سؤال: ما حكم حلق اللحية
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وصلى الله على رسول الله وءاله وصحبه وسلم وبعد،
لم يَرد نَصٌّ صَريحٌ في تحريم حَلقِ اللّحيةِ إنما هناكَ حديثٌ فهِمَ منه بعضُ العُلماء أن حَلْقَ اللّحية بالموسى حَرام ولم يَفهَم منهُ الآخَرونَ أنّهُ حَرام فهي مَسألةٌ خِلافيّةٌ، فإذَا رأيتُم إنسَانًا يحلِقُ اللِّحيةَ لا تُنكِروا إنكارَ تَوبِيخ لأنّ الأئمةَ لم يتّفقوا على حُرمة حَلقِها، أبو حنيفةَ قالَ حَلقُ اللّحيةِ مَعصية أمّا الشّافعيّ فقد نقَلَ عنهُ بعضُ الفُقهاء أنّهُ حَرّم لكن ليسَ ثابتًا، وأمّا الإمامُ أحمد فلَم يتَكلّم في هذه المسألة وكذلكَ مَالكٌ لم يتَكلّم في هذه المسألة إنما أصحَابهُم، أصحابُ مالِك بعضُهم حَرّم وبَعضُهم لم يحرّم، كذلكَ أصحاب الإمام أحمد أي أتباعُ مَذهَبِه لم يحرمّوا، إلا أنّ ابنَ تيميةَ في عَصرِه حَرّم فتَبِعَهُ بعضُ الحنابِلةِ على ذلك، أي أنّ قبلَ ابن تيميةَ لم يكن عندَ الحنابلةِ تحريمُ حلقِ اللّحية ما كانوا يحرِّمون كانوا يقولون حَلقُ اللّحية مكروه، فابنُ تيميةَ أوّلُ مَن نَصّ مِن بَينِ الحنَابِلة على تحريم حَلق اللّحية.
أمّا الشّاربُ فقَد أُمِرْنا بأنْ نُقصِّرَهُ وأنْ لا نَترُكَهُ يَطُول ولم يثبُت عن رسول الله أنّهُ حلَقَ شَاربَه بالموسَى إنما صَحَّ عن رسول الله الأمرُ بحفَائِه والإحفاءُ هو المبالغَةُ في تخفِيفِه، ووَردَ عنه روايةٌ في سنن النّسَائيّ أنه صلّى الله عليه وسلّم عَدَّ حَلْقَ الشّارب وإعفاءَ اللّحية فِطرةً أي فِطرةَ الإسلام، الحَلقُ في الشّرع معناهُ يكونُ بالموسى أمّا القَصُّ بالمقصّ هذا لا يقالُ لهُ حَلق، في القرآن الكريم “محلّقِينَ رؤوسَكُم ومُقَصّرين” التّحليقُ هو بالموسى، لا يُقالُ للتّخفيف حَلقٌ، هَذا مِن تَغيِير اللّغة الذي حصلَ في هذا العَصر في بعض البِلاد، يقولونَ للتّقصير حَلق هذا لُغةً غلَط وشَرعًا غلَط، ورَد في النّسائي أنّ الرّسولَ عَدّ إعفاءَ اللّحية وحَلْقَ الشّارب فِطرةً أي مِن خِصال الإسلام أي أنّ هذا ليسَ أمرًا يَعودُ إلى العَادةِ بل هذا مِن خِصال الإسلام، لكنّ أكثرَ الرّواياتِ جاءَ فيها الإحفاءُ أي التّخفيفُ البالغُ فالأفضلُ في الشّاربِ أن يُخفّفَ أي لا يُتركَ منه إلا شىءٌ خفِيفٌ.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم” خمسٌ مِنَ الفِطْرةِ الختانُ والاستِحدادُ وتَقليمُ الأظْفارِ ونَتفُ الإبْط وقَصّ الشّارب” (رواه النسائى عن أبى هريرة) ورواه مالك وأحمد والبخاري ومسلم وغيرهم.
قال النووي قوله خمس من الفطرة قال أبو سليمان الخطابي ذهب أكثر العلماء إلى أنها السنة وكذا ذكره جماعة غير الخطابي قالوا ومعناه أنها مِن سُنَن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم.والاستحداد معناه حلق العانة.
قال الحافظ ابن حجر في الفتح:
(والاستِحدَادُ بالحاءِ المهمَلةِ استِفعالٌ مِنَ الحديدِ والمرادُ بهِ استِعمالُ الموسى في حَلقِ الشّعَر مِن مَكانٍ مخصُوص مِنَ الجسَد، قيلَ وفي التّعبِير بهذه اللّفظةِ مَشرُوعيّة الكِناية عما يُستَحى مِنهُ إذا حصَلَ الإفهامُ بها وأَغْنى عن التّصريح، والذي يَظهَرُ أنّ ذلك مِن تَصرّف الرّواة وقَد وقَع في روايةِ النّسائي في حديث أبي هريرة هَذا التّعبِير بحلق العَانة، وكذا في حديثِ عائشةَ وأنسٍ المشار إليهما مِن قَبل عندَ مُسلم، قالَ النّووي المرادُ بالعَانةِ الشّعَر الذي فَوقَ ذَكَرِ الرَّجُل وحَوالَيه وكذا الشّعَر الذي حَوَالي فَرج المرأة، ونقل عن أبي العباس بنِ سُرَيج أنّه الشّعَر النّابتُ حَولَ حَلْقَةِ الدُّبُر، فتَحصّلَ مِن مجموع هذا استِحباب حَلقِ جميعِ ما على القُبُل والدُّبُر وحَولهما، قال وذكر الحَلق لكَونِه هو الأغلَب وإلا فيَجوز الإزالةُ بالنُّوْرَة والنّتْف وغيرهما، وقال أبو شَامة العَانةُ الشّعَر النابتُ على الرَّكَب بفتح الراء والكاف وهو ما انحَدَر مِنَ البطن فكان تحتَ الثّنيّة وفوقَ الفَرج .
قالَ ويُستَحبُّ إماطَةُ الشّعَر عن القُبُلِ والدُّبُر بل هو مِنَ الدُّبُر أَوْلى خَوفًا مِن أن يَعلَق شَىء مِنَ الغَائط فلا يُزيلُه المستَنجِي إلا بالماء ولا يتَمكّن مِن إزالته بالاستِجمار، قال ويقُوم التّنُّور مكانَ الحَلق وكذلك النّتفُ والقَصُّ، وقد سئل أحمد عن أخْذِ العَانَةِ بالمقراض فقَال أرجُو أن يجزئ، قيلَ فالنَّتف قال وهل يَقْوَى على هَذا أحَد.)