نبذة عن المحدث الشيخ عبد الله الهَرَري
اسمه و مولده:
هو العالم الجليل، الإمام المحدث، التقي الزاهد، صاحب المواهب الجليلة، الشيخ أبو عبد الرحمن عبد الله بن محمد بن يوسف بن عبد الله بن جامع الهرري، نسبة إلى هرر وهي مدينة تقع في الناحية الداخلية الإفريقية يحدها من الشرق جمهورية الصومال، الشيبي نسبة إلى بني شيبة بطن من عبد الدار من قريش وهم حجبة الكعبة، العبدري نسبة إلى بني عبد الدار بطن من قصي بن كِلاب. ولد في مدينة هرر حوالي سنة 1328هـ- 1910 ر.
نشأته و رحلاته:
نشأ في بيت متواضع محبا للعلم ولأهله، فحفظ القرآن الكريم وهو ابن سبع سنين، وأقرأة والده المقدمة الحضرمية وكتاب المختصر الصغير في الفقه وهو كتاب مشهور في بلاده، ثم عكف على الاغتراف من بحور العلم فحفظ عددا من المتون في مختلف العلوم، ثم أولى علم الحديث اهتمامه فحفظ الكتب الستة و غيرها بأسانيدها حتى انه أجيز بالفتوى ورواية الحديث وهو دون الثامنة عشرة.
و لم يكتف بعلماء بلدته بل جال في أنحاء الحبشة والصومال لطلب العلم و سماعه من أهله، فكلما سمع بعالم شد رحاله إليه ليستفيد منه و هذه عادة السلف الصالح، و ساعده ذكاؤه وحافظته العجيبة على التعمق في الفقه الشافعي وأصوله و معرفة وجوه الخلاف فيه وكذا الشأن في الفقه المالكي و الحنفي والحنبلي.
الفقه الشـافعي وعلماءه:
أخذ الفقه الشافعي و أصوله و النحو عن العالم العارف بالله الشيخ محمد عبد السلام الهرري، والشيخ محمد عمر جامع الهرري، والشيخ محمد رشاد الحبشي، و الشيخ إبراهيم أبي الغيث الهرري، و الشيخ يونس الحبشي، والشيخ محمد سراج الجبرتي كألفية الزبد، والتنبيه، و المنهاج، و ألفية ابن مالك، و اللمع للشيرازي.
و أخذ العلوم العربية بخصوص عن الشيخ الصالح أحمد البصير، والشيخ أحمد بن محمد الحبشي و غيرهما.
الفقه المالكي، والحنبلي، والحنفي:
و قرأ فقه المذاهب الثلاثة و أصولها على الشيخ محمد العربي الفاسي و الشيخ عبد الرحمن الحبشي، و أخذ علم التفسير عن الشيخ شريف الحبشي في بلده جمه.
علمه في الحديث:
و أخذ الحديث و علومه عن كثير من أجلهم الشيخ أبو بكر محمد سراج الجبرتي مفتي الحبشة و الشيخ عبد الرحمن عبد الله الحبشي. و اجتمع بالشيخ الصالح المحدث القارئ أحمد عبد المطلب الجبرتي الحبشي شيخ القراء في المسجد الحرام الذي استلم إمامة و مشيخة المسجد الحرام أيام السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله، فأخذ عنه القراءات الأربع عشرة و استزاد منه في علم الحديث، فقرأ عليه و حصل منه على إجازة، و قد أخذ من الشيخ المقرئ محمود فايز الديرعطاني نزيل دمشق و جامع القراءات السبع و ذلك لما سكن الشيخ دمشق.
رحلاته:
و انفرد في أنحاء الحبشة و الصومال بتفوقه على أقرانه في معرفة تراجم رجال الحديث و طبقاتهم و حفظ المتون و التبحر في علوم السنة و اللغة و التفسير و الفرائض و غير ذلك. ثم أم مكة فتعرف على علمائها كالشيخ العالم السيد علوي المالكي و الشيخ أمين الكتبي و الشيخ محمد ياسين الفاداني، وحضر على الشيخ محمد العربي التبان، و اتصل بالشيخ عبد الغفور الأفغاني النقشبندي فأخذ منه الطريقة النقشبندية.
و رحل بعدها إلى المدينة المنورة و اتصل بعلمائها فأخذ الحديث عن الشيخ المحدث محمد بن علي الصديقي البكري الهندي الحنفي و أجازه، ثم لازم مكتبة عارف حكمت و المكتبة المحمودية مطالعا منقبا بين الأسفار الخطية مغترفا من مناهلها فبقي في المدينة مجاورا سنة. و اجتمع بالشيخ المحدث إبراهيم الختني تلميذ المحدث عبد القادر الشلبي.
ثم رحل إلى بيت المقدس في أواخر العقد الخامس من هذا القرن ومنه توجه إلى دمشق، و استقبله أهلها بالترحاب لا سيما بعد وفاة محدثها الشيخ بدر الدين الحسني رحمه الله، فتنقل في بلاد الشام بين دمشق و بيروت و حمص وحماه و حلب و غيرها من المدن، ثم سكن في جامع القطاط في محلة القيمرية و أخذ صيته في الانتشار فتردد عليه مشايخ الشام و طلبتها، و تعرف على علمائها و استفادوا منه و شهدوا له بالفضل، و اشتهر في الديار الشامية “بخليفة الشيخ بدر الدين الحسني” و “بمحدث الديار الشامية”.
نفعنا الله به ومشايخه الكرام. ولا يخفى على أحد من هم هؤلاء المحدثين والفقهاء المذكورين الذي تلقى عنهم الشيخ عبد الله الهرري الحبشي، تلقى العلم بالسند المتصل لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثناء العلـــماء والفقهاء عليه:
أثنى عليه العديد من علماء و فقهاء الشام منهم: الشيخ عز الدين الخزنوي الشافعي النقشبندي من الجزيرة شمالي سوريا، والشيخ عبد الرزاق الحلبي إمام و مدير المسجد الأموي بدمشق، والشيخ أبو سليمان الزبيبي، و الشيخ ملا رمضان البوطي والد الدكتور محمد سعيد، و الشيخ أبو اليسر عابدين مفتي سوريا، والشيخ عبد الكريم الرفاعي، و الشيخ نوح من الأردن، و الشيخ سعيد طناطرة الدمشقي، و الشيخ أحمد الحصري شيخ معرة النعمان، والشيخ عبد الله سراج الحلبي، و الشيخ محمد مراد الحلبي، والشيخ صهيب الشامي أمين فتوى حلب، والشيخ عبد العزيز عيون السود شيخ قراء حمص، والشيخ أبو السعود الحمصي، و الدكتور الحلواني شيخ القراء في سوريا، والشيخ أحمد الحارون الولي الصالح، و الشيخ الكيالي الحمصي، و الشيخ صلاح كيوان الدمشقي و غيرهم نفعنا الله بهم.
و كذلك أثنى عليه الشيخ عثمان سراج الدين سليل الشيخ علاء الدين شيخ النقشبندية في وقته، و قد حصلت بينهما مراسلات علمية و أخوية، و الشيخ عبد الكريم البياري المدرس في جامع الحضرة الكيلانية في بغداد و الشيخ أحمد الزاهد الاسلامبولي، والشيخ محمود الحنفي من مشاهير مشايخ الأتراك، و الشيخان عبد الله و عبد العزيز الغماري محدثا الديار المغربية، و الشيخ محمد ياسين الفاداني المكي شيخ الحديث و الإسناد بدار العلوم الدينية بمكة المكرمة.
أخذ الإجازة بالطريقة الرفاعية من الشيخ عبد الرحمن السبسبي الحموي، و الشيخ طاهر الكيالي الحمصي، و الإجازة بالطريقة القادرية من الشيخ أحمد العربيني و الشيخ الطيب الدمشقي وغيرهما رحمهم الله تعالى.
قدم إلى بيروت سنة 1370هـ و استضافه كبار مشايخها أمثال الشيخ القاضي محي الدين العجوز، و الشيخ و المستشار محمد الشريف، و الشيخ عبد الوهاب البوتاري إمام جامع البسطا الفوقا، و الشيخ أحمد الاسكندراني إمام و مؤذن جامع برج أبي حيدر و لازموه و استفادوا منه، ثم اجتمع بالشيخ توفيق الهبري رحمه الله و عنده كان يجتمع بأعيان بيروت، و بالشيخ عبد الرحمن المجذوب و استفاد منه، وبالشيخ مختار العلايلي أمين الفتوى السابق الذي أقر بفضله و سعة علمه و هيأ له الإقامة على
كفالة دار الفتوى في بيروت ليتنقل بين مساجدها مقيما الحلقات العلمية و ذلك بإذن خطي منه.
و في سنة 1389هـ و بطلب من مدير الأزهر في لبنان آنذاك ألقى محاضرة بالتوحيد في طلاب الأزهر.
(((أسانيده في الكتب الستة و موطأ الإمام مالك))):
قامت دار المشاريع مشكورة بطبع بعض أسانيد الشيخ حفظه الله مبينة سلسلة الإسناد، فهو حفظه الله:
يروي صحيح الإمام البخاري عن الشيخ علي أعظم حسين الصديقي البكري الخيرابادي المدني ثم ساق سنده،
و يروي صحيح الإمام مسلم عن العارف بالله العلامة المقرئ أحمد بن عبد المطلب الحبشي ثم ساق سنده،
و يروي سنن أبي داود عن العارف بالله العلامة أحمد بن عبد المطلب الحبشي ثم ساق سنده،
و يروي سنن الترمذي عن الشيخ محمد سراج بن محمد سعيد الأني الجبرتي مفتي الحبشة ثم ساق سنده،
و يروي سنن الحافظ النسائي عن الشيخ عبد الرحمن عبد الله الحبشي ثم ساق سنده،
و يروي سنن الحافظ ابن ماجه عن الشيخ محمد سراج بن محمد سعيد الأني الجبرتي مفتي الحبشة ثم ساق سنده،
و يروي موطأ الإمام مالك من رواية يحيى بن يحيى الليثي عن الشيخ محمد الباقر ابن الشيخ محمد ابن الشيخ عبد الكبير الكتاني الإدريسي الحسني إجازة ثم ساق سنده.
وله أسانيد أخرى إلى هذه الكتب و سائر كتب البخاري كالأدب المفرد، و خلق أفعال العباد، و التاريخ الكبير و الصغير، و القراءة خلف الإمام، وكتب مسلم مثل المنفردات، و الوحدان، و كتاب الطبقات و غيرها.
وكذلك يروي بالسند كتب أبي داود، كالمراسيل، و كتاب الزهد، وكتاب القدر و غيرها.
و كذلك يروي بالسند كتب الترمذي ككتاب الشمائل المحمدية و غيره.
و يروي بالسند كتب النسائي ككتاب عمل اليوم والليلة، و كتاب خصائص علي و غيرها،
و يروي أيضا بالسند كتاب الحافظ ابن ماجه في التفسير نفعنا الله بعلمه.
http://www.aicp.org/Arabic/Asaneed/asaneed.pdf
تصانيفه و آثاره:
شغله إصلاح عقائد الناس ومحاربة أهل الإلحاد عن التفرغ للتأليف و التصنيف، و رغم ذلك أعد مؤلفات قيمة بين مخطوط و مطبوع منها شرح ألفية السيوطي في مصطلح الحديث، و التعقب الحثيث على من طعن في ما صح من الحديث رد فيه على الألباني حتى قال عنه الشيخ عبد الله الغماري “وهو رد جيد متقن”، وله شرح ألفية الزبد في الفقه الشافعي و شرح متن العشماوية في الفقه المالكي و شرح البيقونية في المصطلح، و المقالات السنية في كشف ضلالات أحمد ابن تيمية، و كتاب الدر النضيد في أحكام التجويد، و له شرح العقيدة النسفية و شرح العقيدة الطحاوية. و كذلك له الصراط المستقيم في التوحيد، و بغية الطالب لمعرفة العلم الديني الواجب. و له كتاب قيم رد فيه على المعترضين عليه وأفحمهم بإيراد الكثير من الأدلة من المذاهب المعتبرة و بين فيه منهجه في الاتباع بحيث لم يخرج عن أقوال الأئمة الأعلام أسماه صريح البيان في الرد على من خالف القرآن و فيه النفع العظيم لطلاب العلم الشرعي.
سلوكه وسيرته:
الشيخ عبد الله الهرري شديد الورع، متواضع، كثير الذكر، عارف بالله، متمسك بالكتاب و السنة، حاضر الذهن قوي الحجة، شديد النكير على من خالف الشرع، ذو همة عالية في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى هابه أهل البدع و الضلال و حسدوه ولكن الله يدافع عن الذين آمنوا. أدامه الله ذخراً لهذه الأمة.
ملخص لهذا المقال:
الشيخ عبد الله الهرري المعروف بالحبشي رجل علم وعمل، زهد وتصوف
أخذ الفقه الشافعي و أصوله و النحو وأخذ الفقه المالكي والحنفي والحنبلي
تعلم علم التفسير واهتم بعلم الحديث، وصار محدثاً علماُ
رجل علم وتواضع، كثير الذكر، متمسك بالكتاب والسنة شديد النكير على أهل الباطل