حمل مريم بالمسيح
حمل مريم بالمسيح
الحمدُ لله ربِّ العالمين لهُ النِّعْمَةُ وَلَهُ الفَضْلُ وَلَهُ الثَّنَاءُ الحَسَن
صَلَوَاتُ اللهِ البَرِّ الرَّحيم والملائِكَةِ الْمُقرَّبينَ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ أشْرَفِ المرسَلِين وحَبِيبِ رَبِّ العَالمين
وعلى جميعِ إخوانِهِ مِنَ النَّبِيينَ والـمُرسَلِين وَءَالِ كُلٍّ والصَّالِحين وسلامُ اللهِ عليهم أجمعين
يقولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالى ﴿فَأَجَآءَهَا الـمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا {23} فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَآ أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا {24} وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا {25} فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ البَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ اليَوْمَ إِنسِيًّا {26}﴾
إِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُخْبِرُنَا عَن مَرْيَمَ عَلَيْهَا السَّلَام أَنَّهَا قَالَت جَزَعًا مِمَّا أَصَابَهَا
﴿يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا﴾ اليَوْم
﴿وَكُنْتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا﴾ شَيْئًا مَتْرُوكًا لَا يُعْرَفُ وَلَا يُذْكَر
﴿فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَآ﴾ أَي الَّذِي تَحْتَهَا وَهُوَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام، لِأنَّهُ كَانَ بِمَكَانٍ مُنْخَفِضٍ عَنْهَا أَوْ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام لِأَنَّهُ خَاطَبَهَا مِن تَحْتِ ذَيْلِهَا. وَالهَاءُ فِي تَحْتِهَا لِلنَّخْلَةِ وَلِشِدَّةِ مَا لَقِيَت سُلّيت بِقَوْلِه
﴿أَلَّا تَحْزَنِي﴾ لَا تَهْتَمِّي بِالوَحْدَةِ وَعَدَمِ الطَّعَامِ وَالشَّرَاب وَمَقَالَةِ النَّاس. وأَنْ بِمَعْنَى أَيْ
﴿قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ﴾ بِقُرْبِكِ، أَوْ تَحْتَ أَمْرِكِ إِنْ أَمَرْتِهِ أَنْ يَجْرِيَ جَرَى وَإِنْ أَمَرْتِهِ أَنْ يَقِفَ وَقَف
﴿سَرِيًّا﴾ نَهَرًا صَغِيرًا عِنْدَ الجُمْهُور. وَسُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ السَّرِيِّ فَقَال “هُوَ الجَدْوَل” رَوَاهُ الطَّبَرِيّ. وَعَنِ الحَسَنِ سَيِّدًا كَرِيمًا يَعْنِي عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام، وَرُوِيَ أَنَّ خَالِدَ بنَ صَفْوَان قَالَ لَهُ إِنَّ العَرَبَ تُسَمِّي الجَدْوَلَ سَرِيًّا فَقَالَ الحَسَنُ صَدَقْتَ وَرَجَعَ إِلَى قَوْلِه، وَقَال ابنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ضَرَبَ عِيسَى أَوْ جِبْرِيلُ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ بِعَقِبِهِ الأَرْض فَظَهَرَت عَيْنُ مَاءٍ عَذْبٍ فَجَرَى النَّهَرُ اليَابِسُ فَاخْضَرَّتِ النَّخْلَة وَأَثْمَرَت وَأَيْنَعَت ثَمَرَتُهَا فَقِيلَ لَهَا
﴿وَهُزِّي﴾ حَرِّكِي
﴿إِلَيْكِ﴾ إِلَى نَفْسِكِ
﴿بِجِذْعِ النَّخْلَةِ﴾ أَيْ هُزِّي جِذْعَ النَّخْلَة
﴿تُسَاقِطْ عَلَيْكِ﴾ أَيْ يَتَسَاقَطُ عَلَيْكِ
﴿رُطَبًا جَنِيًّا﴾ طَرِيًّا، وَقَالُوا التَّمْرُ لِلنُّفَسَاءِ عَادَةٌ مِنْ ذَلِكَ الوَقَت، وَقِيلَ مَا لِلنُّفَسَاءِ خَيْرٌ مِنَ الرُّطَبِ وَلَا لِلْمَرِيضِ مِنَ العَسَل
﴿فَكُلِي﴾ مِنَ الجَنِيِّ
﴿وَاشْرَبِي﴾ مِنَ السَّرِيِّ
﴿وَقَرِّي عَيْنًا﴾ بِالوَلَدِ الرَّضِيّ، أَيْ طِيبِي نَفْسًا بِعِيسَى وَارْفُضِي عَنْكِ مَا أَحْزَنَكِ
﴿فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ البَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا﴾ أَيْ فَإِنْ رَأَيْتِ ءَادَمِيًّا يَسْأَلُكِ عَن حَالِك فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَمْتًا وَإِمْسَاكًا عَنِ الكَلَام.
وَكَانُوا يَصُومُونَ فِي شَرِيعَةِ زَكَرِيَّا عَلَيْهِ السَّلَام عَنِ الكَلَام كَمَا يَصُومُونَ عَنِ الأَكْلِ وَالشُّرْب، وَقِيلَ صِيَامًا حَقِيقَةً وَكَانَ صِيَامُهُم فِيهِ الصَّمْتُ فَكَانَ التِزَامُهُ الْتِزَامَه. وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وِسَلَّمَ عَن صَوْمِ الصًّمْتِ فَصَارَ ذَلِكَ مَنْسُوخًا فِينَا. وَإِنَّمَا أُمِرَت أَنْ تَنْذُرَ السُّكُوتَ لِأَنَّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام يَكْفِيهَا الكَلَامَ بِمَا يُبَرِّأُ بِهِ سَاحَتَهَا وَلِئَلَّا تُجَادِلَ السُّفَهَاء. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ السُّكُوتَ عَنِ السَّفِيهِ مَطْلُوب وَمَا قُدِع(أي كُفَّ ومُنِِعَ) سَفِيهٌ بِمِثْلِ الإعْرَاض وَلَا أَطْلِقَ عِنَانُهُ بِمِثْلِ العِرَاض. وَإِنَّمَا أَخْبَرَتْهُم بِأَنَّهَا نَذَرَتِ الصَّوْمَ بِالإِشَارَة وَقَدْ تُسَمَّى الإِشَارَةُ كَلَامًا وَقَوْلًا. وَقِيل كَانَ وُجُوبُ الصَّمْتِ بَعْدَ هَذَا الكَلَام، أَوْ سُوِّغَ لَهَا هَذَا القَدْرُ بِالنُّطْقِ