طريق سهل لكسر المشبّهة الوهّابيّة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الخلق وحبيب الحق محمد صلى الله عليه وسلم.
يقال لمشبّهة العصر: أنتم دينكم جديد أنشأه محمد بن عبد الوهاب بدليل أن المسلمين ما كان أحد منهم يُحرِّم قول {يا محمد} قبل ابن الوهاب، حتى الذي محمد بن عبد الوهاب يسمّيه شيخ الإسلام وهو ابن تيمية يُقِرُّ قول {يا محمد} عند الضيق لمن أصابه خدَر في رجله – أي مرض في رجله تتعطل حركتها وليس هذا المسمى بالتنميل – ويستدل بعبد الله بن عمر رضي الله عنه فإنه كان أصابه خدر فقيل له: اذكر أحب الناس إليك فقال: {يا محمد} فتعافى.
ويقال للوهابية: ابن تيمية الذي تسمونه شيخ الإسلام أجاز هذا وأنتم تسمونه كفرا؟؟!!! حتى ابن تيمية برئ منكم في هذه المسئلة، فكيف تدعون أنكم على دين الإسلام ولستم على دين الإسلام، وأنتم كفّرتم الأمة، والأمة لم يكن فيهم خلاف في جواز قول {يا محمد} فأنتم أول من حرّم هذا، ومن كفر الأمة فهو كافر لأن الأمة لا تزال على الإسلام فقد روى البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لن يزال أمر هذه الأمة مستقيما حتى تقوم الساعة أو يأتي أمر الله“.
فإن قالوا: ابن تيمية ما قال هذا، يقال لهم: يشهد عليكم كتابه (الكلم الطيب)، والعلماء الذين ترجموا لابن تيمية ذكروا هذا الكتاب في أسماء كتبه ومنهم صلاح الذين الصفدي وكان معاصرا لابن تيمية ويتردد عليه فقد ذكر أن هذا الكتاب من تأليف ابن تيمية.
ثم زعيمكم هذا الأخير الألباني اعترف وقال: هذا الكتاب ثابت لابن تيمية وعمل عليه تعليقا لكنه قال: إن إسناد قول ابن عمر {يا محمد} ضعيف، وهذ لا يُعكر علينا لأنه ثبت أن ابن تيمية أورده وقال: “فصلٌ في الرجل إذا خدرت” وسمى الكتاب {الكلم الطيب}، ولو فُرض أن اسناده ضعيف لكن ثبت أن ابن تيمية أجاز هذا، فمن الذي يَكفُر أهو الذي تسمونه شيخ الإسلام أم أنتم؟؟! لأنكم كفرتموه حكما وإن لم تشعروا، هنا لا يتجرأون أن يقولوا ابن تيمية كافر ولا يقولون عن أنفسهم نحن كفار، نقول: إذن أنتم دينكم جديد، كفرتم المسلمين من أيام الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أيامنا، ومن حيث المعنى كفرتم زعيمكم ابن تيمية لأنه استحسن قول {يا محمد} عند خدر الرِّجْلِ ومن استحسن الكفر فهو كافر، فهل لكم من جواب؟ هذه تكسر ظهورهم.
على أن قول الألباني ليس حجة لأنه ليس أهلًا للتضعيف والتصحيح لأنه محروم من الحفظ فهو ليس حافظاً باعترافه فلا يحفظ عشرة أحاديث بأسانيدها، فإنه قال عن نفسه: “أنا محدث كتاب لست محدث حفظ”.
ولو قال أحدهم: ابن تيمية رواه من طريق راو مختلف فيه، يقال لهم: مجرد إيراده لهذا في هذا الكتاب دليل على أنه يستحسنه إن فُرِض أنه يراه صحيحاً وإن فرض أنه يراه غير صحيح، لأن الذي يورد الباطل في كتابه ولا يُحذِّر منه فهو داعٍ إلى ذلك الشىء.
وهذه القصة رواها الحافظ ابن السُّنّي والبخاري في كتاب “الأدب المفرد” بإسناد ءاخر غير اسناد ابن السني، ورواها الحافظ الكبير إبراهيم الحربي الذي كان يُشبه الإمام أحمد بن حنبل في العلم والورع في كتابه “غريب الحديث” بغير إسناد ابن السني أيضا، ورواها الحافظ النووي في الأذكار، والحافظ ابن الجزري في كتابه “الحصن الحصين” وكتابه “عدة الحصن الحصين”، ورواها الشوكاني – في تحفة الذاكرين – الذي هو يوافقكم في بعض الأشياء وهو غير مطعون فيه عندكم، فياوهابية أين المفر؟ ويالها من فضيحة عليكم وابن تيمية هو إمامكم الذي أخذ ابن عبد الوهاب بعض أفكاره التي خالف فيها المسلمين من كتبه؟.
فإن قلتم: نحن على صواب وابن تيمية استحل الشرك والكفر، قلنا: قد كفَّرتم ركنكم في عقيدة التشبيه وفي غيره من ضلالاته، وتكونون اعترفتم بأنكم متّبعون لرجل كافر تحتجّون بكلامه في كثير من عقائدكم، فقد اتبعتموه في قوله الذي كَفَرَ بسببه وهو قوله: إن كلام الله ومشيئته حادث الأفراد قديم النوع أي الجنس، وقوله: إن جنس العالم أزلي مع الله ليس مخلوقاً، في هذا الكفر هو ركنكم فقد اتبعتموه وجعلتموه قدوة لكم فيما خالف فيه الحق وخالفتموه فيما وافق فيه الصواب وهو جواز الاستغاثة بالرسول عند الضيق بقول:{يا محمد{.
ثم إنكم كاذبون في دعوى السلفية، أيُّ سلفي أنكر قول {يا محمد} عند الضيق؟ فتسميتكم أنفسكم بهذا الاسم حرام لأنها توهم أنكم على عقيدة السلف وأنتم لستم على عقيدة السلف ولا الخلف، أنتم تدينون دينا جديداً، لأن القول { يا محمد} للاستغاثة جائز عند السلف والخلف في حياة الرسول وبعده بالاتفاق، وإنما حُرّم نداؤه صلى الله عليه وسلم {يا محمد} في وجهه في حياته بعد نزول الآية {لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا} وكان سبب تحريم ذلك أن قوما جُفاة نادوه من وراء حجرته: {يا محمد اخرج إلينا} فحرّم الله تعالى ذلك في وجهه تشريفا له.
وكان توسلُ الأعمى الذي طلب من الرسول أن يدعو له بالشفاء فعلمه الرسول أن يقول:{اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمد نبي الرحمة يا محمد إلى أتوجه بك إلى ربي عز وجل في حاجتي} خارجَ حضرة الرسول لأنه قال له:{ ائت الميضأة فتوضأ ثم صل ركعتين ثم ادع بهذه الدعوات} – أخرجه الطبراني في المعجم الكبير والمعجم الصغير، وقال:{والحديث صحيح} – فذهب الرجل فتوضأ وصلى ركعتين ودعا بهذا التوسل ثم رجع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقد أبصر، وهذا الدعاء في غير حضرة الرسول في حياته عليه السلام، وأنتم قد تبعتم ابن تيمية فيما قاله في كتابه {التوسل والوسيلة} إنه لا يجوز التوسل إلا بالحي الحاضر، لكن الاستغاثة التي استحسنها ابن تيمية والتي هي استغاثة به صلى الله عليه وسلم بعد وفاته خالفتموه وجعلتم ذلك شركاً وكفراً فما أَتْوَهَكُم عن الحق.
ويُقال أيضاً في الرد عليهم في قولهم بإثبات التحيز لله في العرش: الرّجل إذا كان قائما المسافة من رأسه إلى العرش أقرب أم لو كان ساجداً؟، فيقولون: أقرب إذا كان قائما فيقال لهم: أنتم جعلتم العرش حيزاً لله وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم ينقض عليكم ما زعمتموه فقد روى مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:{أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء} وأنتم تقولون:{التأويل تعطيل} أي نفي لوجود الله وصفاته، فعلى قولكم مِن منعِ التأويل انتقض عليكم معتقدكم، أما نحن أهل السنة نؤول قول الله تعالى: {الرحمـن على العرش استوى} ونؤول كل آية أوحديث ظاهره أن الله متحيز في الجهة والمكان أو أن له أعضاء أو حدا أو حركة وانتقالا أو أيّ صفة من صفات الخلق تأويلاً إجماليا أو تأويلا تفصيلياً كما ثبت ذلك السلف وتبعهم الخلف، ونقول: ليس المراد ظواهرها بل المراد بها معان تليق بالله تعالى كما قال بعضهم:{بلا كيف ولا تشبيه}. ويعني أهل السنة بقولهم {بلا كيف} أن هذه الآيات والأحاديث ليس المراد منها الجسمية ولوازمها، هذا مراد السلف والخلف من أهل السنة بقوله {بلا كيف} وتعتقدون الكيف.
وأما التأويل التفصيلي فقد ثبت عن السلف وإن كانوا لم يُكثروا منه فقد ثبت عن الإمام أحمد بن حنبل تأويل المجئ الذي ذكر في هذه الآية {وجاء ربك والملك صفا صفا} أنه قال:{جاء ثوابه}، ذكر ذلك البيهقي في كتابه البداية والنهاية، قال البيهقي:{هذا إسناد لا غبار عليه}. وروي عنه أنه قال: {جاء أمره}، وأنتم قلتم: إن مجئ الله بالنزول الحسي بالانتقال من العرش إلى الأرض كما أن الملائكة ينزلون نزولا حسيا بالانتقال من أماكنهم العلوية إلى الأرض يوم القيامة، ولو كان الإمام أحمد يعتقد اعتقادكم ما أوّل الآية بل أقرّها على الظاهر كما أنتم تفسرون. وهذا التأويل من الإمام أحمد ثابت صححه البيهقي في كتابه مناقب أحمد.
وكذلك ثبت عن السلف تفسير الساق المذكور في ءاية {يوم يُكشف عن ساق} بأن الساق هي الشدة الشديدة – فتح الباري، الأسماء والصفات – وأنتم جعلتم الساق عضوا كما أن للإنسان عضو الساق، فأين أنتم من تنزيه الله عن مشابهة الخلق، فظهر أن انتسابكم إلى الإمام أحمد انتساب كاذب.
والبخاري ذكر في جامعه تأويلين لآيتين، أوّل ءاية {كلُ شىءٍ هالك إلا وجهه} أول الوجه بالمُلْك – صحيح البخاري: التفسير: أول باب تفسير سورة القصص – وكذلك ذكر سفيان الثوري في تفسيره – تفسير القرءان الكريم – والموضع الثاني الذي أوّل البخاري فيه ءاية{ءاخِذٌ بِناصِيَتِها} أوَّلَها بالمُلْك والسلطان – صحيح البخاري: كتاب التفسير: سورة هود: باب قوله: وكان عرشه على الماء – ما أوّل كما أنتم تعتقدون بمعنى المس، وظاهر الآية أن الله يقبض بناصية كل دابة وهذا تشبيه لأنه لا يجوز على الله أن يَمَسَّ أو يُمَسَّ لأن المس من صفات الخلق.
أما حديث مسلم هذا فنؤوله ونقول: القُرب في هذا الحديث لا يُراد به القرب المسافي، وكذلك في كل حديث وءاية ظاهره أن الله متحيز في جهة فوق يؤول ولا يحمل على الظاهر، فأين أنتم من قولكم:{ التأويل تعطيل}، ومن قولكم: {التأويل إلحاد}.
ويقال لهم: حديث مسلم هذا إن لم تحملوه على الظاهر بل أوَّلتموه فقد ناقضتم أنفسكم فإنكم تقولون: {التأويل تعطيل} ثم تفعلونه فتؤولون. حسبي الله ونعم الوكيل.