كيف أحبَّ مَن أحَبَّ محمدا
إنَّ الحمدَ للهِ نحمدُه ونستعينُه ونستهديهِ ونشكرُه ونستغفرُه ونتوبُ إليه، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومن سيِّئاتِ أعمالنا، من يهدِ اللهُ فلا مُضلَّ له ومن يُضلل فلا هاديَ له. وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له ولا مثيلَ له، ولا ضِدَّ ولا نِدَّ له، ولا شكلَ ولا صورةَ له، ولا جهةَ ولا مكانَ له. أحمدُه سبحانه وتعالى أن منَّ علينا في شهرِ ربيعٍ الأوّلِ بإظهارِ سَيِّدِ البشَرِ وفخرِ ربيعةََ ومُضَر. وأشهدُ أنَّ سيِّدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وقُرّةَ أَعيُنِنا محمّدا عبدُهُ ورسولُهُ وصفِيُّهُ وحبيبُهُ القائلُ في حديثِه الشريفِ:” لا يُؤمِنُ أحَدُكُمْ حتَّى أكونَ أحبَّ إليهِ من والِدِهِ وولَدِهِ والنَّاسِ أجمَعين”. أُحِبُّكَ يا رسولَ اللهِ، فواللهِ أنتَ أَحبُّ إليَّ مِن نفسي، أُحِبُّكَ يا حبيبَ الله، فواللهِ أنتَ أحبُّ إليَّ من أهلي ومالي.
أنــا يا رسولَ اللهِ عبـدٌ مُتَيَّمٌ إلى هَدْأَةِ الخَفّاقِ أوْ يَسْكُنَ الصَّدْرُ
أنـا يا رسولَ اللهِ صَبٌّ يَشُوقُنِي مِنَ القُبَّةِ الخَضْراءِ أنوارُها الخُضْرُ
فأَحيـا على حُلْمِ الوِصالِ مُؤَمِّلاً وَيَعْرُو فُؤادِيْ مِن غَرامِكَ ما يَعرُو
فأنتَ حبيبُ الرَّوحِ نورُ عُيُونِنابل أغلى إذا حـلَّ يُسـرٌ أو تَغَلَّبَ عُسْرُ
فمـا بَلَغَ المُدَّاحُ قَـدْرَ محمَّــدٍ وما كانَ مَدْحٌ فيهِ إلا علا القَدْرُ
وما جمـعَ المُدَّاحُ وصفَكَ مـرَّةً وأعيا بَليغَ القَومِ في نَعتِكُم حَصرُ
فإن رُمتُ وَصفًا في شجاعةِ أحمَدٍ تَرَى مُرهفاتِ الحَرْفِ يستَلُّها الشِّعْرُ
وإن صُغتُ وَصفًا في سماءِ جَمالِه تُضِيءُ حُرُوفَ الضَّادِ أَنْجُمُهَا الزُّهْرُ
وإِنَّ قَرِيضِي في طَويـلِ جِهادِهِ يَثُورُ كَبُركـانٍ ويَشتَعِـلُ الحِبْـرُ
وإن رُحتُ أَحكِي عن نَداهُ مُوازِنًا معَ البَحرِ حُلْوًا كانَ مِن دونِهِ البَحرُ
وتَذْرُو رِياحُ البِيْدِ مَوطِأَ نَعْلِكُـم فيا لَيتَنِي عفَّرْتُ خَدِّي بما تَـذْرُو
أما بعدُ عبادَ الله فإنِّي أُوصيكُم ونفسي بتقوى الله العليِّ القديرِ وباتِّباعِ نهجِ رسولِ اللهِ محمد، وبالثّباتِ على عقيدةِ رسولِ الله محمد، فلقد أنزلَ اللهُ سبحانه وتعالى على قلبِ حبيبِهِ محمــدٍ قرءانًا عربيًّا عظيمًا جاء فيه:” لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ” سورة التوبة ءاية 128. ويقولُ الله سبحانه وتعالى:” النَّبيُّ أَوْلَى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِم” الآية سورة الأحزاب/6.
إخوةَ الإيمان، إنَّ خطبتَنا اليومَ سنُحدِّثُكم فيها بإذنِ اللهِ ربِّ العالمينَ عنِ الحُبِّ والغرامِ، عن الحُبِّ والهُيام، ولكنْ حُبُّ مَن لِمَن؟ فماذا أقولُ؟ وبِمَ أبدأُ؟ فاسمعوا معي جيِّدًا كيفَ أحبَّ مَن أحبَّ محمّدا، فعُنوان خطبتي اليومَ: كيفَ أحبَّ مَن أحبّ محمّدا.
اِنسَلَّ رجلٌ مِن المشركينَ إلى مجلسِ رسولِ الله صلى اللهُ عليه وسلمَ معَ المسلمينَ ثم عادَ إلى قومِه، فقالوا لهُ: أخبِرْنَا بما سَمِعْتَ وماذا رأيتَ، فقالَ يا قَومُ لقدْ أدركتُ قيصرَ في مجدِهِ وكِسْرَى في عِزِّهِ فما رأيتُ أعزَّ مِن محمّدٍ، واللهِ إنَّ صحابتَهُ بين يدَيْهِ فكأنَّ الطائرَ على رُؤوسِهمْ يَسمعون لِمَا يقولُ، لا تسقُطُ الشّعَرة- أي من سيِّدنا محمّد- إلا في كفِّ أحدِهم فإذا ما وصَلَتْ إلى كفِّه جعلَ يتمسَّحُ بها تَبرُّكًا بآثارِ محمّدٍ.
ويومَ بدرٍ الكُبرَى يومَ أَخبرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلمَ الصحابةَ عَنْ خُروجِ قريشٍ لِقتالِهِم وقفَ سعدُ بنُ مُعاذٍ وخاطبَ رسولَ اللهِ، فاسمعُوا جيِّدًا كيفَ يخاطِبُ قائدَه وكيفَ يخاطِبُ حبيبَه، فقالَ رضيَ اللهُ عنهُ: يا رسولَ اللهِ قدْ ءامنَّا بِكَ وصدَّقْناكَ وشَهِدنا أنَّ ما جئتَ بهِ هو الحقُّ وأعطَينَاكَ مواثيقَنا على السَّمعِ والطَّاعةِ فامضِ بِنا لِمَا أردتَ فنحنُ معَك، فوالله لو استَعرضْتَ بِنَا هذا البحرَ فَخُضْتَه لخُضنَاهُ معكَ ما تخلّفَ مِنَّا رجلٌ واحدٌ، وما نَكرَهُ أنْ تَلقَى بِنَا عَدُوَّنا إنَّا لَصُبُرٌ في الحربِ، صُدُقٌ في اللقاءِ فَسِرْ على بركةِ اللهِ لعلَّ اللهَ يُريكَ مِنَّا ما تقرُّ به عينُك” فسُرَّ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بذلك.
وروى الحافظُ ابنُ الجوزيِّ عن أنسٍ أنَّهُ قالَ لَمَّا كانَ يومُ أُحُدٍ: حاصَ الناسُ حَيصةً وقالوا قُتِلَ محمَّدٌ حتَّى كَثُرَتِ الصَّوارِخُ في نواحِي المدينةِ قالَ فخَرَجَتِ امرأةٌ مِنَ الأنصارِ فاستُقبِلَتْ بأخيها وأبيها وزَوجِها وابنِها( أي وهم أمواتٌ قَتْلَى)، لا أدرِي بأيِّهِمُ استُقْبِلَتْ أوّلا فلمَّا مرّتْ على ءاخِرِهِم قالتْ مَن هذا؟ قالوا هذا أخوكِ وأبوكِ وزوجُكِ وابنُكِ قالت فما فعلَ النبيُّ؟ فيقولونَ أمامَكِ حتَّى ذَهَبَتْ إلى رسولِ اللهِ فأخَذَتْ بناحيةِ ثوبِه ثمَّ جَعَلت تَقولُ: بأبي أنتَ وأُمِّي يا رسولَ اللهِ لا أُبالي إذا سَلِمْتَ مِن عَطَبٍ. تُستقبَلُ بأخيها وأبيها وزوجِها وابنِها أي وَهُمْ قَتْلَى ومعَ ذلكَ تذهَبُ إلى الحبيبِ المحبوبِ وتأخُذُ بناحيَةِ ثوبِه وتقولُ:” بأبي أنتَ وأمي يا رسولَ الله”.
وكيف لا نتكلَّمُ عن كيفَ أحبَّ مَن أحبَّ محمّدا؟!
وهذا خُبَيّبُ بنُ عَدِيٍّ أَسَرَهُ المشركونَ وأخرَجُوهُ منَ الحرَمِ لِيَقتُلُوهُ قال: دَعُوني أُصلِّي رَكعتَين، فركعَ رَكعتينِ خَفيفتَينِ ثم انصرَفَ، فقالَ:” لولا أنْ تظُنُّوا أني جَزِعٌ- أي خائفٌ- من الموتِ لَطوَّلتُهُما فلذلك خَفّفْتُهُما”. وقال:” اللهم إني لا أنظرُ إلا في وجهِ عَدُوٍّ، اللهمَّ إني لا أجِدُ رَسولا إلى رَسُولِكَ فَبَلَِّغهُ عني السلام”. فجاءَ جبريلُ عليه السلامُ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلمَ فأَخبرَهُ ذلك. وقال خُبَيبٌ وهم يَرفَعُونَهُ على الخشبةِ:” اللهمَّ أَحصِهِمْ عَدَدًا، واقتُلهُم بدَدًا، ولا تُبْقِ منهُم أحَدًا”
وقَتَلَ خُبَيبَ بنَ عَدِيٍّ أبناءُ المشركينَ الذينَ قُتِلُوا يومَ بَدْرٍ فلمَّا وَضَعُوا فيهِ السِّلاحَ وهُوَ مَصلوبٌ نادَوهُ وناشَدُوه: أَتُحِبُّ محمّدًا مكانَكَ؟ فقال:” لا واللهِ العظيمِ ما أُحبُّ أنْ يَفديَني بِشَوكَةٍ يُشاكُهَا في قَدَمِهِ”.
وعن أنسٍ رضيَ اللهُ عنه أنَّ رجُلا سألَ النبيَّ صلى اللهُ عليه وسلمَ عنِ السَّاعةِ، فقال- أي الرجل- متى الساعةُ؟ قال- أي الرسولُ- وماذا أَعْدَدتَ لها؟ قالَ- أي الرجل- لا شىءَ إلا أني أُحبُّ اللهَ ورسولَه صلى الله عليه وسلمَ، فقالَ: أنتَ معَ من أحببتَ. قال أنسٌ: فما فَرِحنَا بشىءٍ فَرَحَنَا بقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنتَ معَ منْ أَحْبَبتَ. قال أنسٌ: فأنا أُحبُّ النبيَّ صلى الله عليه وسلمَ وأبا بكرٍ وعُمَرَ وأرجو أن أكونَ معهُم بِحُبِّي إياهُم وإنْ لم أعملْ بمثلِ أعمالِهم. وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ:” مِنْ أشَدِّ أُمتي لي حُبًّا ناسٌ يكونونَ بَعدي يَودُّ أحدُهُم لو رءاني بأهلِه ومالِه”.
وعن أبي هريرةَ قال:” قُلتُ يا رسولَ الله إذا رأيتُكَ طابتْ نفسِي وقرَّتْ عَيني”. وهذا بلالٌ مُؤذِّنُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلمَ لما احتُضِرَ نادَتِ امرأتُهُ: واحَزَناه. فقال:” واطَرَباه، غدًا نلقى الأحبةَ محمّدا وصَحْبَه. أيقولُ بلالٌ: واطَرباه واطَرباه، أَتُراه يحبُّ الموتَ تُراه يَفرحُ بلقاءٍ معَ مَولاه، يفرحُ بلقاءِ حبيبِ الحقِّ رسولِ الله، يفرحُ بلقاءِ الصِّدِّيقِ وبقومٍ قَضَوْا شهداءَ سبيلِ الله.
اللهم اجمعنا بمحمّدٍ واحشُرْنا تحتَ لواءِ محمّدٍ وثبِّتنا على عقيدة محمّدٍ وعطِّف علينا قلب محمّد اللهمّ صلِّ على محمّدٍ صلاةً تَقضِي بها حاجاتِنا وتُفرِّجُ بها كُرُباتِنا وتكفِيْنا بها شرَّ أعدائِنا إنك يا ربَّنا على كلِِّ شىءٍ قدير.