ترجمة الحافظ السيوطي الأشعري رحمه الله
ترجم السيوطي لنفسه في كتابه “حسن المحاضرة” فقال: وإنما ذكرت ترجمتي في هذا الكتاب اقتداء بالمحدثين قبلي، فقلّ أن ألف أحد منهم تاريخا إلا وذكر ترجمته فيه. وممن وقع له ذلك الإمام عبد الغفار الفارسي في “تاريخ نيسابور”، وياقوت الحموي في “معجم الأدباء”، ولسان الدين بن الخطيب في “تاريخ غرناطة”، والحافظ تقي الدين الفاسي في “تاريخ مكة”، والحافظ أبو الفضل بن حجر في “قضاة مصر”، وأبو شامة في الروضتين وهو أورعهم وأزهدهم.
اسمه ونسبه:
هو عبد الرحمن بن الكمال أبي بكر بن محمد بن سابق الدين بن الفخر عثمان بن ناظر الدين محمد بن سيف الدين خضر بن نجم الدين أبي الصلاح أيوب بن ناصر الدين محمد ابن الشيخ همام الدين الخضيري الأسيوطي.
مولده ونشأته:
قال السيوطي: “وكان مولدي بعد المغرب ليلة الأحد مستهل رجب سنة تسع وأربعين وثمانمائة، وحملت في حياة أبي إلى الشيخ محمد المجذوب، رجل كان من كبار الأولياء بجوار المشهد النفيسي فبارك عليّ”.
ويقول العيدروس: “وأحضره والده وعمره ثلاث سنين مجلس شيخ الإسلام ابن حجر مرة واحدة، وحضر وهو صغير مجلس المحدث زين الدين رضوان العتبي، ودرس الشيخ سراج الدين عمر الوردي، ثم اشتغل بالعلم على عدة مشايخ”.
وقال السيوطي: “ونشأت يتيمًا فحفظت القرءان ولي دون ثماني سنين، ثم حفظت العمدة ومنهاج الفقه، والأصول، وألفية ابن مالك”.
وقال العيدروس: “وتوفي والده ليلة الاثنين خامس صفر سنة خمس وخمسين وثمانمائة، وجعل الشيخ كمال الدين بن الهمام وصيّا عليه فلحظه بنظره ورعايته”.
رحلاته:
قال السيوطي: “وسافرت بحمد الله تعالى إلى بلاد الشام والحجاز واليمن والهند والمغرب والتكرور”.
وله رحلة داخل مصر أيضًا ذكرها السخاوي في الضوء اللامع فقال: “ثم سافر إلى الفيوم ودمياط والمحلة فكتب عن جماعة”. ثم قال السيوطي: “ولما حججت شربت من ماء زمزم لأمور منها أن أصل في الفقه إلى رتبة الشيخ سراج الدين البلقيني وفي الحديث رتبة الحافظ ابن حجر”.
شيوخه:
أكثر السيوطي عن الأخذ من الشيوخ وقد جمع أسماءهم في معجم فقال في ذلك: “وأما مشايخي في الرواية سماعًا وإجازة فكثير، أوردتهم في المعجم الذي جمعتهم فيه وعدّتهم نحو مائة وخمسين، ولم أكثر سماع الرواية لاشتغالي بما هو أهم وهو قراءة الدراية”.
ثم قال: “وشرعت في الاشتغال بالعلم من مستهل سنة أربع وستين، فأخذت الفقه والنحو عن جماعة من الشيوخ، وأخذت الفرائض عن العلامة فرضي زمانه الشيخ شهاب الدين الشارمساحي الذي كان يقال: إنه بلغ السن العالية وجاوز المائة بكثير والله أعلم بذلك، قرأت عليه في شرحه على المجموع.
وأجزت بتدريس العربية في مستهل سنة ست وستين، وألّفت في هذه السنة فكان أول شىء ألفته شرح الاستعاذة والبسملة وأوقفت عليه شيخنا شيخ الإسلام علم الدين البلقيني فكتب عليه تقريظًا، ولازمته في الفقه إلى أن مات فلازمت والده فقرأت عليه من أول التدريب لوالده إلى الوكالة، وسمعت عليه من أول الحاوي الصغير إلى العِدد، ومن أول المنهاج إلى الزكاة، ومن أول التنبيه إلى قريب من باب الزكاة، وقطعة من الروضة من باب القضاء، وقطعة من تكملة شرح المنهاج للزركشي ومن إحياء الموات إلى الوصايا أو نحوها، وأجازني بالتدريس والإفتاء من سنة ست وسبعين وحضر تصديري. فلما توفي سنة ثمان وسبعين لزمت شيخ الإسلام شرف الدين المناوي، فقرأت عليه قطعة من المنهاج وسمعته عليه في التقسيم إلا مجالس فاتتني، وسمعت دروسًا من شرح البهجة ومن حاشية عليها، ومن تفسير البيضاوي.
ولزمت في الحديث والعربية شيخنا الإمام العلامة تقي الدين الشبلي الحنفي فواظبته أربع سنين، وكتب لي تقريظًا على شرح ألفية ابن مالك وعلى جمع الجوامع في العربية تأليفي، وشهد لي غير مرة بالتقدم في العلوم بلسانه وبنانه، ورجع إلى قولي مجردًا في حديث فإنه أورد في حاشيته على الشفاء حديث أبي الحمراء في الإسراء وعزاه إلى تخريج ابن ماجه، فاحتجت إلى إيراده بسنده فكشفت ابن ماجه في مظنته فلم أجده، فمررت على الكتاب كله فلم أجده فاتهمت نظري، فمررت ثانية فلم أجده فعدت ثالثة فلم أجده، ورأيته في معجم الصحابة لابن قانع، فجئت إلى الشيخ وأخبرته فبمجرد ما سمع مني ذلك أخذ نسخته وأخذ القلم فضرب على لفظ ابن ماجه وألحق ابن قانع في الحاشية، فأعظمت ذلك وهبته لِعِظَم الشيخ في قلبي واحتقاري في نفسي فقلت: ألا تصبرون لعلكم تراجعون؟ فقال: لا، إنما قلدت في قولي: “ابن ماجه” البرهان الحلبي، ولم أنفك عن الشيخ إلى أن مات.
ولزمت شيخنا العلامة محيي الدين الكافيجي أربع عشرة سنة، فأخذت عنه الفنون من التفسير والأصول والعربية والمعاني وغير ذلك، وكتب لي إجازة عظيمة، وحضرت عند الشيخ سيف الدين الحنفي دروسًا عديدة في الكشّاف والتوضيح وحاشيته عليه، وتلخيص المفتاح والعضد. وشرعت في التصنيف في سنة ست وستين، وبلغت مؤلفاتي إلى الآن – أي قبل وفاته باثني عشرة سنة تقريبًا – ثلاثمائة كتاب سوى ماغسلته ورجعت عنه”.
ثم قال: “ورزقت التبحر في سبعة علوم: التفسير والحديث والفقه والنحو والمعاني والبيان على طريقة العرب البلغاء لا على طريقة العجم وأهل الفلسفة، ودون هذه السبعة في المعرفة: أصول الفقه والجدل والتصريف، ودونها الإنشاء والترسّل والفرائض، ودونها القراءات ولم ءاخذها عن شيخ، ودونها الطب. وأما علم الحساب فهو أعسر شىء علي وأبعده عن ذهني، وإذا نظرت في مسألة تتعلق به فكأنما أحاول جبلا أحمله، وقد كنت في مبادىء الطلب قرأت في علم المنطق ثم ألقى الله كراهته في قلبي، وسمعت أن ابن الصلاح أفتى بتحريمه فتركته لذلك، فعوضني الله عنه علم الحديث. والذي أعتقده أن الذي وصلت إليه من هذه العلوم السبعة سوى الفقه والنقول التي اطلعت عليها فيها لم يصل إليه ولا وقف عليه أحد من أشياخي فضلا عمن هو دونهم، وأما الفقه فلا أقول ذلك فيه بل شيخي فيه أوسع نظرًا وأطول باعًا”.
خلاقه وثناء العلماء عليه:
يقول نجم الدين الغزي: “ولما بلغ أربعين سنة من عمره أخذ في التجرد للعبادة والانقطاع إلى الله تعالى والاشتغال به صرفًا، والإعراض عن الدنيا وأهلها كأنه لم يعرف أحدا منهم. وشرع في تحرير مؤلفاته، وترك الإفتاء والتدريس واعتذر عن ذلك في مؤلف ألفه وسماه بالنفيس، وأقام في روضة المقياس فلم يتحول عنها إلى أن مات لم يفتح طاقات بيته التي على النيل من سكناه”.
مؤلفاته:
يقول ابن العماد: “وقد اشتهرت أكثر مصنفاته في حياته في أقطار الأرض شرقًا وغربًا، وكان ءاية كبرى في سرعة التأليف حتى قال تلميذه الداودي: عاينت الشيخ وقد كتب في يوم واحد ثلاثة كراريس تأليفًا وتحريرًا، وكان يملي مع ذلك الحديث ويجيب عن المتعارض منه بأجوبة حسنة، وكان أعلم أهل زمانه بعلم الحديث وفنونه رجالا وغريبًا ومتنًا وسندًا واستنباطًا للأحكام منه، وأخبر عن نفسه أنه يحفظ مائتي ألف حديث قال: ولو وجدت أكثر لحفظته، قال: ولعله لا يوجد على وجه الأرض الآن أكثر من ذلك” اهـ.
وهذه قائمة بأسماء بعض مؤلفاته مأخوذة من كتابه حسن المحاضرة:
1 – فن التفسير وتعلقاته والقراءات:
1 – الإتقان في علوم القرءان.
2 – الدر المنثور في التفسير المأثور.
3 – ترجمان القرءان في التفسير المسند.
4 – قطف الأزهار في كشف الأسرار.
5 – لباب النقول في أسباب النزول.
6 – مفحمات الأقران في مبهمات القرءان.
7 – المهذب فيما وقع في القرءان من المعرّب.
8 – الإكليل في استنباط التنزيل.
9 – تكملة تفسير الشيخ جلال الدين المحلي.
010- التحبير في علوم التفسير.
2 – فن الحديث وتعلقاته:
11 – كشف المغطى في شرح الموطا.
12 – إسعاف المبطا برجال الموطا.
13 – التوشيح على الجامع الصحيح.
14 – الديباج على صحيح مسلم بن الحجاج.
15 – مرقاة الصعود إلى سنن أبي داود.
16 – شرح سنن ابن ماجه.
17 – تدريب الراوي في شرح تقريب النووي.
18 – قطر الدرر شرح نظم الدرر في علم الأثر.
19 – التهذيب في الزوائد على التقريب.
20 – عين الإصابة في معرفة الصحابة.
21 – كشف التلبيس عن قلب أهل التدليس.
22 – توضيح المدرك في تصحيح المستدرك.
23 – اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة.
24 – النكت البديعات على الموضوعات.
25 – الذيل على القول المسدد.
26 – القول الحسن في الذب عن السنن.
27 – لب الألباب في تحرير الأنساب.
28 – تقريب الغريب.
29 – المدرج إلى المدرج.
30 – تذكرة المؤتسي بمن حدّث ونسي.
31 – تحفة النابه بتلخيص المتشابه.
32 – الروض المكلل والورد المعلل في المصطلح.
33 – منتهى الآمال في شرح حديث إنما الأعمال.
34 – المعجزات والخصائص النبوية.
35 – شرح الصدور بشرح حال الموتى والقبور.
3 – فن الفقه وتعلقاته:
36 – الأزهار الغضة في حواشي الروضة.
37 – الحواشي الصغرى.
38 – مختصر الروضة ويسمى القنية.
39 – مختصر التنبيه ويسمى الوافي.
40 – شرح التنبيه.
41 – الأشباه والنظائر.
42 – اللوامع والبوارق في الجوامع والفوارق.
43 – نظم الروضة ويسمى الخلاصة.
44 – شرحه ويسمى رفع الخصاصة.
4 – الأجزاء المفردة في مسائل مخصوصة على ترتيب الأبواب:
45 – الذفر بقلم الذفر.
46 – المستطرفة في أحكام دخول الحشفة.
47 – السلالة في تحقيق المقر والاستحالة.
48 – الروض الأريض في طهر المحيض.
49 – بذل العسجد لسؤّال المسجد.
50 – الجواب الحزم عن حديث التكبير جزم.
51 – القذاذة في تحقيق محل الاستعاذة.
52 – ميزان المعدلة في شأن البسملة.
53 – جزء في صلاة الضحى.
54 – المصابيح في صلاة التراويح.
55 – بسط الكف في إتمام الصف.
56 – اللمعة في تحقيق الركعة لإدراك الجمعة.
5 – فن العربية وتعلقاته:
57 – البهجة المرضية في شرح الألفية.
58 – الفريدة في النحو والتصريف والخط.
59 – النكت على الألفية والكافية والشافية والشذور والنزهة.
60 – الفتح القريب على مغني اللبيب.
61 – شرح شواهد المغني.
62 – جمع الجوامع.
63 – همع الهوامع على جمع الجوامع.
64 – شرح الملحة.
65 – مختصر الملحة.
66 – مختصر الألفية ودقائقها.
67 – الأخبار المروية في سبب وضع العربية.
68 – المصاعد العلية في القواعد النحوية.
69 – الاقتراح في أصول النحو وجدله.
6 – فن الأصول والبيان والتصوف:
70 – شرح لمعة الإشراق في الاشتقاق.
71 – الكوكب الساطع في نظم جمع الجوامع.
72 – شرحه.
73 – شرح الكوكب الوقاد في الاعتقاد.
74 – نكت على التلخيص ويسمى الإفصاح.
75 – عقود الجمان في المعاني والبيان.
76 – شرحه.
77 – شرح أبيات تلخيص المفتاح.
78 – مختصره.
79 – نكت على حاشية المطول.
80 – حاشية على المختصر.
81 – البديعية.
82 – شرحها.
مرضه ووفاته:
يقول نجم الدين الغزي: “وكانت وفاته رضي الله عنه في سحر ليلة الجمعة تاسع جمادى الأولى سنة إحدى عشرة وتسعمائة في منزله بروضة المقياس بعد أن مرض سبعة أيام بورم شديد في ذراعه الأيسر، وقد استكمل من العمر إحدى وستين سنة وعشرة أشهر وثمانية عشر يومًا وكان له مشهد عظيم، ودفن في حوش قوصون خارج باب القرافة، وصلي عليه غائبة بدمشق بالجامع الأموي يوم الجمعة ثامن رجب سنة إحدى عشرة المذكورة، قيل أخذ الغاسل قميصه وقبعه فاشترى بعض الناس قميصه من الغاسل بخمسة دنانير للتبرك به، وباع قبعه بثلاثة دنانير لذلك أيضًا”.
وصف النسخة الخطية:
هذه النسخة الخطية ضمن مجموعة محفوظة في مكتبة الدولة – برلين – تحت رقم/2241 .
أوراقها: (65- 78) ق.
مسطرتها: 19 سطرًا.
مقياسها: 14 x 7 سم.
كتبت بخط صغير ومتقارب سنة 1135 هـ بقلم علي بن محمد بن حافظ بن علي الشرواني الدغستاني في القسطنطينية في أواخر شهر المحرم من السنة المذكورة.
منهج التحقيق:
أولا: خرَّجت الآيات القرءانية.
ثانيًا: خرَّجت الأحاديث الواردة في النص والتزمت في التخريج ما عزاه المصنف من الأحاديث لمخرجيها فقط من غير توسع في التخريج.
ثالثًا: وضعت أرقامًا تسلسلية للأحاديث الواردة في هذا الكتاب.