظ الدارقطني، و الحافظ الخطيب البغدادي، و الأستاذ العالم المحدّث أبا القاسم القشيري، و ابنه أبا نصر، و الشيخ أبا إسحق الشيرازي، و نصرًا المقدسي، و الغزالي، و الفراوي، و أبا الوفاء بن عقيل الحنبلي، و الحافظ الفقيه الحنفي عبد الرزاق الطُّبْسي، و قاضي القضاة الدامغاني الحنفي، و ابا الوليد الباجي المالكي، و ابن الدبيثي، و الإمام المحدث المفسّر الفقيه الصوفي عَلَم الزهاد السيد أحمد الرفاعي، و الحافظ ابن السمعاني، و الحافظ القاضي عياضًا، و الحافظ السّلفي، و الحافظ الفقيه النووي، و الفقيه المفسّر الأصولي فخر الدين الرازي، و العز بن عبد السلام، و أبا عمرو بن الحاجب المالكي، و الحافظ ابن دقيق العيد، و علاء الدين الباجي، و الحافظ الفقيه اللغوي المجتهد علي بن عبد الكافي السبكي الذي قال فيه الذهبي:
شيوخ العصر أحفظهم جميعًا و أخطبهم و أقضاهم عليُّ
و الحافظ العلائي، و الحافظ زين الدين العراقي و ابنه الحافظ ولي الدين، و الشيخ زكريا النصاري، و ابن الملقن، و القاضي الجليل ابن فرحون المالكي، و أبا الفتح الشهرستاني، و الإمام أبا بكر الشاشي القفال، و ابا علي الدقاق النيسابوري، و الحاكم النيسابوري صاحب المستدرك، و خاتمة الحفاظ الحافظ اللغوي السيد محمد مرتضى الزبيدي، و من أهل القرن المنصرم الحافظ أحمد الغماري، و غيرهم من أئمة الدين كثير لا يحصيهم إلا الله و منهم الوزير المشهور نظام الملك و السلطان العادل العالم المجاهد صلاح الدين الأيوبي طارد الصليبيين من القدس رحمه الله فإنه أمر أن تذاع أصول العقيدة على حسب عبارات الأشعري على المنائر قبل أذان الفجر، و أن تُعلَّم المنظومة في العقيدة الأشعرية التي ألفها له ابن هبة المكي للأطفال في الكتاتيب و منها هذان البيتان:
و صانع العالم لا يحويه قطر تعالى الله عن تشبيه
قد كان موجودًا و لا مكانا و حكمه الأن على ما كان
و ليس مرادنا بما ذكرناه إحصاء الأشاعرة فمن يحصي عدد نجوم السماء أو يحيط علمًا بعدد رمال الصحراء؟ و مثلهم في العقيدة الحقة الماتريدية أتباع إمام أهل السنة أبي منصور الماتريدي رضي الله عنه.
فالأشاعرة و الماتريدية هم أهل السنة و الجماعة الفرقة الناجية، و الفريقان متفقان في أصول العقيدة لا اختلاف بينهم و إنما اختلفوا في بعض الفروع التي لا تؤدي إلى التبديع و التضليل و قد حصل ذلك بين بعض الصحابة فإن عائشة و ابن مسعود كانا ينفيان رؤية الرسول صلى الله عليه و سلم لربه ليلة المعراج، و أنس و ابن عباس كانا يثبتان، و لم يمنع ذلك كون كلّ منهم على سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم.
ففي الفريقين الأشاعرة و الماتريدية تحقق حديث رسول الله:” سألت ربي لأمتي أربعًا فأعطاني ثلاثًا و منعني واحدة، سألته أن لا يكفر أمتي جملة فأعطانيها” رواه الحافظ ابن أبي حاتم كما قال الحافظ ابن حجر في شرح البخاري (5)، فيستحيل أن يضلّ جمهور أمة محمد و إنما الضلال فيمن خالفهم كفرقتكم المشبهة، و بأي فضيلة يشهد لكم التاريخ يا مشبهة، أنتم الفرقة الذين قال الرسول فيهم:” يقتلون أهل الإسلام و يدعون أهل الأوثان ” و هو من جملة أحاديث البخاري (6)، و هذا الوصف هو الذي يشهد به التاريخ عليكم.
و يكفي الأشاعرة فضلاً أن أغلب حفاظ الحديث هم أشاعرة، و يعلم ذلك من تتبع طبقات الحفاظ.
—————————————–
(1)- الجامع لأحكام القرءان (6/220).
(2)- تبيين كذب المفتري (ص/50).
(3)- صحيح البخاري: كتاب المغازي: باب قدوم الأشعريين و أهل اليمن.
(4) مسند أحمد (4/335)، المستدرك للحاكم (4/424).
(5)- فتح الباري (8/293).
(6)- أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الأنبياء: باب قول الله تعالى:{ و إلى عادٍ أخاهم هودًا (65)}.
———————————————
الفصل الثاني عشر الألباني يدعو إلى هدم ءاثار الرسول و يمنع من قول { السلام عليك أيها النبي } في الصلاة
يدعو الألباني(1) لهدم القبة الخضراء و إلى إخراج قبر النبي إلى خارج المسجد.
فهذا الكلام لا يصدر إلا من رجل قلبه ملىء بالضغينة و البغضاء على رسول الله، و عقيدة التشبيه التي في صدره سودت قلبه حتى جعلته يقول ما يقول فيجهّل المسلمين الذين يذهبون لزيارة قبره صلى الله عليه و سلم منذ قرون و يرون القبة الخضراء مستحسنين لها على هذا الشكل، فمستحيل أن يسكت كل الذين مضوا في هذه القرون على باطل و قد قال ابن مسعود رضي الله عنه:” ما رءاه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن، و ما رءاه المسلمون قبيحًا فهو عند الله قبيح”، و هذا و قد حسن الحافظ ابن حجر إسناده (2)، فمن أين جاء الألباني بمثل هذا الكلام؟!
ثم هذا الرجل ينطبق عليه ما اتفق عليه العلماء و هو أن من قال قولا يؤدي إلى تضليل المسلمين فهو كافر ذكر ذلك القاضي عياض و الحافظ محي الدين النووي و غيرهما، فهذا الرجل تنطبق عليه هذه القاعدة فهو داخل تحتها لأنه ضلل المسلمين لأن وجود قبر الرسول و صاحبيه على هذا الوضع أي كون القبور الثلاثة مكتنفة بالمسجد من جميع جوانبها في أيام أمير المؤمنين الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، فالألباني يكون ضلل هذا الخليفة الراشد و من جاء بعده من خلفاء المسلمين، فيكفيه هذا كفرًا و خزيًا و ضلالاً فهو مرتد بلا شك و لا ريب، فكيف سوَّلت له نفسه أن يكون أهل ألف و ثلاثمائة سنة من أمه محمد على ضلال و يكون هو المخالف لهم على هدى؟! و قد سبق له أن طلب أيام الملك سعود أن يهدم هذا الوضع القائم و يجعل القبور الثلاثة منفردة عن المسجد فلم يوافقه الملك سعود.
تكميل: لا يجوز تسمية الوهابية سلفية لأنهم ليسوا من السلف و لا من الخلف فكيف يصح تسميتهم سلفية و هم ضلّلوا الأمة بتكفيرهم للمتوسلين بالأنبياء و الولياء بعد موتهم أو في حياتهم في غير حضورهم، و كيف يجوز تسميتهم سلفية و هم ينكرون وضع المسجد النبوي لوجود قبر الرسول و قبر أبي بكر و قبر عمر و هذا أمر رضيه المسلمون سلفهم و خلفهم، فإن المسجد لما وسّع في زمن عمر بن عبد العزيز بحيث إن القبور الثلاثة صارت مكتنفة بالمسجد و صار المسجد محيطًا بالقبور الثلاثة من الجهات الأربعة، و بعض المتقدمين من الوهابية و المتأخرين يرون إزالة القبور الثلاثة من أول المسجد إلى ءاخره من الجهتين و هم سمّوا أنفسهم سلفية لإيهام الناس أنهم مقتدون بالسَّلف و هيهات هيهات، فكيف يسمون سلفية و هم يضللون الأمة لأن الأمّة متفقون على استحسان الوضع القائم هناك منذ أيام عمر بن عبد العزيز إلى يومنا هذا لم ينكر ذلك مسلم عالم أو عامّي.
و أما احتجاج بعض هذه الفرقة من الألباني و بعض من سبقه لإنكار وضع القبور الثلاثة بعد التوسيع الذي صارت به القبور الثلاثة مكتنفة بالمسجد من جميع نواحيها بالحديث المشهور (3):” لعن الله اليهود و النصارى اتخذورا قبور أنبيائهم مساجد ” فلا يلتفت إليه لأن القبور الثلاثة غير بارزة بل مستورة ضمن بيت الرسول الذي توفي فيه، فتبين
أنه لا ينكر الصلاة إلى القبر إذا كان القبر مستورًا غير بارز كما دلَّ على ذلك قول عائشة راوية الحديث المذكور:” و لولا ذلك لأبرزوا قبره”، تعني أن النهي المذكور لا يشمل من يصلي إلى قبرٍ مستور غير بارز، فلا كراهة في صلاة من يصلي خلف القبور الثلاثة كما لا كراهة في صلاة من يصلي في الروضة و جزء المسجد الذي عن يسار القبور الثلاثة و من يصلي أمام القبور الثلاثة، و لم ينكر ذلك أحد من المسلمين قبل هذه الفرقة الشموشة، فقد ذكرت الحنابلة أن الصلاة إلى القبور مكروهة إذا كانت بلا حائل لا تحرم أما إذا كان حائل لم تكره الصلاة، و الوهابية يدَّعون أنهم حنابلة و ما أكثر ما يخالفون الإمام أحمد في الأصول و الفروع.
و كذلك حديث (4):” لا تصلوا إلى القبور ” لا يدخل فيه من يصلي خلف القبور الثلاثة من التوسعة، و في حديث الإسراء الذي رواه الصحابي المشهور شداد بن أوس أن جبريل في أثناء سيرهما قال للرسول حين انتهيا إلى الطور: انزل هنا فصلّ فنزل فصلى، ثم لما انتهيا إلى بيت لحم
حيث ولد عيسى عليه السلام قال له: انزل فصل، فهذا دليل على أن الصلاة في المواضع المباركة مستحب شرعًا، و هذا الحديث رواه البيهقي و صححه (5). فلا يجوز الإنكار على من يصلي وراء قبر غير بارز كما تظن هذه الفرقة، و مصيبة هذه الفرقة أنهم يحملون النصوص الشرعية في غير مواضعها كما كانت الخوارج تفعل ذلك فإنهم حملوا قول الله تعالى:{ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ (57)} [ سورة الأنعام ] على إنكار موافقة عليّ على تحكيم الحكمين فأدى بهم جهلهم لمعنى القرءان إلى تكفير عليّ رضي الله عنه، و أكثر استدلالات هذه الفرقة لآرائهم التي يخالفون بها الأمة ناشىء من جهلهم بمعاني النصوص.
فالنصيحة الواجبة على المسلمين تقضي بالتحذير من هذا الرجل و من مؤلفاته و من أتباعه الذين قلدوه في التجرىء على تصحيح الحديث و تضعيفه و هو و أتباعه الذين قلدوه بعيدون من أهلية ذلك بعدَ الأرض من السماء فإنه ليس فيهم شخص واحد يحفظ عشرة أحاديث باسانيدها، و إنما التصحيح و التضعيف حق أولئك الذين يحفظون الآلاف المؤلفة من الأحاديث بأسانيدها و يعرفون أحوال
رجالها عن ظهر قلب، فقد جمع بعض الحفاظ لرواة حديث واحد مائةً و ثمانين طريقًا متفرعةً عن الحسن البصري الذي هو تابعي الحديث، فهو و أتباعه بالنسبة إلى الحفاظ الذين لهم حق التصحيح و التضعيف كنسبة سير النملة بالنسبة إلى سير الطير المسرع، فليعرف هو و أتباعه أنفسهم حالهم و ليقصُروا عما هم عليه من التصحيح و التضعيف و يرجعوا إلى كلام أهل التصحيح و التضعيف.
و من مستشنع أقواله الشاذة أنه ذكر أنه يقال في التشهد ” السلام على النبي ” (6) بدل: ” السلام عليك أيها النبي “.
الردّ: ألم يسمع الألباني أن سيدنا أبا بكر (7) و عمر بن الخطاب (8) و ابن الزبير (9) و غيرهم كانوا يعلمون الناس على المنبر بعد وفاة النبي صلى الله عليه و سلم التشهدَ باللفظ المشهور الذي فيه: ” السلام عليك أيها النبي و رحمة الله و بركاته ” و لم ينكر عليه أحد من الصحابة، فكيف يترك ما جاء عن هؤلاء الأكابر و يتبع قول هذا الساعاتي المفلس من العلم ؟!
أليس المسلمون من زمن الصحابة إلى زماننا هذا يقولون هذه الصيغة؟! فكأن الألباني لا يأخذ بقول هؤلاء الصحابة و لا يعجبه ما عليه المسلمون إلى زماننا هذا بل يعتبر ذلك ضلالا.
——————————————
(1)- انظر كتابه المسمى ” تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد” (ص/68-69).
(2)- موافقة الخبر الخبر (2/435).
(3)- أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الجنائز: باب ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور.
(4)- أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الجنائز: باب النهي عن الجلوس على القبر و الصلاة عليه
(5)-دلائل النبوة (2/355).
(6)-ذكر ذلك في كتابه ” صفة صلاة النبي ” ( ص/143).
(7)- أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 264).
(8)- أخرجه البيهقي في سننه (2/142)، و مالك في الموطأ: كتاب الصلاة: باب التشهد في الصلاة.
(9)- أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/264).
———————————————
الفصل الثالث عشر شذوذ الألباني عن المذاهب الاربعة
لا شك أن أهل السنة و الجماعة أجمعوا على فضل أصحاب المذاهب الأربعة أبي حنيفة النعمان، و مالك بن أنس، و الشافعي، و أحمد بن حنبل رضوان الله عليهم.
أما الألباني الذي يهوى الشذوذ فله رأي ءاخر حيث يقول: بأن عيسى لما ينزل لا يحكم بالنصرانية و لا باليهودية و لا بالفقه الحنفي (1).
فانظروا كيف يتكلم عن هذا العالم الجليل الذي فسر به حديث:” لو كان العلم بالثُّريا لتناوله ناس من أبناء فارس ” (2).
فكيف يقول عن أبي حنيفة النعمان هذا و قد أخذ علمه عن التابعين و التقى بانس بن مالك لما دخل الكوفة، و مشايخه كثر أمثال عطاء بن ابي رباح و الشَّعبي و نافع مولى ابن عمر (3)، و محمد بن المنكدر و ابن شهاب الزهري و محمد الباقر و عبد الرحمن بن هرمز الأعرج و حماد بن أبي سليمان و جميعهم من اكابر التابعين.
و روى عنه خلق كثير، و درس على يديه أكابر العلماء مثل محمد بن الحسن شيخ الشافعي و أبي يوسف القاضي و وكيع شيخ الشافعي و عبد الله بن المبارك و زفر بن هذيل التميمي و داود الطائي و حماد بن أبي حنيفة و غيرهم، حتى قال عنه الشافعي:” الناس عيال على فقه أبي حنيفة “، و قال عنه يحيى بن معين أحد نقاد الرجال:” كان أبو حنيفة لا يدرّس إلا من حفظه “. فلأي سبب تطعن بمثل هذا الإمام أيها الألباني، و أي شىء جعلك تطعن بالشافعي و الحافظ البغدادي يروي عنه (4) بالإسناد الصحيح أنه قال:” إني لأتبرك بأبي حنيفة و أجيء إلى قبره كل يوم فإذا عرضت لي حاجة صليت ركعتين و جئت إلى قبره و سألت الله الحاجة عنده فما تبعد عني حتى تقضى “.
فماذا تقول بعد هذا البيان أيها الألباني! هل ترجع عن قولك هذا أم تناطح رجلاً كالشافعي فُسر به حديث النبي صلى الله عليه و سلم:” عالم من قريش يملأ طباق الأرض علمًا ” (5)، أم تراك تغير على هذا الحديث بالتضعيف لتهشم الشافعي و ترفع من قدر نفسك لجهلك بمعنى الحديث الذي رواه الحاكم(6) و فيه:” من أقام بمسلم مقام سمعة أقامه الله يوم القيامة مقام سمعة و رياء “.
و حسبنا حكمًا بيننا و بينك قول أفضل البشر و خاتم النبيين سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم :” ليس من أمتي من لم يجلّ كبيرنا و يرحم صغيرنا و يعرف لعالمنا حقّه ” رواه أحمد و غيرُه (7).
فمن أي باب يا الألباني تذم الإمام أبا حنيفة و الشافعي و أنت بلغ جهلك مبلغه، و لأي سبب تحمل على أئمة السلف و أنت مفلس من العلم و الفقه، لقد صدق سيدنا علي رضي الله عنه حين قال:” و الجاهلون لأهل العلم اعداء” قد ءان لك أيها الألباني أن تسكت و تكف لسانك عن هؤلاء الشرفاء الأطهار الذين رفعوا راية محمد و حفظوا السنة.
————————————-
(1)- انظر كتابه المسمى ” صحيح الترغيب و الترهيب “: باب نزول عيسى.
(2)- مسند أحمد (2/420).
(3)- و هو أثبت الناس بحديث ابن عمر.
(4)- تاريخ بغداد (1/123).
(5)- رواه البيهقي في مناقب الشافعي (1/54).
(6)- المستدرك (4/128).
(7)- مسند أحمد (5/323)، و عزاه الهيثمي في مجمع الزوائد (1/127) للطبراني في المعجم الكبير.
———————————————
الفصل الرابع عشر شذوذ الألباني عن الجمهور فيحكم على نفسه بأنه ليس جمهوريًّا
يقول ناصر الدين الألباني في تعليقه على قول الطحاوي ” و نجتنب الشذوذ و الخلاف و الفرقة ” بقوله (1):” قلت: يعني الشذوذ عن السنة و مخالفة الجماعة الذين هم السلف كما علمت، و ليس الشذوذ في شىء أن يختار المسلم قولا من اقوال الخلاف لدليل بدا له، و لو كان الجمهور على خلافه خلافًا لمن وهم، فإنه ليس في الكتاب و لا في السنة دليل على أن كل ما عليه الجمهور أصح مما عليه مخالفوهم عند فقدان الدليل” اهـ، إلى ان قال:” و أما عند الاختلاف فالواجب الرجوع إلى الكتاب و السنة، فمن تبيَّن له الحق اتبعه و من لا استفتى قلبه سواء وافق الجمهور أو خالفهم، و ما أعتقد أن احدًا يستطيع أن يكون جمهوريًّا في كل ما لم يتبين له الحق بل إنه تارةً هكذا و تارة هكذا حسب اطمئنان نفسه و انشراح صدره و صدق رسول الله إذ قال: استفت قلبك و إن أفتاك المفتون ” اهـ.
الردّ: إن هذه دعوة إلى ترك ما عليه جمهور الأمة و مخالفة صريحة لحديث النبي صلى الله عليه و سلم:” عليكم بالجماعة و إياكم و الفرقة فإن الشيطان مع الواحد و هو من الإثنين أبعد من اراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة ” (2).
و معنى الجماعة في هذا الحديث لم يرد بها الرسول صلى الله عليه و سلم الجماعة في الصلاة إنما المعنى معنى حديث ابن حبان (3):” ثلاثٌ لا يُغلُّ عليهن قلب مسلم: إخلاص العمل لله، و مناصحة ولاة الأمر، و لزوم الجماعة فإن دعوتهم تحيط مَن وراءهم “.
و قد كتبت مجلة ” التمدن الإسلامي ” منذ أربعين سنة أنه اجتمع الألباني بالمحدث الشيخ عبد الله الهرري فقال الألباني نضع أربعة أسس الكتاب و السنة و الإجماع و القياس، ثم بعد أن بدأ الكلام قال: الإجماع إذا لم يكن معه نص لا أقبل، فقال له المحدث الهرري: أنت متلاعب اتفقنا على أن الأدلة الشرعية أربعة و الآن جعلتها ثلاثة فأنا لا أمضي معك على هذا أنت تناقض نفسك قلتَ الأدلة الشرعية أربعة عليها نبني المناظرة ثم جعلتها ثلاثة.
و دعوة الألباني أيّ إنسان أن يعمل بحديث:” استفت قلبك و إن افتاك المفتون ” فيه تشجيع الجهال على ترك العمل بما عليه أهل الإجتهاد و العمل بما تميل إليه نفوسهم، و لا يخفى أن الجاهل قد يميل قلبه إلى ما يخالف الشرع فكيف يترك فتوى المجتهدين المعتبرين و يعمل بما تميل إليه نفسه، و هذا الحديث كان الخطاب فيه لوابصة بن معبد و هو من مجتهدي الصحابة، فوابصة و من كان مثله في الأهلية لأخذ الحكم من القرءان و الحديث يأخذ بما ظهر له من الأدلة على حسب اجتهاده، و ليس المراد كلَّ فرد من أفراد المسلمين و إلا لأدى ذلك إلى الفوضى قال الأفوه الأودي:
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم و لا سراة إذا جهالهم سادوا
و السراة: الأشراف من أهل الفهم الذين يصلحوا للقيادة، و يعلم أنه ليس كل من سمع حديثًا له أهلية الاجتهاد أي استنباط الأحكام من الحديث لقوله صلى الله عليه و سلم:” نضر الله امرأً سمع مقالتي فوعاها و حفظها و بلغها فربَّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه (4) “، و في رواية:” و ربَّ حامل فقه ليس بفقيه (5)” فقد أفهمنا الرسول عليه الصلاة و السلام
بذلك أنه قد يسمع منه الشخص الحديث المتضمن للأحكام و لا يكون عنده أهلية الاستنباط و يحمله إلى من هو افقه منه أي إلى من له اهلية الاستنباط، و في قوله عليه السلام:” و ربَّ حامل فقه ليس بفقيه ” دليل على أن الذين لا يستطيعون أن يستخرجوا الفقه من الحديث أكثر من الذين يستطيعون، و هذا موافق لقول النحويين: ربّ للتكثير كثيرًا.
فكيف يتجرأ مثلك يا ألباني على تاليف فتاوى، و ما أنت إلا كما قال الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي:” من لم يأخذ الحديث من أفواه العلماء لا يسمى محدثًا بل يسمى صحفيًا “، إنما المحدث كما قال الحافظ السّلفي:
بادر إلى علم الحديث و كتبه و اجهد على تصحيحه من كتبه
و اسمعه من أشياخه نقلاً كما سمعوه من أشياخهم تسعدْ به
و أنت تعرف نفسك و يعرفك غيرك أنك لم تقرأ كتابًا في الحديث على محدّث قرأ على غيره من المحدثين بالاتصال خلفًا عن سلف، أما تستحي من دعواك أنك محدث و أنك من أهل الفتوى و أنت مبتور مقطوع.
—————————————-
(1)- انظر (ص/48) من الكتاب.
(2)- رواه الترمذي: كتاب الفتن: باب ما جاء في لزوم الجماعة.
(3)- انظر الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان (2/ 35).
(4)- أخرجه الترمذي في سننه: كتاب العلم: باب ما جاء في الحث على تبليغ العلم.
(5)- المصدر السابق.
———————————————
الفصل الخامس عشر: الألباني و اليهود
لقد اعتاد هذا الألباني المدعي للعلم على زرع الفتنة و الفرقة و بث الحقد و العداوة و البغضاء بين المسلمين، و لعله يريد أن يحقق بهذه المقولة المشهورة ” فرّق تسد ، فهو يحرّم زيارة الحياء للأحياء في العيد (1) مع أن الإسلام رغب في صلة الرحم و زيارتهم لا سيما في الأعياد، أما اللباني فقد ابتدع دينًا جديدًا شذ فيه عن دين محمد صلى الله عليه و سلم فهو بهذا يأبى إلا أن يؤكد شذوذه و أن يظهر حقده الدفين للإسلام و المسلمين خصوصًا بعدما أوجَب على أهل فلسطين أن يتركوها
لليهود (2)، و يتركوا بلدًا من بلاد المسلمين و يغادروا أرضًا من الأراضي المقدسة عند المسلمين و يتركوه لليهود ليعبثوا بها متناسيًا قوله تعالى عن الأقصى:{ الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ (1)} [ سورة الإسراء ] فيا ترى ما الذي دفعه إلى مثل هذا؟ و لمصلحة من على زعمه؟
تنبيه: و من أعجب فتاوى الألباني ما ذكره في فتاويه فقال (3): ” إنما القاعدة أنه لا يجوز للمسلم أن يدع بلد الإسلام إلى بلاد الكفر إلا لضرورة قاهرة ” اهـ.
الردّ: بل لمصلحة راجحة يجوز للمسلم أن يقيم في بلاد الكفر إذا كان يرجو بإقامته أنه يُدخل بعض الكفار في الإسلام، إنما يحرم الإقامة فيها على من خاف على نفسه أن يُفتن كأن يُمنع عن الصلاة و على هذا يحمل الحديث الوارد في النهي من الإقامة بين الكفار.
(1)- انظر كتابه ” فتاوى الألباني ” (ص/ 61 و 63)
(2)- انظر فتاوى الألباني (ص/ 18).
(3)- انظر فتاوى الألباني (ص/ 73).
———————————————
الفصل السادس عشر شذوذ الألباني في الأحكام
يتنطع اللباني فيحرم على المرأة أن تلبس الذهب المحلق (1) و يعني بذلك الخاتم و السوار و السلسلة من الذهب و يتبجح بتفاخره بهذا لآنه في نفسه يرى مقولة الوهابية:” هم رجال و نحن رجال “، كأنه ما سمع بحديث رسول الله عن الذهب:” و حل لإناثهم ” (2)، و لم يسمع بالإجماع الذي نقله البيهقي و غيره (3).
و قد حرَّم الألباني أيضًا الوضوء بأكثر من مد و حرًّم الاغتسال بأكثر من خمسة أمداد، لأنه من شدة تهوره قال إن هذا مأخوذ من حديث أنس (4):” كان- أي رسول الله – يتوضأ بالمد و يغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد “، و نسوق كلام شيخنا العلامة المحدث الهرري في الرد عليه و نصُّ
عبارته:” و من أعجب شذوذات الألباني أنه حرم الوضوء بأكثر من مد أي مقدار (125) غرامًا تقريبًا أي ما يساوي ثلاثة أرباع كوب من الماء و على حساب وزن المد من الحب نحو (400) غرام، و حرَّم الاغتسال بأكثر من صاع و هو اربعة أمداد، نشرت ذلك عنه مجلة التمدن الإسلامي في دمشق و حدثنا عنه بذلك بعض من شافهه، فكان ردّي في ذلك موجهًا إليه الخطاب: كنت تأخذ بمذهب الحنفي و تدعي أنك لا تخرج عنه إلا إلى قول قاله مجتهد ءاخر و ها أنت قد خرجت إلى قول لم يقل به عالم قط فلم يردّ جوابًا و انقطع. و كان استناده في تحريم ذلك حديث مسلم عن أنس: كان رسول الله يتوضأ بالمد و يغتسل بالصاع، و أين في الحديث تحريم الزيادة على المد في الوضوء على ان مسلمًا أورد أيضًا في نفس الباب رواية: ” كان رسول الله صلى الله عليه و سلم بخمس مكاكيك و يتوضأ بمكوك “، و المكوك مقدار صاع و نصف يفهم ذلك من القاموس و غيره و إن فسره النووي بالمد و لا وجه لذلك.
و على مذهب الألباني يا ويل الذين يزيدون على ذلك لكونهم أصحاب الحِرف الوسخة حيث لا يقتصرون لجميع وضوئهم على المد فهم ءاثمون ضالون على قوله، ففيما ذهب إليه تضييق لدين الله الواسع و حرج عظيم و الله تعالى يقول:{ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ (78)} [ سورة الحج ].
و كذلك يكفي في الرد عليه حديث ابن حبان (5) عن ابن عباس قال: حدثتني خالتي ميمونة قالت: أدنيت لرسول الله صلى الله عليه و سلم غسلَه من الجنابة قالت: فغسل كفيه مرتين أو ثلاثاُ ثم أدخل كفَّه في الإناء فافرغ بها على فرجه فغسله بشماله ثم ضرب بشماله الأرض فدلكها دلكًا شديدًا، ثم توضأ وضوءه للصلاة، ثم أفرغ على رأسه ثلاث حفنات مِلء كفيه ثم تنحّى غير مقامه ذلك فغسل رجليه ثم أتيته بالمنديل فردّه “، فإذا كان أفرغ على رأسه ثلاث حفنات ملء كفيه هذا لرأسه فقط فماذا يكون جملة ما أخذه لبدنه؟
و ذكر الإمام المجتهد ابن المنذر في كتاب ” الأوسط” (6) ما نصه: ” و قد أجمع أهل العلم على أن المدَّ من الماء في الوضوء و الصاع في الاغتسال غير لازم للناس. و كان الشافعي يقول:” و قد يُرفق بالماء القليل فيكفي و يُخرق بالكثير فلا يكفي “، و صدق الشافعي هذا النص قال:” موجود من أفعال الناس “. انتهى كلام شيخنا الهرري.
و فعل اللباني يشهد عليه بكذبه حيث كان يغترف من برك بعض المساجد في دمشق كما يغترف غيره للوضوء فقد شوهد و هو يغترف من البركة على حسب العادة المعروفة في دمشق و ذلك القدر لا يقل عن عشرة أمداد، فمن هنا يصح أن يقال إنه كالمثل القائل :” خالف تُعرف”.
فعلى قول اللباني كل مسلم يتوضأ اليوم فهو عاص بوضوئه، فمن منكم أيها المسلمون يتوضأ بمقدار المد من الماء فانظروا فقد جعلكم هذا البدعيُّ عصاةً بوضوئكم، و دين الله يسر واسع ليس حرجًا قال الله تعالى:{ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ (78)} [ سورة الحج ]، فهذا الرجل جعل دين الله حرجًا بإيجابه الاقتصار على المدّ من الماء لكل وضوء، انظروا إلى ما يؤدي إليه كلام هذا الرجل.
—————————————————-
(1)- كما في كتابه “ءاداب الزفاف ” (ص/132).
(2)- أي إناث الأمة، رواه الترمذي: كتاب اللباس: باب ما جاء في الحرير و الذهب.
(3)- السنن الكبرى (4/142)، المجموع للنووي (4/442)، فتح الباري (10/317).
(4)- أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الحيض: باب القدر المستحب من الماء في غسل الجنابة.
(1)- انظر الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان (2/251).
(2) الأوسط (1/361).
———————————————
الفصل السابع عشر تحريم الألباني استعمال السبحة للذِّكر
من جملة بدع هذا الرجل المحرَّمة تحريمه استعمال السُّبحة للذِّكر(1) و هو بهذا خالف السلف و الخلف فقد كان العبَّاد الصالحون من السلف الذين يقتدى بهم يستعملون السبحة كالجنيد بن محمد البغدادي من أهل القرن الثالث و الذي قال فيه ابن تيمية إنه إمام هدى ذكر ذلك في أكثر من كتاب من كتبه.
و من الدليل على جوازه الحديث الذي أخرجه ابن حبّان و صحَّحه (2) و حسَّنه الحافظ ابن حجر في أماليّه (3) أن الرسول صلى الله عليه و سلم دخل مع سعد ابن أبي وقاص على امرأة في يدها نوى أو حصا تسبح بها فقال:” ألا أخبرك بما هو أيسر عليك من هذا و أفضل: سبحان الله عدد ما خلق في السماء، و سبحان الله عدد ما خلق في الآرض، و سبحان الله عدد ما هو خالق، و الله أكبر مثل ذلك، و الحمد لله مثل ذلك، و لا إله إلا الله مثل ذلك، و لا حول و لا قوة إلا بالله مثل ذلك “.
هذا سياق لفظ الحديث عند ابن حبان، و أما سياق لفظ الحديث الذي رواه الحافظ ابن حجر فهو هكذا:” سبحان الله عدد ما خلق في السماء، و سبحان الله عدد ما خلق في الآرض، و سبحان الله عدد ما هو خالق، و الله أكبر مثل ذلك، و الحمد لله مثل ذلك، و لا إله إلا الله مثل ذلك، و لا حول و لا قوة إلا بالله مثل ذلك “.
فإن قال الألباني هذا الحديث ضعيف لأن أحد رواته مختلف فيه قيل له: كلامك لا عبرة به بعد تصحيح ابن حبان و تحسين الحافظ ابن حجر له في الأماليّ، و أنت لست من أهل التصحيح و التضعيف، بينك و بين هذه المرتية بَوْنٌ بعيد فاعرف نفسك أين أنت، فإنَّ الحافظ من الحفَّاظ قد يصحّح أو يضعَف حديثًا في بعض رواته من هو متكلَّم فيه لشاهدٍ أو اعتبار، أو لأن ذلك الراوي المختلف فيه ثقة عندهم، لأن كثيرًا من الرواة مختلف فيهم يعتبره بعض أهل الجرح و التعديل ثقةً و يعض يعتبره ضعيفًا.
ثم من المعلوم عند المحدثين أن الضعيف يعمل به في الأذكار و الدَّعوات و المناقب و فضائل الأعمال و التَّفسير كما ذكر ذلك الحافظ البيهقي في المدخل، و السبحة المستعملة اليوم و قبل اليوم في معنى الخيط الذي كان أبو هريرة يسبّح به و كان فيه ألفا عقدة ثبت أنه كان يسبّح اثنتي عشرة ألف تسبيحة كل يوم و كان يقول: أسبّح الله بقدر ذنوبي، فلا فرق بين ذلك الخيط و بين النَّوى و الحصا كما قال الشوكاني في السبحة، و أنت يا ألباني طالما شوَّشت على المسلمين بتحريم ما يحرّم الله فهل لك في الرجوع إلى ما عليه المسلمون قبل فوات الأوان.
—————————————————————–
(1)- انظر كتابه المسمى ” سلسلة الأحاديث الضعيفة “، رقم الحديث/83.
(2)- انظر الإحسان بترتيب ابن حبان (2/101).
(3)- نتائج الأفكار في تخريج أحاديث الأذكار (1/77).
———————————————
الفصل الثامن عشر يمنع الألباني الزيادة على إحدى عشرة ركعة في صلاة قيام رمضان (1)
ادعى الألباني في الاستدلال على ما ذهب إليه في المنع من الزيادة على إحدى عشر ركعة في قيام الليل من رمضان أن ” رسول الله صلى الله عليه و سلم عاش عشرين سنة و هو لا يزيد في رمضان و لا غيره عن إحدى عشر ركعة”(2).
الرد: لم يحلام أحد من السلف و الخلف الزيادة في قيام رمضان على إحدى عشر ركعة، و أول من حرم ذلك هو اللباني فبذلك يكون قد ضلل المسلمين حتى طائفته الوهابية فإنهم يصلون ثلاثًا و عشرين ركعة في الحجاز و الحرمين الشريفين، فأنت يا ألباني شذذت عن الأمة و من شذَّ شذَّ في النار، و يكفي في الرد عليه حديث البخاري (3):” صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما صلى”.
و نورد هنا ما ذكره شيخنا العلامة المحدث عبد الله
الهرري في إيضاح بطلان ما ادعاه الألباني و نص عبارته: ” أبعد ناصر الدين الألباني في القول في الدين بغير دليل فحرم قيام رمضان بأكثر من إحدى عشر ركعة و احتجَّ لذلك بقول عائشة:” ما كان يزيد في رمضان و لا في غيره على إحدى عشرة ركعة” رواه البخاري (4)، و ليس فيخ حجة له لأن كلام عائشة هذا محمول على أن ذلك بحسب ما رأته لأنه صح حديث أبي هريرة عن النبي:” لا توتروا بثلاث تشبهوا بالمغرب، و لكن أوتروا بخمسٍ أو بسبعٍ أو بتسعٍ أو بإحدى عشرة أو بأكثر من ذلك” رواه ابن حبان و ابن المنذر و الحاكم و البيهقي من طريق عراكٍ عن أبي هريرة (5).
و مما يرد على الألباني ما شاع و تواتر في عصر السلف أن أهل المدينة كانوا يقومون بستٍّ و ثلاثين و كان أهل مكة يقومون بثلاث و عشرين و كانوا يطوفون بين كل أربع ركعات فأراد أهل المدينة أن يعوِّضوا عن الطواف الذي زاده أهل مكة أربع ركعات و لم يُنكَر عليهم ذلك بتحريم ما فعله الفريقان، و عملهم هذا مستند لما فهمه من الحديث
الصحيح: ” صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما صلى” (6).
و مما ينقض كلامه ما رواه الخلعيُّ من حديث علي ـن النبي صلى في الليل ست عشرة ركعة قال الحافظ العراقي: إسناده جيد.
و يرد عليه أيضًا ما رواه البخاري (7) من حديث عبد الله ابن عمر عن النبي أنه قال:” صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح فليوتر بركعة ” فإن فيه دليلاً صريحًا على جواز قيام رمضان بأقل من إحدى عشرة ركعة و بأكثر منها بلا تحديد و ذلك حجة لما قاله الشافعي:” لا حدَّ لعدد ركعات قيام رمضان و ما كان أطول قيامًا أحبُّ إليَّ” نقل ذلك عنه الحافظ أبو زرعة العراقي في شرح التقريب (8) و نقله غيره عنه. و قد كان اللباني و جماعته أحدثوا بلابل بين المسلمين بنفيهم جواز قيام رمضان إلا بإحدى عشرة ركعة في الشام و غيره.
ثم هو افتَاتَ على اهل الحديث فقال في رواية:” إن عمر جمع الناس على قيام رمضان فكانوا يصلون ثلاثًا و عشرين ركعة” (9) قال: إن هذه الرواية ضعيفة و الصحيحة رواية إحدى عشرة، فشذَّ بذلك و خالف قاعدة المحدثين أن التصحيح و التضعيف للحفاظ فقط، و هو يعرف من نفسه أنه ليس بمرتبة الحفظ و لا يقاربها و قد اعترف بذلك في بعض مقالاته، و هذه القاعدة إن لم يكن يعرفها فليعرفها الأن فقد ذكر السيوطي في تدريب الراوي و غيرُه، و قال في ألفيته:
و خذه حيث حافظ عليه نص أو من مضنَّف بجمعه يُخص
و شرح هذا البيت كما هو مذكور في شرحه على ألفيته أن الصحيح يعرف بتصحيح حافظ من الحفاظ أو بوجودخ في كتاب التزم مؤلفه الحافظ الاقتصار على الصحيح.
و هذه الرواية لم يطعن في صحتها حافظ بل رجَّح الحافظ ابن عبد البر رواية ” ثلاث و عشرين ” على رواية ” إحدى عشرة ” بل اعتبرها وهمًا، و ابن عبد البر معدود في الحفاظ، فليس تضعيف الألباني رواية ثلاث و عشرين إلا كناموسة نفخت على جبل لتزيحه.
فمن عرف هذه الحقيقة عرف أن مؤلفات الألباني مدخولة لا يجوز الاعتماد عليها فلا عبرة بتأليفه الذي سماه الصحيحة و تأليفه الذي سماه الضعيفة، فليحذر المسلمون، و هذه نصيحة أسديناها للمسلمين فلا يكونوا أسراء التقليد الفاسد.
و ليعلم ذلك أيضًا من تبعه من أتباعه ممن كتبوا على بعض المؤلفات و قلدوه تقليدًا أعمى كحمدي السلفي، و قد تتابع على ذلك اقتداء به بعض من ليس من أتباعه فليتقوا الله و ليعملوا بقول أهل الحديث: التصحيح و التضعيف من خصائص الحفاظ، و هذا نشأ من قصورهم عن فهم علم الحديث درايةً كما ينبغي، لأن شرط الصحيح و الحسن السلامة من الشذوذ و العلة، و معرفة ذلك استقلالا لا يقوم به إلا الحافظ لأن مبنى ذلك على تتبع الطرق.
تكملة: ما شاع في بعض كتب الشافعية أن التراويح لا تصح إلا ركعتين ركعتين إلى ثلاث و عشرين لا يجوز حمل هذا الكلام على مطلق قيام رمضان لأن اسم صلاة التراويح لم يرد منصوصًا عليه إنما هو عُرفٌ طارىء حتى صارت كلمة التراويح عبارة عن ثلاث و عشرين على هذا الوجه أن تكون ركعتين ركعتين ثم ثلاث ركعات الوتر موصولةً أو مفصولةً، و قصد أولئك أن من ينوي التراويح فلا يجزئه إلا هذه الكيفية، و لا يقصدون أنه لو لم يقصد التراويح بل قصد قيام رمضان لا يصح قيامه إلا بثلاث و عشرين و هذا محمل كلامهم، و أما حقيقة الأمر فهو الرجوع إلى حديث: ” صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح فليوتر بركعة ” و معناه: أن الأفضل في كيفية صلاة الليل أن تكون ركعتين ركعتين، و ليس المراد حصرَ الجواز في هذه الكيفية، لأنه ثبت في الصحيح أن عائشة قالت في بيان صلاته صلى الله عليه و سلم:” يصلي أربعًا فلا تسأل عن حسنهن و طولهن ثم يصلي أربعًا فلا تسأل عن حسنهن و طولهن ثم يصلي ثلاثًا ” رواه البخاري (10). هذه عظة و عبرة لمن يعتبر، كم من أناس اليوم يصححون و يضعفون و هم بعيدون من استئهال ذلك بُعد الآرض من السماء، لأن مريتة الحفظ بعيدة المنال منهم و هي عند أهل الحديث: أن يستحضر المحدث أغلب المتون و أغلب الرواة في ذهنه من حيث معرفة اساميهم و أحوالهم، فليزنوا بهذا الميزان حتى يعرفوا أنهم بعيدون منه ذلك البعد.
و حديث:” صلاة الليل مثنى مثنى ” أقوى من حديث عائشة المذكور إسنادًا و شهرة.
و مما يردُّ دعوى و زعم الألباني أن الرسول ما كان يزيد من إحدى عشرة ركعة ما رواه ابن حبان في صحيحه من روايات عن صلاة النبي صلى الله عليه و سلم بالليل فقال: ” عن عائشة قالت: كان النبي صلى الله عليه و سلم يصلي من الليل تسع ركعات” (11).
و روى أيضًا عن أبي سلمة، قال: أخبرتني عائشة قالت:” كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي من الليل ثمان ركعات و يوتر بواحدة ثم يركع ركعتين و هو جالس” (12).
و روى أيضًا عن مسروق أنه دخل على عائشة فسألها عن صلاة الرسول صلى الله عليه و سلم بالليل فقالت:” كان يصلي ثلاث عشرة ركعة من الليل، ثم إنه كان صلى إحدى عشرة ركعة ترك ركعتين، ثم قُبِض صلى الله عليه و سلم حين قُبض و هو يصلي من الليل تسع ركعات ءاخر صلاته من الليل و الوتر، ثم ربما جاء إلى فراشي هذا فيأتيه بلال فيؤذنِه بالصلاة” (13).
و روى ابن حبان أيضًا عن ابن عباس أنه قال: بِتُّ عند خالتي ميمونة و رسول الله صلى الله عليه و سلم عندها تلك الليلة فتوضأ رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم قام يصلي ركعتين فقمت عن يساره
فأخذني فجعلني عن يمينه فصلى في تلك الليلة ثلاث عشرة ركعة، ثم نام رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى نفخ و كان إذا نام نفخ، ثم أتاه المؤذن فخرج و صلى و لم يتوضأ، قال عمرو: حدثت بهذا بكير ابن الأشج فقال: حدثني كريب بذلك”(14).
و روى ابن عباس أنه بات عند خالته ميمونة فقام النبي صلى الله عليه و سلم يصلي من الليل قال: فقمت فتوضأت ثم قمت عن يساره فجرني حتى أقامني عن يمينه، ثم صلى ثلاث عشرة ركعة قيامه فيهن سواء”(15).
و روى عن الحسن بن سعد بن هشام أنه سأل عائشة عن صلاة النبي صلى الله عليه و سلم باليل فقالت:” كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا صلى العشاء تجوَّز بركعتين ثم ينام و عند رأسه طَهوره و سواكه فيقوم فيتسوك و يتوضأ و يصلي و يتجوَّز بركعتين، ثم يقوم فيصلي ثمان ركعات يسوي بينهن في القراءة ثم يوتر بالتاسعة، و يصلي ركعتين و هو جالس، فلما أسنَّ رسول الله صلى الله عليه و سلم و أخذه اللحم (16) جعل الثمان ستًا و يوتر بالسابعة و يصلي ركعتين
و هو جالس يقرأ فيهما:{ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} [ سورة الكافرون ] و { إِذَا زُلْزِلَتِ (1)} [ سورة الزلزلة ] أبو حرة اسمه واصل بن عبد الرحمن” (17).
و معنى:” و يصلي ركعتين و هو جالس ” أي ركعتي الفجر و ليستا من قيام الليل لأن الرسول كان يجعل ءاخر صلاته بلليل وترًا فلا يصلي بعد ذلك إلا ركعتي الفجر أي سنة الصبح.
و روى مسلم و غيره (18) عن ابن عباس قال:” كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة”، و روى البخاري (19) عن ابن عباس أيضًا قال:” كانت صلاة النبي صلى الله عليه و سلم ثلاث عشرة ركعة- يعني بالليل-“.
و في هذه الروايات دليل على أن ما رواه البخاري عن عائشة من أنه ما كان يزيد في رمضان و غيره في صلاة الليل على إحدى عشرة ركعة محمول على أنها رأت ذلك
(17)- الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان (4/141).
(18)- أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب المسافرين: باب صلاة النبي صلى الله عليه و سلم و دعائه بالليل، و ابن المنذر في الأوسط (5/157)، و ابن خزيمة في صحيحه (2/191).
(19)- أخرجه البخاري في صحيحه: أبواب تقصير الصلاة: باب كيف كان صلاة النبي صلى الله عليه و سلم و كم كان النبي صلى الله عليه و سلم يصلي من الليل.
منه أولاً ثم رأت منه ما يخالف ذلك، و لا يؤخذ من رواية البخاري أنه لم يصل قطّ أكثر من إحدى عشرة ركعة في قيام الليل كما زعم الألباني.
فإن قال الألباني هذه الأحاديث التي ذُكر فيها أن الرسول زاد على إحدى عشرة ركعة معارضة لحديث عائشة الذي أخرجه البخاري الذي فيه أن الرسول ما زاد في صلاة الليل في رمضان و لا في غيره على إحدى عشرة ركعة، فما خالفه فهو ضعيف فيكون الرَّاجح و تكون تلك الروايات مرجوحةً لا يحتجُّ بها، قلنا: و التّرجيح لا يصار إليه ما أمكن الجمع بين الروايتين و هنا الجمع ممكن سهل و ذلك بأن يقال إن عائشة لما حدَّثت ذلك الحديث لم يكن لها اطلاع على غير ذلك القدر، لم تشاهد النبي صلى الله عليه و سلم صلَّى أكثر من إحدى عشرة ركعة، و لا يمنع ذلك أن يكون غيرها كابن عباس شاهد منه ما يزيد على ذلك، لأن عائشة ما كانت تراه صلى الله عليه و سلم كل ليلة من بين تسع ليال في بعض الزمن الذي عاشت معه صلى الله عليه و سلم، و الدليل على ذلك أنها روت عنه صلى الله عليه و سلم أنه ءاخر عمره كان يقوم بأقلَّ من ذلك رأته قام بتسع ركعات.
و مما يدل على ما ذكرنا ما ذكره الحافظ ابن حجر في تلخيص الحبير و نصه (20):” حديث أم سلمة: كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يوتر بثلاث عشرة فلما كبر و ضعف أوتر بسبع، رواه أحمد و الترمذي و النسائي و الحاكم و صححه من طريق عمرو بن مرة عن يحيى بن الجزار عنها، قوله لم ينقل زيادة على ثلاث عشرة كأنه أخذه من رواية أبي داود الماضية عن عائشة و لا بأكثر من ثلاث عشرة و فيه نظر، ففي حواشي المنذري: قيل أكثر ما روي في صلاة الليل سبع عشرة و هي عدد ركعات اليوم و الليلة، و روى ابن حبان و ابن المنذر و الحاكم من طريق عراك عن أبي هريرة مرفوعاً:” أوتروا بخمس أو سبع أو بتسع أو بإحدى عشرة أو بأكثر من ذلك ” انتهى.
ثم قال (21): ” حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يوتر بخمس لا يجلس إلا في ءاخرهن، رواه مسلم بلفظ:” كان يصلي من الليل ثلاث عشرة يوتر بخمس ركعات لا يجلس و لا يسلم إلا في الأخيرة منهن”، وللبخاري من حديث ابن عباس في صلاته في بيت ميمونة:” ثم أوتر بخمس لم يجلس بينهن” اهـ.
و هذا دليل على أن عائشة روت هذا الحديث الذي اعتمد عليه الألباني و فهمه على غير وجهه.
و من أكبر ما حصل من الفساد بسبب تحريم الألباني قيام رمضان بأكثر من إحدى عشرة ركعة ما كتبه بعض أتباعه في قيام رمضان و هو قوله:” إن عمر لم يأمر بالقيام بثلاث و عشرين ركعة و إن كان أمر بذلك فهو من الذين يدخلون تحت هذه الآية :{ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ (21)} [ سورة الشورى ] فقد جعل هذا الجاهل عمر داخلاً تحت هذه الآية، و هذا غضٌّ كبير و تنقيص عظيم لعمر رضي الله عنه، و هذا الرجل يسمى ” نسيب الرفاعي ” و سماه أهل حلب ” نسيب الأفاعي “.
و يكفي في الرد على الألباني ما رواه عمر عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال:” صلاة الليل مثنى مثنى فإذا أردت أن تنصرف فاركع ركعة توتِر لك ما صليت “(22).
و فيخ دليل على أن صلاة الليل ليس لها عدد بركعاتٍ محدودة و هذا أيضًا ناقض لقول الألباني بتحريم ما زاد على إحدى عشرة ركعة أو نقص، فعنده إذا لم يثبت عن رسول الله
إلا هذا فما نقص و ما زاد فهو حرام، فبهذا و نحوه خرج الألباني من الأمة لأنه ضلل الأمة و من ضلل الأمة فليس منهم”
انتهى كلام العلامة الهرري حفظه الله تعالى.
نقول: فأنت يا ألباني بتحريمك أكثر من إحدى عشرة ركعة ضللت الأمة و خالفت فرقتك التي تنتسب إليها الو هابية فإنهم يصلون في مكة و المدينة و سائر بلادهم عشرين ركعة و يوترون بثلاث ، كما خالفت علماء الحديث و الفقهاء و العبَّاد في تحريمك زيارة قبور الأنبياء و الأولياء للتبرك، و كل المحدثين المتقدمين و المتأخرين على جواز ذلك يرون ذلك عملاً حسنًا عندما يترجمون المحدثين فكثيرًا ما يذكرون:” و قبره هناك يزار و يتبرك به “و قد يكتبون ” و تجاب الدعوة عنده “، فكتب علماه الحديث التي ألفوها في طبقات المحدثين طافحة بذلك، و هذا الإمام الحافظ الكبير الذي قال علماء الحديث فيه إن الذين جاؤوا بعده من المحدثين عيال على كتبه في علم مصطلح الحديث ذكر في كتاب تاريخ بغداد قبر النذور و تبرك الناس به و قضاء حاجاتهم بزيارته، و ذكر أن الإمام الشافعي كان يزور قبر الإمام أبي حنيفة و يدعو عنده فتقضى حاجاته، و ذكر هو و غيره أن قبر معروف الكرخي الذي ببغداد ترياق مجرب أي لقضاء حاجات قاصديه الذين يدعون عنده و قال ذلك أيضًا الإمام الحافظ المجتهد إبراهيم الحربي الذي كان يُشَبَّهُ بالإمام أحمد بن حنبل، و قال أحمد بن حنبل إن التبرك بمس قبر النبي و منبره تقربًا إلى الله جائز، نقل ذلك عنه ابنه عبد الله في كتاب العلل و معرفة الرجال (23). و هذا عمل المسلمين علمائهم و فقهائهم من غير خلاف في استحسان ذلك حتى جاء ابن تيمية الذي توفي في القرن الثامن الهجري فحرَّم ذلك و جعله شركًا فتبعته أنت و طائفتك لكنك أنت انفردت عن طائفتك بإبطال كل قول يخالف قولك و يميل إليه قلبك في المسائل الفقهية في الطهارات و الصلوات و الزكوات و جواز تحلّي النساء بحلي الذهب المحلَّق، و أنت تعلم أن الأئمة المجتهدين من الصحابة و من بعدهم اختلفوا في مسائل الطهارة و الوضوء و الغسل و التيمم و الصلاة و في مسائل النطاح و الطلاق و الجنابات إلى غير ذلك، و قد يكون اختلافهم في بعض المسائل على وجهين و في بعض على ثلاثة أوجه و في بعض يزيد على ذلك إلى نحو سبع أو أكثر فأنت بذلك عملت قاعدة لنفسك و هي قولك:” الحق لا يتعدد ” تريد بذلك أن كل من سواك من المجتهدين على باطل.
و معنى هذا الكلام أنا الرجل المهتدي و من مشى معي لا
غير، أنا على الحق و من تبعني و من سواي على باطل، فكأنك تقول بهذا أنا المهتدي و من وافق رأيي فقط.
فقد وضح الحق لذي عينين أنك شاذ عن جميع المسلمين حتى عن المحدثين الذين تفتخر بالإنتساب إليهم و لست منهم، فإنهم سلفهم و خلفهم من كان قبل إظهار ابن تيمية شذوذه و من بعده من الحفاظ على خلاف ما تعتقده من تكفير المتبركين بزيارة الأنبياء و الأولياء، فأنت كفرتهم إن كنت شاعرًا بذلك و إن كنت غير شاعر، فها أنت يا ألباني قد باينت مباينة بعيدة عن أهل الحديث الذين تدعي أنت أنك منهم و تعتز بهم، و لقد تبيَّن أنك عدوهم و عدو الفقهاء و العبَّاد و الزهاد و الصوفيين المتحققين و بهذا تبين أنك و طائفتك الوهابية شاذون عن السلف و الخلف فلا يجوز تسميتكم سلفية كما سميتم أنفسكم.
و قد وصف عبد المنعم مصطفى حليمة الألباني في أثناء ردّه عليه بقوله (24) إنه جهمي جلد و هو موافقه في عقيدة التجسيم لكنه لما انحرف انحرافات لا تقول بها فرقته الذين منهم هذا الرادّ عليه وصفه بأنه جهمي أي يوافق الجهمية في بعض غقائدها.
————————————————————————–
(1)- انظر كتابه المسمى” قيام رمضان” (ص/22).
(2)- فتاوى الألباني (ص/315).
(3)- أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الوتر: باب ما جاء في الوتر.
(4)- أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب صلاة التراويح: باب فضل من قام رمضان.
(5)- رواه ابن المنذر في الآوسط (5/184)، و البيهقي في السنن الكبرى (3/31-32).
(6)- أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الوتر: باب ما جاء في الوتر.
(7)- سبق تخريجه.
(8)- طرح التثريب في شرح التقريب (3/98).
(9)- سنن البيهقي (2/496).
(10)- أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب صلاة التراويح: باب فضل من قام رمضان.
(11)- الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان (4/135).
(12)- الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان (4/135).
(13)- الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان (4/ 136-137).
(14)- الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان (4/138).
(15)- الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان (4/138).
(16)- أخذه اللحم معناه ثَقُلَ عليه لحم بدنه.
(17)- الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان (4/141).
(18)- أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب المسافرين: باب صلاة النبي صلى الله عليه و سلم و دعائه بالليل، و ابن المنذر في الأوسط (5/157)، و ابن خزيمة في صحيحه (2/191).
(19)- أخرجه البخاري في صحيحه: أبواب تقصير الصلاة: باب كيف كان صلاة النبي صلى الله عليه و سلم و كم كان النبي صلى الله عليه و سلم يصلي من الليل.
(20)- تلخيص الحبير (2/14-15).
(21)-تلخيص الحبير (2/15).
(22)- أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الوتر: باب ما جاء في الوتر.
(23)- العلل و معرفة الرجال (2/492)
(24)- انظر كتابه المسمى ” الانتصار لأهل التوحيد و الرد على من جادل عن الطواغيت ” (ص/14).
———————————————
الفصل التاسع عشر يدعي الألباني أن قيام اليل بأكثر من إحدى عشر ركعة بدعة و يرى أن هذا ليس بطاعة
و من أعجب شذوذ الألباني ما ادعاه في فتاويه بقوله (1): “… ثم ما هي البدعة، البدعة فيما تذهبون إليه من قوله عليه السلام:” كل بدعة ضلالة و كل ضلالة في النار ” ما هي البدعة؟ أليس هي الزيادة على ما جاء به الرسول صلى الله عليه و سلم من طاعة و عبادة؟! إن كان كذلك فإن الجواب الذي قلته ءانفًا بأن الأصل في العبادات المنع إلا لنص” اهـ، ثم قال: ” فأنا أقول إن عجبي يكاد لا ينتهي من مثل هذا القول، أصلاة مائة ركعة طاعة أم غير طاعة؟ إن كانت طاعة كيف غفل عنها رسول الله؟ لماذا لم يسن و لو مرة واحدة في حياته؟ هل صلى مائة ركعة مرة واحدة في هذه الفترة الطويلة جدًّا ؟!” اهـ.
الرد: هذا القول يرده الحديث الذي صححه ابن حبان و وافقه عليه الحافظ ابن حجر (2): ” الصلاة خير موضوع فمن شاء استكثر و من شاء استقل “، و حديث البخاري
و مسلم (3):” صلاة الليل مثنى مثنى ” فيه ترك التحديد بعدد فيشمل سبع ركعات و تسعًا و إحدى عشرة و ثلاثة عشر إلى عشرين إلى أربعين إلى مائة إلى أكثر من ذلك كل هذا شىء موافق، و ليس الرسول فعل كل ما رغّضب فيه، فظنك أن أي عمل من أعمال الدين لم يفعله الرسول بعينه باطل جهل منك فالله تبارك و تعالى قال:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً (41)} [ سورة الأحزاب ] فيشمل العشرة و المائة و الألف و الألفين و ما فوق ذلك مع أنه لم يُنقل عن الرسول في الأحاديث الواردة أنه كان يستغفر مائتي استغفارًا أو الفًا غنما الوارد عنه أنه قال (4):” إني لأستغفر الله في اليوم و الليلة مائة مرة “، و قال (5):” رب اغفر لي و تب على إنك أنت التواب الرحيم ” مائة مرة، فهل يفهم من هذا و أمثاله أنه لا يجوز الزيادة على هذا القدر ما أجهلك يا الباني و ما أجرأك على الكذب على الله و الرسول، أليس ثبت عن أبي هريرة أنه كان يسبح اثنتي عشرة ألف تسبيحة
كل يوم و يقول: ” أسبح بقدر ذنبي “، إلى متى يا رجل تهدم الحق و تبني الباطل، فعلى قولك أبو هريرة عصى الله، و اهل المدينة الذين كانوا يقومون في رمضان بستة و ثلاثين ركعة ضالون على زعمك خاب سعيهم و ضل و أتعبوا انفسهم فيما هو معصية لله، و حديث أبي هريرة رواه ابن سعد و صححه الحافظ ابن حجر (6).
(1)- فتاوى الألباني (ص/315-316).
(2)- انظر الإحسان بترتيب ابن حبان (1/287)، فتح الباري (2/479).
(3)- أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الوتر: باب ما جاء في الوتر، و مسلم في صحيحه: كتاب صلاة المسافرين و قصرها: باب صلاة الليل مثنى مثنى.
(4)- أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الذكر و الدعاء: باب استحباب اإستغفار و الاستكثار منه.
(5)- سنن اب داود: كتاب الصلاة: باب في الاستغفار.
(6)- افصابة في تمييز الصحابة (4/209).
———————————————
الفصل العشرون الألباني يمنع سنة الجمعة القبلية قبل الجمعة و بعد الأذان بحجة أنها بدعة
الجواب: ذكر الحافظ زين الدين العراقي في شرح الترمذي أن الخلعي روى في فوائده عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه و سلم صلى قبل الجمعة أربعًا و بعدها اربعًا و إسناده جيد كما ذكر الحافظ ولي الدين العراقي (1). و خالف الألباني في هذه المسألة الأحاديث الصحيحة فمنع الصلاة قبل الجمعة بحجة أنها بدعة و أنها خلاف السنة حيث قال (2):” و إن قصد الصلاة بين الأذان المشروع و الأذان المحدث تلك التي يسمونها سنة الجمعة القبلية فلا أصل لها في السنة و لم يقل بها أحد من الصحابة و الئمة ” اهـ.
قال الحافظ ابن حجر في تلخيص الحبير (3):” فائدة: لم يذكر الرافعي في سنة الجمعة التي قبلها حديثًا و اصح ما فيه ما رواه ابن ماجه عن داود بن رشيد عن حفص بن
غياث عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة و عن أبي سفيان عن جابر قالا: جاء سُلَيْك الغَطَفاني و رسول الله صلى الله عليه و سلم يخطب فقال له:” أصليت ركعتين قبل أن تجيء “؟ قال: لا، قال:” فصل ركعتين و تجَوَّز فيهما ”. قال المجد بن تيمية في المنتقى: قوله: ” قبل أن تجيء” دليل على أنهما سنة الجمعة التي قبلها لا تحية المسجد و تعقبه المزي بأن الصواب: أصليت ركعتين قبل أن تجلس؟ فَصحَّفه بعض الرواة، و في ابن ماجه عن ابن عباس:” كان النبي صلى الله عليه و سلم يركع قبل الجمعة أربع ركعات لا يفصل بينهن بشىء” و إسناده ضعيف جدًا، و في الباب عن ابن مسعود و علي في الطبراني الأوسط”. اهـ.
قال الحافظ ولي الدين العراقي عن الحديث الذي رواه ابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه (4):” رواه ابن ماجه في سننه بإسناد صحيح “اهـ، و قال عن حديث جابر الذي رواه ابن ماجه أيضًا (5):” قال والدي – يعني الحافظ عبد الرحيم العراقي – رحمه الله في شرح الترمذي: و إسناده صحيح” اهـ.
و قال الحافظ ابن حجر (6):” و ورد في سنة الجمعة التي قبلها أحاديث أخرى ضعيفة منها عن أبي هريرة رواه البزاربلفظ:” كان يصلي قبل الجمعة ركعتين و بعدها أربعًا”، و في سنده ضعف” اهـ . ثم قال (7):” و عن ابن مسعود عند الطبراني أيضًا مثله و في إسناده ضعف و انقطاع و رواه عبد الرزاق عن ابن مسعود موقوفًا و هو الصواب و روى ابن سعد عن صفية زوج النبي صلى الله عليه و سلم موقوفًا نحو حديث أبي هريرة” اهـ.
أما حديث ابن مسعود الموقوف فقد رواه عبد الرزاق (8) في مصنفه عن معمر عن قتادة:” أن ابن مسعود رضي الله عنه كان يصلي قبل الجمعة أربع ركعات و بعدها أربع ركعات” صححه الحافظ ابن حجر (9) و روى ابن أبي شيبة (10) أن ابن مسعود كان يصلي قبل الجمعة أرعًا و أخرج عبد الرزاق (11) أيضًا أن ابن مسعود كان يأمر بأن يُصلى قبل الجمعة أربعًا، قال الحافظ ابن حجر (12): ” و رواته ثقات” اهـ.
و روى ابو داود و ابن حبان و غيرهما (13) عن نافع قال:” كان ابن عمر يطيل الصلاة قبل الجمعة و يصلي بعدها ركعتين في بيته، و يحدث أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يفعل ذلك” و روى ابن سعد في الطبقات (14) عن يزيد بن هارون عن حماد بن سلمة عن صافية سمعها و هي تقول:” رأيت صفية بنت حيي صلت اربعًا قبل خروج الإمام و صلت الجمعة مع الإمام ركعتين”.
و روى ابن أبي شيبة (15) عن أبي مجلز أنه كان يصلي في بيته ركعتين يوم الجمعة و عن عبد الله بن طاوس عن أبيه أنه كان لا يأتي المسجد يوم الجمعة حتى يصلي في بيته ركعتين و عن الأعمش عن إبراهيم قال: كانوا يصلون قبلها أي الجمعة أربعًا.
و قد ورد عن ابن عمر ” أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يصلي قبل الظهر ركعتين و بعدها ركعتين و بعد المغرب ركعتين في بيته و بعد العشاء ركعتين و كان لا يصلي بعد الجمعة حتى
ينصرف فيصلي ركعتين”… الحديث رواه البخاري في صحيحه تحت باب الصلاة بعد الجمعة و قبلها قال الحافظ ابن حجر (16):” و لم يذكر شيئًا في الصلاة قبلها يعني الجمعة قال ابن المنيِّر في الحاشية: كأنه يقول الأصل استواء الظهر و الجمعة حتى يدل دليل على خلافه لأن الجمعة بدل الظهر قال: و كانت عنايته بحكم الصلاة بعدها أكثر و لذلك قدمه في الترجمة على خلاف العادة في تقديم القبل على البعد”.اهـ، ثم قال:” و قال ابن التين: لم يقع ذكر الصلاة قبل الجمعة في هذا الحديث فلعل البخاري أراد إثباتها قياسًا على الظهر انتهى، و قوَّاه الزين ابن المنير بأنه قصد التسوية بين الإمام و المأمومفي الحكم و ذلك يقتضي أن النافلة لهما سواء. انتهى، و الذي يظهر أن البخاري أشار إلى ما وقع في بعض طرق حديث الباب و هو ما رواه أبو داود و ابن حبان من طريق أيوب عن نافع قال: كان ابن عمر يطيل الصلاة قبل الجمعة و يصلي بعدها ركعتين في بيته و يحدث أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يفعل ذلك اححتج به النووي في الخلاصة على إثبات سنة الجمعة التي قبلها” اهـ.
قال الزيلعلي (17): ” و لم يذكر الشيخ محيي الدين النووي في الباب غير حديث عبد الله بن مغفل أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: ” بين كل أذانين صلاة ” أخرجه البخاري و مسلم (18) ذكره في كتاب الصلاة و ذكر أيضًا حديث نافع قال: كان ابن عمر يطيل الصلاة قبل الجمعة و يصلي بعدها ركعتين في بيته و يحدث أن رسول الله صلى الله عليه و سلم يفعل ذلك اهـ. قال: رواه أبو داود بسند على شرط البخاري انتهى، و سنة الجمعة ذكرها صاحب الكتاب- في الاعتكاف- فقال: السنة قبل الجمعة أربع و بعدها أربع و أشار إليها في إدراك الفريضة فقال: و لو أقيمت و هو في الظهر أو الجمعة فإنه يقطع على رأس الركعتين و قيل: يتمها ” اهـ.
قال الحافظ ابن حجر (19): ” و اقوى ما يتمسك به في مشروعية ركعتين قبل الجمعة عموم ما صححه ابن حبان (20) من حديث عبد الله بن الزبير مرفوعًا:” ما من صلاة مفروضة إلا و بين يديها ركعتان ” و مثله (21) حديث عبد الله بن مغفل
الماضي في وقت المغرب:” بين كل أذانين صلاة ” اهـ.
قال ابن العربي المالكي في شرح الترمذي (22):” و أما الصلاة قبلها يعني الجمعة فإنه جائز ” اهـ.
قال ابو عبد الرحمن شرف الحق العظيم ءابادي (23) ما نصه:” و الحديث- أي حديث ابن عمر المتقدم- يدل على مشروعية الصلاة قبل الجمعة و لم يتمسك المانع من ذلك إلا بحديث النهي عن الصلاة وقت الزوال و هو مع كون عمومه مخصصًا بيوم الجمعة ليس فيه ما يدل على المنع من الصلاة قبل الجمعة على الإطلاق و غاية ما فيه المنع في وقت الزوال و هو غير محل النزاع و الحاصل أن الصلاة قبل الجمعة مرغب فيها عمومًا”، ثم قال (24):” قلت: حديث ابن عمر الذي شرحه قال النووي في الخلاصة: صحيح على شرط البخاري و قال العراقي في شرح الترمذي: إسناده صحيح لا جرم و اخرجه ابن حبان في صحيحه” اهـ.
و يكفي في مشروعية ركعتين قبل الجمعة فعل الصحابي الجليل ابن مسعود و ابن عمر و أم المؤمنين صفية بنت حيي
رضي الله عنهم و فعل أبي مجلز و هو لاحق بن حميد تابعي جليل و طاوس بن كيسان اليماني أحد أكابر تلاميذ ابن عباس رضي الله عنهم و من سادات التابعين و ثقاتهم و إبراهيم بن يزيد النخعي و هو تابعي ثقة و مفتي أهل الكوفة في زمانه و إقرار سفيان الثوري و ابن المبارك اللذين هما من أكابر العلماء العاملين و يكفي تصحيح الحافظ الثقة الثبت الزين العراقي شيخ الحافظ ابن حجر العسقلاني للحديث و غيرُه.
و في ختام ردنا نوجه كلمة لناصر اللباني نقول له فيها: لقد خالفت في هذا زعيمك الحراني الذي تسميه شيخ الإسلام فقد أجاز صلاة النافلة قبل الجمعة فقال:” من فعل ذلك ذلك لم يُنكر عليه”، كما نقل عنه صاحب الإنصاف” الحنبلي (25).
و لقد تبين من هذا الرد المختصر مشروعية صلاة النافلة قبل صلاة الجمعة من أقوال أهل العلم و المعرفة و بهذا نكون قد فندنا قول الألباني:” إن سنة الجمعة القبلية لا اصل لها في السنة الصحيحة و إنه لم يقل أحد من الأئمة بها بل هو أمر محدث”.
و تبين بذلك التذبذب و الاختلاف بين الألباني و زعيمه الحرَّاني ابن تيمية.
—————————————-
(1)- طرح التثريب في شرح التقريب (3/42).
(2)- انظر كتابه المسمى الأجوبة النافعة (ص/41).
(3)- تلخيص الحبير (2/74).
(4)- طرح التثريب في شرح التقريب (3/42).
(5)- المرجع السابق.
(6)- فتح الباري (2/426).
(7)- المرجع السابق.
(8)- مصنف عبد الرزاق (3/247).
(9)- تلخيص الحبير (2/74).
(10)- مصنف ابن أبي شيبة (1/463).
(11)- مصنف عبد الرزاق (2/247).
(12)- الدراية في تخريج أحاديث الهداية (ص/ 218).
(13)- أخرجه أبو داود في سننه: كتاب الصلاة: باب الصلاة بعد الجمعة، و ابن حبان في صحيحه انظر الإحسان (4/84)، و ابن خزيمة في صحيحه (3/168)، و أحمد في مسنده (2/103).
(14)- طبقات ابن سعد (8/491).
(15)- مصنف ابن أبي شيبة (1/463).
(16)- فتح الباري (2/426).
(17)- نصب الراية لأحاديث الهداية (2/207).
(18)- أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الأذان: باب بين كل أذانين صلاة، و مسلم في صحيحه: كتاب صلاة المسافرين و قصرها: باب بين كل أذانين صلاة.
(19)- فتح الباري(2/426).
(20)- أخرجه ابن حبان في صحيحه انظر الإحسان (4/77-78).
(21)- انظر الإحسان بترتيب ابن حبان (2/48-49، 7/523).
(22)- شرح الترمذي (2/312).
(23)- عون المعبود على سنن أبي داود (1/438).
(24)- عون المعبود على سنن أبي داود (1/439).
(25)- الإنصاف (2/406).
———————————————
عجيبة للالباني
قال في فتاويه (1):” يحرم إسبال اللحية فوق القبضة كما يحرم إحداث أي بدعة في الدين ” انتهت عبارته.
الرد: هذه الفتوى شاذة شذ بها عن علماء الإسلام فإن علماء الإسلام على زجهين منهم من قال: اللحية تترك كما هي لا يؤخذ منها، و منهم من قال يؤخذ من طولها و من عرضها القول الأول قاله النووي و الثاني الإمام الحسن البصري رضي الله عنه و من أين للألباني أن يقول إن ما زاد على القبضة حرام و ليس له حجةٌ يحتج بها من حديث فيه أن الرسول قال ذلك أو أنه عليه الصلاة و السلام قبض على لحيته فقصَّ ما زاد على ذلك و من أين له أن يقول إن لحيته خِلقةً ما زادت على ذلك فهل أخذ هذه من أوهام منامية أم كيف ذلك؟!
و نسأل الله تعالى أن يلهمنا السهر على حفظ شريعة رسول الله صلى الله عليه و سلم و نسأله أن يرزقنا العلم و العمل به و الله سبحانه و تعالى أعلم و أحكم و الحمد لله رب العالمين و صلى الله على محمد و على ءاله الأطهار و صحابته الأخيار.
(1)- انظر فتاوى الألباني (ص/53).