ذكر قصة سيدنا الشافعي رضي الله عنه لما أفتى
سيدنا الإمام الشافعي رضي الله عنه هو الإمام المجتهد ناصر السنة المجدد على رأس المائة الثانية ابو عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف جد النبي صلى الله عليه وسلم ولذلك قيل له الشافعي نسبة لشافع جده الثالث الذي كان صحابيا ابن صحابي.
كان الشافعي رضي الله عنه عمره نحو أربع عشرة أو خمس عشرة سنة كان يدرس العلم عند الإمام مالك بالمدينة المنورة، فاتفق أن رجلا جاء إلى مالك فاستفتاه، قال له: “إني حلفت بالطلاق أن هذا القمري لا يهدأ من صياح”. فنظر مالك، فأداه نظره واجتهاده إلى أن هذا الإنسان حنث في حلفه، فطلقت امرأته، لأن القمري لا بد أن يهدأ من صياح، ليس كل ساعة يصيح.
فأفتاه بطلاق امرأته. فعلم الشافعي بهذه الفتوى فاجتهد الشافعي، فلم يوافق عليها، قال الشافعي الشخص مراده بقوله إن هذا القمري لا يهدأ من صياح أنه كثير الصياح، ليس معناه انه ليست له فترة يسكت فيها من الصياح، وأن الطلاق لم يقع على زوجته، لأنه في أكثر أحواله يصيح، وفي بعض منها لا يصيح، فلم يحصل الطلاق لأنه في العرف يقال له: “لا يهدأ من صياح” فلم يحنث في حلفه، ما انكسر حلفه، قال له: “لم تطلق امرأتك” هو الشافعي أخذ هذا الحكم من حديث صحيح الإسناد أن نبي الله صلى الله عليه وسلم: جاءته امراة فاستشارته للتزوج برجلين رجل يقال له أبو جهم ورجل ءاخر هو معاوية.
فقال لها الرسول من باب النصيحة: “أما أبو جهم فلا يضع العصا عن عاتقه” يعني أنه ضراب، ضراب للنساء “واما معاوية فصعلوك عليك بفلان” سمى لها شخصا ثالثا. الشافعي من هذا الحديث استخرج ان هذا القمري ليس المراد أنه لا يهدأ بالمرة من الصياح إنما المراد أنه كثير الصياح، ما دام مستيقظا الصياح يغلب عليه، صياحه يغلب على سكوته، فلا يحنث هذا الرجل الذي علق طلاق زوجته.
كما أن الرسول لما قال: “أما أبو جهم فلا يضع العصا عن عاتقه”، ما أراد أنه في حال النوم وفي حال الأكل والشرب وفي حال الصلاة يظل حاملا عصاه على عاتقه. ما عنى ذلك. إنما عنى أنه كثير الحمل للعصا، يغلب عليه حمل العصا على عاتقه، فالشافعي من هنا استخرج فتوى لهذا الرجل.
فرجع الرجل إلى مالك فقال له: “إن ههنا فتى يقول لم تطلق امرأتك” فقال: “علي به”، فحضر الشافعي، فقال: “من أين قلت ما قلت؟” فقال له: “من الحديث الذي أنت حدثتنا أن فاطمة بنت قيس جاءت إلى الرسول فقالت: “إن أبا جهم ومعاوية خطباني” فقال الرسول: “أما أبو جهم فإنه لا يضع العصا عن عاتقه”، أنا من هذا الحديث أخذت”. فسكت مالك ما عارضه لأنه وجد معه حجة. هنا قريحة الشافعي الذي هو تلميذ مالك طلعت أقوى من قريحة مالك. أدرك الشافعي ما لم يدرك مالك، مع أن مالكا أستاذه وأكبر منه سنا لكن العلم مواهب من الله والقرائح مواهب من الله.