النصف من شعبان
اما بعد عباد الله ، فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله العليّ القدير القائل في محكم كتابه: {الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار} سورة ءال عمران/17 .
الصبر والصدق والإنفاق في سبيل الله والاستغفار بالأسحار كل هذا نذكّركم به. ونحن بإذن الله على موعد مع ليلة مباركة ومع يوم مبارك الذي يذكّرنا باقتراب أفضل الشهور وخير الشهور رمضان ، فوالله صدق الرفاعيّ رضي الله عنه بقوله عن الدنيا : “أيامها تمضي كالخيال وملذاتها سريعة الزوال فهي أيام أو ساعات أو دقائق أو أقل تمضي على كل منا ثم ينتهي به الأمر إلى القبر” . ترى أليس الكيّس الفطن الذكيّ من دان نفسه وعمل لِما بعد الموت ؟ بلى والله . ترى أليس من الفطانة والذكاء أن تعمل محطات تقف عندها لتعيد النظر في سلوكك ، في حياتك ؟ بلى والله . أن تعمل محطات تقف عندها لتسأل نفسك أين أنا من أداء الواجبات واجتناب المحرمات ، لتحاسب نفسك قبل أن تُحاسب وتزن أعمالك قبل أن توزن عليك .
فليلة النصف من شعبان هي ليلة مباركة وأكثر ما يبلغ المرء تلك الليلة أن يقوم ليلها ويصوم نهارها ويتقي الله فيها ، وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها” رواه ابن ماجة .
وقال صلوات ربي وسلامه عليه: “أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل” رواه مسلم .
أن تترك فراشك في الليل وتتوضأ وتقف مستقبلاً القبلة فارغ القلب من علائق الدنيا مستحضرًا الخشوع وأعلى الخضوع وغاية الخضور لله ربِّ العالمين الذي أنعم عليك بنعمة الصحة والجسد والمال والبيت والولد فَتُكبِّر وتصلي تطوّعا لله خير لك من مضيعة الأوقات فيما لا خير فيه كالسهر على التلفزيون ونحو ذلك.
إذا العشرون من شعبان ولّت فواصل شرب ليلك بالنهار ولا تشرب بأقداح صغار فقد ضاق الزمان عن الصغار
ومرادهم أن الموت ءاتٍ قريب، فاثبت على أعمال الطاعات في الليل وفي النهار، وليس معناه أن تكثر من الأكل والشرب في الليل وفي النهار وتتوسع بالمستلذات لأنك مقبل على شهر الصيام، لأنك مقبل على شهر الصيام أقبل إلى الطاعات ، إلى الخيرات ، إلى مجالس علم الدين لتعلم الحلال من الحرام والحسن من القبيح ولتعلم العمل المقبول من العمل المردود .
وليعلم أن ليلة النصف من شعبان ليست الليلة التي قال الله فيها: {فيها يُفرَقُ كل أمر حكيم} .
وإن كان شاع عند بعض العوامِّ أن هذه الليلة هي ليلة النصف من شعبان فهذا غير صحيح ، والصواب أنّ هذه الليلة هي ليلة القدر .
ومما ينبغي الانتباه منه دعاء اعتاد بعض الناس على ترداده في هذه الليلة وهو : “اللهم ان كنت كتبتني عندك في أمّ الكتاب محروما أو مطرودًا أو مقتِّرا عليّ في الرزق فامح اللهم بفضلك شقاوتي وحرماني وطردي وإقتار رزقي …” الخ .
فهذا اللفظ روي بعضه عن عمر وابن مسعود ومجاهد ولم يثبت لأن من يعتقد أن الله يغير مشيئته بدعوة داعٍ فقد فسدت عقيدته ، فإن مشيئة الله أزليّة أبديّة لا يطرأ عليها تغيّر ولا تحوّل كسائر صفاته علمه وقدرته وتقديره وغيرها، فلا يجوز أن يعتقد الإنسان أن الله يحدث له مشيئة شىء لم يكن شائيًا له في الأزل كما لا يجوز أن يقال إنه حدث له علم شىء لم يكن عالمًا به في الأزل ، فلا تتغير مشيئة الله بدعوة داعٍ أو صدقة متصدّق أو نذر ناذر. فلقد روى مسلم عن ثوبان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: “سألت ربِّي ثلاثًا فأعطاني ثنتين ومنعني واحدة” .
وفي رواية: “قال لي يا محمد إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يُردّ ” .
اللهمّ وفِّقنا لفعل الخيرات والطاعات والحسنات يا ربّ الكائنات يا ربّ العالمين يا الله .