مِن أقوال السيد أحمد الرفاعيّ الصوفي الكبير
الصِقُوا بأولياءِ اللهِ ﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِم وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ الذِينَ ءامَنُوا وكانُوا يَتَّقُونَ﴾.
الوَلِيُ مَن وَادَّ اللهَ وَءامَنَ بهِ واتَّقاهُ، فلا تُحادُّوا مَن وَادَّ اللهُ.
جاءَ في بَعْضِ الكُتُبِ: “مَنْ ءاذَى لِي وَلِيًّا فَقَد ءاذَنْتُهُ بالحَرْبِ“. اللهُ يَنْتَقِمُ للأَوْلِيَاءِ مِمَّنْ يُؤْذِيهِم، وَيُكْرِمُهُم بِصَون مُحِبِّيْهِم وعَوْنِ مَن يَلُوذُ فِيهِم. هُمْ أَخَصُّ المُخَاطَبِينَ بآيةِ ﴿نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الحَياةِ الدُّنْيا وفِي الآخِرَةِ﴾.
عَلَيْكُم بِمَحَبَّتِهِم والتَّقَرُّبِ إلَيْهِم تَحْصُلُ لَكُم بِهِم البَرَكَةُ. كُونُوا مَعَهُم ﴿أُولئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُم المُفْلِحُونَ﴾.
أيْ سادَة حُدوا المراتب وَإِيَّاكُم والغُلُوَّ، أَنزِلوا الناسَ مَنازِلَهُم. أَشْرَفُ النَّوْعِ الإِنْسانِيِّ الأنبياءُ عَلَيْهِم الصلاةُ والسلامُ، وأَشْرَفُ الأنبياءِ نَبِيُّنا مَحَمَّدٌ صلَّى الله علَيه وسَلَّمَ، وأَشْرَفُ الخَلْقِ بَعْدَهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ ءالُه وأَصْحابُهُ، وأَشْرَفُ الخَلْقِ بَعْدَهُم التَّابِعُونَ أَصْحابُ خَيْرِ القُرُونِ، هذا علَى وَجْهِ الإجْمالِ، وَأَمَّا علَى وَجْهِ الإِفْرادِ فالنَصَّ النَصَّ، وإِيَّاكُم والأَخْذَ بالرَّأْيِ، فمَا هَلَكَ مَنْ هَلَكَ إلا بالرَّأْيِ. هذا الدِّينُ لا يُحْكَمُ فِيهِ بالرَّأْيِ أَبَدًا. حَكِّمُوا ءاراءَكُم في المُباحاتِ ﴿فإنْ تَنَازَعْتُم فِي شَىْءٍ فَرُدُّوهُ إلى اللهِ﴾ الآيةَ.
اذْكُرُوا أَوْلِياءَ اللهِ تَعالَى بِخَيْرٍ، رَفَعَ اللهُ تَعالَى بَعْضَهُم علَى بَعْضٍ دَرَجاتٍ لكنْ لا يَعْرِفُها غَيْرُه سُبْحانُه ومَن ارْتَضَى مِن رَسُولٍ. أَيِّدُوا هذه العِصَابَةَ بِتَرْكِ الدَّعْوَى، شَيِّدُوا أَرْكَانَ هذه الطَّرِيقَةِ المُحَمَّدِيَّةِ بإِحْياءِ السُنَّةِ وَإِماتَةِ البِدْعَةِ.
أيْ سَادَة، الفَقِيرُ – أي الصُّوفِيُ – علَى الطَرِيقِ ما دَامَ علَى السُّنَّةِ فمَتَى حادَ عَنها زَلَّ عَن الطَرِيقِ. قِيلَ لهذِهِ الطائِفَةِ “الصُّوفِيّة” واخْتَلَفَ الناسُ في سَبَبِ التَسْمِيَةِ، وسَبَبُها غَرِيبٌ لا يَعْرِفُهُ الكَثِيرُ مِن الفُقَراءِ – أي مِن الصُّوفِيَّة أَنْفُسِهِم – فَمَنْ تَعَبَّدَ وَلَبِسَ الصُّوفَ مِثْلَهُم يَنْسُبُونَهُ إِلَيْهِم فَيُقَالُ صُوفِيٌّ، ونَوَّعَ الفُقَراءُ الأَسْبابَ فَمِنْهُم مَن قالَ التَّصَوُّفُ الصَّفاءُ ومِنْهُم مَن قالَ المُصَافاةُ ومِنهُم مَن قال غَيرَ ذلكَ وكُلُّهُ صَحِيحٌ مِن حَيْثُ مَعناهُ، أمَّا سَيّدُ الطائِفَةِ الصُّوفِيَّةِ الإِمامُ الجُنَيْدُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَقَالَ: “التَّصَوُّفُ صَفاءُ المُعَامَلَةِ مَعَ اللهِ تَعَالَى“، لِأَنَّ أَهْلَ هَذِه الخِرْقَة التَزَمُوا الصَّفاءَ والمُصَافَاةَ وعَمِلُوا بالآدابِ الظَاهِرَةِ وقَالُوا إِنَها تَدُلُّ عَلَى الآدابِ البَاطِنَةِ وَقَالُوا أَحْسَنُ أَدَبِ الظَاهِرِ عُنْوانُ أَدَبِ البَاطِنِ وقَالُوا مَن لَم يَعْرِفْ أَدَبَ الظَاهِرِ لا يُؤْتَمَنُ علَى أَدَبِ البَاطِنِ. كُلُّ الآدابِ مُنْحَصِرَةٌ فِي مُتَابَعَةِ النَبِيِّ قَوْلًا وَفِعْلًا وَحَالًا وَخُلُقًا. فالصُّوفِيُّ ءادابُهُ تَدُلُّ عَلَى مَقَامِهِ.
زِنُوا أَقْوَالَهُ وَأَفْعَالَهُ وأَحْوَالَهُ وَأَخْلاقَهُ بِمِيزَانِ الشَّرْعِ يُعْلَمْ لَدَيْكُمْ ثِقَلُ مِيْزانِهِ وَخِفَّتُهُ. خُلُقُ النَبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القُرْءَانُ. قَالَ تَعَالَى: ﴿ما فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِنْ شَىْءٍ﴾. مَن الْتَزَمَ الآدَابَ الظَاهِرَةَ دَخَلَ فِي جِنْسِيَّةِ القَوْمِ وحُسِبَ فِي عِدَادِهِم وَمَن لَمْ يَلْتَزِم الآدابَ الظَاهِرَةَ فَهُوَ فِيْهِم غَيْرٌ، لا يَلْتَبِسُ حَالُهُ عَلَيْهِم، لِأنَّ استِعْمَالَ الآدابِ دَلِيلُ الجِنْسِيَّةِ بَلْ تَكُونُ عِلَّةَ الضَّمِّ.
قال أحدهم: “التَّصَوُّفُ كُلُّه أَدَبٌ“. وَهَذا الأَدَبُ الذِي أَشَارَتْ إِلَيه الطائِفَةُ الصُّوفِيَّةُ أَدَبُ الشَّرْعِ. كُنْ مُتَشَرِّعًا وَدَعْ حاسِدَكَ يَكْذِبَ عَلَيْكَ لا تُبَالِي وَيَنْسُبُ ما يُحِبُّ إِلَيْكَ لا تُبَالِي:
وَلَسْتُ أُبَالِي مِن زَمانِي بِرَيْبَةٍ … إذَا كُنْتُ عِنْدَ اللهِ غَيْرَ مَرِيبِ
إذَا كانَ سِرِّيْ عِنْدَ رَبِّي مُنَزَّهًا … فمَا ضَرَّنِي وَاشٍ أَتَى بِغَرِيبِ
أَيُّها السَّالِكُ إِيَّاكَ وَرُؤْيَةَ النَّفْسِ، إِيَّاكَ وَالغُرُورَ، إِيَّاكَ وَالكِبْرَ فإنَّ كُلَّ ذَلِكَ مُهْلِكٌ. ما دَخَلَ ساحَةَ القُرْبِ مَن اسْتَصْغَرَ النَّاسَ واسْتَعظَمَ نَفْسَهُ، مَنْ أنا ومَنْ أَنْت.
أَيْ أَخِي، كُلُّ واحِدٍ مِنّا مُسَيْكِينٌ، أَوَّلُه مُضْغَةٌ وءَاخِرُهُ جِيْفَةٌ. شَرَفُ هذا العَرَضِ جَوهَرُ العَقْلِ، العَقْلُ ما عَقَلَ النَّفْسَ وأَوْقَفَها عِنْدَ حَدِّها، فإِذَا لَم يَكُن عَقْلُ المَرْءِ عاقِلًا لِنَفْسِه مُوقِفًا لَها عِنْدَ حَدِّها فِي أَخْذِها وَرَدِّها فَلَيْسَ بِعَقْلٍ، وإِذَا حُرِمَ المَرْءُ الجَوْهَرَ ذَهَبَ شَرَفُهُ وَبَقِيَ عَرَضًا ثَقِيلًا كَثِيفًا لا يَلِيقُ لِمَرْتَبَةٍ عَزِيزَةٍ ولا لِمَنْصِبٍ نَفِيْسٍ، وإِذَا تَمَّ عَقْلُه وَكَمُلَ صارَ الحُكْمُ فِيهِ للجَوْهَرِ المَحْضِ فَصَلَحَ أنْ يَكُونَ علَى تِيجَانِ المُلُوكِ والأَكاسِرَةِ.
وَأَوَّلُ مَراتِبِ العَقْلِ الانْخِلاعُ عَن الأَنانِيَّة الكَاذِبَةِ والدَّعْوَى البَاطِلَةِ وصَوْلَةِ الفَتْقِ والرَّتْقِ والوَهْبِ والسَّلْبِ، وإِذَا حَكَمَهُ المَقَامُ وصَارَ صِفَةً عَلِيَّةً أيضًا فاللازِمُ علَيه أنْ يَعْرِفَ مُبْتَدَأَهُ الطِينِيَّ ومُنْتَهاهُ التُرابِيَّ وأنْ يَقِفَ بَيْنَ هَذِه البَدَاءَةِ والنِّهايَةِ بِمَا يُناسِبُهُما مِن قَوْلٍ وفِعْلٍ، لأَنَّ وَاعِظَ اللهِ فِي قَلْبِ كُلِّ رَجُلٍ مُسْلِمٍ، مَن لَم يَكُنْ لَهُ مِن نَفْسِه وَاعِظٌ لَم تَنْفَعْهُ المَواعِظُ، كَيْفَ يَنْتَفِعُ بالمَوْعِظَةِ مَن كانَ قَلْبُهُ غافِلًا. قالَ سَهْلٌ رَضِيَ اللهُ عَنه: “الغَفْلَةُ سَوادُ القَلْبِ“. وقالَ السَّيّدُ الأَمِينُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيه وَسَلَّمَ: “أَلا وَإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ القَلْبُ“.
هذا ما قالَه الإمامُ الكبيرُ السيّدُ أحمدُ الرفاعيُّ رَضِيَ اللهُ عنه ونَفَعنا به وبكلامِه وءاخِرُ دَعْوانا أنِ الحمدُ لله ربّ العالَمين.