اغتنم وقتك في طاعة الله
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مما أنزل الله في صحفِ إبراهيم [1] على المرءِ العاقلِ ما لم يكن مغلوباً على عقلهِ أن يكون له أربعُ ساعاتٍ ساعةٌ [2] يناجي فيها ربَّهُ [3] وساعةٌ يُحاسبُ فيها نفسَهُ و ساعةٌ يتفكر فيها فيما صنع الله وساعةٌ يخلو فيها لَمطْعَمهِ و مشربهِ وعلى العاقلِ أن يكونَ بصيراً بزمانهِ [4] و ألا يتكلم فيما لا يعنيه فمن حسَب كلامَهُ من عملهِ قلَّ أن يَتكَلمَ فيما لا يعنيهِ”.
وينبغي أن يكون للعاقل وقتٌ في يومهِ لتحصيل الطعامِ و الشرابِ و يجبُ أن يكون ذلك من الحلالِ لأن طلب الرزقِ من الحرام حرام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كل جسدٍ نبت من سحتٍ فالنارُ أولى بهِ{[5]والسحتُ الحرام ، وهذا الأمرُ أي الطعامُ والشرابُ قد يغني اللهُ بعضَ عبادهِ عنه كما حصلَ لكثير من الأولياء و قد صحَ كما روى الحافظُ الحاكمُ أن امرأةً أسمُها رحمةُ بنتُ إبراهيم كان زوجُها قتل شهيداً في المعركةِ ولها أولادٌ صغار دخلت في الصلاةِ ونامت وهي ساجدة فرأت زوجَها في الجنةِ مع أصحابهِ متحلِّقين حلقاً حلقا في أرضٍ خضراء جميلة فناداها يارحمةُ يارحمةُ وقال لأصحابهِ هل تأذَنون لي أن أُطعِمَ هذه المِسكينة فناولها لُقمةً ، قالت رحمةُ لا أدري ما هي ؟ لونُها أبيضُ من الثلجِ و هي ألينُ من الزبد وأحلى من العسلِ و قال لي كُلي فلا تجوعين بعد هذا أبداً و لا تَعْطَشين أبدا قالت فأكلتها و أصبحت ريّا شَبْعى ثم إنها عاشت بعد ذلك سنين لا تأكلُ و لا تشرب وصحتها قوية ومتوردةُ الخدين و انتشر خبرُها حتى إن بعض الحكام حبسها في غرفةٍ ووضع عليها حرساً فصلاً كاملاً لينظر إن كانت تأكلُ أو تشرَب فوجدها لا تأكُل و لا تشرب ثم ينبغي للعاقل أن يحسب كلامهُ من عَملهِ و ان لا يتكلم فيما لا يعنيه فإن هذا يعينه على تقوى الله ففي الحديث “من صمت نجا” رواه الترمذي وفي الحديث الذي رواه ابنُ حِبان “عليك بطولِ الصمت إلا من خير فإنهُ مطْرَدةٌ للشيطان عنك و عونٌ لك على أمر دينك” معناه الشيطانُ ينزعجُ من المؤمنِ الذي يُكثر الصمت لأنه لا يُوقِعَهُ في الغلطِ كمن يُكْثر الكلامَ و معناه أن المؤمن يعينه على أمر الدين أي على تقوى الله أي أن يُطيل الصمتَ وهذا من صفة الأنبياء و الأولياء قال الشافعي من كَثُرَ لغَطُهُ[6] كَثرَ غلطه ومن طاب ريحه زاد عقله و من نظُفَ ثوبُه قل همُهُ .
[1] هذه صحف إبراهيم ما كان فيها أحكام شريعة مثل القرآن كان فيها مواعظ و عبر من جملة ما فيها من المواعظ هذا الذي رواه الرسول .
[2] حصة من الوقت .
[3] يعمل بالطاعة ، الصلاة مناجاة ، الذكر مناجاة ، الطاعات مناجاة .
[4] يعني يعرف حال الزمن الذي هو فيه حتى يتصرف بحكمة تفيدُ أمر الدين .
[5] يستحق العذاب .
[6] اللغط هو الكلام الذي لا خير فيه .
[7] تدل على أن الله هو خالق الأسباب والمسببات .
[8] بعض المفسرين قالوا أي يذكرون الله تعالى بلسانهم ، وهو قائم يذكر الله ، وهو قاعد يذكر الله ‘، وهو على جنبه يذكر الله . وبعض المفسرين فسروها بالصلاة أي يصلي قائماً إن استطاع أو على جنبه أو جالساً إن لم يستطع . يأتي أحياناً ذكر الله على معنى الصلاة بدليل الآية ( فاسعَوْا إلى ذكر الله و ذروا البيع ) هنا المعتى إلى الصلاة .