أدلة شرعية على جواز التبرك بالأنبياء والصالحين وءاثارهم
فيما يلي بعض اللُّمع التي يُستدل بها على جواز التبرك بالأنياء والصالحين وءاثارهم:
1- الحجر الأسود لذاته حجر مبارك، أصلُه من الجنة، أُهبط مع ءادم عليه السلام، لا يخلق نفعًا ولا ضرًا لأحد، غير أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما قبّله أصبح الناس يقبّلونه في كل شوط في الطواف، وكانوا ومازالوا إذا ما عجزوا عن تقبيله قبّلوا ما يُشيرون به إليه، وإن كان عصًا أو حديدًا أو يدًا.
2- يماثل الحجر الأسود ذات البيت المبارك، أي الكعبة، فهو من حيث ذاته بناء كباقي الأبنية ولكن الله عظّمه: {إنّ أوّل بيتٍ وُضع للنّاس للذي بِبكة مباركًا}(سورة ءال عمران) حتى سمت درجته على باقي البيوت، وتميّز على سائر الأمكنة، وصار الناس يطوفون حوله ويتّخذونه قبلة التزامًا بأمر الله.
3- مقام سيدنا إبراهيم عليه السلام هو كذلك حجر أصله من الجنة، أُهبط مع ءادم عليه السلام، فيه يظهر قدم إبراهيم عليه السلام في الصخرة الصماء، ولولا أنّ المولى عزّوجل أمر باتّخاذه مُصلى وعظّمه بقوله: {فيه ءاياتٌ بيّناتٌ مقامُ إبراهيم} (سورة ءال عمران) لما صلّينا خلفه ولا عظّمناه ذلك التعظيم.
فإذا كان هذا في الحجر الذي وقف عليه إبراهيم عليه السلام، فكيف بمكان سجود سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؟
4- صلى رسول الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء والمعراج في بيت لحم حيث وُلد عيسى عليه السلام. والموضع الذي وُلد فيه النبي محمد أو صلّى فيه وكذلك قبره الشريف أعظم بركة من باب أولى ولا شك.
5- قال الله تعالى: {سبحن الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله} (سورة الإسراء).
6- قال الله تعالى: {إنك بالوادِ المُقدّس طوى}(سورة طه)
7- قال الله تعالى: { إن الصفا والمروة من شعائر الله} (سورة البقرة).
8- تعظيم القرءان لشأن عصا موسى عليه السلام.
9- قميص يوسف عليه السلام، قال الله تعالى إخبارًا عن يوسف عليه السلام:
{اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأتِ بصيرًا} إلى قوله: {فلمّا أن جاء البشير ألقاه على وجهه فارتدّ بصيرًا} (سورة يوسف)
فإذا كانت هذه البركة العظيمة والشفاء الكبير ليعقوب عليه السلام حصل بإلقاء قميص سيدنا يوسف عليه السلام على وجهه، لأن هذا القميص مسّ جسد يوسف عليه السلام، فكيف بقميص نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم، وما كان من ءاثاره الشريفة، أو شعره المبارك، فهو بلا شك أكبر بركة واعظم فائدة، لأن شعره الشريف خرج من جسده صلى الله عليه وسلم، والنبي صلى الله عليه وسلم كله بركة بلا شك، وهذا دليل من القرءان على حصول الشفاء وذهاب الأمراض الشديدة بآثار الأنبياء والصالحين بإذن الله.
10- تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم لقدر ماء زمزم.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ماء زمزم لما شُرب له”
وقد أطبقت واجمعت الأمة على جواز التبرك بها،والدعاء عند التبرك بها. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من شذّ شذّ إلى النار” رواه الترمذي عن ابن عمر رضي الله عنهما.
ومما يؤكّد على استجابة الدعاء في الأماكن الفاضلة ما قاله الإمام الحسن البصري رحمه الله في رسالته المشهورة إلى أهل مكة: إن الدعاء يُستجاب هناك في خمسة عشر موضعًا: في الطواف، وعند الملتزم، وتحت الميزاب، وفي البيت، وعند زمزم، وعلى الصفا والمروة، وفي السعي، وخلف المقام، وفي عرفة، وفي المزدلفة، وفي مِنى، وعند الجمرات الثلاث.
وقد ذكر الإمام شمس الدين محمد بن محمد الجزري في كتابه ((عدة الحصن الحصين)) أماكن لإجابة الدعاء: عند رؤية الكعبة، وفي المساجد الثلاثة، وفي الطواف، وعند الملتزم، وفي داخلها، وفي البيت، وعند زمزم، وعلى الصفا والمروة، وفي المسعى، وخلف المقام، وفي عرفات، والمزدلفة، ومِنى، وعند الجمرات الثلاث، وعند قبور الأنبياء، وجُرّبت استجابة الدعاء عند قبور الصالحين.
11- قال الحافظ ابن عساكر: ذكر الخطيب بن حملة أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يضع يده اليمنى على القبر الشريف، وأن بلالا رضي الله عنه وضع خدّيه عليه أيضًا.
12- في عمدة القاري شرح صحيح البخاري للعيني: (( وقد رُوينا عن الإمام أحمد أنه غسل قميصًا للشافعي وشرب الماء الذي غسله به، وغذا كان هذا تعظيمه لأهل العلم، فكيف بمقادير الصحابة؟ وكيف بآثار الأنبياء عليهم الصلاة والسلام؟)).
13- قال المحب الطبري: “ويمكن أن يستنبط من تقبيل الحجر واستلام الأركان جواز تقبيل ما في تقبيله تعظيم الله تعالى، فإنه إن لم يرِد فيه خبرٌ بالندب لم يرِد بالكراهة، قال: وقد رأيت بعض تعاليق جدي محمد بن أبي بكر عن الإمام أبي عبد الله محمد ابن أبي الصيف أن بعضهم كان غذا رأى المصاحف قبّلها، وإذا رأى أجزاء الحديث قبّلها، وإذا رأى قبور الصالحين قبّلها، قال: ولا يبعد هذا – والله أعلم – في كل ما فيه تعظيم لله تعالى” ا.هـ.
14- أخرج البخاري في صحيحه بإسناده إلى سهل بن سعد رضي الله عنه قال: “جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ببُردة، فقال سهل للقوم: أتدرون ما البُردة؟ فقال القوم: هي شملة، فقال سهل: هي شملة منسوجة فيها حاشيتها، فقالت المرأة: يا رسول الله أكسوك هذه، فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم محتاجًا إليها فلبسها، فرءاها عليه رجل من الصحابة فقال: يا رسول الله ما أحسن هذه فاكسُنيها، فقل: ((نعم)) فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم لامه أصحابه فقالوا: ما أحسنت حين رأيت النبي صلى الله عليه وسلم أخذها محتاجًا إليها ثم سألته إياها، وقد عرفت أنه لا يسأل شيئًا فيمنعه، فقال: رجوت بركتها حين لبسها النبي صلى الله عليه وسلم لعلي أكفن بها.
وقد أخرج البخاري هذا الحديث في الجنائز أيضًا في باب ((من استعد الكفن)) والصحابي هو عبد الرحمن بن عوف، وقيل هو سعد بن أبي وقاص، وكل منهما من العشرة المبشرين بالجنة السابقين في الإسلام.
15- في صحيح مسلم عن عبد الله بن كيسان مولى أسماء بنت أبي بكر قال: أخرجت إلينا جبة طيالسة كسروانية، لها لبنة ديباج وفرجاها مكفوفان بالديباج فقالت: هذه كانت عند عائشة حتى قبضت، فلما قبضت قبضتها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يلبَسُها فنحن نغسلها للمرضى نستشفي بها” ا.هـ.
قال الحافظ النووي في شرحه على صحيح مسلم: وفي هذا الحديث دليلٌ على استحباب التبرك بآثار الصالحين وثيابهم.
16- قال الله تعالى: {وقال لهم نبيّهم إن ءاية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقيّة مما ترك ءال موسى وءال هرون تحمله الملائكة إنّ في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين} (سورة البقرة)
كان بنو إسرائيل يحافظون على التابوت، وهو صندوق التوراة المبارك، وكان من خشب وعليه صفائح الذهب، طوله عدّة اذرع بعرض ذراعين، وقيل إنه أُنزل على سيدنا ءادم عليه السلام، فتناقله أولاد ءادم من الأنبياء حتى وصل إلى موسى عليه السلام، فبقي عنده إلى أن مات، وكان من أمر التابوت أن فيه السكينة وهي روح من خلق الله تتكلم، فكانوا إذا اختلفوا في أمر نطقت وحكمت بينهم، وكانوا إذا حضروا القتال قدّموه بين أيديهم فينشرفي قلوبهم سكينة واطمئنانًا، ويبعث في قلوب أعدائهم هلعًا ورعبًا، تحمله من فوقهم الملائكة أثناء العراك، فإذا سمعوا منه صيحة استيقنوا النصر، وكان فيه بالإضافة إلى السكينة طست من ذهب كانت تُغسل فيه قلوب الأنبياء، ولوحان من التوراة وعصا موسى وهارون وثيابهما وعمامتاهما وشيء وشيء من متاعهما، وذكر أمر التابوت الطبريُّ في تاريخه وأكثرُ المفسرين.
17- كان عبد الله بن عرم رضي الله عنهما يمر بشجرة بين مكة والمدينة كان النبي صلى الله عليه وسلم يستظل في ظلها، فيحمل لها الماء من المكان البعيد حتى يصبه تحتها.
18- قال صاحب غاية المنتهى الشيخ مرعي بن يوسف الحنبلي ما نصه: ((ولا بأس بلمس قبر بيد لا سيما من تُرجى بركته))ا.هـ. وقل الشيخ منصور بن يونس البهوتي الحنبلي في كتابه ((كشّاف القناع عن كتن الإقناع)) في كتاب الجنائز: ((قلت بل قال إبراهيم الحربي: يستحب تقبيل حجرة النبي صلى الله عليه وسلم)).
19- قال الربيع بن سليمان: ((إن الشافعي رضي الله عنه خرج إلى مصر فقال لي: يا ربيع خذ كتابي هذا فامض به، وسلّمه إلى عبد الله، وائتني بالجواب.
قال الربيع: فدخلت بغداد ومعي الكتاب، فصادفت أحمد بن حنبل في صلاة الصبح، فلما انتقل من صلاة المحراب سلّمت إليه الكتاب، وقلت: هذا كتاب أخيك الشافعي من مصر، فقال لي أحمد: نظرتَ فيه؟ فقلت: لا، فكسر الختم وقرأ، وتغرغرت عيناه، فقلت له: أيش فيه يا أبا عبد الله؟ فقال: يذكر فيه أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فقال له: اكتب إلى عبد الله فاقرأ عليه السلام، وقل له: إنك ستُمتحن (…)فلا تجبهم فيرفع الله لك علمًا إلى يوم القيامة، قال الربيع: فقلت له: البشارة يا أبا عبد الله، فخلع أحد قميصيه الذي يلي جلده فأعطانيه، فأخذت الجواب وخرجت إلى مصر، وسلّمته إلى الشافعي رضي الله عنه فقال: أيش الذي أعطاك؟ فقلت: قميصه، فقال الشافعي: ليس نفجعك به، ولكن بُلّه وادفع إليّ الماء لأتبرّك به)).
20- كان سيدنا محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه يقول: ((إني لأتبرك بأبي حنيفة وأجيء إلى قبره في كل يوم (يعني زائرًا) فإذا عرضت لي حاجة صليتُ ركعتين وجئتُ إلى قبره وسألت الله تعالى الحاجة عنده، فما تبعد عني حتى تُقضى)).
21- ذكر الحافظ ابن الجوزي الحنبلي عن عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنهما في ذكر تبركه واستشفائه بالقرءان وماء زمزم وشعر الرسول صلى الله عليه وسلم وقصعته، أنه قال: رأيت أبي يأخذ شعرة من شعر النبي صلى الله عليه وسلم فيضعها على فيه ويقبلها، وأحسب أني رأيته يضعها على عينيه، ويغمسها في الماء ثم يشربه يستشفي به، ورأيته قد أخذ قصعة النبي صلى الله عليه وسلم فغسلها في جُبّ الماء ثم شرب فيها، ورأيته غير مرة يشرب ماء زمزم يستشفي به ويمسح به يديه ووجهه…
(وهذه) فاطمة بنت الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنهما قالت: وقع الحريق في بيت أخي صالح، وكان قد تزوج إلى قوم مياسير، فحملوا إليه جهازًا شبيهًا بأربعة ءالاف دينار، فأكلته النار، فجعل صالح يقول: ما غمّني ما ذهب مني إلا ثوب لأبي كان يصلي فيه، أتبرك به وأصلي فيه. قالت: فطفئ الحريق ودخلوا فوجد الثوب على سرير قد أكلت النار ما حواليه والثوب سليم)).
22- يقول صاحب ((عمدة القاري)): “والجمهور على أنه يستلمه” (أي الحجر الأسود) ثم يقبل يده، وهو قول ابن عمر وابن عباس وأبي هريرة وأبي سعيد وجابر وعطاء بن ابي رباح وابن أبي مليكة وعكرمة بن خالد وسعيد بن جبير ومجاهد وعمرة بن دينار، وهو قول ابي حنيفة والأوزاعي والشافعي وأحمد وروى الحاكم من حديث جابر ((بدأ بالحجر الأسود فاستلمه وفاضت عيناه بالبكاء وقبّله ووضع يده عليه ومسح بهما وجهه)).
وروى النسائي من حديث ابن عباس عنه أنه قبّله ثلاثًا. وعند الحاكم ((وسجد عليه)) وصحح إسناده، وفيه كراهة تقبيل ما لم يرِد الشرع بتقبيله من الأحجار وغيرها. وقال شيخنا زين الدين: ((وأما قول الشافعي: ((ومهما قبّل من البيت فحسن))، فإنه لم يُرد بالحسن مشروعية ذلك بل أراد إباحة ذلك، والمباح من جملة الحسن كما ذكره الأصوليين.
قلت فيه نظر لا يخفى، وقال أيضًا: وأما تقبيل الأماكن الشريفة على قصد التبرك، وكذلك تقبيل أيدي الصالحين وأرجلهم فهو حسن محمود باعتبار القصد والنيّة، وقد سأل أبو هريرة الحسن رضي الله تعالى عنه أن يكشف له المكان الذي قبّله رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو سُرّته فقبّله تبرّكًا بآثاره وذريته صلى الله تعالى عليه وسلم. وقد كان ثابت البناني لا يدع يد أنس رضي الله تعالى عنه حتى يقبّلها ويقول: يدٌ مسّت يد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم)).
23- أخرج ابو بكر بن ابي شيبة وابن أبي عاصم من طريق أبي الخير عن أبي رُهم في حديث عن أبي أيوب أنه قال: قلت يا رسول الله، كنت ترسل إليّ بالطعام فأنظر فأضع أصابعي حيث أرى أثر أصابعك حتى كان هذا الطعام؟ قال: ” نعم إن فيه بصلا فكرهت أن ءاكل من أجل المَلَك أما أنتم فكُلوا”.
24- أخرج البخاري في صحيحه بإسناده إلى الجعيد ابن عبد الرحمن قال سمعت السائب بن يزيد قال: ذهبت بي خالتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن ابن اختي وقع، فمسح رأسي ودعا لي بالبركة، وتوضأ فشربت من وَضوئه…إلخ. ومحل الاستدلال منه قول الصحابي فشربتُ من وَضوئه.
25- أخرج البخاري بإسناده إلى أبي جُحيفة قال: دُفعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالأبطح في قبة كانت بالهاجرة، فخرج بلال فنادى بالصلاة ثم دخل فأخرج فضل وَضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم فوقع الناس عليه يأخذون منه … الحديث. وهذا الحديث أخرجه البخاري أيضًا في كتاب الوضوء في باب استعمال فضل وَضوء النس.
26- أخرج البخاري بإسناده إلى أبي جحيفة قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو في قبة حمراء من أدم (جلد) ورأيت بلالا أخذ وَضوء النبي صلى الله عليه وسلم والناس يبتدرون لوضوء فمن أصاب منه شيئًا تمسح به، ومن لم يُصب منه شيئًا أخذ من بلل يد صاحبه. وهو بمعنى حديث أبي جحيفة السابق، وقد أخرجه البخاري أيضًا في كتاب الصلاة إلى العَنَزَة وباب الستر بمكة.
27- قد صح أنه صلى الله عليه وسلم بصق في الطفل المعتوه، وكان يعتريه الشيطان كل يوم مرتين وقال: “اخرج عدو الله أنا رسولُ الله”. رواه الحاكم في المستدرك كتاب التاريخ.
28- كان لخالد بن الوليد رضي الله عنه قلنسوة وضع في طيّها شعرًا من ناصية رسول الله صلى الله عليه وسلم أي مقدّم رأسه لما حلق في عمرة الجعرانة، وهي أرض بمكة لجهة الطائف فكان يلبسها يتبرك بها في غزواته. روى الحافظ ابن حجر في المطالب العالية عن خالد بن الوليد رضي الله عنه أنه قال: “اعتمرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمرة اعتمرها فحلق شعره فسبقت إلى الناصية فاتخذت قلنسوة فجعلتها في مقدمة القلنسوة فما وجهت في وجه إلا فُتح لي”ا.هـ. وعزاه الحافظ لأبي يعلى.
ولما سقطت عنه قلنسوته يوم اليرموك شدّ عليها شدّة حتى أخذها فأنكر عليه بعض الصحابة ذلك قبل علمهم بما فيها من شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم لظنهم أنه خاطر بنفسه على قلنسوة عادية فقال خالد: إني لم افعل ذلك لقيمة القلنسوة، لكن كرهت أن تقع بأيدي المشركين وفيها من شعر النبي عليه الصلاة والسلام، فرضوا عنه وأثنوا عليه.
29- أخرج البخاري في صحيحه بإسناده إلى ابن سيرين قال: قلت لعبيدة عندنا من شعر النبي صلى الله عليه وسلم أصبناه من قِبل أنس أو من قِبل أهل أنس فقال: لأن تكون عندي شعرة منه أحب إليّ من الدنيا وما فيها. وأخرجه الإسماعيلي، وفي روايته: أحب إليّ من كل صفراء وبيضاء. روى مسلم عن أنس قال: “قد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم والحلاق يحلقه وأطاف به أصحابه فما يريدون أن تقع شعرة إلا في يد رجل”.
30- أخرج مسلم عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلّى الغداة جاء خدم المدينة بآنيتهم فيها الماء، فما يؤتى بإناء إلا غمس يده فيه، فربما جاؤوه في الغداة الباردة فيغمس يده فيها.
31- عن أم ثابت كبشة بنت ثابت أخت حسان بن ثابت رضي الله تعالى عنهما قالت: دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فشرب من فِي قِربة معلّقة قائمًا فقمت إلى فيها فقطعته، رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح.
قال النووي في رياض الصالحين: وإنما قطعتها لتحفظ موضع فم رسول الله صلى الله عليه وسلم وتتبرك به وتصونه عن الابتذال. ا.هـ.
32- وروى ابن عساكر عن سعيد بن المسيّب أنا أبا ايوب (الأنصاري) أخذ من لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا فقال (أي أبو أيوب): لا يصيبك السوء يا أبا أيوب.
33- روى ابن السكن من طريق صفوان بن هبيرة عن أبيه قال: قال ثابت البناني: قال لي أنس بن مالك: هذه شعرة من شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم فضعها تحت لساني فوضعتها تحت لسانه فدفن وهي تحت لسانه، وذلك لاعتقاده أنه لا يصيبها شيء من القيح ولا من الدم لأنه (أي أنس بن مالك) لا يبلى ولا يتفسخ بإذن الله تعالى.
34- عن محمد بن عبد الله الأنصاري قال: حدثني أبي عن ثمامة عن أنس أن أم سليم كان تبسط للنبي صلى الله عليه وسلم نطعًا، فيقيل عنجها على ذلك النطع، قال: فإذا نام النبي صلى الله عليه وسلم أخذت من عرقه وشعره فجمعته في قارورة ثم جمعته في سك، قال: فلما حضر أنس بن مالك الوفاة أوصى أن يجعل في حنوطه من ذلك السك، قال: فجُعل في حنوطه. رواه البخاري في صحيحه.
السُك بضم السين المهملة نوع من الطيب، والظاهر-والله تعالى اعلم- أن ام سليك رضي الله تعالى عنها كانت تخلط عرقه صلى الله عليه وسلم بنوع من الطيب المعروف في ذلك العصر للتبرك. فسيدنا أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أوصى أن يُجعل في حَنوطه عند تكفيينه من ذلك السُّك المخلوط بعرق النبي صلى الله عليه وسلم فجعل في حَنوطه تبركًا وحبًا برسول الله صلى الله عليه وسلم.
35- قال ابن كثير في (البداية والنهاية) عند ذكره محنة الإمام أحمد رضي الله عنه أن أحمد قال: فعند ذلك قال (يعني المعتصم) لي: …. طمعت فيك أن تجيبني فلم تجبني، ثم قال، خذوه واخلعوه واسحبوه، قال أحمد: فأخذت وسحبت وخلعت …. وكانت معي شعرات من شعر النبي صلى الله عليه وسلم مصرورة في ثوبي ا.هـ.
36- ـ أخرج الإمام أحمد رضي الله عنه في مسنده أن النبي صلى الله عليه وسلم قلّم أظفاره وقسّمها بين الناس.
37- عن حنظلة بن حذيم قال: وفدت مع جدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن لي بنين ذوي لحى وغيرهم هذا أصغرهم، فأدناني رسول الله صلى الله عليه وسلم ومسح رأسي وقال: “بارك الله فيك”. قال الذيّال: فلقد رأيت حنظلة يؤتى بالرجل الوارم وجهه أو الشاة الوارم ضرعها فيقول: “بسم الله على موضع كف رسول الله صلى الله عليه وسلم” فيمسحه فيذهب الورم. رواه الطبراني في الأوسط والكبير، وأحمد في المسند، وقال الحافظ الهيثمي: ورجال أحمد ثقات.
38- وعن ثابت البناني قال: كنت إذا أتيت أنسًا يخبر بمكاني فأدخل عليه فآخذ بيديه فأقبلهما وأقول: بأبي هاتان اليدان اللتان مسّتا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقبّل عينيه وأقول: بأبي هاتان العينان اللتان رأتا رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه أبو يعلى.
39- أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه الذي هو أحد مشاهير الصحابة وأوّل من نزل الرسول صلى الله عليه وسلم عنده لما هاجر من مكة إلى المدينة، جاء ذات يوم إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضع وجهه على قبر النبي صلى الله عليه وسلم تبركًا وشوقًا.
روى ذلك الإمام أحمد عن داود بن أبي صالح قال: أقبل مروان يومًا فوجد رجلا واضعًا وجهه على القبر فقال: أتدري ما تصنع؟ فأقبل عليه أبو أيوب فقال: نعم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ءات الحجر، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تبكوا على الدين إذا ولِيَه أهلهولكن ابكوا عليه إذا ولِيه غير أهله” رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط.
40- قال الخازن في تفسيره: فمات ابو أيوب في ءاخر غزوة غزاها في ارض قسطنطينية ودفن في أصل سورها فهم يتبركون بقبره ويستشفعون به.
وقال الخازن في تفسيره: وذلك أنه لما مات يوسف عليه السلام تَشَاحَّ الناس فيه، فطلب أهل كل محلة أن يدفن في محلتهم رجاء بركته حتى همّوا بالقتال، فرأوا أن يدفنوه في النيل حيث يتفرق الماء بمصر ليجري الماء عليه وتصل بركته إلى جميعهم.
وقال عكرمة: دفن في الجانب الأيمن من النيل فأخصب وأجدب الجانب الأيسر فدفنوه في وسط النيل وقدروه بسلسلة فأخصب الجانبان جميعًا إلى أن أخرجه موسى فدفنه بقر آبائه في الشام.
41- روى الروّاس في ((طيّ السجل)) عن الشافعي رضي الله تعالى عنه أنه قال: “قبر موسى الكاظم ترياقٌ مجرّب”.
42- روى الحافظ الضياء المقدسي أن الحافظ عبد الغني المقدسي الحنبلي أُصيب بدُمّل أعياه علاجه فمسح به قبر الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه تبركًا فبرئ. وقال الراهوني في حاشيته على شرح الزرقاني لمختصر خليل: مازال الناس يتبركون بقبور العلماء (الصلحاء) أي (العاملين بعلمهم) والشهداء والصالحين.
43- قال الغزالي: من يستمد منه في حياته يستمد منه بعد مماته. ذكره الزهاوي في كتابه الفجر الصادق.
44- روى السخاوي وابن المبارك والإسماعيلي ولبن بشكوال والبيهقي وابن الجوزي أن كعبًا دخل على عائشة رضي الله عنهما فذكروا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال كعب: ما من فجر يطلع إلا نزل سبعون ألفًا من الملائكة حتى يحفوا بالقبر يضربون بأجنحتهم القبر (أي يتبركون بقبر لنبي صلى الله عليه وسلم ويتمسحون) ويصلون على النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا أمسوا عرجوا وهبط سبعون ألفًا حتى يحفّوا بالقبر يضربون بأجنحتهم ويصلون على النبي صلى الله عليه وسلم، سبعون ألفًل بالليل وسبعون ألفًا بالنهار، حتى إذا انشقّت عنه الأرض خرج في سبعين ألفًا من الملائكة يزفون.
45- روى البيهقي بإسناد صحيح عن مالك الدار، وكان خازن عمر، قال: أصاب الناس قحطٌ في زمان عمر فجاء رجل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله استسق لأمتك فقد هلكوا، فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فقال: إيت عمر فأقرئه السلام مني وأخبره بأنهم يُسقون، وقل له: عليك بالكيس الكيس. فأتي الرجل فأخبر عمر فقال: يا رب ما ءالوا إلا ما عجزت ا.هـ. وهذا الرجل هو بلال بن الحارث المزني الصحابي. فهذا الصحابي قد قصد قبر النبي صلى الله عليه وسلم للتبرك فلم يُنكر عليه عمر رضي الله عنه ولا غيره.
وفعل هذا الصحابي تبركٌ بقبر النبي صلى الله عليه وسلم وتوسلٌ به.
ونقل الحافظ ابن حجر في فتح الباري مثله عن ابن أبي شيبة بإسناد صحيح من رواية أبي صالح السمّان عن مالك الدار، وقد روى سيف في الفتوح أن الذي رأى المنام هو بلال بن الحارث المزني أحد الصحابة.
46- روى ابن أبي شيبة في مصنفه عن أبي مودودة قال: حدثني يزيد بن عبد الملك بن قسيط قال: رأيت نفرًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا خلا لهم المسجد قاموا إلى رمانة المنبر القرعاء فمسحوها ودعوا.
47- في كتاب سؤالات عبد الله بن أحمد بن حنبل لأحمد رضي الله عنه قال: سألت أبي عن مسّ الرجل رمانة المنبر يقصد التبرك وكذلك عن مس القبر فقال: لا بأس بذلك ا.هـ.
وفي كتاب العلل ومعرفة الرجال ما نصه: سألته عن الرجل يمس منبر النبي صلى الله عليه وسلم ويتبرك بمسه ويقبّله ويفعل بالقبر مثل ذلك أو نحو هذا يريد بذلك التقرب إلى الله جل وعز، وقال: لا بأس بذلك ا.هـ.
48- روى ملا علي القاري في كتابه: ((مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح)) قال شمس الدين محمد الجزري في مقدمة شرحه على كتابه المسمى بتصحيح المصابيح: إني زرت قبر الإمام مسلم بنيسابور وقرأت بعض صحيحه على سبيل التيمن والتبرك عند قبره، ورأيت ءاثار البركة ورجاء الإجابة في تربته.
49- قال الذهبي في سير أعلام النبلاء: وروى هشام بن حسان عن محمد عن عبيدة قال: اختلف الناس في الأشربة فما لي شراب منذ ثلاثين سنة إلا العسل واللبن والماء. قال محمد: وقلت لعبيدة إن عندنا من شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا من قِبل أنس بن مالك، فقال: لأن يكون عندي منه شعرة أحي إليّ من كل صفراء وبيضاء على ظهر الأرض.
50- كان عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما ما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بكى ولا مرّ على ربعِهِ إلا غمَّض عينيه، كما ذكره البيهقي في كتاب الزهد بسند صحيح، ولقد كان ابن عمر يتتبع ءاثاره صلى الله عليه وسلم في كل مسجد صلى فيه وكان يعرتض براحلته في طريق رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم عرض ناقته فيه، وكان لا يترك الحج، فكان إذا وقف بعرفة يقف في الموقف الذي وقف فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأخرج مالك في موطأه في باب ما جاء في الدعاء أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما جاء لقرية من قرى الأنصار فقال: هل تدرون أين صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجدكم هذا؟ فقال له عبد الله بن عبد الله بن جابر بن عتيك: نعم، وأشار إلى ناحية منه
51- جاء في بعض أحاديث الإسراء أنه صلى الله عليه وسلم لما أسري به وهو راكب البراق وبصحبته جبريل الأمين عليه السلام سار حتى بلغوا أرضًا ذات نخل فقال له جبريل: انزل فصلّ هنا.
قال (فصليت)، ثم ثم ركب فقال جبريل: أتدري أين صليت؟ قلت: ((لا))، قال: صليت بطيبة وإليه المهاجرُ، فانطلق به البراق فقال له جبريل: انزل فصلّ، قال: ((فصليت)) فقال: أتدري أين صليت؟ قلت: ((لا)) قال: صليت بطور سيناء عند شجرة موسى حيث كلّم ربه، ثم انطلق به البراق فقال له: انزل فصل، قال: ((فصليت))، فقال: أتدري أين صليت؟ قلت: ((لا)) قال: صليت ببيت لحم حيث ولد عيسى ابن مريم، إلى ءاخر ما جاء في الحديث الذي ورد بروايات، وأصل الحديث صحيح رواه الحافظ البيهقي، فيأخذ من هذا أن كل موضع وأثر للأنبياء عليهم الصلاة والسلام يصلّى فيه ويتبرك به.
52- أخرج البخاري في كتاب الصلاة حديث طلب عثمان بن مالك من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يصلي له في مكان من بيته ليتخذه مُصلّى لما ضعف بصره وخاف من حيلولة السيل بينه وبين المسجد النبوي، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم في بيته وقال: ((أين تحب أن أصلي لك))؟ فأشار إلى ناحية من بيته، فصلّى فيه، فصفوا خلفه.
53- روى البخاري في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر النساء اللواتي تولين غسل ابنته زينب بعد وفاتها أن يخبرنه بعد فراغهن، فلما فرغن أعطاهن حَقْوه (أي إزاره) ليجعلنه على جسدها ثم بعده الكفن لتنالها بركته صلى الله عليه وسلم ببركة ثوبه.
54- روى الحافظ الزبيدي في شرح الإحياء عن الشعبي قال: حضرت عائشة رضي الله عنها فقالت: ((إني أحدثت بعد رسول الله حدثًا ولا أدري ما حالي عنده فلا تدفنوني معه، فإني أكره أن أجاور رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أدري ما حالي عنده، ثم دعت بخرقة من قميص رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: ضعوا هذه على صدري وادفنوها معي لعلي أنجو بها من عذاب القبر))ا.هـ.
عائشة رضي الله عنها هي أم المؤمنين وأفقه نساء العالمين وحبيبة الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد تبركت به كثيرًا صلى الله عليه وسلم، ومع ذلم فإنها لم تعتبر نفسها مستغنية عن التبرك بآثاره بعد وفاته وعند وفاتها، بل رأت أنها محتاجة لذلك من تواضعها مع أنها مبشّرة بالجنة. ولو كان فعلها هذا من قبيل الشرك كما يزعم المحرومون من البركة، كيف سمّاها في القرءان أمًا للمؤمنين بقوله عزوجل: {النبيّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم} (سورة الأحزاب).
55- روى الحافظ ابن حبان في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه كانت له عصا صغيرة من رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصى أن تُدفن معه بين جنبه وكفنه،. وأنس رضي الله عنه لازم الرسول صلى الله عليه وسلم وخدمه عشر سنوات وانتفع به بمسّه ولمسه وتقبيله ومصافحته ومسّ ما كان من ءاثاره، ومع ذلك رأى من النافع والمفيد أن تُدفن معه هذه العصا الصغيرة التي كانت نحو ذراع وأخذها من رسول الله صلى الله عليه وسلم وخبّأهل لتُدفن معه، وما هذا إلا مما فهمه الصحابة من رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يجوز التبرك بآثاره بعد وفاته صلى الله عليه وسلم.
56- روى السمهودي في وفاء الوف والسبكي في شفاء السقام، والقاضي عياض في الشفاء، وابن عساكر في تاريخه، أن بلالا الحبشي مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي سكن بلاد الشام بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، رأى في المنام رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له: يا بلال ما هذه الجفوة؟ مضى زمان لم نرك، فلما استيقظ من منامه غلبه الشوق، فشدّ رحاله وقصد قبر النبي صلى الله عليه وسلم، ولما وصل صار يمرّغ نفسه بتراب القبر تبركًا، وكان ذلك في خلافة عمر رضي الله عنه فلم يُنكر عليه عمر رضي الله عنه ولا غيره، وجاء إليه الحسن والحسين عليهما السلام فقالا له: نشتهي أن نسمعك أذانك يا بلال، فصعد إلأى المكان الذي كان يؤذّن فيه في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وبدأ بالأذان.
57- رو البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقول للمريض: ((بسم الله، تربة أرضنا، برِيقة بعضنا، يُشفى سقيمنا، بإذن ربنا)).
فأرض المدينة المنورة بركة، وهواؤها فيه بركة، وترابها فيه بركة، ولذلك كان الإمام مالك رضي الله عنه يمشي فيها ولا يركب لأن الرسول صلى الله عليه وسلم مدفون فيها، ولأنه كان يرجو أن يصيب بقدميه موضعًا أصابته قدم النبي صلى الله عليه وسلم تبركًا.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “اللهم اجعل بالمدينة ضعفي ما جعلت بمكة من البركة” رواه البخاري في الصحيح.
فمن دخل مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليغتنم كل أوقاته في الطاعة وتتبع ءاثار النبي والصحابة الكرام، فإن العلماء الكرام كانوا إذا دخلوها سعوا جاهدين أن ينالوا من عظيم بركاتها، حتى إنهم كانوا يشربون من لبن نوق المدينة يقولون: لعل هذه الناقة أكلت من عشب نبت في أرض داس عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال العلماء يستحب لزائر المدينة أن يأتي بئر أريس التي روي أن النبي صلى الله عليه وسلم تفل فيها، وهي عند مسجد قباء، فيشرب من مائها ويتوضأ.
كما يستحب أن يأتي الآبار التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ منها ويغتسل فيشرب ويتوضأ وهي سبع آبار. ذكر استحباب ذلك ابن حجر في حاشية الايضاح على مناسك النووي .
58- قال الشافعي رضي الله عنه: ما أعطى الله نبيًا معجزة إلا وأعطى محمدًا مثلها أو أعظم منها. فقيل للشافعي: أعطى الله عيسى إحياء الموتى فقال رضي الله عنه: أعطى محمدا حنين الجذع حتى سمع صوته. فهذا أكبر من ذلك.
فقد جاء عن جابر بن عبد الله أن امرأة من الأنصار قالت: يا رسول الله ألأا أجعل لك منبرًا تقعد عليه؟ فإن لي غلامًا نجارًا، قال: ((إن شئت))، قال: فعملت له منبرًا فلما كان يوم الجمعة قعد على المنبر الذي صنع له، فصاحت النخلة التي كان يخطب عندها حتى كادت تنشق، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أخذها فضمها إليه، فجعلت تئن أنين الصبي الذي يُسكّت حتى استقرت، فبكى الحسن وقال: يا معشر المسلمين، الخشبة تحن إلأى رسول الله صلى الله عليه وسلم شوقًا إليه، أفليس الرجال الذيني رجون لقاؤه أحق أن يشتاقوا إليه.
وقال عليه الصلاة والسلام: ((والذي نفسي بيده لو لم ألتزمه لما زال هكذا إلى يوم القيامة)) حُزنًا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أمر به فدُفن.
هذا الجذع الذي حنّ للرسول صلى الله عليه وسلم خلق الله فيه الإدراك والمحبة والشوق لرسول الله صلى الله عليه وسلم فحنّ من شدة الشوق، وكان هذا الجذع في قبلة المسجد.
وحديث حنين الجذع هذا متواتر، وهذا من أعجب المعجزات،ويصح لقائل أن يقول إنها أعجب من إحياء الموتى الذي حصل للمسيح عليه السلام، لأن إحياء الموتى يتضمن رجوع هؤلاء الأشخاص إلى مثل ما كانوا عليه قبل أن يموتوا، أما الخشب فهو من الجماد الذي لم يكن من عادته أن يُظهر صوتًا بإرادة فهو أعجب، وهذ من أظهر المعجزات.
فإن قال مانعو التبرك: إنما أمر الرسول بدفنه كي لا يتبرك الناس به؟!! فالجواب أن هذا الكلام تقوُّلٌ، أي قول بلا دليل، وليس صحيحًا، وإنما أمر بدفنه كي لا يعاود الصراخ بعد ذلك، ومما يثبت ويؤكد أن الصحابة كانوا يتبركون بهذا الجذع كتبركهم بمنبر النبي صلى الله عليه وسلم وبالرمانة القرعاء وهي خشبة مستديرة ملساء توضع على المنبر يضع الخطيب يده عليها، وكانوا يتبركون بقبره الشريف ويضعوا وجوههم وأيديهم تبركًا، أن الصحابي الجليل خالد بن زيد أبا أيوب الأنصاري رضي الله عنه رجع بعد موت الرسول صلى الله عليه وسلم وحفر وأخرج الجذع ووضعه في بيته كما روى ذلك الحافظ ابن حجر العسقلاني، وما ذلك إلا للتبرك بالجذع الذي كان الرسول يستند إليه ويلمسه.
وكذلك يجوز ويصح التبرك بالشبيكة المباركة المعروفة اليوم باسم المواجهة الشريفة، فإن قال مانعو التبرك: هذه الشبيكة لا رءاها الرسول صلى الله عليه وسلم ولا لمسها؟!! فيقال: ولكنها جاورته، وبمجاروتها له صارت مباركة، كما أن جلد الخروف أو (الكرتون) إذا رأيناه في الدكان لا نُقبّله، لكن غذا صار غلافًأ للمصحف يصير مباركًا بمجاورته فنُقبّله، ولكن مَنْ لي بإفهام مَنْ حرمهم الله الفهم السليم والتبرك بسيد العالمين صلى الله عليه وسلم.
59- قال مصعب بن عبد الله حدثني إسماعيل بن يعقوب التيمي قل: كان ابن المنكدر يجلس مع أصحابه فكان يصيبه صمات، فكان يقوم كما هو حتى يضع خده على قبر النبي صلى الله عليه وسلم ثم يرجع فعوتب في ذلك، فقال: إنه يصيبني خطر فإذا وجدت ذلك استعنت بقبر النبي صلى الله عليه وسلم ا.هـ. من كتاب سير أعلام النبلاء للذهبي.
60- في فتح الباري لابن حجر: الإيمان انتشر في المدينة، وكل مؤمن له من نفسه سائق للمدينة لمحبته في النبي الله صلى الله عليه وسلم، فيشمل ذلك جميع الأزمنة، لأنه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم للتعلم منه، وفي زمن الصحابة والتابعين وتابعيهم