Search or ask ابحث او اسأل
April 29, 2023

العدد السادس

اقرأ في هذا العدد:

* المولد النبوي الشريف.. بدعة حسنة
* العقيــــدة الحقــــــــة
* أداء الواجبات واجتناب المحرمات
* البدعة قسمان
* حُكم الدين
* مسائل وفوائد

افتتاحية
الحمد لله العظيم المنان الذي شرفنا ببعثة نبينا محمد سيد ولد عدنان، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان عليه وعلى ءاله وصحبه ومن تبعهم بإحسان على مر العصور وتعاقب الأيام. وبعد،

تأتي مناسبة مولد رسولنا الأعظم عليه الصلاة والسلام وفلسطين تلتهب. الأطفال يُذبحون النساء يقهرون والبيوت تهدم، كل ذلك يجرى على أيدي أعداء الدين والإنسان. بالأمس حاربوك يا سيدي في خيبر واليوم يطلقون رصاصهم على أتباعك وأحبابك في الخليل ودروب فلسطين المحتلة. بالأمس قالوا لئن رجعنا ليُخرِجنّ الأعزّ منها الأذل واليوم يقتلون ويذبحون بلا هُوادة.. بالأمس عملوا المجازر الرهيبة ثم أعادوا الكرة إلى أن أتوا بـ “شارون” الذي أعلنها حرباً بلا حدود.  ما بين المولد العام الماضي وهذا العام اندحار عدوٍ في جنوب لبنان الأغر وأمل بالانتصار عليه في انتفاضة الأقصى المباركة. مع بوادر المولد هذا العام يلوح في الأفق ذكرى هزيمة اليهود فينبعث الأمل وتتذكر الأمة أن العدو الذي هزم في جنوب لبنان سيهزم في فلسطين الحبيبة.

في خضم كل ذلك تأتي ذكرى ولادة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لنحتفل مؤكدين أننا من أتباع خير الخلق وحبيب الحق معبرين عن شكرنا لله تعالى على منه ونعمائه على أن جعلنا من أمة هذا النبي العظيم. ولكن ما دمنا بصدد مناسبة المولد الشريف تعالوا ننظر ماذا يقول بعض المنحرفين والمتشدقين في الدين وماذا يفعلون في مثل هذه المناسبة. إنها تمر وكأن شيئاً لم يكن بل يمنعون من يحتفل بهذه المناسبة العطرة ويحرمون ذلك على المسلمين. وكم يحزنني، ما شاهدته منذ أيام على صفحات جريدة محلية وأنا أتصفحها حيث وقع نظري على صورة لمسيرة تضم أكثر من 500 من البوذيين يعبرون عن فرحتهم بولادة عظيمهم بوذا هذا مع العلم بفساد عقائدهم. اعتمل في نفسي الأسى وأخذتني الدهشة في الذين يحرمون الاحتفال بولادة أعظم الخلق. وأخذت أتفكر… كم وكم من الشعوب تحتفل بذكرى ولادة عظمائها ومؤسسي دولها. وهل هناك أولى من النبي أن يحتفى ويحتفل بذكرى ولادته الميمونة، وهو سيد الرسل وخير البشر. أو لسنا بأمسّ الحاجة لأن نتذكر جميعاً من خلال هذه الاحتفالات بمولده صلى الله عليه وسلم وبنعمة الله تبارك وتعالى في إيجاده وإظهاره في هذه الدنيا ليكون نبراساً مضيئاً يهتدي بهداه من شاء الله له الخير في الدنيا والآخرة، ولكي يظل القدوة والمثل في الأنفس والقلوب بعد أن أخذت الحياة الدنيا ومشاغلها أغلب أوقات الناس عن مجالس التفكر والتدبر والعلم الديني.

إنها دعوة صادقة لنجعل الاحتفال هذا العام بداية خير للالتزام بكل خير أتى به هذا النبي العظيم، ولنتعاون على البر والتقوى متمسكون بنهجه صلى الله عليه وسلم ، كيف لا وهو كما قال فيه أحدهم:

مصباح كل فضيلة وإمامهـا … ولفضله فضل الخلائق يُنسب

وقال ءاخر:
مكانك في قلبي وعيني كلاهـما … مكان السويدا من فؤادي وأقرب

وذكرك في قلبي وإن شفّها الظما… ألــذّ من الماء الزلال وأعذب

المولد النبوي الشريف.. بدعة حسنة
الحمد لله ربّ العالمين الملك الحق المبين والصلاة والسلام على نبينا محمد أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال الله تعالى: (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم، فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو ربّ العرش العظيم) (سورة التوبة).

ونصلي ونسلم على نبيّ الهدى الموصوف بالأفضلية سيدنا محمد ومن اتبعه بإحسان واقتدى بشريعته ووالاه، اللهم صلّ على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

في الثاني عشر من شهر ربيع الأول من كل عام تطل على المسلمين ذكرى طيبة عطرة ألا وهي ذكرى مولد حبيب الحق وخير الخلق سيدنا وحبيبنا وقرة أعيننا محمد عليه أفضل الصلوات وأتم التسليم، في هذه الذكرى اعتاد المسلمون في سائر الأقطار على إحيائها فيعملون المولد ويتصدقون بأنواع الصدقات ويعتنون بقراءة مولده الكريم ويظهر عليهم من بركاته كل فضل عميم.

مولده صلى الله عليه وسلم:
قال بعض العلماء ممن ألف في قصة المولد الشريف: حملت آمنة بنت وهب برسول الله صلى الله عليه وسلم عشية الجمعة أول ليلة من رجب، وأن آمنة لمّا حملت برسول الله صلى الله عليه وسلم كانت ترى الطيور عاكفة عليها إجلالا للذي في بطنها وكانت إذا جاءت تستقي من بئر صعد الماء إليها إلى رأس البئر إجلالاً وإعظاماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

وروي أن آمنة لمّا حملت برسول الله قالت: “ما شعرت أني حملت ولا وجدت له ثقلاً كما تجد النساء إلا أني أنكرت محيضي وأتاني آت وأنا بين النوم واليقظة فقال: هل شعرت أنك حملت؟ فكأني أقول: ما أدري فقال: إنك قد حملت بسيد هذه الأمة ونبيها وذلك يوم الاثنين”. قالت: فكان ذلك مما يقن عندي الحمل فلمّا دنت ولادتي أتاني ذلك فقال: قولي أعيذه بالواحد الصمد من شر كل حاسد”.

وقالت آمنة لما وضعته صلى الله عليه وسلم لقد علقت به فما وجدت له مشقة وأنه لما فصل خرج له نور أضاء ما بين المشرق والمغرب ووقع على الأرض معتمداً على يديه قد شق بصره ينظر إلى السماء وأنه ولد مختوناً مسروراً، فأعجب ذلك عبد المطلب وحظي عنده وقال: ليكونن لابني هذا شأن.

الله عظّم قدر جاهِ محمدٍ …. وأنالهُ فضلاً لديه عظيما

في محكم التنزيل قالَ لخلقِهِ … صلوا عليه وسلموا تسليما

ذكرى أول احتفال بالمولد:
وأول احتفال بهذه الذكرى أحدث في القرن السادس للهجرة وأول من أحدث ذلك الملك المظفر أبو سعيد كوكبري بن زين الدين علي بن بكتكين أحد الملوك الأمجاد والكبراء الأجواد وكان له آثار حسنة. فهو الذي عمر الجامع المظفري بسفح قاسيون في دمشق.

وقال ابن كثير في تاريخه كان يعمل المولد الشريف في ربيع الأول ويحتفل به احتفالاً عظيماً وكان شهماً شجاعاً بطلاً عاقلاً رحمه الله وأكرم مثواه، وكان هذا الملك الطيب يذبح آلافاً من الغنم ويقدم كثيراً من الحلوى احتفالاً بمولده صلى الله عليه وسلم وقد وافق على ذلك علماء الإسلام في الشرق والغرب وما أنكر عليه أحد في ذلك الوقت لأنه فعل هذا، وبعد ذلك صار المسلمون يعملون الموالد في مشارق الأرض ومغاربها، والاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم بدعة حسنة ليس بدعة سيئة كما يدّعي البعض ففي هذه الذكرى الشريفة المباركة يكثر الإحسان والعطاء ويجتمع المسلمون ويتلون السيرة الشريفة ويذكرون الله كثيراً وكل ذلك موافق لدين الله وليس مخالفاً له.

ما هي البدعة الضلالة:
وأما ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: “إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة”. فمحدثات الأمور التي ذمها رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث على خلاف الكتاب والسنة والإجماع والأثر -وهو كلام الصحابة- هذه هي بدعة الضلالة التي يقول عنها رسول الله: “وكل بدعة ضلالة”. وأما الأمور التي أحدثت على وفاق القرءان والحديث والإجماع والأثر فليست بدعة ضلالة بل هي السنة الحسنة التي عناها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: “من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيء” (رواه مسلم).

تحذير هام:
وأما الكتب المؤلفة باسم المولد فمنها ما فيه الدس ومخالفة الشرع كما في كتاب مولد العروس ومولد ابن حجر.
فمن جملة ما في كتاب مولد العروس مما يجب الحذر منه قوله: “وقبض قبضة من نور وجهه فقال لها: كوني محمداً فكانت محمدا”. فليعلم أنّ الله ليس ضوءً وأنّ محمداً صلى الله عليه وسلم ليس ضوءاً ولا جزءاً من الله وإنما الله خلق النور وخلق محمدا من طين، فما يذكره بعض المؤلفين باسم المولد من قولهم عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم خلق الله من النور القديم نور التهامي مردود لقول الله تعالى للملائكة عن ءادم أصل البشر: (إنى خالق بشراً من طين)(سورة ص). فهل بعد هذا يقال عن أحد من ذريته أنه من نور؟ ومن الغلو الذي يذكره بعض المؤلفين باسم المولد أنّ محمداً أول خلق الله وهذا فيه تكذيب لكثير من آيات القرءان كقوله تعالى: (وجعلنا من الماء كل شىء حى)(سورة الأنبياء)، وكذلك بعض المؤذنين يضيفون على الآذان قولهم: “الصلاة والسلام عليك يا أول خلق الله وخاتم رسل الله” وهذا ظاهر في التناقض ولا يجوز قوله في الآذان ولا في غيره.

من الناس من يغالون في حب النبي صلى الله عليه وسلم وفي الكلام عنه، ويكذبون القرءان لأجل إظهار محبتهم للرسول بزعمهم وهذا ضد الدين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم إنما أنا عبد الله ورسوله فقولوا عبد الله ورسوله”. فمن الناس من يقول: النبي محمد ليس بشراً، أو محمد إنسان الاهي والعياذ بالله، أو أنه يعلم كل الغيب، أو أنه نور بمعنى الضوء أو غيره من الغلو الذي يحدث من بعض جهلة اليوم والعياذ بالله تعالى. أما أهل السنة والجماعة، فهم بعيدون عن الغلو والتفريط. نحب النبي صلى الله عليه وسلم لكن لا نغلوا في حبه ووصفه فنرفعه فوق قدره، إنما نقول ما قال الله تعالى فيه وما أخبر عن نفسه صلى الله عليه وسلم . سيدنا محمد عبد الله ورسوله، إنما هو بشر مثلكم، أفضل خلق الله على الإطلاق ينفع في حياته وفي قبره ويوم الحساب، لا نبي بعده، أجمل الأنبياء خَلقاً وخُلقاً، صادق أمين حليم وحبيب رب العالمين…
فيا أخي المسلم اجعل هذه الذكرى محطة لك لتتزود منها بما ينفعك لدنياك وأخراك واقتدِ بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم في حركاتك وسكناتك فهو القدوة الحسنة وهو النور الذي يستضاء به ولا تغرنك الحياة الدنيا ولا شهواتها ولا زينتها وزخرفها فإنّ النّار حفّت بالشهوات وحفت الجنّة بالمكاره.
ونختم القول في بيان الحكم بقول الحافظ السيوطي رحمه الله ” قال وقد وقع السؤال عن عمل المولد النبوي في شهر ربيع الاول ما حكمه من حيث الشرع وهل محمود أم مذموم ؟ الجواب عندي أنَّ أصل عمل المولد الذي هو اجتماع الناس وقراءة ما تيسّر من القرآن ورواية الاخبار الواردة في مبداء أمر النبي وما وقع في مولده من الآيات ثم يمد لهم سماط يأكلونه وينصرفون من غير زيادة على ذلك من البدع الحسنة التي يثابُ عليها صاحبها لما فيه من تعظيم قدر النبي وإظهار الفرح والاستبشار بمولده الشريف صلى الله عليه وسلم.
فهاكم حُكُم الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم واضحاً جلياً عند علماء أهل الحق.
ربنا تقبل منّا وتجاوز عن سيئاتنا، ربنا أفرغ علينا صبراً وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

العقيــــدة الحقــــــــة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. قال الله تعالى (هو الأولُ والآخِرُ والظاهرُ والباطنُ وهو بكلِ شىءٍ عليم) سورة الحديد/3.

إنّ الناظر المتأمل في بدائع المخلوقات وعجائب المصنوعات يجد الآيات البينات والدلائل الدالة على وجود الخالقِ الواحد وقدرته ونفوذِ مشيئته وظهورِ عظمته. وإنّ خالق هذا العالم الذي أبرزه من العدم إلى الوجود لا بد أن يكون متصفاً بصفات الكمال التي تليق به والتي لا تشبه صفات المخلوقات.

فنحن علمنا مخلوق لا نعلم كل شيء، وقدرتنا مخلوقة لا نقدر على كل شيء ومشيئتنا مخلوقة تتغير وتتبدل. أما الله سبحانه وتعالى فإنّه عَلِم بعلمه كل شيء ولا يخفى عليه شيء، ويَقْدِرُ بقدرته على كل شيء لا يعجزه شيء. ولا يحصل شيء في العالم إلا بمشيئة الله التي لا تتغير ولا تتبدل ، قال تعالى (وما تشاءونَ إلا أن يشاءَ اللهُ ربُّ العالمينَ ) سورة التكوير/29
والله سبحانه موجود لا بداية لوجوده، قال تعالى (هو الأول) أي هو الذي لا بداية لوجوده. ما جاء في بدء الخلق: جاء وفد من اليمن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا له : ” يا رسول الله جئناك لنتفقه في الدين فأنْبِئْنا عن بدء هذا الأمر ما كان” فقال عليه الصلاة والسلام:  “كان الله ولم يكن شيء غيرُه” رواه البخاري.

لقد أجاب الرسول على سؤالهم بأنّ الله لا بداية لوجوده ، أي أزلي ، ولا أزلي سواه. وبعبارة أخرى ففي الأزل لم يكن إلا الله تعالى ، والله تعالى خلق كل شيء. ومعنى خلق كل شيء أنّه أخرج جميع المخلوقات من العدم إلى الوجود.

الله حي لا يموت
والله سبحانه حي لا يموت ، لا نهاية لوجوده لا يطرأ على الله العدم. لأنّ من يطرأ عليه العدم يكون مخلوقاً أي له بداية. قال تعالى ( هو الأول والآخر ) الله هو الآخر أي أنّ الله أبدي لا يفنى ولا يموت. وليس معنى ( الآخر ) أنّ الله ينتهي وجوده بعدما ينتهي وجود كل شيء.

الله هو الظاهر
وأما قوله تعالى (والظاهر) فمعناه أنّ كل شيء يدل عقلاً على وجوده تعالى. قال أحدهم :

أفيا عجباً كيف يُعصى الإلهُ … م كيف يجحده الجاحدُ
وفي كل شيءٍ له آيـــةٌ … تدلُ على أنّه واحــدُ

إنّ الله سبحانه وتعالى ظاهرٌ بآياته أي ظاهر بدلائل وجوده. قال تعالى ( أَفَلَمْ يَنْظُروا إلى السماءِ فوقَهم كيفَ بنَيْنَاها وزيَّنَّاهَا وما لَها من فُروج ) سورة ق/6 وقال تعالى ( اللهُ الذي خلقَ سَبْعَ سمواتٍ وَمِنَ الأرضِ مثلَهُنَّ ، يَتَنَزَّلُ الأمرُ بينَهنّ لتَعلموا أَنَّ اللهَ على كل شىءٍ قدير وأنّ اللهَ قد أحاطَ بكلِ شىءٍ عِلماً) سورة الطلاق/12

أيها الإنسان، إنّك إذا تأملت هذا العالم بفكرك وجدته كالبيت المبنيّ المعدّ فيه جميع ما يُحتاج إليه فالسماء مرفوعة كالسقف والأرضُ ممدودة كالبساط والنجوم منصوبة كالمصابيح. وإنك إذا نظرت إلى ما هو أدنى إليك وهي نفسك رأيت فيها من العجائب والآيات الشيء الكثير. وكذلك إذا نظرت إلى مستقرك وهو الأرض وأطلت النظر في استرسال ذهنك فيما جُعل فيها وعليها من جبال شامخات وما أحيط بها من بحار وما جرى فيها من أنهار.. ثم إذا نظرت إلى سَعتها وسَعة الشمس متذكراً أنّ الشمس والقمر والنجوم قد حَوَتها السماء، فما عساك تقول حين تتأمل وتتفكر في السماء الحاوية لهذا القدر العظيم ؟! أليس الله ظاهراً بآياته !! أليس كل شيء يدل عقلاً على وجوده ، بلى. فكيف ينكر المنكر ويجحد الجاحد ! إنّ في إنكار وجود الله إهدارٌ لقيمة البرهان العقلي وتضييعٌ لنعمة العقل.

الله هو الباطن
وأما قوله تعالى (والباطنُ) فمعناه أنّ الله لا تُدركه الأوهام والتصورات فمهما فكّر الإنسان ليدرك ذات الله لا يصل إلى ذلك لأنّ ذات الله لا يشبه ذواتنا والله سبحانه لا يشبه المخلوقات ولا يوصف الله بصفة من صفات المخلوقات لا يوصف بالهيئة ولا الصورة ولا الشكل ولا الطول ولا العرض ولا اللون لأن هذه صفات تتصف بها المخلوقات والله لا يشبه المخلوقات.

قال تعالى ليس كمثلهِ شىء) سورة الشورى/11.
وقال تعالى (وللهِ المثلُ الأعلى) سورة النحل/6

أي لله الوصف الذي لا يشبه وصف غيره. هذا الذي يجب علينا اعتقاده في حق الله. وهذه هي العقيدة الحقة الصحيحة التي كان عليها السلف الصالح. وكل اعتقاد فيه تشبيه الله بالمخلوق يكون كفراً والعياذ بالله كمن يعتقد أنّ الله جسم أو أنّ الله كتلة نورانية كبيرة. فالاعتقاد الصحيح أنّ الله سبحانه هو خالق الأجسام وخالق الضوء وخالق كل شيء ولا يشبه شيئاً من مخلوقاته ( ليسَ كمثلهِ شىء ).

أخي المسلم ، كان الأئمة رضوان الله عليهم والعلماء الأجلاء يهتمون بأمور العقيدة الإسلامية ويولونها الاهتمام الأكبر. وقد ألّف الإمام الجليل أبو حنيفة رضي الله عنه خمسة كتب في علم التوحيد : “الفقه الأكبر” و “الفقه الأبسط” و “العالم والمتعلم” و “الوصية” و “الرسالة”. ويقول في الفقه الأكبر : “اعلم أنّ الفقه في الدين أفضل من الفقه في الأحكام” أي أنّ الفقه المتعلق بمعرفة الله ورسوله أفضل من الفقه المتعلق بالأحكام. ويقول الإمام أبو الحسن الأشعري “أول ما يجب على العبد العلم بالله ورسوله ودينه” ويقول الإمام الشافعي ” أحكمنا هذا قبل ذاك ” أي أَتْقَنَّا علم التوحيد قبل علم الفروع.

نسأل الله أن يثتبّتنا على هذه العقيدة الحقة وأن يثبّتنا على حراستها والدعوة إليها وأن يعيننا على نشر علم التوحيد.

أداء الواجبات واجتناب المحرمات
أمور الدين مبنية على شيئين أحدهما أداء الفرائض والآخر اجتناب المحرمات، فمن أهمل هذا وقلب الدين بالعكسِ فقد ضل وأهلك نفسه. فليكن اعتناء المسلم بهذين الأمرين أكثر وأقوى من اهتمامه بغيرهما، لا يجعل المسلم النوافل بمنـزلة المفروضات، فإن أناساً لا يهتمون ولا يبالون إن فاتتهم فرائض أو ارتكبوا محرمات، إنما همهم أن يتعلقوا بأشياء ليست من قبيلِ الفرائض ولا من اجتناب المنهيات المحرمات، فهؤلاء يقضون أعمارهم وهم في الغرور، يقضون أعمارهم وهم تائهون.

والسبيل إلى ذلك أي إلى التمسك بالأمرين اللذين هما أهم أمور الدين أداء الفرائض واجتناب المحرمات، هو تلقي العلم الشرعي من أهل المعرفة مشافهة بالمجالسة من غير قراءة ودراسة في كتاب نظراً. ليس الشرط قراءة كتاب من كتب العلم الشرعي يبين ما فرض الله وما حرم الله، إنما الأصل الذي لا يستغنى عنه وعليه المعول والاعتماد تلقي هذا العلم من أهل المعرفة إن كان نظراً في كتاب وإن كان بدون نظر في كتاب؛ فقد وصف الله تبارك وتعالى أصحاب نبيه بأنهم أُمّيون، قال الله تبارك وتعالى: هو الذى بعث فى الأُميين رسولاً مِنهم يتلوا عليهم ءاياته ويزكيهِم ويعلّمهم الكِتاب والحِكمة [سورة الجمعة/ءاية 1] مع وصفه لهم بأنهم أميون أي لا يقرأون نظراً، قال: ويعلّمهم الكتاب والحكمة، ووصف نبيه بأنه أُمي أي لا يعرف الخط وقراءة ما خط ومع ذلك كان الصدر الأول وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين أمة محمد خير القرون، أي أنهم أفضل ممن يأتي بعدهم إلى يوم القيامة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم».

فقوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها» هذه الفرائض تشمل الفرض العملي الذي هو يتعلق بالبدن، والفرض الاعتقادي الذي هو متعلق بالقلب، وهو علم ما يتعلق بالمعاد والحشر والثواب والعقاب في الآخرة والجنة والنار، وما يتعلق بأعمال القلوب من إخلاص النية لله تعالى للخلاص من الرياء والعجب والحسد وسوء الظن بعباد الله تعالى، وما يتعلق بالاعمال البدنية كالصلوات الخمس وصيام رمضان والزكاة والحج وما في معنى ذلك من الأعمال البدنية الأخرى، فإن كل ذلك يجب معرفة حكمه الشرعي.

وأما القسم الآخر وهو قسم المحرمات فمعرفتها فرض على المكلف لأنه إذا لم يتعلم ما هو الحرام على الجوارح على اللسان والعين والاذن والرِجل والفرج والبطن فإنه لا يأمن على نفسه من الوقوع في تلك المحرمات.

وأما ما سوى ذلك مما يتعلق بفضائل الأعمال والنوافل فمعرفته ليس فرض عين على المكلف، إنما يكلف بذلك على طريق فرض الكفاية الذي إذا قام به بعض المكلفين سقط الحرج عن الباقين. وأما نوافل الأعمال من العبادات كالصلوات التي هي رواتب الفرائض فإن ذلك من فعله وقام به فله أجر جزيل يزيده زلفاً وقرباً إلى الله.

ثم إن من أراد أن يبدأ بالصلاة وكان قبل ذلك تاركاً للصلاة لا يقوم بها، وكان من المكلفين أي البالغين العاقلين، فيجب عليه الإسراع في البدء بالصلاة من غير أن يفوته فرض واحد، وإلا فمن فوت الصلاة التي بعدها فعذابه عند الله شديد.

من أراد النجاة فليبادر إلى تعلم الفرائض وليحرِص أولاً على تعلم الضروريات للصلاة فقط من غير أن يضيف إليها سننها، فإن من الناس يريدون أن يتعلموا فرائض الصلاة وسننها وينتظرون الإنتهاء من ذلك أياماً عديدة وهم لم يبدأوا بالصلاة فهولاء يجب نصحهم، يقال لهم: اقتصروا على تعلم الفرائض في الوقت الحاضر، على تعلم ضروريات الصلاة، كذلك الأمر في الوضوء لمن يجهله، وكذلك الأمر في الغُسْلِ من الجنابة بالنسبة لمن يجهل كيفيته. وهنا أمر مهم معرفة معناه على الوجه الصواب في هذا الحديث وهو قوله صلى الله عليه وسلم: «وسكت عن أشياء رحمة بِكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها» معنى هذه الجملة أن ما لم يذكره الله في القرءان ولا أوحى به إلى نبيه ليبلِغ أمته، فهو عفو عفا الله عنه، أي أن الله تبارك وتعالى لم يذكر ذلك في كتابِهِ ولا أوحى به إلى نبيه ليبلغكم رحمة بكم غير نِسيان، لأن النِسيان الذي هو الذهول مستحيل على الله تبارك وتعالى.

ليس معنى الحديث أن الله تعالى يتكلم بذاته ثم يسكت كما يحصل للواحد من الخلق يبدأ بالكلام ثم يقطع ثم يفتتح ثم يختتم من وقت إلى وقت، هذه عادة الخلق فالله تبارك وتعالى لا يجوز عليه هذا ، إنما كلام الله يطلق على وجهين، الكلام الذاتي الأزلي الأبدي الذي ليس حرفاً ولا صوتاً، والكلام بمعنى اللفظ المنـزل على النبي صلى الله عليه وسلم فيقال كلام الله، لكن الكلام الذاتي الذي هو أزلي أبدي لا يبتدأ ثم يختتم بل هو موجود أزلاً وأبداً كما أن قدرته موجودة أزلاً وأبداً وعلمه موجود أزلاً وأبداً، كذلك الكلام الذاتي الأزلي الأبدي، فذلك يستحيل عليه أن يكون فيه تقطع أي ابتداء ثم اختتام، هذا مستحيل على صفة الكلام الذاتي لله تعالى. فإياكم أن يظن أحدكم من هذا الحديث أن الله يتكلم ثم يسكت كما هو صِفة أحدِنا، هذا ليس من صفة الله، لا يجوز على الله. القرءان له أساليب والحديث كذلك فيه أساليب فمن فهِم هذه الأساليب انتفع بذلك ومن جهلها زلَّ في الخطر العظيم. قال الله تبارك وتعالى: فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون [سورة الماعون/ ءاية 5،4].

وسبحان الله والحمد لله رب العالمين.

البدعة قسمان
البدعة.. معناها واقسماها بأدلة من أقوال أئمة المذاهب الأربعة

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على خاتم الأنبياء والمرسلين. اعلم أخي المسلم أن البدعة تنقسم إلى قسمين بدعة حسنة وبدعة سيئة.

البدعة لغةً: ما أُحدث على غير مثال سابق، وفي الشرع: المُحدَث الذي لم ينصَّ عليه القرءان ولا جاء في السنة، كما ذكر ذلك اللغوي المشهور الفيومي في كتابه “المصباح المنير” مادة “ب د ع”، وذكر ذلك أيضا الحافظ اللغوي محمد مرتضى الزبيدي في “تاج العروس” مادة “ب د ع”، وهي تنقسم على قسمين: بدعة ضلالة: وهي المحدثة المخالفة للقرءان والسنة، وبدعة هدى: وهي المحدثة الموافقة للكتاب والسنة.

وكلامنا هذا موافق لكلام الأئمة المعتبرين من المذاهب الأربعة لا سيما إمامنا عالم قريش الشافعي الذي ملأ طباق الأرض علماً، فقد روى الحافظ البيهقي في كتابه “مناقب الشافعي” (ج1/469) عن الإمام الشافعي أنه قال: “المحدثات من الأمور على ضربين: أحدهما ما أُحدث مما يخالف كتاباً أو سنةً أو أثراً أو إجماعاً، فهذه البدعة الضلالة، والثانية: ما أُحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد من هذا، وهذه محدثة غير مذمومة”، انتهى.

والبدعة منقسمة إلى الأحكام الخمسة وهي الواجب والمندوب والمباح والمكروه والحرام كما نص عليه العلماء من المذاهب الأربعة، ولنذكر الآن من نص على هذا التقسيم من علماء المذاهب الأربعة ليتبين الأمر:
المذهب الحنفي:
1- الشيخ ابن عابدين الحنفي حيث قال في حاشيته (1/376): “فقد ((تكون البدعة واجبة)) كنصب الأدلة للرد على أهل الفرق الضالة، وتعلّم النحو المفهم للكتاب والسنة، ومندوبة كإحداث نحو رباط ومدرسة، وكل إحسان لم يكن في الصدر الأول، ومكروهة كزخرفة المساجد، ومباحة كالتوسع بلذيذ المآكل والمشارب والثياب”، انتهى. هذا كلام من الشيخ ابن عابدين وهو الذي لا يخفى علمه وتبحره في المذهب الحنفي.

2- الإمام بدر الدين العيني حيث قال في شرحه لصحيح البخاري (ج11/126) عند شرحه لقول عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه: “نعمت البدعة” وذلك عندما جمع الناس في التراويح خلف قارىءٍ وكانوا قبل ذلك يصلون أوزاعاً متفرقين: “والبدعة في الأصل إحداث أمر لم يكن في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ((ثم البدعة على نوعين)) إن كانت مما تندرج تحت مستحسن في الشرع فهي بدعة حسنة وإن كانت مما يندرج تحت مستقبح في الشرع فهي بدعة مستقبحة”، انتهى.
المذهب المالكي:
1- الإمام محمد الزرقاني المالكي حيث قال في شرحه للموطأ (ج1/238) عند شرحه لقول عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه: “نعمت البدعة هذه” فسماها بدعة لأنه صلى اللّه عليه وسلم لم يسنّ الاجتماع لها ولا كانت في زمان الصديق، وهي لغة ما أُحدث على غير مثال سبق وتطلق شرعاً على مقابل السنة وهي ما لم يكن في عهده صلى اللّه عليه وسلم، ((ثم تنقسم إلى الأحكام الخمسة)) انتهى، والأحكام الخمسة هي الواجب والمندوب والمباح والمكروه والحرام كما ذكرناه سابقاً.

2- الشيخ أحمد بن يحيى الونشريسي المالكي وقد نقل إجماع المالكية على تقسيم البدعة هذا التقسيم فقال في كتاب المعيار المعرب (ج1/357-358) ما نصه: “وأصحابنا وإن اتفقوا على إنكار البدع في الجملة فالتحقيق الحق عندهم أنها ((خمسة أقسام))”، ثم ذكر الأقسام الخمسة وأمثلة على كل قسم ثم قال: “فالحق في البدعة إذا عُرضت أن تعرض على قواعد الشرع فأي القواعد اقتضتها ألحقت بها”.

المذهب الشافعي:
1- سلطان العلماء العز بن عبد السلام حيث قال في كتابه “قواعد الأحكام” (ج2/172-174) : البدعة منقسمة إلى واجبة ومحرّمة ومندوبة ومكروهة ومباحة ثم قال: والطريق في ذلك أن تُعرض البدعة على قواعد الشريعة، فإن دخلت في قواعد الإيجاب فهي واجبة، أو في قواعد التحريم فهي محرمة، أو الندب فمندوبة، أو المكروه فمكروهة، أو المباح فمباحة، انتهى.

2- الحافظ أحمد بن حجر العسقلاني أمير المؤمنين في الحديث حيث قال في الفتح (ج4/298) عند شرحه لقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “نعمت البدعة هذه”: “والبدعة أصلها ما أحدث على غير مثال سابق وتطلق في الشرع في مقابل السنة فتكون مذمومة، والتحقيق أنها إن كانت مما تندرج تحت مستحسن في الشرع فهي حسنة وإن كانت مما تندرج تحت مستقبح في الشرع فهي مستقبحة وإلا فهي من قسم المباح وقد تنقسم إلى الأحكام الخمسة”، انتهى.
المذهب الحنبلي:
الشيخ شمس الدين محمد بن أبي الفتح البعلي الحنبلي حيث قال في كتابه “المطلع على أبواب المقنع” (ص334) من كتاب الطلاق: “والبدعة مما عُمل على غير مثال سابق، والبدعة بدعتان: بدعة هدى وبدعة ضلالة، والبدعة منقسمة بانقسام أحكام التكليف الخمسة”.

بعد هذه النقول من المذاهب الأربعة فلا يسوغ لقائل أن ينفي وجود بدعة حسنة، ولسائل أن يسأل: من أين أتى هؤلاء العلماء وعلى رأسهم الإمام الشافعي بهذا التقسيم للبدعة والرسول صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الذي رواه أبو داود: “وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة”.

والجواب على ذلك من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه الشيخان عن عائشة رضي اللّه عنها أنها قالت: “قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد”، ورواه مسلم بلفظ: “من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد”، فأَفْهَمَ رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم بقوله: ((ما ليس منه)) أن المحدَث إنما يكون رداً أي مردوداً إذا كان على خلاف الشريعة وأن المُحدث الموافق للشريعة ليس مردوداً.

ونجيب على هذا السؤال أيضاً بقوله صلى الله عليه وسلم الذي رواه مسلم من حديث جرير بن عبد اللّه البَجَلي رضي اللّه عنه أنه قال: “قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: مَن سنّ في الإسلام سنّة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شىء، ومن سنّ في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شىء”. رواه مسلم

فحتى لا يقع التضارب بين أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم الثلاثة الماضية قال الإمام النووي الأشعري في شرحه لصحيح مسلم (ج6/54): “قوله صلى اللّه عليه وسلم: “وكل بدعة ضلالة”، هذا عام مخصوص والمراد غالب البدع”، انتهى كلام النووي، ثم قسّم البدعة إلى خمسة أقسام: واجبة ومندوبة ومحرمة ومكروهة ومباحة، وقال: “فإذا عُرف ما ذكرته عُلِم أن الحديث من العام المخصوص وكذا ما أشبهه من الأحاديث الواردة، ويؤيد ما قلناه قول عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه في التراويح: “نعمت البدعة”، ولا يمنع من كون الحديث عاماً مخصوصاً قوله: كل بدعة، مؤكداً بـ”كل”، بل يدخله التخصيص مع ذلك كقوله تعالى: “تُدَمِّرُ كُلَّ شَىْءٍ” ، انتهى كلام النووي. ومعنى الآية: تدمر الريحُ كلَّ شىء مَرّت عليه من رجال عادٍ وأموالها، وهي مرت على الجبال والوديان ولم تدمرها.

والحاصل أن حديث أبي داود لفظه عام وهو “وكل بدعة ضلالة” ومعناه مخصَّص بحديث البخاري ومسلم “من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد” وحديث مسلم: “من سنّ في الإسلام سنة حسنة…”، وبهذا يكون حديث الرسول صلى الله عليه وسلم قد فُسّر بالحديث، فخير ما يُفسّر به الوارد بالوارد كما نص عليه الحافظ العراقي في ألفيته في علم الحديث فقال: وخير ما فسّرته بالـوارد كالدُّخ بالدخان لابن صائد.

ولإتمام الفائدة نذكر أمثلة من البدع الحسنة:
– جمعُ الناس خلف قارىء واحد في صلاة التراويح كما فعل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فيما رواه عنه البخاري في صحيحه ومالك في الموطأ، وقد قال عمر بعد أن رأى اجتماعهم: “نعمت البدعة هذه”.

– ومنها الأذان الثاني الذي زاده عثمان بن عفان رضي الله عنه في فترة خلافته، ففي “صحيح البخاري” ما نصه: “عن السائب بن زيد قال: كان النداء يوم الجمعة أوّله إذا جلس الإمام على المنبر، على عهد النبي صلى اللّه عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي اللّه عنهما، فلما كان عثمان رضي اللّه عنه وكثر الناس زادَ النداء الثالث على الزوراء”.

– ومنها أيضاً تنقيط المصاحف ففي كتاب “المصاحف” (ص158) للحافظ أبي داود السجستاني وبسنده عن هارون بن موسى أنه قال: “أوّل من نقط المصاحف يحيى بن يعمر”، وكان قبل ذلك يُكتب بلا نقط، فلما فعل هذا لم يُنكر عليه ذلك، مع أن الرسول صلى اللّه عليه وسلم ما أمر بنقط المصحف، فمن قال كل شىء لم يُفعل في عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بدعة ضلالة فليبدأ بكشط النقط من المصاحف.

– ومنها أيضاً المآذن والمحاريب المجوفة.

– ومنها أيضاً الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من المؤذنين جهراً عقب الأذان.

ونود لفت انتباهكم أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من المؤذنين جهراً عقب الأذان أمر مستحب ولكنه لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وإنما حدث بصورته المعمول بها الآن في كثير من الأقطار الإسلامية في سنة 791هـ.
هذا توضيح لأمر البدعة وأنها ليست دائما بدعة ضلالة كما يزعم بعض الجهلة الذين ما تعلموا وانحرفوا عن المذاهب الأربعة، وإنما يدخل عليها التقسيم إلى بدعة حسنة وبدعة سيئة.

وءاخر دعوانا، أن الحمد لله رب العالمين.

حكم الدين
قال الله تعالى (قل هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين”رواه ابن ماجه. “حكم الدين” محطة علمية شرعية نلتقي فيها مع القراء فنجيبهم على استفساراتهم وأسئلتهم حول مختلف الشئون والمسائل والقضايا التي تعرض لهم مبينين الحكم الشرعي المستقى من كتاب الله وسنة نبيهصلى الله عليه وسلم  وأقوال الأئمة المجتهدين. “حكم الدين” واحة خضراء يتعرف فيها القارئ المسلم إلى أمور دينه ويستطلع الأحكام الشرعية التي يحتاج إليها في شئون معيشته.
شرح حديث
ما معنى حديث: “الدعاء مخ العبادة”؟
– هذا حديث معناه أن الذي يدعو الله بدعاء حسن هذا عبادة كبيرة، هذا الحديث مدح للدعاء، بمعنى أن الدعاء في العبادة له مرتبة عالية، معنى الحديث: الطلب من الله عبادة عظيمة، ليس كما تدعي المشبهة نفاة التوسل، نفاة التوسل عندهم من قال: يا محمد يا علي، يعتبرونه كافراً، يحتجون بهذا الحديث، والحديث ليس معناه ما زعموا، إنما مدح الدعاء.
وقد روى البخاري أن عبد الله بن عمر لما خدِرت رجله قيل له: اذكر أحب الناس إليك، فقال: “يا محمد، والصحابي الجليل خبيب بن عديّ لما قُدّم للقتل قال: يا محمد. روى ذلك الحافظ أبو نعيم في الحلية.
العرش العظيم
سمعنا أن أهل الحق قالوا في قوله تعالى: (الرحمن على العرش استوى) أي قهر العرش، فقيل لنا: الله قاهر كل شيء فلماذا خصَ العرش بالذكر؟
– نعم أهل الحق قالوا: (الرحمن على العرش استوى) معناه: الله قهر العرش وليس جلس؛ لأن الجلوس لا يليق بالله، قالوا: وهذه الآية تُفهم أن الله قاهر كل شيء، لأن العرش أكبر مخلوقات الله، وقد خصّ العرش بالذكر في هذه اللآية لأنه أكبر جسم خلقه الله، والله قادر على خلق أكبر منه لكنه لم يشأ ذلك، وفي القرءان لذلك نظير وهو أن الله تعالى قال: (وهو ربّ العرش العظيم) والله رب كل شيء.

والله تعالى خلق العرش ليكون قبلة للملائكة الحافّين من حوله، وهو سبحانه لا يحتاج إلى العرش ولا إلى السماء، ولا إلى أي شيء من خلقه، ولا يوصف بصفات الخلق كالحركة والسكون، والجلوس والقعود، والنـزول والصعود الحقيقيين لأن هذا لا يليق به، فكل أهل الحق يقولون: الله موجود بلا مكان، ولا يقول أحد علماء أهل الحق: الله في كل مكان أو موجود في كل الوجود، فانبذوا هذا وحذروا منه.

التصوف الإسلامي
ما هو التصوف في الإسلام؟ نرجو توضيح ذلك.
– الصوفية هم من صفت نفوسهم وزكت أعمالهم، فالتصوف الإسلامي معناه التمسك بالشريعة بتعلم ما فرض الله وما حرّم وأداء الواجبات واجتناب المحرمات، والزهد في هذه الدنيا، فطريق الصوفية الصادقين هو علم وعمل، أما اليوم فكثير من مدعي التصوف لم يحملوا من التصوف إلا الاسم فقط فتراهم جهالاً، وتراهم متعلقين بالدنيا، وقلوبهم متعلقة بما في أيدي الناس، بينما نرى أن سهل بن سعد رضي الله عنه سأل الرسول صلى الله عليه وسلم : أخبرني بعمل إذا عملتُه أحبّني الله وأحبني الناس فقال عليه الصلاة والسلام: “ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبّك الناس”. فالرسول يحب الزهد ويحبّب الناس به، واليوم ترى فرقاً كثيرة تنتسب للتصوف وهم أبعد الناس منه. كطائفة تقول: الله حلّ في كل شي فيقول أحدهم لصاحبه والعياذ بالله: مرحباً يا الله، فهؤلاء لا يجوز الشك في كفرهم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “من يرد الله به خيراً يفقه في الدين” رواه البخاري. هذا الحديث يفهم منه أن مَن لم يرد الله به خيراً لا يفقهه في الدين، وانظر في متصوفة هذه الأيام المدعين تجد أنهم من أبعد الناس عن التفقه في الدين فتعرف حقيقة أمرهم.
لصرف أذى الجن
كثيرا ما يعاني الشخص من أذى الجن من الذكور والإناث، وأحياناً يلجأ الناس إلى السحرة المشعوذين، فنريد منكم إرشادنا شرعاً ماذا نفعل لنحفظ من أذى الجن؟
– لا يجوز اللجوء للسحرة والمشعوذين الذين بعضهم يعمل بما يسمى ضرب الرمل وبعضهم يعمل ما يسمى الضرب بالمندل إلى غير ذلك من الأمور المخالفة للشريعة فاحذروا منهم.
والمؤمن شأنه التوكل على الله، والمتوكل على الله لا يلجأ إلى ما حرّم الله إذا ابتلي بمصيبة بل يبقى على طاعة الله، والحمد لله في الشرع ما يغنيك عن السحرة والمشعوذين الدجالين.

فمن أراد أن يُحفظ من أذى الجن والسحر بإذن الله فليعمل بما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، فمن قرأ كل يوم المعوذات الثلاث صباحاً ومساءً ثلاثاً ثلاثاً مع صدق النية وصدق الهمة وتصحيح الحروف، وقال: حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم سبع مرات وقال: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في العرش ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات، وءاية الكرسي صباحاً ومساءاً فإنه لا يصيبه أذى الجن بإذن الله.

مسائل وفوائد

مسئلة: عند أبي حنيفة وعند الإمام مالك رضي الله عنهم، قدم المرأة الحرّة ليس عورة.
مسئلة: سيدنا عزرائيل عليه السلام ورد في كلام السلف أنه يظهر للأتقياء بصورة جميلة جداً وللأشقياء بصورة مخيفة.
مسئلة: من قال: أكره يوم الجمعة يكفر، الرسول صلى الله عليه وسلم سمى يوم الجمعة عيداً.
فائدة: ورد في الحديث: “موت الغريب شهادة”.
فائدة: إحدى الصحابيات لما علمت بحقوق الزوج على الزوجة رفضت أن تتزوج خوفاً من عدم القيام بحق الزوج.
فائدة: ورد عن عمر رضي الله عنه أنه قال: ” لا يقعد في سوقنا من لم يتفقه” لأنه يضر نفسه وغيره.

والحمد لله رب العالمين والله تعالى أعلم

Prev Post

العدد الثاني

Next Post

The 13 Perfect Attributes of Allah

post-bars