الرد على من سمى الله علة
من المؤسف في هذا العصر أن يقرر في بعض المعاهد كتاب “كبرى اليقينيات الكونية” لمحمد سعيد رمضان البوطي على أنه كتاب مادة العقيدة الإسلامية، مع ما فيه من مخالفات للعقيدة الإسلامية شنيعة. فإن فيه عقيدة الحلول والاعتزال وفلاسفة اليونان، على أنها العقيدة الإسلامية من دون أن ينسبها إلى الفرق المنحرفة.
ومن أشنع عباراته تسميته الله تعالى بالعلة فقد ذكر في هذا الكتاب بعد كلام ما نصه: “إلى أن تنتهي بك هذه العلل الكثيرة المختلفة إلى العلة الوحيدة الكبرى الكامنة خلف ما قد رأيت أي إلى واجب الوجود وهو الله عز وجل” اهـ.
ويقول في (ص/87) من نفس الكتاب: “فما هي العلة التي أوجدته وأنهضته من ظلمات اللاشيء فوضعته في أول مدارج الوجود” اهـ
وفي (ص/77) منه يصرح أن الله منبع وأصل وأن العالم تفرع منه فيقول: “وبتعبير آخر نقول إن ما تراه من حقائق الكون كلها إنما هو فيض من حقيقة واحدة ألا وهي ذات الله، ومن المحال أن تدرك ماهية الحقائق الصغرى قبل أن تدرك منبعها وأصلها الأول” اهـ
وفي (ص/ 174) من نفس المصدر يسمي الله الواسطة فيقول: “بل إنه الواسطة الأولى والأخيرة وهو خالق الأسباب والمسببات” اهـ
كيف يذكر هذا في كتاب يوهم الناس به أنه العقيدة الصحيحة حيث سماه “كبرى اليقينيات الكونية” هذا غش كبير للأمة.
وتسمية الله بالمصدر والمنبع كفر صريح. الله ليس أصلا للعالم بل هو كما وصف نفسه ﴿قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد﴾ ليس أصلا لغيره ولا هو فرع عن غيره. أي مناسبة بين الله وبين العالم حتى يسميه مصدرا أو منبعا، لا حول ولا قوة إلا بالله.
وقد كفَّر من يسمي الله علة الشيخُ عبد الغني النابلسي في كتابه “أسرار الشريعة أو الفتح الرباني والفيض الرحماني (ص/169) (طبع دار الباز للنشر والتوزيع، عباس أحمد الباز، مكة المكرمة)” وهذه عبارته: “ويتفرع من كفر النصارى أيضا كفر حكماء اليونان الذين يسمون بالفلاسفة حيث يعتقدون أن الله تعالى هو علة العلل، وينسبون إليه إيجاد جميع الأشياء بطريق التعليل، فهم مشبهة معطلة يعتقدون قدم العالم بالهيولى والصورة على حسب اصطلاحهم الخبيث” اهـ
والشيخ النابلسي رحمه الله وافق من قبله من أهل العلم كالإمام ركن الإسلام علي السُّغدي الذي كفر من سمى الله تعالى سببًا أو علة كما في كتاب “النتف في الفتاوى”، والمفسر أبي البركات النسفي في تفسير قوله تعالى: ﴿ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه﴾ [سورة الأعراف] حيث قال ما نصه: “ومن الإلحاد تسميته بالجسم والجوهر والعقل والعلة”.
ووافق الشيخ عبد الغني ما تقرر عند أهل السنة الأشاعرة والماتريدية أن أسماء الله توقيفية.
فقد قال الإمام أبو المعين النسفي وهو من علماء الماتريدية في كتابه “تبصرة الأدلة في أصول الدين” (ص 138-139)، (مطبعة الجفان والجابي، دمشق وقبرص) ما نصه:
“وهو أن ننتهي في أسماء الله إلى ما أنهانا إليه الشرع ألا ترى أنَا لا نسميه صحيحا وإن كانت الآفات والأسقام عنه منتفية ولا طبيبا وإن كان عالما بالأدواء والعلل والأدوية الموضوعة لها ولا فقيها وإن كان عالما بالأحكام بما لها من المعاني”.
وقبله ذكر إمام أهل السنة أبو الحسن الأشعري فيما نقله عنه ابن فورك في “مجرد مقالات الأشعري”: (لا يجوز إطلاق شيء على الله إلا ما ورد في الكتاب والسنة والإجماع). قال: (لا يسمى الله مستطيعا وإن كان معناه القادر لعدم وروده ولا يجوز تسميته فقيها وفاهما لعدم الورود وإن كان معناه العالم)اهـ.
ومثل هذه النصوص كثير لا تخفى على من له أدنى اطلاع في كتب عقائد أهل السنة. ولكن يبدو أن مصنف الكتاب المذكور الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي لم يطلع عليها، أو أنه لا يوافقها. فإن كان الأمر هكذا لماذا يقرر كتابه باسم العقيدة الإسلامية وهو ضد العقيدة الإسلامية.
هل يقبل البوطي أن يسميه أحد مرضا أو علة كيف يقبل أن يطلق هذا الاسم على الله سبحانه.
من حيث اللغة العلة معناها المرض وتسمية الله بهذه الكلمة كفر. ومن حيث اصطلاح الفلاسفة فهو ضد دين الله. فعلى كلتا الحالتين كلامه هذا لا مخرج له إلا الكفر.
وقد كان المحدث الشيخ عبد الله الهرري قبل أربعين عاما لما كان في دمشق اطلع في كتابه “كبرى اليقينيات” على عبارته أن الله أصل للعالم ومصدر للعالم. فأنكر عليه وقال له غيِّرها. فأظهر الموافقة ووعد بالتغيير في الطبعة الجديدة للكتاب، ولكنه أخلف بالوعد ولم يغير، فقد طبع الكتاب أكثر من تسع مرات ولم تغيَّر العبارة.
الحقيقة التي تدل عليها أفعاله ومؤلفاته أن هذا الرجل ضد أهل السنة يسوق من اتبع كلامه إلى الكفر من حيث لا يشعر فلتحذر مؤلفاته. فإن كان ولا بد من أن يقرر كتابه للطلاب فليقرر على أنه مثال عن الكتب التي ألفت ضد الدين باسم الدين. وهذا بعد أن يمكَّن الطالب من عقيدة أهل السنة الأشاعرة والماتريدية صيانة له.