ءاه ليس من أسماء الله
الحمدلله الموجود أزلا وأبدا بلا مكان المنزه عن الحدود والجسم والشكل مهما تصورت ببالك فالله بخلاف ذلك والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه الاتقياء
ان الله وصف نفسه بأن له الأسماء الدالة على الكمال فقال عزَّ وجلَّ:{وَللهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ} [سورة الأعراف/180]،
وقال تعالى:{أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى} [سورة الإسراء/110]،
وقال تعالى:{هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ﴿22﴾ هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴿23﴾
هُوَ اللهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴿24﴾} [سورة الحشر]،
والحسنى أي الدالة على الكمال، فلا يجوز أن يكون اسم من أسماء الله تعالى دالا على خلاف الكمال، فلذلك لا يجوز تسمية الله بـ “ءاه” لأنه يدل على العجز والشكاية والتوجع وما كان كذلك يستحيل أن يكون اسمًا لله تعالى.
قال الحافظ اللغوي محمد مرتضى الزبيدي في “شرح القاموس” بعد أن عَدَّ من ألفاظ الأنين :”أوَّه، وءاهِ، وأوّهِ، وأوّ، وءَاوُوه، وءاهٍ، وأَوّتاه، وءاويّاه”، ثم قال :”فهن اثنتان وعشرون لغة، كل ذلك كلمة تقال عند الشكاية أو التوجع والتحزن” اهـ.
ولم يرد في حديث صحيح ولا حسن أن ءاه اسم من أسماء الله تعالى، وإنما الذي ورد ما رواه الديلمي في “مسند الفردوس” والرافعي في “تاريخ قزوين” أن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندنا مريض يئن فقلنا له :اسكت فقد جاء النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي :”دعوه يئن، فإن الأنين اسم من أسماء الله تعالى يستريح إليه العليل”، وهو حديث موضوع أي مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد حكم بوضعه الحافظ أحمد بن الصديق الغُماري في كتابه “المغير على الجامع الصغير” فقال ما نصه :”أخرجه أيضًا الديلمي من طريق الطبراني وفيه محمد بن أيوب بن سويد الرملي وهو متهم بوضع الحديث” اهـ، وأفرد له رسالة مستقلة في بيان وضعه.
وقال الحافظ الغماري في كتابه “المداوي لعلل المناوي” ما نصه :”محمد بن أيوب بن سويد قال ابن حبان: لا تحل الرواية عنه ولا الاحتجاج به يروي عن أبي الأشياء الموضوعة كان أبو زرعة يقول: رأيته أدخل في كتب أبيه أشياء موضوعة بخط طري وكان يحدث بها اهـ، فالحديث موضوع” انتهى كلام الغماري.
وقال المناوي في شرح الجامع الصغير ما نصه :”لكن هذا لم يرد في حديث صحيح ولا حسن وأسماؤه تعالى توقيفية” اهـ.
قال الحافظ السيوطي في ألفيته:
وخذه حيث حافظ عليه نص * أو من مصنف بجمعه يُخص
قال عصريّنا المحدث عبد الله الغماري المغربي ما نصه :”وهذا الحديث رواه الرافعي في تاريخ قزوين والديلمي في مسند الفردوس عن عائشة بإسناد فيه راو كذاب، فهو حديث واه نازل عن درجة الاحتجاج بالمرة.
ولقد غلط العزيزي في شرح الجامع الصغير حيث ادعى أنه حسن لغيره مع أن عمدته في التصحيح والتحسين غالبًا ـ وهو المناوي ـ لم يحسنه أصلًا لا في شرحه الكبير ولا الصغير ولا حسنه الحافظ السيوطي الذي هو عمدتهم جميعًا، وكيف يستطيع أن يحسنه وفي سنده كذاب كما ذكرنا” اهـ.
ثم إن علماء اللغة لم يذكر واحد منهم أن واحدًا من ألفاظ الأنين اسم من أسماء الله، وكذا علماء الفقه بل قال بعضهم: إن أنين المريض مكروه، وتعقبه بعضهم وهو النووي وقال: اشتغاله بالذكر أولى، وهي مسئلة مشهورة بين الفقهاء ومع ذلك لم يقل أحد منهم أن “ءاه” من أسماء الله، والعجب كيف أن الذين يعملون بزعمهم حضرة ذِكر عند وقوفهم وقيامهم متماسكين بالأيدي واهتزازهم مع التثني والتكسر اختاروا لفظ “ءاه” من بين تلك الكلمات العديدة!!!
والمذكور في الحديث المكذوب على رسول الله لفظ الأنين وليس لفظ “ءاه”، فمقتضى احتجاجهم بهذا الحديث الموضوع أن يكون لفظ: ءاه، وءاوُوه، وأوّتاه وغيرها من ألفاظ الأنين وهي نحو عشرين ذكرها الحافظ محمد مرتضى الزبيدي شارح القاموس فيلزم على كلامهم أن تكون كل تلك الكلمات اسمًا من أسماء الله ومن تلك الكلمات “ءاوه” و”أوتاه” ولا يذكرون ذلك فكيف اختاروا من بينها “ءاه” وقالوا عنها اسمًا من أسماء الله، وهذا الحديث الموضوع الذي يحتجون به لم ينص على لفظ من ألفاظ الأنين التي هي اثنتان وعشرون كلمة، فما هذا التحكم؟! فبأي حجة اختاروا “ءاه” من بين تلك الكلمات، فليس لهم مستند إلا الهوى، فتبين أن مستندهم أوهى من بيت العنكبوت.
ويرد على هؤلاء أيضًا بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :”إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب، فإذا تثاءب أحدُكم فلا يقل: ءاه، ءاه، فإن الشيطان يضحك منه”، أو قال :”يلعب منه” رواه الترمذي، والحافظ المجتهد ابن المنذر وابن خزيمة واللفظ له.
ويكفي دليلاً أيضًا على عدم كونه اسمًا لله اتفاق الفقهاء من أهل المذاهب الأربعة على أن الأنين يبطل الصلاة.
ًوقد أفتى شيخ الأزهر الشيخ سليم البشري المالكي (ت 1335هـ) بتحريم الذكر بهذا اللفظ وحضور المجلس الذي يذكر فيه هذا اللفظ على الوجه المتعارف عندهم.
وقد ظن بعض جهلة المتصوفة أن معنى “أواه” في قوله عزَّ وجلَّ:{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ} [سورة التوبة/114] أن إبراهيم كان يذكر بآه وهذا غير صحيح، فإن الأواه من يُظهر خشية الله تعالى كما ذكر الراغب الأصفهاني في المفردات، وقد صح عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: “الأواه: الرحيم” رواه ابن أبي حاتم بإسناد حسن.
فعلم من ذلك أنه لا يجوز الذِّكر بلفظ “ءاه”، فمن أراد أن يذكر الله تعالى فليذكره بما هو ثابت في القرءان والسنة النبوية الشريفة، قال الله تعالى:{وَللهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ} [سورة الأعراف/180].
تنبيه: قال الإمام أبو الحسن الأشعري رضي الله عنه :”لا يجوز تسمية الله إلا بما ورد في الكتاب وسنة الصحيحة” اهـ، وقال أبو بكر الباقلاني تلميذ تلميذ الأشعري :”ما أطلق الله على نفسه أطلقناه عليه وما لا فلا” اهـ.
وهذا ليس من الطريقة الشاذلية بل شىء أحدثه شاذلية فاس كما قال شيخ الشاذلية في المدينة المنورة الشيخ ظافر المدني رحمه الله تعالى في رسالة له فقال :”إن الاشتغال بآه من فعل شاذلية فاس” اهـ.
فتبين أن الطريقة الشاذلية بريئة من هذا، ومن نسبه إلى الشيخ أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه فقد افترى عليه، وقد قال بعض هؤلاء من أهل دمشق إن “ءاه” أقرب للفتوح من “الله”، وءاخر من هؤلاء يقول لما يقيمون هذه الحضرة :”اليوم حصل تجلي” وهو عاق الوالدين ووالده كان وليًّا، كان يقول لوالده :”أُكَسِّر رأسك”، فمن أين لهذا المدعي وأمثاله التجلي وهذا ينطبق عليه قول الشاعر:
فساد كبير عالم متهتك * وأكبر منه جاهل متنسك
والله تعالى أعلم وأحكم