الاقتداء بالأنبياء في العقيدة ومكارم الأخلاق
إنَّ الحمد لله نحمَدُه ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِ اللهُ فلا مُضلَّ له ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أنَّ محمداً عبدُه ورسوله من بعثهُ اللهُ رحمةً للعالمين هادياً ومبشراً ونذيراً. بلّغ الرسالة وأدّى الأمانة ونصحَ الأمة فجزاه اللهُ عنا خير ما جزى نبياً من أنبيائه صلواتُ الله وسلامه عليه وعلى كل رسول أرسله. أما بعد عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله العليّ العظيم.
يقول الله تبارك وتعالى {أولئك الذينَ هَدَى اللهُ فبِهُدَاهُمُ اقْتَدِه} الله تبارك وتعالى بعد أن ذكر عدداً من الأنبياء أمر نبيّه محمّداً بالاقتداء بهم في أصول العقيدة ومكارم الأخلاق والأحكام، إلاّ ما نُسِخَ في شَرعه فإنّه لا يجب عليه أن يقتدي بهم فيه والنسخ لا يكون في أصول العقيدة إنّما يكون في الأحكام الفرعيّة.
وقد علَّم النبي صلى الله عليه وسلم أمّته كثيراً من الأمور التي تنفعهم في دينهم ودنياهم وحضّهم على العمل بها وكان من تلكَ الأمور استعمال السِّواك والاكتحال بالإثمد ولبس القلنسوة والقميص الأبيض ( الجلابية ) وماء زمزم، والتطيب، و استعمال السُّبْحة وغير ذلك من الأمور المفيدة كبخور العود واللبان، وأكل التمر.
وسنبدأ بالتحدّث عن السِّواك فقد قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم :” السِّوَاكُ مطهرةٌ للفم مَرْضاةٌ للرّب ” رواه أبو داود بإسناد قوي.
وقال :” ركعتان بِسواك أفضل من سبعين ركعة من غير سواك ” (أخرجه الهيثمي في المجمع). والسواك شرعاً معناه استعمال عود أو نحوه في الفم لتنظيف الأسنان وأفضل ما يُستعمل لذلك هو خشَبُ الأراك والأفضل أن يكون السواك يابساً نُدِّي بالماء، وهو إذا كان جديداً كان فيه شىءٌ من الرطوبة وحدُوديّة لذّاعة. والسواك مستحب في كلِّ حالٍ إلا بعدَ الزوالِ للصائم فإنّه مكروه تنزيهاً لحديث:” لخلُوف فم الصائم أطيب عنْدَ اللهِ من ريح المسك ” رواه البخاري. وتزول الكراهة بغروب الشمس.
وهو في ثلاثةِ مواضِعَ أشَدُّ استحباباً :
1- عند تغيُّرِ الفَمِ من طول السكوت.
2- وعند القيام من النوم.
3- وعند القيام إلى الصلاة. فلو ترك الاستياك فصلّى كان خلاف الأولى، وكذلك يُسَنُّ السِّواك للوضوء ويكون محلّه بعد غسل الكفين وقيل قبل ذلك وللتيمم ولقراءة القرءان ولصُفرة الأسنان وللطواف وعند إرادة النوم، ويُسَنّ باليد اليُمنى وأن يبدأ بالجانب الأيمن من فمه وأن يُمِرَّه على سقف حلقه مراراً لطيفاً وكُرْسي الأضراس، وينوي بالسّواك السنة.
ومن فوائد السّواك أنه يطَهّر الفم ويُرضى الرّب ويَشُدّ اللِثّة ويضاعف الأجر ويبيّض الأسنان ويذكّر بالشهادة عند الموت، ويساعد في إخراج الحروف. فحافظوا عليه.
وأما الإثمِدُ فاستعماله سُنّة أيضاً، فقد قال عليه الصلاة والسلام :” اكتحلوا بالإثمد فإنه يَجلُو البَصَر ويُنْبت الشّعر ” رواه البيهقي والترمذي من حديث ابن عباس. وينبغي أن يكون الاكتحالُ وِتراً أي ثلاث مرّات في كلِّ عين.
ومما يُسَنّ أيضاً لُبْس القَلَنْسُوة والقميص أي (الجلابية) ويسَنّ أن تكون إلى نصف الساق والأفضل لُبْس البياض. ففي الحديث :” إلبَسُوا من ثيابكم البياض فإنها خيار ثيابكم وكفّنوا فيها موتاكم “.
ومما يُسْتَحَبُّ شربُ ماء زمزم، فمن كان له حاجَةٌ فليشرب ماء زمزم على نية قضاء حاجته لما في هذا الماء من الخصوصية فمن أراد شرب ماء زمزم فليقل عند شربه ” اللهم إنّه بلَغَني أنَّ نبيّك قال :” ماءُ زمزمَ لما شُرِبَ له ” اللهم إنّي أشربُه مستشفياً به فاشفني واغفر لي اللهم إني أسألك علماً نافعاً ورِزْقاً واسعاً وشفاءً من كلِّ داء.
وكذلك يُسنُّ التطيب وأطيبُ الطيب هو المِسْكُ كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام.
والمسك يؤخذ من الغزال ويكون في كيس جلد جامداً. ولقد كان النبي عليه الصلاة والسلام طيّب الرائحة من غير طيب حتى إنَّ إحدى زوجاته كانت تأخذ من عرقه فتضيفه إلى طيبها فيزداد طيبُها طِيْباً.
إخوة الإيمان، وبما أن موعد مجيء الحُجّاج قد اقترب أذكركم باستعمال البخور الذي يُجلب كالعود وغيره وأكل التمر الذي يُجلب من المدينة المنورة المباركة أمّا البخور فإن العود من أطيبه وهو نافع لمن أصيب بالشقيقة، وأما اللبان فهو كثير النفع أيضاً وقد ورد عن سيدنا علي ” اللُّبان يُذهِبُ النِسيان ” وأما التمر فإن لبعض أصنافه خصوصية من ذلك عجْوة المدينة فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :” من تصبّح بسبع تمرات من عجوة المدينة مما بين لابتيْها لم يضره في ذلك اليوم سم ولا سحر ” رواه مسلم. واللابة هي الحَرَّةُ، وهي أرض فيها حجارة سود، والمدينة يكتنفها لابتان. ثم إنّ مما أذَكّركم به يا عباد الله هو استعمال السُّبحة فقد ورد في الحديث :” نِعْمَ المُذَكر السُّبحة فإنها تذكّر حاملها بتسبيح الخالق عز وجل وتمجيده”.
نعم إنَّ التسبيح بالأنامل أفضل، فإنَّ النبي كان يعقدُ التسبيح بيمينه فإنَّ الأنامل مسئولات مستنطقات. وليس لمن ينكر التسبيح بالسبحة كالوهابية أتباع ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب حجة بل إنكارهم هذا مردودٌ عليهم فإنَّ هذا من البدَع الحسنة التي يحبُّها الرسول وإن لم يكن ثبت عنه استعمالها فإن الرسول حضّ الصحابة على أشياء ما كانوا يعرفونها ولكنها ستعرف فيما بعد.
فقد أخرج السيوطي في الخصائص :” قال : لما نسخ عثمان المصاحف قال له أبو هريرة أصبت ووُفّقْتَ أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :” إنَّ أشدَّ أمتي حبّاً لي قومٌ يأتون من بعدي يؤمنون بي ولم يَروني يعملون بما في الورق المعلّق “.
وفي لفظ للحاكم ” يجدون الورق المعلق فيعملون بما فيه ” فهؤلاء أفضل أهل الايمان إيماناً ” ففيه حضٌّ للصحابة على شىء لم يكونوا يعرفونه بتلك الهيئة إذ ذاك وتشويقهم ليعتنوا به إذا رأوه. قال أبو هريرة : فقلت : أي ورق (أي الذي تحدّث عنه النبي ) حتى رأيت المصاحف فأعجب ذلك عثمان. وأمر لأبي هريرة بعشرة ءالاف.
اللهم ثبّتنا على اتباع سنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم إنك على كل شىء قدير.
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الأمين وعلى ءاله وصحبه الطيبين الطاهرين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أنَّ سيدنا محمداً عبده ورسوله، وصفيه وخليله، صلى الله عليه وعلى كل رسول أرسله، أما بعد عباد الله اتقوا الله في السر والعلن. يقول الله تعالى في القرءان الكريم { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌعَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّاأَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ}.
إخوة الايمان نذكركم بالطلب من الحجاج القادمين بأن يستغفروا لكم فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :” اللهم اغفر للحاج ولمن استغفر له الحاج”. رواه الحاكم.
واسمعوا هذه الفائدة الجليلة، فقد قال بعض أهل العلم إنَّ الذي يرى الكعبة في منامه لا بد أن يحج وليس شرطاً أن يرى نفسه أنه يؤدي مناسك الحج. فاستبشروا يا عباد الله بذلك خيرا وهنيئاً لمن أكرمه الله بذلك وحجّ حجاً مبرواً.
واعلموا يا عباد الله أنَّ الله أمركم بأمر عظيم أمركم بالصلاة على نبيه الكريم فقال {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} اللهم صل على محمد وعلى ءال محمد كما صليت على ابراهيم وعلى ءال إبراهيم إنك حميد مجيد.
اللهم إنّا دعوناك فاستجب لنا دعاءنا فاغفر اللهم لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، اللهم إنّا نسألك ونتوجه إليك بنبينا محمد نبي الرحمة يا محمد إنا نتوجه بك إلى ربنا في حاجاتنا.
اللهم أحسن خاتمتنا وأصلح أحوالنا، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، ربنا ءاتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.