الدليل على جواز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم
روى الحافظ الطبراني في معجميه الصغير والكبير والترمذي من المتقدمين والحافظ البيهقي في الدلائل وابن الجزري من المتأخرين عن عثمان بن حنيف : أن رجلا ً كان يختلف ( أي يتردد) الى عثمان بن عفان رضي الله عنه في حاجة له, فكان عثمان لا يلتفت إليه , ولا ينظر في حاجته . فلقي عثمان بن حنيف فشكا إليه ذلك , فقال له عثمان بن حنيف : إيت الميضأة فتوضأ ثم ائت المسجد فصل فيه ركعتين ثم قل (( اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة يــا محمــد إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي لتقضى لي )) وتذكر حاجتك , ثم رح حتى أروح معك . فــانطلق الرجل فصنع ما قال له ثم أتى باب عثمان , فجاء البواب حتى أخذ بيده فأدخله على عثمان بن عفان فأجلسه معه على الطنفسة وقال له :
ما حاجتك؟
فذكر حاجته فقضاها له , ثم قال مــا ذكرت حاجتك حتى كانت هذه الساعة , وقال : ما كانت لك من حاجة فائتنا .
ثم إن الرجل خرج من عنده فلقي عثمان بن حنيف فقال له : جزاك الله خيرًا , ما كان ينظر في حاجتي ولا يلتفت إلي حتى كلمته في . فقال عثمان بن حنيف : والله ما كلمته ولكن شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتاه رجلٌ ضريرٌ فشكا إليه ذهاب بصره فقال له النبي صلى الله عليه وسلم :<< أو تصبر>> ؟فقال : يا رسول الله إنه ليس لي قائد وقد شق علي ذهاب بصري . فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : << إيت الميضأة فتوضأ ثم صل ركعتين ثم ادع بهذه الدعوات >> قال عثمان بن حنيف : فوالله ما تفرقنا ولا طال بنا الحديث حتى دخل علينا الرجل كأنه لم يكن به ضر قط. صححه الحافظ الطبراني وغيره . وفي هذا الحديث دليل على جواز التوسل بالنبي وغيره من الصالحين في حياتهم أو بعد موتهم , فبطل قول من قال لا يجوز التوسل إلا بالحي الحاضر , وكل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط. وقول الحافظ الطبراني والحديث صحيح في معجميه يشمل الحديث الموقوف على الصحابي عثمان بن حنيف والمرفوع إلى النبي لأن الإسناد واحد. والطبراني من عادته أنه لا يصحح صحيحـًا إلا هذا الحديث .
وروى البيهقي بإسناد صحيح عن مالك الدار (1) وكان خازن عمر قال : أصاب الناس قحطـ ٌ(2) في زمان عمر (3) فجاء رجلٌ (4) إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا (5) . فأتي الرجل في المنام (6) فقيل له : أقرىء عمر الســــلام (7) وأخبره أنهم يسقون (8) , وقل له عليك الكيس الكيس (9) .فأتى الرجل عمر فأخبره فبكى عمر وقال : يا رب ما ءالو إلا ما عجزت (10) .
وقد جاء في تفسير هذا الرجل أنه بلال بن الحارث المزني الصحابي . فهذا الصحابي قد قصد قبر الرسول للتبرك فلم ينكر عليه عمر ولا غيره فبطل دعوى من ادعى أن هذه الزيارة شركية .
_______________________________________________
1_ قول بعض الجهال إن مالك الدار مجهول يرده أن عمر لا يتخذ خازنًا إلا خازنا ثقة , ومحاولتهم لتضعيف هذا الحديث بعد ما صححه الحافظ ابن حجر العسقلاني لغو لا يلتفت اليه. ويقال لهذا المدعي : لا كلام لك بعد تصحيح الحفاظ أنت ليس لك في اصطلاح أهل الحديث حق. على أن التصحيح والتضعيف خاص بالحافظ وأنت تعرف نفسك أنك بعيد من هذه المرتبة بعد الارض من السماء فما حصل من هذا الصحابي استغاثة وتوسل . وبهذا الاثر يبطل أيضا قول نفاة التوسل إن الاستغاثة بالرسول بعد وفاته شرك . وقد قال الحافظ الفقيه اللغوي علي بن عبد الكافي تقي الدين السبكي إن التوسل والاستغاثة والتوجه والتجوه(يعني الطلب بالجاه) بمعنى واحد . ذكر ذلك في كتابه شفاء السقام , والسبكي محدث حافظ فقيه لغوي كما وصفه بذلك الحافظ السيوطي في الذيل.
2- أي وقعت مجاعة , تسعة أشهر انقطع الماء عنهم .
3- أي في خلافته.
4- أي من الصحابة .
5- معناه طلب من الله المطر لأمتك فإنهم قد هلكوا .
6- أي أري في المنام أن رسول الله يكلمه .
7- أي سلم عليه .
8- أي سيأتيهم المطر , ثم سقاهم الله تعالى حتى سمى ذلك العام عام الفتق لأن المواشي سمنت حتى تفتقت شحومها .
9- أي عليك بالاجتهاد بالسعي في خدمة الامة , معناه ابذل جهدك .
10- أي لا أقصر إلا ما عجزت , أي سأفعل ما في وسعي لخدمة الامة .