كتاب نيل المرام في الوَارد في اللّحم والشّحم من الأحكام
في الوَارد في اللّحم والشّحم من الأحكام
الشّيخ جميل حليم
الطبعة الأولى
1427هـ/2006ر
بسم الله الرّحمن الرّحيم
وقد كثرت الدعوى حلاً وحرمةً وعمت البلوى في أكل ما لم ينزل الله به من سلطان، وقد نهانا الله تعالى عن التّحليل والتّحريم بغير دليل شرعيّ فقال: {ولا تقولُوا لِما تصِفُ ألسِنَتُكُم الكذِبَ هذا حلالٌ وهذا حرامٌ لتفتَروا على اللهِ الكذِبَ} [سورة النّحل]، فانتشر في هذه الأيّام دعوى تحليل أكل اللحم ولو لم يُعلم ذابحه هل هو مسلم أو من أهل الكتاب أم مِن غيرهما أي ولو مع الشّك في ذابحه هل هو ممّن تحلّ ذبيحته أم لا، ودعوى تحليل أكله ولو ذبح على غير الطّريقة الشرعيّة.
فقيامًا منّا بالواجب الذي كتبه الله علينا وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونصح المسلمين بما يمليه علينا الشرع الكريم كتبنا هذه الأوراق على وجه الاختصار ذاكرين دعوى بعض النّاس في مسئلة اللحم والشّحم، محتجِّين عليهم بالكتاب والسٌّنَّة وإجماع الأمّة وأقوال العلماء، أسميناها <نيل المرام في الوارد في اللحم والشّحم [3] من الأحكام>.
بسم الله الرّحمن الرّحيم
بيان تفسير قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَآ أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ} [سورة المائدة/3].
الله تبارك وتعالى حرّم في هذه الآية أشياء وهي:
1- {الميتة} وهي الّتي زالت حياتها بغير ذكاة شرعيّة ولو بذبحٍ لم يستوفِ شرط الذّبح بأن تموت بمرضٍ أو بذبحِ من لا تحلُّ ذبيحته كالمجوسيّ الذي يعبد النّار والملحِد الذي ينكر وجود الله، فذبيحة هؤلاء ميتة ولو ذبحوا كما يذبح المسلمون بقطع الحلقوم أي مجرى النّفس والمريء أي مجرى الطّعام والشّراب ولو سمّوا الله أو كبّروه فلا تحلّ ذبيحة هؤلاء، ومثل هؤلاء المرتدّ كالذي يسبّ الله أو يستهزىء بالإسلام أو ينكر البعث بعد الموت أو يسبّ الملائكة أو يصفُ اللهَ بالحركة أو السّكون أو الجسم أو الهيئة أو ينسُب لله المكان أو الجهة أو الجهل أو العجز. وكالذي يدوس على المصحف أو يرميه في القاذورات أو يكتب الفاتحة بالبول. فهذا مرتدّ وذبيحته ميتة كالّتي ماتت بمرض ولو نفّذ شروط ذبح المسلمين أي بقطع الحلقوم والمريء، أما المسلم شارب الخمر أو الزاني فذبحه حلال، أما اليهوديّ والنّصرانيّ فتحلّ ذبيحتهما لأنّ هذين أحلّ الله لنا أن نأكل ذبائحهما إن ذبحا بالطريقة الإسلاميّة وقطعا الحلقوم والمريء بشيء له حد كحديد له شفر كالسّكّين أو حجر محدد الطّرف أو قصب جامد أو قزاز -ليس المعنى أنّه إنْ خرقها من جهة إلى جهة أو ما أشبه ذلك- فقد حلّت الذبيحة.
والمرأة المسلمة واليهوديّة والنصرانيّة إذا ذبحت فذبيحتها حلال، بعض النّاس يظنّون أنّ المرأة لا يحلّ لها أن تذبح وهذا جهل منهم، فذبيحتها تحلّ ولو كانت حائضًا وكذلك الولد المميّز الذي هو دون البلوغ ذبيحته تحلّ. واليهوديّ والنصرانيّ ذبيحتهما حلال بلا خلاف ولو لم يقل بسم الله، قال الله تعالى: {وطَعَامُ الّذين أُوتُوا الكِتَبَ حِلٌ لكُم} [سورة المائدة].، إنّما المسلم إنْ سمّى الله على ذبيحته هي حلال باتّفاق العلماء أمّا إنْ ترك تسمية الله عمدًا قال أبو حنيفة ومالك والإمام أحمد: “لا تحلّ ذبيحته وإنْ تركها سهوًا تحلّ ذبيحته” أمّا الإمام الشّافعيّ رضي الله عنه يقول بأنّ ذبيحة المسلم سمّى الله أو لم يسمّ فهي حلال وإنْ ترك التّسمية عمدًا. واللحم الّذي في الأسواق خليطٌ فيه الحلال وفيه الميتة فالذبيحة الّتي لم نعلم إنْ كان ذابحها مسلمًا أو ممّن لا يؤكل ذبيحته حرام أنْ نأكل من لحمها ولو سمّى الله على اللحم عند أكله، وكذلك التّسمية على اللحم الذي لم تُستوفَ الشروط عند ذبحه لا تجعله حلالا كما يظنّ بعض من لا علم له.
والمسلم واليهوديّ والنصرانيّ إذا ضغط على الآلة الّتي تقطع رقبة الذّبيحة ونزلت فقطعتها تحلّ هذه الأولى لأنّها بيده وإذا استمرّ السّكين يقطع بفعل الكهرباء إلى عشر ساعات مثلاً لا يحلّ أكل ما بعد هذه الأولى لأنّه بفعل الكهرباء.
واللحم الطّازج أو المبرّد المستورد من بلد غير إسلاميّ أو غيره إنْ علمنا علم يقين ليس بالظّنّ أنّ الشّركة الّتي تصدّره أوكلت ناسًا مِنَ المسلمين أو مِنَ اليهود أو النّصارى بالذّبح وقد استوفوا شروط الذّبح الّتي سبق بيانها جاز لنا أن نأكل من هذا اللحم، كأنْ قام مسلم ثقة بإنشاء مزرعة للبقر أو الغنم أو الدّجاج في بلد غير إسلاميّ أو غيره واستخدم ناسًا من المسلمين أو أهل الكتاب ليذبحوا ثم أرسل اللحم إلينا مبرّدًا فيجوز لنا أنْ نأكل هذا اللحم لأنّنا علِمنا علم يقين استيفاء شروط الذّبح الحلال، أما مجرد إلصاق ورقة على الصّناديق المستوردة الّتي فيها اللحم عبارة “ذبح على الطّريقة الإسلاميّة” فليس علم يقين لا سيّما وقد شهد كثير من أهل الاختصاص أنّهم رأوا صناديق في كثير من البلاد العربيّة فيها لحم خنزير كتب عليها “ذبح على الطّريقة الإسلاميّة” حتى وصلت بهم السّخافة أنّهم كتبوا على علب السّردين “ذبح على الطّريقة الإسلاميّة” وهذا دليل على أنّ هذه المعلبات يطبعون عليها هذه العبارة مع جهلهم بما في داخلها فمتى كان السّمك يحتاج لأكله إلى ذبح؟ ومتى كان لحم الخنزير يؤكل؟ أو يحلّ أكله بذبحه؟.
وأمّا إذا جاءنا لحم من بلدٍ أهلها مسلمون ويذبحون ذبحًا شرعيًّا كتركيّا والباكستان جاز لنا أكله باعتبار أنّ مسلمًا ذبح مستوفيًا شروط الذّبح، وإذا جاءنا من بلد كلّ أهلها نصارى أو يهود ويذبحون ذبحًا صحيحًا حلّ لنا أنْ نأكله. أما إذا طرأ شكّ هل هو من ذبيحة كتابيّ أو مسلم قتل بالصّعق الكهربائيّ ونحوه لا يجوز ولا يحلّ الأكل منه. أمّا إذا جاءنا لحم من بلد أهلها مختلفو العقائد كبلد أهله نصارى وملاحدة أو يهود وملاحدة ولم نعرف مَن الذّابح لا يؤكل. فرنسا فيها ملاحدة وإيطاليا وأوروبّا كذلك كلّها فيها ملاحدة كذلك أمريكا وغيرها فلا يؤكل اللحم الآتي من أوروبّا حتّى نعرف أنّه من ذبيحة نصرانيّ أو يهوديّ. وفي هذه الأيّام توجد هذه اللحوم المعلّبة غير السّمك لا يعرف من ذبحها يحتمل أنْ تكون من ذبيحة ملحد أو بوذيّ أو مجوسيّ لذلك لا يجوز أنْ نأكل اللحم حيثما وُجد ولا ضرورة لأكله مع وجود السمك والخضار وغير ذلك من الحلال فهي أي هذه اللحوم ليست كالقمح والأرزّ مثلاً.
واللحم الذي أحلّه الله لنا من بقر وغيره كالدّجاج الذي كتب عليه “ذبح على الطّريقة الإسلاميّة” فهذا يجوز أكله إنْ عرفت الشّركة المصدّرة وعرف أنّها تذبح على الطّريقة الشرعيّة، فالدّجاج المجلّد وغيره من اللحوم الّتي تحتاج لذبح ليَحلَّ لا تؤكل حتى نتأكد أنّها ذبحت ذبحًا حلالاً. والسّمك حلال كيفما وصل إلينا سواء عن طريق مجوسيّ أو كتابيّ لأن ميتة السّمك حلال. الله تعالى أحلّ لنا ميتة السّمك قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “أحلّت لكم ميتتان ودمان السّمك والجراد والكبد والطّحال [4]”.
وقد ورد في القرءان حلّ أكل السّمك وصيد البحر في قوله تعالى: {أُحِلَّ لكم صيدُ البحر وطعامُه متاعا لكم} [سورة المائدة/96]. فالمطلوب من الإنسان أنْ لا يتعلّق قلبه بهذه المعلّبات وما أشبه ذلك، كيف يهتمّ الإنسان لبطنه إلى هذا الحدّ وأوّل ما ينتن من الإنسان في القبر بطنه، فليكتفِ الإنسان بالخضار والسّمك وذبح يده وغير ذلك من الحلال في حالة كهذه وليتّقِ الله ولا يتأثّرْ بكلام بعض الجهلاء وتزيين الحرام وتحسين الباطل وليذكر قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: “من أرضى الله في سخط الناس رضي الله عنه، ومن أرضى الناس في سخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس” [5] أي خيارهم.
والأمر الثاني الذي ورد ذكره في الآية مما هو محرَّم بنصها:
2- {والدم} وهو محرّم سواء كان دم ذبيحة من الحيوانات المأكولة أو دم غيرها وسواء كان مائعا أو جمد بعد انفصاله من مخرجه بالوسائل المتبعة عندهم كما تعودوا في أوروبّا فهو حرام وأكله من الكبائر المجمع عليها.
والدم المسفوح السائل هو الذي حرّمه الله تعالى كما في قوله تعالى: {قل لا أَجِدُ في ما أُوحِيَ إليَّ محرّما على طاعمٍ يَطْعَمُهُ إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا} [سورة الأنعام/145].
أما الدم غير السائل كالكبد والطحال حلال لأنهما ليسا دما مسفوحا، الله خلقهما في بطون البهائم جامدين فهما ليسا من الدم المحرّم. فمن أكل الكبد نَيْئًا أو مطبوخا أو مشويا فهو حلال وكذلك الطحال وقد رغّب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في أكل الكبد فقال: “كلوا الكبد نيئا” [6] رواه الضّياء المقدسيّ، وقوله: “أحلّت لكم ميتتان ودمان السّمك والجراد والكبد والطّحال” [7]. والدّم الذي ينز من اللحم الطّازج ويسيل منه هذا غير حرام كذلك لو احمرَّ المرق من اللحم المقطّع الطّازج لا يحرم إنّما الحرام هو الدّم المسفوح والمسفوح هو الدّم الذي يتفجّر من مخرجه عند الذّبح، هذا وإنْ جمد بعد ذلك فأكله حرام أيضا. الكبد والطّحال واللحم الطّازج إذا وُضع في وعاء فسال منه هذا اللون الأحمر فهذا ليس بنجس.
3- {ولحم الخنزير} أي كذلك حرم عليكم أكل لحم الخنزير سواء كان هذا الخنزير بريّا أو أهليّا يربى في المداجن والمنازل كما في بعض البلاد فهذا حرام سواء كان نيئا أو مطبوخا على النّار فلا تزول النّجاسة عنه ولو قال الأطباء يزول ما به من أذى فمن استحلّ أكله كفر وذلك لأنّه محرّم في جميع الشّرائع، ولا يجوز إهداؤه للنّصرانيّ ولا لليهوديّ ولا للمجوسيّ. ومن باع الخنزير الحيّ إلى نصرانيّ وأكل ذلك الثّمن فقد أكل حراما فإنّ الله حرّم أكله وحرّم أكل ثمنه وهو حرام على الذي يستطيع أن يستعمل ما يكافح به الأمراض الّتي في لحم الخنزير وعلى الذي لا يعرف كيف يكافح هذه الأمراض الّتي تتولّد من أكل لحم الخنزير حرام على الجميع. فقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “إنّ الله ورسوله حرّم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام”، قالوا: يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة تطلى بها السّفن ويدهن بها الجلود ويستصبح بها النّاس، قال: “لا هو حرام” رواه البخاريّ [8] ومسلم [9].
4- {وما أُهلَّ لغير الله به} أي ما ذبح لعبادة غير الله كتعظيم الأصنام، الشّيء الذي يذكر عليه اسم غير الله كما يفعل بعض الوثنيين لمّا يذبحون لأوثانهم يذبحون الذّبيحة ويذكرون عليها اسم ذلك الوثن فلا يجوز ذكر اسم غير الله على الذّبيحة ففي الجاهليّة كانوا يذبحون تقرّبا إلى هذه الشّياطين كذلك كانوا يذبحون لعبادة الأصنام كان عندهم وثن كبير يسمونه “هُبَل” وعندهم “مَناة” وعندهم “اللاّت” وعندهم “العّزَّى” وهذه الأخيرة كانت شيطانة أنثى، سيّدنا خالد بن الوليد ذهب إلى الشّجرة الّتي كانت تظهر صوتها فيها ذهب إلى هناك فقطعها وقتل الشّيطانة صادفها هناك كانت متشكّلة بشكل أنثى من البشر وقال لها:
يا عزّى كفرانك لا سبحانكِ
إنّي رأيتُ الله قد أهانكِ
وكان لقبائل العرب المشركين طواغيت والطّاغوت هو الشّيطان ينزل على إنسان ويتكلّم على فم هذا الإنسان فكانوا في الجاهليّة يعظّمون هذا الإنسان من أجل الشّيطان الذي ينزل فيه ويتكلّم على لسانه.
وهذه المذكورات الأربعة أي الميتة والدّم ولحم الخنزير وما أُهلّ لغير الله به محرّمة في جميع شرائع الأنبياء. قال الشّيخ ابن قدامة المقدسيّ في <المغني> ما نصّه [10]: “أجمع العلماء على تحريم الميتة حال الاختيار وإباحة الأكل منها في الاضطرار”.
5- {والمنخنقة} البهيمة الّتي تؤكل إذا زالت حياتها بالخنق حرم أكلها فمن هنا يتبيّن فساد ما يفعله بعض الجهّال ومنهم من هو في عداد المسلمين من أنّهم وعلى طريقة الأوروبيّين يغرقون الدّجاج الحيّ بالماء المغليّ فتختنق ثم يقطّعونها فهذه لا يحلّ أكلها.
6- {والموقوذة} أي حرم عليكم الموقوذة أي أكلها حرام وهي البهيمة الّتي ضربت بالعصا أو بشيء ثقيل حتّى ماتت من قوّة الألم فأكلها حرام ولو ذبحها لا يجعلها حلالا وكذلك البهيمة الّتي ضربت بالمطرقة على جبهتها أو رأسها لتدوخ وتقع على الأرض ليسهل عليهم ذبحها فإن وصلت إلى حدّ أنها فقدت الحركة الاختياريّة لأنّها صارت في ءاخر رمق وصارت حركتها كحركة المذبوح فهذه لا تحلّ لأنّها لو تُركت بدون ذبح لماتت أما إذا داخت من الضّرب وبقيت فيها حركة عاديّة اختياريّة فهذه إذا ذُبحت فالذبح يحلّها لأنّها لم تفقد حركتها الاختياريّة. والّذي يضرب البهيمة هذا الضّرب حرام عليه لأنّ فيه تعذيب خلقٍ من خلقِ الله بدون سبب شرعيّ. أمّا إذا شردت البهيمة وخاف عليها صاحبها أنْ تقع من أعلى الجبل فإذا ضربها ليمسكها يكون ضربه بسبب فليس حراما. أمّا ما يفعله بعض الجزّارين مِن أنّه يقطع بالسكين العصب في رجل البهيمة من الخلف عند العقب كي لا تستطيع الهرب أو أنْ تناطح بقوة فإنّ ذلك لا يؤثّر على شرعيّة ذبحها. كذلك لو أنّ بقرة مثلا كُسِرَتْ رجلها أو صدمتها سيّارة وبقي فيها حياة مستقرة أي لم تكن في حال النّزاع وكانت بحيث لو ذُبِحَتْ تزيد حركتها ويتفجّر الدم فيحلّ أكلها.
7- {والمتردّية} وهي البهيمة الّتي وقعت وتردّت من علوٍ كأنْ وقعت من أعلى الجبل فماتت فهذه حرام لا يحلّ أكلها وكذلك لو رماها شخص فتردّت من علو وماتت فلا تؤكل.
8- {والنّطيحة} أي حرام عليكم أكل النطيحة وهي الّتي ماتت بالانتطاح مع بهيمة أخرى، مثلا كبش صار ينطح كبشا ءاخرَ فقتل أحد الكبشين الآخر فهذا الكبش الآخر المقتول ميتة لا يحلّ أكله. وهذا الفعل أي التحريش بين البهائم بين كلبين أو ديكين أو كلب وهرّة كما يفعل بعض النّاس مِن أنّهم يسلّطون ديكا على ديك فيتناقران ويتناهشان بالمنقار وغيره فيغلب أحدهما الآخر فهو حرام. أليس ورد في حديث أنّ امرأة دخلت النار في هرّة حبستها فلا هي أطعمتها إذ حبستها ولا هي تركتها تأكل من خشائش الأرض أي من حشرات الأرض، رواه البخاريّ ومسلم [11] وغيرهما.
9- {وما أكل السَّبُعُ} أي حرم عليكم ما أكل السّبع {إلاّ ما ذكّيتم} فالبهيمة الّتي أكلها السّبع كالأسد أو النّمر فماتت فهي حرام أما إذا أخذ منها السّبع شيئا من جسدها ولم يقتلها كأنْ أخذ من ألية الغنم ولم يقتلها ثمّ ذبحت فهي حلال لكنّ القطعة الّتي قطعها السّبع صارت ميتة حرام أكلها لأنّ الجزء الذي ينفصل عن حيوان وهو حيّ يكون كميتة ذلك الحيوان فألية الغنم إذا قطعت وهو حيّ فحكم هذه القطعة كحكم ميتته فلا يحلّ أكلها. ومعنى الميتة ما مات من البهيمة المقدور عليها بدون ذبح شرعيّ.
10- {وما ذُبِحَ على النُّصُبِ} أي حرم عليكم ما ذبح على النّصُب أي الأوثان وهي حجارة كانوا ينصبونها ويعبدونها من دون الله فيذبحون الذّبيحة تعظيما لها ويهريقون أي يصبّون دمها على هذا النّصب وهذا عندهم تعظيم لهذا الوثن وعبادة له فأكلها حرام، كأنّهم يخاطبون النّصب تذللنا لكم فنرجو رضاكم على زعمهم.
11- {وأنْ تستقسِموا بالأزلام} وهذا حرام وهي تسعة ثلاثة للبخت والنّصيب واحدة عليها افعل والثانية عليها لا تفعل والثّالثة ما عليها كتابة إذا حصل قتلٌ أو سفك دم بين القبائل، في الجاهليّة كانوا يستعملون ثلاثة من السّتّة الباقية لمعرفة من يتحمّل الدِّية والثّلاثة الباقية من الأزلام لإلصاق الولد أو نفيه أو إثباته كأنِ اتّهم زوجته بالزّنا، فمعنى وأنْ تستقسموا بالأزلام طلب الحظِّ والنّصيب بالسّهام الّتي كانت الجاهليّة يستعملونها، كانوا إذا أرادوا سفرا أو غير ذلك يضربون بهذه السّهام يخلطونها ببعضها ثم يخرج لهم الشّخص الموكّل بهذا الشّيء واحدا من غير أن ينظر فإن طلع السّهم المكتوب عليه افعل يمضي في تلك الحاجة يقول تنجح وإذا طلع السّهم المكتوب عليه لا تفعل يقول هذا الأمر لا ينجح وليس لي في هذه الحاجة حظٌّ فيترك هذا الأمر إنْ كان سفرا أو كان زواجا أو غير ذلك وإنْ طلعت الّتي ليست عليها كتابة يعيد الخلط. كانوا يعتمدون على هذه الأزلام أي السّهام وكانوا في الجاهليّة في مكة يستعملون هذا الشّيء ضمن الكعبة الشّريفة يأتي صاحب الحاجة يقول لهم أريد أن أستقسم أي أنْ أعرف حظّي ونصيبي فيخلط له هذا الشّخص الموكّل بالسّهامِ السّهامَ بعضها ببعض ثم يخرج له واحدا ليعمل بمقتضاه فهذا حرام من الكبائر لأنّه لا يعلم الغيب إلاّ الله. كانوا عملوا صورة لها ظلّ أي مجسّمة لإبراهيم وإسماعيل عليهما السّلام ووضعوا على أيديهم هذه السّهام ليوهموا النّاس أنّ إبراهيم وإسماعيل كانا يعملان هذا الشّيء وما كان إبراهيم وإسماعيل يعملان بهذا الشّيء لأنّه ممّا حرّم الله تعالى، وإنّما المشركون في الجاهليّة بعدما كفروا بالله ولم يؤمنوا به ولا بمشيئته وتركوا التوكّل على الله وتركوا دين إبراهيم أي الإسلام وصاروا مشركين عملوا بهذا الشّيء أي صاروا يطلبون معرفة الحظِّ والنّصيب بهذه الأشياء الّتي عملوها. وما يسمّى التّبصير بالفنجان أو بالودع أو بالرّمل أو بالنّجوم أو بالكفِّ أو بالورق المسمّى “بالشدّة” فهو حرام.
قال الله تعالى: {ذ’لكم فسق} فهذه الأشياء الّتي ذكرت في هذه الآية كلّها من المحرّمات الكبيرة.
وما ذكرناه في شرح هذه الآية مع ما يتضمن ذلك هو من المسائل المعروفة عند العلماء المعتبرين ولا تخفى إلاّ على من لا فَهم له بالدّين والتّفسير، فقد نصّ الإمام الحافظ السّيوطيّ في تفسير موجز له لهذه الآية فقال رحمه الله: “{وحُرِّمت عليكم الميتةُ} أي أكلها {والدّمُ} أي المسفوح كما في [الأنعام] {ولحم الخنزير وما أُهِلَّ لغير الله به} بأنْ ذبح على اسم غيره {والمنخنقةُ} الميتة خنقا {والموقوذةُ} المقتولة ضربا {والمتردّيةُ} السّاقطة من علو إلى أسفل {والنّطيحةُ} المقتولة بنطح أخرى لها {وما أكل السّبُعُ} منه {إلاّ ما ذكّيتمْ} أي أدركتم فيه الرّوح من هذه الأشياء فذبحتموها {وما ذُبح على} اسم {النُّصُبِ} جمع ناصب وهي الأصنام {وأنْ تستقسموا} تطلبوا القسم والحكم {بالأزلام} جمع زلم بفتح الزّاي وضمِّها مع فتح اللاّم قِدح بكسر القاف صغير لا ريش له ولا نصل وكانت سبعة عند سادن الكعبة عليها أعلام وكانوا يحكِّمونها فإنْ أمرتْهم ائتمروا وإنْ نهتهم انتهوا {ذ’لكم فسق} خروج عن الطّاعة” اهـ
فبعد كلام الإمام الكبير جلال الدين السّيوطيّ رحمه الله نورد بعون الله أقوالا للعلماء الأكابر والفقهاء النّجباء الّذين يُعتدّ بقولهم فنقول: ذكر الإمام أبو عبدالله محمّد بن علي الحكيم الترمذيّ في كتابه <المنهيّات> ما نصّه [12]: “وأما قوله “ونهى أنْ يذبح بالسّنِّ والظّفر” لأنّه لا يقطع قطع الشّيء الحادّ وإنّما يبرد الأوداج ويمزِّقها فيصير كهيئة الموقوذة وإذا لم يقطع الوَدْجَ ولم يَسلِ الدّمُ فجمدَ فيه فصار ءاكلا للدّم” اهـ.
وذكر الشّيخ موفّق الدّين أبو محمّد بن قدامة الحنبليّ المقدسيّ في كتابه <المغني> [13] عند شرح قول الخِرَقيِّ: “وإذا أرسل كلبه فأضاف معه غيره لم يؤكل إلاّ أن يدرك فيه الحياة فيذكّى” ما نصّه: “معنى المسئلة أنْ يرسل كلبه على صيد فيجد الصّيد ميتا ويجد مع كلبه كلبا لا يعرف حاله ولا يدري هل وجدت فيه شرائط صيده أو لا ولا يعلم أيّهما قتله أو يعلم أنّهما جميعا قتلاه أو أنّ قاتله الكلب المجهول فإنّه لا يُباح إلاّ أنْ يدركه حيّا فيذكّيه، وبهذا قال عطاء والقاسم بن مخيمرة ومالك والشّافعيّ وأبو ثور وأصحاب الرّأي ولا نعلم لهم مخالفا، والأصل فيه ما روى عديّ بن حاتم قال سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلتُ أرسل كلبي فأجد معه كلبا ءاخر، قال: “لا تأكل فإنّك إنّما سمّيت على كلبك ولم تسمِّ على الآخر” [14]، وفي لفظ: “فإنْ وجدت مع كلبك كلبا ءاخر فخشيت أنْ يكون أخذه معه وقد قتله فلا تأكل فإنّك إنّما ذكرت اسم الله على كلبك” [15]. وفي لفظ: “فإنّك لا تدري أيّهما قتل” [16] اهـ.
وفي <الشّرح الكبير> [17] للشّيخ شمس الدّين أبي الفرج ابن قدامة ما نصّه: “[فصل] وحكم ءالات الصّيد حكم المعراض في أنّها إذا قتلت بعرضها ولم تجرح لم يبح الصّيد كالسّهم يصيب الطّائر بعرضه فيقتله أو الرّمح والحربة والسّيف يضرب به صَفْحا فيقتل فكلّ ذلك حرام وكذا إن أصاب بحدّه فلم يجرح وقتل بثقله لم يبحْ لقول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: “ما خرَق [18] فكُلْ” [19] ولأنّه إذا لم يجرحه فإنّما يقتل بثقله فأشبه ما أصاب بعرضه. [مسئلة: وإنْ نصب مناجل أو سكاكين وسمّى عند نصبها فقتلت صيدا أبيح فإنْ بان منه عضو فحكمه حكم البائن بضربة الصّائد على ما نذكره] [20]. وروي نحو هذا عن ابن عمر وهو قول الحسن وقتادة، وقال الشّافعيّ لا يباح بحال لأنّه لم يذكِّه أحد وإنّما قتلت المناجل بنفسها ولم يوجد من الصّائد إلاّ السّبب فجرى ذلك مجرى من نصب سكّينا فذبحت شاة ولأنّه لو رمى سهما وهو لا يرى صيدا فقتل صيدا لم يحل فذا أولى. ولنا قول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: “كلْ ما ردّت عليك يدك” [21] ولأنّه قصد قتل الصّيد بما له حدّ جرت العادة بالصّيد به أشبه ما ذكرنا والتسبّب يجري مجرى المباشرة في الضّمان فكذلك في إباحة الصّيد، وفارق ما إذا نصب سكّينا فإنّ العادة لم تجر بالصّيد بها وإذا رمى سهما ولم يرمِ صيدا فليس ذلك بمعتاد والظّاهر أنّه لا يصيب صيدا فلم يصحّ قصده بخلاف هذا” اهـ.
وذكر القاضي أبو شجاع أحمد بن الحسين بن أحمد الأصفهانيّ الشّافعيّ رحمه الله تعالى في كتابه المسمّى <متن الغاية والتقريب> المعروف لدى طلاّب العلم الشرعيّ، في كتاب الصّيد والذّبائح، قال [22]: “وما قدر على ذكاته فذكاته في حلقه ولبّته [23] وما لم يقدر على ذكاته فذكاته عقره حيث قدر، وكمال الذّكاة أربعة أشياء قطع الحلقوم والمريء والودجين والمجزئ منهما شيئان قطع الحلقوم والمريء ويجوز الاصطياد بكلّ جارحة معلَّمة من السّباع ومن جوارح الطّير. وشرائط تعليمها أربعة: أنْ تكون إذا أرسلت استرسلت وإذا زجرت انزجرت وإذا قتلت صيدا لم تأكل منه شيئا وأن يتكرّر ذلك منها فإنْ عدمت إحدى الشرائط لم يحل ما أخذته إلا أنْ يدرك حيا فيذكّى، وتجوز الذّكاة بكل ما يجرح إلا بالسّنّ والظّفر. وتحلّ ذكاة كل مسلم وكتابيّ ولا تحلّ ذبيحة مجوسيّ ولا وثنيّ، وذكاة الجنين بذكاة أمّه إلاّ أنْ يوجد حيّا فيذكّى وما قطع من حيّ فهو ميت إلا الشّعور المنتفع بها في المفارش والملابس” اهـ.
وقال الشّيخ أبو إسحاق الشّيرازيّ في <المهذّب> [24]: “والمستحبّ أن يذبح بسكّين حادّ لما روى شداد بن أوس رضي الله عنه أنَّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: “إنّ الله كتب الإحسان على كلّ شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القِتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذِّبحة وليُحِدْ أحدكم شفرته وليرح ذبيحته” [25] فإنّ ذبح بحجر محدّد أو لِيْطة [26] حلّ لما ذكرناه من حديث كعب بن مالك في المرأة الّتي كسرت حجرا فذبحت بها شاة، ولما رُوي أنّ رافع بن خديج قال يا رسول الله إنّا نرجو أنْ نلقى العدوّ غدا وليس معنا مدى أفنذبح بالقَصب فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “ما أنهر الدّم وذُكر اسم الله عليه فكلوا ليس السّنّ والظّفر وسأخبركم عن ذلك أمّا السّنّ فعظم وأمّا الظّفر فمُدَى الحبشة” [27] فإنْ ذبح بسنٍّ أو ظفر لم يحل لحديث رافع بن خديج” اهـ.
قال النوويّ في <شرح المهذّب> [28]: “ولو أمرَّ السكّين ملتصقا باللحيين فوق الحلقوم والمريء وأبان الرّأس فليس هو بذبح لأنّه لم يقطع الحلقوم والمريء” اهـ.
فإذا كان بهذه الكيفيّة لا يحلّ أكلها فكيف إذا صعقت البهيمة بالكهرباء فماتت؟ وكيف إذا ضُربت البهيمة حتى يتلف دماغها ولم يبقَ فيها حياة مستقرّة ثم بعد ذلك تقطّع؟
وقال في موضع ءاخر [29]: قد ذكرنا أنّ مذهبنا اشتراط قطع الحلقوم والمريء بكمالهما وأنّ قطع الودجين سنّة وهو أصحّ الروايتين عن أحمد. قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أنّه إذا قطع بما يجوز الذّبح به وسمَّى وقطع الحلقوم والمريء والودجين وأسال الدّم حصلت الذّكاة الشرعيّة وحلّت الذّبيحة” اهـ.
فبعد أنْ نقلنا ما نقلناه من كتاب <المجموع> للحافظ الفقيه يحيى بن شرف الدّين النّوويّ الشّافعيّ رحمه الله تعالى يتبيّن لنا أنّ الذّبيحة الّتي طرأ الشّكّ في صحّة ذكاتها لا تؤكل وهذا ما قرره العلماء الأجلاء فبالأولى اللحم المعلّّب أو المجلّد لا يحلّ أكله مع الشكّ في صحة ذكاته سواء من جهة الشّكّ في كون الذّابح مسلما أو كتابيّا أو غير ذلك في بلد أهله ينتمون إلى دين غير الإسلام وكذلك إنْ شكّ في صحّة الذّبح هل تمّ بشروطه الّتي ذكرها الفقهاء والّتي هي أربعة:
– أنْ يكون الذّّبح بفعل مسلم أو كتابيّ.
– وأنْ يكون الذّبح بقطع الحلقوم والمريء.
– وأنْ يكون بآلة حادة غير الظّفر والعظم والسّنّ.
– وأنْ لا يذكر عليها غير اسم الله.
وقد روى الإمام مسلم رحمه الله من حديث شدّاد بن أوس عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: “إنّ الله كتب الإحسان على كلّ شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القِتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذِّبحة وليُحِد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته” [30].
وقد سئل العالم الشهير المحقّق عبدالله الشّيبيّ أدام الله عزّه وجعله ذخرا لعلماء الأمّة الإسلاميّة عن قول -مَنْ أحلّ أكل اللحم الذي يباع في أسواق أميركا مستدلاّ أنّ اللحم الحلال مختلط بلحم حرام غير محصور على مسئلة التزوّج من أجنبيّات غير محصورات على زعمه- فقال لطف الله به:
“عليه في ذلك مؤاخذتان:
– الأولى: دعواه أنّ الفقهاء أحلّوا اللحم الحلال والحرام إذا اختلطا في بلد فإنّ هذه الدعوى منقوضة بما أجمع عليه الفقهاء من أنّ الشّكّ في باب اللحم مؤثر أخذًا من الأحاديث الواردة في هذا الحكم.
– الثانية: دعواه القياس ومن هو حتى يقيس ألم يعلم أنّ الأصوليين نصّوا على أنّ القياس من وظيفة المجتهد فقد نقل الإجماع على تحريم ما يشكّ فيه من اللحم شهاب الدّين القرافيّ وغيره <الفروق> [31] ونقل ذلك عنه المواق في كتابه <التّاج والإكليل> فقال [32]:
“وشهاب الدّين في الفرق الرابع والأربعين بين الشّكّ في السّبب والشّكّ في الشّرط: أشكل على جمع من الفضلاء، قال: شرع الشّارع الأحكام وشرع لها أسبابا وجعل من جملة ما شرعه من الأسباب الشّكّ وهو ثلاثة مجمع على اعتباره كمن شكّ في الشّاة المذكّاة والميتة وكمَن شكّ في الأجنبيّة وأخته من الرّضاعة.
ومجمع على إلغائه كمن شكّ هل طلّق أم لا وهل سها في صلاته أم لا فالشّكّ هنا لغوٌ.
وقسم ثالث اختلف العلماء في نصبه سببا كمن شكّ هل أحدث أم لا، فاعتبره مالك دون الشّافعيّ، ومن حلف يمينا أو شكّ ما هي، ومن شكّ هل طلّق واحدة أو ثلاثا” اهـ.
وأما الأخبار الّتي يحتجّ بها العلماء إذا شكّ في اللحم هل هو ممّا يحل أكله أم لا فمنها حديث عديّ بن حاتم عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: “إذا رميت الصّيد فوجدته بعد يوم أو يومين ليس به إلاّ أثر سهمك فكلْ وإن وجدته غريقا في الماء فلا تأكلْ” متفق عليه [33]. وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنّ رجلا أتى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله أفتني في سهمي فقال: “ما ردّ عليك سهمك فكلْ” قال وإنْ تغيّب عني، قال: “وإن تغيّب عنك ما لم تجد أثرا غير أثر سهمك أو تجده قد صَلَّ” [34] رواه أبو داود [35]. وما رواه عدي بن حاتم قال سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت: أرسل كلبي فأجد معه كلبا ءاخر قال: “لا تأكل فإنك إنما سميت على كلبك ولم تسمِّ على الآخر”، وفي رواية: “فإنْ وجدتَ مع كلبك كلبا ءاخر فخشيت أنْ يكون أخذ معه وقد قتله فلا تأكلْه فإنّك إنّما ذكرت اسم الله على كلبك”، وفي رواية: “فإنّك لا تدري أيّهما قتل”. وما رواه عديّ بن حاتم أيضا عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: “إذا رميت الصّيد فوجدته بعد يوم أو يومين ليس به إلا أثر سهمك فكلْ وإنْ وجدته غريقا في الماء فلا تأكل” [36].
وهذه الأخبار هي مستند الإجماع فبعد هذا لا يجوز أن يُصغى إلى مَن يحلّ اللحوم الّتي تباع في بلاد لا يعرف عنها الذّبح الشرعيّ إلاّ ما يباع في بلد يكون فيه الذّبائح بأيدي مسلمين أو كتابيّين ذبحا باليد لا خنقا ولا صعقا بالكهرباء أو غير ذلك ممّا يشبه ذلك. فإنْ كان البلد لا يوجد فيه إلا مسلمون أو كتابيّون فالأمر ظاهر أو يكون المسلمون فيه أغلب من الّذين تكون طريقة إزهاقهم أرواح البهائم غير معتبرة شرعا بحيث تكون الطّريقة الشّرعيّة هي أغلب استعمالا في البلد والطّريقة الأخرى قليلة الوجود.
فالبلد الذي يكون فيه الذّبائح على هذه الحال يحلّ شراء اللحم منها للأكل، وأمّا أمْرُ أكثر البلاد اليوم فالأمر على العكس مِن ذلك لأنّه لا يكاد يوجد مَن يذبح ذبحا معتبرا شرعا، وذلك أنّ الفقهاء ألحقوا الحالة الّتي يكون فيها البلد من تحل ذكاته أغلب إلى الّذين لا تحلّ ذكاتهم بالبلد الّتي ليس فيها إلاّ ذبائح مَن تحلّ ذكاته وهم المسلمون والكتابيّون الّذين لا يذكّون البهائم تذكية شرعيّة، وهذا الذي أفتى بحلّ اللحم الذي يباع في أسواق لا يُعرف عنها الذّبح الشرعيّ زاعما القياس فإنّما هو مجازف منابذ لقول الحنفيّة وغيرهم، ليرجع إلى نصوص الحنفيّة لأنّهم موافقون في هذه المسئلة لغيرهم لأنّ المسئلة إجماعيّة فكيف يقوّلهم ما لم يقولوا ومِن أين له أن يدّعي القياس والقياس كما بيّنّا فيما سبق خاصٌّ بالمجتهدين كما ذكر ذلك الإمام الشّافعيّ والإمام ابن المنذر.
ونصيحتنا له ولأمثاله أنْ لا يتجاوزوا حدّهم ولا يغشّوا الناس بهذه الفتاوى الجديدة الفاسدة وليذكروا وقوفهم بين يدي الله [37] يوم القيامة، وأمّا قوله إنّ الرّسول أكل من جبن النّصارى ولم يسألْ عنه وإنَّ ذلك ورد في حديث صحيح فقولوا له مَن روى ذلك ومَن صحّحه من المحدّثين ولن يجد إلى ذلك سبيلا بل الواقع أنّه روي عن عمر بن الخطّاب أنّه أُتِيَ بجبن يصنعه المجوس وعادتهم أنْ يضعوا فيه إنفحة الخنزير فأكل منه ولم ينسب هذا إلى الرّسول ذو تحصيل في علم الحديث ونسبة ابن حجر الهيتميّ في شرحه على <منهاج الطالبين> وتلميذه المليباريّ إلى رسول الله أنّه أكل من جبن المجوس لا عبرة به لأنّه لم يَعْزُه إلى أحد من المحدّثين وأنّه لم يذكر أنّ هذا جبن النّصارى كما ادّعى هذا المجازف، فتبيّن أنّ هذا المجازف يبني أمره على وهْم في وهْم فليتقِ الله.
وذكر الإمام ابن عقيل الحنبليّ وغيره أنه سأل الإمام أحمد بن حنبل عن الجبن الذي يصنعه المجوس فقال لا أدري إلاّ أنَّ أصحّ حديث فيه حديث الأعمش عن أبي وائل عم عمرو بن شرحبيل قال سأل عمر عن الجبن فقيل له يُعمل فيه الإنفحة الميتة [38] فقال: “سمّوا أنتم وكلوا” رواه أبو معاوية عن الأعمش [39] وقال أليس الجبن الذي نأكله عامّته يصنعه المجوس.
وعجبٌ عجاب قياس هذا الرجل المجازف اللحوم على الجبن وهذا دليل على أنّه ليس محقّقا في فقه الحنفيّة كمّا أنّه ليس محصّلا في غيره وأيّ فقيه أو متفقّه يساوي الجبن باللحم، سبحانك هذا بهتان عظيم.
تنبيه: قول أحمد في صدر الجواب “لا أدري” دليل على أنّه لم يطمئن لمسئلة الجبن الّتي شُهِرَ بأنّها من عمل المجوس الّذين جرت عادتهم على أنْ يجبنوا اللبن بإنفحة الخنزير، وقوله “إلاّ أنّ أصحّ حديث فيه” يعني به أنّ هذا أقرب ما يروى في مسئلة الجبن وليس معناه الجزم بصحّة ذلك عن عمر ولو كان يرى صحّة ذلك عن عمر باطمئنان البال لم يقل لا أدري.
وأما أكل عمر من ذلك فمبنيّ على أنّ ما سوى اللحوم مِن الأجبان والألبان والجلود لا يجب البحث فيه كما قرّر ذلك علماء الحنفيّة والشّافعيّة والمالكيّة فهم متفقون على أنّه لا يجب العمل بالشّكّ في غير اللحوم أي الجبن والسّمن ونحوه، فيكون عمر أراد أنْ يبيّن للنّاس أنّه لا يحرم بالشّكّ كما يحرم اللحم، فيُقال لهذا المفتي إنّك خلطتَ وخبطتَ خبط عشواء، فاتَّقِ الله إلى أين يذهب بك وهمك. انتهى جواب سيّدنا الإمام الشيّبيّ رضي الله عنه.
قال الفقيه النوويّ الشّافعيّ في كتاب <المجموع شرح المهذّب> [40]: “فرع: لو وجدنا شاة مذبوحة ولم ندر من ذبحها فإنْ كان في بلد فيه من لا يحلّ ذكاته كالمجوس لم تحل سواء تمحّضوا أو كانوا مختلطين بالمسلمين للشّكّ في الذّكاة المبيحة والأصل التّحريم وإن لم يكن فيه أحد منهم حلّت”.
وفي <الفتاوى الكبرى> [41] لابن حجر الهيتميّ الشّافعيّ ما نصّه: “وسئل نفع الله ببركاته عن شاة مذبوحة وجدت في محلّة المسلمين ببلد كفّار وثنيّة وليس فيهم مجوسيّ ولا يهوديّ ولا نصرانيّ فهل يحلّ أكل تلك الشّاة المذبوحة الّتي وجدت في تلك المحلّة أم لا؟ فأجاب بأنّه حيث كان ببلد فيه من يَحلّ ذبحه كمسلم أو يهوديّ أو نصرانيّ ومَن لا يحلّ ذبحه كمجوسيّ أو وثنيّ أو مرتدّ ورُؤيَ بتلك البلد شاة مذبوحة مثلا وشكّ هل ذبحها مَن يحلّ ذبحه لم تحلّ للشّكّ في الذّبح المبيح والأصل عدمه” اهـ.
وفي <الأشباه والنّظائر> للسّيوطيّ [42] الشّافعيّ ما نصّه: “الفائدة الثّانية: قال الشّيخ أبو حامد الأَسفرايينيّ الشّكّ على ثلاثة أضرب شكّ طرأ على أصل حرام، وشكّ طرأ على أصل مباح، وشكّ لا يُعرف أصله، فالأوّل مثل أن يجد شاة في بلد فيه مسلمون ومجوس فلا يحلّ حتى يعلم أنّها ذكاة مسلم لأنّها أصلها حرام وشككنا في الذّكاة المبيحة” اهـ.
وفي كتاب <التّاج والإكليل لمختصر خليل> [43] في فروع فقه المالكيّة في باب الضّوء نقلا عن شهاب الدّين القرافي ما نصّه: “الفرق الرّابع والأربعون بين الشّكّ في السّبب والشّكّ في الشّرط، وقد أشكل على جمع من الفضلاء قال: شرع الشّارع الأحكام وشرع لها أسبابا وجعل من جملة ما شرعه من الأسباب الشّكّ، وهو ثلاثة مجمع على اعتباره كمَنْ شكّ في الشّاة المذكّاة والميتة وكمَنْ شكّ في الأجنبيّة وأخته في الرّضاعة” اهـ.
وقال ابن رجب الحنبليّ في شرحه على <الأربعين النوويّة> المسمّى <جامع العلوم> ما نصّه [44]: “وما أصله الحظر كالأبضاع ولحوم الحيوان فلا يحلّ إلاّ بيقين حلّه من التّذكية والعقد، فإنْ تردّد في شيء من ذلك لظهور سبب ءاخر رجع إلى الأصل فبنى عليه، فيبني فيما أصله الحرمة على التّحريم ولهذا نهى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم من أكل الصّيد الذي يجد فيه الصّائد أثر سهم غير سهمه أو كلب غير كلبه أو يجده قد وقع في ماء، وعلّل بأنّه لا يدري هل مات من السّبب المبيح له أو من غيره” اهـ.
وقد ذكر العلاّمة الفقيه المحدّث الشّيخ عبدالله الهرريّ في كتابه <بغية الطّالب> [45] معاصي البطن ما نصّه: “أكلُ النّجاساتِ من جملةِ معاصي البطن كالدّم المسفوح أي السّائل ولحمِ الخنزير والميتةِ” اهـ.
فإنْ كان أكل لحم الميتة ذكره العلماء أنه من جملة معاصي البطن وحرام بنصّ القرءان وأما استعمال شحومها لطلاء السّفن وإضاءة القناديل فلا يحرم وقد مرّت مسئلة الجبن والسّمن تفصيلا وهذا نصّ جواب الإمام حجّة عصره وفريد زمانه الإمام الشّيبيّ عندما سئل عن السّمن المتّخذ من حليب ودهن فأجاب: “إنّ مَن اعتقد أنّ هذا الدّهن سمنٌ مأخوذ من حليب بقر أو غنم ثمّ شكّ هل فيه شحم أو ألية لا يحرم عليه استعمال هذا السّمن ومن علم أنّه مخلوط من السّمن المتّخذ من الحليب ومن الشّحم أو الألية فلا يحلّ له أنْ يستعمله إلاّ بعد معرفة حال الذّابح للبقرة أو الغنم هل هو ممن تحلّ ذبيحته أو لا”.
وخلاصة ما مضى من البحث العميق وبعد التّحقيق والتّدقيق في هذه المسئلة فهاكم خاتمة مختصرة احتوت على لبّ المسئلة نقول: اتّفق المذاهب الأربعة على أنّه لا يحلّ أكل اللحم إلاّ أنْ يُعلم أنّ مَن ذبح مسلم أو يهوديّ أو نصرانيّ أو ممّا صاده واحد منهم مِن غير ميتة السّمك والجراد وكذلك عند غيرهم من الأئمّة واتّفقوا أيضًا أنّ ما شُكَّ في تذكيته ذكاة شرعيّة فهو حرام بدليل حديث البخاريّ ومسلم عن عديّ بن حاتم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “إذا أرسلت كلبك فاذكر اسم الله، فإنْ أمسك عليك فأدركتَه حيّا فاذبحه وإنْ أدركته قد قُتل ولم يأكلْ منه فكلْه، وإنْ وجدتَ مع كلبك كلبا غيره وقد قتل فلا تأكل فإنّك لا تدري أيّهما قتله، وإنْ رميتَ سهمك فاذكر اسم الله فإنْ غاب عنك يوما فلم تجد فيه إلا أثر سهمك فكلْ إن شئت، وإنْ وجدته غريقا في الماء فلا تأكلْ” [46]، وفي رواية: “فإنّك لا تدري الماء قتله أمْ سهمك” [47].
فيؤخذ منه أنّه لا يجوز الأكل من اللحم الذي يشكّ في ذابحه مسلم هو أم كتابيّ أو غيرهما أو هل هو مقتول خنقا أو ذبحا أو غير ذلك.
وأمّا حديث عائشة إنّ أناسا من الأعراب حديثي عهد بكفر يأتوننا بلحمان لا ندري أذكر اسم الله عليها أم لا، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “سمّوا الله أنتم وكلوا” [48] فليس فيه دليل لحلّ ما لم يُعلم حال ذابحه أمسلمٌ أم كتابيٌّ أم وثنيّ بل الحديث فيمن هو مسلم لكنّه قريب عهد بالكفر أي أنّه أسلم مِن قريب لم يمضِ عليه منذ أسلم زمان طويل، وقد احتجّ به بعض أدعياء الدّين المحرّفين لهذا الدّين لمحاولة إباحة ذبيحة الوثنيّين كأنّه لم يرَ قول عائشة رضي الله عنها قريبي عهد بكفر.
وأمّا الآية الّتي يحتجّ بها بعض النّاس فيفسّرونها تفسيرا خطأ وهي قوله تعالى: {يا أيّها الرّسل كلوا من الطيّبات واعملوا صالحا} [سورة المؤمنون/51]. فقد روى الإمام مسلم في صحيحه حديثا يفسّر الرّسول به هذه الآية وهو قوله صلّى الله عليه وسلّم: “إنّ الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين” [49] فقال: {يا أيها الرّسل كلوا من الطيّبات واعملوا صالحا} [سورة المؤمنون/51]. وكذلك الطيّبات في هذا الحديث ما كان من المأكولات حلالا، هذا معنى الطيّبات في هذا الحديث وليس معنى الطيّبات المستلذّات، وكذلك في هذه الآية الطيّبات هي الأشياء الّتي أحلّها الله، والله تعالى رخّص لبني ءادم الأكل مِن الحلال، ومفهوم ذلك النّهي عن الأكل ممّا حرّم الله، فيجب على المكلّف أنْ يعرف ما أحلّ الله من المأكول والشّراب قبل تعاطيه يجب أن يعرف ما أحلّ الله وما حرّم لأنّه إذا عرف ذلك أكل من الطيّبات أي ممّا أحلَّ الله وترك أكلَ ما حرّم الله، أمّا إذا لم يعرف بأنْ لم يتعلّم ذلك فإنّه يقع فيما حرّم الله، ثمّ إنّ الإنسان لا يُعذر يوم القيامة بقوله إنّي كنت جاهلا إذا أكل في الدّنيا ما شاء ولم يقتصر على الحلال.
ونصيحتي لكلّ مَن أفتى بإباحة أكل اللحم المشكوك فيه أنْ يتّقيَ الله وأن يذكر وقوفه بين يدي الله للحساب يوم لا ينفع مداهنا مداهنته وأنْ يرجع عن فتواه إلى الصّواب الذي بيّناه وليذكر قول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: “من أفتى بغير علم لعنته ملائكة السّماء والأرض” رواه ابن عساكر في تاريخه [50]، وقوله: “من تعمّد عليّ كذبا فليتبوّأ مقعده من النّار” [51].
وإنّي أرجو من الله العليّ القدير أنْ ينفع بما قدّمته إيضاحا لهذه المسئلة وإجلاء لشبه المحرّفين، كلَّ من أراد الصواب ونظر بعين التفكّر والإمعان لما ذكرناه من أقوال الأئمّة وءايات القرءان.
وءاخر دعوانا أنِ الحمد لله ربّ العالمين.
——————————————————————————————————
الفهرس العامّ
3. مقدّمة النّاشر.
5. بيان أنّ الميتة لا يحلّ أكلها.
6. بيان أنّ المرأة المسلمة واليهوديّة والنصرانيّة تحلّ ذبائحهنّ.
10. بيان أنّ السّمك حلال أكله ولو كان ميتا.
13. بيان أنّ الدّم المسفوح حرام أكله.
14. بيان أنّ الدّم غير المسفوح كالكبد والطّحال حلال.
15. بيان أنّ لحم الخنزير حرام أكله.
16. بيان أنّ ما ذبح لغير الله كتعظيم الأصنام لا يحلّ أكله.
17. بيان أنّ البهيمة الّتي زالت حياتها بالخنق حرام أكلها.
17. بيان أنّ البهيمة الّتي ضربت بشيء ثقيل حتى ماتت من قوّة الألم لا يحلّ أكلها.
19. بيان أنّ البهيمة الّتي تردّت من علو فماتت لا يحلّ أكلها.
19. بيان أنّ البهيمة الّتي ماتت بالانتطاح مع بهيمة أخرى لا يحلّ أكلها.
20. بيان أنّ البهيمة الّتي أكلها السّبع كالأسد فماتت لا يحلّ أكلها.
20. بيان تحريم الاستقسام بالأزلام.
23. بيان معنى قول الرسول: ونهى أنْ يذبح بالسّنّ والظّفر.
24. بيان معنى قول الخرقيّ: وإذا أرسل كلبه فأضاف معه غيره لم يؤكل الصّيد إلاّ أن يدرك فيه الحياة فيذكى.
25. بيان معنى قول ابن قدامة: وحكم ءالات الصّيد حكم المعراض في أنّها إذا قتلت بعرضها ولم تجرح لم يبح الصّيد.
27. بيان معنى قول القاضي أبي شجاع: وما قدر على ذكاته فذكاته في حلقه ولبّته.
28. بيان معنى قول الشّيرازيّ: والمستحبّ أن يذبح بسكّين حادّ.
31. بيان جواب العلاّمة الشّيخ عبدالله عن قول من أحلّ أكل اللحم الذي يباع في أسواق أميركا.
32. بيان قول العلماء في اللحم المشكوك بحلّه.
35. بيان جواب العلاّمة الشّيخ عبدالله عمن يقول إنّ الرّسول أكل من جبن النّصارى ولم يسأل عنه.
38. بيان قول النوويّ فيما لو وجدنا شاة مذبوحة ولن ندر مَن ذبحها.
38. بيان قول ابن حجر الهيتميّ حين سُئل عن شاةٍ مذبوحة وجدت في محلّة المسلمين ببلد كفّار.
39. بيان قول أبي حامد الأسفرايينيّ أنّ الشّكّ على ثلاثة أضرب.
39. بيان قول القرافي أنّ الفرق الرّابع والأربعين بين الشّكّ في السّبب والشّكّ في الشّرط.
40. بيان قول ابن رجب الحنبليّ: وما أصله الحظر كالأبضاع ولحوم الحيوان فلا يحلّ إلاّ بيقين حلّه من التّذكية والعقد.
40. بيان أنّ أكل النّجاسات من جملة معاصي البطن كالدّم المسفوح.
40. بيان اتّفاق المذاهب الأربعة على أنّه لا يحلّ أكل اللحم إلاّ أنْ يعلم أنّه ذبح على الطّريقة الشرعيّة، وأنّ ما شك في تذكيته ذكاة شرعيّة فهو حرام.
42. بيان حديث عائشة: إنّ أناسا من الأعراب حديثي عهد بكفر يأتوننا بلحمان.
43. بيان تفسير بعض النّاس للآية: {يا أيّها الرّسل كلوا من الطيّبات واعملوا صالحا} تفسيرا خطأً وبيان الصّواب في ذلك.
46. الفهرس العامّ.
الهامش:
[1]: أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب العلم: باب من يرد الله به خيرًا يفقّهه في الدّين [71].
[2]: أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الزّكاة: باب النّهي عن المسألة [1037].
[3]: الشّحم من الحيوان معروف والجمع شحوم، وشحُم بالضم شحامةً أي كثر شحم جسده.
والدهن بالضم ما يدهن به من زيت ونحوه وجمعه دِهان بالكسر.
[4]: أخرجه ابن ماجه في سننه: كتاب الصّيد: باب صيد الحيتان والجراد [3218]، قال الحافظ البوصيري في <مصباح الزّجاجة> [2168]: “هذا إسناد فيه عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم وهو ضعيف، وله شاهد من حديث عبد الله بن أبي أوفى رواه النّسائي في <الصّغرى> مقتصرًا على ذكر الجراد، وأورده ابن الجوزيّ في <العلل المتناهية> من طريق عبد الرّحمن به، ورواه الشّافعيّ وأحمد في مسنديهما والدارقطني في سننه والحاكم والبيهقيّ” اهـ، وأخرجه ابن ماجه أيضًا في: كتاب الأطعمة: باب الكبد والطّحال [3314]، وقال الحافظ البوصيري في <مصباح الزّجاجة> [2182]: “هذا إسناد ضعيف، عبد الرّحمن هذا قال فيه ابو عبد الله الحاكم: روى عن أبيه أحاديث موضوعة، وقال ابن الجوزيّ أجمعوا على ضعفه. قلت: لكن لم ينفرد به عبد الرّحمن بن زيد عن أبيه فقد تابعه عليه سليمان بن بلال عن زيد بن أسلم عن ابن عمر قوله، قال البيهقيّ: إسناد الموقوف صحيح، وهو في معنى المسند، قال [أي البيهقيّ]: وقد رفعه أولاد زيد بن أسلم عن أبيهم وهم كلّهم ضعفاء خرّجهم ابن معين” اهـ، وأخرجه أحمد في مسنده [297] عن عبد الرّحمن، والبيهقيّ في سننه [1254] عنه أيضًا وقال بعد أن أسنده عن سليمان بن بلال عن زيد بن أسلم عن عبد الله بن عمر موقوفًا: “هذا إسناد صحيح، وهو في معنى المسند، وقد رفعه أولاد زيد عن أبيهم” اهـ، ثم رواه عن ابن أبي أويس عن أولاد زيد وهم عبد الرّحمن وأسامة وعبد الله ثم قال: “أولاد زيد هؤلاء كلّهم ضعفاء جرحهم يحيى بن معين، وكان أحمد بن حنبل وعليّ بن المدينيّ يوثقان عبد الله بن زيد إلا أن الصحيح من هذا الحديث هو الأوّل” اهـ، وأخرجه البيهقيّ أيضًا في موضع ءاخر [9257] وقال: “وهذا هو الصحيح” اهـ أي رواية الوقف، والدارقطنيّ في سننه [4272] عن مطرف عن عبد الله بن زيد، وعبد بن حميد في مسنده [انظر <المنتخب>، ص/260] عن عبد الرّحمن، والخطيب البغداديّ في تاريخه [13245] عن مسور بن الصّلت عن زيد عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد، والمسور ضعّفه أحمد والبخاريّ وأبو زرعة وأبو حاتم وقال النّسائي: متروك الحديث، ورواه ابن الجوزيّ في <العلل المتناهية> [1664]. واحتجّ به الحافظ ابن حجر في <فتح الباري> [9621] على أنّه لا يشترط لحلّ أكل الجراد تذكيته، وقال في كتابه <التلخيص الحبير> [126]: “الرواية الموقوفة الّتي صححها أبو حاتم وغيره هي في حكم المرفوع لأنّ قول الصحابيّ: أحلّ لنا وحرم علينا كذا مثل قوله: أمرنا بكذا ونهينا عن كذا، فيحصل الاستدلال بهذه الرّواية لأنّها في معنى المرفوع” اهـ، وهذا لا يتعارض مع قوله في <بلوغ المرام> [ص10] بعد عزوه الحديث لأحمد وابن ماجه: “وفيه ضعيف” لأنّ كلامه عن الرّواية المرفوعة وهنا تكلّم عن الرّواية الموقوفة وأنّ لها حكم المرفوع. وقال الحافظ النوويّ في <المجموع> [923] ما نصّه: “روى الشّافعيّ عن عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “أحلّت لنا ميتتان ودمان أمّا الميتتان فالحوت والجراد والدمان الكبد والطّحال” قال البيهقيّ: ورواه سليمان بن بلال عن زيد بن أسلم عن عبد الله بن عمر قال: “أحلّت لنا ميتتان” الحديث، قال البيهقيّ: هذا هو الصحيح. قلت [القائل هو النوويّ]: معناه أن الصّحيح أنّ القائل: “أحلّت لنا ميتتان” هو ابن عمر لأنّ الرّواية الأولى ضعيفة جدًا لاتّفاق الحفّاظ على تضعيف عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم، قال أحمد بن حنبل: روى حديثًا منكرًا: “أحلّت لنا ميتتان” الحديث، يعني أحمد الرّواية الأولى وأما الثّانية فصحيحة كما ذكره البيهقيّ، وهذه الثّانية هي أيضًا مرفوعة لأنّ قول الصّحابيّ أمرنا بكذا أو نهينا عن كذا أو أحلّ لنا كذا أو حرم علينا كذا كلّه مرفوع إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو بمنزلة قوله: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، هذه قاعدة معروفة وسبق بيانها مرّات، والله تعالى أعلم” اهـ.
[5]: أخرجه بنحوه: الطبراني في <المعجم الكبير> [11/214] عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال الحافظ الهيثمي في <مجمع الزوائد> [10/224-225]: “رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير يحيى بن سليمان الجفري وقد وثّقه الذهبي في ءاخر يحيى بن سليمان الجعفي” اهـ، وابن حبان في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها [انظر <الإحسان بترتيب صحاح ابن حبان>، 1/247].
[6]: حديث ضعيف لم يثبت.
[7]: تقدّم تخريجه.
[8]: أخرجه البخاريّ في صحيحه، كتاب البيوع: باب بيع الميتة والأصنام [2236].
[9]: أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب المساقاة: باب تحريم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام [1581].
[10]: <المغني> [11/73].
[11]: أخرجه البخاريّ في صحيحه: كتاب بدء الخلق: باب إذا وقع الذّباب في شراب أحدكم فليغمسه [3318]، ومسلم في صحيحه: كتاب البرّ والصّلة والآداب: باب تحريم تعذيب الهرّة ونحوها من الحيوان الذي لا يؤذي [2619].
[12]: <المنهيّات> [ص/120].
[13]: <المغني> [11/14-15].
[14]: أخرجه البخاريّ في صحيحه: كتاب البيوع: باب الحلال بيّن والحرام بيّن وبينهما مشتبهات [2054]، ومسلم في صحيحه: كتاب الصّيد والذّبائح: باب الصّيد بالكلاب المعلّمة [129/3].
[15]: أخرجه البخاريّ في صحيحه: كتاب الصّيد: باب التّسمية على الصّيد [5475]، وانظر <صحيح مسلم> المصدر السّابق [1929/4].
[16]: أخرجه البخاريّ في صحيحه: كتاب الذّبائح والصّيد: باب الصّيد إذا غاب عنه يومين أو ثلاثة [5484]، ومسلم في صحيحه كما في المصدر السّابق [1929/6].
[17]: <الشّرح الكبير> مطبوع مع <المغني> [11/14-15].
[18]: أي نفذ.
[19]: أخرجه البخاريّ في صحيحه: كتاب الذّبائح والصّيد: باب ما أصاب المعراض بعرضه [5477]، ومسلم في صحيحه كما في المصدر السّابق [1929/1].
[20]: ما بين القوسين من كلام صاحب المتن وهو الخِرَقي.
[21]: أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الصّيد: باب في الصّيد [2852]، وأحمد في مسنده [4/195].
[22]: متن <الغاية والتقريب> [ص/50].
[23]: لبّة البيعر موضع نحره.
[24]: انظر <المهذّب> مع شرحه المسمّى <المجموع> [9/80].
[25]: أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الصّيد والذّبائح: باب الأمر بإحسان الذّبح والقتل وتحديد الشّفرة [1955].
[26]: قال النوويّ: “هي القشرة الرّقيقة للقصبة وقيل مطلق قشرة القصبة والجماعة ليط” <المجموع [9/81]>.
[27]: أخرجه البخاريّ في صحيحه: كتاب الذّبائح والصّيد: باب التّسمية على الذّبيحة ومَن ترك متعمدا [5498]، ومسلم في صحيحه: كتاب الأضاحي: باب جواز الذّبح بكلّ ما أنهر الدّم إلا السّنّ والظّفر وسائر العظام [1968].
[28]: انظر <المجموع شرح المهذّب> [9/87].
[29]: انظر <المجموع شرح المهذّب> [9/90].
[30]: تقدّم تخريجه.
[31]: <الفروق> [1/225-226].
[32]: <التّاج والإكليل لمختصر خليل> [1/301].
[33]: أخرجه البخاريّ في صحيحه: كتاب الذّبائح والصّيد: باب الصّيد إذا غاب عنه يومين أو ثلاثة [5484]، ومسلم في صحيحه: كتاب الصّيد والذّبائح: باب الصّيد بالكلاب المعلّمة [1929/6].
[34]: في <المختار>: صلّ اللحم يَصِلُ أنتن.
[35]: أخرجه أبو داود في سننه: كتاب الصّيد: باب في الصّيد [2857].
[36]: تقدّم تخريج كلّ هذه الرّوايات.
[37]: معنى الوقوف بين يدي الله الوقوف للحساب وعرض الأعمال. الله تعالى موجود بلا مكان وليس جسما ولا يوصف بالجوارح والأعضاء وليس بينه وبين شيء من خلقه مقابلة ولا مناسبة.
[38]: معناه ليس متيقّنا أنّ الذي يصل إلى أيديكم فيه هذا الشّيء فلا يحرم بالشّكّ.
[39]: انظر <مصنّف ابن أبي شيبة> [5/130].
[40]: <المجموع شرح المهذّب> [9/80].
[41]: <الفتاوى الكبرى> [1/45 و46].
[42]: <الأشباه والنّظائر> [ص/74].
[43]: انظر <التّاج والإكليل لمختصر خليل> المطبوع بهامش كتاب <مواهب الجليل شرح مختصر خليل> [1/301].
[44]: <جامع العلوم والحكم> [1/198] عند شرح حديث: “إنّ الحلال بيّن”.
[45]: <بغية الطّالب> [ص/364] ط2.
[46]: هذا لفظ مسلم وقد تقدّم تخريجه عند حديث: “إذا رميتَ الصّيد فوجدته..”.
[47]: أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الصّيد والذّبائح: باب الصّيد بالكلاب المعلّمة [1929/7].
[48]: أخرجه البخاريّ في صحيحه: كتاب الذّبائح والصّيد: باب ذبيحة الأعراب ونحوهم [5507].
[49]: أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الزّكاة: باب قبول الصّدقة من الكسب الطيّب وتربيتها [1015].
[50]: انظر <تاريخ مدينة دمشق> [52/20].
[51]: أخرجه البخاريّ في صحيحه: كتاب العلم: باب إثم من كذب على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم [108]، ومسلم في صحيحه: المقدمة: باب تغليظ الكذب على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم [2].