Search or ask ابحث او اسأل

مناقب أزواج النبيّ أمهات المؤمنين

مناقب أزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم وهن أمهات المؤمنين
كتاب الأربعين في مناقب أمهات المؤمنين رحمة الله عليهن أجمعين
 
بِسْمِ اللهِ الرحمٰن الرَّحِيمِ
المقدمة

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمّد وعلى ءاله وصحبه وسلم، أما بعد:
فهذا مختصر في مناقب أزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم وهن أمهات المؤمنين رضي الله عنهن ألّفه الشيخ فخر الدين بن عساكر الأشعري رحمه الله تعالى لمّا افتتح الملك الناصر مدينة حلب.

ذكر فيه ما خص به صلى الله عليه وسلم في أمر النكاح وما أبيح له منهن ومقدار عددهن ومن دخل بهن ومن طلَّق منهن ومن ماتت عنده ومن مات عنهن، ثم أفرد لكل واحدة منهن ترجمة مختصرة على ترتيب تزويجه صلى الله عليه وسلم بهن ضمّنها بعض ما جاء في فضل كل واحدة، فأحببنا أن ننشر هذا الكتاب راجين من الله الثواب وعليه نتوكل وبه نستعين ونسأله خير العلم والعمل واليقين إنه وليّ المتقين.
 
الحِكَم والأسباب لتعدد زوجات النبيّ صلى الله عليه وسلم

ليُعلم أن نبيَّنا صلى الله عليه وسلم لم يكن متعلق القلب بالنساء، والدليل على ذلك أنه كان معروفًا بين أهل مكة بمحمدٍ الأمين إلى أن بلغ من العمر أربعين سنةً وقد كان أوتي من الجمال ما لم يساوه فيه أحد، فلو كان كما يفتري عليه الملحدون ولوعًا بالنساء لظهرت منه رذيلة بل رذائل كثيرة ولكان أهل بلده طعنوا فيه بذلك حين أعلن دعوته ودعاهم إلى عبادة الله وحده وترك ما كانوا يعبدونه من الأوثان. وكانوا اكتفوا بالتشنيع عليه بذلك عن غيره من أساليب الإيذاء له ولمن ءامن به. ولم يتزوج إلا بعد أن صار عمره خمسة وعشرين عامًا، ثم ماتت زوجته حين بلغ من العمر خمسين سنةً ثم تزوج امرأةً أخرى ثم عدّد لا لإشباع الشهوة بل لِحِكَمٍ تَعودُ إلى مصالح دعوته، فخصه الله تعالى دون أمته بأن أباح له أن يجمع بين أكثر من أربع من الزوجات.
ومن جملة تلك الحكم أن تنتشر شريعته بطريق النساء إلى النساء، قلنا لو كان كما يقولون كان عدَّد الزواج قبل أن يبلغ عمره خمسين سنة كما هو شأن المنهمكين في شهوة النساء، ومن الدليل على أنه لم يكن متعلق القلب بالنساء ما رواه مسلم(1) عن عائشة أنها قالت: “ما كانت تمر ليلتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا خرج إلى البقيع(2) يدعو لأهل الجبانة” مع ما اجتمع في عائشة من حداثة السن والجمال.

_______________________
(1) انظر “صحيح مسلم”: كتاب الجنائز: باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها.
(2) أي جبانة المدينة.
 
مسألة في تفنيد ما افتُريَ على رسول الله صلى الله عليه وسلم في قصة زينب(1) بنت جحش

طعن بعض الكفار فيه صلى الله عليه وسلم بقوله إن محمدًا احتال على زيد بن حارثة لما عَلِقَت نفسه بزوجته زينب بنت جحش حتى توصل لزواجها.
الجواب: أن زينب لم تكن معرفته بها جديدة لأنها بنت عمته أمها أُمَيْمَةُ بنت عبد المطلب وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يزوجها زيد بن حارثة مولاه فكرهت ذلك ثم رضيت بما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوجها إياه، ثم أعلم الله عزَّ وجلَّ نبيه صلى الله عليه وسلم أنها تكون من أزواجه فكان يستحي أن يأمره بطلاقها وكان لا يزال يكون بين زيدٍ وزينبَ ما يكون من الناس فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمسك عليه زوجه وأن يتقي الله وكان يخشى الناس أن يعيبوا عليه ويقولوا تزوج امرأة ابنه وكان قد تبنى زيدًا، فكان مما قاله زيد: يا رسول الله إن زينب اشتد عليّ لسانها وأنا أريد أن أطلقها، فقال له: اتق الله وأمسك عليك زوجك.
ومعنى قوله تعالى: ﴿وَتُخْفِى فِى نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ﴾ (سورة الأحزاب/ ءاية 37) أنه كان يخفي إخبارَ الله الذي أخبره أنها ستصير زوجته بوحي غير قرءان(2)، والذي كان يحمله على إخفاء ذلك خشية قول الناس تزوج امرأة ابنه، وأراد الله إبطال ما كان عليه الناس قبل البعثة من أحكام التبنّي بأمرٍ لا أَبْلَغ في الأبطال منه وهو تزوج امرأة الذي يدعى ابنًا له.

ثم لما أنزل الله في ذلك قوله: ﴿فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنٰكَها﴾ (سورة الأحزاب/ءاية 37) أظهر ذلك فتلاه على الناس قرءانًا فبهذا ظهر ووضح أنه صلى الله عليه وسلم لو كان متعلق القلب بالنساء كان غلب عليه ذلك التعلق فعدد الزواج بالكثير من النساء قبل بلوغ خمسين عامًا من عمره.

__________________________________________________________________
(1)وهي التي يقول الله فيها:{وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِى~ أَنْعَمَ الله ُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ وَتُخْفِى فِى نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشٰهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَٰكَهَا}(سورة الأحزاب/ءاية 37 ) فزوَّجها الله تعالى بنبيه بنص كتابه بلا ولي ولا شاهدين.
(2)وذلك أنه كان يبلّغ ما أنزل من القرءان فوراً.

 
كتب الأربعينات في الحديث وغيره

كتب الأربعين يراد بها المؤلفات التي يصنّفها العلماء في موضوع ما يجمعون فيها أربعين حديثًا.
قال الحافظ النووي في مقدمة كتابه “الأربعون النووية”: “فقد رَوَينا عَنْ عَليِّ بن أبي طالب وعبدِ الله بنِ مسعودٍ ومُعاذِ بنِ جَبَلٍ وأبي الدَّرْداءِ وابنِ عُمَرَ وابنِ عباسٍ وأنَسِ بنِ مالِكٍ وأبي هُرَيرة وأبي سعيدٍ الخُدْرِيّ رضي الله عنهم من طُرُقٍ كثيراتٍ برواياتٍ متنوَّعاتٍ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: “مَنْ حَفِظَ على أُمَّتي أربعينَ حديثًا (1) من أمْر دينها بَعَثَهُ الله يومَ القيامةِ في زُمْرةِ الفُقهاءِ والعُلماء”، وفي روايةٍ: “بَعَثه الله فَقِيهًا عالمًا”، وفي روايةِ أبي الدَّرْداء: “وكُنتُ له يومَ القيامةِ شافعًا وشهيدًا”، وفي رواية ابن مَسْعودٍ: “قِيلَ له ادخُلْ مِن أيِّ أبوابِ الجنةِ شِئتَ”، وفي رواية ابن عُمَر: “كُتِبَ في زُمرةِ العلماء وحُشرَ في زُمْرةِ الشُّهداء”، واتَّفَق الحُفَّاظُ على أنَّه حديثٌ ضعيفٌ وإن كَثُرَتْ طُرُقُه.
وقد صَنَّفَ العُلماءُ رضي الله عنهُم في هذا البابِ ما لا يُحصَى من المصنَّفات، فأوَّل مَن علِمتُهُ صَنَّف فيه عبدُ الله بنُ المبارَكِ، ثم محمدُ

__________________________________
(1) “من حفظ على أمتي أربعين حديثاً” معنى الحفظ هنا: أن ينقلها إلى المسلمين وإن لم يحفظها ولم يعرف معناها.هذا حقيقة معناه، وبه يحصل انتفاع المسلمين لا يحفظ ما ينقله إليهم.
 بنُ أسْلَمَ الطُّوسي العالِمُ الرَّبانيُّ (1)، ثم الحَسنُ بنُ سفيانَ النَّسَوِيّ، وأبو بكرٍ الآجُرِّيُّ، وأبو بكرٍ محمدُ بنُ إبراهيمَ الأصفهانيُّ، والدارقُطنيُّ، والحاكِمُ، وأبو نُعَيم، وأبو عبد الرحمٰن السُّلَمِيُّ، وأبو سعدٍ المالينيُّ وأبو عُثمانَ الصابونيُّ، ومحمد بن عبد الله الأنصاريُّ، وأبو بكرٍ البَيْهقيُّ، وخلائقُ لا يُحصَوْنَ من المتقدّمينَ والمتأخرينَ.

وقد استَخَرتُ الله تَعالى في جَمعِ أربعينَ حديثًا اقتِدَاءً بهؤلاءِ الأئمةِ الأعلام، وحُفَّاظ الإسلامِ، وقد اتَفَقَ العلماءُ على جَوازِ العَمَلِ بالحديث الضعيفِ في فضائلِ الأعمالِ، ومع هذا فليس اعتمادي على هذا الحديث بلْ على قوله صَلَى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحةِ: “ليُبَلِّغ الشاهِدُ منكمُ الغائِبَ” وقولِهِ صَلَى الله عليه وسلم: “نَضَّرَ (2) الله امْرأً (3) سَمِعَ مَقالتي فَوَعاهَا فأدَّاها كما سَمِعَها”.
ثمَّ منَ العُلماءِ مَنْ جَمَع الأربعين في أصول الدّين وبعضُهم في الفُروعِ وبعضُهم في الجهاد وبعضُهم في الزُّهْد وبعضُهم في الآدابِ وبعضُهم في الخُطَبِ، وكُلُّها مقاصِدُ صالِحةٌ رضي الله عن قاصِدِيها” ا.هـ.

__________________________________
(1) نسبة إلى الرب زيد فيه الألف والنون على غير قياس كما تقول العرب لِحيانيٌّ لمن لحيته طويلة ومعنى العالم الرباني العالم العامل المعلم.
(2) أي حسّن الله وجهه.
(3) “نضر الله امرأ” روي بتشديد الضاد وتخفبفها والتشديد أكثر ومعناه: حسّنه وجمّله.

وقال حاجي خليفة في كتابه “كشف الظنون” (1): “وقد صنف العلماء في هذا الباب ما لا يحصى من المصنفات واختلفت مقاصدهم في تأليفها وجمعها وترتيبها فمنهم من اعتمد على ذكر أحاديث التوحيد وإثبات الصفات ومنهم من قصد ذكر أحاديث الأحكام ومنهم من اقتصر على ما يتعلق بالعبادات ومنهم من اختار حديث المواعظ والرقائق ومنهم من قصد إخراج ما صح سنده وسلم من الطعن ومنهم من قصد ما علا إسناده ومنهم من أحب تخريج ما طال متنه وظهر لسامعه حين يسمعه حسنه إلى غير ذلك وسمى كل واحد منهم كتابه بكتاب الأربعين” ا.هـ.
ثم الشيخ فخر الدين بن عساكر رحمه الله تعالى أراد أن يسلك طريقة هؤلاء العلماء الذين ألَّفوا في الأربعينات فكان تصنيفه هذا الذي سمّاه “كتاب الأربعين في أمهات المؤمنين رضي الله عنهن أجمعين” حيث قال في مقدمته: “فإني لما رأيت جماعة من الأئمة الأجلاء والسادة العلماء رحمهم الله صنفوا كثيرًا من الأربعينات في فنون حسان ومعان مختلفة طمعًا في الثواب الموعود على ذلك كما شهدت به الأحاديث… فأحببت أن أكون من جملتهم وأدخل في زمرتهم ابتغاءً للثواب الجزيل والأجر الجميل” ا.هـ.

__________________________________

(1)كشف الظنون (1/52).

ترجمة المؤلف (1)
اسمه ونسبه ولقبه وكنيته وشهرته:

هو الشيخ أبو منصور عبد الرحمٰن بن محمد بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله بن الحسين الدمشقي الشافعي الأشعري الملقب بفخر الدين والمعروف بابن عساكر.
قال أبو شامة: ليس في أجداده من اسمه عساكر، وإنما هي تسمية اشتهرت عليهم في بيتهم، ولعله من قبل أمهات بعضهم.
وهو ابن أخي أبي القاسم علي بن الحسن بن هبة الله بن عساكر محدث الشام وحافظها وصاحب “تاريخ دمشق”.
مولده:

ولد في رجب سنة خمسين وخمس مائة كما كتب بخطه.
زواجه وأولاده:
زوّجه شيخه الشيخ قطب الدين أبو المعالي مسعود النيسابوري ابنته وجاءه ولد منها سمّاه مسعودًا ومات شابًا.

__________________________________

(1) من مصادر نرجمته: طبقات الشافعية الكبرى (8/177-186) لتاج السبكي، وفيات الأعيان (3/135) لابن خلكان، التكملة لوفيات النقلة (3/102-103) للمنذري، طبقات الشافعية (2/54-55) لابن قاضي شبهة، سير أعلام النبلاء (22/187-190) للذهبي.

هيئته وصفاته الخُلُقية:

قال الذهبي في “السير”: “وكان فخر الدين لا يمل الشخص من النظر إليه لحسن سَمته ونور وجهه ولطفه واقتصاده في ملبسه”.
وقال أبو المظفر الجوزي في “مرءاة الزمان”: “كان زاهدًا عابدًا ورعًا منقطعًا إلى العلم والعبادة حسن الأخلاق قليل الرغبة في الدنيا”.
نشأته في طلب العلم:

اهتم الشيخ فخر الدين رحمه الله منذ صغره بالعلم، فاشتغل بالفقه على شيخه قطب الدين مسعود النيسابوري وصحبه زمانًا وانتفع بصحبته وزوَّجه ابنته، وكان يحضر تحت قبة النسر بالجامع الأموي بدمشق لسماع الحديث.
ثناء العلماء عليه:

قال ابن خلكان: “كان إمام وقته في علمه ودينه”.
وقال الحافظ المنذري: “دخلت دمشق وهو بها ولم يتفق لي السماع منه ولنا منه إجازة كتب بها إلينا من دمشق غير مرة، وكان مشهورًا بالصلاح والعلم، وبيته مشهور بالحفظ والفقه والمعارف”.
وقال ابن قاضي شهبة: “هو أحد الأئمة المبرّزين بل واحدهم فضلاً وكبيرهم قدرًا شيخ الشافعية في وقته”.

وقال تاج الدين السبكي: “شيخ الشافعية بالشام وءاخر من جمع له بين العلم والعمل”، وقال أيضًا: “اتفق أهل عصره على تعظيمه في العقل والدين”.
شيوخه:

سمع من عمَّيه الصائن هبة الله بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله الدمشقي، وعمه الكبير محدث الشام وحافظها أبي القاسم علي بن الحسن بن هبة الله الشافعي، والشيخ قطب الدين النيسابوري، وعبد الرحمٰن بن أبي الحسن الداراني، وحسان بن تميم، وأبي المكارم بن هلال، وداود بن محمد الخالدي، ومحمد بن أسعد العراقي، وغيرهم.
تلاميذه:

روى عنه ضياء الدين المقدسي، وزين الدين خالد، والقوصي، وابن العديم، والتاج عبد الوهاب بن زين الامناء، والقاضي كمال الدين إسحاق الشيباني، وتفقه عليه الشيخ عز الدين بن عبد السلام وغيره.
الوظائف التي شغلها:
كان الشيخ فخر الدين بن عساكر يهتم بنشر العلم من فقه وحديث ولا سيما عقيدة أهل السنة والجماعة وله رسالة نفيسة في العقيدة سنذكرها لاحقًا إن شاء الله تعالى، فكان ينتقل بين مكة ودمشق والقدس وغيرها ليحدّث بها حرصًا منه على تبليغ العلم.

قال تاج الدين السبكي: “كان الشيخ فخر الدين بن عساكر مدرساً بالمدرسة العذراوية وهو أول من درّس بها والنورية والجاروخية وهذه الثلاثة بدمشق، والمدرسة الصلاحية بالقدس، يقيم بالقدس أشهرًا وبدمشق أشهرًا. وقال الذهبي: درّس بالتقوية بدمشق، وكان عنده بالتقوية فضلاء البلد حتى كانت تسمى نظامية الشام.
زهده:

قال أبو المظفر الجوزي: “كان فخر الدين زاهدًا عابدًا ورعاً منقطعاً  إلى العلم والعبادة، حسن الأخلاق، قليل الرغبة في الدنيا”.
وقال عمر بن الحاجب: “هو أحد الأئمة المبرزين بل واحدهم فضلاً وقدرًا، شيخ الشافعية، كان زاهدًا، ثقةً، متهجدًا، غزير الدمعة، حسن الأخلاق، كثير التواضع، قليل التعصب، سلك طريق أهل اليقين، وكان أكثر أوقاته في بيته في الجامع ينشر العلم، وكان مطرح التكلف، عرضت عليه مناصب فتركها”.
وقال القوصي: “كان كثير البكاء، سريع الدموع، كثير الورع والخشوع، وافر التواضع والخضوع، كثير التهجد قليل الهجوع، مبرزًا في علمي الأصول والفروع”.
قال السبكي: “هو ءاخر من جمع له بين العلم والعمل”، وقال: “اتفق أهل عصره على تعظيمه في العقل والدين”.
ورعه:

قال أبو شامة: “وبعث إليه المُعَظَّم ليوليه القضاء فأبى، وطلبه ليلاً فجاءه فتلقاه وأجلسه إلى جنبه، فأحضر الطعام فامتنع، وألح عليه في القضاء فقال: أستخير الله، فأخبرني من كان معه قال: ورجع ودخل بيته الصغير الذي عند محراب الصحابة(1) وكان أكثر النهار فيه فقام ليلته في الجامع يتضرّع ويبكي إلى الفجر، فلما أصبح أتوه، فأصر على الامتناع، وأشار بابن الحرستاني فوُلّيَ، وكان قد خاف أن يُكره فجهز أهله للسفر، وخرجت المحابر(2) إلى ناحية حلب، فردها العادل وعزّ عليه ما جرى ورقَّ عليه وقال: عيّن غيرك، فعين له ابن الحرستاني”.
عقيدته:

كان الشيخ فخر الدين بن عساكر رحمه الله تعالى على عقيدة أهل السنة والجماعة، وقد ألف في ذلك رسالة مختصرة جامعة موضحة لعقيدة الأشاعرة التي هي عقيدة الصحابة ومن تبعهم بإحسان من سلف وخلف، وهي رسالة عظيمة أثنى عليها الحافظ صلاح الدين العلائي رحمه الله المتوفى سنة 761هـ وسمّاها “العقيدة المرشدة”

__________________________________
(1) أي في الجامع الأموي.
(2) هم أهل المحابر وهم طلاب العلم.

 

وقال: “وهذه العقيدة المرشدة جرى قائلها على المنهاج القويم والعقد المستقيم وأصاب فيما نزَّه به العليّ العظيم” اهـ، نقل ذلك الإمام
تاج الدين السبكي في طبقاته ووافقه في تسميتها بالعقيدة المرشدة وساقها بكاملها(1)، وقال في ءاخرها ما نصه: “هذا ءاخر العقيدة وليس فيها ما ينكره سُنِّي” اهـ.
ونحن نسوق هذه “العقيدة المرشدة”، قال الشيخ فخر الدين بن عساكر رحمه الله تعالى: “اعلم أرشدَنا الله وإياكَ أنه يجبُ على كلّ مكلَّف أن يعلمَ أن الله عزَّ وجلَّ واحدٌ في مُلكِه، خلقَ العالمَ بأسرِهِ العلويَّ والسفليَّ والعرشَ والكرسيَّ، والسَّمواتِ والأرضَ وما فيهما وما بينهما. جميعُ الخلائقِ مقهورونَ بقدرَتِهِ، لا تتحركُ ذرةٌ إلا بإذنِهِ، ليسَ معهُ مُدبّرٌ في الخَلقِ ولا شريكٌ في المُلكِ، حيٌّ قيومٌ لا تأخذُهُ سِنةٌ ولا نومٌ، عالمُ الغيب والشهادةِ، لا يَخفى عليهِ شيءٌ في الأرضِ ولا في السماءِ، يعلمُ ما في البرِّ والبحرِ، وما تسقطُ من ورقةٍ إلا يعلمُهَا، ولا حبةٍ في ظلماتِ الأرضِ ولا رَطبٍ ولا يابسٍ إلا في كتابٍ مبين. أحاط بكلّ شيءٍ علماً وأحصى كلَّ شيءٍ عددًا، فعالٌ لما يريدُ، قادرٌ على ما يشاءُ، له الملكُ وله الغِنَى، وله العزُّ والبقاءُ، وله الحكمُ والقضاءُ، ولهُ الأسماءُ الحسنى، لا دافعَ لما قضى، ولا مانعَ لما أعطى، يفعلُ في مُلكِهِ ما يريدُ، ويحكمُ في خلقهِ بما يشاءُ.

__________________________________
(1) انظر “طبقات الشافعية الكبرى” (8/185-186) لتاج الدين السبكي.

 

 لا يرجو ثوابًا ولا يخافُ عقابًا، ليس عليه حقٌ [يلزمُهُ] ولا عليه حكمٌ، وكلُّ نِعمةٍ منهُ فضلٌ وكلُّ نِقمةٍ منه عدلٌ، لا يُسئلُ عما يفعلُ وهم يُسألونَ. موجودٌ قبل الخلقِ، ليس له قبلٌ ولا بعدٌ، ولا فوقٌ ولا تحتٌ، ولا يَمينٌ ولا شمالٌ، ولا أمامٌ ولا خلفٌ، ولا كلٌّ، ولا بعضٌ، ولا يُقالُ متى كانَ ولا أينَ كانَ ولا كيفَ، كان ولا مكان، كوَّنَ الأكوانَ ودبَّر الزمانَ، لا يتقيَّدُ بالزمانِ ولا يتخصَّصُ بالمكانِ(1) ، ولا يشغلُهُ شأنٌ عن شأن، ولا يلحقُهُ وهمٌ، ولا يكتَنِفُهُ عقلٌ، ولا يتخصَّصُ بالذهنِ، ولا يتمثلُ في النفسِ، ولا يتصورُ في الوهمِ، ولا يتكيَّفُ في العقلِ، لا تَلحقُهُ الأوهامُ والأفكارُ، ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ اهـ.
مؤلفاته:
ذكر العلماء أنَّ الشيخ فخر الدين ألَّف عدة مصنفات في الفقه والحديث والعقيدة ومنها:
1- الأربعين في مناقب أمهات المؤمنين، وهو هذا الكتاب الذي بين أيدينا.
2- رسالة في العقيدة ذكر فيها عقيدة أهل السنة والجماعة، ذكرها تاج الدين السبكي في طبقاته، وقد ذكرناها سابقًا.

__________________________________

(1) معناه الله هو خالق المكان والجهات فلا يجوز أن يكون في مكان أو جهة فهو سبحانه موجود بلا مكان.

وفاته رحمه الله:

توفي في العاشر من رجب سنة 620هـ بدمشق، وكانت جنازته مشهودة قل أن وجد مثلها، وقال أبو شامة: “أخبرني من حضره(1) قال: صلى الظهر وجعل يسأل عن العصر، وتوضأ ثم تشهد وهو جالس، وقال: رضيت بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد نبيًا، لقنني الله حجتي، وأقالني عثرتي، ورحم غربتي، ثم قال: وعليكم السلام، فعلمنا أنه حضرت الملائكة ثم انقلب ميتًا”.
وغسله الفخر ابن المالكي، وابن أخيه عبد الوهاب ابن زين الأمناء، وكان مرضه بالإسهال، وصلى عليه أخوه زين الأمناء ومن الذين قدر على الوصول إلى سريره وذلك من شدة ازدحام الناس عند تشييعه.
وقال تاج الدين السبكي عند ذكر خبر وفاته: “قد كانت مصيبة عامة في الشام سائرة في بلاد الإسلام”.
ودفن بطرف مقابر الصوفية الشرقي مقابل قبر ابن الصلاح جوار تربة شيخه قطب الدين النيسابوري.

__________________________________

(1) أي حضر وفاته.

 
التعريف بالنسخة

تحتفظ المكتبة الظاهرية بدمشق بنسخة فريدة من كتاب الأربعين في
مناقب أمهات المؤمنين برقم 535 حديث، 1239عام. والذي يغلب على الظن أن النسخة بخط المؤلف وبآخرها سماع عليه وإجازة منه للكتاب بخطه في التاسع من رجب سنة 615هـ بمقصورة الصحابة بجامع دمشق، وعلى النسخة أيضًا سماع على الإمام إبراهيم ابن الإمام عز الدين بن عبد السلام بجامع التوبة [الأشرفي] بالعقيبة سنة 674هـ، وسماع ءاخر على الإمام أحمد بن إبراهيم الفزاري بالرباط الناصري بسفح جبل قاسيون سنة 685هـ، وسماع ءاخر بمقصورة الصحابة سنة 664هـ، وعلى النسخة تملك الإمام محمد  ابن علي بن طولون مؤرخ دمشق.
والنسخة في 56 ورقة 25×17سم، في كل صفحة 13 سطرًا.

 
قراءة على المصنف بمقصورة الصحابة بجامع دمشق

قرأت جميع هذه الأربعين على مصنفها الشيخ الفقيه الإمام العالم العامل الزاهد مفتي الشام فخر الدين أبي منصور عبد الرحمٰن بن  محمد بن الحسن الشافعي أثابه الله الجنة. فسمعها عز الدين أبو محمد عبد العزيز بن عثمان بن أبي طاهر الاربلي، وتاج الدين محمد بن جميل بن زيد الخلاطي، ومحمد ويحيى ابنا تمام بن يحيى بن الأمير عباس الحميري، وعبد الواحد بن عبد السيد بن بركات المقدسي، وأبو بكر وعمر ابنا عبد الخالق بن أبي بكر المؤذن بمسجد الرماحين، وأخي أبو الفضل سليمان. كتبه أبو بكر ابن محمد بن أبي بكر بن أحمد بن خلف البلخي وفق الله به. وسمع من أول الجزء إلى ءاخر الحديث العشرين أبو بكر محمد بن الإمام تقي الدين أبي طاهر إسماعيل بن عبد الله بن عبد المحسن الأنصاري الأنماطي وأبو المعالي عبد الله بن محمد بن عبد الله بن صابر السلمي. وسمع من أول الحديث الحادي والعشرين إلى ءاخر الجزء أبو علي عبد اللطيف بن الحسن بن محمد بن الحسن الشافعي وذلك في مجلسين ءاخرهما يوم الاثنين تاسع رجب من سنة خمس عشرة وست مائة بمقصورة الصحابة من جامع دمشق، والحمد لله وحده وصلواته على سيدنا محمد وءاله.

ثم أُتبع بإقرار المؤلف على ما ورد بقوله وخطه:
صحيح ذلك. كتبه عبد الرحمٰن بن محمد بن الحسن الشافعي في تاريخه.

 
قراءة على الشيخ إبراهيم بن الشيخ عز الدين
ابن عبد السلام في جامع التوبة بدمشق

قرأت جميع هذه الأربعين على شيخنا الإمام العالم الصدر الكامل الأوحد المسند المحقق شمس الدين أبي الطاهر إبراهيم بن الشيخ الإمام صدر الشام العالم الصدر الكامل مفتي الفريقين عز الدين أبي محمد بن عبد العزيز ابن الشيخ الإمام عبد السلام أثابه الله الجنة بحق سماعه فيه. فسمع الفقيه الأجل الفاضل صدر الدين أبو داود سليمان بن الشيخ الإمام الحافظ جمال الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الحق بن خلف الحنبلي والفقيه الأجل العالم منير الدين أبو العباس أحمد بن أبي بكر بن عبد.. البكري، والفقيه الإمام العالم شمس الدين محمد بن إبراهيم بن علي بن مسلم الرقي وءاخرون لم يتحقق فواتهم. وصح ذلك وثبت في مجالس ءاخرها يوم الاثنين ثاني عشر المحرم سنة أربع وسبعين وست مائة بالجامع الأشرفي بالعقيبة عرف بجامع التوبة. وكتب الفقير إلى رحمة ربه أحمد بن عبد الرحمٰن بن أبي الحسين بن أبي القاسم بن ثعلب الزبيدي الصوفي عفا الله عنه والقراءة له والحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وءاله.
سماع على الشيخ أحمد بن إبراهيم الفزاري
بالرباط الناصري بسفح جبل قاسيون

سمع جميع هذه الأربعين من لفظ الشيخ الإمام العلامة حجة العرب ولسان أهل الأدب صدر الحفاظ شرف الدين أبي العباس أحمد ابن الشيخ برهان الدين أبي إسحاق إبراهيم بن سباع بن ضياء الفزاري بحق قراءته لها على الشيخين المذكورين في طبقة قراءته المكتوبة على أول الجزء: الفقيه الأجل شمس الدين أبو حفص عمر ابن الشيخ المسمع، والشيخ الصالح الفقيه المقرئ محمد ابن الشيخ سليمان ابن الشيخ داود الجزري والفقيه الأجل زكي الدين أبو محمد زكريا ابن الشيخ يوسف بن سليمان الحلي والشمس محمد وأخوه إسماعيل ابنا الشيخ رافع بن محمد الرحبي، والبنت الصالحة مؤنسة بنت الشيخ المسمع. وكاتب الطبقة إبراهيم بن عبد الرحمٰن بن إبراهيم بن سباع بن ضياء الفزاري عفا الله عنه وصح ذلك وثبت في مجلسين وافق ءاخرهما يوم السبت الثامن والعشرين من شهر شعبان المبارك من سنة خمس وثمانين وست مائة بالرباط الناصري بسفح جبل قاسيون. والحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وعلى ءال محمد وسلم تسليمًا.

سماع على الورقة الأولى من الكتاب

قرأت جميع هذا الكتاب وهو كتاب الأربعين للشيخ الإمام العلامة فخر الدين أبي منصور عبد الرحمٰن بن محمد بن الحسن الشافعي رحمه الله على الشيخين الأجلين الرئيسين العدلين فخر الدين أبي عبد الله محمد وعماد الدين بن أبي زكريا يحيى ولدي الشيخ الإمام العالم الزاهد كمال الدين يحيى… أطال الله بقاءهما بحق سماعهما منه فسمعه الولد النجيب شمس الدين أبو عبد الله محمد وأخوه علاء الدين أبو الحسن علي… عماد الدين المسمع المذكور، والشيخ الإمام العالم الفاضل الصدر الكبير خطيب الخطباء شمس الدين إبراهيم بن الشيخ الإمام العلامة شيخ الإسلام مفتي الفرق فريد العصر عز الدين أبي محمد عبد العزيز ابن الشيخ الإمام عبد… ابن الشيخ الإمام أبي القاسم ابن الشيخ الإمام الحسن السلمي الشافعي وولده النجيب أسعده الله عز الدين أبو البركات… ناصر الدين أبو الفداء أحمد ابن الشيخ الإمام العالم العامل الصدر الكبير بدر الدين أبو زكريا يحيى، والأمير الكبير عز الدين محمد شنقران الشهرزوري وولده شرف الدين عيسى، وسمع الفقيه الإمام العالم العامل عز الدين أبو… الإمام العالم عفيف الدين أبي العباس أحمد بن خضر بن يوسف الهكاري. وصح ذلك وثبت في مجلس [وذلك في] الثالث عشر من ربيع الآخر سنة أربع وستين وست مائة بمقصورة الصحابة بجامع دمشق كتبه أفقر عباد الله [أحمد بن إبراهيم ابن] سباع بن ضياء الفزاري عفا الله عنه. والحمد لله وحده، وصلى الله على سيدنا محمد وءاله وصحبه وسلم.
تملك

انتقل بالابتياع الشرعي من… فخر الدين إلى ملك العبد الفقير إلى الله تعالى شمس الدين أبي عبد [الله] محمد الزرعي الشافعي الحاكم بعجلون… الله تعالى وذلك… عاشر شهر رجب الفرد سنة ثلاث وسبعين…

تملك

ملكه من… المؤذن كاتبه محمد بن طولون.
أنهاه مطالعة مستعيره من مكتبة مدرسة أبي عمر قدس سره المحتاج لعفو الله تعالى السيد عبد الغني الجابي. وذلك في جماد الأول سنة أربع ومائتين وألف.
بِسْمِ اللهِ الرحمٰن الرَّحِيمِ

الحمد لله مُسَهّلِ ما صَعُبَ من الأمور الكائنات، فاتِحِ فاتِحةِ الفتوح الميسَّراتِ، المبَشَرِ فَتْحُها بتطهيرِ الأرض المقدسَةِ مِن دَنَسِ الكُفرِ والضلالات بطاهِر سَريرَةِ مالِكِها ونَصْرِ مالِكِ الأرض والسموات، المتقدّسِ عن الحَدَثِ(1) والنقصان والآفات، المستحِقِ لكمالِ النُعوتِ والصِفاتِ، المسبَّحِ بصُنُوفِ اللُّغاتِ، المحمودِ على جميع الأفعال والحالات. أحمدُه على ترادُفِ نِعَمِهِ السابِغات، وترافُدِ مِنَنِهِ السائغاتِ. حمدًا دائمًا على مَمَرِ الأوقاتِ والسَّاعاتِ.
وأشهد أن لا إله إلا الله وَحْده لا شريكَ لهُ، شهادةً مُنَزهةً عن الشَّك والشُّبُهاتِ. وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه صلى الله عليه وسلم، استخرجَهُ من أشرفِ الآباءِ والأمَّهاتِ، وابتَعَثَهُ بالمعجزات البالغاتِ، والآياتِ والحُجج الواضحات، وخَتَمَ بِهِ النُّبوةَ والرسالاتِ، وخصَّه بأفضلِ النِّساءِ والزوجاتِ، وشرَّفه بتحريمهنَّ على المؤمنينَ بعد الوفاة. فاضاءَ بنُورِ رسالتهِ حَنادِسَ(2) الظُّلمِ والظُّلُماتِ، وانْجلى بشمسِ مَقالتِهِ سَحابُ الكُفرِ والغَوَاياتِ، وأعزَّ دينَه بأصحابهِ وأَهْلِهِ الذين هُم لأمتِه كالنُجوم السائراتِ.

__________________________________
(1) الحدث معناه الحدوث، الحدث خلاف القِدم، ويطلق على ما ينقض الوضوء، هنا المراد به الحدوث الذي هو خلاف القِدم.
(2) الحِنْدِس: الليل الشديد الظلمة.

 

فصَلَّى الله عليه وعَلَيهم أفضلَ الصلوات، وعلى أزواجهِ الطيباتِ الطاهرات، المنزَّهاتِ عن قولِ أهْلِ الإفْكِ المبرَّءاتِ. وسلَّمَ كثيرًا إلى يوم الدين ونَشْرِ العِظامِ الباليات.
أما بعد فإني لما رأيتُ جماعةً من الأئمةِ الأجلاَّء، والسادةِ العلماءِ رَحِمَهم الله صنَّفوا كثيرًا من الأربعينات، في فنونٍ حِسانٍ ومعانٍ مُختلفاتِ، طمعًا في الثواب الموعود على ذلك كما شهِدَت به الأحاديثُ وورد في الرواياتِ.
وذلك فيما أخبرنا به عمي الإمامُ الحافظُ أبو القاسم علي بنُ الحسنِ بنِ هبةِ الله رحمةُ الله عليه، أنا أبو بكرٍ محمدُ بنُ عبدِ الباقي ابنِ محمدِ الأنصاريُ ببغدادَ، وأبو محمدٍ طاهرُ بنُ سهلِ بنِ بِشْرِ بنِ الأسفَراييْنِيُ بدمشقَ قالا: نا أبو بكرٍ أحمدُ بنُ علي بنِ ثابتٍ الخطيبُ البغداديُ، أخبرني محمدُ بنُ جعفرِ بنِ غَيلانَ الشُرُوطيُ، نا سعدُ بنُ محمدِ بنِ إسحاقَ الصَّيْرَفِيُّ، نا محمدُ بنُ عثمانَ بن أبي شيبةَ، نا محمدُ بنُ حفصٍ الحراميُ كوفيّ، نا دُحيم الصَيداويُ، نا أبو بكرِ بنُ عيَّاشٍ، عن عاصمٍ، عن زَرّ، عن عبدِ الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مَنْ حَفِظَ على أمتي أربعينَ حَديثًا ينفَعُهُمُ الله بها، قِيل له: ادخُل مِن أيِّ أبوابِ الجنةِ شِئتَ”.
دُحَيم هو عبدُ الرحمٰن من بَني الصّيدا، حَيٌّ من بني أسَد، لا مِنْ صيدا التي على السّاحل، كُوفيّ. ومحمد الحَرَاميُ مَنسوبٌ إلى أبيه من بني حَرام. وَزر هو ابنُ حُبَيشٍ.
وقد رُوِيَ معنى هذا الحديثِ من وجوهٍ عن عبد الله بن عباس، وعن أمير المؤمنين علي، وعن أبي الدرداء، وعن عبد الله بن عمر، ومعاذ بن جبل، وأبي هريرة وغيرِهم رضي الله عنهم.
وفي بعض الروايات: “مَنْ حفِظَ على أُمتي حَديثًا واحدًا يُقيم به سُنَّةً، ويَرُدُّ به بِدعةً فَلهُ الجنَّةُ”.
وهذه الرواياتُ كلُها فيها ما يَدُلُ على عِظَمِ ثَوابِ نَشْرِ السُّنَةِ وقَمْعِ البدعة.
وقد أخبَرنا بذلِكَ عَمي الإمامُ الحافظُ رحمهُ الله، أنا أبو القاسمِ زاهرُ بنُ طاهرٍ بنيسابورَ، أنا الأستاذُ أبو القاسمِ القُشَيريُ، أنا الحاكمُ(1) أبو عبدِ الله الحافظُ، نا أبو علي الحسينُ بنُ محمدٍ الصَّفانيُ بمَرو، أنا أبو رجاءٍ محمدُ بنُ حَمْدَوَيْهِ نا العلاءُ بنُ مَسْلَمةَ، نا إسماعيلُ بنُ يحيى التميميُ، عن سفيانَ الثوريِ، عن ليثٍ، عن طاوُسٍ، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مَن أدَّى إلى أُمتي حَديثًا وَاحدًا يُقيمُ به سُنَّة ويَرُدُّ بهِ بِدعَةً فلهُ الجنَّة”.

__________________________________

(1) هو صاحب المستدرك.

وهذا نصٌ قاطعٌ في حصولِ الثوابِ بمُطْلَقِ الأداء دونَ الحفظ. ويَحْتَمِلُ أن يُراد بالحفظِ هَهُنا ضبطُ تلك الأحاديثِ وتقييدُها في الكتبِ، والمواظبةُ على نقلِها وإبلاغِها حتى لا تندرِسَ على ممر الأزمان، لقوله صلى الله عليه وسلم: “قيّدوا العلمَ بالكتابِ”(1).
وهذه الأحاديثُ وإن كان أئمةُ الصَّنْعَةِ تكلَّموا في أسانيدِها، ولكنَّ فضْلَ الله أعظمُ من ذلك، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مَنْ بلغَهُ عن الله تعالى شىءٌ فيه فضيلةٌ فأخذ به إيماناً واحتساباً، ورجاءَ ثوابِه ءاتاهُ الله ذلك وإن لم يكنْ كذلك”(2).والله أعلم.   

__________________________________
(1) قال الحافظ السخاوي في “المقاصد” (ص/109-110): “رواه الطبراني وأبو نعيم في “الحلية” وغيرهما عن ابن عمرو مرفوعاً بلفظ: “قيدوا العلم بالكتاب”، وعند العسكري من حديث عبد الحميد بن سليمان حدثنا عبد الله بن المثنى عن ثمامة عن أنس مرفوعاً: “وما قيد العلم بمثل الكتابة”، وقال لُوَين رواية عن عبد الحميد إنه لم يرفعه غيره، وقال العسكري :ما أحسبه من كلام النبيّ صلى الله عليه وسلم وأحسب عبد الحميد وهم فيه وإنه من قول أنس، فقد روى عبد الله بن المثنى عن ثمامة قال: كان أنس يقول لبنيه: يا بني قيدوا العلم بالكتاب، قال: فهذا علة” الحديث اه، وأخرجه الدرامي (1/127) والطبراني في “المعجم الكبير” (1/246) والحاكم في “المستدرك” (1/106) عن أنس رضي الله عنه من قوله وقال الحاكم :”وكذلك الرواية عن أنس صحيح من قوله وقد أسند من وجه غير معتمد” اهـ، وأخرجه الحاكم أيضاً عن عبد الله بن عمرو بن العاص من طريق عبد الله بن المؤمّل، قال الحافظ الهيثمي في “مجمع الزوائد” (1/152): “رواه الطبراني في الكبير والأوسط وفيه عبد الله بن المؤمل وثقه ابن معين وابن حبان وقال ابن سعد ثقة قليل الحديث وقال الإمام أحمد أحاديثه مناكير” اهـ.
(2) رواه أبو الشيخ في “مكارم الأخلاق” من طريق بشر بن عبيد وهو متروك، ورواه الحسن ابن عرفة في جزئه من طريق خالد بن حيان عن فرات بن سليمان وعيسى بن كثير عن أبي رجاء قال الحافظ السخاوي :”وخالد وفرات فيهما مقال وأبو رجاء لا يعرف”، وقال الحافظ بن الجوزي”لو لم يكن في إسناده سوى أبي رجاء البياض قال يحيى وهو كذاب وقال النسائي متروك الحديث”، ورواه البغوي وابن عبد البر وكامل الجحدري عن عباد ابن الصمد وهو متروك عن أنس بن مالك نحوه، وذكره ابن عدي في كامله من رواية بَزيع عن ثابت عن أنس واستنكره وكذا أخرجه أبو يعلى والطبراني بنحوه عن بزيع وهوضعيف كما قال الحافظ الهيثمي، وللحديث شواهد أخرى. انظر:الموضوعات (1/258)، المقاصد الحسنة(ص /634-635)، الأسرار المرفوعة (ص/322)، وتنزيه الشريعة (1/265)، ومجمع الزوائد(1/149).

 
فأحْبَبْتُ أن أكونَ مَن جُملتِهم، وأدخُلَ في زُمرتِهم ابتغاء للثواب الجزيلِ والأجرِ الجميل. ولما فتحَ مولانا الملكُ الناصرُ صلاحُ الدنيا والدينِ سُلطانُ الإسلامِ والمسلمينَ، محيي دولةِ أميرِ المؤمنينَ مدينةِ حلب حَرَسَهَا الله، وَلَزِمَتْني المهاجَرَةُ إلى بابهِ الشريفِ شاكرًا لإنعامِه السابق العَميم، ومُهنّئًا بهذا الفتح العظيم، رأيْتُ أن أُقدِمَ إلى خدمتِه هديةً يَعُمُّ نفعُها ويبقى أجرُها، ولما لم أسمع أنَّ واحدًا مِنَ العلماءِ صنَّفَ شيئًا في مناقبِ أمهاتِ المؤمنين مُفرَدًا، ولا رَغِبَ لجمعِهِ مِنَ الناسِ أحدٌ أحببتُ أن يكون في هذه الدولةِ العادلةِ ذِكْرُ مناقِبِهِنَّ عِوَضًا عمَّا مضى من سَبّهنَّ، وءاثَرْتُ أن أجمَعَ في ذلك مختصرًا وإن كانَ فضلُهُنّ سائِرًا مُشتهرًا وسمَّيْتُهُ:
كتابَ الأربعينَ في مناقِبِ أمهاتِ المؤمنينَ رضي الله عنهنَّ أجمَعينَ.

وقدّمتُ فيه مُقدمةً أذكُرُ فيها ما خُصَّ بهِ صلى الله عليه وسلم في أمرِ النكاح، وما أُبِيحَ له مِنهنَّ، ومِقْدارَ عَدَدِهِنَّ، ومَنْ دَخَلَ بها، ومَن طلَّّقَ منهُنَّ، ومَنْ ماتَتْ عِنده، ومَن ماتَ عَنْهنَّ، ثم أُفرِدُ لكلِّ واحدةٍ ممَّنْ وَقَعَ إليَّ في حقها خبرٌ خاصٌ، ترجمةً على ترتيبِ تزويجِه صلى الله عليه وسلم بهن رضي الله عنهُنَّ وأرضاهُنَّ.
 راجيًا في ذلك حُسْنَ المغفرةِ والثوابِ والأمنَ من سوءِ العذابِ. وعلى الله أَتَوَكَّلُ وبه أستعينُ، وأسألُه خيرَ العلمِ والعمل واليقين إنه وليُ المتقين.

فَصْلٌ: من خصائصه صلى الله عليه وسلم
الزيادةُ على الأربعِ إلى التِّسْعِ

وفيما فوقَ ذلكَ قولان: أحدُهما: لا يَحِلُّ له أكثرُ من التسع، كالأربع في حقِنا، لأنه ماتَ عنهُنَّ، ولم يَصِحَّ أنهُ زادَ عليهنَّ معَ مبالغتِهِ في بابِ النكاحِ.
والثاني:أنَّهُنَّ في حقه كالسَّراري في حَقِّنا، فلَهُ الزيادةُ من غيرِ حَصْرٍ تشريفاً له وتوسيعًا عليه، لِما رزقَهُ الله من القوةِ.
والقولانِ جاريانِ في انْحِصارِ طلاقهِ في الثلاثِ.
وجازَ له النكاحُ من غيرِ وَلِيٍّ ولا شهود على الصحيح، لأنَّ الوليَ يُرادُ لتحصيل الكَفاءَةِ، ولا كُفْءَ أكفأُ منه صلى الله عليه وسلم. وكذا ينعَقِدُ من غير شهود، لأنَّ المقصودَ من الشهودِ إقامةُ الحجةِ عندَ الجُحُودِ، وهو لا يَجْحَدُ، وقيل: يشترطُ لتوقع جحودِ الزوجةِ النكاحَ.
وأُبيحَ لهُ من غيرِ مَهْرٍ أيضًا، وبلفظِ الهِبَةِ لقولهِ عزَّ وجلَّ: ﴿وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ﴾ [سورة الأحزاب] (الآية/50)
وأُبيحَ له تَرْكُ القَسْمِ بينَ نِسائِهِ على أحدِ الوَجْهَين. وكانَ يَقْسِمُ عليهن تَبَرعًا وتكَرمًا مكافأةً على اختيارِهنَّ الله ورسولَه دُونَ زينةِ الحياة الدنيا، وقد كان وجب عليه تخييرُهُنّ لقوله عزَّ وجلَّ: ﴿يٰأَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأزوٰجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الحَيٰوةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِعْكُنَّ وأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلاً﴾ [سورة الأحزاب] (الآية/28).
 ووجب إرسالُ مَنِ اختارت الحياةَ الدنيا صَوْنًا لِمَنْصِبهِ عنْ أنْ يتأذى به أحد. وإمساكُ مَنِ اختارتْهُ واختارت الله والدارَ الآخرة. لقوله عزَّ وجلَّ: ﴿لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِن بَعْدُ وَلا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَٰجٍ﴾ [سورة الأحزاب] (الآية/52). وقال الشافعي رضي الله عنه: نُسِخَتْ هذه الآيةُ بالآيةِ السابقةِ في النظم وهي قوله عز وجلَّ: ﴿يَٰأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّآ أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَٰجَكَ الَّـٰتي~ ءَاتَيْتَ أُجُورَهُنَّ﴾ [سورة الأحزاب] (الآية/50). وهذا مِنْ عجيب النسخ، ولم يُنسَخ في القرءانِ على مثال هذا سوى قولهِ عزَّ وجلَّ: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكمْ ويَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِم مَّتَٰعًا إلَى الحَوْلِ﴾ [سورة البقرة] (الآية/240) نُسِخَت بقوله: ﴿والَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا﴾ [سورة البقرة] (الآية/234) وقال أبو حنيفة رضي الله عنه: لم تُنسخ ءايةُ وجوبِ الإمساكِ وتحريمِ غيرِهن. وتمسَّك الشافعيُ بالحديث أيضًا وهو قول عائشةَ رضي الله عنها: ما ماتَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم حتى أُبيحَ له أن يتزوج مَنْ أرادَ ويُطلقَ من أراد (1). والمعنى في ذلك أن تكون له المنّةُ عليهنَّ بإمساكِهنَّ مقابلةً لاختيارهِنَّ له، ولو وجَبَ عليه لما كان فيه له مِنَّةٌ، وهذا علةُ من قالَ بعدم وجوب القَسْم بَينهنَّ، ووجب على مَنْ له زوجةٌ وَرغِبَ في نكاحِها أَنَّ يُطَلّقَها زوجُها لِقِصَّةِ زَيْدٍ.

__________________________________
(1) أخرجه الترمذي في سننه بلفظ: “ما مات رسول الله حتى أحل له النساء” وحسنه، انظر كتاب “تفسير القرءان”: باب ومن سورة الأحزاب (3216).

وَمَنْ ماتَ عنها حَرُمَتْ على غيرهِ إكرامًا له، لأن العربَ تَعْتَقِدُ ذلكَ سبةً وعارًا.
وهل تَحْرُمُ مُطَلَّقَتَهُ صلى الله عليه وسلم فيه ثلاثةُ أَوْجُهٍ: أحدُها: تَحْرُمُ كالمتَوَفَّى عنها. والثاني لا تحرمُ لأنه زَهِدَ فيها وانتهى النكاحُ نهايتَه بخلافِ الموتِ فإنَّ أحكامَ النكاحِ باقيةٌ من وجهٍ، ولهذا يجوزُ نَظَرُ المرأةِ إلى زوجِها بعدَ الموتِ، وتُغسِّلهُ اتفاقاً وَيُغَسِلُّها الزوجُ عندَ الشافعيّ رَضِيّ الله عنه، وقالَ أبو حنيفةَ: لا يُغَسِلُها بل تُغَسِّلُه. والثالثُ: وَهُوَ الأَصَحُّ أنه إنْ بَنَى بها فلا تَحِلُّ لِغَيْرِهِ وإلا حَلَّت، ودليلهُ ما نُقِلَ أن عِكْرِمَةَ بنَ أبي جَهْلٍ، وَقِيْلَ: الأشعثُ بنُ قيس تَزَوَّجَ مطلقتَه فأنكرَ عليهِ عمرُ رضي الله عنه، وأرادَ فَسْخَ نكاحهِ فقالَ: إنَّه لم يَدْخُلْ بها فَأَقَرَّ نِكاحَه.

فَصْلٌ: وأما عَدَدُهُنَّ
عَدَدُ أزواجِهِ صلى الله عليه وسلم

وأما عددُهن فقدِ اختَلَفوا فيه كثيرًا والذي صَحَّ من غيرِ خِلافٍ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم تَزَوَّجَ إحدى عشرةَ امرأةً كلُّهنَّ بَنَى بِهِنَّ، وتَزَوَّجَ غيرَهُنَّ ولم يَدْخُلْ بِهِنَّ، وقيلَ: بنى بِثَلاثَ عشرةَ امرأةً، وتزوجَ خمسَ عشرةَ امرأةً، وقيلَ: ثمانِ عَشْرَةَ، واختلفوا في تسميتهِنَّ، واجتمعَ عندَهُ إحدى عشرةَ امرأةً، واختلفوا في واحدةٍ منهن فقيلَ: رَيْحانَةُ، وقيلَ: أُمُّ شُرَيْكٍ، وقيلَ: إنَّ رَيْحانَةَ سُرِّيَّةٌ، وأُمُّ شُرَيْكٍ لم يتزوجْ بها ولا دخَلَ بها، وإنما هي مِنَ اللاتي وَهَبْنَ أنفُسَهُنَّ، والله أعلمُ بذلك. واختلفوا أيضًا في تقديمِ بعضِهنّ على بعضٍ في التزويجِ بِهِنَّ.
أما المتَّفَقُ على أَنَّهُ بنى بِهِنَّ:
فالأُولى: خديجةُ(1)و(2)

بنتُ خُوَيلدِ بنِ أَسَدِ بنِ عبدِ العُزّى القرشيةُ، وأمُّها فاطمةُ بنتُ زائدةَ بنِ جُنْدُبٍ.

__________________________________
(1)من مصادر ترجمتها: الطبقات الكبرى (8/11)، أسد الغابة(6/78)، الإصابة(4/281)، الاستيعاب(4/279)، سير أعلام النبلاء(2/109)، المستدرك(3/182-186)، مجمع الزوائد(9/218)،تسمية أزواج النبيّ (ص/46)، أزواج النبيّ(ص/35)، تهذيب الأسماء واللغات(2/341).
(2) قال الحافظ النووي في “تهذيبه”: “وذكر الزهري وخلائق من العلماء أنها أول من أسلم وءامن بالنبيّ صلى الله عليه وسلم، ونقل الثعلبي الإجماع عليه وقيل أبو بكر وقيل غير ذلك”اهـ، وذكر ابن عبد البر في “الاستيعاب”(4/282-284) أنها أول من أسلمت، وقال ابن الأثير في “أسد الغابة”(6/78):”خديجة زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم أول امرأة تزوجها واول من أسلم بإجماع المسلمين لم يتقدمها رجل ولا امرأة” اهـ، وأقره الذهبي في “تجريد أسماء الصحابة ” (2/262).

وهي أولُ امرأةٍ تزوجَها النبيُّ صلى الله عليه وسلم من غيرِ خلافٍ قبلَ المَبْعَثِ بخَمْسَ عَشْرةَ سنةً. وكانت بنتَ أربعينَ سنةً، وهو ابنُ خمس وعشرينَ سنةً. وكانت قبلهُ تحتَ أبي هَالةَ هندِ بنِ زرَارَةَ بنِ النبَّاشِ بنِ عَدِيّ أحدِ بني أُسيِّدِ بنِ عمرٍو بنِ تميمٍ، وقبله عند عَتِيق بنِ عابدٍ.
وهي أمُّ أولادِه كلهم –سوى إبراهيمَ بنِ ماريةَ القِبْطيةِ- فولَدَتْ له القاسمَ وبه كان يُكْنَى، وعبْدَ الله وهو الطاهرُ والطيِّبُ سُمِّيَ بذلك لأنه وُلِدَ في الإسلام، وقيل: إن الطَّاهِرَ والطيِّبَ اسمانِ لابنَيْنِ، وقيل(1): إن اسمَهما عبدُ العزّى وعبدُ منافٍ. وولَدَتْ له من النساءِ زينبَ، ورُقَيَّةَ، وأمَّ كُلْثُومٍ، وفاطمةَ صلى الله عليهم أجمعين.
توفيت بمكة قبلَ الهجرةِ إلى المدينة، وقبلَ فرضِ الصلاةِ بخَمْسٍ، وقيل: بثلاثِ سنينَ، في السنة التي ماتَ فيها أبو طالبٍ بنُ عبدِ المطلبِ، وفي كلِ ذلك خلافٌ(2). وكان عُمْرُها وَقْتَ وفاتِها خَمْسًا وستينَ سنةً، وقيلَ: خمسًا وخمسينَ في شهرِ رمضانَ سنَةَ عَشْرٍ من النبوةِ. ولم يَجْتَمِعْ معها أحد من نسائِه صلواتُ الله عليهنَّ. وقيلَ: زوَّجَها منه أبوها، وقيل: عمُّها عَمْرو.

__________________________________
(1)يوجد في بعض الكتب أنَّ اسمَ ولَدَي الرسول عبد العُزّى وعبدُ منافٍ. قال الحافظ ابن الجوزي في “تلقيح فهوم الأثر”(ص/30): “قال لنا شيخنا ابن ناصر: لم يُسمَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد مناف ولا عبد العزى قط”اهـ. فمن قال إن الرسولُ سمّاهما وأقَرَّ هذا يكفر. أما من قال خديجة سمَّتْهُما ولم يُقِرَّهُ الرسولُ لا يكفرُ.
(2) صحح الحافظ النووي وفاتها قبل الهجرة بثلاث سنين.
 
الثانيةُ: سَوْدَةُُ بِنْتُ زَمْعَةَ(1)

ابنِ قيسِ بن عبد شمسٍ بنِ عبدِ وِدّ بنِ نَصْرِ بنِ مالِكٍ، وأمُّها الشَّمُّوسُ بنتُ قيسِ بنِ زيدِ بن عمروٍ من بني النجارِ.
وتزوَّجَها بعدَ الهجرةِ وقيل في شوالٍ قبل مهاجَرِهِ إلى المدينةِ بعدَ وفاةِ خديجةَ. وكانت تحتَ السَّكرانِ بنِ عَمْرٍو فأسلَمَ وتُوفيَ عنها.
وتوفيت في خلافةِ معاويةَ سنةَ أربعٍ وخمسينَ بالمدينةِ.
وقيل: إنه تزوَّجَ عائشةَ قبلَ سَوْدَةَ والصحيحُ أنه تزوّجَها في شوالٍ إلا أنه لم يدخلْ بعائشةَ إلى بعد سنتينِ أو ثلاثٍ، فيحتمِلُ أنَّ مَنْ قال: إن سودةَ قبل عائشةَ معناهُ…(2) بين الروايتينِ.
الثالثةُ: عائشةُ(3)

بنتُ أبي بكرٍ الصديقِ عبدِ الله ويقالُ: عَتِيقُ بنُ أبي قُحافَةَ عثمانَ ابن عامرِ بنِ عمرو بنِ كَعْبٍ. وأمُّها أمُّ روْمانَ(4) بنتُ عامرِ بنِ عُوَيْمِرٍ.

__________________________________
(1) من مصادر ترجمتها: الطبقات الكبرى (8/42)، أسد الغابة(6/157)، الإصابة (4/338)، الاستيعاب (4/323)، سير أعلام النبلاء (2/265)، مجمع الزوائد (9/246)، تسمية أزواج النبيّ (ص/53-54)، أزواج النبيّ (ص/173)، تهذيب الأسماء واللغات (2/348).
(2) ولعلَّهُ إشارة إلى ما ذَكَرَهُ ابنُ حجرٍ في “الإصابةِ” (4/338) بقولِهِ: “فخُطِبَتْ عليه سودةُ بنتُ زَمْعَة وعائشةُ فتزوجهما فبنى بسودَةَ بمكةَ وعائشةُ يومئذٍ بنتُ ستِ سنينَ حتى بنى بها بعدَ ذلك” .
(3) من مصادر ترجمتها: الطبقات الكبرى(8/46)، أسد الغابة(6/188)، الإصابة(4/359)، الاستيعاب(4/356)، سير أعلام النبلاء(2/135)، المستدرك(4/3-14)، مجمع الزوائد(9/225)، تسمية أزواج النبيّ (ص/77)، تهذيب الأسماء واللغات (2/350).
(4) قال الحافظ النووي في “تهذيبه”(2/350): “بضم الراء وسكون الواو على المشهور، وقال ابن عبد البر في “الاستيعاب”: يقال بفتح الراء وضمها” اهـ.
 

هاجَرَت مع النبي صلى الله عليه وسلم وتزوَّجها بعد الهجرة، وقيل: بل في شوالٍ سنةَ عَشْرٍ من النبوة قبل مُهاجَرِه إلى المدينةِ بسنةٍ ونصفٍ أو نحوِها، وكانت بكرًا ولم ينكِحْ بِكرًا غيرَها، ولم تلِدْ له ولا غيرُها من الحرائرِ سوى خديجةَ بنتِ خُوَيْلِدٍ.
ونكحَها(1) وهي ابنةُ ستٍ وقيل: سبعِ سنينَ، وبنى بها وهي ابنةُ تسعِ سنينَ وتوفيَ عنها وهي ابنةُ ثمانِ عَشْرَةَ.
توفيت في شهر رمضانَ ليلةَ الثلاثاءِ لِسَبْعَ عَشْرَةَ مَضَتْ منه وذلك في سنةِ ثمانٍ وخَمسين. وصلى عليها أبو هريرةَ نائبُ مروانَ بنِ الحَكَمِ بالمدينةِ(2)، ودُفِنَتْ بالبقيعِ بعد الوِتْرِ من ليلتِها.
الرابعةُ: حَفْصَةُ(3)

بنتُ عمرَ بن الخطابِ بنِ نُفَيْلِ بنِ عبدِ العُزَّى بنِ رَيَاحٍ. وأمُّها زينبُ بنْتُ مَظْعُوْنِ بنِ حبيب بنِ وَهْبٍ.
مولِدُها قبلَ بَعْثِ النبيّ صلى الله عليه وسلم بخَمْسِ سنينَ. كانت تحتَ خُنَيْسِ بنِ حُذَافَةَ بنِ قيسِ بنِ عَدِيٍ فتُوفِيَ عنها.

__________________________________
(1)بمعنى العقد.
(2) قال الحافظ النووي في “تهذيبه” (2/352): “واعلم أن عائشة لم تدخل الشام قط، وإنما ذكرت هذا لأني رأيت من اشتبه عليه ذلك فتوهم دخولها دمشق، وهذا خطأ صريح وجهل قبيح ولا خلاف بين أهل التواريخ والحديث أنها لم تدخل الشام, وممن نص على عدم دخولها الشام الحافظ أبو القاسم بن عساكر في باب ذكر مساجد دمشق” اهـ.
(3) من مصادر ترجمتها: الطبقات الكبرى (8/65)، أسد الغابة(6/65)، الإصابة(4/273)، الاستيعاب(4/268)، سير أعلام النبلاء(2/227)، المستدرك(4/14-15)، مجمع الزوائد(9/244)، تسمية أزواج النبيّ (ص/58)، أزواج النبي (ص/137)، تهذيب الأسماء واللغات(2/338).

 

وتزوجَها النبيُّ صلى الله عليه وسلم في شَعْبَاَنَ على رأس ثلاثينَ شهرًا من الهجرة قبلَ أُحُد في سنةِ ثلاثٍ وقيلَ: سنةِ اثنتينِ.
وتُوُفِيَتْ في شعبانَ سنةَ خمسٍ وأربعينَ في خلافةِ معاويةَ وهي ابنةُ ستيْنَ سنةً، صلى عليها مروانُ ودُفِنَتْ بالبقيع.
الخامسةُ: أمُّ سَلَمَةَ(1)

هندُ بنتُ أبي أُمَيَّةَ سُهَيْل بن المغيْرَةِ بنِ عبدِ الله، وأمُّها عاتِكَةُ بِنتُ عامرِ بنِ رَِبيْعَةَ. وكانت قرشيةً مخْزُوميَّةً وكانت قبلَهُ تحتَ أبي سَلَمَةَ عبدِ الله بنِ عبدِ الأَسَدِ بن هلال فتُوفيَ عنها.

________________________________________
(1) من مصادر ترجمتها: الطبقات الكبرى (8/69)، أسد الغابة (6/340)، الإصابة (4/423)، الاستيعاب (4/421)،سيرأعلام النبلاء (2/201)، المستدرك (4/16-19)، مجمع الزوائد (9/245)،  تسمية أزواج النبيّ (ص/56)، أزواج النبيّ (ص/147)، تهذيب الأسماء واللغات (2/361).

وتزوجَها النبيُّ صلى الله عليه وسلم في شوالٍ سنَة أربعٍ وتوفِيَتْ في
 ذي القعْدَةِ سنةَ تسعٍ وخمسينَ(1)،وكان لها يومَ ماتَتْ(2) أربعٌ وثمانون سنَةً صلى عليها أبو هريرةَ(3) ودُفِنَتْ بالبقيع.

 
السادسة: جُوَيْرِيةُ(4)

بنتُ الحارث بن أبي ضِرارٍ من خُزاعةَ.

______________________________________________
(1) قال الذهبي في “السير”(2/210): “وبعضهم أرّخ موتها في سنة تسع وخمسين فوهم، والظاهر وفاتها في سنة إحدى وستين رضي الله عنها” اه، وقال الحافظ ابن حجر في “الإصابة” (4/424): “قال الواقدي : “ماتت في شوال سنة تسع وخمسين وصلى عليها أبو هريرة ولها أربع وثمانون سنة” كذا قال، وتلقاه عنه جماعة وليس بجيد فقد ثبت في “صحيح مسلم” (كتاب الفتن وأشراط الساعة: باب الخسف بالجيش الذي يؤم البيت،ح 2882) أن الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة وعبد الله بن صفوان دخلا على أم سلمة في ولاية يزيد بن معاوية فسألاها عن الجيش الذي يخسف به، الحديث. وكانت ولاية يزيد بعد موت أبيه في سنة ستين، وقال بن حبان: ماتت في ءاخر سنة إحدى وستين بعدما جاءها الخبر بقتل الحسين بن علي، قلت: وهذا أقرب. وقال محارب بن دثار: أوصت أم سلمة أن يصلي عليها سعيد بن زيد وكان أمير المدينة يومئذ مروان بن الحكم وقيل الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، قلت:والثاني أقرب فإن سعيد بن زيد مات قبل تارخ موت أم سلمة على الأقوال كلها فكأنها كانت أوصت بأن يصلي سعيد عليها في مرضة مرضتها ثم عوفيت ومات سعيد قبلها” ا.هـ، وصحح الحافظ ابن عساكر في تاريخه (3/211)، ما رجحه الحافظ ابن حجر من أن سنة وفاتها إحدى وستين من الهجرة، وصحح الحافظ النووي وفاتها سنة تسع وخمسين (تهذيب الأسماء 2/362).
(2) قال الذهبي في “السير (2/202): “وكانت ءاخر من مات من أمهات المؤمنين، عمّرت حتى بلغها مقتل الحسين الشهيد فوجمت لذلك وغشي عليها وحزنت عليه كثيراً لم تلبث بعده إلا يسيراً وانتقلت إلى الله” ا.هـ  أي توفيت.
(3) قال الذهبي في “السير ” (2/208): “ولم يثبت وقد مات قبلها ” ا.هـ.
(4) من مصادر ترجمتها: الطبقات الكبرى (8/92)، أسد الغابة (6/56)، الإصابة (4/265)، الاستيعاب(4/258)، سير أعلام النبلاء (2/261)، المستدرك(4/25-28) مجمع الزوائد(9/250)، تسمية أزواج النبيّ(ص/63)، أزواج النبيّ(ص/207)، تهذيب الأسماء واللغات (2/336).
   

كانت تحتَ مالكِ بنِ صَفْوانَ، وقيلَ: مُسافِع بنِ صَفوان، فقُتِلَ يومَ المُرَيْسِيعِ.
تزوجَها النبيُّ صلى الله عليه وسلم بعدَ أنْ أَعْتَقَها وذلك بعدَ غزوةِ المُرَيْسِيع وكانَتِ ابنةَ عشرينَ سنةً.
وتوفيَتْ وهي ابنةُ خمس وستينَ سنةً وذلك في شهرِ ربيع الأولِ سنة سبعٍ وخمسينَ في خلافةِ معاويةَ، وقيلَ: سنةَ ستينَ. وصلى عليها مروانُ بنُ الحَكَمِ والي المدينةِ.

 
السابعةُ: زَيْنَبُ(1)و (2)

بنتُ جحش بنِ رِئابِ بنِ يَعْمُرِ بنِ صَبْرَةَ بنِ مُرَّةَ. أمُّها أُمَيْمَةُ بنتُ عبدِ المطلبِ بنِ هاشِمٍ وكانت تحتَ زيدِ بنِ حارثةَ بنِ شَرَاحِيْلَ.
تزوجَها النبيُّ صلى الله عليه وسلم في ذي القَعْدَةِ سنةَ خمسٍ من الهجرةِ وهي يومئذٍ بنتُ خمسٍ وثلاثينَ سنةً، وتوفيت وهي ابنةُ ثلاث وخمسينَ سنةً ودُفِنَتْ بالبقيعِ وصلَّى عليها عمرُ بنُ الخطابِ رضي الله عنه، وهي أول أزواجِه موتًا أي بعدُه صلى الله عليه وسلم.

_______________________________________________________
 (1)من مصادر ترجمتها:الطبقات الكبرى(8/80)، أسد الغابة(6/125)، الإصابة(4/313)، الاستيعاب(4/313)، سير أعلام النبلاء(2/211)، المستدرك(4/23-25)، مجمع الزوائد(9/246)، تسمية أزواج النبي(ص/61)، أزواج النبي(ص/181)، تهذيب الأسماء واللغات(2/344).
(2)وهي ابنة عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن أمها أميمة بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 
الثامنةُ: زينبُ(1)

بنتُ خُزيمةَ بنِ الحارثِ بنِ عبدِ الله بن عمرِو بنِ عبدِ مَنافٍ.
وهي أمُّ المساكينِ،كانت تُسَمّى بذلك في الجاهليةِ، وكانت تحتَ الطُّفََيْلِ بنِ الحارثِ بنِ المُطَّلبِ بن عبدِ منافٍ، فطلَّقها وتزوَّجَ بها عبيدةُ بنُ الحارثِ وقُتِلَ يومَ بَدْرٍ شهيدًا.
وتزوَّج بها النبيُّ صلى الله عليه وسلم على رأسِ أحَدٍ وثلاثينَ شهرًا من الهجرة، فَمَكَثَتْ عندَهُ ثمانيةَ أشهرٍ، وتوفيت في ءاخِرِ ربيع الآخِرِ على رأسِ تسعٍ وثلاثينَ شهرًا من الهجرة، وصلّى عليها النبيُّ صلى الله عليه وسلم ودُفِنَتْ بالبقيعِ، كان سِنُّها يَومَ توفيت نحوَ ثلاثينَ سنةً، كذا ذكَرَهُ ابنُ سعد كاتِبُ الواقِدِيّ.

 
التاسعةُ: أُمُّ حَبيبةَ(2)

رَمْلَةُ بنتُ أبي سفيانَ صَخْرِ بنِ حَرْبِ بنِ أُمَيَّةَ بنِ عبدِ شَمْسٍ، وأمُّها صفيةُ بنتُ أبي العاصِ بنِ أميةَ.
كانت تحتَ عُبَيْدِ الله بنِ جحشِ بنِ رئابٍ، توفي بأرض الحبشةِ بعد أن ارتدَ.

__________________________________
(1)من مصادر ترجمتها:الطبقات الكبرى(8/91)، أسد الغابة(6/129)، الإصابة(4/315)، الاستيعاب(4/312)، سير أعلام النبلاء(2/218)، المستدرك(4/33-34)، مجمع الزوائد(9/248)، تسمية أزواج النبي(ص/69)، أزواج النبي(ص/139).
(2)من مصادر ترجمتها:الطبقات الكبرى(8/76)، أسد الغابة(6/115)، الإصابة(4/305)، الاستيعاب(4/303)، سير أعلام النبلاء(2/218)، المستدرك(4/20-23)، مجمع الزوائد(9/249)، تسمية أزواج النبي(ص/64)، أزواج النبي(ص/161)، تهذيب الأسماء واللغات(2/358).
وتزوجها النبيُّ صلى الله عليه وسلم سنةَ سبعٍ من الهجرة، وهي التي أَصْدَقَها النجاشيُّ عنه صلى الله عليه وسلم، وكان لها يومَ قَدِمَ بها المدينةَ بضعٌ وثلاثونَ سنةً.
وتوفيت في سنةِ أربعٍ وأربعينَ في خلافةِ أخِيْها معاوية.

 
العاشِرةُ: صفيةُ(1)

بنتُ حُيَيِّ بنِ أَخْطَبَ من وَلَد(2) هارونَ النبيّ صلى الله عليه وسلم، وأمُّها بَرَّةُ بنتُ سَمَوْءَلٍ أُخْتِ رفاعةَ.
كانت تحتَ سلامِ بنِ مِشْكَمٍ القُرَظِي ثم خَلَفَ عليها كِنَانَةَ بنَ الربيع بنِ أبي الحُقَيْقِ.
سباها النبيُّ صلى الله عليه وسلم من خَيْبَرَ وكانَتْ عروسًا، وأعتَقَها وتزَوَّجَها بعدَ مَرْجِعِهِ من خيبرَ، وكانَ يَقْسِمُ لها ولجويريةَ بنتِ الحارثِ، وكان سنُّها وقتَ سباها نحوَ سبعَ عَشْرَةَ سَنَةً.
وتوفيت سنةَ اثنتينِ وخمسينَ من الهجرةِ في خلافةِ معاويةَ بنِ أبي سفيانَ ودُفِنَتْ بالبقيعِ وقيلَ سنةَ خمسينَ.

__________________________________
(1)من مصادر ترجمتها: الطبقات الكبرى(8/95)، أسد الغابة (6/169)، الإصابة (4/346)، الاستيعاب (4/346)،  سير أعلام النبلاء (2/231)، المستدرك (4/28- 29)، مجمع الزوائد (9/250)، تسمية أزواج النبي(ص/66)، أزواج النبي(ص/213)، تهذيب الأسماء واللغات (2/348).
(2) أي من ذريته.

 
الحادية عشرة: ميمونةُ(1)

وقيل: بَرَّةُ(2)بنتُ الحارثِ بنِ حَزْنِ بنِ بُجيْرِ بنِ الهَزْمِ، وأمُّها هندُ بنتُ عوفِ بنِ زُهَيْر.
وكانت تحتَ مسعودِ بنِ عمرو بن عبدِ نائلٍ الثَّقَفِيِ في الجاهليةِ، وفارَقَها ثم خَلَفَ عليها أبو رُهْمِ بنِ عبدِ العُزَّى بنِ أبي قَيْسِ بنِ عبدِ ودّ، فتوفي عنها فتزوجَها النبيُّ صلى الله عليه وسلم.
وهي ءاخرُ نسائِه تزويجًا وموتًا، وقيل: إنها ماتت قبلَ عائشةَ رضي الله عنها، وَرَدَ ذلك في حديثٍ صحيحٍ عن عائشةَ، وهي خالةُ عبدِ الله بنِ عباس، ونكَحَها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في سنةِ سبعٍ سنةِ عُمْرَةِ القضاءِ.

__________________________________
 
(1) من مصادر ترجمتها: الطبقات الكبرى (8/104)، أسد الغابة (6/272)، الإصابة (4/411)، الاستيعاب(4/404)، سير أعلام النبلاء (2/238)، المستدرك(4/30-33)، مجمع الزوائد (9/249)، تسمية أزواج النبي(ص/67)، أزواج النبي (ص/197)، تهذيب الأسماء واللغات (2/355).

(2) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: “كان اسم خالتي ميمونة : برة ، فسمَّاها رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة ” رواه الحاكم في “المستدرك” (4/30) وصححه ووافقه الذهبي على تصحيحه.

وتوفيت في سنة إحدى وستينَ(1) في خلافةِ يزيدَ بنِ معاويَةَ كذا ذكَرَهُ ابنُ سعد، وكان عمرُها نحوَ ثمانينَ سنةً أو إحدى وثمانين، ودُفِنَتْ بِسَرِفٍ في القُبَّةِ التي بَنَى بها فيها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم كما أخبرَ بذلك، وقيل: ماتت بمكةَ ونُقِلَتْ إليها.
وهي من اللاتي وَهبْنَ أنفسَهن لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم(2).

__________________________________
(1) قال الذهبي في “السير” (2/245) بعد أن ذكر هذه الرواية: “لم تبق إلى هذا الوقت فقد ماتت قبل عائشة وقد مرَّ قول عائشة : ذهبت ميمونة . وقال خليفة : توفيت سنة إحدى وخمسين ” ا.هـ، وقال الحافظ ابن حجر في “الإصابة” (4/413): “ونقل ابن سعد عن الواقدي أنها ماتت سنة إحدى وستين، قال : “وهي ءاخر من مات من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ” انتهى، ولولا هذا الكلام الأخير لاحتمل أن يكون قوله : “وستين ” وهما من بعض الرواة ولكن دل أثر عائشة الذي حكاه عنها يزيد بن الأصم أن عائشة ماتت قبل الستين بلا خلاف، والأثر المذكور صحيح فهو أولى من قول الواقدي، وقد جزم يعقوب بن سفيان بأنها ماتت سنة تسع وأربعين، وقال غيره: ماتت سنة ثلاث وستين، وقيل سنة ست وستين، وكلاهما والأول أثبت” ا.هـ، والأثر الذي أشار إليه الحافظ ذكره في “الإصابة” (4/412) وعزاه لابن سعد، وقال الحافظ النووي في “تهذيب الأسماء واللغات” (2/356) ما نصه: “توفيت سنة إحدى وخمسين، قاله خليفة بن خياط وغيره وهو الأظهر وقيل سنة آثنتين وخمسين وقيل سنة ثلاث وخمسين وقيل سنة ثلاث وستين، وهذه الأقوال الثلاثة شاذة باطلة وقد صرح الحافظ ابن عساكر بضعفها وفي الحديث الصحيح ما يبطلها، فإن في الصحيح أنها توفيت قبل عائشة” ا.هـ.
(2) قال آبن إسحاق: ويقال إنها وهبت نفسها للنبيّ صلى الله عليه وسلم وذلك أن خِطبة النبيّ صلى الله عليه وسلم انتهت إليها وهي على بعيرها فقالت: البعير وما عليه لله ورسوله رضي الله عنها فأنزل الله عزّ وجلّ {وآمْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيَّ } [سورة الأحزاب] (ءاية/50) ، ويقال التي وهبت نفسها للنبيّ صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش رضي الله عنها،ويقال أم شريك غُزّيَّةُ بنتُ جابر بن وهب ويقال غيرها ا.هـ. (انظر “السيرة النبوية”، 4/647).

 

ومات رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن تسْعٍ من هؤلاءِ وهُنَّ: سَوْدَةُ، وعائشة، وحفصة، وأم سلمة، وجويريةُ، وزينب بنت جحش، وأم حبيبةَ، وصفيةُ، وميمونة. وكلُّ واحدةٍ من هؤلاء اتفق النَّقَلةُ على أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم تزوجها وبنَى بها. واتفقوا على أنه مات عن التسع المذكورات واختلفوا في التقديم والتأخير وذلك اختلاف لا يَضُرُّ، واجتمَعَ عنده جميعُ المذكوراتِ سوى خديجةَ فإنها ماتت ولم يتزوجْ معها غيرَها. وزادَ بعضُهم: إنه اجتمع عندَهُ إحدى عَشْرَةَ امرأةً فقال بعضهُم هي: أمُّ شُرَيْكٍ بنتُ جابِر، ورَيحانةُ بنتُ زيدِ بنِ عمرو، وقيل: إنها لم تَزَل سُرّيةً وهو الصحيحُ.

ذِكْرُ ما وَقَعَ إلي مما وردَ في مناقِبِ أمِ المؤمنينَ
خديجةَ أمِ هِنْدٍ، تُُكنَى بولدٍ كان لها
الحديثُ الأَوَّلُ

أخبرنا أستاذي الإمام قطب الدين حجة الإسلام إمام الحرمين أبو المعالي مسعود بن محمد بن مسعود النيسابوري رحمه الله، في جمادى الأولى سنة سبع وسبعين وخمسمائة، أنا الشيخ الفقيه أبو محمد عبد الجبار بن محمد بن أحمد البيهقي، أنا أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي بن موسى البيهقي الحافظ.
وأخبرنا عمي الإمام العالم الحافظ الثقة ثقة الدين صدر الحفاظ محدث الشام أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله الشافعي قدّس الله روحه، أنا الفقيه الإمام أبو عبد الله محمد بن الفضل الفراوي الصاعدي النيسابوري، أنا أبو بكر البيهقي(1)، أنا أبو عبد الله الحافظ، نا أبو العباس محمد بن يعقوب، نا أحمد بن عبد الجبار، نا يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، حدثني يحيى بنُ أبي الأشْعَثِ الكِنْدِيُ من أهل الكوفة، حدثني إسماعيلُ بنُ إياسِ بنِ عَفيفٍ، عن أبيه، عن جدِه عفيفٍ أنه قال:

__________________________________
(1) أخرجه البيهقي في “دلائل النبوة” (2/162-163).
 

كنتُ امْرَأ تاجرًا فقَدمْتُ مِنًى أيامَ الحج وكان العباسُ بنُ عبد المطلب امرأً تاجرًا، فأتَيتُهُ أبْتاعُ منه وأبيْعُهُ، قال: فبينا نحنُ إذ خرجَ رجلٌ من خِبَاءٍ يُصَلّي فقامَ تُجاهَ الكعبةِ، ثم خَرَجَتِ امرأةٌ فقامت تُصلي، وخرجَ غلامٌ فقامَ يُصلي معَهُ، فقلتُ: يا عباسُ ما هذا الدِّيْنُ؟ إنَّ هذا الدِّيْنَ ما ندرِي ما هو؟ فقال: هذا محمدُ بنُ عبدِ الله يزعمُ أنَّ الله تبارَكَ وتعالى أرْسَلهُ، وأنَّ كُنوزَ كِسرى وقيْصَرَ ستُفتَحُ عليه، وهذِهِ امرأتُه خديجةُ بِنْتُ خُوَيْلِد ءامنَت به، وهذا الغلامُ ابنُ عمهِ عليُّ بنُ أبي طالبٍ ءامَنَ به.
قال عفيفٌ: وليتني كُنْتُ ءامَنْتُ بهِ يومئذٍ فكُنْتُ أكونُ ثانيًا(1)و(2).
هذا حديثٌ صحيحٌ من حديثِ إسماعيلَ بنِ إياسِ بنِ عفيفٍ، عن أبيه إياسٍ عن جدِه عفيفٍ الكِنْدي، أسلمَ بعد ذلك وحسُنَ إسلامُهُ.
وقولُه: “ثانياً”، يعني ثانيَ الرجالِ.
تابَعَه إبراهيمُ بنُ سعيدٍ عن محمدِ بنِ إسحاقَ وقال في الحديث:
“إذ خَرَجَ رجلٌ من خِباءٍ قريب منه فنَظَرَ إلى السماء فلمَّا رءاها قد مالَتْ يعني الشمس قامَ يصلي”(3) ثم ذَكَرَ قيامَ خديجةَ خَلْفَهُ.

__________________________________
(1) الذي في الدلائل : “ثالثاً”.
(2) معناه كنت ثانياً من الرجال.
(3) قال الحافظ الهيثمي في “مجمع الزوائد” (9/103): “رواه أحمد وأبو يعلى بنحوه والطبراني بأسانيد ورجال أحمد ثقات” ا.هـ.

 وقد صَحَّ أنها أولُ مَنْ ءامَنَ به صلى الله عليه وسلم، وقيل: هي أولُ مَنْ ءامَنَ من النساء وأبو بكرٍ من الرجال وعليّ من الصبيانِ جَمْعًا بين الرواياتِ.
وقد رُويَ عن محمد بنِ إسحاقَ من قولِهِ مُرْسَلاً: إنها أولُ مَنْ ءامَن.
ولا شَكَ أنه لا يقولُه إلا عن روايةٍ نُقِلَتْ إليه وذلك فيما أخبرنَا عمي المذكورَ، وأستاذي المسمى بالإسناد المقَدَّمِ عن محمد بنِ إسحاقَ قال:
وكانت خديجةُ أولَ مَنْ ءامنَ بالله ورسولهِ صلى الله عليه وسلم وصَدَّقت بما جاءَ به.

قال: ثم إنَّ جبريلَ عليه السلامُ أتَى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم حين افْتُرِضَتْ عليهِ فَهَمَزَ له بعَقبِهِ في ناحيةِ الوادي فانْفَجَرَتْ له عينٌ من ماءٍ مُزْنٍ فتوضَّأَ جبريلُ ومحمدٌ عليهما السلام، ثم صلَّى ركعتينِ وسَجَدَ أربعَ سَجَداتٍ ثم رَجَعَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم وقد أقرَّ الله عَيْنَهُ، وطابَتْ نفسُه وجاءَهُ ما يُحِبُّ من الله فأخَذَ بيدِ خديجةَ حتى أتى بها العينَ فتوضَّأ كما توضَّأ جبريلُ، ثم ركع ركعتين وأربعَ سَجَداتٍ هو وخديجةُ، ثم كانَ هو وخديجةُ يصلِيانِ سِرًا.
هكذا ذكرهُ ابنُ إسحاق وقال: حين افترضَتْ: يعني الصلاة.
ولا شك أن هذا حين فرضت الصلاة ابتداءً قبلَ مهاجَره إلى المدينة

 ثم زيدَت، وإلا فخديجةُ ماتَتْ قبل أن تفرض الصلاة(1) بخمس سنين
 يعني الصلوات(2) الخمس ليلة الإسراء ليكون جمعًا بين الحديثين، والله أعلم.
الحديثُ الثاني

قرأت على عمي الإمام العالم الصائن أبي الحسين هبة الله بن الحسن الشافعي رضي الله عنه في سنة ثلاث وستين وخمسمائة، وأخبرنا عمي الحافظ رحمه الله أيضًا قالا: أنا الشريف النسيب أبو القاسم علي بن أبي الحسين بن أبي الحسن الحسيني في سنة سبع وخمسمائة قال: قرأت على والدي، قلت له: أخبركم أبو عبد الله الحسين بن عبد الله بن محمد بن أبي كامل الأطرابلسي إجازة، أنا خيثمة بن سليمان بن حيدرة القرشي، نا إسحاق الدَبري، عن عبد الرزاق، عن معمر وابن جريج، عن هشام بن عُروة، عن أبيه، عن عبدِ الله بنِ جعفرٍ أن علي بنَ أبي طالب عليه السلام قال: سمِعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
“خَيْرُ نِسائها مَرْيَمُ بنتُ عِمرانَ، وخَيْرُ نِسائِها خديجةُ بنتُ خُويلدٍ عليهما السلام”.

___________________________________________
(1) ورد ذلك في “دلائل النبوة ” (2/352) للبيهقي.
(2) في الأصل :الصلاة.

هذا حديثٌ صحيح من حديث أبي جعفرٍ عبد الله بن أبي عبدِ الله جعفرٍ الطيارِ، عن عمهِ أميرِ المؤمنينَ أبي الحسنِ علي بن أبي طالب رضي الله عنهما.
وصحيح من روايةِ أبي المنذرِ هشامِ بنِ عروة أبي عبدِ الله بنِ الزبيرِ بن العوّام.
اتفق الأئمةُ على إخراجِه في الصحيحِ، فرواهُ البخاريُّ عن محمدٍ(1)  وصدقة(2) عن عبدة، ورواه مسلم(3) عن إسحاق بن إبراهيم، عن عَبدةَ بن سُليمان الكلابي، عن هِشام بن عُروة، وأخرجه رزين في مجموع الصحاح(4).
وقولُه: “خيرُ نِسائِها” يعني: نساءَ السماءِ والأرضِ.
الحديثُ الثالثُ:

أخبرنا أستاذي الإمام قطب الدين حجة الإسلام أبو المعالي مسعود بن محمد بن مسعود، أنا الشيخ أبو محمد عبد الجبار البيهقي أنا أبو بكر الحافظ البيهقي(5) أنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو قالا: نا أبو العباس محمد بن يعقوب، نا أحمد ابن عبد الجبار،

______________________________
(1)و(2) أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب مناقب الأنصار :باب تزويج النبيّ صلى الله عليه وسلم خديجة وفضلها رضي الله عنها (3815).
(3) أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب فضائل الصحابة:باب فضائل خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها(2430).
(4) انظر “جامع الأصول” (9/124) لابن الأثير.
(5) أخرجه البيهقي في كتابه “دلائل النبوة ” (2/351).
 

نا يونس بن بكير، عن هِشام بن عُروة، عن أبيه، عن عائَشةَ رضي الله عنها قَالتْ:
ما غِرْتُ على امْرأَةٍ لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم ما غِرْتُ على خَديجَة مِمّا كُنتُ أسْمَعُ من ذِكرِهِ لَها، ومَا تَزَوَّجَني إلا بعدَ مَوْتِها بثلاثِ سنِيْنَ، ولقدْ أَمَرَهُ ربُّهُ أن يُبشِرَها ببيتٍ في الجنة من قَصَبٍ لا نَصَبَ فيهِ ولا صَخَبَ.
هذا حديث صحيح من حديث أبي المنذر هِشام بن عروة، ويقال: أبو عبيد الله هشام بن أبي عبد الله عروة بن الزبير بن العوّام القرشي من علماء التابعين وأثبات المحدثين، رأى عبد الله بن عمر وجابر بن عبد الله.
وزادَ البخاري في صحيحه(1): أنه كان يذبحُ الشاةَ ويُهدي مِنْها لصَدائقِ خَديجةَ. ورواه مُسلم(2) أيضًا في صحيحه من أوجُهٍ عن هشامٍ.
وفيه مِن الفوائِدِ: إخبارُها بالمغْفِرَةِ لها، وأنها من أهلِ الجنةِ وفيه دلالة على أنّ العبد قد يعلم موضعه من الجنة إذا كان ذلك بشهادةِ نبيٍّ، كما اخبرَ أن أبا بكرٍ صديقٌ وعمرَ وعثمانَ وعليّاً شهداءُ،

________________________________
(1) أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب مناقب الأنصار: باب تزويج النبيّ صلى الله عليه وسلم خديجة وفضلها رضي الله عنها (3816).
(2) أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب فضائل الصحابة: باب فضائل خديجة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها (2435).

وكذلك شَهِدَ لهم بالجنة ولغيرِهم من الصحابة، وأما غيرُ النبيّ صلى الله عليه وسلم فلا يجوزُ له أن يَقْطَعَ لأحدٍ بِجَنَةٍ أو نارٍ، سواءٌ كان مطيعًا أو عاصِيًا، وأما إذا وَعدَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم على عمل دخولَ الجنةِ والمغفرةَ فَعَمِلَ عامِلٌ ذلكَ العملَ فَلا نَقْطَعُ له بالموعودِ لأنَا لا نعرِفُ قَبُولَ عملِهِ، نعوذُ بالله من الحِرمانِ، والله أعلم.

 
الحديثُ الرابع:

وبالإسناد قال البيهقي(1): أنا أبو عبدِ الله الحافظُ، نا أبو عبدِ الله محمدُ بنُ يعقوبَ، حدثني أبي، حدثني قُتيبةُ بنُ سعيدٍ، نا مُحمدُ بنُ فُضَيْلٍ، عن عِمارةَ، عن أبي زُرْعَةَ قال: سَمِعْتُ أبا هريرة رضي الله عنه قال:
أتى جبريلُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقالَ: يا رسولَ الله، هذه خديجةُ أَتَتْكَ مَعَها إناءٌ فيهِ إِدامٌ – طعامٌ أو شرابٌ – فإذا هِيَ أََتَتْكَ فاقْرَأ عليها السَّلامَ مِن رَبِّها ومنِّي، وَبَشِّرْها ِببَيتٍ في الجنَّةِ من قَصَبٍ لا صَخَبَ فيهِ ولا نَصَبَ.
هذا حديثٌ صحيح متفَقٌ على صِحَّتِهِ من حديثِ أبي هريرةَ، وقد اختُلِفَ في اسمِه واسمِ أبيه، قيلَ: عبدُ الرحمٰن بنُ صَخْرٍ وهو الأصحُّ، وقيل: ابنُ غَنَمٍ، وقيل: اسمُه عبدُ شَمْسٍ، وقيل: عامرُ بنُ

____________________________________
(1)أخرجه البيهقي في “دلائل النبوة ” (2/351).

عبدُ شَمْسٍ الدَّوْسِيُّ، كانَ من أحفظِ أصحابِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وكانَ من أهلِ الصُّفّةِ، ودعا له النبيُّ صلى الله عليه وسلم بالحِفْظِ وقال: “اللهمَّ حبّبْهُ وأمَّهُ إلى عبادِكَ المؤمنينَ”(1) روى عنه العدد الكثيرُ كأبي سَلَمَةَ الزُّهْرِيَّ وأبي زرعةَ.
أخرجه البُخاريّ في صحيحه(2)، عن قُتَيبةَ بنِ سَعيدٍ كما سُقْناه. ورواه مُسلمٌ(3) عن ابنِ أبي شيبةَ، عن مُحمد بن فُضيل.
وأما قولُه: “من قصبٍ”. القصبُ في هذا الحديث: اللؤلؤُ المُجَوَّفُ واسعٌ كالقصرِ المُنِيْف، وكل عَظْمِ أجوفُ فيه مُخ فهو قصبةٌ، هكذا قالَهُ أهلُ اللغة. وقال شُرَيْك بنُ عبد الله في تفسيرِ هذا الحديث: إنه من ذَهَبٍ، فيحتَملُ أنه أراد أنه بناءٌ مجوَّفٌ من الذهب كالقَصْرِ.
وقولُه: “لا صَخَبَ” وقد رُويَ بالسين أيضًا، “ولا نَصَبَ” الصَّخَبُ بالسين والصاد: اختلاط الأصوات وارتِفاعُها، وقيلَ: ليسَ فيه ما يؤذي ساكِنهُ. والنَّصَب: التَعَبُ، أي لا يلحَقُها تعبٌ فيه.
وهذا لا يقولُه إلا عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم لأنه إخبارٌ عن جبريلَ، ولا يعلَمُه إلا من جهةِ النبيّ صلى الله عليه وسلم، وهذا كحديثِ عائشةَ رَضِيَ الله عنها في بَدْءِ الوحيِ.

_______________________________
(1)أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب فضائل الصحابة: باب من فضائل أبي هريرة الدوسي (2491).
(2)أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب مناقب الأنصار :باب تزويج النبيّ صلى الله عليه وسلم خديجة وفضلها رضي الله عنها(3821).
 (3)أخرجه مسلم في صحيحه كتاب فضائل الصحابة باب فضائل خديجة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها2432

 
الحديثُ الخامسُ :

أخبرنا عمي الإمام الحافظ أبو القاسم رحمه الله، أنا الشريف النسيب أبو القاسم علي بن إبراهيم الحسيني، قال قرأت على والدي قلت له: أخبركم أبو عبد الله الحسين إجازة، أنا خيثمة بن سليمان القرشي، نا أحمد بن سليمان الصوري، نا سليمان بن سلمة الخبايري، نا يعقوب بن الجهم بن سوار، عن عمرو بن جرير، عن عبد العزيزِِ بنِ صُهَيْبٍ، عن أنسِ بن مالك قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:
“أخبرني جبريلُُ عن الله تبارك وتعالى: إن الله يقولُ: لا يَتِمُّ نكاحٌ إلا بولي وشاهِديَنِ وأنا وَليُّ خَدِيجةَ”.
هذا حديثٌ غريبٌ جدًا من حديث أبي حمزَةَ أنس بنِ مالك بنِ النََّضْرِ ابنِ ضَمْضَم الخَزْرَجِيِ الأنصاري، من بني النجارِ خادِمِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، أَهْدَتْهُ أمه أمُ سُلَيْم له حينَ قَدِمَ المدينةَ، وخدمَهُ عشْرَ سنين إلى حين وفاته صلى الله عليه وسلم ودعا له بكثرةِ الولد والمالِ، قيل: إنه رُزِقَ من صُلْبِه دونَ ولدِ ولدِه ما نَيَّفَ – أي ما زاد- عن المئةِ وعشرين، وقيل: دَفَنَ مئةً وعشرينَ من ولدِه وولدِ ولده دونَ مَنْ عاش له وكان شجرُهُ يحمِلُ في السنةِ مرتين، وعُمّرَ قريبَ مائةٍ وستينَ سنةً، وفي هذا كلهِ خلافٌ. وكان ءاخِرَ الصحابةِ موتًا بالبَصْرَةِ، ولم يَبْقَ بعدَهُ مَنْ يُعَدُّ من الصحابة إلا نفرٌ يسيرٌ، ماتَ سنةَ تسعين، وقيل: إحدى وقيل: ثلاثٍ، وقبرُه بالبصرة معروف.
ولا يُعْرَفُ هذا الحديثُ عنه إلا من هذا الوجه والصحيحُ أن خديجةَ زوَّجَها وليُها كما تقدَمَ، والتي زُوّجَتْ بغير ولي هي زينبُ بنتُ جحشٍ على ما سيأتي إن شاءَ الله تعالى.

 
الحديثُ السادس :

أخبرنا عمي الإمام الحافظ أبو القاسم(1)، أنا الفقيه أبو الحسن علي بن المسلم الفرضي، أنا أبو الحسن أحمد بن عبد الواحد بن محمد بن أحمد السلمي، أنا جدي أبو بكر، أنا أبو الدحداح أحمد ابن محمد بن إسماعيل التميمي، نا عبد الوهاب بن عبد الرحيم الأشجعي من قرية جوبر، نا مروان بن معاوية الفزاري، عن وائلِ بنِ داودَ، عن عبدِ الله البَهِيِّ قال: قالت عائشةُ رضي الله عنها:
كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا ذَكَرَ خديجةَ لم يَكَدْ يَسْأم من ثناءٍ عليها واستغفارٍ، فذكَرَها ذاتَ يومٍ فاحتَمَلَتْني الغَيْرةُ فقلت: لقد عَوَّضَكَ الله من كبيرةِ السنِ، قالت: فرأَيْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم غَضِبَ غَضَبًا أُسْقِطْتُ في جلدي(2) وقُلْتُ في نفسي: اللهمَّ إنك

_______________________________
(1)أخرجه ابن عساكر في “تاريخ مدينة دمشق” (3/194-195)، وبنحوه الإمام أحمد في مسنده(6/117-118).
 (2) في مصادر أخرى “خَلَدي” أي نفسي.

إن أذْهَبْتَ غَضَبَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم عني لم أعُدْ أذكرُها بسوءٍ ما بقِيْتُ. فلما رأى النبيُّ صلى الله عليه وسلم ما لقيتُ قال: “كيف قُلْتِ؟ والله لقد ءامَنَتْ بي إذ كفرَ بيَ الناسُ، وءاوتْني إذ رفضَني الناسُ، وصدّقتني إذ كذبني الناسُ، ورُزِقَتْ مني الولدَ إذ حُرِمْتُمُوْهُ”. قالت: فغدا علي بها وراحَ شهرًا(1).
هذا حديثٌ غريب من حديثِ عبد الله البَهيّ عن أم المؤمنين عائشةَ بنتِ أبي بكر الصديقِ رضي الله عنها، لا يُعلَم من رواهُ عنه غيرَ وائلِ بنِ داودَ الليثيِ الكوفيِ رضي الله عنه، والله أعلم.

 
الحديثُ السابع:

أخبرنا عمي الحافظ، أنا أبو عبد الله الفراوي، أنا أبو الحسين عبد الغافر بن محمد الفارسي، أنا أبو أحمد الجلودي، أنا إبراهيم ابن سفيان، نا مسلم بن الحجاج، نا سهل بن عثمان، نا حَفْص بن غياثٍ، عن هِشام بن عُروةَ، عن أبيه، عن عائشةَ قالتْ:
ما غِرْتُ على نساءِ النبيّ صلى الله عليه وسلم إلا على خديجةَ وإني لم أُدركْها، قالت: وكانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا ذَبَحَ الشَّاةَ فيقولُ: “أَرسِلُوا بها إلى أصدقاء خديجةَ”، قالت: فأغضَبْتُهُ يَومًا فقُلتُ: خديجةَ فقالَ: “إنّي رُزِقْتُ حُبَّها”.

_____________________________________
(1) أخرجه الطبراني في “المعجم الكبير” (23/13)، قال الحافظ الهيثمي في “مجمع الزوائد” (9/224): “رواه الطبراني وأسانيده حسنة ” ا.هـ.

هكذا رواه مسلم(1) في صحيحه، وحفصٌ أبو عُمَرَ بنُ غِياثِ بنِ طَلْقِ بنِ معاويةَ بنِ الحارثِ كوفي قاضِيْها أخرجَ البخاريُّ حديثَهُ في الصحيح، والله أعلم.
هذا ما وقع إليّ في فضلِها مُسْنَدًا، وقد روى رزيْن(2) في مجموعِ الصحاحِ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
“كمَلَ مِنَ الرِّجالِ كثيرٌ، ولم يَكْمُل مِنَ النِّساءِ إلا أربعٌ: مَرْيمُ بنتُ عِمرانَ، وءاسيةُ امرأةُ فرعونَ، وخَديجةُ بنت خُويلد، وفاطمةُ بنتُ محمدٍ. وفضلُ عائشةَ على النساءِ كفضْلِ الثَريدِ على سائِرِ الطعام”(3).

ولا خفاءَ بمساعدتها النبيَّ صلى الله عليه وسلم وتثبيتها له عندما بدأ الوحيُ إليه وشفقتِها عليه فصلّى الله عليه ورضيَ عنها.

_________________________________________
(1) أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب فضائل الصحابة: باب فضائل خديجة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها (2435).
(2) في الأصل: “ابن رزين “، والتصويب من كتب المصادر، وكذا أورده ابن عساكر في موضع ءاخر من هذا الكتاب كما أوردناه في المتن.
(3) انطر الحديث رقم [22].

ذِكْرُ ما وَردَ في مناقبِ أم المؤمنينَ عائشةَ الصديقة رضي الله عنها

هي عائشةُ أمُّ عبد الله بنتُ أبي بكرٍ الصديقِ، كنّاها بذلك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم.
الحديثُ الثامنُ

أخبرنا عمي الإمام الحافظ، أنا أبو عبد الله الفراوي. وأخبرنا أستاذي الإمام أبو المعالي مسعود، أنا أبو محمد عبد الجبار، قالا: أنا أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي(1)، أنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو، قالا: نا أبو العباس محمد بن يعقوب، نا أحمد بن عبد الجبار، نا يونس، عن هشام بن عروةَ، عن أبيهِ، عن عائشةَ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ:”أُرِيتُكِ في المَنَامِ مَرَّتَين، أرى أنَّ رجلاً يَحمِلُكِ في سَرَقَةِ حَريرٍ فيقولُ: هذهِ امرأتُكَ، فأكْشِفُ فأراكِ فأقولُ: إن كانَ هذا مِنْ عِنْد الله يُمْضِهِ”.
اتفقَ الأئمةُ على صحته فرواهُ أبو عبدِ الله محمدُ بنُ إسماعيلَ البخاريُّ في صحيحه(2) عن معلَّى عن وهيب بمعناه. ورواه مسلم(3) من حديث هشام أيضًا.

_______________________________________________
(1) أخرجه البيهقي في “دلائل النبوة ” (2/410-411).
(2) أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب مناقب الأنصار: باب تزوج النبيّ صلى الله عليه وسلم عائشة وقدومها المدينة وبنائه بها (3895).
(3) أخرجه مسلم في صحيحه:كتاب فضائل الصحابة:باب في فضل عائشة رضي الله تعالى عنها (2438).

وقولُه: “سَرَقَةُ حَرِيْرٍ” بفتحِ الراءِ وهي الشّقَّةُ. و”يُمضِهِ” يُتممهُ، والله أعلم، ومنامُ النبيّ صلى الله عليه وسلم بمنزلةِ الوَحْيِ.
وقد رُويَ مُرْسلاً وأتمَّ مَتْناً من هذا وذلك فيما:
أخبرَنا عمي الإمامُ الحافظ رحمه الله قال: قرأتُ على أبي غالب ابنِ البَنَّّا، عن أبي محمدٍ الحسنِ الجوْهَري، أنا أبو عمرٍو محمدُ بنُ العباسِ بن محمدٍ بنِ زكريا بن حَيَوَيْهِ، أنا أبو الحسن أحمدُ بنُ معروف بنِ بِشْرٍ الخَشَّابُ، نا الحسينُ بنُ الفَهْم، أنا أبو عبدِ الله محمدُ بنُ سعدٍ كاتبُ الواقِدِي، أنا محمدُ بنُ عمر(1)، نا عبدُ الواحِد ابنُ ميمونٍ مولى عُروَةَ، عن حبيبٍ مولى عروةَ قال:
“لما ماتَتْ خديجةُ حَزِنَ عليها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حُزنًا شديدًا، فبَعَثَ الله جبريلَ فأتاهُ بعائشةَ في مَهْدٍ فقال: يا رسولَ الله هذِهِ تُذْهِب ببعضِ حُزْنِكَ، وإنَّ في هذه خَلَفًا من خديجةَ، ثم رَدَّها فكانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يختلِفُ إلى بيتِ أبي بكر ويقول: “يا أمَّ رُوْمانَ استوصِي بعائشةَ خيرًا واحفظِيْني فيها” فكان لعائشةَ بذلك مَنْزِلةٌ عند أهلها ولا يَشعرونَ بأمرِ الله فيها، فأتاهُم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَومًا في بَعضِ ما كانَ يأتِيْهِم، وكانَ لا يُخْطِئُه يومٌ واحدٌ أن يأتيَ إلى بيتِ أبي بكرٍ مُنْذُ أسلَم إلى أن هاجَر فيجِدُ عائشة متَسترةً بباب دارِ أبي بكر تبكي بُكاءً حَزينًا فَسَأَلَها فَشَكَتْ إليه أمَّها

_____________________________________________
(1)هو الواقدي قال عنه الحافظ ابن حجر في “تقريب التهذيب”(ص/581):”متروك مع سعة علمه من التاسعة” ا.ه.

وذَكَرَتْ أنها تولَعُ بها، فَدَمَعَتْ عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وَدَخَلَ على أمِّ رُوْمانَ فقال: “يا أم رومان ألمْ أوصيكِ بعائشةَ أن تحفظيني فيها” فقالت: يا رسولَ الله، إنها بَلَّغَتِ الصديقَ عنّا فأغضَبَتْهُ علينا، فقالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: “وإن فَعَلَتْ”، قالتْ أمُّ رُوْمَان: لا جَرَمَ لا سُؤْتُها أبدًا. وكانت عائشة وُلِدَتْ السنةَ الرابعة من النبوةِ في أَوَّلِها”.
هذا حديثٌ مرسَلٌ من حديث حبيب مولى عُروةَ بن الزبيرِ، رواه ابنُ سعدٍ عنه في طبقاته(1)، ولا يقولُ هذا – والله أعلم – إلا عن إخبارٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم لأنه لم يكنْ حاضرًا وقت تزويجِ عائشةَ فكيفَ قبْلَهُ، ولأن فيه إخبارًا عن جبريلَ وذلك لا اطّلاعَ له ولا لغيره عليهِ سوى النبيِّ صلى الله عليه وسلم. وهذا قبلَ نزولِ ءايةِ الحجابِ لأنها نزلَتْ بعد مهاجَرِهِ إلى المدينة لما أشارَ عليه أميرُ المؤمنين عمرُ بنُ الخطابِ عليه بذلك، والله أعلم.

 
الحديثُ التاسعُ – حديثُ الإفْك

أخبرنا عمي الإمام الحافظ أبو القاسم رحمه الله، أنا أبو عبد الله  محمد بن الفضل الفراوي، أنا الشيخ أبو الحسين عبد الغافر بن محمد

____________________________________
(1) أخرجه ابن سعد في طبقاته (8/62-63).
 

الفارسي، أنا أبو أحمد محمد بن عيسى الجلودي أنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن سفيان، نا أبو الحسين مُسلم بن الحجَّاج، نا حِبانُ بن موسى، أنا عبدُ الله بنُ المباركِ، أنا يُونُس بنُ يَزيدَ الأيْليُّ.
ح وحدثنا إسحاقُ بنُ إبراهيمَ الحنظَلِيُّ ومُحمّدُ بنُ رافعٍ وعَبْدُ بنُ حُميدٍ، قال ابنُ رافعٍ: نا، وقال الآخران: أنا عبدُ الرزاقِ، أنا مَعْمَر، والسياقُ لحديث مَعْمَرٍ من روايةِ عَبْدٍ وابنِ رَافعٍ، قال يُونُسُ وَمَعْمرٌ جَميعًا عن الزُّهري، أخبرني سعيدُ بن المسَيَّبِ وعُروةُ بنُ الزُّبَيْر، وعَلقَمةُ بنُ وقّاصٍ، وعُبيدُ الله بنُ عَبدِ الله بنِ عُتبةَ بنِ مَسعودٍ عن حديثِ عائشةَ زوجِ النبيّ صلى الله عليه وسلم حِيْنَ قالَ فيها أهلُ الإفْكِ ما قالُوا فبرأَها الله، وكلُّهم حَدثَني طائفةً مَنْ حدِيثِها، وبعضهم كان أَوْعَى لحديثها مِن بعضٍ وأَثْبَتَ اقْتِصَاصًا، وقد وَعَيْتُ عَن كُلّ واحدٍ منهُم الحديثَ الذي حَدَّثَني وبعضُ حدِيثِهم يُصَدّقُ بَعْضًا، ذكروا:
“أنَّ عائِشَةَ زَوْجَ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَتْ: كَانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا أرَادَ أَن يَخْرُجَ سَفَرًا أقرَعَ بَيْنَ نسائِه فأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مَعَهُ. قالَتْ عائشةُ رَضِيَ الله عنها: فأقْرَعَ بَيْنَنَا في غَزْوَةٍ غَزاها، فخَرجَ فيها سَهْمِي فَخَرَجْتُ مَعَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وذَلِكَ بَعْدَمَا أُنْزِلَ الحِجَابُ فأَنا أُحْمَلُ في هَوْدَجِي وأُنْزَلُ فِيهِ مَسِيرَنَا، حتى إذا فَرغَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم من غَزْوِهِ، وقَفَلَ وَدَنَوْنَا مِنَ المَدينَةِ ءاذَنَ لَيلَةً بالرَّحيلِ فَقُمْتُ حِينَ ءاذَنُوا بالرَّحِيلِ فَمشَيْتُ حتى جَاوَزْتُ الجيشَ، فلمَّا قَضَيْتُ مِن شَأنِي أَقْبَلْتُ إلى الرَّحل فلَمَسْتُ صَدْرِي فإذا عِقْدِي من جَزْعِ ظِفَارٍ قَدِ انْقَطَعَ، فَرَجَعْتُ فالتَمَسْتُ عِقْدِي فَحَبَسَنِي ابْتغاؤُه، وأَقْبَلَ الرَّهْط الذين كانوا يَرْحَلُونَ بِي فَحَمَلُوا هَوْدَجِي فَرَحَلُوه على بَعِيري الذي كُنْتُ أَرْكَبُ وهم يَحْسبُونَ أَنِّي فِيهِ، قالَتْ: وكانَتْ النِّساءُ إذْ ذَاكَ خِفَافًا لَمْ يُهَبَّلْنَ ولم يَغْشَهُنَّ اللّحْمُ، إنَّما يأكُلْنَ العُلْقَةَ مِنَ الطَّعامِ، وَلَمْ يَسْتَنْكِرِ القَوْمُ ثِقَلَ الهَوْدَجِ حِيْنَ رَحَلُوه ورَفَعُوهُ، وكُنْتُ جاريةً حَديثةَ السِّنَّ فبعثُوا الجَمَلَ وسارُوا وَوَجَدْتُ عِقْدِي بعد ما اسْتَمَرَّ الجَيْشُ فَجِئْتُ منازِلَهُم وليسَ بِها داعٍ ولا مُجِيْبٌ، فَتَيَمَّمْتُ مَنزِلي الذي كُنْتُ فِيهِ، وظَنَنْتُ أنَّ القَوْمَ سَيَفْقِدُوني فيَرجِعُونَ إليَّ، فبينَا أَنَا جالسةٌ في مَنْزِلي غَلَبَتٍْني عَيْني فَنِمْتُ، وكانَ صَفوانُ بنُ المُعَطَّلِ السُّلَميّ ثُمَّ الذّكْوانيُّ قَدْ عَرَّسَ مِنْ وَرَاءِ الجيشِ فأدلج فأصبح عند منزلي، فرأى سواد إنسانٍ نائم فأتاني فعرَفَنِي حَينَ رَءانِي، وَقَدْ كانَ يَرانِي قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ الحِجابُ عليَّ فاسْتَيْقَظْتُ باسْتِرْجاعِهِ(1) حينَ عَرفَني، فَخَمَّرْتُ وَجْهي بِجِلْبَابِي، وَوَالله ما يُكَلّمُني كَلمةً ولا سَمِعْتُ منهُ كلمةً غَيْرَ اسْتِرْجَاعِه، حَتَّى أَنَاخَ رَاحِلَتَه فَوَطِئَ على يَدِهَا فرَكِبْتُها فانْطَلَقَ يَقُودُ بِيَ الرَّحِلَةَ حَتَّى أتَيْنَا الجَيْشَ

___________________________________
(1)أي انتَبَهْتُ من نومي بقوله : إنا لله وإنا إليهِ راجعون.

 

 بَعْدَمَا نَزَلُوا مُوغِرِيْنَ في نَحرِ الظَّهيرةِ. فَهَلَكَ مَنْ هَلَكَ في شَأْنِي، وكانَ الذي تَوَلَّى كِبْرَهُ عبدُ الله بنُ أُبَيٍّ بن(1) سَلولٍ. فقَدِمْنَا المدينةَ فاشْتَكَيْتُ حينَ قَدِمْنَا المدينةَ شَهْرًا، والناسُ يَفِيضُونَ في قَوْلِ أَهْلِ الإفْكِ وَلا أَشْعُرُ بِشَىءٍ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ يُرِيْبُنِي في وَجَعي أنّي لا أَعْرِفُ مِن رسول الله صلى الله عليه وسلم اللُّطْفَ الذي كُنْتُ أَرَى مِنْهُ حينَ أَشْتَكِي، إنَّما يَدخلُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فَيُسَلّمَ ثُمَّ يَقولُ: “كيفَ تِيكُمْ” فَذَاك يُرِيْبُني ولا أَشْعُرُ بالشَّرِّ حَتَّى خَرَجْتُ بَعْدَمَا نَقَهْتُ، وَخَرَجَتْ مَعِي أُمُّ مِسْطَحٍ قبلَ المنَاصِعِ وهو مُتَبرَّزُنَا ولا نَخْرُجُ إلا لَيْلاً إلى لَيْلٍ، وذَاكَ قَبْلَ أَن نَتَّخِذَ الكُنُفَ قَريبًا مِن بُيُوتِنَا وأَمْرُنَا أَمْرُ العَرَبِ الأوَلِ في التَّنَزُّهِ وكُنَّا نَتَأذَى بالكُنُفِ أن نَتَّخِذها عِنْدَ بُيُوتِنَا، فانْطلَقْتُ أنا وأمُّ مِسْطَحٍ  وهي بِنْتُ أبي رُهم بنِ المُطَّلبِ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وأُمُّها ابنةُ صَخرِ بنِ عامِرٍ خالةُ أبي بكر الصدِّيقِ، وابنُها مِِسْطحُ بنُ أُثَاثَةَ بنِ عَبَّادِ بنِ المطلبِ فأقْبَلْتُ أنا وبِنْتُ أَبِي رُهْمٍ قبَلَ بَيْتي حينَ فَرَغْنا مِن شَأْنِنَا فَعَثَرَتْ أمُّ مِسْطَح في مِرْطِها فَقَالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحُ، فقُلتُ لها: بِئْسَ ما قُلتِ، أَتَسُبِّّينَ رَجُلاً قَد شَهِدَ بَدْرًا قالَتْ: أَيْ هَنْتَاه، أَوَلَمْ تَسْمَعي ما قَال قُلتُ: ومَاذا قَالَ قالَتْ: فَأَخْبَرَتْنِي بقَوْلِ أَهْلِ الإفْكِ، فازْدَدْتُ مَرَضًا إلى مَرَضِي، فلمَّا رَجَعْتُ إلى بَيْتي

________________________________
(1) قال النووي في “تهذيب الأسماء” (1/260): “وسلول أم عبد الله فلهذا قال العلماء الصواب في ذلك أن يقال عبد الله بنُ بيٍّ ابن سلول بالرفع بتنوين أبي وكتابة ابن سلول بالألف ويعرب أعراب عبد الله لأنه صفة له لا لأبي” ا . هـ.

 

 دَخَلَ عليَّ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قالَ: “كَيْفَ تِيكُم” قُلْتُ: أَتَأْذَنُ لِي أَنْ ءاتِيَ أَبَوَيَّ قالَتْ: وأنَا حِيْنَئِذٍ أُرِيْدُُ أنْ أَتَيَقَّنَ الخَبَرَ مِن قبلهِما، فأذِنَ لي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فَجِئْتُ أَبَوَيَّ، فقلتُ لأُمي: يا أُمَّاهُ، ما يَتَحَدَّثُ الناسُ قالَتْ: يا بُنَيةُ، هَوِّني عَلَيكِ فَوالله لَقَلَّما كانَت امرأةٌ قَطُّ وَضِيئَةٌ عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّها ولَها ضرائرُ إلا كَثَّرْنَ عَلَيها، قالَتْ: قلْتُ: سبحانَ الله، وقد تحدَّثَ الناسُ بهذا قالَتْ: فَبَكَيْتُ تلكَ الليلَةَ حتى أصبحتُ لا يَرْقَأُ لي دَمْعٌ ولا أَكْتَحِلُ بنَوْمٍ، ثم أصبَحْتُ أَبْكي. وَدَعَا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عليَّ بنَ أبي طالبٍ وأُسامةَ بنَ زيدٍ حين استَلْبَثَ الوحيُ يُسْتشِيرُهُما في فِراقِ أهْلِهِ، قالَت: فأمَّا أسامةُ بن زَيْدِ فأشارَ على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم بالذي يَعْلَمُه مِن براءَةِ أَهْلِهِ، وبالذي يَعْلَمُ في نَفْسِهِ لَهُمْ مِنَ الوِدِّ، فقالَ: يا رسولَ الله، هُمْ أهلُكَ ولا نَعْلَمُ إلا خَيرًا. وأما عليُّ بنِ أبي طالبٍ فقالَ: لَمْ يُضَيِّقِ الله عليكَ والنِّسَاءُ سِوَاها كثيرٌ، وإن تَسْألِ الجاريةَ تَصْدُقكَ، قالَ: فَدَعَا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بَرِيْرَةَ فقالَ: “أيْ بَريرةُ، هَلْ رأيْتِ من شَيءٍ يَريبُكِ مِنْ عائِشَةَ” قالَتْ لَهُ بَريرةُ: وَالذي بعثَكَ بالحقِّ إن رأيتُ عَلَيها أَمْرًا قَطُّ أغْمِصُهُ عَليها أََكثَرَ مِنْ أَنَّها جاريةٌ حَديثةُ السِّنِ تنامَ عَنْ عَجينِ أهلِها فتأتي الدَّاجِنُ فتأكُلُه، قالَتْ: فقامَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على المِنْبَرِ فاستَعذَرَ من عبدِ الله بنِ أُبيٍّ بنِ سَلُولٍ قالَتْ: فقالَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ عَلى المِنْبَرِ: “يا مَعْشَرَ المُسلمينَ، مَنْ يَعْذِرُني مِن رَجُلٍ قد بَلَغَ أَذَاهُ في أَهْلِ بَيْتِي، فَوالله مَا عَلِمْتُ عَلى أهْلي إلا خَيرًا ولقد ذكرُوا رَجُلاً ما عَلِمْتُ عَليهِ إلا خَيرًا، وما كانَ يَدْخُلُ عَلى أَهْلي إلا مَعِي” فَقَامَ سعدُ بنُ مُعاذٍ الأَنصاريُ فقالَ: أنَا أَعْذِرُكَ مِنْهُ يا رسُولَ الله، إِن كَانَ مِنَ الأَوْسِ ضَرَبْنَا عُنْقَهُ، وإن كانَ مِنْ إخوانِنَا الخَزْرَجِ أَمَرْتَنَا فَفَعَلْنَا أَمْرَكَ. قالَتْ: فقامَ سعدُ بنُ عُبادَةَ وَهُوَ سَيِّدُ الخَزْرَجِ وكانَ رَجُلاً صَالحًا ولكنِ اجْتَهَلَتْهُ الحَمِيَّةُ فقال لسعدِ بنِ مُعاذ: كَذَبْتَ لَعَمْرُ الله لا تَقْتُلُهُ ولا تَقْدِرُ على قَتْلِهِ، فقامَ أُسَيْدُ بنُ حُضَيْرٍ وهو ابنُ عمِ سَعْدِ بنِ مُعاذ فقالَ لسعدِ بنِ عُبادَةَ: كَذَبْتَ لعَمْرُ الله لنَقْتُلَنَّهُ فإِنَّكَ مُنافِقٌ تُجادِلُ عَنِ المنافِقِيْنَ، فثارَ الحيَّانِ الأَوْسُ والخَزْرَجُ حتى هَمُّوا أن يَقْتَتلُوا ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم قائمٌ على المِنْبَرِ، فَلمْ يَزَلْ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُخَفِّضُهُمْ حتَّى سَكَتُوا وسَكَتَ. قالَت: فبَكَيْتُ يَوْمِي ذَلِكَ لا يَرقَأُ لي دَمْعٌ ولا أَكْتَحِلُ بنوم، ثم بَكَيْتُ لَيْلَتِيَ المقْبِلَةَ لا يرقَأُ لي دمعٌ ولا أكتَحِلُ بنوم وأبوايَ يَظُنَّانِ أَنَّ البُكَاءَ فالِقٌ كَبِدِي، فَبَيْنَا هُما جَالِسَانِ عِنْدي وأنا أبْكِي استأذَنَتْ عَلَيَّ امرأةٌ مِنَ الأنصارِ فأَذِنْتُ لها، فَجَلَسَتْ تَبْكِي، قالَتْ: فبينَا نَحْنُ على ذَلِكَ دَخَلَ علينَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَسَلَّمَ ثم جَلَسَ، قَالَتْ: ولم يَجْلِسْ عِنْدِي مُنْذُ قِيلَ فِيَّ مَا قِيلَ، ولقَدْ لَبِثَ شَهْرًا لا يُوْحَى إليه في شَأْنِي بِشيءٍ، قالَتْ: فَتَشَهَّدَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حِينَ جَلَسَ ثُمَّ قَال: “أَمَّا بَعْدُ، يا عائشةُ فَإِنَّهُ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وكَذَا، فإن كُنْتِ بَريئةً فسَيُبَرِئُكِ الله، وإن كُنْتِ ألْمَمْتِ بذَنْبٍ فاستَغْفِرِي الله وتُوبي إليهِ، فإِنَّ العَبْدَ إذا اعْتَرَفَ بِذَنْبٍ ثُمَّ تَابَ تابَ الله عَلَيْهِ”، قالَتْ: فلَمَّا قَضَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مَقَالَتَهُ خَلَصَ دَمْعِي حتَّى ما أُحِسُّ مِنْهُ قَطْرَةً فقلتُ لأبي: أَجِبْ عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمَا قالَ، فقالَ: والله مَا أدْري ما أقولُ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فقُلْتُ لأُمِّي: أجيبي عَنِّي رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، فقالَتْ: والله ما أَدْرِي ما أقولُ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم. فَقُلْتُ وأنا جارِيةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ لا أَقْرأُ كَثيرًا مِنَ القُرءانِ: إنِّي والله لَقَدْ عَرَفْتُ أَنَّكُم قد سَمِعْتُم بِهَذَا حتَّى اسْتَقَرَّ في أَنْفُسِكُمْ وصَدَّقْتُمْ بهِ، فإِن قُلْتُ لَكُمْ: إِنِّي بَرِيئةٌ -والله يَعْلَمُ أنِّي بَرِيئةٌ- لا تُصَدِّقُونِي بِذَلِكَ وَلَئِن اعْتَرفْتُ لَكُمْ بأمْرٍ – والله يَعلَمُ أَنِّي بَرِيئةٌ – لتُصدِّقُونَنِي وإنِّي والله ما أَجِدُ لي ولَكُمْ مَثَلاً إلا كَمَا قَالَ أبو يوسُفَ ﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ واللهُ المُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ﴾ [سورة يوسف/ءاية18]. قالَتْ: ثُمَّ تَحوَّلْتُ فاضْطَجََعْتُ على فراشِي، قَالَتْ: وأَنَا والله حينَئذٍ أعَلَمُ أني بَريئةٌ، وأَنَّ الله مُبَرِئِي بِبَراءَةٍ، وَلَكِن والله ما كُنْتُ أَظُنُّ أَنْ يَنزِلَ في شَأنِي وَحْيٌ يُتْلَى، ولَشَأنِي كانَ أحْقَرَ في نَفْسِي من أَنْ يَتَكَلَّمَ اللهُ فِيَّ بِوَحْي يُتْلَى، ولكن كُنتُ أَرْجُو أَنْ يَرَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في النَّوْمِ رُؤْيا يُبَرِئُنِي الله بِها قالَتْ: فَوالله ما رامَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مَجْلِسَه ولا خَرَجَ مِنْ أَهْلِ البَيْتِ أَحَدٌ حتَّى أَنْزَلَ الله على نَبِيِّه، فأخَذَه ما كان يأخذُه من البُرَحاء عِنْدَ الوَحْيَ حَتَّى إِنَّهُ لَيَتَحدَّرُ مِنْهُ مِثْلُ الجُمَانِ مِنَ العَرقِ في اليَوْمِ الشَّات مِن ثِقَل القَوْلِ الذي أُنْزِلَ عَلَيه، قالَتْ: فلمَّا سُرّيَ عَن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يَضْحَكُ فكانَ أَوَلَ كَلِمةٍ تكلَّم بِهَا أَن قَالَ: “أبشري يا عائشة، أما الله فقد برَّأكِ”، فقالَتْ أُمّي: قُومِي إلى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فقلْتُ: والله لا أقُومُ إليهِ ولا أَحْمَدُ إلا الله، هُوَ الذي أَنْزَلَ بَراءتي، قالَتْ: فأنزَلَ الله: ﴿إنَّ الَّذِينَ جَآءُو بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ ِمِنْكُمْ﴾ [سورة النور/ءاية11] عشرَ ءايات، فأنزَلَ الله في هذِهِ الآياتِ بَراءَتي. قالَتْ: فقالَ أَبُو بكرٍ –وكانَ يُنْفِقُ على مِسْطَح لقرابَتِهِ مِنْهُ وَفَقْرِهِ ـ: والله لا أُنْفِقُ عَلَيْه شَيْئًا أبدًا بعدَ الذي قالَ في عَائِشَةَ، فأنْزَلَ الله تعالى: ﴿وَلا يَأتَلِ أُوْلُوْا الفَضْلِ مِنكُمْ﴾(ءاية/22) إلى قولِهِ: ﴿أَلا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللهٌ لَكُمْ﴾ [سورة النور/ءاية 22 ].
قال حِبانُ بنُ مُوسى: قَاَل عبدُ الله بنُ المبارك: هَذِهِ أَرْجَى ءايةٍ في كتاب الله.
فقال أبُو بَكرٍ: إنِّي لأُحِبُّ أَن يَغْفِرَ الله لي، فَرَجَعَ إلى مِسْطَحٍ النَّفقةَ التي كان يُنفقُ عليه وقَالَ: لا أَنْزِعُها مِنْه أَبَدًا.

قالَتْ عائِشَةُ: وكانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم سَأَلَ زينبَ بِنْتَ جَحْشٍ زوجَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَمْري: “ما عَلِمْتِ أَوْ مَا رَأَيْتِ” فقالَتْ: يا رسُولَ الله أَحْمِي سَمْعِي وبَصَري، والله ما عَلِمْتُ إلا خَيرًا. قالت عائشةُ: وهِيَ التي كانَتْ تُسامِيْني مِنْ أزْواجِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فَعَصَمَها الله بالوَرَعِ وَطَفقَتْ أختُها حَمْنَةُ بنتُ جَحْشٍ تُحارِبُ لَها فَهَلَكَتْ فيمَن هَلَكَ.
قال الزُّهْريُّ: فهذا ما انتهى إلينا من أمرِ هؤلاءِ الرَّهْطِ، وقال في حديث يونس: احْتَمَلتْه الحَمِيَّة.
هذا حديثٌ صحيح من حديثِ أبي بكرٍ محمد بنِ مُسلم بن شِهاب الزهري، كان كبيرَ القدرِ وافرَ العلم عن سعيدِ بن المسيب وعروةَ بنِ الزبيرِ وعبيدِ الله بن عبدِ الله بنِ عتبةَ وهم من الفقهاءِ السبعةِ، ومن حديثِ عَلقمةَ بنِ وَقَّاصٍ، كلُّهم عن أمِ المؤمنينَ الصديقةِ رضي الله عنها، رواهُ البخاريُّ في صحيحهِ(1) عَنْ عبدِ العزيز بنِ عبدِ الله، عن إبراهيمَ بنِ سعدٍ، عن صالحٍ، عن ابنِ شهابٍ. قال البخاري: وكانَ ذلكَ في غَزوة بَني المصْطِلقِ وتُعْرَفُ بغَزوةِ المرَيْسِيعِ، وهي قبلَ غزوة الحديبية، فالله(2) أعلم.

________________________________________
(1) أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الشهادات: باب تعديل النساء بعضهم بعضاً (2661)، وكتاب التفسير: باب {وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوْهُ قُلْتُمْ مَّا يَكُوْنُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ } [سورة النور /ءاية16] (4750)، ومسلم في صحيحه: كتاب التوبة: باب في حديث الإفك وقبول توبة القاذف (2770).
(2) كذا في الأصل بالفاء.

الحديث العاشر

أخبرنا عمي الإمام الحافظ أبو القاسم رحمة الله عليه قال: قرأت على أبي غالب بن البنا، عن أبي محمد الحسن الجوهري، أنا ابن حيويه، أنا ابن معروف أحمد، أنا أبو علي الحسين بن الفهم، نا محمد بن سعد(1)، أنا أبو بكر بن عبد الله بن أبي أويس، حدثني سليمان بن بلال، عن أسامةَ بنِ زيدٍ اللَّيْثِيِ، عن أبي سلمةَ بنِ الماجشون، عن أبي محمدٍ مولى الغِفارِييْنِ أن عائشة قالت:
قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: مَنْ أزواجُكَ في الجنَّة قالَ: “أنتِ مِنْهُنَّ”.
هذا حديث حسنٌ من حديث أبي سلمةَ يوسفَ بنِ يعقوبَ بن عبدِ الله الماجشون، روى عن صالح بنِ إبراهيمَ بن عبدِ الرحمٰن بن عَوْف. أخرج البخاري عنه في الصحيح في الوكالةِ وغيرها، وقد صح عن عمار بن ياسر أنه قال: “إنَّها زوجتُه في الدُّنيا والآخِرة”(2).
ولا يُظَنُّ به أن يَتَقَلَدَ هذا القول إلا بعد العلم اليقين بإخبار النبيّ صلى الله عليه وسلم له وذلك فيما:
أخبرنا أستاذي الإمامُ قطبُ الدين، أنا أبو محمدٍ البيهقيُّ، أنا أبو بكر البيهقي(3)، أنا أبو عبد الله الحافظ، أنا أحمد بنُ جعفرٍ القَطِيْعِيُّ، نا

_____________________________________
(1) أخرجه ابن سعد في “الطبقات الكبرى” (8/52).
(2) سيأتي تخريجه عند البخاري.
(3) أخرجه البيهقي في “دلائل النبوة” (6/412).

 عبدُ الله بنُ أحمدَ بنِ حنبلٍ، حدثني أبي، نا محمدُ بن جعفر، نا شُعبة، عن الحكم قال: سمعت أبا وائلٍ قال:
“لمَّا بَعَثَ عَليٌّ عمارًا والحسَنَ إلى الكُوفَةِ لِيَسْتَنْفِرَهُم خَطَب عَمارٌ  فقالَ: إنَّي لأعلَمُ أَنَّها زَوْجَتُه في الدُّنْيا والآخِرةِ ولكنَّ الله ابتلاكُمْ لِتَتَّبِعُوه أوْ إيَّاها”(1).
هذا حديثٌ صحيحٌ من حديثِ أبي اليقظانِ عَمّارِ بنِ ياسرٍ مولى بني مخزوم صاحبِ رسول الله صلى الله عليه وسلم قُتِلَ في صِفين وكان مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
رواه البخاريُّ في صَحِيحه(2)، عن مُحمدِ بنِ بَشَّارٍ عن غُنْدَر، عن شُعبةَ هكذا. ورواه الإمامُ أبو عبدِ الله أحمدُ بن حنبل(3) الشيبانيُّ الفقيهُ الزاهد إمام الحديث وناقِده، أحد الأئمة الأربعة رضي الله عنهم أجمعين.

_______________________________________________
(1) هذا الحديث معناه أن الرسول أوحى الله إليه أنه يصير قتال فيما بعد وأشار إلى عائشة ستكون مخالفة له وأشار إلى علي أن يرفق بها، فعلي نفذ ذلك لأنه لما ضرب الجمل التي كانت عليه انكسر أولئك، انتهت المعركة ردها إلى المدينة معززة مكرمة ما أهانها ولا وبخها، فالرسول علم أن ذلك كائن لا محالة.
(2) أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب فضائل أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم : باب فضل عائشة رضي الله عنها (3772).
(3) مسند أحمد (4/256).
الحديثُ الحادي عَشَرَ

وبالإسنادِ قال أبو بكرٍ البيهقيُّ(1)، أنا أبو عبد الله الحافظُ، أنا أبو بكرٍ محمد بنُ عبدِ الله بنِ الجُنَيْدِ، نا أحمدُ بنُ نَصْرٍ، نا أبو نعيمٍ الفَضْلُ بنُ دُكَيْن، نا عبدُ الجبارِ بنُ الوَرْدِ، عن عمّارٍ الدُّهْنِيِّ، عن سالم بنِ أبي الجَعْدِ، عن أمِّ سَلَمَةَ قالت:
ذكرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم خروجَ بعضِ أمهاتِ المؤمنين وضَحِكَتْ عائشةُ، فقالَ لها: “انظُري يا حُميراءُ أن لا تكوني أنتِ”، ثُمَّ التَفَتَ إلى عليّ وقالَ: “يا عليُّ إن وَلِيْتَ مِنْ أَمْرِها شَيْئًا فارفُقْ بها”.
هذا حديثٌ حسن من روايةِ أُمِّ سَلَمَةَ هِنْدٍ زوجةِ النبيّ صلى الله عليه وسلم.
وقد رُوِيَ عن حذيفة بنِ اليمانِ: أنه أخبرَ أبا الطُّفَيْلِ بمَيسر إحدى زوجاتِ النبي صلى الله عليه وسلم أمهاتِ المؤمنين في كَتِيْبَةٍ، وحذيفةُ ماتَ قبلَ مَسِيْرِها والغالبُ أنه لا يقولُه إلا عن سَماعٍ (2).
وفي هذا الحديثِ دِلالةٌ على صحةِ نبوتهِ صلى الله عليه وسلم وصِدقِه فيما أخبرَ أنه سيكونُ فكانَ كما قالَ، وذلك دليلٌ على صدقه فيما أخبرَ عنه من أمورِ الآخرةِ، والله أعلمُ.

———————————————
(1) أخرجه البيهقي في “دلائل النبوة” (6/412-413) للبيهقي.
(2) انظر “دلائل النبوة” (6/411).

الحديث الثاني عشر

وبالإسناد(1)، أنا أبو عبدِ الله الحافظ، نا أبو العباسِ محمدُ بنُ يعقوبَ، نا محمدُ بنُ إسحاقَ الصَّغَانيُّ، نا أبو نُعَيْمٍ، نا عبدُ الجبارِ ابنُ العباسِ الشباميُّ، عن عطاءِ بنِ السّائبِ، عن عمرَ بنِ الهَجَنَّع، عن أبي بَكْرَةَ قال:
“قيلَ لهُ، ما مَنَعَكَ أن لا تكونَ قاتلتَ على بَصِيْرَتِك يومَ الجَمل، قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: “يخرجُ قومٌ هَلكى، قائدُهُمُ امرأة، قائدُهُم في الجنَّةِ”(2) و (3).
أبو بَكْرَةَ هذا نُفَيْعُ بنُ الحارثِ ثَقَفيّ له صُحْبَةٌ، روى عنه جماعةٌ من التابعينَ. وفي هذا الحديثِ دِلالةٌ على أنها لا تَدْخُلُ النارَ وليست بكافرةٍ بمقاتَلَةِ عليٍ رضي الله عنه كما زَعَمَتِ الرافضةُ، وفيه دليلٌ على نبوةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم.

__________________________________________
(1) أخرجه البيهقي في “دلائل النبوة” (6/412-413).
(2) معناه أن الرسول عليه السلام أخبر أنه تحصل بين المسلمين فتنة ويكون قائد هؤلاء امرأة أي مشجعة هؤلاء القوم امرأة من أهل الجنة، هذا الحديث تفسيره فيما حصل في وقعة الجمل معنى وقعة الجمل المعركة التي كانت فيها عائشة بالبصرة بالعراق.
(3) قال الحافظ الهيثمي في “مجمع الزوائد ” (7/234): “رواه البزار وفيه عمر بن الهجنع، ذكر الذهبي في ترجمته هذا الحديث في منكراته، وعبد الجبار بن العباس، قال أبو نعيم: لم يكن بالكوفة أكذب منه، ووثقه أبو حاتم” ا. هـ ،وقال العقيلي في كتابه ” الضعفاء الكبير ” (3/196) في ترجمة عمر بن الهجنع : “عن أبي بكرة ، لا يتابع عليه ولا يعرف إلا به وعبد الجبار بن العباس من الشيعة ” ا هـ ثم ذكر الحديث ، وذكره الحافظ في “فتح الباري ” (13/55-56) عن أبي بكر بن أبي شيبة من طريق ابن الهجنع.
 
الحديثُ الثالثَ عَشَرَ

وبالإسناد نا ابنُ سعدٍ(1)، أنا محمدُ بنُ يزيدَ الواسِطِيُّ، نا مُجالِدُ ابنُ سعيدٍ، عن عامرٍ الشَعْبِيّ، عن مسروقٍ قالَ: قالت لي عائشةُ:
لقدْ رأيتُ جبريلَ(2) واقِفًا في حُجرتي هذهِ على فَرَسٍ ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُناجِيْهِ، فلمّا دَخَلَ قلتُ: يا رسولَ الله، منْ هَذا الذي رأيتُكَ تُناجيه؟ قال: “وهل رأيتِهِ؟” قلتُ: نعم. قال: “فبِمَ شَبَّهتِه؟” قلتُ: بِدِحْيَةَ الكلْبيِ(3)، قالَ: “لَقَدْ رَأَيْتِ خَيرًا كَثيرًا، ذاكَ جبريلُ”. قالتْ: فما لَبِثَ(4) إلا يَسِيرًا حتى قال: “يا عائِشَةُ، هذا جِبريلُ يَقْرأُ عَلَيكِ السَّلامَ”. قُلْتُ: وعليهِ السلامُ، جَزَاهُ الله مِن دَخيلٍ خَيْرًا.
هذا حديث حسن، من حديث أبي عائشةَ مسروقِ بنِ عبدِ الرحمٰن الأَجْدَعِ الهَمَدَانيِ الكُوْفِي، سَمِع عمرَ بنَ الخطابِ، وعليًّا رضي الله عنهما، روى عنه أبو وائلٍ والشعبيُّ. أخرجَهُ البخاريُّ(5) وقال فيه: “يا عائشُ”(6).

_____________________________________
(1)أخرجه ابن سعد في ” الطبقات الكبرى ” (8/53-54).
(2)جبريل عليه السلام أكثر الأوقات ما كان يأتيه بصورة بشر إنما كان يأتيه بغير صورة البشر، هذه المرة التي رأته عائشة ومرة كان في جمع من الصحابة، في حديث جبريل هذا من راءه لا يظن به أنه من أهل البلد ولا هو من البدو يأتون من البادية جلس إلى الرسول وسأله أربعة أسئلة.
(3)كان من أجمل الناس.
(4)في طبقات ابن سعد : “لبثت”.
(5)أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب فضائل الصحابة: باب فضل عائشة رضي الله عنها (3768)، ومسلم في صحيحه :كتاب فضائل الصحابة :باب في فضل عائشة رضي الله تعالى عنها (2447).
(6)في هذا الحديث فضل عائشة ، جبريل بطريق الرسول سلّم عليها.

الحديثُ الرابعَ عَشَرَ

وبالإسناد نا محمدُ بنُ سَعْدٍ(1)و(2)، نا مَعْمَر، عن الزهريِ، عن محمدِ بنِ عبد الرحمٰن بن الحارثِ بن هشام، عن عائشةَ قالت:أَرْسَلَ أزواجُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم فاطمةَ بنتَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فاسْتَأْذَنَتْ ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم مَعَ عَائِشَةَ في مِرْطِها فأَذِنَ لَها فدخَلَتْ فقالَتْ: يا رَسولَ الله إنَّ أزواجَكَ أَرْسَلْنَنِي إِلَيْكَ يسأَلْنَكَ العدْلَ في ابنةِ أبي قُحافةَ، فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: “أيْ بُنيةُ أَلَيْسَ تُحبينَ ما أُحِبُّ” قالَتْ: بَلى يا رسولَ الله، قالَ: “فأَحِبِّي هَذِه لعائشة”(3).
وفي الحديثِ طولٌ أنا اختَصَرْتُه.
هذا حديثٌ حسن من حديثِ أبي بكرٍ محمدِ بنِ عبدِ الرحمٰن بنِ الحارثِ بنِ هشامٍ المَخْزُوْمِيِ، ويقال: كُنْيَِتهُ أبو عبدِ الرحمٰن، سمعَ عائشةَ وأبا هريرةَ، روى عنه الشعبيُّ والزهريُّ.
وفيه من الفقهِ أن الزوجَ إذا أَحَبَّ زوجةً له دون غيرِها وزادَ في كرامتِها لا جُناحَ عليه ولا يستَحْقِقْنَ التسويةَ إلا في القَسمِ لا غير(4).

____________________________________________
(1)أخرجه ابن سعد في “الطبقات الكبرى” (8/137).
(2) في طبقات ابن سعد هنا زيادة : “أخبرنا محمد بن عمر” وهو الواقدي.
(3)أخرجه البخاري في صحيحه :كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها: باب من أهدى إلى صاحبه وتحرّى بعض نسائه دون بعض (2581)، ومسلم في صحيحه:كتاب فضائل الصحابة: باب في فضل عائشة رضي الله تعالى عنها (2442).
(4)معناه الرجل ليس عليه أن يسوي بينهن بالمحبة القلبية والاستمتاع وما زاد عن النفقة الواجبة كالهدية الزائدة إنما الفرض عليه القسْم في المبيت والنفقة الواجبة.
الحديث الخامس عشر

وبالإسناد، نا ابن سعد(1)و(2)، نا عبد الله بن أبي يحيى، عن عوف بن الحارث قال: حدثتني رُمَيثة قالت: سمعت أمَّ سلمة تقول:
كلَّمني صَواحبي أن أكلّم رسولَ الله صلى الله عليه وسلم -وكانتْ أمُّ سلمة(3)، وأمُّ حبيبةَ بنتُ أبي سفيانَ، وزينبُ بنتُ خزيمةَ، وجويريةُ بنت الحارث، وميمونة [بنت الحارث وزينب](4) بنت جحش في الجانب الشّامي، وكانت عائشةُ وصفيةُ وسَودةُ في الشّقِ الآخَرِ- فقالتْ أمُّ سَلمةَ: فكلمني صواحبي فقلن: كلّمي رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فإنَّ النَّاس يهدُون إليه في بيت عائشةَ، ونحنُ نحبُّ ما تحبُّ فيصرفون إليهِ هديَّتَهُم حيثُ كانَ، قالتْ أمُّ سلمةَ: فلمَّا دخلَ عليَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قلتُ: يا رسولَ الله، إنَّ صَواحبي قد أَمَرْنَنِي أنْ أُكلِّمكَ تأمرُ النَّاسَ أن يهدُوا إليكَ حيثُ كُنْتَ،
وقُلْنَ: إنا نحبُّ ما تُحب عائشةُ قالتْ: فلمْ يُجبْني. فسألنَنِي فقلتُ: لَمْ

__________________________________________
(1)أخرجه ابن سعد في “الطبقات الكبرى ” (8/129).
(2)في طبقات ابن سعد هنا زيادة : “أخبرنا محمد بن عمر” وهو الواقدي.
(3)أم سلمة،الله أذهب عنها الغيرة أما غيرها كان فيهن غيرة . هنا مسألة أن الأنبياء وإن كانت قلوبهم معلقة بالله أكثروا من الزواج لمصلحة دينية لا للشهوة.
(4)هذه الزيادة من “طبقات ابن سعد”.

 
يَرُدَّ عليَّ شَيْئًا، فلمَّا كانت(1) الثالثةُ عدْتُ إليه فقالَ: “لا تُؤذِيني في عائِشةَ، فإنَّ الوحْيَ لَمْ يَنْزِلْ عَلَيَّ في لِحافِ وَاحدةٍ مِنْكُنَّ غيرِ عائشةَ”.
هذا حديث صحيح متفق على صحته، رواه البخاري(2) مختصرًا عن عبدِ الله بنِ عَبدِ الوهّاب، عن حَمَّاد، عن هِشَام أبي المنذر، عن عُروةَ بنِ الزُّبير، وفيه قال عروة:
كَانَ النَّاسُ يَتَحَرَّوْنَ بهَدَايَاهُمْ يَوْمَ عائشةَ، قالَتْ عائِشةُ واجتمعَ صَواحبي إلى أُمِّ سَلَمة فذكره.
وأما كونُ أمِّ سلمة هي المتكلمةَ عنهن فلأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم دعا لها بذهاب غَيرتِها وذهبتِ الغَيرةُ عنها، رضي الله عنهن أجمعين.
الحديث السادس عشر

وبالإسناد نا ابن سعد، حدثني حاتم بن إسماعيل، عن جعفر بن محمد، عن أبيه قال:
لما ثَقُلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في مَرَضِهِ الذي تُوفي فيهِ قالَ: “أيْنَ أنَا غدًا” قالُوا: عِندَ فلانةَ، قالَ: “أينَ أنا بعدَ غدٍ”، قالُوا: عِنْدَ فُلانة، قالَ: فعرفَ أزواجُه أنَّه يُريد عائشةَ رضي الله عنها،

_____________________________________________
(1) في طبقات ابن سعد هنا زيادة : “الليلة”.
(2) أ خرجه البخاري في صحيحه : كتاب المناقب : باب فضل عائشة رضي الله عنها (3775).

 فقلْنَ: يا رسولَ الله قَدْ وَهَبْنَا أيامَنا لأُخْتِنا عائشةَ”(1).
هذا حديث صحيح متفق على صحته، روي معناه بألفاظ مختلفة، أخرجه البخاري(2) في صحيحه.
الحديث السابع عشر

أخبرني عمي(3) الإمام الحافظ رحمه الله، أنا أبو عبد الله الفراوي، أنا أبو عبد الله محمد الخبازي وأبو سهل الحفصي قالا: أنا أبو [الهيثم](4) الكُشْميهني، أنا أبو عبد الله الفربري، حدثنا الإمام أبو عبد الله محمدُ بنُ إسماعيل البخاريُّ، حدثني محمدُ بن عُبَيْدٍ، نا عيسى بنُ يونسُ، عن عمرَ بنِ سعيد، أخبرني ابنُ أبي مُليكةَ أنَّ أبا عمرٍو ذِكوانَ مولى عائشة أخبره أن عائشة كانت تقول:
“إنَّ مِن نِعَمِ الله عَلَيَّ أنَّ رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم تُوُفِيَ في بَيْتِي وفي يَوْمِي وبين سَحْرِي ونَحْري وأنَّ الله جَمَعَ بَيْنَ رِيقِهِ ورِيقي عِنْدَ مَوْتِهِ، دَخَلَ عَلَيَّ عبدُ الرحمٰن وبيدِهِ السِّواكُ وأَنَا مُسْنِدَةٌ رَسولَ

_____________________________________________________
(1)هذا الحديث أيضاً فيه فضل عائشة، العلماء قالوا أفضل أزواج الرسول خديجة ثم عائشة لكن فاطمة رضي الله عنها أفضل من خديجة أفضل النساء بعد مريم فاطمة ثم خديجة ثم ءاسية بنت مزاحم التي هي كانت زوجة فرعون رأس من رؤوس الكفر في ذلك الزمن، المؤمنة كان يجوز أن تعيش تحت كافر إنما حرم الله هذا بعد الهجرة بأربع سنوات.
(2)أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب المغازي: باب مرض النبيّ صلى الله عليه وسلم ووفاته (4450).
(3)أخرجه ابن عساكر في “تاريخ مدينة دمشق” (36/307) عن الفراوي.
(4) في الأصل “محمد ” والصواب ما أثبتناه، فهو الذي يروي عن الفربري “صحيح البخاري” ويرويه عنه الحفصي كما في “السير” (18/244) للذهبي.

 

الله صلى الله عليه وسلم فَرَأَيْتُه ينظُرُ إليهِ وعَرَفْتُ أنَّهُ يُحِبُّ السِّواكَ، فَقُلْتُ: ءاخُذُهُ لَكَ فأَشَارَ برأسِهِ أَن نَعَمْ، فَتَنَاوَلْتُهُ فاشتَدَّ عَلَيْهِ وَجَعُهُ،
 وقُلتُ: أُلَيِِنُهُ لَكَ فأَشَارَ برأسِهِ أَن نَعَمْ، فَلَيَّنْتُهُ فأمرَّهُ وَبَيْنَ يديهِ رَكوَة، أوْ عليه – يَشكُّ عُمَر فِيها- فَجعَلَ يُدخِل يَدَيْهِ في الماء فَيَمْسَحُ بِهِما وَجْهَهُ يَقُولُ: “لا إلهَ إلا الله، إنَّ للموتِ سَكراتٍ”، ثُمَّ نَصَبَ يَدَهُ فَجَعَلَ يَقُولُ:” فِي الرَّفيقِ(1) الأعْلى” حتَى قُبض ومَالتْ يَدُهُ صلى الله عليه وسلم”.
هذا حديث صحيح(2) من حديث أبي بكر عبدِ الله بنِ أبي مُلَيْكَةَ القرشي من كبار التابعين، سمع ابن عباس، وابنَ عمر، وعائشة، وقد أخرجه البخاري(3) من طريق أخرى عن سليمان بن بلال، عن هشام بن عروة، وذكره رزيْنٌ في مجموع الصحاح(4).
والسَحْر: الرئة، تعني موضع الرئة، يقال: انتفخ سَحْره، وقال صاحب المجمل: السحْر ما لَصقَ بالحلقوم والمريِّ من أعلى البطن.
ورواه البخاري(5) أيضًا فقال: “بين حَاقِنَتِي وذَاقِنَتِي”.

_______________________________________________________________
(1) الرفيق الأعلى جبريل وميكائيل وإسرافيل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :”اللهم إني أسألك الرفيق الأعلى الأسعد جبريل وإسرافيل وميكائيل”، أخرجه ابن حبان.
(2)أخرجه البخاري في صحيحه : كتاب المغازي :باب مرض النبيّ صلى الله عليه وسلم ووفاته (4449).
(3) انظر المصدر السابق (4450).
(4) انظر “جامع الأصول ” (11/64) لابن الأثير.
(5) انظر المصدر السابق (4446).

 

قال أبو عمرو: الحاقنةُ، النقرة بين الترقُوَةِ وحبل العاتق. والذاقنة طَرَفُ الحلقوم. وقال غيرهُ: الحاقنة: المطمئن بين الترقوة والحَلق والذاقنة: نُقْرة الذقن.
الحديثُ الثامنَ عشر

أخبرنا عمي الإمام الحافظ أبو القاسم رحمه الله قال: قرأت على أبي غالب بن البنا، عن أبي محمود الجوهري إجازة.
وأنبأنا عمي الإمام الصائن رحمه الله، أنا أبو طالب عبد القادر بن يوسف البغدادي، أنا الجوهري، أنا ابن حيويه، أنا أحمد بن معروف، نا الحسين بن الفَهْم، نا محمد بن سعد(1)، أنا حجاجُ بن نُصَيْر، نا عيسى بن ميمونَ(2)، عن القاسم بن محمد، عن عائشة قالت:
فُضِّلتُ على نساءِ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم بِعَشْرٍ: قيلَ: ما هُنَّ يا أمَّ المؤمنين قالت: لم يَنكِح بِكرًا قطُّ غَيري ولم ينكح امرأةً أبواها مهاجران غيري، وأنزل الله براءتي من السماء، وجاءَه جبريلُ بصورتي(3) مِنَ السماءِ في حَريرةٍ وقال: تزوجْها فإنَّها امرأتُك، وكنتُ أغتسلُ أنا وهو من إناءٍ واحدٍ ولم يكن يَصنعُ ذلك بأحدٍ من نسائه غيري، وكانَ يُصلي وأنا معترضةٌ بين يديه ولم يكنْ يفعلُ ذلك

_________________________________________________
(1)أخرجه ابن سعد في “الطبقات الكبرى” (8/ 50- 51).
(2) قال الحافظ ابن حجر في “الإصابة ” (4/ 360) فيه : “واه”.
(3) معناه أتاه بصورتها على قطعة حرير وليس معناه أنه تشكل بصورتها لأن الملائكة لا يتشكلون بأشكال النساء.

 بأحدٍ مِن نسائِه غيري، وكان ينزِل عليه الوحي وهو معي ولم يكن ينزلُ عليه وهُوَ مع أحدٍ من نسائه غيري، وقبض الله روحه وهو بين سَحْري ونَحْري، وماتَ في الليلة التي كان يدور عليَّ فيها ودفن في بيتي.
هذا حديث حسن من حديث أبي محمد، ويقال: أبو عبد الرحمٰن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
وقد صحَّ أن عائشة رضي الله عنها خصت بهذه الأشياء وورد ذلك في الصحَاح. نعم رُويَ في بعض الأحاديث أنه اغتسل وأم سلمة من إناء واحد. وكلامها(1) يحمل على الغالب ويكون ذلك مع أم سلمة مرة واحدة لا متكررًا جمعًا بين الروايتين، والله أعلم.
الحديث التاسع عشر

أخبرنا أستاذي الإمام قطب الدين أبو المعالي رحمه الله، أنا عبد الجبار البيهقي، أنا أبو بكر البيهقي، أنا أبو سعيد عثمان بن عبدوس بن محفوظ الفقيه الجزروذي وأبو عبد الرحمٰن محمد بن الحسين السلمي، نا أبو محمد يحيى بن منصور، نا جعفر بن محمد بن الحسين.

________________________________________________
(1) يعني حديث عائشة.

 

[ح] قال أبو بكر البيهقي(1): وأخبرنا علي بن أحمد بن عَبدانَ، أنا أحمد بن عبيد، نا إبراهيم بن إسحاق السَّرَّاجُ قالا: نا يحيى بن يحيى،
 أنا سليمان بن بلال، عن يحيى بن سعيد قال: سمعت القاسم بن محمد يقول:
قالتْ عائشةُ: وارأساه، فقال لها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: “ذاكِ لو كانَ وأنَا حيّ فأستغفرُ لكِ وأدعو لكِ”، قالت عائشة: واثُكلياه، والله إني لأظنُّكَ تُحِبُّ مَوْتي ولو كان ذلكَ لظللتَ ءاخرَ يومِك مُعْرسًا ببعضِ أزواجك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “بل أنا وارأساه، لقد هممتُ أن أرسلَ إلى أبي بكر وابنه وأعهدَ أن يقولَ القائلون أو يتمنى المتمنُّون فقلت: يأبى الله ويدفعُ المؤمنون، أو يدفعُ الله ويأبى المؤمنون”.
هذا حديث صحيح من حديث أبي محمد القاسم، عن عمته أم المؤمنين. وثابتٌٌٌٌٌٌٌٌٌٌٌٌٌٌٌٌٌٌٌٌٌٌٌٌٌٌٌٌٌٌٌٌٌٌٌٌٌٌ من رواية أبي سعيد يحيى بن سعيد بن قيس بن عمرو بن سهيْل، أخرجه البخاري(2) في صحيحه عن يحيى بن يحيى وقال: “يأبى الله ويدفعُ المؤمنون”.

________________________________________________
(1) أخرجه البيهقي في “دلائل النبوة” (7/168).
(2) أخرجه البخاري في صحيحه : كتاب المرضى : باب ما رخص للمريض أن يقول إني وجع أو وارأساه (5666).

 

وأخرج مسلم(1) أيضًا قولَه صلى الله عليه وسلم:
“ادْعي لي أبَاكِ أوْ أَخَاكِ حتَّى أكْتُبَ كِتَابًا فإِني أخافُ أن يَتَمَنَّى مُتَمَنٍّ أوْ يَقُولَ قَائِلٌ، ويَأْبَى الله والمؤمنونَ إلا أبا بَكْرٍ”.
ولا يسوغُ لأحد أن يطعن في هذا الحديث ويقول: لو كان ذلك صحيحًا لنقله غيرُ عائشة كغيره من الأحاديث. فنقول: السبب في أن غير عائشة لم ينقل هذا ولا مثلَه أن ذلك كان في حال مرضه وانقطاعه في بيت عائشة رضي الله عنها كما قيل: إنه لم يشهد وفاتَه صلى الله عليه وسلم غيرها والملائكة. وقد أظهر الله صدقها ومعجزةَ نبيه بكونه أخبر عن شيء لم يكن فكان كما أخبر، وفي هذا دليلٌ على جواز العهد للخلفاء. أعاذنا الله من الطعن في أئمة الدين وأمهات المؤمنين وبالله العون والتوفيق.
الحديث العشرونَ

وبالإسناد، أنا أبو بكر البيهقي(2)، أنا أبو الحسن علي بن محمدٍ المقرئ، أنا الحسن بن محمد بن إسحاق، نا يوسف بن يعقوب القاضي، نا محمد بن أبي بكر، نا مرحوم بن عبد العزيز، نا أبو عمران الجَوْني، عن يزيد بن بابنوسَ أنه أتى عائشة فقالت:

_____________________________________________________
(1) أخرجه مسلم في صحيحه : كتاب فضائل الصحابة : باب من فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه (2387).
(2) أخرجه البيهقي في ” دلائل النبوة ” (7/ 213- 214).
 

“كانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ مرَّ بحُجْرتي ألقَى إليَّ الكلمة يقِرُّ بها عيني، فمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يتكلم فَعَصَبْت رأسي ونمت على فراشي، فمرَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وقالَ: “ما لكِ يا عائشة” فقلت: أشتكي رأسي، فقال: “بلْ أَنا وارَأساه، أنا الذي أشتكي رأسي”، وذلك حين أخبرَه جبريل أنه مقبوضٌ، فلبثْتُ أيامًا، وجيء به يحمَلُ في كِساء بينَ أربعة، فأُدْخِلَ عليَّ فقال: “يا عائشة أرسلي إلى النسوة”، فلما جئن قال: “إني لا أستطيع أن أختلف بينكن فأْذَنَّ لي فأكون في بيت عائشة”، قلْنَ: نعم، فرأيته يحمَرُّ وجهه ويعرق، ولَمْ أكُنْ رأيت مَيتًا قطُ، فقال: “أقعِديني”، فأسندته إليَّ ووضعت يدي عليه فقبلت رأسه، فرفعتُ يدي عنه وظننت أنه يريد أن يصيب من رأسي، فوقعَت من فيه نقطةٌ باردة على تَرْقُوَتي أو صدري، ثم مال فسقط على الفراش فسجَّيْتُه بثوب، ولم أكن رأيت ميتًا قط، فعرفت الموت بغيره، فجاء عمرُ يستأذنُ ومعه المغيرة بن شعبة فأذِنْتُ لهما ومددت الحجاب فقال عمر: يا عائشة، ما لنبي الله صلى الله عليه وسلم قلتُ: غُشيَ عليه منذ ساعة فكشف عن وجهه فقال: واغمَّاه، إن هذا لَهُوَ الغمُّ، ثم غطاه ولم يتكلم المغيرةُ، فلما بلغ عند الباب قال المغيرة: مات رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عمر. فقال عمر: كذبْتَ، ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يموت حتى يأمر بقتال المنافقين بل أنت تحوشُك فتنةٌ، فجاءَ أبو بكر فقال: ما لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا عائشة قلت: غشي عليه منذ ساعة، فكشف عن وجهه فوضع فمَه بين عينيه ووضع يديه على صُدغيه وقال: وانبياه، واصفياه، واخليلاه، صدق الله ورسوله: ﴿إنَّكَ مَيِِّتٌ وَإِنَّهُم مَيِّتُونَ﴾ [سورة الزمر /ءاية 30]، ﴿وَمَا جَعَلْنَا لِبَشرٍ مِّن قَبْلِكَ الخُلْدَ أَفَإِيْن مِّتَّ فَهُمُ الخَٰلِدُونََ﴾ [سورة الأنبياء/ ءاية 34]، ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ المَوْتِ﴾ [سورة ءال عمران/ ءاية 185] ثم غطاه وخرج إلى الناس وقال: أيها الناس هل مع أحد منكم عهدٌ من رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: لا. قال: من كان يعبد الله فإنَّ الله حي لا يموت، ومن كان يعبد محمدًا فإنَّ محمدًا قد مات ثم قال: ﴿إنَّكَ مَيِِّتٌ وَإِنَّهُم مَيِِّتُونَ﴾ [سور الزمر/ 185]. وقوله ﴿كل نفس ذائقةُ الموت﴾ [سورة ءال عمران] فقال عمر: أفي كتاب الله هذا يا أبا بَكر قال: نعم. قال عمر: هذا أبو بكر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار وثاني اثنين فبايعُوه، فحينئذ بايَعوه”.
هذا حديث حسن أخرج البخاريُّ(1) قصةَ البيعة بمعنى هذا عن إسماعيلَ بنِ عبدِ الله عن سُليمانَ بنِ بِلال، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، ورواها أيضًا من وجه ءاخر عن عبد الرحمٰن بن

_______________________________________________________
(1) أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب فضائل الصحابة: باب قول النبيّ صلى الله عليه وسلم :” لو كنت متخذاً  خليلاً ” قاله أبو سعيد (3667 و 3668).

القاسم عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها.
وفي رواية البخاري عن أبي بكيْر:
قال عمر: كأني لم أسمع تلك الآيات ولا أحد من الصحابة قبل ذلك.
وأبو عمران اسمه عبد الملك بن حبيب الجَوْني، تابعي سمع أنسًا وعبادة بن الصامت. روى عنه حماد بن زيد وجعفر بن سليمان.
الحديث الحادي والعشرون

أخبرنا عمي(1) الإمام الحافظ رحمه الله، أنا أبو الأعز قراتكين بن الأسعد، أنا أبو محمد الجوهري، أنا أبو الحسن علي بن محمد بن أحمد بن لؤلؤ، أنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن أبان السراج، أنا بشار بن موسى الخفاف، نا خالد بن عبد الله، نا خالد الحذاء قال: سمعت أبا عثمان النهدي يقول:
“كانَ عمرُو بنُ العَاص جَالسًا يُحدّثُ النَّاسَ عَنْ جَيْشِ السَلاسِل قالَ: قُلْتُ يا رسُولَ الله، أيُّ النَّاسِ أَحبُّ إليْكَ قالَ: “عائشةُ”، قُلْتُ: مِنَ الرِّجالِ قالَ: “أَبُوها أَبو بكرٍ”، قُلتُ: ثُمَّ مَنْ قَالَ: “عمرُ ابنُ الخطَّاب”، قُلْتُ: ثُمَّ مَن قَالَ: فَعدَّ لي رِجالاً”.
هذا حديث صحيح من حديث أبي عبد الله عمرو بن العاص بن وائل بن هشام السهمي القرشي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان كبير القدر كثير الحزم والتدبير.

____________________________________________________
(1) أخرجه ابن عساكر في “تاريخ مدينة دمشق ” (3/199 و 30/134).

رواه البُخاري في صحيحه(1) عن مُعَلّى بن أسَدٍ، عن عبد العزيز، عن خالد هكذا. ورواه مسلم(2) في صحيحه عن يحيى بن يحيى، عن خالد أيضاً. ووقع إليَّ من طريق الباغندي وزاد فيه: “أيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إلَيْكَ حتَّى أُحِبَّهُ”.
وفي هذا إشارة إلى أن من أحب إنسانًا أحب ما يحبه.
وقوله بعد ذكر عائشة: إنما أعني من الرجال، فليس ذلك بإعراض عن عائشة ولا لِقدح فيها، وإنما الصحابة كانوا يعرفون أنها أحب الناس إليه، ولهذا كانا يسمونها حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا يتحرون بهداياهم يوم عائشة كما ذكرناه، وإنما سأل ليعرف حال جماعة كان بعض الناس يشكّون في تقضيل بعضهم على بعض، والله أعلم.
الحديث الثاني والعشرون

أخبرنا عمي(3) الحافظ رحمه الله، أنا أبو الفضل محمد بن إسماعيل الفضيلي بقراءتي عليه بهراة، أنا أبو مضر محلم بن إسماعيل بن مضر بن إسماعيل الضبي قراءة عليه (4)  وأنا أسمع في سنة سبع

________________________________________
(1)أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب فضائل الصحابة: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: “لو كنت متخذاً خليلاً ” قاله أبو سعيد (3662).
(2) أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب فضائل الصحابة: باب من فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه(2384).
(3) أخرجه ابن عساكر في “تاريخ مدينة دمشق” (28/323) عن أبي الفضل.
(4) يعني غيره قرأ عليه.

  وخمسين وأربع مائة بهراة، أنا أبو سعيد الخليل بن أحمد ابن محمد بن الخليل بن موسى بن عبد الله القاضي السجزي قراءة عليه بهراة وأنا أسمع، نا أبو العباس محمد بن إسحاق بن إبراهيم الثقفي، نا أبو رجاء قتيبة بن سعيد، نا عبد العزيز، عن عبد الله بن عبد الرحمٰن، عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
“فَضْلُ عائِشَةَ على النِّساءِ كفضل الثَّرِيد على الطعامِ”.
هذا حديث صحيح رواه البخاري(1) بزيادة، عن ءادمَ، عن شعبة، عن عمرو بن مرةَ، عن أبيه، عن أبي موسى الأشعريِ. ورواه مسلم (2) أيضًا عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن وكيعٍ، عن شعبة. ورواه رزيْنٌ في مجموع الصحاح، وزاد فيه جملةً:
“كَمَل من الرجال كثيرٌ ولَمْ يَكْمُلْ منَ النساءِ إلا أربعٌ: فاطمةُ بنتُ محمد، وخَديجةُ بنتُ خُويلد، وءاسية امرأةُ فرعونَ. ومريمُ ابنةُ عِمرانَ” (3).
وفي هذا فضيلةٌ سَنِيَّةٌ لعائشةَ، لأنه شَبَّهها بأفضل طعام العرب وأكثرِ تغذيةٍ من غيره. ولهذا قيل: [من الكامل]

______________________________________________________________
(1)أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب أحاديث الأنبياء: باب قول الله تعالى ﴿ وَإِذْ قَالَتِ الْملائِكَةُ يٰمَرْيَمُ إِنَّ اللهَ آصْطَفَٰكِ وَطَهَّرَكِ﴾ [سورة ءال عمران /ءاية 42] (3433).
(2) أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب فضائل الصحابة: باب فضائل خديجة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها(2431).
(3) انظر ” جامع الأصول ” (9/124) لابن الأثير.

عَمْرو(1) العُلا هَشَمَ الثَريدَ لقومِهِ  ورجالُ مكةَ مُسْنتُونَ(2) عِجَافُ
الحديث الثالث والعشرون

أخبرنا عمي(3) الإمام الحافظ رحمه الله، أنا أبو بكر محمد بن الحسين بن علي الفرضي المقرئ المعروف بابن المرزفي بقراءتي عليه في رجب سنة إحدى وعشرين وخمس مائة، أنا الشريف أبو الغنائم عبد الصمد  بن علي بن المأمون، أنا أبو القاسم عبيد الله بن محمد بن سليمان بن حبابة، نا أبو القاسم عبد الله بن محمد، نا سليمان بن عمرو، نا بقية عن يزيدَ بن أيهم، عن يزيد بنِ شُرَيْحٍ، عن عائشة قالت:
كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا غضبَ على عائشة وضعَ يدَه على مَنْكبِها فقالَ: “اللهمَّ اغفرْ لها ذَنْبَها وأَذْهِبْ غيظَ قَلْبِها وأَعِذْها من مُضلاَّت الفِتَن” (4).
هذا حديث صحيح حسن من حديث بقيةَ بن الوليد.
وقولُه: “إذا غضب على عائشة” يحتمل أن يكون من قولِ الراوي وقد رواه بمعنى ما سمِعَه منها، والله أعلم.

__________________________________________________
(1)يعني عمروًا الذي درجته عالية وصفه بعلو الدرجة كما يقال زيد الخير.
(2) أي أصابهم الجدب القحط والمجاعة.
(3)أخرجه ابن عساكر في ” تاريخ مدينة دمشق ” (65/236) عن أبي بكر الفرضي.
(4)أخرجه الإمام أحمد في مسنده (6/302) بنحوه من حديث أم سلمة رضي الله عنها.

 
الحديث الرابع والعشرون

أخبرنا الشيخ الأمين أبو المعالي عبد الله بن عبد الرحمٰن بن صابر، أنا الشريف النسيب أبو القاسم علي بن إبراهيم الحسيني خطيب دمشق، أنا أبو الحسين محمد بن عبد الرحمٰن بن عثمان رضي الله عنه في سنة أربع وأربعين وأربع مائة قال: قرئ على القاضي يوسف بن القاسم بن يوسف المَيَانَجي وأنا حاضر أسمع، قيل له: أخبركم أبو يعلى(1) أحمد بن علي بن المثنى الموصلي، نا أبو موسى، نا سهل بن حماد أبو عتَّاب الدلال، نا مختار بن نافع التميمي، عن أبي حيان، عن أبيه، عن عليَّ رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“رحمَ الله أبا بكر زوَّجَني ابْنَتَه، وحملَني إلى دار الهجرة، وأعتقَ بلالاً من مالِهِ، رحمَ الله عُمرَ يقولُ الحقَّ وإن كانَ مُرًّا، تركَه الحقُّ وما لَه من صديقٍ، رحمَ الله عثمانَ تستحييه الملائكةُ، رحمَ الله عَليًّا، اللَّهم أدِر الحقَّ مَعَهُ حيثُ دارَ”(2).
هذا حديث حسن صحيح من حديثِ أمير المؤمنين أبي الحسن علي

________________________________________
(1) أخرجه أبو يعلى في مسنده (1/418-419)، وأخرجه ابن عساكر في ” تاريخ دمشق” (42/448) من طريق أبي يعلى.
(2) أخرجه الترمذي في سننه: كتاب المناقب: باب مناقب عليّ بن أبي طلب رضي الله عنه (3714) وقال: ” هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، والمختار بن نافع شيخ بصري كثير الغرائب ” ا.هـ.

 

 بن أبي طالب الفارِس المقَدَّمِ والإمام المكَرمِ له المناقبُ الشريفة والمكارم المُنيفة، فضائله لا تُحَدُ ومعاليه لا تعد، أسلم قبل أن يبلُغَ الحُلم قيل: كان ابن عشر سنين، وقيل: ست سنينَ، وقيل غيرُ ذلك. وبارز يومَ خيبرَ وأعطاه النبيُّ صلى الله عليه وسلم الرايةَ يومَ قال:
“سأُعْطي الرايةَ غَدًا رَجُلاً يُحبُّ الله ورسولَه وَيحبُّه اللهُ ورسولُه”(1)
مات قتيلاً شهيدًا في شهر رمضانَ سنةَ أربعينَ من الهجرة.
وهذا الحديثُ دليلُ فضل أبي بكرٍ رضي الله عنه، وفيه أيضًا فضلُ عائشةَ لأنه جعلَ له المنةَ عليه بِسَبَبِها، والله أعلم.
الحديث الخامس والعشرون

أخبرنا عمي الحافظ أبو القاسم رحمه الله، قال: أنا أبو القاسم الحسين بن علي بن الحسين القرشي وأبو الفتح المختار بن عبد الحميد البوسنجيان، وأبو المحاسن أسعد بن علي بن الموفق، والأمير أبو عمرو محمد بن محمد بن القاسم القرشي قالوا: أنا أبو الحسن عبد الرحمٰن بن محمد بن المظفر الداودي البوسنجي قراءة عليه، أنا أبو محمد عبد الله بن أحمد بن حمويه السرخسي، نا أبو إسحاق إبراهيم بن خزيم الشاشي، أنا أبو محمد عبد بن حميد، حدثني محمدُ بنُ الفضل، نا حمادُ بنُ سلمةَ، عن ثابتٍ البناني، عن أنس أنَّ رجلاً

______________________________________________
(1) أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب فضائل الصحابة : باب مناقب علي بن أبي طالب رضي الله عنه (3702)، ومسلم في صحيحه: كتاب فضائل الصحابة : باب من فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه (2404).

 

 فارسيًا كانَ جارَ النبيّ صلى الله عليه وسلم وكانتْ مرقتُه أطيبَ شيءٍ ريحًا، فصنعَ طعامًا ثم جاءَ إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فدعاه وعائشةُ إلى جنبهِ، فأومأ إليه: أنْ تعالَ. قالَ: “وهذهِ مَعي” قالَ: وأشارَ إلى عائشةَ، فقال: لا. ثم أشارَ إليهِ الثانيةَ، فقال: “وهذه معي”، قال: لا، ثم أشار إليه، فقال: نعم. فذهبت عائشةُ(1).
كذا في الأصلِ، وقد سقط منه ذكرُ الثالثةِ والإشارةُ إلى عائشةَ ولا بدَّ منه.
هذا حديث حسن من حديث أبي حمزةَ أنس بن مالك الأنصاري.
وهذا الحديث يحتمل أن يكونَ قبل نزول الحجاب، ويحتمل أن يكونَ بعده وهو الأشبهَ، لأنه قال: “أومأ إليه”، معناه أنه لم يتقرَّبْ منه وإن دنا منه فقد تكون عائشةُ رضي الله عنها مستترةً وهي إلى جنبِهِ وقد عرَفَها بالإشارة إليها، وإذا؟ هكذا فيكونُ قولَ الفارسي: “لا” في المرتين رغبة منه في أن يواكل النبي صلى الله عليه وسلم لأنه قد نقل:
“مَنْ أكلَ مع مغفورٍ لَهُ غُفِرَ له”(2).

______________________________________________________
(1)أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الأشربة: باب ما يفعل الضيف إذا تبعه غير من دعاه صاحب الطعام (2036).
(2) قال الحافظ السخاوي في كتابه “المقاصد الحسنة ” (ص/628): ” قال شيخنا (يعني الحافظ ابن حجر): هو كذب موضوع، وقال مرة إنه لا أصل له صحيح ولا حسن ولا ضعيف” ا.هـ ، وقال الحافظ السيوطي في كتابه “الدرر المنتثرة” (ص/169): ” لا أصل له ” ا.هـ.

فأراد أن لا يحرِِِِِِِمَ نفسَه ذلك وَخَشِيَ أنها إن كانت معه لا يقدِرُ على مواكلتهِ لا بُخلاً على عائشة به، وكيف يُظَنُّ ذلك وهم كانوا يَتَحَرَّوْن بهداياهُم يومَ عائشة كما تقدَمَ طلبًا لرضاهُ صلى الله عليه وسلم، فلما عَلِمَ الفارسيُّ جِدَّهُ في أكلِها معه أَذِنَ له في الثالثة لأن لا يُحْرَمَ بركةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بأكله طعامَه، والله أعلم.
وقد روي من وجه ءاخر: أن خياطًا دعاه وسبَقَه ثم تبعه النبيّ صلى الله عليه وسلم وعائشة معه، فلما بلغ البابَ قال: “ومن معي” وهي عائشةُ قال: نعم.
وفيه من الفقهِ جوازُ الاستثناء في الدعوةِ واستصحابِ غيرهِ، والله أعلم.

 
الحديث السادس والعشرون

أخبرنا عمي الحافظ أبو القاسم علي رحمه الله، أنا أبو عبد الله الفراوي، أنا أبو الحسين الفارسي، أنا محمد بن عمرويه الجلودي، أنا أبو إسحاق بن سفيان، نا مسلم بن الحجاج، نا زهير بن حرب، نا روح بن عبادة، نا زكريا بن إسحاق، نا أبو الزبير، عن جابرِ بنِ عبد الله قال:
دخلَ أبو بكر رضي الله عنه ليستأذنَ على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فوجدَ الناسَ جُلوسًا ببابه لم يُؤذن لأحدٍ منهم قال: فأُذِنَ لأبي بكر فدخلَ، ثم أقبلَ عُمر فاستأذنَ فأُذن له، فوجدَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم جالسًا حوله نساؤه وَاجمًا ساكِتًا قال: فقال لأقولَنَّ شيئًا أُضْحِكُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسولَ الله، لو رَأَيْتَ بنتَ خارجةَ سألتْني النفقةَ فقُمتُ إليها فَوَجَأْتُ عُنقهَا فضحكَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وقال: “هُنَّ حولي كما ترى يسألنَني النفقةَ”. فقامَ أبو بكر رضي الله عنه إلى عائشةَ يَجَأُ عنقَها، وقامَ عُمرُ إلى حفصةَ يَجأُ عنقَها كلاهما يقول تسألْنَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ما ليسَ عندَه، قلْن: والله لا نَسألُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم شَيئًا أبدًا ليسَ عندهُ، ثم اعتزلَهنَّ شَهرًا أو تِسعًا وعشرين، ثم نزلَتْ عليه هذه الآيةُ: ﴿يٰأَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَّزْوَاجِكَ﴾(ءاية/28) حتى بلغ: ﴿لِلْمُحْسِنٰتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا﴾(ءاية/29) [سورة الأحزاب] قال: فبدأ بعائشة، فقال: “يا عائشةُ إني أريدُ أن أعْرِضَ عليكِ أمرًا أحبُّ أن لا تَعجَلي فيهِ حتى تَسْتَشِيري أبويك” قالتْ: وما هُوَ يا رسولَ الله فتلا عليها هذهِ الآيةَ. قالت: أفيكَ يا رسولَ الله أستشيرُ أبويَّ بل أختارُ اللهَ ورسولَه والدارَ الآخرة، وأسألُكَ أن لا تخبرَ امرأةً مِن نسائِك بالذي قلْتُ، قالَ: “لا تسألُني امرأةٌ منهنَّ إلا أخبرتُها، إن الله لم يبعثْني مُعَنِّتًا ولا مُتعنِّتًا ولكن بعثني مُعلمًا مُيَسِّرًا”.
هذا حديثٌ صحيحٌ متفقٌ على صحته. رواه البخاريُّ(1) في صحيحه

____________________________________________________________________
(1) أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب التفسير: باب قوله:﴿ قُل لأَزْواجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَوٰةَ الُّدنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلاً﴾ (ءاية 28/سورة الأحزاب) (4785).

 مُختصرًا عَن أبي اليمان، عن شُعيب، عن الزُّهري، عن أبي سَلَمة بنِ عبدِ الرحمٰن، عَن عائشةَ. ورواه مسلم(1) في صحيحه كما سُقْتُه من حديثِ جابر بن عبد الله بن عمرِو بن حرام، أبي عبدِ الله الأنصاريُّ.
وفي اختيارِهِنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم مع ضيقة العيش دليلُ فضلهن وتوفيقِهن وتقديمُ عائشة دليلٌ على محبته لها أشدَّ من غيرها(2)، والله أعلم.

__________________________________________________________
(1) أخرجه مسلم في صحيحه : كتاب الطلاق: باب بيان أن تخيير امرأته لا يكون طلاقاً إلا بالنية (1478).
(2) أي من أزواجه اللاتي كن في ذلك الوقت معه.

 
حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنهما
الحديث السابع والعشرون

أخبرنا عمي الإمام الحافظ أبو القاسم رحمه الله، أنا أبو الأعز قراتكين بن الأسعد، أنا أبو محمد الجوهري، أنا أبو القاسم عبد العزيز بن جعفر بن محمد، نا الباغندي، نا محمد بن ثواب الهباري، نا محمد بن بشر، نا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم طلَّقَ حفصةَ فأتاهُ جبريلُ فقالَ: إنَّ اللهَ يُقرئُكَ السلامَ ويقولُ: إنَّها لزوجتُك في الدنيا والآخرةِ فراجِعْها.
هذا حديثٌ حسن من حديث قتادة أبي الخطاب بن دعامة بن قتادة، وقد نقل عنه هذا موقوفًا، ولم يذكر أنسًا. قال ابن سعد في طبقاته(1):  نا سعيد بن عامر، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قَتادةَ قال:
طلَّق رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حفصةَ فجاءَهُ جبريل فقالَ: يا محمدُ راجِعْ حفصةَ، وإما قالَ: لا تطلقْ حفصةَ، فإنَّها صَؤومٌ قَؤومٌ وإنَّها مِن نسائِكَ في الجنة(2). وهذا إن كان مرسلاً فلا يقوله إلا توقيفًا(3) لأنه إخبار عن جبريل ولا يطلع على ذلك ولا يعلَمهُ إلا بإخبار النبيّ صلى الله عليه وسلم.

______________________________________________________________
(1)أخرجه ابن سعد في “الطبقات الكبرى ” (8/67).
(2) أخرجه الطبراني بنحوه في ” المعجم الكبير ” (18/395).
(3)أي بنقل الصحابي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أم سلمة هند رضي الله عنها
الحديث الثامن والعشرون

أخبرني عمي(1) الإمام الحافظ رحمه الله، أنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي البزاز رحمه الله، أنا الجوهري، أنا أبو عمرو بن حَيَوَيْه، أنا أحمد بن معروف، أنا الحسين بن الفهم، أنا ابن سعد كاتب الواقدي، أنا أبو أسامة، عن عوفِ بن أبي جميلةَ، عن أبي المُعَدَّلِ عطية الطُّفَاوِيّ، عن أمهِ(2) قالت: أخبرتني أم سلمة قالت:
بينا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ذاتَ يوم في بيتي إذْ جَاءتِ الخَادمُ فقالت: عليٌّ وفاطمةُ بالسُّدّة، فقال لي: “تنحي” فتنحَّيْتُ في ناحية البيت، فدخلَ عليٌّ وفاطمةُ ومعهما حَسنٌ وحُسين وهما صَبيان صغيران، فأخذَ حَسنًا وحُسينًا فأجلسَهما في حِجرِه وأخذَ عليًّا فاحتَضَنَهُ إليه وأخذَ فاطمة بيدِه الأُخرى فاحتضنَهما وقبَّلَهما، وأغدَق عليهما خميصةً سَوداء ثم قال: “اللَّهم إليكَ لا إلى النَّار أنَا وأَهْلِي”، قالت أمُّ سلمة: وأنا يا رسول الله قال: “وأنتِ”(3).
 هذا حديث صحيح، وقد روي مختصرًا في “صحيح مسلم” رحمه الله. وقوله: “أغدق” أي سَدَلَ عَليهم. و”الخَمِيصَةُ” كساءٌ مربع أسودُ له عَلَمَانِ، فإن لم يكن له علمان فليس بخميصة.

__________________________________________________________
(1) انظر “تاريخ مدينة دمشق” لابن عساكر (13/203 و14/145).
(2) في “معجم الطبراني” و “تاريخ دمشق” : “عن أبيه عن أم سلمة “.
(3) أخرجه أحمد في مسنده (6/296 و 304-305 )، والطبراني في “المعجم الكبير” (3/54).

ومنه في حديث عائشة(1) رضي الله عنها في وفاته صلى الله عليه وسلم، وقد روي من وجه ءاخر فقيل فيه: “إنك من أهلي”، والله أعلم.

 
جُوَيْريةُ بنتُ الحارث رضي الله عنها
الحديثُ التاسع والعشرون

أخبرنا عمي(2) الحافظ رحمه الله قال: قرأت على أبي غالبِ بنِ البَنَّا، عن أبي محمد الجوهري، أنا ابنُ حَيوَيْهِ، أنا أحمد بن معروف، أنا الحسين بن الفَهْم، نا محمد بن سعد(3)، أنا عبد الله ابن جعفر الرَّقي، نا عبيد الله بن عمرو، عن أيوب، عن أبي قِلابةَ.
أنَّ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم سبى جُويريةَ بنتَ الحارث، فجاءَ أبوها إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: إنَّ ابنتي لا يُسبى مِثلُها وأنا أكرمُ من ذلك فَخَلّ سبيلَها، قال: “أرأيتَ إن خَيَّرْنَاها أليس قدْ أحسنَّا” قال: بلَى وأديتَ ما عليك. قال: فأتاها أبوها فقال: إنَّ هذا الرجلَ قد خيَّركِ فلا تفْضَحينا، قالت: فإنِّي قد اختَرْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، قال: قد والله فضحتِنا.

_____________________________________________________
(1)الحديث من طريق السيدة عائشة.
(2) أخرجه ابن عساكر في “تاريخ مدينة دمشق” (12/3/219).
(3)أخرجه ابن سعد في طبقاته (8/93).

هذا حديث صحيح مرسل من حديث أبي قِلابة عبد الله بن زيد ابن عمرو الأزْدِيِ البِصري رضي الله عنه.
في تقديمها النَّبيّ صلى الله عليه وسلم على أهلها دليلُ سعادِتها وفضلها، وقد نُقِل عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم أنه أَعْتَقَ بسببِها مائة من قومها وذلك كرامتُها.
زَيْنَبُ بنتُ جحش رضي الله عنها
الحديث الثلاثون

أخبرنا عمي الإمام الحافظ أبو القاسم عليٌّ رحمة الله عليه بالإسناد، أنا ابن سعد(1) [أخبرنا محمد بن عمر](2) حدثني عبد الله بن عامر الأسْلمي، عن محمد بن يحيى بن حبَّان قال: يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:”مَنْ يذهب إلى زَينبَ يُبشِرُها أَنَّّ اللهَ زوجَنيها مِنَ السَّماءِ” وتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَإذْ تَقُولُ لِلَّذِىۤ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ﴾ [سورة الأحزاب] (ءاية/37).
هذا حديث حسن من حديث محمد بن يحيى بن حبان أبي عبد الله

_______________________________________________________________________

(1) أخرجه ابن سعد في ” الطبقات الكبرى” (8/81)، والحاكم في “المستدرك” (4/23-24 ).
(2)أثبتنا هذه الزيادة من طبقات ابن سعد و”مستدرك” الحاكم وتلخيصه للذهبي، ومحمد بن عمر هو الواقدي وهو متروك.

 

الأنصاري المازني المديني، سمع أنسَ بن مالك، وعمرو بن واسع، والأعرجَ. روى عنه يحيى بنُ سعيد الأنصاري، وربيعُة بن مالك، والليثُ بن سعد. توفي في المدينة سنة إحدى وعشرين ومائة، وعَمَّر أربعًا وسبعين سنةً.
الحديث الحادي والثلاثون

وبالإسناد(1)، نا ابن سعد(2)، نا محمدُ بن عمر(3)، نا موسى بن محمد بن عبد الرحمٰن بن عبد الله بن حارثة بن النعمان، عن أبيه، عن أمه عَمْرَةَ، عن عائشة قالت:
يرحمُ الله زينبَ بنتَ جَحش لقد نالتْ في هذه الدنيا الشرفَ الذي لا يبلغُه شرف، إنَّ الله زوجَها نَبِيَّه في الدنيا ونَطَقَ به القرءانُ، وإنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ لنَا ونحنُ حولَهُ: “أسرعُكُن بي لحُوقًا أطولُكن باعًا”(4)، فبشرَها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بسُرعةِ لحُوقها بهِ وهِيَ زوجتُه في الجنة.
هذا حديث حسن عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.

____________________________________________________________________
(1)أخرجه ابن عساكر في “تاريخ مدينة دمشق” (3/213).
(2) أخرحه ابن سعد في “الطبقات الكبرى ” (8/85).
(3) قال الحافظ ابن حجر في ” تقريب التهذيب” (ص/581): “متروك مع سعة علمه من التاسعة ” ا. هـ.
(4)أخرجه مسلم في صحيحه بنحوه: كتاب فضائل الصحابة : باب فضل زينب أم المؤمنين رضي الله عنها (2452).

 

وقد روي: “أطولُكنّ يَدًا”. قالت: فكنا نُقدِّر بين أيدينا، فلما ماتَتْ زينبُ عرفْنَا أنه يريدُ الصَّدقة.
كل ذلك وقع إليَّ مسْنَدًا. وقيل: إن سودَة هي المتوفاةُ بعدَهُ، والدعاءُ بسرعة اللُّحوق كان لها إلا أن هذا أشهرُ وأوضَحُ.
وقولُها: “وهي زوجتُه في الآخرة” لا تقولُه إلا بعد سماعٍ منه صلى الله عليه وسلم. وفي هذا الحديثِ دَليلٌ على صدقِه ومعجزتِه إذ أخبرَ بما لَمْ يكنْ فكانَ كما أخبر كما في حقِّ فاطمة رضي الله عنها.

 
صفية بنت حُيَيّ رضي الله عنها
الحديث الثاني والثلاثون

أخبرنا عمي(1) الإمام الحافظ رحمه الله، قال: أنا أبو بكر الفَرَضِي، أنا أبو محمد الجوهري، أنا محمد بن العباس الخزَّازُ، نا عبد الوهاب بن أبي حيّة، نا محمد بن شجاع الثلجيُّ(2)، نا محمد ابن عمر(3) الواقدي(4)، حدثني ابن أبي سَبْرَة(5)، عن أبي حرملة، عن أخته أم عبد الله ابنةِ(6) أبي القينِ المزني قالت:

______________________________________________________
(1) أخرجه ابن عساكر في “تاريخ مدينة دمشق(3/221-222).
(2)قال الحافظ في “التقريب” (ص/563): “متروك ورمي بالبدعة” ا. هـ .
(3)قال الحافظ ابن حجر في “تقريب التهذيب” (ص/581): “متروك مع سعة علمه من التاسعة” ا. هـ .
(4) رواه الواقدي في مغازيه (2/674-675).
(5) قال الحافظ في “التقريب” (ص/721): “رموه بالوضع وقال مصعب الزبيري: كان عالماً”ا.هـ .
(6) في “تاريخ دمشق” و”مغازي الواقدي” زيادة “عن” أي: “أم عبد الله عن ابنة أبي القين”

 

كنتُ ءالفُ صفيةَ مِنْ بينِ أزْواجِ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم وكانتْ تُحدثني عن قومِها وما كانَتْ تسمعُ مِنْهم قالتْ: خرجْنَا حيث أجْلانا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فأقمْنا بخَيبرَ، فتزوَّجني كنانةُ بنُ أبي الحُقَيْق، فأعرَس بي قُبيلَ قدومِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم بأيام وذبح جُزُرًا ودعا يهودَ، وحوَّلني في حِصْنِه بسلالم، فرأيتُ في النوم كأنَّ قَمرًا أقبلَ من يثربَ، يسيرُ حتى وقع في حِجري، فذكرْتُ ذلك لكِنانةَ زوجي فلطَمَ عَينِي فاخضرَّتْ فنظرَ إليها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حين دخلتُ عليه، فسألني فاخبرتُه، قالت: وجعلتْ يهودُ ذَراريَّها في الكتيبةِ وجردوا حصونَ النَّطاة للمقاتلة، فلما نَزَلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم خيبرَ وافتتحَ حصونَ النَّطاةِ دخل عليَّ كِنانةُ فقال: قَدْ فرغَ محمَّد من أهل النَّطاة وليس هٰهنا أحدٌ يُقاتِلُ، قد قُتلت يهودُ حيث قُتِلَ أهلُ النطاة وكَذَّبتنا الأعرابُ، فحوَّلني إلى حصن النّزَاز بالشِّقِ، -قالت: وهو أحصنُ ما عندنا- فخَرَجَ حتى أدخلني وبنتَ عمي ونُسَيّاتٍ معنا، فسارَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلينا قِبَلَ الكَتِبْيَةِ فسُبِيتُ في النِّزاز قبل أن ينتهيَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى الكَتيبة، فأرسلَ بي إلى رحْلِه، ثم جاءَنا حين أمسى فدعاني فجئتُ وأنا متقنِّعة حَييَّةٌ، فجلستُ بين يديهِ فقال: “إن أقمْتِ على دِيْنكِ لم أُكْرِهْكِ، وإن اخترتِ الإسلامَ واخترتِ اللهَ ورسولَه فهو خيرٌ لك”. قالتْ: أختارُ الله ورسوله والإسلامَ، فأعتقني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وتزوَّجني وجعل عِتقي مَهري، فلما أراد أن يخرُجَ إلى المدينة قالَ أصحابُه: اليومَ نعلمُ أزوجةٌ أم سُرِّيةٌ؟ فإن كانت [امرأته](1) فسيحجِبُها وإلا فهي سُرِّيةٌ، فلما خَرَجَ أَمَرَ بسِتْرٍ فسُتِرت به، فَعُرِفَ أنِّي زوجته ثم قَدَّمَ إليَّ البعيرَ وقَدَّمَ فَخذَه لأضعَ رجلي عليها فأعظَمتُ ذلك ووضَعْتُ فخِذي على فخذِه، ثم ركِبْتُ فكنتُ ألقى مِْن أزواجه يفخرْنَ عليَّ يَقُلْنَ: يا بنتَ اليهودي، وكنتُ أرى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يلطُفُ بي ويكْرِمُني، فدخلَ عليَّ يومًا وأنا أبكي فقال: “ما لَكِ؟” فقلتُ: أزواجُكَ يفخرْنَ علَيَّ ويقلْنَ: بنتُ اليهوديّ، قالتْ: فرأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم غضِبَ ثم قالَ: “إذا قالوا لكِ أو فاخَرُوكِ فقولي: أبي هارونُ وعمي مُوسى”.
هذا حديث حسن صحيح، وقد أخرج البخاري(2) قصة تزويجه بها وضَرْبَ الحجاب عليها وكونِها كانت تركَبُ على رجله صلى الله عليه وسلم، عن عبد الغَفَّار وعن أحمدَ بنِ عيسى من حديثِ يَعقوبَ بن عبد الرحمٰن مِن حديث أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه، وقد أخرج عيسى الترمذي(3) ءاخر هذا الحديث في جامعه عن عبد بن حُميدٍ الكُشِيِّ رضي الله عنه.

__________________________________________________________
(1) في الأصل “امرأة” وما أثبتناه من “مغازي الواقدي” و”تاريخ دمشق”.
(2) أخرجه البخاري في صحيحه : كتاب المغازي: باب غزوة خيبر (4211).
(3) أخرجه الترمزي في سننه بنحوه : كتاب المناقب : باب فضل أزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم (3894) وقال : “هذا حديث حسن صحيح”.

وفضلُها بَيّن فيه لأنه كان يغضبُ لغضبها، ويُرْكِبُها على فخذه، وكونُه نَسَبَهَا إلى الأنبياء صلوات الله عليهم.
الحديثُ الثالث والثلاثون

أخبرني عمي الإمام الحافظ قال: قرأت على أبي غالب بن البنا، عن أبي محمد الجوهري، أنا ابن حيَّويه، أنا ابن معروف، نا ابن الفَهْم، نا ابن سعد(1)و(2) حدثني أسامة بن زيد، عن أبيه، عن عطاء ابن يسار قال:
لمَّا قدِمَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مِنْ خيبرَ ومعه صفيةُ أنزَلَها في بيت حارثةَ ابنِ النعمان، فسمعَ بها نساءُ الأَنصارِ وبجمالها، فجِئْنَ ينظرْنَ إليها وجاءتْ عائشةُ متنقبةً حتى دَخَلَتْ عليها فعرفها، فلما خرجتْ خرجَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على إثْرِها فقالَ: “كيفَ رأيتها يا عائشةُ” قالتْ: رأيتُ يَهوديةً. قالَ: “لا تقُولي هَذا يا عائشةُ فإنَّها قدْ أسْلَمَتْ فحسُنَ إسلامُها”.
هذا حديث حسن من حديث أبي محمد عطاء بن يسار مولى ميمونة بنت الحارث زوج النبي صلى الله عليه وسلم، تابعيٌّ من أجلاء التابعين وكبار المحدثين، سمع أبا هريرة، وابن عباس وغيرهما رضي الله عنهم أجمعين.ودليلُ فضلها قوله صلى الله عليه وسلم: “قد حسُنَ إسلامُها” وكونُه كَرِهَ ذكرها بما يؤذيها، والله أعلم.

______________________________________________________
(1) أخرجه ابن سعد في “الطبقات الكبرى” (8/100).
(2) في طبقات ابن سعد هنا زيادة: ” أخبرنا محمد بن عمر ” وهو الواقدي وهو متروك

ميمونةُ بنت الحارث رضي الله عنها
وهبت نفسَها للنبيّ صلى الله عليه وسلم

ونزل فيها: ﴿ وامرأةً مُؤْمِنَةً﴾ [سورة الأحزاب] الآية(50)
الحديثُ الرابع والثلاثون

أخبرنا عمي(1) الحافظ رحمه الله، أنا أبو الحسين محمد بن محمد بن الفراء وأبو غالب أحمد وأبو عبد الله يحيى ابنا ابن البناء قالوا: أنا أبو جعفر محمد بن أحمد المعدل، أنا أبو طاهر محمد بن عبد الرحمٰن المخلّص، أنا أحمد بن سليمان بن داود الطوسي، نا الزبير بن بكار، حدثني إبراهيم بن حمزة الزبيري، عن عبد العزيز بن محمد الدَّرَاوَرْدي، عن إبراهيم بن عقبة أخي موسى بن عقبة، عن كريب مولى عبدِ الله بن العباس، عن عبد الله بن العباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“الأخواتُ الأربعُ: ميمونةُ وأمُّ الفضلِ وسَلْمَى وأسماءُ بنتُ عميس أختُهن لأمّهن مؤمناتٌ”(2).
قال: ويستثني بعضُ أصحابنا من هذا الحديث: “مؤمنات”(3).

_______________________________________________________________________
(1) أخرجه ابن عساكر في “تاريخ مدينة دمشق ” (3/224) عن أبي الحسين الفراء وأبي غالب قال الحافظ في “الإصابة” (4/412): ” أخرجه ابن سعد بسند صحيح إلى ابن عباس” ا. هـ . انظر طبقات ابن سعد (8/109).
(2)أخرجه الطبراني في “المعجم الكبير” (11/327-328)، والحاكم في “المستدرك” (4/32-33) وصححه ووافقه الذهبي على تصحيحه.
(3) إلى هنا انتهت الرواية من “تاريخ مدينة دمشق”.

وهذا حديث حسن من حديث كريب أيضًا، وله أحاديث كثيرةٌ خرَّجها الأئمةُ في الصحاح. روى النسائيُّ هذا الحديث عن عمرو ابن منصور النسائي، عن عبد الله بن عبد الوهاب، عن الدَراوردي.
هذا ما تيسَّر جمعُه في حق كل واحدة منهن مفردًا.

 
ذِكْرُ ما ورد في فضلِهنَّ كلهن مجمَلاً

وقد قال الله تعالى:﴿ يٰنسآءَ النَّبيِّ لَسْتُنَّ كأحدٍ مِنَ النِّسآءِ﴾[سورة الأحزاب] الآية(32)
الحديث الخامسُ والثلاثون

أخبرنا عمي(1) الإمام الحافظ أبو القاسم علي رحمه الله، أنا أبو القاسم إسماعيل بن أحمد بن عمر بن الأشعث وأبو الحسن علي بن المبارك قالا: أنا أبو الحسين أحمد بن محمد بن النقور، أنا أبو القاسم عيسى بن علي بن الجراح الوزير، نا عبد الله بن محمد البغوي، نا منصور بن أبي مزاحم، نا إبراهيم بن سعد، عن ابن إسحاق، عن محمد بن عبد الرحمٰن بن عبد الله بن حُصين، عن عوف بن الحارث، عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول لأزواجه:

______________________________________________________________________
(1) أخرجه ابن عساكر في “تاريخ مدينة دمشق ” (35/285) عن أبي القاسم علي.

“إنَّ الذي [يَحنو](1) عليكُنَّ بَعْدي لَهُوَ الصادقُ البَارُّ، اللهم اسْقِ عبدَ الرحمٰن بنَ عوف من سَلْسَبيل الجنَّة”(2).
قال إبراهيم: فحدثني بعضُ أهلنا من ولد عبد الرحمٰن أن عبد الرحمٰن باع مالَه بكَيْدَمَةَ وهو سهمُه من بني النضِير بأربعين ألفَ دينار فقسمه على أزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم(3).
هذا حديث غريب من حديث عوفِ بنِ الحارث أبي الطُفَيلِ المدنيِ، عن أم سلمة زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم. تفَرَّدَ به محمدُ(4) بنُ إسحاقَ ابن يسارٍ عن محمد بن عبد الرحمٰن التميمي، وقد روي عاليًا من وجه ءاخرَ عن إبراهيم بن سعد عنه والله أعلم.
وإنما سُمِيَ بارًا لأنهن أمهاتُ المؤمنين فكان كالبارِ بأمهِ.

_______________________________________________________________________
(1) في الأصل ” يحبو” وما أثبتناه من كتب الحديث و”تاريخ دمشق”.
(2)أخرجه أحمد في مسنده (6/299)، والحاكم في “المستدرك” (3/311) وصححه ووافقه الذهبي على تصحيحه، وابن سعد في طبقاته (3/98).
(3) إلى هنا انتهى النقل من ابن عساكر.
(4) محمد بن إسحٰق يروي أن وفد نجران صلوا في مسجد رسول الله فهمّ بهم الصحابة فقال الرسول دعوهم هذا الحديث المفترى، الإمام مالك كان يطعن فيه كان يقول فيه دجال من الدجاجلة كان من علماء المدينة كان مشهوراً في زمان مالك يروي حكايات منكرة في كتاب له اسمه المغازي يروي هذا الحديث.

 
الحديثُ السادسُ والثلاثون

أخبرنا الشيخ الإمام الزاهد صدر الدين شيخ الشيوخ أبو القاسم عبد الرحيم بن إسماعيل بن أبي سعد الصوفي، والشيخ الإمام أبو أحمد عبد الوهاب بن علي بن علي بن الأمين قالا: أنا أبو القاسم هبة الله بن الحصين، أنا أبو طالب محمد بن محمد بن غيلان، أنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي، نا إسحاقُ بنُ ميمون الحربيُّ، نا أبو غسانُ، نا فضَيْلٌ عن عطيةَ، عن أبي سعيد الخدري، عن أم سلمة رضي الله عنها قالت:
نزلت هذه الآية في بيتي: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرُكُمْ تَطْهِيرًا﴾ [سورة الأحزاب] ( ءاية 33) قلت: يا رسول الله، ألستُ من أهل البيت قال: “إنك إلى خير، إنك من أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم”. قالت: وأهلُ البيت(1) رسول الله صلى الله عليه وسلم عليٌّ وفاطمةُ والحسن والحسين رضي الله عنهم أجمعين(2).

______________________________________________________________
(1) كذا في الأصل وفي ” تاريخ دمشق”، وفي سنن الترمذي ومسند أحمد وتاريخ بغداد أن الرسول قال عن علي وفاطمة والحسن والحسين : ” اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي”.
(2) أخرجه الترمذي في سننه : كتاب المناقب : باب فضل فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم وقال: “حديث حسن وهو أحسن شىْ روي في هذا الباب” ا هـ (3871)، وأحمد في مسنده (7/292)، والخطيب البغدادي في “تاريخ بغداد” (10/278)، وابن عساكر في “تاريخ مدينة دمشق ” (13/206 -207).

هذا حديث صحيح، وقد روي من وجهٍ ءاخرَ دون ذِكْرِ أم سلمة: قلت يا رسول الله. وقد رواه أبو سعيدٍ سعد بنُ مالكِ بنِ سنانٍ الخدريُّ، صَحِبَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وروى عنه الكثيرَ، روى عنه ابنُ عمر وجابر بن عبد الله وأبو سلمة وأبو صالح وعبيدِ الله بن عبد الله بن عتبة، وحميْد بن عبد الرحمٰن وعطاء بن يسار ومات سنة أربع وسبعين.
وهذا يدخل في رواية الصحابي عن الصحابي.
وقولها: وأهلُ البيت هؤلاءِ الذين ذكرتهم إشارةٌ إلى الذين وُجِدوا في البيت في تلك الحالة، وإلا فآل رسول الله صلى الله عليه وعليهم كلُّهم أهلُ بيته، والآيةُ نزلت خاصة في هؤلاء المذكورين، والله أعلم.
الحديثُ السابعُ والثلاثون

أخبرتنا الحاجة أم عبد الله أسماء، والحاجة أم محمد ءامنة ابنتا الشيخ الأمين أبي البركات محمد بن الحسن بن طاهر يعرف بابن الرَان قالتا أخبرنا جدنا لأمنا القاضي الزكي أبو المفضل يحيى بن علي بن عبد العزيز القرشي، أنا الشيخ الفقيه أبو القاسم علي بن محمد بن علي بن المصيصي قال: قرئ على أبي الحسن علي بن أحمد بن محمد بن داود الرزاز في دكانه في شعبان سنة سبع عشرة وأربع مائة وأنا حاضر أسمع قيل له: حدثكم أبو عمرو عثمان بن أحمد بن عبد الله الدقاق المعروف بابن السماك إملاء سنة ثلاث وأربعين وثلاث مائة، نا إسحاق بن إبراهيم الختلي، نا نصر بن حَرِيش، نا أبو سهلٍ مسلمٌ الخُراسانيُّ، عن يونسَ بن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“لا يدخلُ النار من تزوج إلي أو تَزَوَجْتُ إليه”(1).
هذا حديث حسن من حديث أمير المؤمنين أبي الحسن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وفي هذا الحديث دليلٌ على فضل أصهاره وأختانه، وهذه شهادة لهم  بالجنة إذا كانوا مؤمنين، والله أعلم.
الحديثُ الثامن والثلاثون

أخبرنا أستاذي الإمام العالم قطب الدين رحمه الله، أنا أبو محمد عبد الجبار البيهقي، أنا أبو بكر أحمد بن الحسين(2) البيهقي الحافظ رحمه الله، أنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو سعيد أحمد بن محمد بن عمرو الأحَمَسي، نا الحسين بن حميد بن الربيع اللخمي، نا عبد الله بن أبي زياد، نا سيّار بن حاتم، نا عبد الواحد بن سليمان الحارثي، نا الحسن بن علي، عن محمد بن علي قال:
“لما كان قبلَ وفاةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاثٍ هبطَ إليه جبريل عليه السلام فقال: يا محمد إنّ الله أرسلني إليك إكرامًا لك

_______________________________________________________________________
(1) أخرجه ابن عساكر في “تاريخ مدينة دمشق” (23/461-462) عن أبي المفضل.
(2) أخرجه البيهقي في ” دلائل النبوة ” (7/210-211).

 

 وتفضيلاً لك وخاصة لَكَ، يسألك عمّا هو أعلمُ به منك يقول: كيف تجدُك قال: “أجدني يا جبريلُ مغمومًا، وأجدني يا جبريل مكروبًا”، فلما كان في اليوم الثاني هبط إليه جبريل عليه السلام فقال له مثلَ ذلك، فقال النبيّ صلى الله عليك وسلم: ” أجدُني يا جبريل مغمومًا، وأجدني يا جبريل مكروبًا”، فلما كان يومُ الثالث هَبَطَ إليه جبريلُ معه ملكُ الموت ومعهما ملكٌ في الهواء يقال له إسماعيلُ على سبعينَ ألفَ ملك،كل ملك منهم على سبعين ألف ملك، قال: فسبقهم إليه جبريلُ، وقال: يا أحمدُ إن الله أرسلني إليك إكرامًا لك وتفضيلاً لك وخاصةً لك يسألُك عما هو أعلمُ به منك يقول: كيف تجِدُك قال:  “أجدُني يا جبريل مغمومًا، وأجدني يا جبريل مكروبًا” قال: واستأذن ملكُ الموت على الباب فقال له جبريلُ: يا أحمدُ هذا ملكُ الموت يستأذِنُ عليك ولم يستأذِنُ على أحد قط من قبلك ولا يستأذنُ على آدمي بعدَك، فقال: “ائذنْ له يا جبريلُ”، فقال: السلامُ عليك يا أحمدُ، إن الله أرسلني إليك وأمرني أن أطيعَك فيما أمَرْتني، إنْ أمرْتني أن أقبض نفسَك قبضْتُها وإن أمرتني أن أتركها تركْتُها، قال: “وتفعلُ ذلك يا ملكَ الموت” قال: نعم بذلك أُمِرتُ، قال جبريل: يا أحمد إن الله قد اشتاق إلى لقائك، قال: “يا ملكَ الموت امضِ لما أمرت به”، قال: فأتاهم ءاتٍ يسمعون حِسَّه ولا يرون شخصَه فقال: السلام عليكم أهلَ البيت ورحمةُ الله وبركاته، إن في الله خَلَفًا من كل هالك وعزاءً من كل مصيبة ودَرَكًا من كل فائت، فبالله فثِقوا وإياه فارجوا فإن المُصابَ مَنْ حُرِمَ الثوابَ”(1).
هذا حديثٌ حسن مرسل.
وفيه دلالةٌ على فضلهن لأن تسليمَ الملائكة عليهنَّ وتعزيتَهن أمارةُ كرامتهن، وقد نُقِلَ أن بعض نسائه شَهِدْنَ موتَه، ولهذا قالت عائشة: فلما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم نَفَذْتُ إلى أبي بكر وكان بالسَّفحِ موضعٌ، ونَفَذَتْ حفصةُ إلى عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه، الحديث.
ونُقِل عَنها في حديث ءاخر: أنه لم يشهد موته غيري والملائكةُ صلوات الله عليهم.
وقوله: “إن الله قد اشتاق(2) إليك”. إن صح إسناد هذا الحديثِ فإنما معناه قد أراد لقاءك وذلك بأن يَرُدَّك من دنياك إلى معادك زيادةً في قُربَتِك وكرامتِك، والله أعلم.

_______________________________________________________________________
(1) أخرجه الطبراني في “المعجم الكبير” (3/128-129) من طريق ءاخر، قال الحافظ الهيثمي في “مجمع الزوائد” (9/35): ” رواه الطبراني وفيه عبد الله بن ميمون القداح وهو ذاهب الحديث ” ا هـ .
(2) لا يريد الاشتياق الذي هو من صفات الخلق فإن هذا ليس مراداً لأن ذلك صفة حادثة للمخلوق والله منزه أن يتصف بصفة حادثة .قال الطحاوي في عقيدته: ومن وصف الله بمعنى من معاني البشر فقد كفر.

 
الحديث التاسع والثلاثون

أخبرني عمي(1) الحافظ أبو القاسم علي رحمة الله عليه، أنا الشريف النسيب أبو القاسم الحسيني، أنا القاضي أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمٰن بن عبد الله بن علي بن أبي العجائز، حدثني أبي، أنا أبو بكر محمد بن سليمان بن يوسف بن يعقوب الربعي، نا أبو بكر وأبو القاسم محمد وعامر ابنا خريم بن محمد قالا: أنا أبو عبد الغني الحسن بن علي بن عيسى الأزدي، نا عبد الرزاق بن همام، أنا إبراهيم بن محمد الأسلمي، عن داود بن الحصين، عن عكرمة بن خالد، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“خيرُكم خيرُكم لأهله وأنا خيركم لأهلي(2) و(3)، وما أكرمَ (4) النساءَ إلا كريم ولا أهانَهُنَّ إلا لَئيمٌ(5).

_______________________________________________________________________
 (1) أخرجه ابن عساكر في “تاريخ مدينة دمشق” (13/312-313) عن الشريف الحسيني، ثم روى عن ابن عدي قوله : “أبو عبد الغني الأزدري روى عن عبد الرزاق أحاديث لا يتابعه أحد عليها في فضائل علي وغيره” اهـ،  انظر “الكامل في ضعفاء الرجال” (2/337).
(2) إلى هنا الحديث صحيح.
(3) هذا الجزء من الحديث رواه الترمذي وغيره، انظر “سنن الترمذي”: كتاب المناقب: باب فضل أزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم (3895) عن عائشة رضي الله عنها، وقال: “حسن غريب صحيح” ا هـ .
(4) أما هذه الزيادة إلى ءاخر الحديث فهي ضعيفة .
(5) هذه الزيادة لم تثبت، قال الحافظ الزبيدي في “إتحاف السادة المتقين” بعد أن ذكر الرواية بكاملها: “فيه إبراهيم الأسلمي وهو ضعيف” ا هـ (5/364)، وقال الحافظ ابن عساكر في تاريخه (13/312-313) عن أبي عبد الغني: “وكان ضعيفاً ” ا هـ .
هذا حديث غريب من حديث داود بن الحصين، عن عكرمة بن خالد المخزومي، لا نعلم أنه رواه إلا إبراهيمُ بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي ولم يكتَب عنه إلا من هذا الوجه.

وقد وردت أحاديث كثيرة في التوصية بالنساء والأمرِ بحفظهن ومراعتهن.
الحديث الأربعون

أخبرنا عمي الإمام العالم الحافظ رحمه الله، أنا الشريف النسيب أيضًا، أنا أبو القاسم علي بن محمد بن يحيى السلمي السميساطي، أنا عبد الوهاب بن الحسن، أنا أحمد بن عمير بن يوسف بن جوصا، نا يونس بن عبد الأعلى، أنا ابن وهب قال: حدثني مَالك، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه، عن عَمْرو بن سُليم الزرقي أنه قال: أخبرني أبو حُمَيْد السَّاعدي أنهم قالوا:
“يا رسول الله كيفَ نُصَلَّي عليك فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: “قولُوا اللهم صَلّ على محمد وعلى أزواجه وذُرِيَّتِهِ كَمَا صَلَّيْتَ على ءال إبراهيمَ، وبَارك على محمدٍ وأزواجهِ وذُريته كما باركْتَ على ءال إبراهيم إنكَ حميدٌ مجيدٌ”.
هذا حديث صحيح من حديث أبي حميد عبد الرحمٰن بن سعد بن المنذر، له صحبة. وقد رواه البخاري(1) في صحيحه عن عبد الله بن

____________________________________________________________________
(1) أخرجه البخاري في صحيحه : كتاب الدعوات: باب هل يصلي على غير النبيّ صلى الله عليه وسلم (6360).

 

 يوسف التّنِيْسي، وعبدُ الله بن مسلمة القعنبيُ، عن مالك. ورواه مسلم(1) عن محمد بنِ عبدِ الله بن نُمير، عَن رَوْح وعبدِ الله بن نافع، وعن إسحاقَ بن إبراهيمَ، عن رَوح بن عبادة، كلاهما عن مالك هكذا، والله أعلم.
هذا ما تيسر جمعه في مناقب أمهات المؤمنين رضي الله عنهن وقد وردت أحاديث كثيرة في فضل الأهل والآل، واختلفوا في أن زوجاته هل هن من ءاله أم لا.
وإنما خرَّجتُ بعض الأحاديث من الصحيحين تبركًا بذلك، وإن كان أربابُ الصنعة لا يعتادونه ولكن المقصودُ متنُ الحديث دون غيره.
وأسأل الله العظيم التوفيق في كل قول وفعل، وأن يصلي على محمد وعلى ءاله أجمعين، وأن يرضى عن أئمة الدين وقادة المسلمين إنه جواد كريم وحسبنا الله ونعم الوكيل.

______________________________________________________
(1)أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الصلاة على النبيّ بعد التشهد (407).

 
فهرس الآيات
سورة البقرة

{والذينَ يُتَوَفَّونَ مِنكُمْ ويَذَرونَ أزواجًا يَتَرَبَصْنَ} [234]   [ص/27]

{والذينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُم ويَذرونَ أزواجًا وَصِيَّةً} [240]   [ص/27]
سورة ءال عمران

{كُلُّ نفسٍ ذآئِقةُ الموتِ} [185]    [ص/69]
سورة يوسف

{فصبرٌ جميلٌ واللهُ المُستعانُ على ما تَصِفونَ} [18]   [ص/55]
سورة الأنبياء

{وما جَعلنا لِبَشَرٍ مِنْ قبلكَ الخُلدَ} [34]   [ص/69]
سورة النور

{إنَّ الذينَ جاءُو بالإفكِ عُصْبةٌ مِنْكُم} [11]   [ص/56]
{ولا يأتَلِ أوْلوا الفَضْلِ منكم} [22]    [ص/56]
سورة الأحزاب

{يا أيُّها النَّبيُّ قُل لأزواجِكَ إن كُنتُنَّ} [28]   [ص/26 و76]
{يا نساءَ النبيِّ لَسْتُنَّ كأحدٍ منَ النساء} [32]   [ص/87]
{إنَّما يُريدُ اللهُ ليُذهِبَ عنكُمُ الرِّجسَ أهلَ البيت} [33]   [ص/88]
{وإذْ تقولُ للذي أنْعَمَ اللهُ عليهِ} [37]   [ص/81]
{وامرأةً مؤمنةً إن وَهَبَتْ نفسَها للنبي} [50]   [ص/26]
{يا أيُّها النَّبيُّ إنَّا أحْلَلْنا لكَ أزواجَكَ} [50]   [ص/27]
{لا يحِلُّ لكَ النساءُ من بعدُ ولا أن تبَذَّلَ بِهِنَّ} [52]   [ص/26]
سورة الزمر

{إنَّكَ ميِّتٌ وإنَّهُم مَيِّتون} [30]   [ص/69]

 
فهرس الأحاديث
-أ-

– ائذن له يا جبريل
– أبشري يا عائشة، أما الله فقد برأك  
– أبوها (أي أبو بكر أحب الناس لرسول الله صلى الله عليه وسلم)  
– أجدني يا جبريل مغمومًا، وأجدني يا جبريل مكروبًا  
– أخبرني جبريل عن الله تبارك وتعالى: إن الله يقول: لا يتم نكاح إلا بولي وشاهدين، وأنا ولي خديجة  
– الأخوات الأربع ميمونة وأم الفضل وسلمى وأسماء بنت عميس أختهن لأمهن  
– ادعي لي أباك أو أخاك حتى اكتب كتابًا  
– إذا قالوا لك أو فاخروك فقولي: أبي هارون وعمي موسى  
– أرأيت إن خيرناها أليس قد أحسنا؟  
– أرسلوا بها إلى أصدقاء خديجة… إني رزقت حبها  
– أريتك في المنام مرتين، أرى أن رجلاً يحملك في سرقة حرير  
– أسرعكن بي لحوقًا أطولكن باعًا
– اللهم اسق عبد الرحمٰن بن عوف من سلسبيل الجنة
– اللهم اغفر لها ذنبها، وأذهب غيظ قلبها، وأعذها من مضلات الفتن
– اللهم إليك لا إلى النار أنا وأهلي
– اللهم حببه [يعني أبا هريرة] وأمه إلى عبادك المؤمنين
– اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته
– أما بعد يا عائشة فإنه بلغني عنك كذا وكذا
– إن أقمتِ على دينك لم أكرهكِ، وإن اخترت الإسلام
– إن الذي يحنو عليكن بعدي لهو الصادق البار
– إن الله لم يبعثني معنتًا
– إن للموت سكرات
– أنتِ منهن [يخاطب عائشة]
– انظري يا حميراء أن لا تكوني أنتِ
– أنكِ إلى خير وإنك من أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم
– إنكِ من أهلي
– إني لا أستطيع أن اختلف بينكن
– أي بربرة، هل رأيت من شيء يريبك من عائشة
– أي بنية، أليس تحبين ما أحب؟… فأحبي هذه لعائشة
– أين أنا غدًا؟
-ب-

– بل أنا وارأساه، أنا الذي أشتكي رأسي
– بل أنا وارأساه، لقد هممت أن أرسل إلى أبي بكر
-ت-

– تنحي [يخاطب أم سلمة]
-خ-

– خير نسائها مريم بنت عمران، وخير نسائها خديجة بنت خويلد
– خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي، ما أكرم النساء إلا كريم
-ذ-

– ذاك لو كان وأنا حيّ فأستغفر لكِ وأدعو لكِ
-ر-

– رحم الله أبا بكر، زوجني ابنته
-س-

– سأعطي الراية غدًا رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله
-ع-

– عمر بن الخطاب
-ف-

– فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على الطعام
-ق-

– قولوا: اللهم صلّ على محمد وعلى أزواجه وذريته
– قيدوا العلم بالكتاب
-ك-

– كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا أربع
– كيف تيكم؟
– كيف رأيتها يا عائشة
– كيف قلت؟ والله لقد ءامنت بي إذ كفر بي الناس، وءاوتني إذ رفضني
-ل-

– لا إله إلا الله، إن للموت سكرات
– لا تسألني امرأة منهن إلا أخبرتها، إن الله لم يبعثني معنتًا
– لا تقولي هذا يا عائشة، فإنها قد أسلمت فحسن إسلامها
– لا تؤذيني في عائشة، فإن الوحي لم ينزل علي في لحاف واحدة منكن غير عائشة
– لا يدخل النار من تزوج إلي أو تزوجت إليه
– ليبلغ الشاهد منكم الغائب
-م-

– ما أكرم النساء إلا كريم
– ما علمتِ أو ما رأيتِ؟ [يخاطب زينب بنت جحش]
– ما لكِ؟ [يخاطب صفية بنت حيي]
– ما لك يا عائشة؟
– من أدى إلى أمتي حديثًا واحدًا يقيم به سنة ويرد به بدعة فله الجنة
– من أكل مع مغفور له غفر له [هذا حديث مكذوب على الرسول]
– من بلغه عن الله تعالى شيء فيه فضيلة فأخذ به إيمانًا واحتسابًا ورجاء ثوابه
– من حفظ على أمتي أربعين حديثًا
– من حفظ على أمتي حديثًا واحدًا يقيم به سنة ويرد به بدعة فله الجنة
– من يذهب إلى زينب يبشرها أن الله زوجنيها من السماء
-ن-

– نضّر الله امرأ سمع مقالتي
-هـ-

– هل رأيته؟… فبم شبهتِه… لقد رأيتِ خيرًا كثيرًا
– هن حولي كما ترى يسألني النفقة
-و-

– وارأساه [عائشة]
– وتفعل ذلك يا ملك الموت
– ومن معي [وهي عائشة]
– وهذه معي
-ي-

– يا أم رومان استوصي بعائشة خيرًا
– يا أم رومان، ألم أوصيك أن تحفظيني فيها؟
– يا عائشة أرسلي إلى النسوة
– يا عائشة إني أريد أن أعرض عليكِ أمرًا
– يا عائشة، هذا جبريل يقرأ عليك السلام
– يا علي إن وليت من أمرها شيئًا فارفق بها
– يا معشر المسلمين، من يعذرني من رجل قد بلغ أذاه في أهل بيتي
– يا ملك الموت امض لما أمرت به
– يخرج قوم هلكى قائدهم امرأة قائدهم في الجنة

 
فهرس الآثار والأقوال
-أ-

– أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، هذه خديجة أتتك معها إناء
– إن من نعم الله علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي في بيتي وفي يومي [عائشة]
– أن النبي صلى الله عليه وسلم سبى جويرية بنت الحارث، فجاء أبوها إلى النبي صلى الله عليه وسلم
– أن النبي صلى الله عليه وسلم طلق حفصة فأتاه جبريل فقال [أنس بن مالك]
– أنه لم يشهد موته غيري والملائكة صلوات الله عليهم [عائشة]
– إنها زوجته في الدنيا والآخرة [عمار بن ياسر]
– إني لأعلم أنها زوجته في الدنيا والآخرة [عمار بن ياسر]
-ب-

– بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم في بيتي إذ جاءت الخادمة فقالت [أم سلمة]
-ذ-

– ذكر النبي صلى الله عليه وسلم خروج بعض أمهات المؤمنين [أم سلمة]
-ط-

– طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم حفصة فجاءه جبريل فقال: يا محمد [قتادة]
-ف-

– فضلت على نساء النبي صلى الله عليه وسلم بعشر [عائشة]
-ك-

– كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج سفرًا أقرع بين نسائه [عائشة]
– كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذكر خديجة لم يكد يسأم من ثناء عليها [عائشة]
– كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مر بحجرتي ألقى إلي الكلمة يقرُّ بها عيني [عائشة]
– كان عمرو بن العاص جالسًا يحدث الناس عن جيش السلاسل [أبو عثمان النهدي]
– كلمني صواحبي أن أكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم [أم سلمة]
– كنت ءالف صفية من بين أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وكانت تحدثني عن قومها [أم عبد الله]
– كنت امرأ تاجرًا فقدمت منى أيام الحج، وكان العباس بن عبد المطلب امرأ تاجرًا [عفيف الكندي]
-ل-

– لقد رأيت جبريل واقفًا في حجرتي هذه على فرس [عائشة]
– لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي توفي فيه قال
– لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر، ومعه صفية أنزلها في بيت حارثة بن النعمان [عطاء ابن يسار]
– لما كان قبل وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاث هبط إليه جبريل فقال [محمد بن علي]
– لما ماتت خديجة حزن عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم حزنًا شديدًا [حبيب مولى عروة]
-م-

– ما غرت على امرأة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما غرت على خديجة، مما كنت أسمع من ذكره لها [عائشة]
– ما غرت على نساء النبي صلى الله عليه وسلم إلا على خديجة [عائشة]
– ما كانت تمر ليلتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا خرج إلى البقيع يدعو
– ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أبيح له أن يتزوج من أراد وأن يطلق من أراد [عائشة]
– من أزواجك في الجنة؟ [عائشة]
-ن-

– نزلت هذه الآية في بيتي: ﴿إنَّما يُريدُ اللهُ ليُذهبَ عنكُم الرِّجسَ أهْلَ البيتِ ويُطهركم تطهيرًا﴾[أم سلمة]
-ي-

– يا رسول الله كيف نصلي عليك؟ [أبو حميد الساعدي]
– يرحم الله زينب بنت جحش لقد نالت في هذه الدنيا الشرف الذي لا يبلغه شرف [عائشة]

 
فهرس المصادر
-أ-

– إتحاف السادة المتقين، للزبيدي، دار الفكر، بيروت
– أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، لمحمد بن يوسف الصالحي، دار ابن كثير، دمشق.
– الاستيعاب في أسماء الأصحاب [مطبوع بهامش الإصابة]، لابن عبد البر، دار الفكر، بيروت.
– الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة، لعلي القاري، طبعة زهير الشاويش، بيروت.
– الإصابة في تمييز الصحابة، للحافظ ابن حجر، دار الفكر، بيروت.
-ت-

– تاريخ بغداد، للخطيب البغدادي، دار الكتب العلمية، بيروت.
– تاريخ مدينة دمشق، لابن عساكر، دار الفكر، بيروت.
– تجريد أسماء الصحابة، للذهبي، دار المعرفة، بيروت.
– تسمية أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وأولاده، لأبي عبيدة معمر بن المثنى، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت.
– تقريب التهذيب، للحافظ ابن حجر، دار ابن حزم، بيروت.
– التكملة لوفيات النقلة، للمنذري، مؤسسة الرسالة، بيروت.
– تلقيح فهوم أهل الأثر، لابن الجوزي، دار الأرقم، بيروت.
– تنزيه الشريعة، لابن عراق، دار الكتب العلمية، بيروت.
– تهذيب الأسماء واللغات، للنووي، دار الكتب العلمية، بيروت.
-ج-

– جامع الأصول في أحاديث الرسول، لمجد الدين بن الأثير، مطبعة الملاح، سوريا.
-د-

– الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة، للسيوطي، دار الوراق، الرياض.
– دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة، للبيهقي، دار الكتب العلمية، بيروت.
-س-

– سنن الترمذي، للترمذي، دار الكتب العلمية، بيروت.
– سنن الدارمي، للدارمي، دار الكتب العلمية، بيروت.
– سير اعلام النبلاء، للذهبي، مؤسسة الرسالة، بيروت.
– السيرة النبوية، لابن هشام.
-ص-

– صحيح البخاري، فتح الباري شرح صحيح البخاري.
– صحيح مسلم، لمسلم بن الحجاج، دار الفكر، بيروت.
-ض-

– الضعفاء الكبير، للعقيلي، دار الكتب العلمية، بيروت.
-ط-

– طبقات الشافعية، لابن قاضي شهبة، عالم الكتب، بيروت.
– طبقات الشافعية الكبرى، لتاج الدين السبكي، دار إحياء الكتب العربية، مصر.
– الطبقات الكبرى، لابن سعد، دار الفكر، بيروت.
-ف-

– فتح الباري شرح صحيح البخاري، للحافظ ابن حجر، دار المعرفة، بيروت.
-ك-

– الكامل في ضعفاء الرجال، لابن عدي، دار الفكر، بيروت.
– كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، لحاجي خليفة، دار الفكر، بيروت.
-م-

– مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، للهيثمي، دار الكتب العلمية، بيروت.
– المستدرك على الصحيحين، للحاكم، دار المعرفة، بيروت.
– مسند أبي يعلى، لأبي يعلى، دار المأمون للتراث، دمشق.
– مسند أحمد بن حنبل، للإمام أحمد، دار صادر، بيروت.
– المعجم الكبير، للطبراني، دار إحياء التراث العربي.
– مغازي الواقدي، للواقدي، عالم الكتب، بيروت.
– المقاصد الحسنة في بيان كثير من الاحاديث المشتهرة على الألسنة، للسخاوي، دار الكتاب العربي، بيروت.
– الموضوعات، لابن الجوزي، دار الفكر، بيروت.
-و-

– وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، لابن خلكان، دار الثقافة، بيروت.

Prev Post

حب أهل السنة لآل البيت وللامام الحسين

Next Post

الدليل على صحة خلافة الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم أجمعين

post-bars