من اتبع الرسول وأصحابه والتابعين كان من الفائزين
حديثِ عمرَ بنِ الخَطّاب الذي ذكَرَه وهوَ قائمٌ بَينَ مَن كانَ مَعهُ في تلكَ الرِّحْلة بالجَابِية، أرضٌ مِن أراضِي الشّام، عمرُ بنُ الخطّاب جاءَ إلى الشّام على ما ثبَتَ عنه مَرّة وهيَ رِحلَتُه إلى بيتِ المقدِس التي حَصلَ فيها عَقدُ ذِمّةٍ بَينَهُ وبَينَ النّصَارى، كانَ خَطَب هذه الخطبةَ قائمًا بَينَ مَن كانَ مَعهُ في أرضِ الجابِية وذكَر أنّ الرّسولَ كانَ فيهِم ذاتَ يوم قائمًا فخَاطَبهُم بما ذُكِر ” أُوصِيكُم بأصحَابي ثم الذينَ يَلُونهم ثم الذينَ يَلُونهم” هذا أمرٌ عظيمٌ لأنّ مَن اتّبَعَ أصحابَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم والتّابعِين لهم بإحسانٍ فهو مِنَ الفائِزين لا يُخافُ عليهِ أنْ يكونَ مِن الكافرينَ يومَ القيامة مِن حيثُ مُعتقَده ومِن حيثُ عمَلُه أيضًا، مَن اقتَدى بهم الاقتداءَ التّام فهوَ مِنَ الفائزينَ لا يُخَاف عليه في الآخِرةِ خَسارٌ ولا عذَاب فمَنْ ثبَت على ذلكَ فهوَ مِنَ النّاجِين مِن حيثُ اعتبارُ المعتَقَد، لا بُدّ أن يَدخُلَ الجنّة أمّا مِن حيثُ عمَلُه فإنْ كانَ تَقصيرُه عمّا كانوا عليهِ مِن إضَاعةِ الفَرائض وارتكابِ بعضِ الكَبائر فهذا أمرُه يَعُود إلى الله إنْ شاءَ يُعاقبُه لِما قَصّرَ فيه وإنْ شاءَ يُسامحُه، ولكنّه مضمُونٌ لهُ النّجاة مِن الخلودِ الأبدِيّ في النار، فمِن هنا يجِبُ الاعتناءُ بالاعتقاد أكثرَ مِن غَيرِه لأنّ الاعتقادَ عليهِ صِحّةُ الإيمانِ والإسلام، مَن لم يصِحّ اعتقادُه لا يصِحُّ لهُ إيمانٌ وإسلام، فمِنْ هنا نُكرِّر مسألةَ خَلقِ أفعالِ العِباد ومسألةَ المشيئة، مشيئة الله، هاتانِ المسألتَانِ مِن أهَمّ مسَائل العقيدة.
المشيئةُ عندَ العلماءِ تفسيرُها تخصيصُ الممكن ببَعضِ ما يجوزُ عليه، هذا العالم وُجِد على هذا النّظام، وُجِد على هذا النّظام لأنّ الله شاءَ َقبلَ أن يخلقَه أن يكونَ على هذا النِّظام كذلكَ حَركاتُ العباد واعتقاداتهُم ونواياهُم حصَلت على أَوجُهٍ وأشْكال شتّى، لأنّ الله شاءَ أي خَصّصَ قِسمًا منهُم أن يَعمَلُوا هذه الأعمالَ التي أمَر الله بها وخَصّص قسمًا منهُم ليَعمَلُوا الأعمالَ التي نهَى الله عنها والتي لا يحبّها، وهوَ في ذلكَ عَدلٌ ليسَ ظَالماً ليسَ جَائرًا، هذا حاصلُ عقيدةِ الصحابةِ ومَن تبِعَهُم بإحسانٍ فيَلزَمُنا أنْ نَثبُتَ على هذا الاعتقادِ ولا نتحَوّلَ عنه إلى غيرِه، وقد روَى البيهقيُّ بالإسنادِ أنّ عمرَ بنَ الخطّاب كانَ يخطُب فحمِدَ الله وأثنى علَيه وقال مَن يَهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ لهُ ومَن يُضْلِلْ فَلا هادِيَ لهُ فكانَ رجُلٌ مِنَ الذِّميّين الذينَ دخَلُوا في عَقدِ الذِمّة، أي دخَل في عقدِ الذمّة التي أجْراها عمرُ بنُ الخطّاب لهم، كانَ هذا الكافرُ مِن أهلِ الذِّمّة قال بلُغَتِه وكانَ أَعْجَمِيًّا، قال بلُغَتِه إنّ الله لا يُضِلُّ أحَدًا فقال عمرُ للتّرجمان ماذا يقولُ ،قالَ إنّه يقولُ إنّ اللهَ لا يُضِلُّ أحَدًا ،فقالَ عمرُ كذَبَ عَدُوُّ الله ولولا أنّهُ مِن أهلِ الذِّمّةِ لضَربتُ عنُقَه، أيْ أنّ هذا الاعتقاد وهوَ اعتقادُ أنّ الله لا يُضِلُّ أحَدًا أي أنّ الإنسانَ يَضِلُّ بمشيئتِه لا بمشيئةِ الله، وأنّ العبدَ هوَ يخلُق هذه الضّلالةَ ليسَ اللهُ خَالقَها، هذا الاعتقادُ ضَلالٌ وكُفر فلَولا أنّهُ مِن أهلِ الذِّمّةِ لضَربتُ عُنُقَهُ، وكانَ سيّدُنا عمر احتَجّ بهذه الآية: “ مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا” معناه أنّ الذي شاءَ الله لهُ في الأزلِ أن يكونَ مهتَديًا لا أحَدَ يَجعَلُه ضَالاً،ومَن يُضلِلِ اللهُ فَلا هَادِيَ لهُ أي لا أحَدَ يَهديْه أي لا أحَدَ يَجعَلُه مُهتَدِيًا، هذا رسولُ الله صلّى الله عليه وسلم أنذَرَ قَومَهُ أوّلَ ما نزَلَ عليهِ الوَحيُ عمَلاً بقولِ الله تعالى :” وأَنذِر عَشيرتَك الأقرَبين” أي حَذّرْهُم مِن الكفر فأنذَرَ الرّسولُ ثم اهتَدَى به أُناسٌ ولم يَهتد به أناسٌ حتى مِن أقاربِه، هذا أبو لهب وغيرُه لم يَهتَدُوا، الرسولُ بلّغَهُم دَعْوتَه لكن لم يهتَدُوا وأولئكَ الذين اهتَدَوا اهتَدَوا فمَا هو الموجِبُ لذلك، أن يهتديَ هؤلاءِ ولا يهتديَ هؤلاء، الموجِبُ لذلكَ أنّ اللهَ تباركَ وتَعالى شاءَ في الأزلِ أن يهتديَ هؤلاء بمحمّدٍ ولم يَشأ أن يهتديَ هؤلاءِ بمحمّدٍ تَنفّذَت مشيئةُ الله في الفَريقَين، عليّ بنُ أبي طالب وعَمّ الرّسول العبّاس وعمّه حمزة رضيَ الله عنهم اهتَدَوا بسيِّدنا محمّد أي قبِلُوا دَعوتَهُ لأنّ الله تعالى شاءَ في الأزل أن يَهتَدُوا، مَن يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ لهُ، الله تعالى شاء لهؤلاء السّعادةَ فلا أحَدَ يَستطيعُ أن يَحرِمَهُم هَذا الاهتداءَ الذي شاءهُ اللهُ تعالى والآخَرُونَ الذين ضَلّوا ولم يَهتَدُوا أي آثَرُوا الاستِمرارَ في ضَلالهِم ولم يَقبَلُوا دَعوةَ محمّدٍ إلى الهُدَى، الله تَباركَ وتعالى لم يَشأ لهم أنْ يَهتَدُوا بمحمّدٍ بل شاءَ لهم أن يَبقَوا على اختيارِهمُ الضّلالَ لا بمعنى أنّهُ يحِبُّ ذلكَ، الله تعالى يَكرَهُ الكفرَ والمعاصِي لكن خَصّص هؤلاء بأنْ يَنسَاقُوا إلى الضّلالِ، إلى الكفر، كمَا خَصّص أولئكَ بأنْ يَنسَاقُوا باختِيارِهم إلى الهُدَى هذا معنى المشيئةِ ليسَ مَعنى المشيئةِ المحبّةُ.