تأويل الآمدي لبعض الآيات المتشابهة
قال المتكلم سيف الدين الآمدي (631 هـ) ما نصه (1):
“وما يروى عن السلف من ألفاظ يوهم ظاهرها إثبات الجهة والمكان فهو محمول على هذا الذي ذكرنا من امتناعهم عن إجرائها على ظواهرها والإيمان بتنزيلها وتلاوة كلءاية على ما ذكرنا عنهم، وبين السلف إلاختلاف في الألفاظ التي يطلقون فيها، كل ذلك اختلاف منهم في العبارة، مع اتفاقهم جميعا في المعنى أنه تعالى ليس بمتمكن في مكان ولا متحيز بجهة.
ومن اشتغل منهم بتأويل يليق بدلائل التوحيد قالوا في قوله :
” وهو الذي في السماء إِله وفي الأرضِ إِله“(84) سورة الزخرف أراد به ثبوت الألوهية في السماء لا ثبوت ذاته،
وكذي في هذا قوله :” وهو اللّه في السماوات وفي الأَرضِ “ (3) سورة الأنعام أى ألوهيته فيهمالاذاته،
وكذي في (هذا) قوله :” أَأَمنتم من في السماء”(16) سورة الملك ألوهيته إلا أن ألوهيته أضمرت بدلالة ما سيق من الايات،
وقوله :” ما يكون من نجوى ثلاثة إِلا هو رابعهم “(7) سورة المجادلة أي يعلم ذلك ولا يخفى عليه شىء،
وقوله :” ونحن أَقرب إِليه من حبلِ الورِيد “ (16) سورة ق أي بالسلطان والقدرة.
وكذي القول بأنه فوق كل شىء أي بالقهر على ما قال تعالى: ” وهو القاهر فوق عباده” (18) سورة الأنعام وقالو في قوله :” إِليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه (10) سورة فاطـر، إن الله تعالى جعل ديوان أعمال العباد في السماء والحفظة من الملائكة فيها فيكون ما رفع الى هناك رفعّا اليه، وهذا كما في قوله : “ونحن أقرب إِليه منكم ولكن لا تبصرون “(85/ سورة الواقعة)،
وقوله :” وأنتم حينئذ تنظرون “(84/ سورة الواقعة) قالوا ملك الموت وأعوانه، والمجسمة لا يمكنهم أن يقولوا: إنه بالذات عند كل محتضر، ولا أن يقولوا: إنه بالذات في السماء لما يلزمهم القول بجعله تحت العرش وتحت عدد من السموات، فوقعوا بهواهم في مثل هذه المناقضات الفاحشة فيكون معنى قوله :” إِليه يصعد الكلم الطيب”(10/ سورة فاطر) كما في قوله تعالى خبرا عن إبراهيم صلوات الله عليه :” وقال إِني ذاهب إِلى ربي سيهدين “(99/ سورة الصافات) أي إلى الموضع الذي أمرني ربي أن أذهب إليه.
وقالوا في في قوله :” إِن الذين عند ربك “ (206/سورةالأعراف)، يعني الملائكة، أن المراد منه قرب المنزلة لا قرب المكان كما قال موسى:” وكان عند اللَّه وجيها”(69) سورة الأحزاب وقال تعالى :” واذكر عبادنا إبراهيم وإِسحق ويعقوب أولي الأَيدي والأبصارِ “(45/ سورة ص) قال المفسرون وأئمة الهدى: أي أولو القوة في الدين والبصارة في الأمر، ولم يفهم أحد من السلف والخلف منه الأيدي الجارحة مع كونهم موصوفين حقيقة بالأبصار الجارحة والأيدي الجارحة: فكيف فهمت المشبهة من قوله :” خلقت بيدي “(75) سورة ص اليدين الجارحتين، ومن قوله:” ولتصنع على عيني”(39/ سورة طه) العين الجارحة، ومن الخبر المروي: ” إن الصدقة تقع في كف الرحمن ” الكف الجارحة مع قوله تعالى :” ليس كمثله شيء”(11/ سورة الشورى) وقوله :” ولم يكن له كفوا أَحد “(4) سورة الأخلاص وقوله :” سبحان اللّه عما يصفون”(91) سورة المؤمنون وقوله :” إِن الله لغني عن العالمين”(6) سورة العنكبوت فـما فهموا من تلك المتشابهات إثبات الجسم والجوارح ” الصورة إلا لخبث عقيدتهم وسوء سريرتهم. وبالله العصمة من الخذلان ” اهـ.
وقال الإمام الحافظ الفقيه أبو جعفر أحمد بن سلامة الطحاوي الحنفي (321 هـ) في رسالته (العقيدة الطحاوية) ما نصه:
“وتعالى- أي الله- عن الحدود والغايات والأركان والأعضاء والأدوات، لا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات ” اهـ.
(1) أبكار الأفكار (ص/ 194- 195)، مخطوط.
وبالله العصمة من الخذلان.