ابن تيمية يزعم أن الله محدود يسكن في السماء
ابنُ تَيْمِيَةَ يَزْعُمُ أَنَّ الله محدود في السَّماء (06/01)
.
ابنُ تَيْمِيَةَ يعتقدُ أنَّ الله مُتَحَيِّزٌ في جهةٍ فوقَ العالمِ ويقولُ في كتابهِ (بيان تلبيس الجهميَّة) ما نصُّه :” والبارئُ ، سبحانَه وتعالى ، فوقَ العَالَمِ فَوْقِيَّةً حَقِيقِيَّةً وليستْ فَوْقِيَّةَ الرُّتبة “ا.هـ.. أنظر كتابَه[(بيان تلبيسِ الجهميَّة)/ج1/ص111]..
.
ويقولُ ابنُ تَيْمِيَةَ :” فلولا أنَّ موسى أخبر فِرْعَوْنَ أنَّ رَبَّهُ فوقَ العالمِ لَمَا قال فِرْعَوْنُ فأَطَّلِعَ إلى إلـٰـهِ موسى ” ..
ذَكَرَ ذلكَ في رسالتهِ الْمُسَمَّاة[(الفُرْقَانُ بينَ أولياء الرَّحمٰنِ وأولياء الشَّيطان)/ص134].
.
لقد كَذَبَ ابنُ تَيْمِيَةَ على نبيِّ الله موسى . موسى لا يَزْعُمُ أنَّ الله مُتَحَيِّزٌ في جهة فوق . أجمعَ العُقَلاءُ وأهلُ الحَقِّ على أنَّ الأنبياءَ ما دَعَوْا إلى عبادةِ مُتَحَيِّزٍ في مكانٍ أو جهة . قالوا وإنما دَعَوْا إلى عبادةِ مَوْجُودٍ لا يشبهُ الموجوداتِ مُنَزَّهٍ عن التَّحَيُّزِ في الأماكنِ والجهات .
.
قال إمامُ الحَرَمَيْنِ أبو المعالي عبدُ الْمَلِكِ الجوينيُّ ، الْمُتَوَفَّى سَنَةَ ثمانيةٍ وسبعينَ وأَرْبَعِمِائةٍ للهجرة ، في كتابه[(الإرشاد)/ص58]ما نصُّه :” مذهبُ أهلِ الحَقِّ قاطبةً أنَّ الله يَتَعَالَى عَنِ التَّحَيُّزِ والتَّخَصُّصِ بالْجِهَاتِ “ا.هـ..
.
إضْرِبْ ، أخي المسلم ، بكلامِ ابنِ تَيْمِيَةَ عُرْضَ الحائطِ وتمَسَّكْ بمذهبِ أهلِ الحَقِّ الذي نقلَه لنا إمامُ الحَرَمَيْنِ أبو المعالي عبدُ الْمَلِكِ الجوينيُّ ، واعلمْ أنَّ جهةَ فَوْق مَسْكَنُ الملائكة . هذا العَرْشُ أحاطَ به ملائكةٌ لا يحصي عَدَدَهُمْ إلَّا الله تعالى . وهم أكثرُ من ملائكةِ الأرضِ والسَّماواتِ السَّبْعِ . العَرْشُ جَعَلَهُ الله للملائكةِ كعبةً يطوفونَ بهِ كما نحنُ نطوفُ بالكعبةِ التي في مَكَّةَ . العرشُ ليسَ مركزًا لله تعالى كما أنَّ الكعبةَ ليستْ مركزًا لله . العرشُ حجمٌ خَلَقَهُ الله تعالى ليكونَ كعبةً للملائكةِ الذينَ حولهُ ليطوفوا به . قال الله تعالى (( وتَرَى الملائكةَ حافِّينَ من حَوْلِ العرشِ يُسَبِّحُونَ بحمدِ رَبِّهِمْ ))[الزُّمَر/75]..
.
ويقولُ ابنُ تَيْمِيَةَ :” يستلزمُ أنْ يكونَ الرَّبُّ يُشَارُ إليه برفعِ الأيدي في الدُّعاء وتَعْرُجُ الملائكةُ والرُّوحُ إليه ويَعْرُجُ محمَّد ، صلَّى الله عليه وسلَّم ، إليه ” ..
قال ذلكَ في كتابه الْمُسَمَّى[(منهاجُ السُّـنَّةُ النبويَّة)/ص250].
يبدو أنَّ ابنَ تَيْمِيَةَ خَفِيَ عليه أنَّ المسلمينَ يرفعونَ أيديَهم إلى السَّماء في الدُّعاء لأنها مَسْكَنُ الملائكةِ وقِبْلَةُ الدُّعاء وليسَ لأنَّ الله يسكنُ فيها .
.
قال الإمامُ النوويُّ في (شرح صحيح مسلم) ما نصُّه :” إذا دَعَا الدَّاعِي رَبَّهُ استقبلَ السَّمَاءَ كما إذا صلَّى المصلِّي استقبلَ الكعبةَ . وليسَ ذلكَ لأنَّ الله منحصرٌ في السَّماء كما أنه ليسَ منحصرًا في جهةِ الكعبةِ لأنَّ السَّمَاءَ قِبْلَةُ الدَّاعِينَ كما أنَّ الكعبةَ قِبْلَةُ المصلِّين “ا.هـ..
.
يقولُ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم :” ما السَّماواتُ السَّبْعُ مَعَ الكُرْسِيِّ ـ أيْ في جَنْبِ الكُرْسِيِّ ـ إلَّا كَحَلْقَةٍ مُلْقَاةٍ بأرضٍ فَلاةٍ ، وفَضْلُ العَرْشِ على الكُرْسِيِّ كَفَضْلِ الفَلاةِ على الحَلْقَةِ ” ؟؟.. رَوَى هذا الحديثَ الإمامُ ابنُ حِبَّانَ في (صحيحهِ) وصَحَّحَهُ ..
فكيفَ يكونُ الله في ما يُشْبِهُ الحَلْقَةَ الملقاةَ في صحراءَ واسعة !!.
الكُرْسِيُّ الذي ذَكَرَهُ الله في ءايةِ الكُرْسِيِّ التي في سورةِ البقرةِ هو جِرْمٌ كبيرٌ جدًّا خَلَقَهُ الله لحكمةٍ يَعْلَمُهَا هو . الكُرْسِيُّ جسمٌ موجودٌ فوقَ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وخارجَ الجَنَّة .
الجَنَّةُ التي يدخلُها المؤمنونَ يومَ القيامة موجودةٌ فوقَ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ . والكُرْسِيُّ خارجَ الجَنَّة . لكنْ هو تحتَ العَرْشِ الذي هو سَقْفُ الجَنَّة . الجَنَّةُ لها سَقْفٌ . وسَقْفُهَا عَرْشُ الرَّحمٰنِ . سَقْفُ الجَنَّة يُقالُ له عَرْشُ الرَّحمٰنِ . أَيْ عَرْشُ الله . وهذا شيءٌ ثابتٌ عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم . والله لا يَسْكُنُ الكُرْسِيَّ ولا يَسْكُنُ العَرْشَ ولا يَسْكُنُ السَّمَاوَاتِ التي تبدُو أمام الكُرْسِيِّ كَحَلْقَةٍ مُلْقَاةٍ في صحراءَ واسعة .
قال الله تعالى (( وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمٰواتِ والأرضَ ))[البقرة/255].
ولا يَسْكُنُ رَبُّنَا الكُرْسِيَّ الذي يبدُو هو الآخَرُ ، أَمامَ العَرْشِ ، كَحَلْقَةٍ في صحراءَ واسعة .
يقولُ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم :” ما السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ مَعَ الكُرْسِيِّ ـ أيْ في جَنْبِ الكرسيِّ ـ إلَّا كَحَلْقَةٍ مُلْقَاةٍ بأرضٍ فَلاةٍ ، وفَضْلُ العَرْشِ على الكُرْسِيِّ كَفَضْلِ الفَلاةِ على الحَلْقَةِ ” ؟؟.. رَوَى هذا الحديثَ الإمامُ ابنُ حِبَّانَ في (صحيحهِ) وصَحَّحَهُ ..
الله تعالى لو كانَ حجمًا لكانَ له أمثال . والله لا مِثْلَ له . جهةُ فَوْق مَسْكَنُ الملائكة . هذا العَرْشُ أحاطَ بهِ ملائكةٌ لا يحصي عَدَدَهُمْ إلَّا الله تعالى . وهم أكثرُ من ملائكةِ الأرضِ والسَّمَاوَاتِ السَّبْعِ . العَرْشُ جَعَلَهُ الله للملائكةِ كعبةً يَطُوفُونَ بهِ كما نحنُ نطوفُ بالكعبةِ التي في مَكَّةَ . العَرْشُ ليسَ مركزًا لله تعالى ، كما أَنَّ الكعبةَ ليستْ مركزًا لله . العَرْشُ حَجْمٌ خَلَقَهُ الله تعالى ليكونَ كَعْـبَةً للملائكةِ الذينَ حَوْلَهُ ليَطُوفُوا به . قال الله تعالى (( وتَرَى الملائكةَ حافِّينَ من حَوْلِ العَرْشِ يُسَبِّحُونَ بحمدِ رَبِّهِمْ ))[الزُّمَر/75].
.
إنَّ ادِّعاءَ أَنَّ الله مُتَّصِلٌ بالعَالَمِ كُفْرٌ صريح ، وادِّعَاءَ أَنَّ الله مُنْفَصِلٌ عن العالمِ بالمسافةِ كُفْرٌ صريحٌ أيضًا .
وذلك لأنَّ الاتصالَ لا يُتَصَوَّرُ إلَّا من حَجْمَيْنِ مُتَلاصِقَيْنِ والانفصالَ لا يُتَصَوَّرُ إلَّا مِنْ حجمينِ منفصلينِ بينَهما مسافةٌ بعيدةٌ أو قريبة . والله ليس شيئًا محدودًا . أَيْ ليسَ شيئًا له حَجْمٌ . ومَنْ وَصَفَ الله بصفةٍ من صفاتِ البَشَرِ فقد خَرَجَ من الإسلام .
.
هؤلاء الحلوليُّون الذين يَزْعُمُونَ أنَّ الله يسكنُ السَّمَاءَ أو الكُرْسِيَّ أو العرشَ ، يَدَّعُونَ الإسلامَ مع أنَّهم يُكَفِّرُونَ الدُّرُوزَ والنَّصارى ولا يَرَوْنَ أنفسَهم كافرينَ مِثْلَهُمْ .
.
ولكنَّ أحمدَ بنَ تَيْمِيَةَ الحَرَّانِيَّ يُصِرُّ على معتقدِه الكُفْرِيِّ فيقولُ في كتابه (الموافقة) ما نصُّه :” وقد اتفقتِ الكلمةُ من المسلمينَ والكافرينَ على أنَّ الله في السماء وحَدُّوهُ بذلك “ا.هـ.
أنظر كتابه[(موافقة صريح المعقول لصحيح المنقول)/ج2/ص29/ص30]..
.
ويقول في كتابهِ (الموافقة) أيضًا ما نصُّه :” فهذا كُلُّه وما أشبهَه شواهدُ ودلائلُ على الحَدِّ ، ومَنْ لم يعترفْ بهِ فقد كَفَرَ بتنـزيلِ الله وجَحَدَ ءاياتِ الله “ا.هـ..
أنظر كتابَه[(موافقة صريح المعقول لصحيح المنقول)/ج2/ص29]،
وكتابَه[(بيان تلبيس الجهميَّة)/ج1/ص427]..
وهذا تكفيرٌ من ابنِ تيميةَ لأهلِ السُّـنَّةِ والجماعةِ الذينَ يَنْفُونَ الحَدَّ ، أي الحجمَ ، عن الله عَزَّ وجَلَّ .
.
ويقولُ في كتابهِ (بيان تلبيس الجهميَّة) ما نصُّه :” فقد دَلَّ الكتابُ والسُّـنَّةُ على معنى ذلك ، كما تَقَدَّمَ احتجاجُ الإمامِ أحمدَ لذلكَ بما في القرءانِ ممَّا يَدُلُّ على أنَّ الله تعالى له حَدٌّ يتميَّز به عن المخلوقات “ا.هـ..
أنظر كتابَه[(بيان تلبيس الجهميَّة)/ج1/ص445]..
.
وقال فيه أيضًا ما نصُّه :” وذلكَ لا ينافي ما تَقَدَّمَ مِنْ إثباتِ أنه في نَفْسهِ له حَدٌّ يَعْلَمُهُ هو ولا يَعْلَمُهُ غيرُه “ا.هـ..
أنظر كتابَه[(بيان تلبيس الجهميَّة)/ج1/ص433]..
.
ويقول في كتابه (الموافقة) ما نصُّه :” وقد اتفقتِ الكلمةُ من المسلمينَ والكافرينَ على أنَّ الله في السماء وحَدُّوهُ بذلك “ا.هـ..
أنظر كتابَه[(موافقة صريح المعقول لصحيح المنقول)/ج2/ص29/ص30]..
.
والعجبُ من ابنِ تَيْمِيَةَ في قولهِ المذكورِ الْمُوهِمِ أنَّ المسلمينَ والكافرينَ اتفقوا وأجمعوا على أنَّ الله محدود . وقد نَقَلَ أبو الفضلِ التميميُّ رئيسُ الحنابلةِ عن الإمامِ أحمدَ بنِ حنبلٍ أنه قال :” والله تعالى لا يَلْحَقُهُ تَغَيُّرٌ ولا تَبَدُّلٌ ولا تَلْحَقُهُ الحُدُودُ قبلَ خَلْقِ العرشِ ولا بعدَ خَلْقِ العرشِ ” .
.
كما نَقَلَ عنه ، أيْ عن ابنِ حنبلٍ ، أنه كانَ يقول :” إنَّ الأمكنةَ كُلَّهَا محدودةٌ والله ليسَ بمحدود ” ، أي ليس له كمِّـيَّة ، أي ليس له مقدارٌ من الحجم ..
أنظر[(اعتقاد الإمامِ أحمد)/ص6]لأبي الفضلِ التميميِّ الحنبليِّ//وهو كتابٌ مخطوط//الظَّاهريَّة 345 حديث//..
يَزْعُمُ ابنُ تَيْمِيَةَ أنه على عقيدةِ السَّلَفِ الصَّالحِ وهذا الإمامُ الأكبرُ حُجَّةُ الإسلامِ أبو جعفرٍ الطَّحَاوِيُّ السَّلَفِيُّ ، المتوفَّى سنةَ إحدَى وعشرينَ وثَلاثمِائةٍ للهجرة ، يقولُ في كتابه (العقيدة الطَّحَاوِيَّة) التي ذَكَرَ في مُقَدِّمَتِهَا أنها عقيدةُ أهلِ السُّـنَّةِ والجماعةِ قاطبةً يقول :” تعالى ـ يعني الله ـ عن الحدودِ والغاياتِ والأركانِ والأعضاء والأدوات ، لا تَحْويهِ الْجِهَاتُ السِّتُّ كسائرِ المبتدَعات ” .
.
وقال حُجَّةُ الإسلام سَيِّدُنا عليُّ بنُ أبي طالب :” مَنْ زَعَمَ أنَّ إلـٰـهَنا محدود فقد جَهِلَ الخالقَ المعبود ” .. رواه عنه الإمامُ أبو نُعَيْمٍ في (الحِلْية) ..
أنظر[(حِلْيَةَ الأَولياء)/ترجمة عليِّ بنِ أبي طالب/ج1/ص73]للحافظِ أبي نُعَـيْمٍ ، رواهُ عن النُّعْمَانِ ابنِ سعدٍ عن عليِّ بنِ أبي طالب .
والمحدودُ ، عند علماء الأُصُول ، ما له حَجْمٌ .. كُلُّ ما له حَجْمٌ يُقالُ له ، عند علماء الأصول ، محدود ، سواء أكانَ صغيرًا أَمْ كبيرًا .
.
ومفهومُ كلامِ الإمامِ عليٍّ تكفيرُ كلِّ من يَزْعُمُ أنَّ لذاتِ الله كَمِّـيَّةً صغيرةً أو كَمِّـيَّةً كبيرةً . الشَّيْءُ الذي له حَدٌّ ، أيْ كَمِّـيَّةٌ ، يستحيلُ في العقلِ أنْ يَكُونَ إلـٰـهًا لأنه محتاجٌ إلى من جعلهُ على هذا المقدارِ من الحَجْمِ والمحتاجُ لا يَكُونُ إلـٰـهًا . المحتاجُ لا يستحقُّ أَنْ يُعْـبَدَ . ثمَّ إنه يستحيلُ في العقلِ أنْ يَخْلُقَ الشيءُ نفسَه . لذلكَ كَفَّرَ الإمامُ عليٌّ كُلَّ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّ الله محدودٌ ، أيْ ذو كَمِّـيَّةٍ ، فقال فيه إنه جاهلٌ برَبِّهِ غَيْرُ عارف به .
.
وذَكَرَ الْمُحَدِّثُ الحافظُ محمَّد مُرتضَى الحسينيُّ الزَّبيدِيُّ في كتابهِ (شرح إحياء علوم الدين) بإسنادٍ متصلٍ منه إلى الإمامِ زينِ العابدينَ عليِّ بنِ الحسينِ أنه قال في رسالتهِ المشهورةِ بـ (الصَّحِيفةِ السَّجَّادِيَّة) :” أنتَ الله الذي لا تُحَدُّ فتكونَ محدودًا ” ، أي فمن المستحيلِ أنْ تكونَ محدودًا ، أيْ فمنْ المستحيلِ أنْ يكونَ لذاتِك كَمِّـيَّةٌ . هذه الفاءُ هي فاءُ السَّـبَـبِـيَّة ، والفعلُ ” تكونَ ” منصوبٌ بـ ” أَنْ ” مُضْمَرَةٍ بعد فاء السَّـبَـبِـيَّة . .. .. .. ..
كما نقل الزَّبيدِيُّ نفسُه عن زينِ العابدينَ أيضًا أنه قال في الصَّحيفةِ نفسِها :” أنتَ الله الذي لا يَحْوِيكَ مكانٌ ” . وهذا كلامٌ صحيح ، وذلك لأنَّ الله تعالى لو كانَ في مكانٍ لكانَ محدودًا تَحْوِيهِ الْجِهَاتُ السِّتُّ . وقد قامَ الدَّليلُ العقليُّ على أنَّ الله تعالى لا تحيطُ به الْجِهَاتُ السِّتُّ .
أنظر[(إتحافَ السَّادَةِ المتَّقين بشرحِ إحياء علومِ الدِّين)/ج4/ص380]للإمامِ الحافظِ مرتضَى الزَّبيدِيِّ ..
تُوُفِّيَ الإمامُ عليُّ بنُ الحُسَيْنِ زَيْنُ العابدينَ سنة 94 للهجرة ..
.
والإمامُ أحمدُ الرِّفاعيُّ يقول :” غايةُ المعرفةِ بالله الإيقانُ بوُجُودِهِ تعالى بلا كيفٍ ولا مكان ” .
والإمامُ الرِّفَاعِيُّ هو أحمدُ بنُ عليِّ بنِ أَحمدَ بنِ يحيى بنِ حازمِ بنِ عليِّ بنِ رِفَاعَةَ الْمُتَوَفَّى سنةَ خَمْسِمِائَةٍ وثمانيةٍ وسبعينَ للهجرة .
قال كلمةَ التَّنْزِيهِ هذه في كتابهِ[(حِكَمُ الشَّيْخِ أحمدَ الرِّفَاعِيِّ الكبير)/ص35/ص36]..
************************************************
************************************************
************************************************
ابنُ تيميةَ يَزْعُمُ أَنَّ الله يتَحَرَّكُ نُزُولًا وصُعُودًا ولا يخلُو منه العَرْش (06/02)
.
قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم :” يَنْزِلُ رَبُّنَا ، تباركَ وتعالى ، كُلَّ ليلةٍ إلى السَّماء الدُّنيا حينَ يبقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرِ فيقولُ مَنْ يدعوني فأستجيبَ له مَنْ يسألُني فأعطيَه مَنْ يستغفرُني فأغفرَ له ” .. رواه البخاريُّ في[(صحيحه)/كتاب الجُمُعَة]..
ورَوَاهُ مسلم في[(صحيحه)/كتاب صلاة المسافرينَ وقَصْرِها]بلفظ :” إذا مَضَى شَطْرُ اللَّيْلِ أو ثُلُثَاهُ يَنْزِلُ الله تباركَ وتعالى إلى السَّماء الدُّنيا فيقولُ هل من سائلٍ يُعْطَى هل من داعٍ يُستجابُ له هل من مستغفرٍ يُغْفَرُ له حتَّى ينفجرَ الصُّبْحُ ” ..
ورَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ في[(سننه)/كتاب الدَّعَواتِ عن رسولِ الله]وصحَّحه بلفظ :” ينزِلُ ربُّنا كُلَّ ليلةٍ إلى السَّماء الدُّنيا حينَ يبقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرِ فيقولُ مَنْ يدعوني فأستجيبَ له ومَنْ يسألُني فأعطيَه ومَنْ يستغفرُني فأغفرَ له ” ..
أهلُ الحَقِّ يقولون :” المضافُ محذوف ، والتقديرُ : ينزِلُ مَلَكُ ربِّنا بأمرٍ من الله ، ولا يَتَّصِفُ الله بالحركةِ والسُّكُون ” ..
وممَّا استدلُّوا بهِ على تأويلِهم ما رواه النَّسَائِيُّ في (عَمَلِ اليومِ واللَّيلة) بإسنادٍ صحيحٍ عن رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ، فقد رَوَى عنه أنه قال :” إنَّ الله يُمْهِلُ حَتَّى إذا مَضَى شَطْرُ اللَّيلِ الأَوَّلِ يأمرُ مناديًا فينادي .. ” إلى ءاخرِ الحديث ..
إنَّ روايةَ النَّسَائِيِّ فَسَّرَتْ معنى النزول .. فيكونُ معنى النزول أنَّ الْمَلَكَ يَنْزِلُ بأمرِ الله . قالَ الإمامُ مالك :” معناه تنزلُ رحمتُه وأمرُه وملائكتُه كما يقالُ فَعَلَ السُّلطانُ كَذَا إذا فَعَلَهُ أتباعُه ” .
أنظر[(شرحَ صحيحِ مسلم)/ج6/ص279]للنَّوَوِيِّ ..
إلَّا أنَّ ابنَ تَيْمِيَةَ الشَّاذَّ عن أهلِ الحَقِّ يأبى إلَّا أنْ يحملَ الحديثَ على ظاهرِه فيقول :” هذا النورُ والبركةُ والرَّحمةُ التي في القلوب هي من ءاثارِ ما وَصَفَ الله به نفسَه من نزولهِ بذاته ” ..
.
ويقول :” الله على العرشِ وينزِل إلى السَّماء ولا يخلو منه العَرْشُ ” ..
قال ذلكَ في كتابه[(شرح حديث النـزول)/ص38]وغيرِه ..
ويقولُ ابنُ تيميةَ :” لأنَّ الحَيَّ القَيُّومَ يفعلُ ما يشاء ويتحرَّك إذا شاء ويَهْبِطُ ويرتفعُ إذا شاء ويقومُ ويجلسُ إذا شاء لأنَّ أَمَارَةَ ما بينَ الحَيِّ والميت التحرُّك ” ..
قال ذلكَ في كتابه[(موافقة صريح المعقول لصحيح المنقول)/ج2/ص26]..
.
عجيبٌ أمرُ هذا الرَّجُل ، يَزْعُمُ أنه على عقيدةِ السَّلَفِ الصَّالحِ وهذا الإمامُ الأكبرُ حُجَّةُ الإسلامِ أبو جعفرٍ الطَّحَاوِيُّ السَّلَفِيُّ ، المتوفَّى سنةَ إحدَى وعشرينَ وثلاثمِائةٍ للهجرة ، يقولُ في كتابه (العقيدة الطَّحاويَّة) التي ذَكَرَ في مقدِّمتها أنها عقيدةُ أهلِ السُّـنَّةِ والجماعةِ قاطبةً يقول :” ومَنْ وَصَفَ الله بمعنًى من معاني البشر فقد كفر ” .
الله ، تباركَ وتعالى ، رَغَّبَ في الاستغفارِ ءاخرَ اللَّيلِ .. قال في كتابهِ الكريم (( والمستغفرينَ بالأسحار ))[ءال عمران/17]..
وكانَ رسولُ الله أَوَّلَ ما يقومُ من النومِ لصلاةِ التهجُّد يقرأُ هذه الآيةَ (( إنَّ في خَلْقِ السَّمٰواتِ والأرضِ واختلافِ اللَّيْلِ والنهارِ لآياتٍ لأُولي الألباب ))[ءال عمران/190]، والآياتِ العَشْرَ التي تليها ، أيْ إلى ءاخرِ سورةِ ءالِ عمران . ومَرَّةً قرأَها ثمَّ قال :” وَيْلٌ لمَنْ قرأَها ولم يَتَفَكَّرْ فيها ” ..
فالتَّفَكُّرُ واجبٌ .. التَّفَكُّرُ هو أنْ نُفَكِّرَ بعقولنا في أوضاعِ المخلوقات ، في أحوال الأرضِ والسَّماوات ، وفي أحوالنا نحنُ ، فنعلمَ أننا مُتَطَوِّرُونَ وأنَّ السَّماواتِ والأرضَ كذلكَ تختلفُ عليها الأحوالُ ، وأنَّ ما تختلفُ عليه الأحوالُ لا بدَّ له من مُحَوِّلٍ يُحَوِّلُهُ من حال إلى حال وأَنَّ هذا الْمُحَوِّلَ هو الذي أَوْجَدَ هذه الأشياء بعدَ أنْ كانتْ معدومةً ..
الرَّسُولُ ، صلَّى الله عليه وسلَّم ، كانَ ينامُ بعدَ أَنْ يُصَلِّيَ العِشاء قبلَ أنْ ينتصفَ اللَّيْلُ حتَّى إذا صارَ نصفُ اللَّيْلِ قامَ من نومهِ فصلَّى ما كتبَ الله له ثمَّ نامَ ثمَّ قامَ مَرَّةً ثانيةً فصلَّى ما كتبَ الله له ثمَّ نامَ إلى أنْ يُوقِظَهُ أذانُ الفجر .. هذا هو الأمرُ المستحسنُ في الإسلام . أمَّا تأخيرُ النَّوْمِ إلى نصفِ اللَّيْلِ من غيرِ عُذْرٍ فهو قبيحٌ لأنَّ في ذلكَ تفويتًا لخيراتٍ كثيرة .. إذا تَوَضَّأَ المسلمُ بعدَ منتصفِ اللَّيْلِ وصَلَّى رَكْعَتَيْنِ أو أكثرَ فإنه يجدُ نَفَحَاتِ خيرٍ لأنَّ القلوبَ تَرِقُّ ذلكَ الوقت .. وأمَّا الذي تَعَوَّدَ كَثْرَةَ الأَكْلِ وكَثْرَةَ الشُّرب ويَغْلِـبُ عليه اتِّبَاعُ لَذَّةِ النومِ فإنه يُحْرَمُ هذا الخيرَ العظيم . ثمَّ إنَّ التَّهَجُّدَ بعدَ منتصفِ اللَّيْلِ أفضلُ ، حتَّى لو قامَ شخصٌ بعدَما انتصفَ اللَّيْلُ واشتغلَ بقضاء ما فاته من الصَّلواتِ المفروضاتِ فإنه يحصلُ على خيرٍ كثير ..
************************************************
************************************************
************************************************
ابنُ تيميةَ يَنْسُبُ إلى الله الجُلُوسَ والاستقرارَ والأعضاء (06/03)
.
وأمَّا قولُ ابنِ تَيْمِيَةَ بالجلوسِ في حَقِّ الله تعالى فهو ثابتٌ عنه . ذَكَرَ أحمدُ بنُ تَيْمِيَةَ عقيدتَه الفاسدةَ هذه في كتابه[(منهاجُ السُّـنَّةِ النبويَّة)/ج1/ص262].
ولهذا الرَّجُلِ المنحرف كتابان ءاخَران : أحدُهما سمَّاه (الرِّسالة العرشية) ، وهو مطبوع ، والثَّاني سمَّاه (العرش) ، ولعلَّه لم يُطْبَعْ بعد ، وإنما هو لا يزالُ مخطوطًا بخطِّ أحمدَ بنِ تَيْمِيَة ..
يَذْكُرُ أحمدُ ابنُ تَيْمِيَةَ في كتابهِ الأخير هذا أي (العرش) ما نصُّه : ” إنَّ الله يَجْلِسُ على الكُرْسِيِّ وقد أَخْلَى منه مكانًا يُقْعِدُ مَعَهُ فيهِ رسولَ الله “ا.هـ.
ثمَّ إنَّ شيخَ اللُّغَةِ والنَّحْوِ والتفسيرِ الإمامَ أبا حَيَّانٍ الأندلسيَّ أقرَّ واعترفَ في تفسيره[(النهر المادّ من البحر المحيط)/ج1/ص254]، أعني النسخةَ الخَطِّيَّةَ منه الموجودةَ بحلب ، أقرَّ هذا الإمامُ العظيمُ في كتابهِ المذكورِ عند تفسيرِه لآيةِ الكرسيِّ واعترفَ بأنَّ ابنَ تَيْمِيَةَ قال هذا الكلام ..
وإليكَ أيها القارئُ نصَّ عبارةِ الإمامِ الجليلِ أبي حيَّان :” وقرأتُ في كتاب لأحمدَ بنِ تيمية ، هذا الذي عاصرْناه ، وهو بخطِّه ، سمَّاه (كتابَ العرش) :” إنَّ الله يَجْلِسُ على الكُرْسِيِّ وقد أَخلى منه مكانًا يُقْعِدُ معه فيه رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ” ، تحيَّل عليه التَّاج مُحَمَّدُ بنُ عليِّ بنِ عبدِ الحقِّ البارَنباري ، وكانَ من تحيُّله عليه أنه أَظْهَرَ أنه داعيةٌ له حتى أَخَذَ منه الكتابَ وقرأنا ذلكَ فيه “انتهى كلامُ أبي حَيَّان .
ولعلَّك ، أيها القارئُ المتأمِّل ، تسألُ هذا السُّؤال : لِمَ عبارةُ الإمامِ أبي حَيَّانَ هذه ليست موجودةً في النسخة المطبوعة إلَّا في النسخة الخطيَّة ؟؟..
والجوابُ ما قاله الزَّاهدُ الكوثريُّ في كتابه الذي عَلَّقَ فيه على (السَّيف الصَّقيل) :” وقد أخبرني مُصَحِّحُ طبعهِ بمطبعةِ السَّعادة أنه استفظَعها جدًّا فحذفَها عند الطَّبع لِكَيْلا يستغلَّها أعداءُ الدِّين ، ورجاني أَنْ أُسَجِّلَ ذلكَ هنا استدراكًا لما كانَ منه ونصيحةً للمسلمين “ا.هـ..
أنظر[(تعليقَ الكوثريِّ على السَّيف الصَّقيل)/ص85]..
.
ثم إنَّ لهذا الرَّجُلِ الدَّجَّالِ ، أعني ابنَ تيميةَ ، كتابـًا ءاخرَ سمَّاه (الفتاوى) يُصَرِّحُ فيه بإثباتِ الجلوسِ في حَقِّ الله . وإليك أيها المسترشدُ نصَّ عبارته في كتابه[(الفتاوى)/ج4/ص374]:” فقد حَدَّثَ العلماءُ الْمَرْضِيُّونَ وأولياؤُه الْمُقَرَّبونَ أنَّ مُحَمَّدًا رسولَ الله يُجْلِسُهُ ربُّه على العرشِ معه “ا.هـ.
.
وقال هذا المجسِّم المشبِّه :” إنَّ معنى استوَى على العَرشِ استقرَّ ” ..
ذَكَرَ ابنُ تَيْمِيَةَ ذلكَ في كتابه (العَرْش) وفي[(فتاويه)/ج5/ص519]..
.
لكنَّ أَهْلَ الحَقِّ ، يا ابنَ تَيْمِيَةَ ، ولستَ منهم ، يقولونَ في قول الله تعالى (( الرَّحمٰنُ على العرشِ استوى )) :” قَهَرَهُ وحَفِظَهُ وأَبقاه ” ..
قال الله تعالى (( وهو القاهرُ فوقَ عبادِه ))[الأنعام/18].
وقال أيضًا (( قُلِ اللـهُ خالقُ كُلِّ شيء وهو الواحدُ القهَّار ))[الرعد/16].
ومن المعلوم الذي لا شَكَّ فيه أنَّ الله تعالى قاهرٌ للعرشِ ولِمَا سِوَى العرش ، وإنما خصَّه الله بالذِّكْرِ في الآيةِ الخامسةِ من سورة (( طه )) لأنه أعظمُ الأجرام حجمًا على الإطلاق ..
قال الإمامُ القُشَيْرِيُّ في كتابهِ (التذكرة الشَّرقيَّة) في تفسيرِ قولِ الله تبارك وتعالى (( الرَّحمٰنُ على العرشِ استوى )) :” قَهَرَ وحَفِظَ وأبقى ” .
وقال اللُّغَوِيُّ المحدِّث مُرتضَى الزَّبيدِيُّ نَقْلًا عن الإمامِ الحافظِ تقيِّ الدِّينِ السُّبْكِيِّ :” الْمُقْدِمُ على تفسيرِ الاستواء بالاستيلاء لم يرتكبْ محذُورًا ولا وَصَفَ الله بما لا يجوزُ عليه ” .. والاستيلاء هو القَهْرُ ..
************************************************
************************
ويقولُ ابنُ تَيْمِيَةَ :” ومِنْ قولِ أهلِ السُّـنَّةِ أنَّ الكُرْسِيَّ بينَ يَدَيِ العرشِ وإنه مَوْضِعُ القَدَمَيْنِ ” .
ذَكَرَ ذلكَ في[(الرِّسالة الحَمَوِيَّة)/ص121/ص122]..
يَنْسُبُ ابنُ تَيْمِيَةَ إلى الله الأعضاءَ ويَزْعُمُ أنَّ الله يَجْلِسُ على العرشِ ويَضَعُ قَدَمَيْهِ على الكُرْسِيِّ الذي وَسِعَ السَّمَاوَاتِ والأرضَ .
.
نعوذُ بالله من فتنةِ هذا المجسِّم الكافر . أهلُ الحَقِّ يقولون إنَّ الله لا يجلسُ على العرشِ ولا يجلسُ على الكرسيِّ لأنَّ ذلكَ من صفاتِ المخلوقين . الجلوسُ لا يَكُونُ إلَّا للجسم الْمُرَكَّبِ من نصفٍ أعلى ونصفٍ أسفل . والله ليسَ كذلك .
.
يقولُ الله تعالى في سورةِ الشُّورَى (( ليس كَمِثْلهِ شيءٌ وهو السَّميعُ البصير )) ..
ويقول الله تعالى في سورةِ النحل (( فلا تضرِبوا لله الأمثال )) ..
.
قال الإمامُ عليُّ بنُ أبي طالب :” إنَّ الله تعالى خَلَقَ العَرْشَ إظهارًا لقدرته لا مكانًا لذاته .. قد كانَ ولا مكان وهو الآنَ على ما كان ” ، أيْ بلا مكان ..
رَوَى ذلكَ عنه الإمامُ الكبيرُ أبو منصور التميميُّ البغداديُّ عبدُ القاهرِ بنُ طاهرٍ في كتابهِ[(الفَرْقُ بينَ الفِرَقِ)/ص333]بالإسنادِ الصَّحيحِ بعدَ أنْ نَقَلَ الإجماعَ على تَنْزِيهِ الله عن المكانِ والحَدِّ ..
.
وقال الإمامُ أبو حنيفةَ في رسالتهِ (الوصية) :” ونُقِرُّ بأنَّ الله على العرشِ استوَى مِنْ غيرِ أنْ يكونَ لهُ حاجةٌ إليهِ واستقرارٌ عليهِ . وهو حافظُ العرشِ وغيرِ العرشِ من غيرِ احتياجٍ . ولو كانَ محتاجًا إلى الجلوسِ والقَرَارِ فقبلَ خلقِ العَرْشِ أينَ كانَ الله ، تعالى الله عن ذلكَ عُلُوًّا كبيرًا ” ..
.
فلْيَنْظُرِ العقلاءُ إلى تخَبُّطِ ابنِ تَيْمِيَةَ حيث يدَّعي تارةً أنَّ الله بذاتهِ في السَّماء وتارةً يدَّعي أنه قاعدٌ على الكرسيِّ وتارةً يدَّعي أنَّ العرشَ لا يخلُو منه ..
ومن أرادَ مزيدًا من التفصيلِ فليرجعْ إلى كتاب (الرَّسائلِ السُّـبْكِيَّةِ) في الرَّدِّ على ابنِ تَيْمِيَةَ وتلميذِه ابنِ القَـيِّمِ الجَوْزِيَّةِ للإمامِ الحُجَّةِ تقيِّ الدِّينِ عليِّ بنِ عبدِ الكافي السُّـبْكِيِّ الكبيرِ المتوفَّى سنةَ 756 للهجرة .
وممَّا قاله الإمامُ الكبيرُ تقيُّ الدِّينِ في كتابهِ (الرَّسائلُ السُّـبْكِيَّة) :” وكتابُ العرشِ من أقبحِ كُتُب أحمدَ بنِ تَيْمِيَةَ ولَمَّا وَقَفَ عليه شيخُ اللُّغَةِ والنحوِ والتفسيرِ أبو حَيَّانَ ما زالَ يلعنُه حتى مات بعد أَنْ كان يُعَظِّمُهُ “ا.هـ.
************************************************
************************
يقولُ ابنُ تيميةَ :” فمِنَ المعلومِ أنَّ الكتابَ والسُّـنَّةَ والإجماعَ لم يَنْطِقْ بأنَّ الأجسامَ كُلَّهَا مُحْدَثَةٌ وأنَّ الله ليسَ بجسمٍ ولا قال ذلكَ إمامٌ من أئمَّة المسلمين ” .. ذَكَرَ ذلكَ في كتابه الْمُسَمَّى (التأسيس في رَدِّ أساسِ التقديس) المحفوظ في ظاهريَّة دمشق ..
.
لقد كَذَبَ ابنُ تَيْمِيَةَ على الكتابِ والسُّـنَّةِ والأئمَّةِ وإجماعِ المسلمين . ولا يَصِحُّ في العقلِ أنْ يكونَ ذاتُ الله جسمًا ، لأنَّ الجسمَ هو الذي يَصِحُّ في العقلِ أَنْ ينقسمَ لتألُّفه وتركُّبه من جَوْهَرَيْنِ مُنْفَرِدَيْنِ فأكثر .. والله ليسَ كذلك . قال الله تعالى (( ليس كَمِثْلهِ شيءٌ وهو السَّميعُ البصير ))[الشُّورى/11]..
وقال الله تعالى (( فلا تَضْرِبُوا لله الأمثال ))[النحل/74].
وقال الله تعالى (( لقد كَفَرَ الذينَ قالوا إنَّ اللـهَ ثالثُ ثلاثة ))[المائدَة/73].
.
*قال سيِّد الأئمَّة أبو الحَسَنِ الأشعريُّ في كتابه (النوادر) :” مَنِ اعتقدَ أنَّ الله جسمٌ فهُوَ غيرُ عارفٍ بربِّه وإنه كافرٌ به ” .. ذكر ذلكَ أبو القاسمِ الأنصاريُّ في (شرحِ الإرشاد) ..
.
*وقال الفقيهُ الحنفيُّ الشَّيخُ عبدُ الغَنيِّ النابلسيُّ ، رضي الله عنه ، المتوَفَّى سنة 1144 للهجرة في كتابه[(الفتحُ الرَّبَّانيُّ والفيضُ الرَّحمانيُّ)/ص124]ما نصُّه :” مَنِ اعتقدَ أنَّ الله مَلَأَ السَّماواتِ والأرضَ أو أنه جسمٌ قاعدٌ فوق العرشِ فهو كافرٌ وإنْ زَعَمَ أنه مسلم “ا.هـ.
.
*وقال الإمامُ أبو سليمانَ الخَطَّابيُّ شيخُ البيهقيِّ :” إنَّ الذي يجبُ علينا وعلى كُلِّ مسلمٍ أنْ يعلمَه أنَّ ربَّنا ليسَ بذي صُورة ولا هَيْـئَة ، فإنَّ الصُّورَةَ تقتضي الكيفيَّة وهي عن الله وعن صفاتهِ منفيَّة ” .. رواه عنه البيهقيُّ في كتابه (الأسماء والصِّفات) ..
.
*وقال الإمامُ أحمدُ بنُ حنبلٍ رضيَ الله عنه :” مَنْ قال إنَّ الله جسمٌ لا كالأجسامِ فهُوَ كافر ” .. رَوَاهُ الحافظُ بدرُ الدِّينِ الزَّرْكَشِيُّ في كتابهِ[(تشنيفُ المسامع)/المجلَّد الرَّابع/ص648]، وكذلكَ صاحبُ (الخِصَال) .. وهذا صحيحٌ لأنَّ التجسيمَ عقيدةُ اليهود والنصارَى ..
.
*وقال الإمامُ الشَّافِعِيُّ رضيَ الله عنه :” مَنْ زَعَمَ أنَّ الله جالسٌ على العرشِ فهو كافر ” ..
رَوَاهُ ابنُ الْمُعَلِّمِ القُرَشِيُّ في كتابهِ[(نجمُ المهتدِي ورَجْمُ المعتدي)/ص551]..
.
*وقال الشَّافِعِيُّ أيضًا :” الْمُجَسِّمُ كافر ” ..
رَوَاهُ الحافظُ السُّيُوطِيُّ في كتابهِ[(الأشباهُ والنَّظائر)/ص488]..
.
*وقال الإمامُ مُحَمَّدُ بنُ بدرِ الدِّينِ بنِ بلبانَ الدِّمَشْقِيُّ الحنبليُّ المتوفَّى سنةَ 1083 للهجرة في كتابهِ[(مختصرُ الإفادات)/ص489]:” مَنِ اعتقدَ أو قال إنَّ الله بذاتهِ في كُلِّ مكانٍ أو في مكانٍ فهو كافر ” ..
************************************************
************************************************
************************************************
ابنُ تيميةَ يَزْعُمُ أنَّ ما منْ حادث إلَّا وقبلَه حادثٌ إلى ما لا بداية (06/04)
.
أهلُ الحَقِّ يقولونَ إنَّ الله لا بدايةَ لوجوده . قولُ أهلِ الحَقِّ :” إنَّ الله لا بدايةَ لوجوده ” ليسَ معناه أنَّ وُجُودَ الله مُقْتَرِنٌ بالزَّمانِ وأنَّ الزَّمانَ لا بدايةَ له .. ليسَ هذا معناه .. قولُ أهلِ الحَقِّ :” إنَّ الله لا بدايةَ لوُجُودِه ” معناه : الله مَوْجُودٌ غيرُ حادث .. هذا معناه .. معناه : الله مَوْجُودٌ غيرُ مخلوق .. كانَ ولم يَزَلْ مَوْجُودًا غيرَ مخلوق ..
وهو معنى قولِ أهلِ العلم :” إنَّ الله أزليٌّ قديم ” . أمَّا الزَّمانُ فهو مخلوقٌ لله ، لم يَكُنْ ثمَّ كان . هذا مُعْتَقَدُ أهلِ الحَقِّ . معتقدُ أهلِ الحَقِّ أنَّ الله مَوْجُودٌ قبلَ الزَّمانِ وأنَّ الزَّمانَ له ابتداء .
وأمَّا قولُ الدَّهْرِيَّةِ الكُفَّارِ :” ما مِنْ وَقْتٍ يُقَدَّرُ إلَّا وقبلَه وَقْتٌ ءاخَرُ إلى ما لا بدايةَ ” فهو كلامٌ كُفْرِيٌّ مخالفٌ للدِّينِ لمخالفتهِ لصحيحِ العقل . واعلموا أنَّ الله لَمَّا خَلَقَ العَالَمَ خُلِقَ المكانُ معه . لأنَّ العَالَمَ جسمٌ لا يُعْقَلُ وُجُودُهُ بلا مكان . ومَعَ وُجُودِ العَالَمِ خُلِقَ الزَّمان . فسبحانَ الله الموجودِ قبلَ المكانِ وقبلَ الزَّمانِ وقبلَ التعاقب . لا يحتاجُ إلى مكانٍ ولا يجري عليه زمان .
.
#ولقد كَفَرَ أحمدُ بنُ تَيْمِيَةَ الْمُجَسِّمُ الْمُشَبِّهُ في قولهِ :” ما مِنْ حادثٍ إلَّا وقبلَه حادثٌ إلى ما لا بداية ” والذي عَبَّرَ عنه بقولهِ في بعضِ مؤلَّفاته ” إنَّ نوعَ العَالَمِ أزليٌّ ” ، وفي بعضِ مؤلَّفاته :” إنَّ جنسَ العَالَمِ قديم ” . يعني أحمدُ أنَّ جنسَ العَالَمِ ، أو نَوْعَ العَالَمِ ، لم يزلْ مَعَ الله .
#يقولُ ابنُ تيميةَ :” فإنَّ الأزليَّ اللازِمَ هو نوعُ الحادثِ لا عينَ الحادِثِ ” .
قاله في كتابهِ الْمُسَمَّى[(موافقةُ صريحِ المعقول لصحيحِ المنقول)/ج1/ص249]..
ابنُ تَيْمِيَةَ يقولُ بحوادثَ لا أَوَّلَ لها .. قولُه :” فإنَّ الأزليَّ اللازمَ هو نوعُ الحادِثِ لا عينَ الحادِثِ ” ، معناه : إنَّ كُلَّ مخلوقٍ قد سبقَه مخلوق ، وذاكَ المخلوقُ قد سبقَه مخلوقٌ ءاخَر ، وذلكَ المخلوقُ الآخَرُ قد سبقَه مخلوقٌ ءاخَر ، وهكذا إلى ما لا بداية .. هذا معنى كلامهِ ، وهذا ما يعنيه .. فخَرَجَ بهذا القول عن العقلِ والدِّين . بل إنه زَعَمَ أنَّ هذا القولَ مقبولٌ شرعًا وعقلًا ، حتى إنه زَعَمَ أنَّ أَزَلِـيَّةَ نوعِ العَالَمِ من كمال الله سبحانَه وتعالى .
كيفَ تجَرَّأَ ابنُ تَيْمِيَةَ على أنْ يقولَ هذا الكلامَ والأُمَّةُ أجمَعَتْ على أنَّ الماءَ الموجودَ تحتَ عرشِ الرَّحمٰنِ هو أَوَّلُ المخلوقاتِ على الإطلاق . عقيدةُ أهلِ الحَقِّ أنَّ أَوَّلَ شيء خَلَقَهُ الله تعالى الماء . إنَّ الله لم يخلقْ شيـئًا ممَّا خَلَقَ قبلَ الماء . ولا نعني بالماء هذا الماءَ الذي نحنُ نشربُه في هذه الأرض . وإنما هو الماءُ الذي منه خَلَقَ الله سائرَ العَالَمِ كالعَرْشِ والقَلَمِ الأعلى واللَّوْحِ المحفوظِ والضَّوْءِ والظَّلامِ والماءِ الذي نحنُ نشربُه في هذه الأرضِ وسائرِ الأجسامِ الكثيفةِ والأجسامِ اللَّطيفة . فكانَ ذاكَ الماءُ أصلًا لغيرِه . ذاكَ الماءُ الذي تحتَ العرشِ هو أَصْلُ العالم . والله ليسَ أصلًا لغيرِه . بلِ الله خالقُ الأصلِ والفَرْعِ . ذلكَ الماءُ الموجودُ تحتَ عَرْشِ الرَّحمٰنِ أصلٌ لكُلِّ مخلوق .
.
العَرْشُ خُلِقَ منه ، والقَلَمُ الأعلى خُلِقَ منه ، واللَّوْحُ المحفوظُ خُلِقَ منه ، والضَّوءُ خُلِقَ منه ، والظَّلامُ خُلِقَ منه ، والماءُ الذي نحنُ نشربُه في هذه الأرضِ خُلِقَ منه ، وسائرُ الأجسامِ الكثيفةِ والأجسامِ اللَّطيفةِ خُلِقَتْ منه .. وأمَّا هو نفسُه فالله خَلَقَهُ من غيرِ أصلٍ .. الله ، عَزَّ وجَلَّ ، خَلَقَ الماءَ الموجودَ تحتَ العرشِ أوَّلَ المخلوقات .. خَلَقَهُ من غيرِ أَصل .. ولَمَّا خَلَقَ الله ذلكَ الماءَ الذي تحتَ العرشِ خُلِقَ المكانُ .. الله خَلَقَهُ .. ولَمَّا خَلَقَ الله ذلكَ الماءَ خُلِقَ الزَّمانُ .. الله خَلَقَهُ .. بوُجُودِ الماء الذي هو أصلُ العَالَمِ وُجِـدَ الزَّمَانُ والمكان . وأَمَّا قبلَ هذا الماء فلم يَكُنْ زَمَانٌ ولم يَكُنْ مكانٌ .. هذه عقيدةُ أهلِ الحَقِّ .. هذه عقيدةُ أهلِ السُّـنَّة والجماعة ..
ثَبَتَ في (صحيحِ البخاريِّ) عن رسول الله ، صلَّى الله عليه وسلَّم ، أنه قال لَمَّا سُئِلَ عن بَدْءِ هذا الأمر :” كان الله ولم يَكُنْ شيءٌ غيرُه ” .. وفي روايةٍ عندَه :” كانَ الله ولم يَكُنْ شَيْءٌ قبلَه ” ..
وثَبَتَ عن رسول الله أنه قال :” إنَّ الله لم يخلقْ شيئًا مِمَّا خَلَقَ قبل الماء ” .
أَوْرَدَهُ الحافظُ ابنُ حَجَرٍ على أنه صحيحٌ أو حَسَنٌ عندَه وذلك في كتابه[(فتح الباري)/كتاب بَدْءِ الخَلْق]عندَ ذكرِه لحديث رسول الله :” كان الله ولم يَكُنْ شيءٌ غيرُه وكان عرشُه على الماء ” .
.
وكذلك ثَبَتَ عنه ، صلَّى الله عليه وسلَّم ، أنه قال :” كُلُّ شيء خُلِقَ من ماء ” ، رواه أحمدُ في (مسنده) . ورَوَاهُ الإمامُ ابنُ حِبَّانَ في (صحيحه) وصَحَّحَهُ بلفظ :” إنَّ الله تعالى خَلَقَ كُلَّ شيء من الماء ” .
#إنَّ أحمدَ بنَ تَيْمِيَةَ لم يُنْكِرْ كونَ أفرادِ العَالَمِ مخلوقةً لله . ولكنه ابتدعَ بدعةً لم يسبقْه إليهَا غيرُه . فزَعَمَ أنَّ المخلوقَ الحاضرَ قد سبقَه مخلوقٌ ءاخَر ، وذاك المخلوقُ الآخَرُ قد سبقَه مخلوقٌ ءاخَرُ ، وذلك المخلوقُ قد سبقَه مخلوقٌ ءاخَر ، وهكذا إلى ما لا بداية . فقال ما لم يَقُلْهُ عَالِمٌ قَطُّ وما لم يَصِحَّ في عقلٍ سليمٍ إلَّا في عَقْلٍ سقيمٍ مريضٍ مثلِ عقلهِ . وهو بذلكَ قد وافقَ قولَ الدَّهْرِيِّينَ الكُفَّارِ القائلينَ بأنَّ ما مِنْ وَقْتٍ يُقَدَّرُ إلَّا وقبلَه وقتٌ ءاخَرُ إلى ما لا بداية .
ذَكَرَ ابنُ تَيْمِيَةَ عقيدتَه هذه في كتابه[(موافقة صريح المعقول لصحيح المنقول)/ج1/ص75/ص245/ص249]، وكتابه[(منهاجِ السُّـنَّةِ النبويَّة)/ج1/ص109]وكتابه (شرحِ حديثِ عِمْرانَ بنِ الحُصَين) وكتبٍ غيرِها . . .
وإليكَ ، أيها المسترشد ، نصَّ عبارتهِ في كتابه[(شرح حديث عِمْرانَ بنِ الحُصَين)/ص193]:” وإنْ قُدِّرَ أنَّ نوعَ المخلوقاتِ لم يَزَلْ معه ، فهذه المعيَّة لم يَنْفِـهَا شَرْعٌ ولا عَقْلٌ بل هي من كماله “ا.هـ.
يريدُ أحمدُ أن يُقْنِـعَنَا بأنه لو لم يَكُنْ مَعَ الله في الأزل غيرُه لكانَ الله ناقصًا . جَعَلَ أَزَلِـيَّةَ نوعِ العَالَمِ كمالًا لله تعالى . جَعَلَ هذا القولَ الذي هو كُفْرٌ تسبيحًا لله تعالى وتمجيدًا له .
.
#ولقد ذَكَرَ ابنُ حَزْمٍ في كتابٍ له سمَّاه (مراتب الإجماع) أنَّ الإجماعَ مُنْعَقِدٌ على أنَّ الله كانَ وحدَه ولا شيءَ غيرُه معه ، وأنَّ الإجماعَ مُنْعَقِدٌ على كُفْرِ من خالفَ هذا الاعتقاد . فما كانَ من ابنِ تَيْمِيَةَ إلَّا أنْ أَلَّفَ كتابًا سمَّاه (نقد مراتب الإجماع) ورَدَّ فيه على ابنِ حزم .
فقد وَرَدَ في هذا الكتاب[(نقد مراتبِ الإجماع)/ص168]ما نصُّه :” و أَعْجَبُ من ذلكَ حكايتُه الإجماعَ على كُفْرِ من نازعَ أنه سبحانَه كانَ وحدَه ولا شيءَ غيـرُه معه “ا.هـ.
تأَمَّلْ أيها القارئ كيف يحاولُ أحمدُ أنْ يُبَرِّئَ نفسَه من الوُقُوعِ في الكُفْرِ جاهدًا في أن يُقْنعَ النَّاسَ بصحَّةَ رأيهِ الفاسدِ القائلِ بأنه ما من حادثٍ إلَّا وقبلَه حادثٌ ءاخَرُ إلى ما لا بداية .
.
هذا وقد نَقَلَ المحدِّث الأُصُوليُّ بَدْرُ الدِّينِ الزَّرْكَشِيُّ في كتابه[(تشنيف المسامع)/ص342]اتفاقَ المسلمينَ على كُفْرِ من يقولُ بأزلـيَّة العالم . فقد قال ، بعد أنْ ذَكَرَ أنَّ بعضَ الفلاسفةِ قالوا إنَّ العالمَ قديمٌ بمادَّته وصورته ، أي أفرادِه ، وبعضَهم قال إنه قديمُ المادَّة مُحْدَثُ الصُّورة ، قال هذا الْمُحَدِّثُ الأُصُوليُّ ما نصُّه :” وضَلَّلَهُمُ المسلمونَ في ذلك وكَفَّرُوهُم “ا.هـ..
.
وقولُ الفلاسفةِ في العَالَمِ إنه قديمٌ يَعْنُونَ بذلكَ أَنَّ العالمَ لم يزلْ مَوْجُودًا مَعَ الله من غيرِ أنْ يَكُونَ مخلوقًا له . وممَّنْ صَرَّحَ بتكفيرِ الفَرِيقَيْنِ الحافظُ ابنُ دقيقٍ العيدُ والقاضي عِيَاضٌ والحافظُ ابنُ حَجَرٍ في كتابهِ (فتح الباري) ، وذلك لإجماعِ أُمَّةِ الإسلامِ على أنَّ الله كانَ وحدَه في الأزل ولم يَكُنْ معه شيءٌ ولم يَكُنْ شيءٌ غيرُه ، وأنَّ أَوَّلَ مخلوقٍ دَخَلَ في الوجود هو الماءُ الموجودُ تحت العرشِ وفوقَ الجنَّة ، وأنَّ الله خَلَقَهُ من غيرِ أصلٍ فكانَ أصلًا لغيرِه . رَوَى ذلك البخاريُّ وابنُ حِبَّانَ بأسانيدَ صحيحة . ناهيكَ عن أنَّ ابنَ تَيْمِيَةَ خَرَجَ بمقالتهِ هذه عن صحيحِ العقل .
.
#قال الفقيهُ الحنفيُّ محمَّد زاهد بنُ الحسنِ الكَوْثَرِيُّ في تعليقهِ على (السَّيف الصقيل) ما نصُّه :” وأينَ قِدَمُ النَّوْعِ مع حدوثِ أفراده ؟؟!!.. وهذا لا يَصْدُرُ إلَّا مِمَّنْ به مَسٌّ “ا.هـ..
يقالُ في اللُّغة :” مُسَّ فلانٌ مَسًّا ، على المجهول ، أي جُنَّ . وفلانٌ به مَسٌّ أي جنون ” .
وقال أبو يَعْلَى الحنبليُّ في كتابه (المعتمَد) :” والحوادثُ لَهَا أَوَّلٌ ابتدأتْ منه خلافًا للمُلْحِدِين ” .
************************************************
************************************************
************************************************
ابنُ تيميةَ يقولُ بقيامِ الحوادثِ في ذاتِ الرَّبِّ عَزَّ وجَلَّ (06/05)
.
من ضلالاتِ أحمدَ بنِ تَيْمِيَةَ زعمُه أنَّ كُلَّ مخلوقٍ إنما دخلَ في الوجود بمشيئةٍ غيرِ المشيئةِ التي دَخَلَ بها مخلوقٌ ءاخَر . فعلى زعمِ هذا الضَّالِّ المضلِّ أنَّ لله مشيئاتٍ متعاقبةً بعَدَدِ المخلوقات ، وأنَّ كلَّ إرادةٍ من هذه الإراداتِ حادثةٌ في ذاتهِ أي أنه يتصفُ بإرادةٍ بعد إرادةٍ إلى ما لا نهايةَ له في الماضي وفي المستقبل .. ذَكَرَ ابنُ تَيْمِيَةَ عقيدتَه الفاسدةَ هذه في كتابه[(منهاج السُّـنَّة النبويَّة)/ج1/ص224]..
.
إنَّ كُلَّ مَنْ يؤيِّد رأيَ هذا الضالِّ المنحرفِ يكونُ كافرًا مثلَه ..
*قال حُجَّةُ الإسلامِ الأكبرُ أبو جعفرٍ الطَّحَاوِيُّ السَّلَفِيُّ ، المتوفَّى سنةَ إحدَى وعشرينَ وثلاثمِائةٍ للهجرة ، قال في رسالته (العقيدة الطَّحَاوِيَّة) :” ومَنْ وَصَفَ اللـهَ بمعنًى من معاني البشر فقد كفر ” .
فالذي يشاءُ أمرًا لم يَكُنْ شائيًا له لا يكونُ إلـٰـهًا لأنَّ هذا حالُ البشر . ومَنْ وَصَفَ الله بصفةٍ من صفاتِ البَشَرِ فهو كافـرٌ غيرُ مسلم . ولا يُعْذَرُ الجاهلُ بجهله بالله ..
.
ثمَّ إنَّ أهلَ الحقِّ يقولون :” إنَّ لله إرادةً واحدةً أي مشيئةً واحدةً أَزَلِيَّةً لا بدايةَ لَهَا ، بها حَدَثَتِ الكائناتُ وبها تحدثُ . فالله يخلقُ على حَسَبِ ما شاء هو في الأزل ويغيِّر أحوالَ العَالَمِ على حَسَبِ ما شاء هو في الأزل من غيرِ أنْ تَتَغَيَّرَ مشيئتُه أو يكونَ له أكثرُ من مشيئةٍ واحدة ” .
.
فلو عُدنا إلى كتاب أحمدَ بنِ تيمية[(منهاج السُّـنَّةِ النبويَّة)/ج1/ص224]لوَجَدْنا فيه ما نصُّه :” ومنهُم مَنْ يقولُ بمشيئتهِ وقدرته ، أي أنَّ فعلَ الله بمشيئتهِ وقدرتهِ شيئًا فشيئًا ، لكنَّه لم يَزَلْ مُتَّصِفًا به . فهو حادثُ الآحادِ قديمُ النَّوْعِ كما يقولُ ذلكَ من يقولُه من أئمَّة أصحابِ الحديثِ وغيرِهم من أصحاب الشَّافِعِيِّ وأحمدَ بنِ حنبل وسائرِ الطوائف “ا.هـ.
.
أنظروا ، أيها المسلمون ، كيف يفتري أحمدُ بنُ تَيْمِيَةَ على أئمَّة الهدَى فيَنْسُبُ هذا الكلامَ الكُفْرِيَّ إليهم ، ويَتَقَوَّلُ على أئمَّة الحديثِ والفقهاءِ من أصحاب الشَّافِعِيِّ وأحمدَ بنِ حنبلٍ وغيرِهم ، مَعَ العِلْمِ أنَّ أحدًا منهم لم يَقُلْ ذلك . لكنَّ أحمدَ بنَ تَيْمِيَةَ أراد أن يَنْشُرَ عقيدتَه الكُفْرِيَّةَ هذه بين المسلمينَ وذلكَ ليُرْضِيَ شيخَه إبليس .
*ولقد قال الحافظُ المجتهدُ تقيُّ الدِّينِ السُّـبْكِيُّ في كتابه (الدُّرَّة المضيئة) :” إنَّ أحمدَ جعلَ الحادثَ قديمًا والقديمَ مُحْدَثًا ” . رَحِمَ الله تقيَّ الدِّينِ السُّبْكِيَّ ، لقد أصابَ في حُكْمهِ على ابنِ تَيْمِيَةَ .
نعم ، جَعَلَ أحمدُ بنُ تَيْمِيَةَ الحادثَ قديمًا . أي جَعَلَ المخلوقَ قديمًا غيرَ مخلوق . أي جَعَلَ التسلسلَ في الماضي قديمًا غيرَ مخلوق ، وذلك بقولهِ بأزليَّة نوعِ العَالَمِ كما بَيَّـنَّا لكم . وهذا كُفْرٌ والعياذُ بالله تعالى . كما جَعَلَ أحمدُ القديمَ مُحْدَثًا ، أي جَعَلَ ذاتَ الله الأزليَّ مخلوقًا وذلكَ بقولهِ بحدوثِ الإرادةِ في ذاتِ الله عَزَّ وجَلَّ . إنَّ أحمدَ بنَ تَيْمِيَةَ يَدَّعِي أنَّ الله تحدثُ في ذاتهِ إرادات ، إرادةٌ بعد إرادة ، إرادةٌ بعد إرادة ، إرادةٌ بعد إرادة . جَعَلَ ذاتَ الله غيرَ المخلوقِ مُحْدَثًا أي مخلوقًا وذلكَ بادِّعائهِ أنَّ الله تحدثُ فيه إراداتٌ حادثةٌ متواليةٌ لا انتهاء لها في الماضي وفي المستقبل ..
************************************************
************************
يقولُ ابنُ تيميةَ :” ونحنُ لا نقولُ إنَّ الله كَلَّمَ موسَى بكلامٍ قديمٍ ولا بكلامٍ مخلوق ، بلْ هو سبحانَه يتكلَّم إذا شاء ويسكتُ إذا شاء ” . قال ذلكَ في[(فتاويه)/ج1/ص255/256].
.
ولكنَّ أهلَ الحقِّ ، يا ابنَ تَيْمِيَةَ ، يقولونَ إنَّ الله يَتَكَلَّمُ بكلامٍ ذاتيٍّ لا كما يخطر للبشر ، يَتَكَلَّمُ بلا كيفيَّة ، وكلامُه الذَّاتيُّ هذا ليس بحرفٍ ولا صوتٍ ولا لغة ، ولا يَتَكَلَّمُ بكلامٍ مُبَعَّضٍ يَسْـبِـقُ بعضُه بعضًا ويتَأَخَّرُ بعضُه عن بعض . فلا يُوصَفُ بأنه يتعاقبُ أو يَتَقَطَّعُ أو يحُلُّ في الآذان .
فما زَعَمَهُ ابنُ تَيْمِيَةَ كُفْرٌ . لأنَّ الذي يَتَكَلَّمُ ثمَّ يسكتُ يستحيلُ في العقلِ أنْ يكونَ إلـٰـهًا . أليسَ السُّكُوتُ بعدَ الكلامِ علامةُ التغيُّر ؟؟. بلى ، السُّكُوتُ بعدَ الكلام علامةُ التغيُّر . وكَيْفَ يكونُ مَنْ يطرأ عليه تَغَـيُّـرٌ إلـٰـهًا .
واعتقادُ أهلِ الحَقِّ ، وليسَ ابنُ تَيْمِيَةَ منهم ، أنَّ موسى سمعَ كلامَ الله الذَّاتيَّ الأزليَّ القائمَ بذاتهِ الْمُقَدَّسِ الْمُنَـزَّهَ عن الحرفِ والصَّوْتِ والحُلُولِ في الآذان . هذا هو اعتقادُ أهلِ السُّـنَّةِ والجماعة .
.
ويقولُ ابنُ تَيْمِيَةَ :” والقولُ الحقُّ الصَّحِيحُ أنَّ الله لم يزلْ مُتَكَلِّمًا بحروفٍ متعاقبةٍ لا مجتمعة ” . . . .
قال ذلكَ في كتابه الْمُسمَّى[(موافقة صريح المعقول لصحيحِ المنقول)/ج2/ص151]..
.
ابنُ تَيْمِيَةَ يَزْعُمُ أيضًا أَنَّ ذاتَ الله يحدثُ فيه كلامٌ متوالٍ يَعْقُبُ بعضُه بعضًا . وهذا كُفْرٌ منه صريحٌ ، لأنه يشبِّه الله بمخلوقاتهِ .. هو يَزْعُمُ أنَّ الله يَتَكَلَّمُ بكلامٍ ذاتيٍّ متعاقبٍ مُتَوَالٍ . فكلامُ الله ، على زَعْمهِ ، مُبَعَّضٌ يَتَوَالى . كلامُ الله الذَّاتيُّ ، على زَعْمهِ ، كلامٌ بعد كلام وكلامٌ بعد كلام وكلامٌ بعد كلام ، لا انتهاءَ له في الماضي وفي المستقبل . أجارَنا الله وإيَّاكُمْ من فتنةِ هذا الرَّجُلِ الْمُشَبِّهِ المجسِّم . جَعَلَ ذاتَ الله محَلًّا للحوادث ، ولولا خوفُه من المسلمينَ أن يقتلوه لصَرَّحَ بحدوثِ ذاتِ الله ، أي بأنه مخلوق . وذلكَ لأنَّ كلامَ ابنِ تَيْمِيَةَ هذا ليس له غيرُ هذا المعنى ، لأنَّ الذَّاتَ الذي تَحُلُّ به الحوادثُ يستحيلُ في العقلِ أنْ يكونَ أزليًّا قديمًا . . .
.
وعند العودةِ إلى كتاب أحمدَ بنِ تَيْمِيَةَ[(منهاج السُّـنَّةِ النبويَّة)/ج1/ص24]نجدُ ما نصُّه :” قولُنا بقيام الحوادث بالرَّبِّ إنما هو قولٌ له دليلُه من الشَّرْعِ والعقل “انتهت عبارته .
.
ولكنْ أهلُ الحَقِّ ، يا ابنَ تَيْمِيَةَ ، أجمعُوا على أنَّ الله يَتَكَلَّمُ بكلام ذاتيٍّ لا كما يخطُر للبشر ، يتكلَّم بلا كيفيَّة ، وكلامُه الذَّاتيُّ هذا ليس بحرفٍ ولا صوتٍ ولا لغة ، ولا يتكلَّم بكلامٍ مُبَعَّضٍ يَسْـبِـقُ بعضُه بعضًا ويتَأَخَّرُ بعضُه عن بعض . فلا يُوصَفُ بأنه يتعاقبُ أو يتقطَّع .
فما زَعَمَهُ ابنُ تَيْمِيَةَ كُفْرٌ . لأنَّ الذي يَتَكَلَّمُ بكلامٍ مُبَعَّضٍ يَسْـبِـقُ بعضُه بعضًا ويتأخَّرُ بعضُه عن بعضٍ لا يستحقُّ العبادة . وكأنَّ ابنَ تَيْمِيَةَ يقولُ إنَّ الله كالبشر فَلِمَ تعبدُونه ؟؟!!..
.
*قال الله تعالى (( فلا تضرِبوا لله الأمثال ))[النحل/74]..
*وقال الإمامُ الحُجَّة الأكبرُ أبو حنيفةَ في (الفقه الأبسط) :” والله يَتَكَلَّمُ لا ككلامِنا ، نحنُ نَتَكَلَّمُ بآلةٍ وحرف ، والله مُتَكَلِّمٌ بلا ءالةٍ ولا حرف ” ..
لكنِ ابنُ تَيْمِيَةَ يُصِرُّ على أنْ يَضْرِبَ بكلامِ أئمَّة أهلِ السُّـنَّةِ عُرْضَ الحائطِ ويُصِرُّ على أنْ يَتَمَسَّكَ بعقيدة التشبيه ويُؤَكِّدَها في كتابه[(مذهب السَّلَفِ القويمِ في تحقيقِ مسئلةِ كلام الكريم)/45]..
.
قولُ ابنِ تَيْمِيَةَ إنَّ الله يَتَكَلَّمُ بأحرفٍ معناه إنَّ الله يشبهُ البشرَ بوجهٍ من الوجوه . ثمَّ هو لم يقلْ لنا ما هي هذه الأحرفُ التي يَزْعُمُ أنَّ الله يَتَكَلَّمُ بها . هل هي أحرفٌ عَرَبيَّةٌ ، على زَعْمهِ ، أَمْ سُرْيَانيَّةٌ أم لاتينيَّةٌ أم هِنْدِيَّةٌ أَمْ عِبْرِيَّةٌ أَمْ غيرَ ذلك . أَمِ الله ، على زعمهِ ، يَتَكَلَّمُ بجميعِ اللُّغَاتِ التي نَزَلَتْ بها الكُتُبُ السَّمَاوِيَّةُ .. إنَّ الذي يَتَكَلَّمُ بأحرفٍ ، يا ابنَ تَيْمِيَةَ ، لا بُدَّ أنْ يكونَ مخلوقًا لا يستحقُّ أنْ يُعْبَدَ . لأنَّ قيامَ الحوادثِ في الذَّات يقتضي حُدُوثَ الذَّاتِ . ابنُ تَيْمِيَةَ يَزْعُمُ أنَّ الله يَتَكَلَّمُ بأحرفٍ متعاقبة . والقَوْلُ بأنَّ الله يَتَكَلَّمُ بأحرفٍ معناهُ أنَّ الله يحدثُ في ذاتهِ متغيِّرات . إذْ إنَّ الأحرفَ مختلفةٌ عن بعضِها . كُلُّ حرفٍ يختلفُ عن غيرِه . والحرفُ الذي يُنْطَقُ بهِ حَدَثَ بعدَ أنْ لم يَكُنْ . وهكذا كُلُّ حرفٍ ينتظرُ دورَه . تعاقبُ الحروفِ في الكلامِ علامةٌ على أنَّ كُلَّ حرفٍ يُنْطَقُ بهِ يكونُ مخلوقًا في زمانٍ خاصٍّ به . وكيفَ يجري على الله زمان ؟؟!!. أليسَ هو خالقُ الزَّمان ؟؟!!، وخالقُ الشَّيء مَوْجُودٌ قبلَه . ادِّعاءُ أنَّ الله يجري عليه زمانٌ نفيٌ لأُلوهِيَّةِ الله ، لأنَّ الذي يجري عليه زمانٌ يجوزُ عليه التغيُّر ، والله لا يجوزُ عليه التغيُّر . .
.
ثمَّ مَنْ قال لهؤلاء الذينَ يدافعونَ عن عقيدةِ ابنِ تَيْمِيَةَ إنَّ أهلَ السُّـنَّةِ يقولونَ إنَّ الكيفَ في حَقِّ الله مجهول ؟!.. هذا كَذِبٌ عليهم .. أهلُ السُّـنَّةِ يقولونَ الكيفُ مرفوعٌ غيرُ معقول .. هذا هو الصَّحيحُ المنقولُ عنهم .. هم يقولونَ الكيفُ مرفوعٌ غيرُ معقول .. هم لا يقولونَ الكَيْفُ مجهول ..
.
*هؤلاء الذينَ يَتَمَسَّكُونَ بعقيدةِ ابنِ تَيْمِيَةَ ويَزْعُمُونَ أنهم على عقيدةِ السَّلَفِ الصَّالحِ تنَاسَوْا كلامَ الإمامِ الأكبرِ حُجَّةِ الإسلامِ أبي جعفرٍ الطَّحَاوِيِّ السَّلَفِيِّ ، المتوفَّى سنةَ إحدَى وعشرينَ وثلاثمِائةٍ للهجرةِ .. يقولُ هذا الإمامُ في كتابهِ (العقيدة الطَّحَاوِيَّة) التي ذَكَرَ في مُقَدِّمَتِهَا أنها عقيدةُ أهلِ السُّـنَّةِ والجماعةِ قاطبةً يقول :” ومَنْ وَصَفَ اللـهَ بمعنًى من معاني البشر فقد كفر ” .
.
*وقال :” إنَّ القرءانَ كلامُ الله منه بَدَا بلا كَيْفِيَّةٍ قَوْلًا وأنزلَه على رسولهِ وَحْـيًا ، وصَدَّقَهُ المؤمنونَ على ذلك حَقًّا ، وأَيقَـنُوا أنه كلامُ الله تعالى بالحقيقةِ ليس بمخلوقٍ ككلامِ البريَّة ” .
نَفْيُ الكَيْفِيَّةِ والمَخْلُوقِيَّةِ عن كلامِ الله معناهُ هو مُتَكَلِّمٌ بكلامٍ مُنَزَّهٍ عن الحرفِ والصَّوْتِ واللُّغَةِ والتَّبَعُّضِ والتعاقب .. وهذا هُوَ القَوْلُ الحَقُّ ، قولُ أهلِ السُّـنَّةِ والجماعة ..
.
*وقال الإمامُ أبو سليمانَ الخَطَّابيُّ شيخُ البَيْهَقِيِّ :” إنَّ الذي يجبُ علينا وعلى كُلِّ مسلمٍ أنْ يَعْلَمَهُ أنَّ رَبَّنَا ليسَ بذِي صورةٍ ولا هَيْـئَةٍ ، فإنَّ الصُّورَةَ تقتضي الكَيْفِيَّةَ وهي عن الله وعن صفاتهِ مَنْفِيَّة ” .. رواه عنه البَيْهَقِيُّ في كتابهِ (الأسماء والصِّفات) ..
.
*وقال الإمامُ الرفاعيُّ :” غايةُ المعرفةِ بالله الإيقانُ بوجودِه تعالى بلا كيفٍ ولا مكان ” ..
قال كلمةَ التنـزيهِ هذه في كتابه[(حِكَمُ الشَّيخِ أحمدَ الرِّفاعِيِّ الكبير)/ص35/ص36]..
والإمامُ الرِّفاعِيُّ هذا هو أحمدُ بنُ عليِّ بنِ أَحمدَ بنِ يحيى بنِ حازمِ بنِ عليِّ بنِ رِفاعة . وينتهي نَسَبُهُ إلى زَينِ العابدينَ عليِّ بنِ الحسينِ بنِ الإمامِ عليِّ بنِ أبي طالب . وكانَ ممَّن جَمَعَ بينَ العِلْمِ والعَمَلِ
.
ولقد زَعَمَ الْمُجَسِّمُ الْمُشَـبِّهُ أحمدُ بنُ تَيْمِيَةَ أنَّ الله يقولُ ” كُنْ ” كما نحنُ نَنْطِقُ بها ، أي بالكافِ والنون ، إلَّا أنَّ الله ، على زَعْمهِ ، يقولُها فيما لا بدايةَ ويبقى يقولُها إلى ما لا نهايةَ فيحدُث ، على زَعْمهِ ، المخلوقُ بعد كُلِّ كلمةِ ” كُنْ ” يَنْطِقُ الله بها . وهذا ما عناهُ ابنُ تَيْمِيَةَ بقولهِ :” إنَّ الله يَتَكَلَّمُ بكلامٍ أزليِّ النوعِ حادثِ الأفراد ” . ذَكَرَ ابنُ تَيْمِيَةَ عقيدتَه الفاسدةَ هذه في كتابه[(رسالة في صفة الكلام)/ص51].
.
وليسَ في قول الله تعالى في سورة يس (( إنما أمرُه إذا أراد شيئًا أن يقولَ له كُنْ فيَكُونُ)) ما يُؤَيِّدُ زَعْمَ ابنِ تَيْمِيَةَ . وذلك لأنَّ أهلَ الحَقِّ قالوا في تفسيرِ هذه الآيةِ إنها بيانُ أنَّ الله تعالى إذا شاء أمرًا فإنه يكونُ بقدرتهِ تعالى على الوجهِ الذي شاءه ، سبحانَه وتعالى ، من غيرِ معاناةٍ ولا تَعَبٍ ولا ممانعةِ أَحَدٍ له ، ومن غيرِ أنْ يكونَ له مُعَقِّبٌ يُؤَخِّرُ ما أرادَ وجودَه في الوقتِ المعيَّنِ عن ذلك .
.
*كيفَ يقالُ بعدَ كُلِّ ما تقدَّم إنَّ ابنَ تَيْمِيَةَ مُوَحِّدٌ على عقيدةِ التوحيدِ التي جاء بها رسولُ الله ؟!..
وهذا الحافظُ ابنُ حَجَرٍ العسقلانيُّ يقول في شرحهِ على (صحيح البخاريِّ) :” أهلُ السُّـنَّةِ فَسَّروا التوحيدَ بنفي التشبيهِ والتعطيل ” .. أنظر[(فتحَ الباري)/ج13/ص344]..
.
وهل إذا نزَّهنا نحنُ ، أهلَ السُّـنَّةِ ، كلامَ الله عن الحروفِ صِرْنا نافينَ لكلامه ؟؟!!.. وهل لا يُعْقَلُ كلامٌ إلَّا بحرف ؟؟!!.. مَنْ قال هذا سِوَى المشبِّهة ؟؟!!.. هذا دينُ المشبِّهة .. وَقَعُوا في التشبيهِ لأنهم حَكَّمُوا الوَهْمَ وأهملوا العقل .. الوَهْمُ يقول لا يُعْقَلُ كَلامٌ إلَّا بحرفٍ كما لا يُعْقَلُ موجودٌ إلَّا في مكان ..
.
#ثمَّ هؤلاء الذينَ لا يؤمنونَ إلَّا بكلامٍ مُبَعَّضٍ متعاقبٍ يحدثُ بعضُه بعد بعضٍ في ذاتِ الله في الأزل والأبد يُقال لهم إنَّ الكلامَ الْمُبَعَّضَ المتعاقبَ الذي يحدثُ بعضُه بعد بعضٍ في الذَّاتِ لا بُدَّ أنْ يكونَ بفعلِ فاعل ، والله لا يُفْعَلُ به ولا فيه . وهذا ذَكَرَهُ بعضُ مشاهيرِ علماء الكلامِ في تقريرِ عقائدِ أهلِ السُّـنَّةِ وذَكَرَهُ بعضُ الْمُحَدِّثين ، منهم الْمُحَدِّثُ الحافظُ أبو بكرٍ الخطيبُ البغداديُّ في كتابه[(الفقيه والمتفقِّه)/ج1/ص132]، وغيرُه ..
ولو كانَ الله متكلِّـمًا بكلامٍ مُبَعَّضٍ مُتوالٍ مُتعاقبٍ في ذاتهِ فإمَّا أنْ يكونَ لكلامهِ ابتداءٌ وإمَّا أنْ لا يكونَ لكلامهِ ابتداء . فإنْ قالوا هو مُتَكَلِّمٌ بعدَ أنْ كانَ ساكتًا فقد قالوا بقيام التغيُّر في ذاته ، وهذا نفيٌ لألوهيَّة رَبِّنا عَزَّ وجَلَّ . وإنْ قالوا هو مُتَكَلِّمٌ بكلامٍ يحدثُ في ذاتهِ متواليًا فيما لم يزلْ بلا بدايةٍ صاروا من القائلينَ بحوادثَ لا أَوَّلَ لها في ذاتِ الله وخارجَ ذاتِ الله . والقولُ بحوادثَ لا أوَّلَ لها باطلٌ باطلٌ باطلٌ وألفُ باطل .. والأَدِلَّةُ على فسادِ هذا القولِ كثيرةٌ لا تحصَى .. ونحنُ نُذَكِّرُهُمْ بكلامِ ذي النُّونِ الْمِصْرِيِّ :” مهما تَصَوَّرْتَ ببالك فالله بخلاف ذلك ” .. نَقَلَ ذلكَ عنه الحافظُ أبو بكرٍ الخطيبُ البغداديُّ في (تاريخ بغداد) بإسنادٍ مُتَّصِلٍ إليه .
ورَوَى ذلكَ أيضًا أبو الفضلِ عبدُ الواحدِ بنُ عبدِ الغنيِّ التميميُّ عنِ الإمامِ أحمدَ بنِ حنبل . وكان ذو النُّونِ الْمِصْريُّ والإمامُ أحمدُ بنُ حنبلٍ مُتعَاصِرَين ..
لِيُحَكِّمْ هؤلاء الْمُشَبِّهَةُ عُقُولَهُمْ ولا يحتكموا إلى الوَهْمِ .. وليتركوا هذه العقائدَ الفاسدةَ التي لا حَظَّ لها من حُكْمِ العقل . ولْيَكُنْ كلامُ شيخِ أهلِ السُّـنَّةِ والجماعةِ أبي جعفرٍ الطَّحاويِّ :” ومَنْ وَصَفَ الله بمعنًى من معاني البشَر فقد كَفَر ” حَاضِرًا في أذهانهِم عندما يتكلَّمون في صفاتِ الله .. والحمدُ لله رَبِّ العالمين ..
************************************************
************************************************
************************************************
تَرْجمَةٌ مُوجَزةٌ لأحمدَ بنِ تيمية (06/06)
.
أبو حَيَّانَ الأندلسيُّ له كتابانِ في التفسير ، أَحَدُهُما (البحرُ المحيط) والثَّاني (النهرُ المادُّ) .. وأبو حَيَّانَ هذا أصلُه أندلسيٌّ لكنَّه كانَ يقيمُ بدمشقَ . وأحمدُ بنُ تَيْمِيَةَ كانَ من أهلِ دمشقَ . هو أبو العَبَّاسِ أحمدُ تقيُّ الدِّينِ بنُ عبدِ الحليمِ حفيدُ الفقيهِ الحنبليِّ المشهورِ مجدِ الدِّينِ عبدِ السَّلامِ ، وينتهي نسبُه إلى عبدِ الله بنِ تَيْمِيَةَ الحَرَّانيِّ .. وقيلَ في سبب تلقيب العائلةِ بـ[[ءالِ تَيْمِيَةَ]]أقوالًا عديدة ، منها أنَّ أَحَدَ أجدادِه مُحَمَّدًا كانت أمُّه تسمَّى تَيْمِيَةَ ، وكانت واعظةً ، فنُسِبَ إليها وعُرِفَ بها .. ولقد وُلِدَ أحمدُ في بيتِ علمٍ من الحنابلة .. وُلِـدَ سنة 661 للهجرة في حَرَّانَ ، وهي قريةٌ تقع شَمَالَ محافظةِ الرَّقَّةِ في سوريَّة على الضِّفَّةِ اليسرى لنهر البليخ وَسْطَ مرجٍ خصيب ، وهي الآنَ من القرَى الأثريَّة المهمَّة .. وفي سنة 667 للهجرة أغار التَّـتَارُ على حَرَّانَ فاضطُرَّت عائلتُه إلى تركِ البلد .. فأتى به والدُه الشَّيْخُ عبدُ الحليم بنُ مجدِ الدِّينِ مَعَ ذَوِيهِ إلى دمشقَ خَوْفًا عليه من الْمَغُولِ . وكانَ عبدُ الحليم بنُ مجدِ الدِّينِ رَجُلًا رَزِينًا ، فأكرمَه علماءُ الشَّامِ ورِجَالُ الحكومةِ حتَّى وَلَّوْهُ عدَّةَ وَظَائفَ علميَّة مُسَاعَدَةً له . وبعدَ أنْ ماتَ عبدُ الحليمِ والدُ أحمدَ وَلَّوْا ابنَه أحمدَ ، وَظَائفَ والدِه عبدِ الحليمِ بعدَ أنْ ظَـنُّوا بأحمدَ خيـرًا . وحَضَرُوا دَرْسَهُ تشجيعًا له على الْمُضِيِّ في وظائفِ والدِه ، وأثنى عليه العلماءُ في عصرِه في بدايةِ الأَمْرِ وعَطَفُوا عليهِ بسبب ما لقيَ ذَوُوه في هجرتهم من وَجْهِ المغول . ولكنَّ أحمدَ بنَ تَيْمِيَةَ ما لبثَ أنْ حادَ عن طريقِ أهلِ الحقِّ وعمَّا كانَ عليه رسولُ الله وصحابتُه في الاعتقادِ وعمَّا أجمعَ عليه العلماءُ والمسلمونَ وضَلَّ وأَضَلَّ . ولذلكَ خابَ ظَنُّ العلماء فيه في عصرِه وأَخَذُوا يتَخَلَّوْنَ عنه واحدًا إثرَ واحد على توالي فِتَنهِ وخَطَرِهَا . وصارَ علماءُ عَصْرِهِ يَرُدُّونَ عليه ويُحَذِّرُونَ النَّاسَ منه ومن ضلالاته .
ومن العلماء والأَئمَّةِ الكبارِ الذينَ رَدُّوا عليه الفقيهُ وليُّ الدِّينِ العراقيُّ ابنُ شيخِ الحُفَّاظِ زينِ الدِّينِ العراقيِّ .
قال وليُّ الدِّينِ العراقيُّ في كتابه (الأجوبة المرضية) ما نصُّه :” إنَّ ابنَ تَيْمِيَةَ عِلْمُهُ أكبرُ من عقله”ا.هـ.. معناه : العلمُ الصَّحيحُ الذي تلقَّاه هذا الرَّجُلُ عن أهلِ العلم كانَ يعطيهِ للنَّاسِ مُحَرَّفًا بقصدِ إضلالهِم وإفسادِهم وذلكَ بسبب فسادِ عقلهِ ونيَّته ..
.
وقال هذا الإمامُ ، الحافظُ وليُّ الدِّينِ الْمُكَنَّى بأبي زُرْعَةَ ، في كتابهِ المذكورِ ما نصُّه :” إنَّ ابنَ تَيْمِيَةَ خَرَقَ الإجماعَ في مسائلَ كثيرة ، قيلَ إنها تبلغُ ستِّينَ مسئلة ، بعضُها في الأُصُولِ وبعضُها في الفُرُوعِ ، خالفَ فيها بعد انعقادِ الإجماعِ عليها “ا.هـ..
ولقد أسرعَ علماءُ عصرِه في الرَّدِّ عليه وتبديعهِ . ومنهم الإمامُ المشهورُ الحافظُ تقيُّ الدِّينِ عليُّ بنُ عبدِ الكافي السُّبْكِيُّ .. ولقد استُتيبَ أحمدُ بنُ تَيْمِيَةَ مَرَّاتٍ عديدَة . استتابهُ العلماءُ ووُلاةُ الأُمُورِ في عصرِه ،
ولكنَّه من خُبْـثهِ وضلالهِ كانَ يَنْقُضُ مَواثيقَه وعُهُودَهُ في كُلِّ مَرَّة حتَّى حُبِسَ بفتوًى من القُضَاةِ الأَربعةِ الذينَ كانَ أَحَدُهُمْ شافعـيًّا والآخَرُ مالكـيًّا والآخَرُ حنفيًّا والآخَرُ حنبليًّا . وحَكَمَ عليه العلماءُ هؤلاء بالاتفاقِ بأنه ضَالٌّ مُضِلٌّ يجبُ التحذيرُ منه . ولعِظَمِ خَطَرِ ابنِ تَيْمِيَةَ وفتنتهِ في عصرِه أصدرَ الْمَلِكُ مُحَمَّدُ بنُ قَلاوُونَ منشورًا يُحَذِّرُ فيه من ابنِ تيميةَ ومن أتباعهِ لِيُقْرَأَ على المنابرِ في بلاد مِصْرَ والشَّام .
ومَنْ أرادَ المزيدَ من الاطِّلاعِ على حالِ أحمدَ بنِ تَيْمِيَةَ هذه فليرجعْ إلى كتاب (عيون التاريخ) للحافظِ الْمُحَدِّثِ صَلاحِ الدِّينِ الصَّفَدِيِّ الذي كانَ تلميذَ أحمدَ قبلَ أنْ يَشِذَّ أحمدُ وينكشفَ حالُه .
وماتَ أحمدُ بنُ تَيْمِيَةَ في السِّجْنِ في دمشقَ سنةَ ثمانيةٍ وعشرينَ وسَبْعِمِائةٍ للهجرة ((728 هـ)) .. وتقيُّ الدِّينِ السُّبْكِيُّ يُقالُ له عليُّ بنُ عبدِ الكاف ، ويُقالُ له عليُّ بنُ عبدِ الكافي . هذا الرَّجُلُ كانَ خطيبَ الجامعِ الأُمَوِيِّ ، وكانَ من مُعَاصِرِي ابنِ تَيْمِيَةَ ، وكانَ السُّبْكِيُّ من أعلمِ شُيُوخِ عصرِه في القَضَاء . كانَ قاضيًا بدمشقَ ، وكانَ وَرِعًا تقـيًّا .
قال فيه الذَّهبيُّ
:” لِيَهْنَ المِنْبَرُ الأُمَوِيُّ لَمَّا ،،، علاهُ الحاكمُ البحرُ التقيُّ
شُيوخُ العصرِ أحفظُهم جميعًا ،،، وأَخْطَبُهُمْ وأَقْضَاهُمْ عليُّ ” .
وقال فيه الحافظُ صلاحُ الدِّينِ الصَّفَدِيُّ تلميذُ السُّبْكِيِّ :” أنا لا أُشَبِّهُهُ إلَّا بسفيانَ الثَّوْرِيِّ ” .
يعني أنَّ السُّـبْكِيَّ كانَ عالِمًا عابدًا ..
والسُّـبْكِيِّ هذا كانَ من مُعَاصِرِي أحمدَ بنِ تَيْمِيَةَ ثمَّ تأَخَّرَ عنه وَفاةً . وقال في أحمدَ بنِ تَيْمِيَةَ
:” وحُبِسَ بإجماعِ العلماء ووُلاةِ الأُمُور ” ..
وتُوُفِّيَ هذا الإمامُ الكبير ، تقيُّ الدِّينِ السُّـبْكِيُّ ، سنةَ ستٍّ وخمسينَ وسبعِمِائةٍ للهجرة ((756 هـ))