حُسْنُ معاملة الأزواج
حُسْنُ معاملة الأزواج
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيّد المرسلين وإمام المتقين وعلى جميع إخوانه النبيين والمرسلين وعلى ءاله وصحابته الغر الميامين.
إنَّ العلاقة الزوجية في الشريعة الإسلامية جعلها الله عز وجل قائمة على المودة والعطف والسَّكِيْنة والرحمة بين كلا الزوجين ليسكن كل منهما للآخر ولتتوطد أواصر المحبة والرحمة والعطف بينهما، وليتعاون الزوجان في الحياة الزوجية فيما يُرضي الله تعالى ورسوله، يقول الله سبحانه وتعالى {ومن ءاياته أنْ خَلَق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودةً ورحمة إنَّ في ذلك لآياتٍ لقوم يتفكرون} (سورة الروم ءاية 12).
وهناك ءاداب وأخلاق حضَّتْ عليها الشريعة الإسلامية في معاملة الأزواج حتى تدوم حسن المعاشرة بين الزوجين، ويبقى بيت الزوجة سعيدًا، ثابت الدعائم قوي البنيان، غير مهدد بالسقوط والانهيار، والفشل والضياع وما يترتب على ذلك من نتائج على كل من الزوجين والأولاد.
وتستقر الحياة الزوجية ويسعد الزوجان عندما يعرف الزوجان ما لهما وما عليهما من حقوق، ويؤدي كل طرف حقه تجاه الآخر ويحسن إليه المعاملة. وهناك حقوق وءاداب وأخلاق حضَّت الشريعة الإسلامية الزوجة أن تراعيها في جانب زوجها لتستقر الحياة الزوجية بينهما، وترفرف عليها المودة والرحمة والسكينة، ولا يعتريها أي تصدع أو اضطراب أو انهيار.
ومن هذه الآداب والأخلاق: حسن معاشرة الزوجة لزوجها وتأدية حقوقه، وحسن معاملتها له، وطاعته فيما يرضي الله تعالى ورسوله.
يقول النبي العظيم صلى الله عليه وسلم “أعظمُ الناس حقًّا على المرأة زوجها” ويقول أيضًا عليه الصلاة والسلام “أيّما امرأة ماتت وزوجها عنها راضٍ دخلت الجنة”.
فالزوجة العاقلة الرصينة هي التي تلتزم بحق زوجها، يقول الله تبارك وتعالى {الرجال قوامون على النساء بما فضّل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم} (سورة النساء ءاية 34).
والمرأة الصالحة هي المرأة التقية التي تؤدي الواجبات وتجتنب المحرمات، فتراعي حق الله تبارك وتعالى وتراعي حق زوجها فلا تُضَيّعُ حقوقه، وهذا الصنف قليل بين النساء هذه الأيام، يقول صلى الله عليه وسلم “لا تؤدي المرأة حقَّ الله حتى تؤدي حقَّ الزوج”.
وحق الزوج على زوجته عظيم عند الله تبارك وتعالى، لذلك قال الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم “لو كنتُ ءامرًا أحدًا أن يسجد لأحد (أي سجود تحية) لأمرتُ المرأة أن تسجد لزوجها”.
جملة حقوق الزوج على زوجته والتي مطلوب شرعًا على الزوجة أن تراعيها:
… أن لا تمنعه حقَّه من الاستمتاع بها إلا فيما حرّم الشرع كالجماع في أيام الحيض أو النفاس كما هو معلوم في الشريعة.
فلا يجوز للزوجة أن تصدَّ زوجها عن الاستمتاع بها وأن ترفض رغبته في مقاربتها، فإن لم تستجب لزوجها في الاستمتاع بها بغير عذر فهي فاسقة وتلعنها الملائكة، فقد قال النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم “إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبتْ فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح”، وقال أيضًا عليه الصلاة والسلام “إذا دعا الرجل زوجته لحاجته فلتأته وإن كانت على التَّنُور” (التنور هو الذي يخبز فيه).
إنَّ حق استمتاع الزوج بزوجته ضمن حدود الشرع هو من أهم حقوق الزوج على زوجته، لأنَّ اهتمام المرأة بحاجة زوجها إليها في فراشه سبب مهم جدًا لسعادة الزوجين وإنَّ إهمالها لهذا الحق يُسبب النكد والشقاق بين الزوجين، وكثيرًا ما يؤدي هذا إلى انهيار الحياة الزوجية وبالتالي إلى الطلاق والضياع، ومن الملاحظ أن كثيرًا من الزوجات، يُهملن حق الزوج في الاستمتاع بهن في وقت يكون فيه الزوج بحاجة ماسة إلى ذلك فتهجر هذه الزوجة فراش زوجها بغير عذر شرعي ويكون الزوج في حاجة إليها، وتوليه ظهرها ولا تلقي له بالاً وكأنه ليس زوجها، فتكون بذلك سببًا للنكد والتعاسة والحزن لدى الزوج وما يترتب على ذلك من ءاثار سلبية على الحياة الزوجية.
ومن المفيد هنا أن نذكر أنه فرض على الزوجة إذا طلب منها زوجها أن تتزين له للاستمتاع أن تطيعه في ذلك.
ومن حقوق الزوج على زوجته:
أن لا تدخل أحدًا بيت زوجها إلا بإذنه، وأن لا تصوم تطوعًا (أي غير الفرض) إلا بإذنه، لأن الصوم مانع عن الاستمتاع فإذا صامت تطوعًا بغير إذنه لم يكن باستطاعة زوجها أن يقاربها، لأنها عادة تبتعد منه، والمقاربة بالاستمتاع حقه، لهذا يقول النبي العظيم صلى الله عليه وسلم “لا يحلُّ لامرأة أن تصوم وزوجها شاهد (أي حاضر) إلا بإذنه” أي في غير صيام الفرض.
ومن حقوق الزوج على زوجته:
أن لا تخرج من بيته أو تسافر مع أحد محارمها إلا بإذن زوجها، ومن المفيد المهم في هذا المقام أن نذكر أن الفقهاء قالوا إنَّ ملازمة المرأة وخاصة الزوجة لبيتها وعدم الخروج منه لغير ضرورة أحسن وأفضل لها، وهذا لمصلحة المرأة، لأنه ستر وصيانة لها ولأن أمر المرأة كما يقول العلماء مبنيّ على المبالغة في الستر وفي هذا مصلحة عظيمة الفائدة للمرأة، يقول النبي العظيم صلى الله عليه وسلم “أقرب ما تكون المرأة إلى وجه الله (أي إلى طاعة الله) إذا كانت في قعر بيتها”.
ومن حقوق الزوج على زوجته:
أن تقدّم الزوجة حق زوجها على حق سائر أقاربها، لأن حقّه عليها عظيم عند الله تعالى. فالمرأة إن أمرها أهلها بشىء وأمرها زوجها بشىء مما ليس فيه معصية، تطيع زوجها ولا تطيع أهلها، وهذا هو معنى قوله عليه الصلاة والسلام “أحق الناس بالمرأة زوجها”.
وقد روي عن السيدة الجليلة عائشة رضي الله عنها أنها قالت: “قلت يا رسول الله من أعظمُ الناس حقًا على الرجل؟ قال: أمُّه، قلت من أعظم الناس حقًّا على المرأة؟ قال: زوجها”.
ومن حق الزوج على زوجته:
أن لا تتأفف ولا تتسخط لضيق المعيشة أو ضعف الحال، ولا تكثر الشكوى فتؤذيه في كلامها وتكسر قلبه وخاطره، بل المطلوب منها شرعًا أن تظهر له الرضا والقناعة بالمقسوم من الرزق، وتُقدّر تعب زوجها في تحصيل الرزق ولا تطلب منه فوق الحاجة خشية أن يقع في كسب الحرام، والمرأة الصالحة العاقلة التي تبتغي رضا خالقها والجنة تبتعد بكليتها عن الحرام وترضى بالمقسوم من الرزق الحلال وتحذر زوجها من مسالك الحرام وطرقه، ورحم الله تعالى نساء السلف الصالح حيث كانت الزوجة الصالحة إذا خرج زوجها من منزله للكسب تقول له: إياك وكسب الحرام فإنا نصبر على الجوع والضُّرِ ولا نصبر على النار.
ومن المفيد أن نذكر في هذا المقام أنَّ إنفاق الزوجة الغنية على زوجها وأولادها الفقراء والمحتاجين ابتغاء الثواب من الله عز وجل لها في ذلك ثواب عظيم عند الله تعالى.
ومن حقوق الزوج على زوجته:
حسن معاشرة الزوج وحسن معاملته، وهذا أصل عظيم في السعادة الزوجية.
فمن حق الزوج على زوجته أن تُحسن عشرته بحسن الأدب والحديث والانبساط في أسباب اللذة والاستمتاع بأن تتطيب له وتتزين كما يحب منها ويرضى، فلا تتفاخر على زوجها بجمالها ولا تزدري زوجها لقبحه إن كان قبيحًا ولا تتباهى عليه بمالها وحسبها إن كانت ثرية ذات مال وحسب، بل الزوجة العاقلة التي تريد رضا خالقها تُطيع زوجها فيما يُرضي الله عز وجل ولا تؤذيه في أقوالها وأفعالها، ولا تفشي سره الذي ائتمنها عليه ولو لأقاربها، وتكون مشفقة على أولادها، راعية لهم بالتربية الإسلامية التي يحبها الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم حافظة للسانها عن كل ما يؤذي زوجها ويسخط خالقها، كأن تصرخ في وجهه وتقول له مثلا: “أنت ثقيل لا تفهم” ونحو ذلك مما يتأذى به الزوج وينكسر به قلبه وخاطره.
ومن الفوائد التي نُذَكّرُ بها الزوجات للاتعاظ في حسن عشرة الأزواج وبيان عظيم حق الزوج أنَّ أحد العلماء والمربين الأجلاء نَصَحَ إحدى تلميذاته المتزوجات كيف تُكلّمُ زوجها وتحسن صحبته وعشرته فقال لها: كلميه وقفي أمامه وكأنك أمام مَلِكٍ عظيم.
يقول الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم “لا تُؤذي امرأةٌ زوجَها في الدنيا إلا قالت زوجته من الحور العين لا تؤذيه قَاتَلَكِ الله فإنما هو عندك دخيل يوشك أن يُفَارِقَكِ إلينا”.
ومن حقوق الزوج على زوجته:
أن لا تنكر الزوجة فضل الزوج وإحسانه.
فعلى الزوجة العاقلة أن تحجم عن نكران فضل الزوج وجميله وإحسانه وهذه خصلة مهمة جدًا في استقرار الحياة الزوجية، ولا يراعيها من النساء المتزوجات إلا القليلات. إذ أن كثيرًا من النساء يُكْثِرنَ من نكران إحسان الزوج لأدنى إساءة تبدر عنه، ولهذا كانت النساء أكثر أهل النار كما أخبر بذلك النبي عليه الصلاة والسلام. فقد روى البخاري ومسلم وأحمد وغيرهم بروايات متقاربة مجمل معناها أنَّ الله تبارك وتعالى أرى النبي صلى الله عليه وسلم أن النساء أكثر أهل النار، فسُئِل عليه الصلاة والسلام من قِبَلِ بعض الصحابيات عن السبب فأجاب عليه الصلاة والسلام “لأنكن تكثرن اللعن وتَكْفُرْنَ العشير” أي تتلفظن باللعن كثيرًا كلعن أولادهن أو أزواجهن، ويَكْفُرْنَ العشير (والعشير هو الزوج) أي يُنْكِرْنَ فضل ونعمة الزوج وإحسانه ويستقللن ما كان من الإحسان والجميل منه، وهذا هو الواقع المشاهد من الكثير من الزوجات مع أزواجهن في الحياة الزوجية، وقد بيّن الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم هذه المسئلة فقال: “فلو أحسنتَ إلى إحداهن الدهر ثم رأت منك سوءًا قالت ما رأيت منك خيرًا قَطُّ».
أخي المسلم.. أختي المسلمة
إن المراد من هذا التحذير للنساء في هذا الحديث هو حثُّ النساء وتحذيرهن من هذه الخصلة الشنيعة حتى يتجنبن الحرام ولا يقعن فيه، ولا يجوز أن يفهم من هذا الحديث كما توهم بعض الجاهلين والجاهلات أن المرأة مهضومة الحقوق لا حقوق لها على زوجها ولا قيمة لها في المجتمع، بل إنَّ الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم يُخبر عن الواقع المشاهد كما هو، فلا يجوز تحريف معنى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم. بل إنَّ المطلوب شرعًا تعليم البنت منذ نشأتها وتمييزها أمور دينها الضرورية التي يجب عليها معرفتها بعد البلوغ من أمور العقيدة والأحكام، وكذلك تربيتها تربية إسلامية صالحة مبنيةً على الأخلاق الحميدة والخصال الحسنة لتكون ركيزة فعالة في بناء المجتمع النافع، ولتكون أمًا صالحة وزوجة صالحة تعرف حق زوجها عليها فتؤديه، وتعرف فضله وإحسانه عليها فلا تنكره، كما قال الله تبارك وتعالى {ولا تنسوا الفضل بينكم} وبذلك تُرضي ربها عز وجل وتنال ثوابه ورحمته في جنات النعيم.
وما أجمل أن نختم موضوعنا بكلام سيد المرسلين وإمام المتقين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي فيه حسن البشارة للمرأة والزوجة الصالحة التي تؤدي حق الله عليها وحق زوجها، يقول الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم “إذا صَلّت المرأة خَمسَها وصامت شهرها وحفظت فرجها وأطاعت زوجها قيل لها ادخلي من أي أبواب الجنة شئت».
وءاخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وترى شَيْخاً جَليلاً **** عَلَماً في الناسِ أسْمَر
نَهْجُهُ فينا خَلاصٌ **** فيهِ إخلاصٌ تَيَسَّر
عِنْدَهُ الكَرْبُ تَلاشى **** عِنْدَهُ الهمُّ تَقَهْقَر
ذاكَ عبدُ اللهِ شيْخي **** شَرَحَ القوْلَ وفَسَّر
قامَ بالعلْمِ جِهاداً **** ومُتونَ العِلْمِ حَرَّر
أنَّني أُنْمَى إليهِ **** فأنا واللهِ أفْخَر