Search or ask ابحث او اسأل

أرشيف الدروس المتنوعة

قال الله تبارك وتعالى { يا أيها الذين آمنوا إتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يُصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يُطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً } الأحزاب.

أمر الله تبارك وتعالى بالقول السديد وهو عبارة عن القول الذي حسّنه الشرع. ليس القول الحسن ما يعتبره الناس الذين ليس لهم فهم في الدين قولاً حسناً. لأن الناس الذين لا عبرة بهم لجهلهم بالدين قد يرون القولَ الفاسدَ حسناً وقد يرون القولَ الحَسَنَ في شرع الله تعالى قولا فاسداً. إنما العبرة بالناس الذين لهم فهم بالدين أي يعرفون كتاب الله ويعملون بأحكامه فهؤلاء الذين يُعتبر فهمهم صحيحاً ويُقتدى بهم لأن القاعدة الدينية التي لا يختلف فيها اثنان من المسلمين ” أن ما حسَّنه الشرعُ فهو حَسَن وما قَبَّحه الشرعُ فهو قبيح “.

فالغوغاء الذين لا يعرفون إلاّ أن يتبعوا الناسَ بدون دليل وبدون معرفة بأحكامِ شريعةِ الله إنما ينظرون الى المظاهر فيتبعون كل ناعقٍ فإن هؤلاء كلا شيء عند الله.

ومما ابتلينا به في هذا العصر أناس يروجون الاكاذيب الملفقة والاقاويل الفاسدة باسم “الصوفية” وهم في الحقيقة ما عرفوا من الصوفية إلا الاسم. ولاجتناب الوقوع في طاماتهم ينبغي معرفةُ طريق الصوفية من أسياد أهل الطريقة والحقيقة وتوعيةُ الناس ونصحهم بالابتعاد عن الذين يُحسِّنون للناس ما قبَّحه الشرع ويقبحون ما حسّنه الشرع ويموهون على الناس.

وأول الصوفية أبو بكر الصديق رضي الله عنه ثم أشباهه في سيرته التي هي صفاء المعاملة واتِّباع الرسول. فمن عامَلَ ربَّه معاملةً صافية وعامَلَ خَلْقَ اللهِ معاملةً صافية وأخلَص لربه في سره وأحسن علانيته فذلك هو الصوفي الذي تُستنزل الرحمات لذكره.

أمثلة عن بعض الاكابر
كان أكبر الصوفية بعد الصحابة من التابعين أُويس القرني كان معروفاً برثاثة الثياب. كان من رثاثة الهيئة والفقر بحيث يظنه الصبيان مجنوناً، إنما يعرفه من يعرف دين الله على الحقيقة. قال الرسول صلى الله عليه وسلم :” إن خير التابعين رجل يقال له أُويس بن عامر من قرن ثم من مُراد. له والدة هو بها برّ. كان به بَرَص فأذهبه الله عنه إلا قَدْر درهم فإذا لقيتموه فمروه فليستغفر لكم “. ثم بعدما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان عمر قد سمع الحديث من النبي فصار يسأل امداد اليمن – عندما يأتيه المقاتلون من اليمن لمعاونته في الجهاد والقتال – هل فيكم أويس بن عامر حتى اجتمع بمن يعرفه وقالوا ” إنه معنا ” فاجتمع به عمر رضي الله عنه فسأله : أنت بن عامر من قرن ثم من مراد. قال : نعم. قال : كان بك برص فأذهبه الله عنك إلا قدر درهم. قال: نعم. قال : لك والدة أنت بها بر. قال: نعم. قال: فاستغر لنا. فقال – من تواضعه – “ءانتم أحدث عهداً بسفر صالح” يعني انك يا أمير المؤمنين قريب عهد بالقدوم من مكة. فألح عمر عليه فاستغفر لهم.

هذا أويس بن عامر الرسول قال في حقه إنه خير التابعين. هو افضل ولي بعد أولياء الصحابة. ثم قال له عمر ” أكتب لك الى عاملي يجري لك عطاء “. فقال ” أكون في غبراء الناس أحب إلي “. فلم يقبل أن
يجرى له راتباً آثر فقره على الغنى والرفاهية. فانظروا الى سيد الصوفية من التابعين وانظروا الى افتراء بعض أهل هذا العصر الذين يحتقرون الفقر ويجعلونه علامة الهوان ويجعلون الفقر وقلة المال نقصاناً ولا يدرون أن الكريم على ربه هو العبد المتقي سواء كان غنياً أو كان فقيراً. ثم إن أكثر الأتقياء فقراء. فبعد هذا كيف يدّعي انسان أنه مسلم صوفي أو أنه شيخ في الدين ثم يذم الفقر من غير تفصيل ويقول لا يجتمع فقر وإسلام.

الصوفية مخالفة الهوى
قال الجنيد سيد الطائفة الصوفية في أول القرن الرابع الهجري وكان فقيهاً محدثاً كان يأتي الى مجلسه الأدباء والنحويون أهل البلاغة والفقهاء فيستفيدون منه في العلم الذي يطلبون وأما الصوفية فقد كان هو محط رحالهم، قال رضي الله عنه ” ما أخذنا التصوف عن القيل والقال ولكن أخذناه عن السهر والجوع وترك المألوفات والمستحسنات “ أي مخالفة الهوى.
لأن التصوف صفاء المعاملة كما قال حارثة وهو من اصحاب رسول اله من الانصار ” أصبحتُ عازفاً عن الدنيا، أسهرتُ ليلي وأظمأتُ نهاري وكأني بعرش ربي بارزاً وكأني بأهل الجنة يتزاورون فيها وكأني بأهل النار يتعاوون فيها ” أي لا أترك نفسي تسترسل في الملذات.

والصوفية لا يحرمون ما أحل الله لكنهم يقتدون بأنبياء الله الذين لم يكن واحد منهم مسترسلاً في الملذات. هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرف سيرته عرف أنه كان كثير الجوع، كان يؤثر على نفسه فيجوع كثيراً من الاوقات، وكان لا يُوقَد في بيته نار أكثر الشهر وأهله كانوا يكتفون بالماء والتمر. وهذا أبو بكر شوهد بعدما تولى الخلافة وهو يحمل شيئاً ليحصل منه مصاريف بيته فقيل له ” يا خليفة رسول الله إنّا نكفيك فلماذا تخرج للعمل بنفسك “.

الصوفية علم وعمل
الصوفية علم وعمل وليست جهلا وتقاعساً وتواكلاً وطمعاً بما في أيدي الناس.. هذا غيض من فيض لمسلك أكابر الصوفية رضوان الله عليهم. فالصوفي هو الذي يتبع الرسول إتباعاً كاملاً مع العلم بالدين. أما الذي يقتصر على استعمال السبحة وإطراق الرأس وتغميض العينين عند الوِرد ولا يتبع الرسولَ في الحلال والحرام فإنه مدع كذاب. من أراد التصوّف الصادق فليتبع رسول الله وليكن على قدم الصوفية الصادقين من الصحابة والتابعين وأتباع التابعين وليكن شعاره أن ما حسّنه الشرع فهو عند الله حسن وما قبحه الشرع فهو عند الله قبيح.

اللهم زهدنا في الدنيا ورغبنا في الآخرة وبصرنا بعيوبنا ووفقنا لاصلاحها.


السادس عشر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الطاهر الامين.