Search or ask ابحث او اسأل

كلام الله الذاتي أزلي ليس مخلوق ولفظنا هو عبارة عنه

كلام الله الذاتي أزلي ليس مخلوق ولفظنا هو عبارة عنه
 
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى ءاله وصحبه أجمعين
 
كلام الله الذاتي أزلي ليس مخلوق والمقروء هو عبارة عنه تدل على كلام الله. والمقروء في المصاحف هذه الألفاظ مخلوقة لأن اللغة العربية لا شك أنها مخلوقة أما كلام الله الذاتي فأزلي ليس مخلوق كسائر صفاته سبحانه.
 
قال الامام ابي حنيفة رحمه الله – نص عبارة أبي حنيفة في الفقه الأكبر:
وصفاته في الأزل غير محدَثة ولا مخلوقة فمن قال إنها مخلوقة أو محدَثة أو وقف أو شكّ فهو كافر بالله تعالى والقرءان أي  كلام الله تعالى في المصاحف مكتوب وفي القلوب محفوظ وعلى الألسن مقروء وعلى النبي عليه الصلاة والسلام منزل ولفظنا بالقرءان مخلوق وكتابتنا له  مخلوقة وقراءتنا مخلوقة والقرءان غير مخلوق، وما ذكر الله تعالى في القرءان حكاية عن موسى وغيره من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وعن فرعون وإبليس  فإن ذلك كله كلام الله تعالى إخبارًا عنهم وكلام الله تعالى غير مخلوق وكلام  موسى وغيره من المخلوقين مخلوق والقرءان كلام الله تعالى فهو قديم لا ككلامهم. ثم قال ما نصه: ونحن نتكلم بالآلات والحروف والله تعالى يتكلم بلا ءالة ولا حروف والحروف مخلوقة وكلام الله تعالى غير مخلوق. انتهى
 
وهذه الرسائل الخمس ثابتة عن أبي حنيفة كما قال خاتمة الحفاظ مرتضى الزبيدي في شرح إحياء علوم الدّين: إنها ثابتة بالأسانيد الصحيحة.
 
 
فائدة عظيمة النفع فيها إثبات أن كلام الله الذي هو صفة ذاته ليس حرفًا ولا صوتًا ككلام المخلوقين ، قال أهل الحقّ : “كلام الله الذي هو صفة ذاته لا يجوز أن يكون حرفًا ولا صوتًا ولا لغة لأنّ اللغات مخلوقة حادثة وُجدت بعد أن لم تكن والخالق سبحانه لا يجوز أن يتّصف بصفة حادثة وذلك لأن الاتّصاف بصفة حادثة تغيّر والتغيّر أقوى علامات الحدوث ، والحدوث مستحيل على الله”.
 
وقول الله تعالى: { وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا}
 
معناه: أزال الله المانع عن سمع موسى، فسمع كلام الله من غير أن يحلّ الكلام الأزليّ في أُذن موسى، فموسى عليه السلام حادثٌ وسمعُه مخلوق
وأمّا مسموعهُ وهو كلام الله فليس بحادثٍ .
 
والدليل على أن كلام الله بمعنى الصفة القائمة بذاته ليس حرفًا ولا صوتًا ولا لغةً، قول الله تعالى: { ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللَّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} فالله تعالى هو يتولى حساب عباده، وقد أخبر أنه أسرع الحاسبين، فلو كان كلامه بالحرف والصوت لكان أبطأ الحاسبين لأن إبليس وحده الذي مازال حيًّا وسيعيش إلى حين النفخ في الصور سؤاله عن عمله ونيّته وقوله يحتاج إلى زمان طويل (إذا كان بالحرف والصوت) والخالق سبحانه يفرُغُ من حساب كل العباد في لحظة قصيرة ثم إن قوم يأجوج ومأجوج ورد في الحديث أن البشر كلّهم بالنسبة إليهم كواحد من ألف، فكم يحتاج سؤال هؤلاء لو كان سؤالهم بالحرف والصوت واللغة.
 
فالله عزّوجل يُسمع عباده يوم القيامة كلهم الإنس والجن كلامه الذي هو صفته فيهمون بذلك السؤال عن النيّات والأقوال والأفعال، ألم أُعطك صحة؟ ألم أُسقك ماءً باردًا؟
 
والدليل على أنّ الله يُسمع جميع الإنس والجن كلامه ما رواه البخاري أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ما منكم من أحدٍ إلا سيكلمه ربّه يوم القيامة ليس بينه وبين ربّه ترجمان”.
 
أمّا قول الله تعالى: { إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} فليس معناه أنّ الله كلما أراد خلق شيء يقول (كن) بحرفين متعاقبين، والدليل على ذلك أنّ الله يخلق في كل لحظة ما لا يدخل تحت الحصر من أفعال العباد وقطرات المطر وغير ذلك، فلو كان إبراز كل شيء للوجود يحتاج إلى كلمة (كن) لما كان هذا الخلق موجودًا الآن، إنما معنى الآية: أنّ الله تعالى إذا أراد في الأزل وجود سيء ما وُجد في الوقت الذي أراد الله أن يكون فيه من غير ممانعة ولا تأخير من أحدٍ وأنّ إيجاد الخلق يسير على الله. فالإنسان اسهل شيء عليه قول (كن)، والله تعالى لا يصعب عليه شيء.
 
ثم إن كلام الله يُطلق على معنى اللفظ المُنزّل وهذا اللفظ المُنزّل لا شك أنه مخلوق، والدليل على ذلك أنه يُكتب في المصاحف ويُجرى على الألسنة ويُحفظ في الصدور، وما كان مكتوبٌ في المصاحف وجاريًا على الألسنة ومحفوظًا في الصدور لا يشك عاقلٌ في كونه مخلوقًا.
 
فإن قال قائلٌ فما هو القرءان إذًا؟ فيقال له: القرءان بمعنى اللفظ المنزّل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هو شيء وجده جبريل عليه السلام في اللوح المحفوظ وخَلَقَ الله تعالى صوتًا بألفاظ هذا القرءان سمعه جبريل وأُمر أن ينزل به على الرسول صلى الله عليه وسلم، فهذا اللفظ مخلوق والمُعبّر عنه وهو صفة الله (الكلام) ليس مخلوقًا. وتقريب ذلك لو كتب كاتب حروف لفظ الجلالة (الله) فقال له شخص: ما هذا؟ يقول: الله، وهو لا يعني أنّ الخالق هو هذه الحروف إنّما يعني أنّ هذه الحروف تدلّ على الخالق .
 
ويدلّ على أنّ كلام الله يُطلق على معنى اللفظ المُنزّل قول الله تعالى: { وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللَّهِ} فلا شك أنّ الكافر لا يسمع كلام الله بمعنى صفته القائمة بذاته وإلا لكان كليم الله كموسى، إنما يسمع ألفاظ القرءان المنزلة التي لا شك أنها مخلوقة، وقوله تعالى: { فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} معناه إذا قرأه جبريل بأمرنا فاتّبع قراءته، فلا شك أنّ جبريل مخلوق وقراءته مخلوقة، معناه أنّ ألفاظ القرءان هي مقروء جبريل ولا شك أنّ مقروء جبريل مخلوق ولا شك أنّه لا يقال عن الله رسول كريم.
 
وأما إنكار الإمام أحمد أن يقال “القرءان مخلوق” فذلك حتى لا يُتوهم أنّ صفة الله القائمة بذاته مخلوقة، أمّا في مقام التعلّم فيثبيّن الأمر على هذا الوجه، وهو أنه يقال القرءان له إطلاقان:
 
1- الإطلاق الأول: يُطلق ويُراد به كلام الله الذي هو صفته، فهذا ليس حرف ولا صوت ولا لغة لأن الحروف متعاقبة والتعاقب علامة الحدوث، فمن قال (بسم الله الرحمن الرحيم) نطق بالباء ثم السين ثم الميم وهكذا.
 
2- الإطلاق الثاني: يُطلق على القرءان ويُراد به اللفظ المنزل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وهذا لا شك أنه مخلوق، قال الله تعالى: { يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ} وهذا صريح في إطلاق كلام الله على اللفظ المنزّل، إذ الكفّار يريدون تغيير اللفظ المنزّل.
 
وسبحان الله والحمد لله رب العالمين.
Prev Post

ثبوت ردة ابن تيمية بعد سنة 707 هجرية

Next Post

كيف أحبَّ مَن أحَبَّ محمدا

post-bars