Search or ask ابحث او اسأل
April 29, 2023

العدد الثامن

العدد: 8

اقرأ في هذا العدد:

    * الافتتاحية – علاج الهموم والأحزان
    * تفسير ءاية – إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِى لأرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً
    * الصبر
    * من معجزات النبي – الإسراء والمعراج

    

افتتاحية
علاج الهموم والأحزان

في كل وقت وحين تتكاثر الهموم والأحزان على المسلمين وأحسن الكلام حسبنا الله ونعم الوكيل. وقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أدعية حري بنا أن نستعملها في النوازل والمصائب ومنها قوله عليه الصلاة والسلام ((ما أصاب أحدا قط هم ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض فيّ حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك أو علمته أحدا من خلقك، أو أنزلته في كتابك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همّي، إلا أذهب الله همّه وحزنه وأبدله مكانه فرحا، قال: فقيل: يا رسول الله ألا نتعلّمها؟ فقال: بلى، ينبغي لمن سمعها أن يتعلمها)).

وقد تضمن هذا الحديث أمورا من المعرفة والتوحيد منها: أن الداعي به صدّر سؤاله بقوله: ((إني عبدك، ابن عبدك، ابن أمتك))، وهذا يتضمن الاعتراف بأنه مأمور منهي، والعبودية هي نهاية التذلل والخضوع والإنابة، وامتثال أمر الله واجتناب نهيه، ودوام الافتقار إليه، واللجأ إليه، والاستعانة به، والتوكل عليه.

ومعنى قوله: ((ناصيتي بيدك)) أي أنت المتصرف في، تصرفني كيف تشاء، لست أنا المتصرف في نفسي، وكيف يكون له تصرف في نفسه مَن نفسه بيد ربه أي بقدرته تعالى (واليد هنا ليست على المعنى المتابدر للذهن الجارحة,كلا أنما على معنى القدرة لأن الله تعالى متصف بالصفات التى لاتشبه صفات غيره) فالعبد أموره بقدرة الله تجري حياته وموته وسعادته وشقاوته والأمر كله إلى الله تعالى .ومن علم أن ناصيته ونواصي العباد جميعا بيد الله وحده، يصرفهم كيف يشاء لم يخشهم بعد ذلك ولم يرجهم، وصار فقره وضرورته إلى ربه وصفا لازما له، ولم يفتقر إليهم، ولم يعلق أمله ورجاءه بهم، وحينئذ توكله على الله، ولهذا قال هود عليه السلام لقومه كما أخبر الله تعالى بقوله: إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم [هود:56].

وقوله صلى الله عليه وسلم : ((ماض في حكمك، عدل في قضاؤك)) قضائه كله عدل، وأمره كله مصلحة، والذي نهى عنه كله مفسده، وثوابه لمن يستحق الثواب بفضله ورحمته، وعقابه لمن يستحق العقاب بعدله وحكمته.ويتضمن جميع أقضيته في عبده من كل الوجوه، من صحة وسقم، وغنى وفقر، ولذّة وألم، وحياة وموت، وعقوبة وتجاوز، وغير ذلك، وقوله: ((أسألك بكل اسم هو لك…)) توسل إليه بأسمائه كلها، ما علم العبد منها وما لم يعلم، وهذه من أحب الوسائل إليه، فإنها بأسمائه، وقد قال تعالى: ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها [الأعراف:180].

ويستفاد من قوله: ((أو استأثرت به في علم الغيب عندك)) أن لله عز وجل أسماء غير التسعة والتسعين المشهورة، والمذكورة في قوله : ((إن لله تعالى تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة)).

القرآن ربيع القلوب، والمراد أن يجعل قلبه مرتاحا إلى القرآن، مائلا إليه، راغبا في تلاوته وتدبره، منوّرا لبصيرته. فتضمن الدعاء أن يحيى قلبه بربيع القرآن، وأن ينوّر به صدره، فتجتمع له الحياة والنور، كما قال تعالى: أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها [الأنعام:122].

فعليكم بالقرآن يا أمة القرآن

((اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه)).

اقرؤوا القرآن وتدبروه، وأحلّوا حلاله، وحرموا حرامه، وعظموا حدوده، اقرؤوا القرآن فإن قراءة القرآن قربة من أعظم القرب، وعبادة من أجل العبادات، يعطي الله عليها من الأجر والثواب ما لا يعطي على غيرها، وقد بين النبي كثرة هذا الأجر بقوله: ((من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: ألم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف)).

اقرؤوا القرآن واجتهدوا في حفظه، فإن العبد يتبوأ منزله في الجنة على قدر ما في صدره من القرآن، كما قال النبي : ((يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها)).

وتعلّموا هذه الكلمات وادعوا بها دائما، عسى الله أن يذهب عنكم الهم والحزن، ويبدلكم مكانه فرحا وسرورا، كما وعدكم على لسان نبيه عيه الصلاة والسلام وعلى جميع إخوانه الأنبياء أجمعين.
 

إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِى لأرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً

تعالوا معي لنتأمل القرآن الكريم وهو يقص علينا من قصص المرسلين قصة نبيه موسى عليه الصلاة والسلام مع فرعون،وإن كانت معروفة لدى الكثير إلا أنه وباختصار لنا في هذه الظروف وقفة مع شىء من المعاني الجليلة في هذه القصة فقد ذكر الله تعالى قصته في مواضع متعددة، لنأخذ العبر منها، قـال تعالـى: لَقَدْ كَانَ فِى قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لاّوْلِى لالْبَـبِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَـكِن تَصْدِيقَ لَّذِى بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلّ شَىْء وَهُدًى وَرَحْمَةً لْقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [يوسف:111]. ونشأ موسى وترعرع في مصر، ثم ذهب إلى أرض مدين، وتزوج هناك، وأرسله الله إلى فرعون بالآيات والسلطان المبين،أرسله إلى الطاغية المتكبر، فدعاه إلى توحيد الله رَبِّ الأرض والسماء.وحده لاشريك له قال فرعون وما رب العالمين قال رب السموات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين قال لمن حوله ألا تستمعون قال ربكم ورب آبائكم الأولين قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون قال رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون [الشعراء:23-28].ولما عجز فرعونُ عن ردِّ الحق لجـأ إلى ما يلجأ إليه العاجزون المتكبرون من الإرهاب، فتوعد موسى بالاعتقال والسجن فقال: لَئِنِ تَّخَذْتَ إِلَـهَاً غَيْرِى لاجْعَلَنَّكَ مِنَ لْمَسْجُونِينَ [الشعراء:29] وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك قال سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون [الأعراف:127].

وبأسلوب الطغاة والجبابرة في كل عصر، قال فرعون:كما أخبر الله عنه في القرءن ذَرُونِى أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنّى أَخَافُ أَن يُبَدّلَ دِينَكُـمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِى لأرْضِ لْفَسَادَ [غافر:26].

فالطغاة يعتبـرون أنفسهم هم المصلحون، وهم الغيورون على مصلحة شعوبهم، ويعتبرون المعارضين لظلمهم وطغيانهم مفسدين يجب إخماد أنفاسهم. وبعد سنين أقامها موسى عليه السلام في مصر، يدعو فرعونَ وقومَه بآياتِ اللهِ إلى الحقِّ، فلم يزدادوا إلا عتواً وفساداً وإعراضاً وعناداً واستكباراً… أوحى الله إلى موسى أن يسري بقومه ليلاً من مصر: وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِى إِنَّكُم مّتَّبِعُونَ [الشعراء:52]. فلما علم فرعون بخروج موسى بقومه غاظه ذلك، واشتد غضبه، فأرسل في فَلَمَّا تَرَاءا لْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَـبُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ [الشعراء:61].

البحر من أمامنا فإن خضناه غرقنا، وفرعونُ وقومُه من خلفنا، إن وقفنا أدركنا. فقال موسى: قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِىَ رَبّى سَيَهْدِينِ فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ ضْرِب بّعَصَاكَ لْبَحْرَ فَنفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَلطَّوْدِ لْعَظِيمِ [الشعراء:63].

انفلق البحر اثني عشر طريقاً، وصار الماء السيال بين هذه الطرق كأطواد الجبال، فلما تكامل موسى وقومه خارجين، وتكامل فرعون بجنوده داخلين، أمر الله البحر أن يعود إلى حاله فانطبق على فرعون وجنـوده، فكانـوا من المغرقين، قـال تعالى: وَسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِى لأرْضِ بِغَيْرِ لْحَقّ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لاَ يُرْجَعُونَ فَأَخَذْنَـهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَـهُمْ فِى لْيَمّ فَنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَـقِبَةُ لظَّـلِمِينَ وَجَعَلْنَـهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى لنَّارِ وَيَوْمَ لْقِيـمَةِ لاَ يُنصَرُونَ وَأَتْبَعْنَـهُم فِى هَذِهِ لدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ القِيَـمَةِ هُمْ مّنَ لْمَقْبُوحِينَ [القصص:39- 42].

وفرعون الذي جمع بين الكفر بالله وبين إدعاء الألوهية وظلم الناس لم يطل الزمن حتى أرسل الله إليه النذير ليأمره بالإيمان ويبين له أن الله هو المعبود بحق الذي يستحق العبادة والذي له الصفات التى ليست كصفات غيره وأن الألوهية لاتكون للبشر بل هي لرب البشر الله تعالى ,فأبى فرعون وادعى الرشاد والهدي لأهله,وقد ذكر الله في القران الكريم: فَقَالَ أَنَاْ رَبُّكُمُ لأَعْلَى [النازعات:24].وكان يرى أن رأيه وأن الكل عليه أن رأيه هو الرأي السديد, مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ لرَّشَادِ [غافر:29].، وكذلك قال الله تعالى عن فرعون: وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى [طه:79]وقال سبحانه: فَتَّبَعُواْ أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ [هود:97].وعنه وعن جنوده: وَسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِى لأرْضِ بِغَيْرِ لْحَقّ [القصص:39].فكان الإنتقام من الله تعالى بالغرق بتسليط الماء اللطيف الرقيق لهلاك أكبر الظغاة وأعتى الجيوش في زمانه وفي ذلك عبرة للمعتبرين وهكذا كانت نهاية الظالم فرعون وجنده ومن اتبعه من الطغاة المتكبرين .
 

    

الصبر

الصبر عادة الأنبياء والمتقين، وحلية أولياء الله المخلصين، وهومن أهم ما نحتاج إليه نحن في هذا العصر الذي كثرت فيه المصائب وتعددت، وقلّ معها صبر الناس على ما أصابهم به الله تعالى من المصائب، والصبر ضياء، بالصبر يظهر الفرق بين ذوي العزائم والهمم وبين ذوي الجبن والضعف والخور،والصبر ليس حالة جبن أويأس أوذل بل الصبر حبس النفس عن الوقوع في سخط الله تعالى وتحمل الأمور بحزم وتدبر, والصابرون يوفون أجورهم بغير حساب: أُوْلَـئِكَ يُجْزَوْنَ لْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُواْ وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَـماً [الفرقان:75]، وقال تعالى عن أهل الجنة: سَلَـمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى لدَّارِ [الرعد:24]، هذا هو الصبر، المحك الرئيسي، لصدق العبد في صبره، واحتسابه مصيبته عند الله.

وفي كتاب الله آية عظيمة كفى بها واعظة ومسلية، عند وقوع المصائب: وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْء مّنَ لْخَوفْ وَلْجُوعِ وَنَقْصٍ مّنَ لاْمَوَالِ وَلاْنفُسِ وَلثَّمَرتِ وَبَشّرِ لصَّـبِرِينَ لَّذِينَ إِذَا أَصَـبَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رجِعونَ أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوتٌ مّن رَّبْهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ لْمُهْتَدُونَ [البقرة:155-157]، (إنا لله وإنا إليه راجعون) علاج ناجع لكل من أصيب بمصيبة دقيقة أو جليلة ومصير العبد ومرجعه إلى الله مولاه الحق، لابد أن يخلف في الدنيا يوما ما وراء ظهره، ويدخل قبره فردا كما خلق أول مرة بلا أهل ولا عشيرة ولا حول ولا قوة ولكن بالحسنات والسيئات، فمن صبر واحتسب إيماناًورضى بقضاء الله يجد الثواب الجزيل والخير العميم في ذلك اليوم .روى مسلم عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها إلا آجره الله في مصيبة وأخلفه خيرا منها))، قالت: ولما توفي أبو سلمة؛ قلت: ومن خير من أبي سلمة صاحب رسول الله,فقلتها –قالت: فتزوجت رسول الله . وفي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما عن النبي قال: ((ما يصيب المؤمن من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى حتى الشوكة يشاكها إلا كفّر الله بها من خطاياه ))

وليعلم المصاب علم اليقين أنّ مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِى لأَرْضِ وَلاَ فِى أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِى كِتَـبٍ مّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ لّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَا ءاتَـكُمْ وَللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ [الحديد:22، 23].

فوطن نفسك على أن كل مصيبة تأتي إنما هي بإذن الله عز وجل وقضائه وقدره فإن الأمر له، فإنه كتب مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض . واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك أو يضروك فلن يحصل ذلك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، واستعن على الصبر: بالاستعانة بالله، والاتكال عليه، والرضا بقضائه. وعن أبي يحيى صهيب بن سنان قال: قال رسول الله : ((عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له)) رواه مسلم.

ويقوي على الصبرالعلم بتفاوت المصائب في الدنيا، ومن حصل له الأدنى من المصائب يتسلى بالأعلى والأعظم من المصائب التي أصيب بها غيره والعلم بأن النعم زائرة وأنها لا محالة زائلة، والصبر أنواع فمنه الصبر على طاعة الله فيصبر المسلم على الطاعة؛ لأنه يعلم أن الله خلقه لعبادته، وَمَا خَلَقْتُ لْجِنَّ وَلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]. فيصبر على العبادة صبرَ المحبِّ لها الراغب فيها الذي يرجو بصبره ثواب الله. شاكراً لله نعمتَه وفضله عليه. صابر على صومه وحجه. صابر على بره بأبويه، ولا سيما عند كبرهما وضعف قوتهما، فهو يصبر على برهما صبر الكرام، تذكراً أعمالهما الجميلة وأخلاقهما الفاضلة، وتذكراً لمعروفهما السابق، فهو يصبر على برهما، إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ لْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا وَخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ لذُّلّ مِنَ لرَّحْمَةِ وَقُل رَّبّ رْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِى صَغِيرًا [الإسراء:22، 23]، فلا يضجر منهما، ولا يستطيل حياتهما، ولا يسأم منهماويرى فضلهما ومعروفهما سابقاً قبل ذلك ,صابر ومحتسب على ما قد يناله من أذية من الخلق، فهو يصبر صبر الكرام، وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ لأُمُورِ [الشورى:43]. فالصبرعلى الطاعات عنوان الاستقامة والثبات على الحق، إِنَّ لَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا للَّهُ ثُمَّ سْتَقَـمُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ لْمَلَـئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ وَأَبْشِرُواْ بِلْجَنَّةِ لَّتِى كُنتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِى لْحَيَوةِ لدُّنْيَا وَفِى لآخِرَةِ [فصلت:30،31].والنوع الثاني من الصبر صبرالمسلم عن معاصي الله، يصبر عن الأمور التي حرمها الله عليه، يكفُّ نفسه عنها، ويُلزمها الصبرَ والتحمُّل، يصبر عن مشتهيات النفس التي تدعو إلى المخالفة، يصبر فيغضّ بصره، يصبر فيحصِّن فرجه، يصبر فيمتنع عن الحرام وكل المغريات التي تدعوه إلى المخالفة، فهو يصبر عنها،صابر في مكاسبه فيلزم الحلال وإن قلَّ، ويبتعد عن الحرام وإن كثر، قُل لاَّ يَسْتَوِى لْخَبِيثُ وَلطَّيّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ لْخَبِيثِ [المائدة:100].

المؤمن صابر في كونه يؤدي الأمانة، يؤدي الحقوق إلى أهلها، صابر في أمانته، صابر في حسن تعامله مع الناس بالخلق الحسن وبين الزوج وزوجته, الزوجان لا بد من مشاكل في الغالب بينهما، فصبرُ الرجل على امرأته وتحمُّله المتاعب عونٌ له على استمرار الحياة الزوجية، وضجره ومعاتبتُه مما يقلِّل تحمله ويفسد الثقةَ بينهما. وكذلك صبر المرأة على زوجها مما يسبِّب صفاءَ الحال وتعاونَ الجميع على الخير والتقوى.وصبرالرجل على أولاده، ومحاولة جمع كلمتهم، والصبر على ما قد يناله منهم فيه خيرٌ كثير، ولهذا نُهي المسلم أن يدعو على نفسه أو ولده، فلعلها أن توافق ساعةَ إجابة، بل يصبر على الأبناء والبنات، يرجو من الله الفرج والتيسير، ولا يحمله الضجر على الدعاء عليهم، فربما حلّت بهم عقوبة يندم عليها ولا ينفع الندم.فالصبر عون للعبد على كل خير، صبرٌ يعينه على الاستقامة على الطاعة، وصبر يعينه على الكفّ عن المعاصي، وصبر يعينه على تحمل الأقدار والرضا بها والطمأنينة، والنوع الثالث الصبر علىالبلاء النازل بالإنسان سواء بجسده أوتلف ماله أو موت عزيز عليه فلا بد ةمن صبر على أقدار الله المؤلمة التي قد تناله في جسده أو في ماله أو في ولده، فيصبر على قضاء الله وقدره، يؤمن حقَّ الإيمان بأن الله على كل شيء قدير، وأن الله علم الأشياء قبل كونها، وكتبها، وشاءها، وقدرها، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، يؤمن بقضاء الله وقدره، فالصابرون المحتسبون يتلقون

المصائب بالصبر والتحمل، يتلقونها أولاًَ بالصبر عليها، ثم ثانياً يتلقونها بالرضا،فلاتحمل نفوسهم تسخطاً على قضاء الله وقدره، ولايتلفظون بألفاظ الإعتراض الكفرية كمسبة الله أو القدر أو نسبة الظلم إلى الله تعالى والتسخط فهذا عمل الكافرين المعترضين على قدرالله وحكمته , والتسليم والرضى والصبر عمل أهل الإيمان، فيصبرون ويحتسبون، ولا يظهر منهم ضجر ولا تسخط على قضاء الله وقدره. فصبر المسلم على المصائب إنما هو من ثمرات الإيمان الصادق بأن الله حكيم عليم فيما يقضي ويقدر, وأن هذا التقدير تقدير الحكيم العليم،حكيم عليم فيما يقضي ويقدر، فلا اعتراض ولا ملامة، ولكن صبرٌ واحتساب ورضا عن الله، وأكمل المؤمنين من جمع بين الصبر على المصيبة والرضا عن الله تعالى يرجو ما عند الله من الثواب الذي وعد به الصابرين الصادقين، إِنَّمَا يُوَفَّى لصَّـبِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ [الزمر:10].وما أحوجنا في هذه الظروف الصعبة إلى الصبر والإتكال على الله وعدم اليأس وأن نرجو دفع البلاء بالطاعة والصلاة والعبادة وحبس الألسن عن الإعتراض على الله تعالى فالله الأمر في الأولى والأخرة وحسبنا الله ونعم الوكيل وصلى الله على سيدنا محمد الذي تنفرج به الكرب وتحل به العقد وتقضى به الحوائج وحسن الخواتيم.
 

   

من معجزات النبي – الإسراء والمعراج

من المعجزات التى أعطاها الله لنبيه محمدصلى الله عليه وسلم الإسراء وهو إنتقاله من مكة المكرمة الى بيت المقدس وثم عروجه الى الملأ الأعلى ووصوله الى الجنة .والمقصود من هذه الرحلة المعجزة تكريم النبي وإطلاعه على عجائب خلق الله وليس المقصود منه الوصول الى مكان ينتهي فيه وجود الله تعالى لأن الله تعالى لايوصف بالمكان والجهة كما هو شأن المخلوقات .

قال الله تبارك وتعالى:] سُبْحَانَ الذي أسرى بِعَبْدِهِ ليلاً من المسجدِ الحرامِ إلى المسجِد الأقصى الذي باركنا حَولَهُ لِنُرِيَهُ من ءاياتِنَا إنّهُ هوَ السميع البصير [ (سورة الإسراء /1 ) معجزة الإسراء ثابتةٌ بنص القرءان والحديث الصحيح ، فيجب الإيمان بأن الله أسرى بالنبي ليلاً من مكة المكرمة إلى المسجد الأقصى ، وقد أجمع أهل الحق من سلف وخلف ومحدثين ومتكلمين ومفسرين وعلماء وفقهاء على أنّ الإسراء كان بالجسد والروح .

من عجائب ما رأى الرسول في إسرائه
1_ الدنيا : رءاها بصورة عجوز .(وذلك علامة على أنها تفتن المتعلقين بها وهي ليست على شىء)
2_ إبليس : رءاه متنحياً عن الطريق .
3_ قبر ماشطة بنت فرعون وشمَّ منه رائحة طيبة . (وهي كانت عند فرعون وكانت على دين موسى الإسلام، وعلم فرعون بها وعذبها العذاب الشديد، والرسول مر على قبرها وشم الريح الطيبة منه وأخبره جبريل بأمرها)
4_ المجاهدون في سبيل الله : رءاهم بصورة قوم يزرعون ويحصدون في يومين .
5_ خطباء الفتنة : رءاهم بصورة أناس تُقْرَضُ ألسنتهم وشفاههم بمقاريض من نار.(وهم الذين يخطبون بين الناس بالفتنة والكذب والغش)
6_ الذي يتكلم بالكلمة الفاسدة: رءاه بصورة ثور يخرج من منفذ ضيق ثم يريد أن يعود فلا يستطيع .
7_ الذين لا يؤدّون الزكاة :رءاهم بصورة أناس يَسْرَحون كالأنعام على عوراتهم رقاع .
8_ تاركو الصلاة : رأى قوماً ترضخ رءوسهم ثم تعود كما كانت ، فقال جبريل : هؤلاء الذين تثاقلت رءوسهم عن تأدية الصلاة.

9_ الزناة : رءاهم بصورة أناس يتنافسون على اللحم المنتن ويتركون الجيد .
10_ شاربو الخمر: رءاهم بصورة أناس يشربون من الصديد(وهوماء كريه الريح )
11_ الذين يمشون بالغيبة : رءاهم بصورة قوم يخمشون وجوههم وصدورهم بأظفار نحاسية .
أما المعراج فهو ثابت بنص الأحاديث الصحيحة، أما القرءان فلم ينص عليه نصاً صريحاً .

من عجائب ما رأى الرسول صلى الله عليه وسلم في المعراج:

1_ مالك خازن النار.
2_ البيت المعمور : وهو بيت مشرف في السماء السابعة وهو لأهل السماء كالكعبة لأهل الأرض، كل يوم يدخُلُهُ سبعون ألف ملكٍ يصلون فيه ثم يخرجون ولا يعودون أبداً .
3 _ سدرة المنتهى : وهي شجرة عظيمة بها من الحسن ما لا يصفه أحد من خلق الله ، يغشاها فَراشٌ من ذهب ، وأصلها في السماء السادسة وتصل إلى السابعة ، ورءاها رسول الله صلى اله عليه وسلم في السماء السابعة .
4_ الجنة : وهي فوق السموات السبع فيها ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سَمِعَتْ ولا خَطَرَ على قلب بشر مما أعدّه الله للمسلمين الأتقياء خاصة ، ولغيرهم ممن يدخل الجنة نعيم يشتركون فيه معهم .
5 _ العرش : وهو أعظم المخلوقات ، وحوله ملائكة لا يعلم عددهم إلا الله . وله قوائم كقوائم السرير يحمله أربعة من أعظم الملائكة ، ويوم القيامة يكونون ثمانية .والعرش هو سقف الجنة وهو مكان مشرف عند الله قال الأمام علي كرم الله وجه: إن الله خلق العرش إظهار لقدرته ولم يتخذه مكان لذاته.
6_وصوله صلى الله عليه وسلم إلى مستوى يسمع فيه صرير الأقلام: انفرد رسول الله عن جبريل بعد سدرة المنتهى حتى وصل إلى مستوى يسمع فيه صرير الأقلام التي تنسخ بها الملائكة في صحفها من اللوح المحفوظ . 7_سماعه صلى الله عليه وسلم كلام الله تعالى الذاتي الأزلي الأبدي الذي لا يشبه كلام البشر.8_رؤيته صلى الله عليه وسلم لله عزّ وجلّ بفؤاده لا بعينه : مما أكرم الله به نبيه في المعراج أن أزال عن قلبه الحجاب المعنوي ،فرأى الله بفؤاده ، أي جعل الله له قوة الرؤية في قلبه لا بعينه، لأن الله لا يرى بالعين الفانية في الدنيا ، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم :(( واعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا )).
 

   

ءاخر الكلم..
    

واعلم يا أخي المسلم أنَّ عقيدة المسلم أنّ الله تبارك وتعالى موجود بلا مكان فلا يجوز أن يعتقد أن الله تعالى موجود في مكان أو في كل الأمكنة أو أنه موجود في السماء بذاته أو جالس على العرش أو حال في الفضاء ، تعالى الله وتنـزه عن ذلك، لقوله تعالى: ] ليس كمثله شىء وهو السميع البصير[. وقال الإمام علي كرم الله وجهه:كان الله ولامكان وهو الآن على ما عليه كان . والمقصود بمعجزة المعراج تشريف الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم باطلاعه على عجائب العالم العلوي وتعظيم مكانته صلى الله عليه وسلم  وأما اعتقاد بعض الضالين أن الرسول وصل إلى مكان هو مركز الله تعالى فهذا ضلال مبين لأن المكان يستحيل على الله عز وجل لأنه من صفات الخلق، ولا عبرة بما هو مكتوب في بعض الكتب الرخيصة الكثيرة الانتشار والذائعة الصيت التي فيها ما ينافي تنـزيه الله تعالى عن المكان والتي يتداولها بعض العوام ، والتحذير منها واجب.  ومنها الكتاب المسمى :((كتاب المعراج )) المنسوب كذبا للإمام ابن عباس ، فيجب التحذير منه ومن أمثاله لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض واجب.
 

Prev Post

العدد الثاني

Next Post

The 13 Perfect Attributes of Allah

post-bars