شرح: ما شئتَ كان وإن لم أشَأ وما شئتُ إن لم تشَأ لم يكن
الله موجود بلا مكان لا يتغير. التغير مستحيل على الله.
قال شيخنا رحمه الله:
ما شِئْتَ كانَ وإن لم أشَأ
المَعنى مَشيئَتُكَ أزَلية نافذةٌ لا تتَخلّفُ وأمّا مَشِيئَتي فهيَ حادثةٌ لأنّها لا تَحصُل إلا أن تشاءَ أنتَ في الأزلِ أن تَحصُلَ مِنِّي المشيئةُ ثم إمّا أن تَنفُذ وإمّا أنْ لا تَنفُذَ، مَشيئة العَبد هَكذا منها ما هوَ نافِذٌ ومنها ما هو غيرُ نافِذ أي منها ما يتحَقّقُ فيَحصلُ ومنها ما لا يتحَقّق ، نحنُ نشَاء مشيئةً حادثةً لأنّ الله تعالى شاء في الأزل أن نَشاءَ هذه المشيئةَ الحادِثة ثم ما شِئناه أن يكونَ قَد يكونُ وقد لا يكونُ أي قدْ يَحصُل وقد لا يَحصل، فإنْ حَصَل فلأنّ الله تبارك وتعالى شاءَ في الأزل حصُوله فإن لم يَحصُل فإنّما لم يَحصل لأنّ الله تبارك وتعالى ما شَاءَ في الأزل أن يحصُلَ مُرادنا الذي تعَلقَت به مشيئَتُنا، هذا كلام الإمام المُطَّلبيِّ الشافعيّ رضي الله عنه،
ما شئتَ كان وإن لم أشَأ وما شئتُ إن لم تشَأ لم يكن،
ما ذكِرَ هو شَرح هذين الشّطرين. ثم قالَ رضي اللهُ عنه
خَلقتَ العبادَ على ما علِمتَ ففِي العِلم يَجرِي الفَتى والمسِن
معنى خَلقتَ العبادَ على ما علِمتَ معناهُ أنّ الله تبارك وتعالى يُبرِزُ عبادَه للوجُود بعدَ العَدم، يُبرِزهُم مِنَ العَدم إلى الوجُودِ على حسَبِ ما سَبَقَ في عِلمِه الأزلي لا عَلى خِلافِ عِلمِه الأزلي، لأنّ تخلّفَ العِلم في حقّ الله تبارك وتعالى مُستَحِيل، يجبُ تَنزيه الله تبارك وتعالى عن تخَلّف عِلمِه، أي أنّ مَا عَلمَ الله وجودَه لا بُدَّ أن يُوجَد، وما علِمَ اللهُ أنه لا يوجَد لا يوجَد، يَستَحيلُ دخولُه في الوجُود
خَلقتَ العبادَ على ما علِمتَ، أي على وَفْقِ عِلْمِك خَلقت َ العبادَ، لا على خِلافِ عِلمِه لأنّه يَستَحيلُ وجودُ شَىء على خِلاف عِلمِ الله تبارك وتعالى، قال رضي الله عنه، ففِي العِلم يجري الفَتى والمُسِنّ ،أي أنّ سَعْيَ الفتى أي الشّابّ والمسِنّ أي العَجُوز كلٌّ سَعيُه في عِلم الله تبارك وتعالى أي لا يَخرُج عن عِلم الله، هذا الفَتى الذي هو ذو قُوّة ونشَاط وهذا المسِنّ الذي هو ذُو عَجزٍ وضَعف كُلٌّ منهُما لا يحصُل شَىءٌ منه مِنَ الحركات والسّكنات والنّوايا والقصُود والإراداتِ إلا على حَسَبِ عِلم الله الأزليّ، أي ما عَلِم الله في الأزلِ أن يحصلَ مِن هذا الفتى يحصُل منهُ كذلك المُسِنّ وما لم يسبِق في عِلم الله تعالى أن يحصلَ مِن الفتى والمُسِنّ لا يحصُل، فكلُّ منهما على حدٍ سواءٍ لا هذا يَستطيع أن يَسعَى لعَملٍ ما على خلافِ عِلم الله الأزلي أي على خلافِ ما سَبق في علم الله ولا هذا، كلٌ منهما في العِلم يَجرِيان أي يتَقلّبانِ على حسَب مشيئةِ الله الأزليّة ويَعمَلان على حسَبِ عِلم اللهِ الأزلي.
هنا مُهمَّةٌ: الأزليُّ إذا أُطلِقَ على الله وعلى صِفاتِه معناهُ ما لا ابتداءَ لوجُودِه، أمّا في اللّغة يُطلَق الأزليّ على الشّىءِ الذي تقَادَم عَصرُه أي زَمنُه، أي مضَى عليه زمانٌ طَويل، يقالُ لهُ أزَلي، ويُطلَقُ على الذّاتِ المقَدَّس أي ذاتِ الله تبارك وتعالى وصفاته الأزلي، لكن إذا أُطلِقَ على الله الأزليُّ والقَديمُ فمعناه لا ابتداءَ لوجُودِه وأمّا إذا أُطلِقَ على شَىء مِن الحادثاتِ الأزلي أو القَديم فمعناه أنّه مضَى علَيه عَصرٌ طَويل، زَمنٌ طويلٌ، ففي القامُوس المحيط المشهُور في اللّغة، بينَ كتُب اللّغة، في باب الميم :والهرَمانِ بِناءان أزليّانِ بمِصر، هكذا يفسّرُ الهرَمين، أزلِيّانِ معناه مضَى علَيهِما زمانٌ طَويل ليسَ معناهُ أنّه لا ابتداءَ لوجُودِهما لأنهما مخلوقانِ، لأنهما مِن جملة ما في الأرض، والأرضُ حادثةٌ وُجِدت بقُدرةِ الله وعِلمه وتَقدِيره.
س: في كتاب الاعتقاد والهداية مَكتوبٌ قَدّرَ الله المقاديرَ قبلَ خَلقِ السماواتِ والأرض بخمسِينَ ألفَ سنة ما تفسيره.
ج: هذا كتابتُه في اللوح المحفوظِ، ليس معناهُ تقدير الله الذي هو صفة ذاتيةٌ للهِ مؤرَّخ بهذا التاريخ، عِلم الله لا يؤرَّخ بتاريخ وتقديرُه لا يؤرّخ بتاريخ كذلكَ مشيئتهُ وسمعُه وبصَرُه وكلامُه الذّاتي لا يؤرَّخ بتاريخ. فتقديرُ الله الذّاتي لا ابتداءَ لوجودِه أمّا ما وَردَ في صحيح مسلم:”كَتَبَ اللهُ مقادِيرَ الخلائِق قَبلَ خَلقِ السّماوات والأرضِ بخمسِينَ ألفِ عام” فمعناه الكتابةُ على اللوح المحفوظ، وفي روايةٍ لهذا الحديث “قَدّرَ اللهُ مَقادِيرَ الخلائِق” لكنّ روايةَ كتَب اللهُ هي أَقوى ومَن رَواه بلفظِ قَدّر اللهُ فمُرادُه كتَبَ.