أحسن الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد

الحمدُ لله ربّ العالمين لهُ النّعمةُ ولهُ الفَضلُ ولهُ الثناءُ الحسَن صَلواتُ الله البَرّ الرّحيم والملائكةِ المقَرّبين على سيدِنا محمّدٍ أشرفِ المرسلِين وعلى آلهِ وجميع إخوانِه مِنَ الأنبياءِ والمرسلينَ وسَلامُ اللهِ علَيهِم أجمعين أمّا بعدُ فإنّ أحسَنَ الحَديثِ كتابُ الله تعالى وأَحسَنَ الهَدْيِ هَديُ محَمّدٍ صلى الله عليه وسلّم وشَرَّ الأمورِ مُحدَثاتُها وكلّ مُحدثةٍ بِدعةٍ وكلّ بِدعة ضَلالَة”، هَذا الحديثُ رواه مسلم والترمذي والبيهقي وغيرهم، يُبَيّن لنَا أنّ مَا أُحدِث على خِلاف القرآنِ والحديث فهو مَردُودٌ ويُسَمّى بِدعة الضّلالة أمّا ما أُحدِث ولم يَكن مخالفًا للقُرآنِ والحديث فلَيسَ بِدعةً بمعنى بِدعةِ الضّلالة وإن كانَ يُسَمّى بدعةً مِن حيثُ إنّهُ أَمرٌ لم يَنُصّ عليهِ رسولُ الله، مِن حيثُ إنّهُ لم يُنصّ عليه في القرآن ولا في الحديثِ يُسمّى بِدعةً يَعنى أنّه استُحدِثَ، لكنّهُ فَرقٌ بَينَ ما أُحدِثَ على خِلاف القرآن والحديثِ وبينَ ما استُحدِثَ مِن غَيرِ مخالَفةٍ للقُرآن والحديث، ثم المستَحدَثُ المذمُوم لِكَونِه مُخالفًا للقُرآن والحديث قِسمَان، مُستَحدَثٌ في أصولِ العقيدةِ ومُستَحدَثٌ في الفُروع فالمستَحدَث في أصولِ العقيدةِ كلُّه ضَلالٌ يَنطبقُ عليه قولُه صلّى الله عليه وسلّم وكُلُّ بِدعةٍ ضَلالة، أمّا المستَحدَث في الفُروع فهو قِسمانِ قِسمٌ مُحَرَّم وقِسمٌ غَيرُ مُحَرّم، فالمستَحدثُ في أصُولِ العقيدةِ فهوَ كلُّ ما خَالفَ مَا  كانَ علَيهِ أصحابُ رسولِ الله مِن الاعتقاد، كلُّ ما استُحدِث في أصُولِ العقيدة مما هو ليسَ بتَقريرٍ لِما كانَ عليهِ الصّحابةُ بل هو مما يُخالفُ ذلكَ فهذا كلُّه ضَلالٌ ليسَ فيه تَفصيل، لا يُقال فيهِ هذا حرَام وهذا مَكروه بل كلُّه حَرام.
أمّا ما استُحدِث في الفُروع على طريقِ الاجتِهاد ممن هوَ أهلٌ للاجتِهاد فهذا لا يُعاقَبُ فاعلُه لأنّ أصحابَ رسولِ الله همُ اختلَفُوا في الفُروع ثم مَن جاءَ بعدَهم أيضًا اختَلفُوا وذلكَ لا يُعابُ، الشّافعيُّ وُلِدَ بعدَ انقِراض الصّحابة بخمسينَ عَامًا، لما وُلِدَ الشّافعيُّ لم يكن على وجهِ الأرض أحَدٌ مِن أصحابِ رسولِ الله كذلكَ أحمدُ بنُ حَنبل لما ولِدَ لم يكنْ أحَدٌ مِن أصحابِ رسولِ الله على وجهِ الأرض كذلكَ مَالِكٌ لما وُلِدَ لم يكن أحَدٌ مِن أصحابِ رسولِ الله على وَجهِ الأرض أمّا أبو حنيفةَ  كانَ مخلُوقًا قبلَ انقِراضِ عَصرِ الصّحابةِ بنَحوِ عِشرينَ عَامًا، كانَ وُلِدَ قَبلَ انقِراضِ عَصرِ الصّحابةِ بأقلَّ مِن عِشرينَ عَامًا فهوَ رأى بعضَ الصّحابةِ أمّا أنه سمِعَ مِن أحَدٍ منهُم الحديثَ، حديثَ رسولِ الله أو لم يَسمَع فهوَ محَلُّ اختِلافٍ مِنَ العُلَماء منهُم مَن قالَ إنّهُ سمع مِن بعضِ أصحابِ رسولِ الله ومنهُم مَن قال لم يَسمَع شيئًا مِن أصحابِ رسولِ الله لكنّهُ مُتّفَقٌ أنّهُ وُلِدَ قَبلَ أن يَنقَرضَ الصّحابةُ، الصحابةُ مَا كانوا يَعيبُونَ على مَن يجتَهدُ في الفُروع ممّن سِواهُم أي ممن ليسَ مِنَ الصّحابة إذا رأَوا إنسانًا عالماً أَهلا للاجتِهاد فيُفتي الناسَ، ما كانُوا يَعيبُونَ عليه.
هذا الحسَنُ البِصريّ تلَقّى العِلمَ مِنَ الصّحابة كذلكَ سَعيدُ بنُ جُبَير تلَقّى العِلمَ مِنَ الصّحابةِ كذلكَ غَيرهُما مِنَ التّابعِين وكانوا أئمّةً مجتَهدين فلَم يعِبْ علَيهمُ الصّحابةُ اجتهادَهُم في الفُروع، لأنّ الاجتهادَ في الفُروع مَأذُونٌ فيه شَرعًا لمن تأهَّلَ، فالفُرقَةُ التي هيَ مَذمومةٌ عندَ الله هي الفُرقةُ في الاعتقادِ في أصولِ العقيدة، الاختلافُ في أصولِ العقيدةِ هوَ الضّررُ، هو الذي يوجِبُ لصَاحبِه العذابَ في الآخِرة ثم منهُ ما يؤدّي إلى الكفرِ ومنهُ ما هوَ دونَ ذلكَ أي أنّ الاختِلافَ الذي حَصلَ في الاعتقادِ مِن غَيرِ الصّحابةِ قِسمانِ قِسمٌ يؤدّي إلى الكفرِ وقِسمٌ لا يؤدّي إلى الكفر، أمّا الاختلافُ الذي حَصلَ في الفُروع على طَريقِ الاجتهاد المعتبَر لكَونِ هذا الاجتهاد ممن تَأهَّلَ لهُ فهوَ لا ضَرر على صاحبِه ولا على مَن اتّبَع هذا الاجتهاد، مع وجودِ الصّحابةِ كانَ أُناسٌ مجتَهدونَ يُفتُونَ ممن ليسُوا مِن الصحابةِ والصحابةُ يَعلَمُونَ ذلك فلم يكونُوا يُنكرونَ علَيهم، فالضّررُ هوَ الاختلافُ في أصُولِ العقيدة لذلكَ الله تعالى حمَى الصّحابةَ عن أن يختَلفَ اثنانِ منهُم في أصُول العقيدة، فَهُم في أصُولِ العقيدة على وتِيْرةٍ واحِدةٍ، فلَمّا ظهَر الاختِلافُ في أصُولِ العقيدة مِن بعضِ الناس الذينَ هُم لم يرَوا رسولَ الله لكنّهم رأَوا بعضَ الصّحابة، الصحابةُ استَنكَروا استِنكارًا بالغًا على هؤلاء الذينَ استَحدَثوا الخلافَ في أصولِ العقيدة، ومِن هؤلاء رجلٌ يقالُ لهُ مَعبَد هذا أوّلُ شَخصٍ أحدَثَ الخِلافَ في المعتَقد على طريقةِ الاعتزال، هوَ أوّلُ زُعماءِ المعتزلة، فلَم يَرضَ عنهُ أحَدٌ مِنَ الصّحابة إنما أخَذَ عنهُ بعضُ المفتُونِين منَ الذينَ لم يميّزوا بينَ المعتقَد الصّحيح وبينَ المعتَقد الفاسد، وكذلكَ لما انتَهى قَرنُ الصّحابة أي المائة الأولى التي هي نهايةُ عَصرِ الصّحابة رضي الله عنهُم كانَ أهلُ العِلم الذينَ همُ أهلُ العِلم حَقيقةً مِنَ التّابعِين استَنكَرُوا خِلافَ المعتزلةِ في أصُولِ العقيدةِ منهُم عمرُ بنُ عبدِ العزيز رضي الله عنهُ كانَ إمامًا مجتَهِدًا جمَع بينَ الاجتهادِ في عِلمِ الدِينِ وبينَ السَّلطَنة، كانَ هوَ أمير المؤمنين وكانَ في العِلم مجتَهدًا بلَغَ درَجَة الاجتهادِ قَبلَ أن يتَولّى الخِلافةَ.
فالحاصلُ أنّ الاختِلافَ في أصُولِ الاعتِقاد ضَلالٌ أمّا في الفُروع فقَد اختَلف الصّحابةُ في الفُروع في مَسائلَ عَديدة منها مسائلُ في الميراث ،الجَدُّ معَ الإخوةِ هَذا حُكمُه لم يَرد مَنصُوصًا في القُرآنِ ولا على لسَانِ رسولِ الله أنّهُ إذا تَركَ الأخُ إخْوةً وجَدّا لهُ هلْ يَرِثُ الإخوةُ والجَدّ أم يَستَبِدُّ الجَدُّ كمَا يَستَبِدُّ الأبُ دُونَ الإخوة، أم يُشاركهُم الجَدُّ ولا يَستَبِدُّ دُونهم في التّركة هذا اختلَف فيهِ الصّحابةُ، أبو بكرٍ رضيَ الله عنه رَأيُه أنّ الجَدّ كالأبِ فكَما أنّ الأبَ يَحجُب الإخوةَ مِنَ الإرث كذلكَ الجَدُّ يَحجُب الإخوةَ مِنَ الإرث، وهناكَ اجتِهادٌ مخالِفٌ لهذا أي أنّ الإخوةَ يَشتركونَ معَ الجدّ، هُم يَأخُذونَ نَصيبَهُم مِنَ التّركة والجدُّ يَأخُذ نَصيبَهُ مِنَ التركة، لا يَحجُب الجدّ الإخوة ولا الإخوةُ الجَدَّ وهذا اجتِهادُ سيّدنا عليّ وزيدِ بنِ ثابت، ثم الأئمّة الذينَ جاؤوا بعدَهم قِسمٌ ذهَب إلى اجتِهاد أبي بكر وقِسمٌ ذهَب إلى اجتِهادِ عليّ رضيَ الله عنه، أبو حنيفةَ أخَذ باجتهادِ أبي بكر، اجتهادُه وافَق اجتهادَ أبي بكر وأمّا الشّافعيُّ فنظَر في المسألة فوافَق اجتهادُه اجتهادَ عَليّ وزيد، أمّا الرجُل إذا تَرك بِنتًا لهُ وإخْوةً وأبناءَ إخْوةٍ لهُ هذه لم يختلِفُوا فيها أصحابُ رسولِ الله ولا التّابعُونَ ولا أتباعُ التّابعين، جاءَ عن سيّدنا عليّ رضي الله عنهُ مُسنَدًا أنّهُ قالَ في رَجُلٍ تَركَ بِنتًا واحِدةً وتَرك مَولى لهُ، المولى هو الإنسانُ الذي كانَ عَبدًا مملُوكًا لهُ فأعتَقَه، لما ماتَ ما كانَ لهُ مِنَ الورثةِ إلا بِنتًا واحِدةً وهذا المولى أي هَذا السّيد الذي أعتَقَه، فحَسَب سيّدُنا عليّ بأنّ البِنتَ تَأخُذ النّصف والمولى يأخذُ النّصفَ الباقي، وكذلكَ كلُّ الصّحابة على هذا كانُوا وكذلكَ الذين جاؤوا بعدَ الصّحابةِ منْ أئمّة الاجتهادِ، فالاختِلافُ في الفُروع على طريقِ الاجتهاد المعتبَر ليسَ فيه عَيب، الاختِلافُ الذي ذمَّهُ الله تعالى في شَأنِ أهلِ الكتابِ اليهودِ والنّصارى كانَ ذلكَ الاختلاف في أصولِ العقيدة لم يكن كاختِلاف أُمّةِ محمّدٍ في الفُروع بطريقِ الاجتِهاد المعتَبر، أمّا الاختلافُ في الفروع مِن غَيرِ طَريقه المعتَبر أي الاجتهاد ممن هوَ أهلٌ للاجتهادِ فذلكَ مَعِيبٌ، لذلك الرّسول قال :” القُضاةُ ثَلاثةٌ قَاضٍ في الجنّةِ وقَاضِيانِ في النّار ” وقال :” قَاضٍ قَضَى بعِلمٍ بحقّ فهوَ في الجنّة “رواه الطبراني والبيهقي والنسائي وغيرهم، القاضي العَدلُ الذي هو عالم بعِلم الدّين ويَقضِي على حسَب العِلم لا يحرّف الحُكمَ مِن أجل الرّشوةِ ولا مِن أجلِ الصّداقة أو القَرابةِ هذا في الجنة، عَالم ويَحكُم بِعلمِه هذا في الجنة وقاضٍ قضَى بجَور، قاضٍ هو عَارفٌ لكنّه قضَى بجَور هذا في النار أي يَستَحقّ النار، يستَحقّ عَذابَ الله وقَاضٍ قَضى بجَهل، ليسَ عَالما فقَضى بجهل هذا لو وافَق الصّواب عليهِ ذَنب، لماذا توَلّى القضاء وهو ليس مِن أهلِ العِلم، تولّيْه منصِبَ القَضاء ذنبٌ، معصيةٌ كبيرة، هذا الذي قال فيه الرسولُ ” وقَاضٍ قضَى بجَهل فهوَ في النار “.
وقَد كانَ في أصحابُ رسولِ الله معَ كثرتهِم مائتا مجتَهد فقَط أو أقلّ لم يكونوا أكثرَ مِن مِائتي شَخص وكانَ الذينَ رأَوا رسولَ الله في حَجّة الوداع مائة ألفِ نَفس وكانَ في ذلكَ الوقت الذي اجتَمع فيه برسولِ الله مائةُ ألفِ نَفس في أمَاكِنَ مُتعَدّدَة مسلمُونَ منهُم مَن رآه لكنْ ما حَجَّ مَعهُ ومنهُم مَن لم يرهُ، إذا كانَ أهلُ ذلكَ العصر لم يَبلُغ درجَةَ الاجتهادِ مِنهُم إلا هذا العدَد فكيفَ مَن جاءَ بَعدَهم، أولئكَ مَا كانوا يحتاجُون لمعرفة صِحّة الحديثِ إلا أنْ يَسمَعُوه مِن رسولِ الله أو يَسمَعُوه ممّن سمع مِن رسولِ الله، ما كانَ علَيهم كُلفةُ البَحث في الإسناد أمّا مَن جاءَ بَعدَهم فيتَكلّف معرفةَ حالِ الإسناد منَ الصّحابي الذي رواه، الذي سمعَه مِن رسولِ الله ومِنَ الذي سمع منَ الذي سمِعَ مِن رسولِ الله ، فيهِ كُلفَةٌ وعَناء يحتاج إلى حِفظ قَوي، هؤلاء الأئمة الذين جاؤوا بعدَ الصحابة كالأربعة ما كانوا يعمَلون برأيهم ويقتصرونَ عليه بل كلُّ واحدٍ منهم تلَقّى عِلمَ الدّين مِن شخص وذاك تلقّى ممّن قَبلَه إلى الصحابةِ مع الاحتِياط في معرفةِ أصلِ هذا الحديث، يعرفونَ حالَ مَن رواه ثم يَنظرون فيما يعطيه هذا الحديث منَ المعنى فيَستخرجون منه الأحكام، هذه طريقة الاجتهاد، ليسَت طريقةَ الاجتهاد أن يُعمِل الرّجُل فِكرهُ فيَأخذ بما أعجبَه، ليسَ هذا الاجتهاد.
وكانَ مِن اعتِقادِ الصّحابة على أنّ المسلم الذي هو مؤمن بالله ورسوله إذا أذنَب ذنباً كبيرا وماتَ قبلَ التّوبة فأمرُه إلى الله إنْ شاء عذّبَه وإنْ شاءَ عَفا عنه وأَدخَلَه الجنّة كهذا الإسرائيليّ الذي كانَ قبلَ سيّدنا محمد، سيّدُنا محمّد حَدّث أصحابَه بالوحي الذي أنزلَه الله عليه أنّ هذا الإسرائيليّ كانَ قتَل مائةَ نفس ظلمًا ثم أرادَ التّوبة قال لهُ عالمٌ مِن علماءِ ذلكَ العصر لما سألَه هل لي مِن توبة قالَ له ومَن يحولُ بينَك وبينَ التّوبةِ اذهَب إلى أرض كذا فإنّ بها قومًا صالحين فنَدِم على ما فعَل مِن قَتلِ تلك الأنفُس المائةِ وتَوجّه إلى تلك الأرض فأدركَه الموتُ في مُنتَصف الطريق فجاءَ ملائكةُ العذاب وملائكةُ الرحمة هؤلاءِ يُريدون أن يأخذوه وهؤلاء يريدونَ أن يَأخُذوه فاختَصموا فأرسلَ اللهُ ملَكًا بصِفة رجُلٍ مِن بني آدم فحكَم بينَهُم قال لهم قِيسُوا ما بينَ الأرضين فإلى أيّهِما وجَدتموه أقرَب فهو لها فقَاسُوا فوَجَدُوا هذا الشّخص أقربَ إلى الأرض التي هو ذاهِبٌ إليها بشِبر، قال الرسولُ فغفرَ لهُ، فأخَذَتْه ملائكةُ الرّحمة”رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
(عن أبي سعيد الخُدري أن نبيّ الله {صلى الله عليه وسلم} قال” كانَ فيمَن كان قَبلَكُم رَجلٌ قَتلَ تِسعَة ً وتِسعينَ نَفسًا فسَألَ عن أَعلَم أهلِ الأرض فدُلّ على راهِب فأتَاهُ فقال إنّهُ قَتَل تسعةً وتِسعينَ نَفسًا فهَل لهُ مِن توبة فقال لا فقَتلَه فكَمّل به مائة ً ثم سأَل عن أعلَم أهلِ الأرض فدُلّ على عالمٍ فقال إنّه قتَلَ مائة نفسٍ فهل له مِن توبة فقال نعم ومَن يَحُولُ بينكَ وبينَ التّوبة انطلق إلى أرض كذَا وكذا فإنّ بها أُناسًا يَعبُدون اللهَ فاعبُدِ اللهَ معَهُم ولا تَرجِع إلى أرضِك فإنها أرض سوء، فانطَلَق حتى إذا نَصف الطريق أتاه الموتُ فاختَصَمت فيه ملائكةُ الرّحمة وملائكةُ العذاب فقالَت ملائكةُ الرحمة جاءَ تائبًا مُقبِلا بقَلبه إلى الله وقالت ملائكة العذابِ إنه لم يَعمل خَيرًا قَطّ فأتاهم ملَكٌ في صورة آدمِيّ فجعَلُوه بَينَهُم، فقالَ قِيسُوا ما بينَ الأرضَين فإلى أيّتِهما كان أَدنَى فهو لهُ فقَاسوا فوجَدوه أَدنَى إلى الأرض التي أرادَ فقبَضَتْهُ مَلائكةُ الرّحمة” فهذا الذي قتَل مائةَ نَفس مِن المسلمين كانَ هو أيضًا مسلِمًا وهو لا يعرفُ هؤلاء المائة الذينَ قتَلهم ولا يَعرفُ أقرباءَهم، ففي هذه الحالِ يَكفيه النّدَم والعزم على أنهُ لا يعودُ، أمّا في شرع محمّد فإنّ الشّخص الذي قَتل قتيلاً واحِدًا ظُلمًا أو أكثرَ مِنْ واحِد ويَعرف للقتيلِ ورثَةً عليه أن يسلّمَ نفسَه للورثة ليقتُلوه إن شاؤوا ويُسامحوه إن شاؤوا على الدّيَة أو على غَيرِ الدّيَة بل مجانًا ويَندم عِلى ما فعَل ويَنوي أنه لا يَعودُ، فإن قُتِلَ قِصاصًا فقَد طَهُر وإن عُفيَ عنه على الدّية فقد تابَ اللهُ عليه لأنّه نَدِمَ ودَفَع الدّية برِضى أهلِ القتِيل وإنْ سامحُوه مجَانًا كذلك تابَ الله عليه لأنّه نَدِم وعَزم أنّه لا يَعُود.
س:
ج: إن قال لهم أنا قتَلت فلاناً يُبَلغونَ أمره إلى الحاكم فيقولُ لهم الحاكم خُذوا حَقّكم فيقتُلونه بأيديْهم أو يوكّلُون مَن شاؤوا لكن لا بُدّ مِن إعلام الحاكِم لأنّه إذا لم يُعلَم الحاكم يخشَى أن تَتكرّر الفِتنة.
ومما كان عليه أصحاب رسول الله أن المؤمن هو مَن ءامن بالله ورسوله مهما كانَ غارقًا في المعاصي لأنّ المؤمن مأخُوذٌ مِن الإيمان والإيمانُ هوَ التّصديق بما جاءَ به محمّدٌ صلّى الله عليه وسلّم مع تجنُّب الكفريات، أما الكفريات مَن وقَع فيها انسَلَب عنه اسمُ الايمان فلا يُطلَقُ عليهِ مؤمِن ولا يُطلَق عليهِ مُسلم.
ومِن أصُول العقيدة التي لم يختَلف فيها اثنانِ مِن أصحابِ رسولِ الله صلّى الله عليه وسلّم إثباتُ الشفاعة لمن ماتَ مسلمًا، مَن ماتَ مسلمًا عندَ أهل الحقّ مِن الصحابة ومَن اتَبعهم يَشفَع فيه نبيٌّ أو وليٌّ أو شَهيدٌ إمّا قَبلَ أن يَدخُل النار وإمّا بعد أن يدخُلَ النار يُخرِجُونهم بإذنِ الله، هيَ الشّفاعةُ قِسمان شفاعةٌ بعدَ دخُول النار بإخراجِ مَن دخَلها مِنَ المسلمين العُصاة وشفاعةٌ لمنع دخولِ النار، هذه الشفاعةُ اتّفَق عليها أصحابُ رسولِ الله لم يكن بينَهُم خِلافٌ فالذين خالَفُوا في الشّفاعة فقالوا لا أحَدَ يَشفَعُ لمن ماتَ وهو يرتكبُ الكبائر قبلَ التّوبة لا أحدَ يَشفع هؤلاء ضالّون خالَفُوا ما كانَ عليهِ أصحابُ رسولِ الله ومِن هؤلاء المعتزلة.
Prev Post

Brushing Teeth Using Siwak (Tooth stick)

Next Post

لماذا قطع عمر بن الخطاب شجرة الرضوان؟

post-bars