Search or ask ابحث او اسأل
April 29, 2023

العدد صفر

 
الخمرة حرام
الحمد لله والصلاة والسلام علي سيد نا محمد معلم الناس الخير وبعد.

    أيها المسلمون اتقوا الله تعالى وتمتعوا بما أحل لكم من الطيبات واشكروه عليها بالقيام بطاعته فإن الشكر سبب للمزيد: يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا الله إن كنتم إياه تعبدون واجتنبوا ما حرم عليكم من المطاعم والمشارب لعلكم تفلحون فإن الله لم يحرمها عليكم إلا لضررها ولو كانت خيرا ما حرمها عليكم فإن الله ذو الفضل العظيم. فلم يحرم عليكم إلا ما فيه ضرر في دينكم أو دنياكم أو فيهما جميعا قال الله تعالى في وصف نبيكم : يحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعززوه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون .

    أيها المسلمون أيها المؤمنون بمحمد إن من الخبائث التي حرم الله عليكم على لسان نبيكم بالوحي الذي أوحى إليه ذلك الشراب الخبيث: الخمر، وهو كل شيء مسكر من مطعوم أو مشروب قال النبي : ((كل مسكر خمر)) وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه على منبر رسول الله : (الخمر ما خامر العقل) متفق عليهما، ومعنى خامر العقل غطاه بالسكر والذهول فالخمر ليس من نوع معين مخصوص بل هو كل ما أسكر وغطى العقل واختل به التمييز سكرا وتلذذا .

    إن الخمر حرام بكتاب الله تعالى حرام بسنة رسول الله حرام بإجماع المسلمين إجماعا قطعيا معلوما بالضرورة من دين الإسلام لا خلاف فيه ولا نزاع ولا إشكال ولا لبس قال الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون .

    وقال النبي : ((كل خمر – وفي رواية: كل مسكر – حرام)) رواه مسلم. وأجمع علماء المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها وقديم الزمان وحديثه على أن الخمر حرام إجماعا قطعيا لا ريب فيه فمن قال: إنه حلال فهو كافر يستتاب فإن تاب ورجع الى الإسلام بالشهادتين وأقر بتحريمها ترك وإلا فحكمه حكم المرتد لأنه استحل أمراً معلوم حرمته بين الناس ولولم يستحل وشرب يسمى مسلم عاصياً ولايكفر.

    إن من اعتقد أن الخمر حلال فهو مكذب لكتاب الله و لرسول الله خارج عن إجماع المسلمين: ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا . أما من شرب الخمر وهو يؤمن ويعتقد بأنها حرام ولكن سولت له نفسه بها فشربها فهو عاص لله فاسق عن طاعته مستحق للعقوبة في الآخرة أن لم يتب قال أنس بن مالك: ((لعن رسول الله في الخمر عشرة: عاصرها ومعتصرها وشاربها وحاملها والمحمولة إليه وساقيها وبائعها وآكل ثمنها والمشتري لها والمشتراة له)) . وقال : ((من شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها حرمها في الآخرة)) رواه مسلم. وقال: ((ثلاثة لا يدخلون الجنة: مدمن الخمر وقاطع الرحم ومصدق بالسحر)) ولقد وصفت الخمر بأقبح الصفات في كتاب الله تعالى وفي سنة رسوله وصفها الله بأنها رجس من عمل الشيطان وقرنها بالميسر والأزلام وعبادة الأوثان: إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان إن الخمر مفتاح كل شر . إن شاربها يفقد عقله ويلتحق بالمجانين إنه ربما يقتل نفسه وهو لا يشعر وربما يزني وهو لا يشعر وربما يعتدي على غيره وهو لا يشعر.

    إن الخمر نقص في الدين وضرر في العقل والنفس والمجتمع؛ أما نقص الدين فقد بان لكم من كتاب الله وسنة رسوله وخلفائه الراشدين ما فيه كفاية وأما ضررها في العقل فإنها تمحوه حين شربها إذا سكر وتضعف العقل بعد الصحو وربما أدى شربها إلى الجنون الدائم كما هو معلوم من أقوال أهل الطب.

    وأما ضرر الخمر في النفس فإن شارب الخمر تجده دائما في ضيق وغم وقلق نفس كل كلمة تثيره وكل عمل يضجره لأن قلبه معلق بالخمر لا يسر إلا بتناولها ولا يفرح إلا بالاجتماع عليها فلا يتقن عملا ولا يثمر نتيجة. وأما ضرر الخمر في المجتمع فهو إيقاع العداوة والبغضاء بين الناس وقتل المعنويات العالية والأخلاق الفاضلة والإغراء بالزنا واللواط وكبائر الإثم والفواحش كما شهد بذلك الخبيرون بالجرائم وأسبابها. ولايخفي ما يحصل سنوياً من حوادث سير وشغب في البلاد وما تبذله الحكومات التي ليست مسلمه من محاربه لهذا الداء المهلك للفرد والعائلة والمجتمع. فالخمر حرام شربها حرام بيعها كبير أثمها واسع ضررها.

    

 

    الإخلاص في العبادة
 

    قال الله تعالى :{ وما أُمروا إلا ليعبدوا اللهَ مخلصينَ لهُ الدينَ حنفاءَ ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاةَ وذلكَ دينُ القيّمة } سورة البيّنة/5 وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ” إنّ الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه قيل: وما إتقانه يا رسول الله ؟ قال : يخلصه من الرياء والبدعة.

    إنّ الله تبارك وتعالى جعل الإخلاص شرطا لقبول الأعمال الصالحة. والإخلاص هو العمل بالطاعة لله وحده. والمُخلص هو الذي يقوم بأعمال الطاعة من صلاة وصيام وحج وزكاة وصدقة وقراءة للقرءان وغيرها ابتغاء الثواب من الله وليس لأن يمدحه الناس ويذكروه.

    فالمصلي يجب أن تكون نيته خالصة لله تعالى وحده فقط فلا يصلي ليقول عنه الناس ” فلان مصل لا يقطع الفرائض ” والصائم يجب أن يكون صيامه لله تعالى وحده فقط وكذلك الأمر بالنسبة للمزكي والمتصدق وقارئ القرءان ولكل من أراد أن يعمل عمل برٍ وإحسان.

    وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل سأله بقوله :” يا رسولَ الله الرجلُ يبتغي الأجرَ والذكرَ مَا لَه؟” قال:” لا شيء له” فسأله الرجل مرة ثانية ” الرجل يبتغي الأجر والذكر ما له؟” قال :” لا شيء له” حتى قال ذلك ثلاث مرات ثم قال :” إنّ الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا له وابتُغي به وجهه” رواه الحاكم. أي أنّ من نوى بعمل الطاعة الأجرَ من الله والذكرَ من الناس فليس له من الثواب شيء.

    قال تعالى :” مَثَلُ الذين ينفقون أموالَهم في سبيلِ اللهِ كمثلِ حبةٍ أنبتَتْ سبعَ سنابلَ في كلِّ سُنبلةٍ مائةُ حبةٍ واللهُ يضاعفُ لمن يشاءُ والله واسعٌ عليم}. سورة البقرة/261

    فالدرهم الذي يدفعه المسلم في سبيل الله ووجوه الخير يضاعفه الله إلى سبعمائة ضعف ويزيد الله لمن يشاء. وهذا الحكم وهو مضاعفة الأجر عام للمصلي والصائم والمزكي والمتصدق وقارئ القرآن والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر وغيرهم بشرط الإخلاص لله تعالى الذي هو أساس العمل.

    أما الرياء فهو العمل بالطاعة طلباً لمحمدة الناس. فمن عمِل عَمَل طاعةٍ وكانت نيته أن يمدحه الناس وأن يذكروه بأفعاله فليس له ثواب على عمله هذا بل وعليه معصية كبيرة ألا وهي معصية الرياء.

    وقد سمّى الرسول عليه الصلاة والسلام الرياءَ الشركَ الأصغر، شبهه بالشرك الأكبر لعظمه. فالرياء ليس شركاً يخرج فاعله من الإسلام بل هو ذنب من أكبر الكبائر.

    أخي المسلم، بادر إلى الطاعات والأعمال الصالحة في هذا الشهر الكريم بإخلاص في النية وثبات في العزيمة وإياك والرياء فإنه يبطل ثواب العمل ويستوجب صاحبه العذاب في النار. تزود من حياتك للمعاد وقم لله واجمع خير زاد ولا تركن إلى الدنيا طويلا فإن المال يجمع للنفاد. اللهم اجعلنا من عبادك المخلصين الذين يفعلون الطاعات ابتغاء مرضاتك واجعلنا من عبادك التوابين المتطهرين.

 

 

 

    زكاة الفطر

    تجب زكاة الفطر بإدراك جزء من رمضان وجزء من شوال، وذلك بإدراك غروب شمس آخر يوم من رمضان وهو بصفة الوجوب، فلا تجب فيما حدث بعد الغروب من ولد أو غنى والمراد بالغنى في هذا الموضع أن يكون للشخص مال يخرجه زكاة فاضلا عن دينه ومسكنه وكسوته وقوته وقوت من عليه نفقته يوم العيد وليلته فمن كان عاجزا عن زكاة الفطرة في رمضان ثم غني في يوم العيد فلا تجب عليه زكاة الفطر ، وكذلك من ولِد له مولود يوم العيد لا يجب أن يزكي عنه، أما لو ولِد في اليوم الأخير من رمضان واستمر حيا حتى يوم العيد فيزكى عنه.

    ويجب على الزوج فطرة زوجته ، والولد الصغير وأن سفل والوالد وأن علا إذا كان فقيرا ، أما أن كان غنيا بمال فلا يجب عليه زكاة.

    ولا يصح إخراج الفطرة عن الولد البالغ إلاَّ بأذنه، فليتنبه لذلك فإن كثيراً من الناس يغفلون هذا الحكم فيُخرجون عن الولد البالغ بدون إذنه . والسنة إخراجها يوم العيد وقبل الصلاة أي صلاة العيد ويجوز تعجيلها من أول رمضان ويحرم تأخيرها عن يوم العيد بلا عذر.

    وزكاة الفطر صاع من غالب قوت البلد عن الواحد ، والصاع أربعة أمداد باليد المعتدلة والمد هو حفنة كفين معتدلين . ويجوز عند أبي حنيفة أن يخرج ما يساوي قيمة الأمداد الأربعة بالعملة الورقية. أي ماهو مقداره على حسب كاليفورنيا مبلغ سبعة دولارات عن كل شخص وعن كل فرد من العائلة.

    مصارف الزكاة الشرعية

    ولا يجوز دفعها ألا إلى الأصناف الثمانية الذين ذكرهم الله في القرءان بقوله:{ إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل}ـ سورة التوبة /60ـ. وبيانهم على ما يلي:

    1ـ الفقراء: من لا نفقة له واجبة ولا مال ولا كسب حلال يشتغل منه ما يقع موقعا من كفايته، أي لا يجد ألا أقل من نصف كفايته. كأن يحتاج لكفايته هو ومن يجب عليه نفقتهم إلى خمسين فلا يجد إلا العشرين مثلاً فهذا فقير وهذا يختلف باختلاف البلاد.

    2 ـ المساكين : جمع مسكين، وهو الذي له ما يسد مسداً من حاجاته إما بملك أو بعمل، لكنه لا يكفيه كفاية لائقة بحاله،كأن تكون كفايته عشرة فيجد ثمانية أو سبعة.

    3ـ العاملون عليها: من نصبهم الخليفة لأخذ الزكوات من أصحاب الأموال ولم يجعل لهم أجرةً في بيت المال،وهم لا وجود لهم اليوم، فيسقط سهمهم.

    4ـ والمؤلفة قلوبهم: هم من كانوا ضعيفي النية في أهل الإسلام، بأن يكونوا دخلوا في الإسلام وفي أنفسهم وحشة من المسلمين، أي لم يتألفوا مع المسلمين بعد ، فيعطون حتى تقوى نياتهم بالإسلام من الزكاة .

    5ـ وفي الرقاب: أي العبيد الأرقاء المكاتبون، ويعسر وجودهم في هذه الأيام .

    6ـ الغارمون: هم المدينون الذين ارتكبتهم الديون ولم يستطيعوا الوفاء.

    7ـ وفي سبيل الله: أي الغزاة المتطوعون بالجهاد فيعطون ما يحتاجونه للجهاد .

    8ـ وابن السبيل: المراد به المسافر المقطوع في بلد الزكاة الذي ليس معه ما يعود به إلى بلده، فيعطى ما يكفيه لإكمال سفره وللعودة إلى بلده من مال الزكاة .

    وليعلم أخوة الإسلام أنه لا يجوز ولا يصح صرف الزكاة إلى غير الأصناف الثمانية المذكورة في هذه الآية. فمن المعلوم أن لفظ {إنما}في قوله تعالى :{إنما الصدقات}.يفيد الحصر في الأصناف التي ذكرناها سابقاً، ولو كانت معدة لكل عمل خيري لانتفى الحصر،ولذلك لايصح إخراج الزكاة لبناء المدارس ولاالمساجد لأن المساجد والمستشفيات والمؤسسات الخيرية تينى من أموال الصدقات غير الزكاة ،لأن الله تعالى حدد في القرآن الكريم مصارف الزكاة ،ويجوز التوكيل لصرف الزكاة لشخص ثقة أمين يصرفها في محلها ،كما يجوز نقل الزكاة إلى بلد ثانية ولكن تصرف للفقراء قبل غروب شمس يوم العيد.

 

 

   
    الإخلاص في العبادة

    قال الله تعالى :{ وما أُمروا إلا ليعبدوا اللهَ مخلصينَ لهُ الدينَ حنفاءَ ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاةَ وذلكَ دينُ القيّمة } سورة البيّنة/5 وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ” إنّ الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه قيل: وما إتقانه يا رسول الله ؟ قال : يخلصه من الرياء والبدعة.

    إنّ الله تبارك وتعالى جعل الإخلاص شرطا لقبول الأعمال الصالحة. والإخلاص هو العمل بالطاعة لله وحده. والمُخلص هو الذي يقوم بأعمال الطاعة من صلاة وصيام وحج وزكاة وصدقة وقراءة للقرءان وغيرها ابتغاء الثواب من الله وليس لأن يمدحه الناس ويذكروه.

    فالمصلي يجب أن تكون نيته خالصة لله تعالى وحده فقط فلا يصلي ليقول عنه الناس ” فلان مصل لا يقطع الفرائض ” والصائم يجب أن يكون صيامه لله تعالى وحده فقط وكذلك الأمر بالنسبة للمزكي والمتصدق وقارئ القرءان ولكل من أراد أن يعمل عمل برٍ وإحسان.

    وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل سأله بقوله :” يا رسولَ الله الرجلُ يبتغي الأجرَ والذكرَ مَا لَه؟” قال:” لا شيء له” فسأله الرجل مرة ثانية ” الرجل يبتغي الأجر والذكر ما له؟” قال :” لا شيء له” حتى قال ذلك ثلاث مرات ثم قال :” إنّ الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا له وابتُغي به وجهه” رواه الحاكم. أي أنّ من نوى بعمل الطاعة الأجرَ من الله والذكرَ من الناس فليس له من الثواب شيء.

    قال تعالى :” مَثَلُ الذين ينفقون أموالَهم في سبيلِ اللهِ كمثلِ حبةٍ أنبتَتْ سبعَ سنابلَ في كلِّ سُنبلةٍ مائةُ حبةٍ واللهُ يضاعفُ لمن يشاءُ والله واسعٌ عليم}. سورة البقرة/261

    فالدرهم الذي يدفعه المسلم في سبيل الله ووجوه الخير يضاعفه الله إلى سبعمائة ضعف ويزيد الله لمن يشاء. وهذا الحكم وهو مضاعفة الأجر عام للمصلي والصائم والمزكي والمتصدق وقارئ القرآن والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر وغيرهم بشرط الإخلاص لله تعالى الذي هو أساس العمل.

    أما الرياء فهو العمل بالطاعة طلباً لمحمدة الناس. فمن عمِل عَمَل طاعةٍ وكانت نيته أن يمدحه الناس وأن يذكروه بأفعاله فليس له ثواب على عمله هذا بل وعليه معصية كبيرة ألا وهي معصية الرياء.

    وقد سمّى الرسول عليه الصلاة والسلام الرياءَ الشركَ الأصغر، شبهه بالشرك الأكبر لعظمه. فالرياء ليس شركاً يخرج فاعله من الإسلام بل هو ذنب من أكبر الكبائر.

    أخي المسلم، بادر إلى الطاعات والأعمال الصالحة في هذا الشهر الكريم بإخلاص في النية وثبات في العزيمة وإياك والرياء فإنه يبطل ثواب العمل ويستوجب صاحبه العذاب في النار. تزود من حياتك للمعاد وقم لله واجمع خير زاد ولا تركن إلى الدنيا طويلا فإن المال يجمع للنفاد. اللهم اجعلنا من عبادك المخلصين الذين يفعلون الطاعات ابتغاء مرضاتك واجعلنا من عبادك التوابين المتطهرين.

 

 

 

    إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِى الأرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً

    تعالوا معي لنتأمل القرآن الكريم وهو يقص علينا من قصص المرسلين قصة نبيه موسى عليه الصلاة والسلام مع فرعون،وإن كانت معروفة لدى الكثير إلا أنه وباختصار لنا في هذه الظروف وقفة مع شىء من المعاني الجليلة في هذه القصة فقد ذكر الله تعالى قصته في مواضع متعددة، لنأخذ العبر منها، قـال تعالـى: لَقَدْ كَانَ فِى قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لاّوْلِى الالْبَـابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىا وَلَـاكِن تَصْدِيقَ الَّذِى بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلّ شَىْء وَهُدًى وَرَحْمَةً لْقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [يوسف:111]. ونشأ موسى وترعرع في مصر، ثم ذهب إلى أرض مدين، وتزوج هناك، وأرسله الله إلى فرعون بالآيات والسلطان المبين،أرسله إلى الطاغية المتكبر، فدعاه إلى توحيد الله رَبِّ الأرض والسماء.وحده لاشريك له قال فرعون وما رب العالمين قال رب السموات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين قال لمن حوله ألا تستمعون قال ربكم ورب آبائكم الأولين قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون قال رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون [الشعراء:23-28].ولما عجز فرعونُ عن ردِّ الحق لجـأ إلى ما يلجأ إليه العاجزون المتكبرون من الإرهاب، فتوعد موسى بالاعتقال والسجن فقال: لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَـاهَاً غَيْرِى لاجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ [الشعراء:29] وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك قال سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون [الأعراف:127].

    وبأسلوب الطغاة والجبابرة في كل عصر، قال فرعون:كما أخبر الله عنه في القرءن ذَرُونِى أَقْتُلْ مُوسَىا وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنّى أَخَافُ أَن يُبَدّلَ دِينَكُـمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِى الأرْضِ الْفَسَادَ [غافر:26].

    فالطغاة يعتبـرون أنفسهم هم المصلحون، وهم الغيورون على مصلحة شعوبهم، ويعتبرون المعارضين لظلمهم وطغيانهم مفسدين يجب إخماد أنفاسهم. وبعد سنين أقامها موسى عليه السلام في مصر، يدعو فرعونَ وقومَه بآياتِ اللهِ إلى الحقِّ، فلم يزدادوا إلا عتواً وفساداً وإعراضاً وعناداً واستكباراً… أوحى الله إلى موسى أن يسري بقومه ليلاً من مصر: وَأَوْحَيْنَا إِلَىا مُوسَىا أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِى إِنَّكُم مّتَّبِعُونَ [الشعراء:52]. فلما علم فرعون بخروج موسى بقومه غاظه ذلك، واشتد غضبه، فأرسل في فَلَمَّا تَرَاءا الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَـابُ مُوسَىا إِنَّا لَمُدْرَكُونَ [الشعراء:61].

    البحر من أمامنا فإن خضناه غرقنا، وفرعونُ وقومُه من خلفنا، إن وقفنا أدركنا. فقال موسى: قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِىَ رَبّى سَيَهْدِينِ فَأَوْحَيْنَا إِلَىا مُوسَى أَنِ اضْرِب بّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ [الشعراء:63].

    انفلق البحر اثني عشر طريقاً، وصار الماء السيال بين هذه الطرق كأطواد الجبال، فلما تكامل موسى وقومه خارجين، وتكامل فرعون بجنوده داخلين، أمر الله البحر أن يعود إلى حاله فانطبق على فرعون وجنـوده، فكانـوا من المغرقين، قـال تعالى: وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِى الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقّ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لاَ يُرْجَعُونَ فَأَخَذْنَـاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَـاهُمْ فِى الْيَمّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَـاقِبَةُ الظَّـالِمِينَ وَجَعَلْنَـاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيـامَةِ لاَ يُنصَرُونَ وَأَتْبَعْنَـاهُم فِى هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ القِيَـامَةِ هُمْ مّنَ الْمَقْبُوحِينَ [القصص:39- 42].

    وفرعون الذي جمع بين الكفر بالله وبين إدعاء الألوهية وظلم الناس لم يطل الزمن حتى أرسل الله إليه النذير ليأمره بالإيمان ويبين له أن الله هو المعبود بحق الذي يستحق العبادة والذي له الصفات التى ليست كصفات غيره وأن الألوهية لاتكون للبشر بل هي لرب البشر الله تعالى ,فأبى فرعون وادعى الرشاد والهدي لأهله,وقد ذكر الله في القران الكريم: فَقَالَ أَنَاْ رَبُّكُمُ الأَعْلَىا [النازعات:24].وكان يرى أن رأيه وأن الكل عليه أن رأيه هو الرأي السديد, مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَىا وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ [غافر:29].، وكذلك قال الله تعالى عن فرعون: وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَىا [طه:79]وقال سبحانه: فَاتَّبَعُواْ أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ [هود:97].وعنه وعن جنوده: وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِى الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقّ [القصص:39].فكان الإنتقام من الله تعالى بالغرق بتسليط الماء اللطيف الرقيق لهلاك أكبر الظغاة وأعتى الجيوش في زمانه وفي ذلك عبرة للمعتبرين وهكذا كانت نهاية الظالم فرعون وجنده ومن اتبعه من الطغاة المتكبرين .

 

 

    علاج الهموم والأحزان
    في كل وقت وحين تتكاثر الهموم والأحزان على المسلمين وأحسن الكلام حسبنا الله ونعم الوكيل. وقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أدعية حري بنا أن نستعملها في النوازل والمصائب ومنها قوله عليه الصلاة والسلام ((ما أصاب أحدا قط هم ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض فيّ حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك أو علمته أحدا من خلقك، أو أنزلته في كتابك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همّي، إلا أذهب الله همّه وحزنه وأبدله مكانه فرحا، قال: فقيل: يا رسول الله ألا نتعلّمها؟ فقال: بلى، ينبغي لمن سمعها أن يتعلمها)).

    وقد تضمن هذا الحديث أمورا من المعرفة والتوحيد منها: أن الداعي به صدّر سؤاله بقوله: ((إني عبدك، ابن عبدك، ابن أمتك))، وهذا يتضمن الاعتراف بأنه مأمور منهي، والعبودية هي نهاية التذلل والخضوع والإنابة، وامتثال أمر الله واجتناب نهيه، ودوام الافتقار إليه، واللجأ إليه، والاستعانة به، والتوكل عليه.

    ومعنى قوله: ((ناصيتي بيدك)) أي أنت المتصرف في، تصرفني كيف تشاء، لست أنا المتصرف في نفسي، وكيف يكون له تصرف في نفسه مَن نفسه بيد ربه أي بقدرته تعالى (واليد هنا ليست على المعنى المتابدر للذهن الجارحة,كلا أنما على معنى القدرة لأن الله تعالى متصف بالصفات التى لاتشبه صفات غيره) فالعبد أموره بقدرة الله تجري حياته وموته وسعادته وشقاوته والأمر كله إلى الله تعالى .ومن علم أن ناصيته ونواصي العباد جميعا بيد الله وحده، يصرفهم كيف يشاء لم يخشهم بعد ذلك ولم يرجهم، وصار فقره وضرورته إلى ربه وصفا لازما له، ولم يفتقر إليهم، ولم يعلق أمله ورجاءه بهم، وحينئذ توكله على الله، ولهذا قال هود عليه السلام لقومه كما أخبر الله تعالى بقوله: إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم [هود:56].

    وقوله صلى الله عليه وسلم : ((ماض في حكمك، عدل في قضاؤك)) قضائه كله عدل، وأمره كله مصلحة، والذي نهى عنه كله مفسده، وثوابه لمن يستحق الثواب بفضله ورحمته، وعقابه لمن يستحق العقاب بعدله وحكمته.ويتضمن جميع أقضيته في عبده من كل الوجوه، من صحة وسقم، وغنى وفقر، ولذّة وألم، وحياة وموت، وعقوبة وتجاوز، وغير ذلك، وقوله: ((أسألك بكل اسم هو لك…)) توسل إليه بأسمائه كلها، ما علم العبد منها وما لم يعلم، وهذه من أحب الوسائل إليه، فإنها بأسمائه، وقد قال تعالى: ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها [الأعراف:180].

    ويستفاد من قوله: ((أو استأثرت به في علم الغيب عندك)) أن لله عز وجل أسماء غير التسعة والتسعين المشهورة، والمذكورة في قوله : ((إن لله تعالى تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة)).

    القرآن ربيع القلوب، والمراد أن يجعل قلبه مرتاحا إلى القرآن، مائلا إليه، راغبا في تلاوته وتدبره، منوّرا لبصيرته. فتضمن الدعاء أن يحيى قلبه بربيع القرآن، وأن ينوّر به صدره، فتجتمع له الحياة والنور، كما قال تعالى: أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها [الأنعام:122].

    فعليكم بالقرآن يا أمة القرآن ((اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه)).

    اقرؤوا القرآن وتدبروه، وأحلّوا حلاله، وحرموا حرامه، وعظموا حدوده، اقرؤوا القرآن فإن قراءة القرآن قربة من أعظم القرب، وعبادة من أجل العبادات، يعطي الله عليها من الأجر والثواب ما لا يعطي على غيرها، وقد بين النبي كثرة هذا الأجر بقوله: ((من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: ألم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف)).

    اقرؤوا القرآن واجتهدوا في حفظه، فإن العبد يتبوأ منزله في الجنة على قدر ما في صدره من القرآن، كما قال النبي : ((يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها)).

    وتعلّموا هذه الكلمات وادعوا بها دائما، عسى الله أن يذهب عنكم الهم والحزن، ويبدلكم مكانه فرحا وسرورا، كما وعدكم على لسان نبيه عيه الصلاة والسلام وعلى جميع إخوانه الأنبياء أجمعين.

 

    الصبر

    الصبر عادة الأنبياء والمتقين، وحلية أولياء الله المخلصين، وهومن أهم ما نحتاج إليه نحن في هذا العصر الذي كثرت فيه المصائب وتعددت، وقلّ معها صبر الناس على ما أصابهم به الله تعالى من المصائب، والصبر ضياء، بالصبر يظهر الفرق بين ذوي العزائم والهمم وبين ذوي الجبن والضعف والخور،والصبر ليس حالة جبن أويأس أوذل بل الصبر حبس النفس عن الوقوع في سخط الله تعالى وتحمل الأمور بحزم وتدبر, والصابرون يوفون أجورهم بغير حساب: أُوْلَـئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُواْ وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَـاماً [الفرقان:75]، وقال تعالى عن أهل الجنة: سَلَـامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَىا الدَّارِ [الرعد:24]، هذا هو الصبر، المحك الرئيسي، لصدق العبد في صبره، واحتسابه مصيبته عند الله.

    وفي كتاب الله آية عظيمة كفى بها واعظة ومسلية، عند وقوع المصائب: وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْء مّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مّنَ الاْمَوَالِ وَالاْنفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشّرِ الصَّـابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَـابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ راجِعونَ أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مّن رَّبْهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [البقرة:155-157]، (إنا لله وإنا إليه راجعون) علاج ناجع لكل من أصيب بمصيبة دقيقة أو جليلة ومصير العبد ومرجعه إلى الله مولاه الحق، لابد أن يخلف في الدنيا يوما ما وراء ظهره، ويدخل قبره فردا كما خلق أول مرة بلا أهل ولا عشيرة ولا حول ولا قوة ولكن بالحسنات والسيئات، فمن صبر واحتسب إيماناًورضى بقضاء الله يجد الثواب الجزيل والخير العميم في ذلك اليوم .روى مسلم عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها إلا آجره الله في مصيبة وأخلفه خيرا منها))، قالت: ولما توفي أبو سلمة؛ قلت: ومن خير من أبي سلمة صاحب رسول الله,فقلتها –قالت: فتزوجت رسول الله . وفي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما عن النبي قال: ((ما يصيب المؤمن من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى حتى الشوكة يشاكها إلا كفّر الله بها من خطاياه ))

    وليعلم المصاب علم اليقين أنّ مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِى الأَرْضِ وَلاَ فِى أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِى كِتَـابٍ مّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ لّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ عَلَىا مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَا ءاتَـاكُمْ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ [الحديد:22، 23].

    فوطن نفسك على أن كل مصيبة تأتي إنما هي بإذن الله عز وجل وقضائه وقدره فإن الأمر له، فإنه كتب مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض . واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك أو يضروك فلن يحصل ذلك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، واستعن على الصبر: بالاستعانة بالله، والاتكال عليه، والرضا بقضائه. وعن أبي يحيى صهيب بن سنان قال: قال رسول الله : ((عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له)) رواه مسلم.

    ويقوي على الصبرالعلم بتفاوت المصائب في الدنيا، ومن حصل له الأدنى من المصائب يتسلى بالأعلى والأعظم من المصائب التي أصيب بها غيره والعلم بأن النعم زائرة وأنها لا محالة زائلة، والصبر أنواع فمنه الصبر على طاعة الله فيصبر المسلم على الطاعة؛ لأنه يعلم أن الله خلقه لعبادته، وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]. فيصبر على العبادة صبرَ المحبِّ لها الراغب فيها الذي يرجو بصبره ثواب الله. شاكراً لله نعمتَه وفضله عليه. صابر على صومه وحجه. صابر على بره بأبويه، ولا سيما عند كبرهما وضعف قوتهما، فهو يصبر على برهما صبر الكرام، تذكراً أعمالهما الجميلة وأخلاقهما الفاضلة، وتذكراً لمعروفهما السابق، فهو يصبر على برهما، إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِى صَغِيرًا [الإسراء:22، 23]، فلا يضجر منهما، ولا يستطيل حياتهما، ولا يسأم منهماويرى فضلهما ومعروفهما سابقاً قبل ذلك ,صابر ومحتسب على ما قد يناله من أذية من الخلق، فهو يصبر صبر الكرام، وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ [الشورى:43]. فالصبرعلى الطاعات عنوان الاستقامة والثبات على الحق، إِنَّ الَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَـامُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَـئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ وَأَبْشِرُواْ بِالْجَنَّةِ الَّتِى كُنتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِى الْحَيَواةِ الدُّنْيَا وَفِى الآخِرَةِ [فصلت:30،31].والنوع الثاني من الصبر صبرالمسلم عن معاصي الله، يصبر عن الأمور التي حرمها الله عليه، يكفُّ نفسه عنها، ويُلزمها الصبرَ والتحمُّل، يصبر عن مشتهيات النفس التي تدعو إلى المخالفة، يصبر فيغضّ بصره، يصبر فيحصِّن فرجه، يصبر فيمتنع عن الحرام وكل المغريات التي تدعوه إلى المخالفة، فهو يصبر عنها،صابر في مكاسبه فيلزم الحلال وإن قلَّ، ويبتعد عن الحرام وإن كثر، قُل لاَّ يَسْتَوِى الْخَبِيثُ وَالطَّيّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ [المائدة:100]. المؤمن صابر في كونه يؤدي الأمانة، يؤدي الحقوق إلى أهلها، صابر في أمانته، صابر في حسن تعامله مع الناس بالخلق الحسن وبين الزوج وزوجته, الزوجان لا بد من مشاكل في الغالب بينهما، فصبرُ الرجل على امرأته وتحمُّله المتاعب عونٌ له على استمرار الحياة الزوجية، وضجره ومعاتبتُه مما يقلِّل تحمله ويفسد الثقةَ بينهما. وكذلك صبر المرأة على زوجها مما يسبِّب صفاءَ الحال وتعاونَ الجميع على الخير والتقوى.وصبرالرجل على أولاده، ومحاولة جمع كلمتهم، والصبر على ما قد يناله منهم فيه خيرٌ كثير، ولهذا نُهي المسلم أن يدعو على نفسه أو ولده، فلعلها أن توافق ساعةَ إجابة، بل يصبر على الأبناء والبنات، يرجو من الله الفرج والتيسير، ولا يحمله الضجر على الدعاء عليهم، فربما حلّت بهم عقوبة يندم عليها ولا ينفع الندم.فالصبر عون للعبد على كل خير، صبرٌ يعينه على الاستقامة على الطاعة، وصبر يعينه على الكفّ عن المعاصي، وصبر يعينه على تحمل الأقدار والرضا بها والطمأنينة، والنوع الثالث الصبر علىالبلاء النازل بالإنسان سواء بجسده أوتلف ماله أو موت عزيز عليه فلا بد ةمن صبر على أقدار الله المؤلمة التي قد تناله في جسده أو في ماله أو في ولده، فيصبر على قضاء الله وقدره، يؤمن حقَّ الإيمان بأن الله على كل شيء قدير، وأن الله علم الأشياء قبل كونها، وكتبها، وشاءها، وقدرها، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، يؤمن بقضاء الله وقدره، فالصابرون المحتسبون يتلقون المصائب بالصبر والتحمل، يتلقونها أولاًَ بالصبر عليها، ثم ثانياً يتلقونها بالرضا،فلاتحمل نفوسهم تسخطاً على قضاء الله وقدره، ولايتلفظون بألفاظ الإعتراض الكفرية كمسبة الله أو القدر أو نسبة الظلم إلى الله تعالى والتسخط فهذا عمل الكافرين المعترضين على قدرالله وحكمته , والتسليم والرضى والصبر عمل أهل الإيمان، فيصبرون ويحتسبون، ولا يظهر منهم ضجر ولا تسخط على قضاء الله وقدره. فصبر المسلم على المصائب إنما هو من ثمرات الإيمان الصادق بأن الله حكيم عليم فيما يقضي ويقدر, وأن هذا التقدير تقدير الحكيم العليم،حكيم عليم فيما يقضي ويقدر، فلا اعتراض ولا ملامة، ولكن صبرٌ واحتساب ورضا عن الله، وأكمل المؤمنين من جمع بين الصبر على المصيبة والرضا عن الله تعالى يرجو ما عند الله من الثواب الذي وعد به الصابرين الصادقين، إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّـابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ [الزمر:10].وما أحوجنا في هذه الظروف الصعبة إلى الصبر والإتكال على الله وعدم اليأس وأن نرجو دفع البلاء بالطاعة والصلاة والعبادة وحبس الألسن عن الإعتراض على الله تعالى فالله الأمر في الأولى والأخرة وحسبنا الله ونعم الوكيل وصلى الله على سيدنا محمد الذي تنفرج به الكرب وتحل به العقد وتقضى به الحوائج وحسن الخواتيم.
    

 

    وقفات مع ذكرى الإسراء والمعراج

    من المعجزات التى أعطاها الله لنبيه محمدصلى الله عليه وسلم الإسراء وهو إنتقاله من مكة المكرمة الى بيت المقدس وثم عروجه الى الملأ الأعلى ووصوله الى الجنة .والمقصود من هذه الرحلة المعجزة تكريم النبي وإطلاعه على عجائب خلق الله وليس المقصود منه الوصول الى مكان ينتهي فيه وجود الله تعالى لأن الله تعالى لايوصف بالمكان والجهة كما هو شأن المخلوقات .

    قال الله تبارك وتعالى:] سُبْحَانَ الذي أسرى بِعَبْدِهِ ليلاً من المسجدِ الحرامِ إلى المسجِد الأقصى الذي باركنا حَولَهُ لِنُرِيَهُ من ءاياتِنَا إنّهُ هوَ السميع البصير [ (سورة الإسراء /1 ) معجزة الإسراء ثابتةٌ بنص القرءان والحديث الصحيح ، فيجب الإيمان بأن الله أسرى بالنبي ليلاً من مكة المكرمة إلى المسجد الأقصى ، وقد أجمع أهل الحق من سلف وخلف ومحدثين ومتكلمين ومفسرين وعلماء وفقهاء على أنّ الإسراء كان بالجسد والروح .

    من عجائب ما رأى الرسول في إسرائه

    1_ الدنيا : رءاها بصورة عجوز .(وذلك علامة على أنها تفتن المتعلقين بها وهي ليست على شىء)

    2_ إبليس : رءاه متنحياً عن الطريق .

    3_ قبر ماشطة بنت فرعون وشمَّ منه رائحة طيبة . (وهي كانت عند فرعون وكانت على دين موسى الإسلام، وعلم فرعون بها وعذبها العذاب الشديد، والرسول مر على قبرها وشم الريح الطيبة منه وأخبره جبريل بأمرها)

    4_ المجاهدون في سبيل الله : رءاهم بصورة قوم يزرعون ويحصدون في يومين .

    5_ خطباء الفتنة : رءاهم بصورة أناس تُقْرَضُ ألسنتهم وشفاههم بمقاريض من نار.(وهم الذين يخطبون بين الناس بالفتنة والكذب والغش)

    6_ الذي يتكلم بالكلمة الفاسدة: رءاه بصورة ثور يخرج من منفذ ضيق ثم يريد أن يعود فلا يستطيع .

    7_ الذين لا يؤدّون الزكاة :رءاهم بصورة أناس يَسْرَحون كالأنعام على عوراتهم رقاع .

    8 _ تاركو الصلاة : رأى قوماً ترضخ رءوسهم ثم تعود كما كانت ، فقال جبريل : هؤلاء الذين تثاقلت رءوسهم عن تأدية الصلاة .

    9_ الزناة : رءاهم بصورة أناس يتنافسون على اللحم المنتن ويتركون الجيد .

    10 شاربو الخمر: رءاهم بصورة أناس يشربون من الصديد(وهوماء كريه الريح )

    11_الذين يمشون بالغيبة : رءاهم بصورة قوم يخمشون وجوههم وصدورهم بأظفار نحاسية .

    أما المعراج فهو ثابت بنص الأحاديث الصحيحة، أما القرءان فلم ينص عليه نصاً صريحاً .

    من عجائب ما رأى الرسول صلى الله عليه وسلم في المعراج:

    1_ مالك خازن النار.

    2_ البيت المعمور : وهو بيت مشرف في السماء السابعة وهو لأهل السماء كالكعبة لأهل الأرض، كل يوم يدخُلُهُ سبعون ألف ملكٍ يصلون فيه ثم يخرجون ولا يعودون أبداً .

    3 _ سدرة المنتهى : وهي شجرة عظيمة بها من الحسن ما لا يصفه أحد من خلق الله ، يغشاها فَراشٌ من ذهب ، وأصلها في السماء السادسة وتصل إلى السابعة ، ورءاها رسول الله صلى اله عليه وسلم في السماء السابعة .

    4_ الجنة : وهي فوق السموات السبع فيها ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سَمِعَتْ ولا خَطَرَ على قلب بشر مما أعدّه الله للمسلمين الأتقياء خاصة ، ولغيرهم ممن يدخل الجنة نعيم يشتركون فيه معهم .

    5 _ العرش : وهو أعظم المخلوقات ، وحوله ملائكة لا يعلم عددهم إلا الله . وله قوائم كقوائم السرير يحمله أربعة من أعظم الملائكة ، ويوم القيامة يكونون ثمانية .والعرش هو سقف الجنة وهو مكان مشرف عند الله قال الأمام علي كرم الله وجه: إن الله خلق العرش إظهار لقدرته ولم يتخذه مكان لذاته.

    6_وصوله صلى الله عليه وسلم إلى مستوى يسمع فيه صرير الأقلام: انفرد رسول الله عن جبريل بعد سدرة المنتهى حتى وصل إلى مستوى يسمع فيه صرير الأقلام التي تنسخ بها الملائكة في صحفها من اللوح المحفوظ . 7_سماعه صلى الله عليه وسلم كلام الله تعالى الذاتي الأزلي الأبدي الذي لا يشبه كلام البشر.8_رؤيته صلى الله عليه وسلم لله عزّ وجلّ بفؤاده لا بعينه : مما أكرم الله به نبيه في المعراج أن أزال عن قلبه الحجاب المعنوي ،فرأى الله بفؤاده ، أي جعل الله له قوة الرؤية في قلبه لا بعينه ، لأن الله لا يرى بالعين الفانية في الدنيا ، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم :(( واعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا )).

    واعلم يا أخي المسلم أنَّ عقيدة المسلم أنّ الله تبارك وتعالى موجود بلا مكان فلا يجوز أن يعتقد أن الله تعالى موجود في مكان أو في كل الأمكنة أو أنه موجود في السماء بذاته أو جالس على العرش أو حال في الفضاء ، تعالى الله وتنـزه عن ذلك، لقوله تعالى: ] ليس كمثله شىء وهو السميع البصير[. وقال الإمام علي كرم الله وجهه:كان الله ولامكان وهو الآن على ما عليه كان . والمقصود بمعجزة المعراج تشريف الرسول الأعظم r باطلاعه على عجائب العالم العلوي وتعظيم مكانته r وأما اعتقاد بعض الضالين أن الرسول وصل إلى مكان هو مركز الله تعالى فهذا ضلال مبين لأن المكان يستحيل على الله عز وجل لأنه من صفات الخلق، ولا عبرة بما هو مكتوب في بعض الكتب الرخيصة الكثيرة الانتشار والذائعة الصيت التي فيها ما ينافي تنـزيه الله تعالى عن المكان والتي يتداولها بعض العوام ، والتحذير منها واجب.

    ومنها الكتاب المسمى :((كتاب المعراج )) المنسوب كذبا للإمام ابن عباس ، فيجب التحذير منه ومن أمثاله لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض واجب.

 

    ـ الآية في سورة العلق (كلا لاتطعه وأسجد واقترب) ما معناها؟

    ـ الآية المعنى بها أبوجهل فلا تطعه واسجد يا محمد واقترب ليس معناه القرب المسافي بل المقصود تقرب الى الله عز وجل بالطاعة والعبادة.قال الإمام أبو حنيفة في كتاب الفقه الأكبر: وليس قرب الله تعالىولابعده من طريق طول المسافة وقصرها ولكن على معنى الكرامة والهوان، فالمطيع قريب من الله والعاصى بعيد من الله بلا كيف، والقرب والبعد والإقبال يقع علىالمناجي وكذلك جواره في الجنة والوقوف بين يديه بلا كيف) إنتهى كلام أبي حنيفة ،وقال الإمام أبو سليمان الخطابي فيما نقله عن الحافظ البيهقي في كتاب الأسماء والصفات (إن الذي علينا وعلى كل مسلم أن يعلمه أن ربنا ليس بذي صورة ولاهيئة فإن الصورة تقتضي الكيفية والكيفية منفية عن الله وعن صفاته) وهذا يدل على أن علماء السلف كانوا يحرصون على التأكيد في تفاسيرهم على تنزيه الله تعالى عن كل صفات المخلوقات عملاً بالآية القرآنية (ليس كمثله شىء).

    ـ ماالحكم الشرعي في تارك الصلاة؟

    ـ تارك الصلاة على قسمين أحدهما: أن يتركها جحوداً أي غير معترف بها ولامعتقد بوجوبها فحكمه الكفر إذ أن القاعدة الشرعية أن الذي ينكر أمراً مجمعاً على وجوبه معلوماً بالدين بالضرورة أي أنتشرعلمه بين الناس كواجب الصلوات الخمس كافر والعياذ بالله تعالى .

    والثاني: أن تاركها كسلاً معتقداً وجوبها فهوعاصى مرتكب لذنب من كبائر الذنوب وأما الحديث الذي فيه :بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة ،فمحمول على أنه ارتكب ذنباً شديداً قارب فيه الكفر،ولكن تارك الصلاة كسلاً ذنبه ليس بالهين عندالله تعالى ويخشى عليه من سوء الخاتمة نسأل الله السلامة والرضى.

    ـ ماذا يعني كلمة سجين في الآية (كلا إن كتاب الفجار لفي سجين)؟

    ـ هذه الآية ردع وزجر، وكتاب الفجار أي صحائف أعمال الكفرة قال الزبيدي إمام اللغة(وسجين فيه كتاب الفجارأي صحائف أعمالهم) وهو فعيل من السجن كالفسيق من الفسق وقيل هوواد في جهنم،وجزم البيضاوي أنه جهنم نفسها).

   
    الهجرة المباركة

    إنَّ في حياةِ رسول الله أحداثاً حوّلت مجرَى التاريخ وأحدَثت أعظمَ نقلة وأعقبت أقوَى الآثار، تبوَّأت منها الهجرةُ النبويّة المبارَكَة مكاناً عليًّا ومقاماً كريماً، حيث كانت بحقٍّ فتحاً مبيناً ونصراً عزيزاً ورِفعة وتمكيناً وظهوراً لهذَا الدّين، وهزيمةً وصَغاراً للكافرين.

    وفي وقائِع هذه الهجرة مِن الدّروس والعبَر وفي أحداثِها من الفوائد والمعاني ما لا يكاد يحِيط به الحصر ولا يستوعِبه البيان، فنها أنَّ العقيدةَ أغلى من الأرض، وأنَّ التوحيدَ أسمى من الديار، وأنَّ الإيمان أثمنُ من الأوطان، وأنَّ الإسلامَ خير من القناطير المقنطَرة من الذّهب والفضّة والخيلِ المسوّمة والأنعام والحرث ومن كلِّ متاعِ الحياة الدنيا، يتجلّى هذا المعنَى بيّنًا في خروجِ هذا النبيّ الكريم صلوات الله وسلامه عليه مع صاحبِه الصدّيق رضي الله عنه مهاجرَيْن من هذا الحِمى المبارَك والحرمِ الآمِن والأرضِ الطيّبة التي صوّر واقعَها الحديثُ الذي أخرجَه أحمد في مسندِه والترمذيّ وابن ماجه في سننهما بإسناد صحيح عن عبد الله بن عديّ بن حمراء الزّهريّ أنّه قال: رأيتُ رسول الله واقفًا على الحَزْوَرَة[1]قال: ((والله، إنَّك لخيرُ أرضِ الله وأحبُّ أرضِ الله إلى الله، ولولا أنِّي أُخرجتُ منكِ ما خرجت))

    وفي الهجرة كمَال اليقينِ بمعيّة الله تعالى لعبادِه المؤمنين الصَّادقين، ذلك اليقين الرَّاسخ الذي لا تزعزِعُه عواصِف الباطل، يستبينُ ذلك جليًّا في حالِ هذَين المهاجرَين الكريمَين حين عظُم الخَطب وأحدَق الخطرُ ببلوغ المشركين بابَ الغارِ الذِي كانَا فيه، وحينَ قال أبو بكر رضي الله عنه: والله يا رسول الله، لو أنَّ أحدَهم نظر إلى موضعِ قدمَيه لرآنا، فقال رسول الله قولتَه التي أخذَت بمجامعِ القلوبِ. ((يَا أبَا بَكر، مَا ظنُّكَ باثنَين اللهُ ثالثُهما)) ، وأنزَلَ سبحانه مصداقَ ذلك في كتابه، أنزل قولَه : إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِى الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَىا وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِىَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة:40].

    وأيُّ معيّةٍ هذه المعيةَ؟ إنّها المعيّةَ الخاصّة التي تكون بالتّأييد والتّوفيق والحِفظ والمعونةِ والنّصر إنّما جعلها الله تعالى لأوليائِه المتّقين المحسِنين الذين بذلوا حقَّ الله عليهم في توحِيده وإفرادِه بالعبادةِ وتركِ الإشراكِ به، ثمَّ بامتثال أوامرِه والانتهاء عمَّا نهاهم عنه.والمعية تاءتى بمعنى العلم كقوله تعالى(( وهو معكم أينما كنتم)) أي عالم بكم حيث كتتم الله تعالى لا يخفى عليه شيء عالم بالأماكن كلها وهو موجود بلا مكان , حتى إذا سكن الطلب عنهما قليلا خرجا من الغار بعد ثلاث ليال متجهين إلى المدينة على طريق الساحل فلحقهما سراقة بن مالك المدلجي على فرس له فالتفت أبو بكر فقال: يا رسول الله هذا الطلب قد لحقنا فقال النبي : ((لا تحزن إن الله معنا)) فدنا سراقة منهما حتى إذا سمع قراءة رسول الله غاصت يدا فرسه في الأرض حتى مس بطنها الأرض وكانت أرضا صلبة فنزل سراقة وزجرها فنهضت فلما أخرجت يديها صار لأثرهما عثان ساطع في السماء مثل الدخان قال سراقة: فوقع في نفسي أن سيظهر أمر رسول الله فناديتهم بالأمان فوقف رسول الله ومن معه فركبت فرسي حتى جئتهم وأخبرتهم بما يريد الناس بهم وعرضت عليهم الزاد والمتاع وقال للنبي : إنك تمر على إبلي وغنمي بمكان كذا فخذ منها حاجتك. فقال: ((لا حاجة لي في ذلك)) وقال: ((أخف عنا)). فرجع سراقة وجعل لا يلقى أحدا من الطلب إلا رده وقال: كفيتم هذه الجهة فسبحان الله رجل ينطلق على فرسه طالبا للنبي وصاحبه ليظفر بهما فيفخر بتسليمهما إلى أعدائهما من الكفار فلم ينقلب حتى عاد ناصرا معينا مدافعا يعرض عليهما الزاد والمتاع وما يريدان من إبله وغنمه ويرد عن جهتهما كل من أقبل نحوها وهكذا كل من كان الله معه فلن يضره أحد وتكون العاقبة له. ويعود سراقة ويكمل الرسول مسيرته إلى طيبة ويصل هناك ليستقبله المسلمون بحفاوة وترحيب وفرح وحب، وليؤسس صلى الله عليه وسلم دولة الإسلام ويعز الله دينه ويعلي كلمته ولو كره الكافرون ولو كره المشركون.

    إنَّ هذه الهجرةِ المباركة وعبرِها هيَ جديرة بأن تبعثَ فينا اليومَ ما قد بعثَته بالأمسِ مِن روحِ العزَّة، وما هيَّأته من أسبابِ الرِّفعة وبواعثِ السموِّ وعواملِ التَّمكين. إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ

 

    ثبات المؤمنين في الشدائد

    يقول الله تبارك وتعالى في محكم التنزيل: ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمةً طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء .

    إن الإنسان خلق ليعرف ربه ويعبده, ومعرفة الله تعالى تكون بعرفة صفاته والإيمان به أنه واحد أحد لاشريك ولامثيل ولاشبيه له وأنه خلق العالم بما فيه من السموات والأرض وما فيهما وما عليهما وهو لايحتاج لشىء فلا طاعةُ الطائعين تنفعهُ ولا عصيان العصاة يضرهُ بل العبد هو الفقير المحتاج إلى الله ،والله هو الغني عن العالم غني عن البشر والأنبياء والملائكة غني عن السماء والجنة والعرش الكل محتاج إلى الله والله تعالى ليس بحاجة لأحد، الإنسان لم يخلق ليعمل من عند نفسه ديناً له ، وإنما خلق لعبادة ربه على الدين اذي رضيه الله لنا والشرع الذي جاء به نبينا, لم يخلق لهذه الدنيا الصغيرة الفانية, إن المؤمن يعيش عبداً لربه الواحد الأحد، ولحياته الأخروية يعمل ويجد في الخيرات وترك المنكرات قال الله تعالى: أفحسبتم أنما خلقناكم عبثًا وأنكم إلينا لا ترجعون فتعالى الله الملك الحق تعالى الله أن يخلقنا عبثًا, تعالى الله أن يخلق السموات والأرض عبثا.تعالى الله أن ينسب إليه الشريك والمثيل .

    المؤمن حياته واضحة لا غبن فيها ولا ريب، والطريق كذلك واضح المعالم ، غير المؤمن يعيش في الدنيا تتوزعه هموم كثيرة وتتنازعه غايات شتى, هذه تميل به ذات اليمين وهذه تميل به ذات الشمال, لا يدري أيها يرضى حائر حتى في ارضاء المجتمع أي الأصناف يرضيهم ويسارع في هواهم, فإنه إن أرضى أناسًا لا يرضي عنه آخرون, فإن رضى الناس غاية لا تدرك.

    إذا رضيت عليّ كرام عشيرتي فما زال غضبانٌ عليّ لئامها والعكس بالعكس طبعًا, إذا رضي اللئام غضب الكرام المؤمن حقًا قد استراح من هذا كله وحصر الغايات كلها في غاية واحدة, عليها يحرص وإليها يسعى, وهو رضوان الله تعالى, لا يبالي بعد ذلك رضي الناس أو سخطوا عليه، شعاره في ذلك كما قال الشاعر:

    وليت الذي بيني وبينك عامرُ

    وبيني وبين العالمين خـرابُ

    إذا صح منك الود فالكل هين

    وكل الذي فوق التراب ترابُ

    المؤمن جعل الهموم همًا واحدًا, وهو سلوك الطريق الموصل الى رضى لله تعالى، وهو الذي يسأل الله تعالى في كل صلاة عدة مرات اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم هو طريق واحد لا عوج فيه ولا التواء وأن هذا صراطي مستقيمًا فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به وما أعظم الفرق بين رجلين أحدهما عرف الغاية رف الطريق إليها فاستراح, وآخر ضال يخبط في عماية ويمشي في غير غاية, لا يدري إلى ما يسير ولا أين المصير أفمن يمشي مكبًا على وجهه أهدى أم من يمشي سويًا على صراط مستقيم استهان المسلم في سبيل هذه الغاية, في سبيل إرضاء ربه كل صعب، المؤمن يستشعر في حياته بأنه ممتثل لأمر ربه, لذلك لا تعجب عندما نجد في القرآن العظيم قصصًا فيها الثبات, فيها كذلك الإيضاح التام لأمر الله تعالى, هاكم هذه القصة العجيبة بين أب وابنه المؤمن, أب تمنى أن يكون له ولد حليم, فأوتي هذا الولد على كبر في سنه فأعطاه ما يعطي الوالد ولده من العطف والحنان, رزقه الله تعالى بولد حليم, وجاء أمر الله تعالى إليه بأن يدع هذا الولد وزوجه كذلك في واد غير ذي زرع فامتثل لأمر ربه لا ماء ولا شجر, امتثل لأمر الله تعالى ولما شب الغلام أمره الله تعالى بأن يضع السكين على رقبة هذا الولد الذي تمناه سنينًا طويلة, فماذا كان موقف هذا الأب؟ وماذا كان موقف هذا الابن؟ أسلم الوالد ولده وأسلم الولد عنقه امتثالاً لأمر الله تعالى, ذكر القرآن ذلك عن إبراهيم عليه السلام وكذلك عن إسماعيل فلما أسلما وتلّه للجبين وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين إن هذا هو البلاء المبين , ابتلاه الله سبحانه وتعالى ولما أشار إلى ابنه قائلاً: فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين , ما سر هذا الثبات؟ سر هذا الثبات هو الإيمان واليقين بالله تعالى.

    وفي خاتمة القصة قال الله تعالى إنه من عبادنا المؤمنين سر هذا الثبات أن هذا العبد كان من عباد الله المؤمنين أن الله تعالى هو يفعل ما يريد ويحكم بما يشاء فلا أعتراض على مشيئته وحكمه، وإذا كنا مؤمنين حقًا فإنا سنثبت في الشدائد ولن نجزع ولن نخاف ولن تأخذنا الأمواج يمنةً ويسرة, فإن الله عز وجل يثبت المؤمنين بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.

 

    يوم عرفة وعيد الأضحى المبارك

    التاسع من شهر ذي الحجة هو يوم عرفة وهو أفضل يوم في السنة كلها وهذا اليوم المبارك يسن لغير الحاج صومه وهو يوم عظيم القدر عند المسلمين ففي ذلك اليوم يجتمع الحجيج في الموقف في أرض عرفات وتلهج ألسنتهم بذكر الله والإستغفار والدعاء وقول لاإله إلاالله وحده لاشريك له وبعده يكون يوم العيد للناس وللحجاج الذين تزدحم أعمال الخير في ذلك اليوم لديهم ففيه أهم أعمال الحجيج، ففيه يرمون جمرة العقبة ويطوفون بالبيت طواف الإفاضة ويحلقون رؤوسهم ويذبحون هداياهم ويبقون في منى، أما غير الحجاج فإنهم يصلون العيد ويذبحون أضاحيهم ويكبرون ويحمدون.

    فحق لهذا اليوم أن تكون له مزيته وشرفه، فلنحمد الله على هذه النعمة ولنجدد الشكر له سبحانه وتعالى و يشرع للجميع الإكثار من التكبير والذكر في هذا اليوم وفي يوم العيد وأيام التشريق، فهي أيام ذكر وشكر كما قال سبحانه: وَأَذّن فِى النَّاسِ بِالْحَجّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَىا كُلّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلّ فَجّ عَميِقٍ لّيَشْهَدُواْ مَنَـافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ فِى أَيَّامٍ مَّعْلُومَـاتٍ عَلَىا مَا رَزَقَهُمْ مّن بَهِيمَةِ الاْنْعَامِ [الحج:27، 28]، ولقوله سبحانه: وَاذْكُرُواْ اللَّهَ فِى أَيَّامٍ مَّعْدُوداتٍ [البقرة:203 بقول: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد، يقول: الله أكبر الله، أكبر الله أكبر كبيراً. ،ويسن الجهر بها إعلاناً لذكر الله وشكره وإظهاراً لشعائره.

    أما العيد والفرح فيه فهو من محاسن هذا الدين وشرائعه، فعن أنس قال: قدم النبي ولأهل المدينة يومان يلعبون فيهما في الجاهلية فقال: ((قدمت عليكم، ولكم يومان تلعبون فيهما في الجاهلية، وقد أبدلكم الله بهما خيراً منهما: يوم النحر ويوم الفطر)) أحمد وأبو داود والنسائي.

    ويستحب للمسلم التجمل في العيد بلبس الحسن من الثياب والتطيب في غير إسراف، وصلاة العيد المسلمون يجتمعون لها مثل الجمعة، وقد شرع فيها التكبير.سبع تكبيرات في الركعة الأولى وخمس في الثانية.

    ويستحب في عيد الأضحى أن لا يأكل إلا بعد صلاة العيد ويستحب للمصلي يوم العيد أن يأتي من طريق و يعود من طريق آخر اقتداءاً بالنبي فعن جابر قال: (كان النبي إذا كان يوم عيد خالف الطريق) البخاري.

    ويستحب له الخروج ماشياً إن تيسر، ويكثر من التكبير حتى يحضر الإمام.

    وأيام العيد ليست أيام غفلة، بل هي أيام عبادة وشكر، والمؤمن يتقلب في أنواع العبادة ومن تلك العبادات التي يحبها الله تعالى ويرضاها صلة الأرحام وزيارة الأقارب وترك التباغض والتحاسد، والعطف على المساكين والأيتام، وإدخال السرور على الأهل والعيال، ومواساة الفقراء وتفقد المحتاجين من الأقارب والجيران.

    ومن شعائر يوم العيد ذبح الأضاحي تقرباً إلى الله عز وجل لقوله سبحانه: فَصَلّ لِرَبّكَ وَانْحَرْ [الكوثر:2]،. ويقول سبحانه: وَالْبُدْنَ جَعَلْنَـاهَا لَكُمْ مّن شَعَـائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ الْقَـانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذالِكَ سَخَّرْنَـاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [الحج:36] وجعلها من شعائره.

    ثم بين سبحانه الحكمة من ذبح الأضاحي والهدايا بقوله لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا وَلَـاكِن يَنَالُهُ التَّقْوَىا مِنكُمْ كَذالِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبّرُواْ اللَّهَ عَلَىا مَا هَدَاكُمْ وَبَشّرِ الْمُحْسِنِينَ [الحج:37: ” فإن الخالق الله تعالى الرازق فلا يناله شيء من لحومها ولا دمائها، لأنه تعالى هو الغني عما سواه،

    وإنما العبد يناله الأجر والثواب بالإخلاص فيها والاحتساب والنية الصالحة، ولهذا قال: وَلَـاكِن يَنَالُهُ التَّقْوَىا مِنكُمْ

    ولذا كان على المسلم أن يستشعر في ذبح الأضاحي التقرب والإخلاص لله تعالى بعيداً عن الرياء والسمعة والمباهاة، وامتثالاً لقوله سبحانه: قُلْ إِنَّ صَلاَتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى للَّهِ رَبّ الْعَـالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذالِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:163

    وللأضحية شروط لا بد من توفرها، منها السلامة من العيوب التي وردت في السنة، وقد بين العلماء هذه العيوب مفصلة، ومن شروطها أن يكون الذبح في الوقت المحدد له، وهو من انتهاء صلاة العيد إلى غروب شمس آخر أيام التشريق، وهو اليوم الثالث عشر، والمقام لا يسع للتفصيل في ذلك.

    وينبغي أن لاينسى المسلمون أخوان لهم تحت ظلم الأحتلال وخطر الحرب وأيتام وأرامل غيب الهم والحزن عنهم فرحة العيد ، فنسأل الله تعالى أن يفرج عن الأمة شر مانتخوف منه وأن يعيد علينا العيد بالنصر والعزة والأمان وكل عام وأنتم بخير.

   

 

 

    ـ ما معنى الآية القرآنية “الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم” سورة النساء /34/؟

    ـ القوامة التي أمر الله بها أن الرجل ملزم بالنفقة على المرأة ورعاية شئون البيت والرجل أحق بهذه الرئاسة والمسؤولية لما فطره الله عليه من كمال العقل وحسن التدبير وقوة الجسم والقدرة على الكسب والإنفاق وليست القوامة التسلط والظلم والقهر فلا دخل لهذا بالآية الكريمة.

    ـ هل يجوز للمرأة التصرف بمال الزوج في غيبته؟

    ـ المرأة لها أن تتصرف بمال زوجها بما يرضى هو به أو بما وكلها به وينبغي للمرأة المحافظة على مال زوجها في حضرته وغيبته وعليها أيضا احترامه لأن الرجل أولى الناس بالمرأة من حيث الرعاية والعناية وفي ذلك يقول علية الصلاة والسلام: “أعظم الناس حقا على المرأة زوجها وأعظم الناس حقا على الرجل أمه” رواه الحكم.

    ـ ماذا تفعل المرأة إذا سمعت من زوجها كلاما قبيحا؟

    ـ المرأة إذا صبرت على زوجها وأحسنت إليه بما يحب كان لها عند الله ثواب عظيما، وطاعة المرأة لزوجها ليست طاعة إذلال بل هي طاعة مودة وحنان، لكن إن سمعت المرأة شيئا يخالف الشرع كسب الله أو لعن الدين أو مثل هذه الألفاظ الكفرية فعندها يجب عليها أن تنصحه بالعود إلى الإسلام بالشهادتين لأن الإنسان ولو كان غاضبا وصدر منه مثل هذا الكفر فقد وقع في الردة والعياذ بالله وعشرة المرأة لمثل هذا الرجل محرمة ما لم يتب إلى الله بالرجوع إلى الإسلام بالشهادتين ولا ينفع الاستغفار قبل النطق بالشهادتين ولو لم تكن نيته الكفر لأن الله تعالى سيحاسبنا على كلامنا قال الله تعالى “ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد”.

    ـ أنا شاب عمري ثلاثون سنة لكن منذ صغري لا أعرف شئ عن الصلاة ولا عن الدين الإسلامي والآن أريد أن أمشي على الصراط المستقيم فماذا أفعل؟

    ـ الله تعالى من كرمه على عباده المؤمنين أنه يقبل توبة التائب ويغفر له ذنوبه إن تاب فقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال “التائب من الذنب كمن لا ذنب له” . معناه من تاب توبة صحيحة غفرت له ذنوبه مهما كانت كثيرة، وشروط صحة التوبة: الندم، الإقلاع عن المعصية، العزم على عدم العودة إليها، وإذا كان الذنب فيه ترك فرض فإن عليه أن يقضيه فالشخص عليه الندم عما فاته من الفرائض بعد بلوغه سن البلوغ وأن يقضي ما فاته من صلاة وصيام وبعد ذلك لا يقصر في أي فريضة والله غفور رحيم.

    ـ سمعت حديثا فيه “أن من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية”؟

    ـ هذا الحديث رواه الإمام مسلم عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من خلع يدا من طاعة لقي الله يوم القيامة ولا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية” ومعنى الحديث أن الذي يترك الإمام بالخروج عن طاعته كالذين خرجوا على سيدنا علي رضي الله عنه ومات على تلك الحالة تكون ميتة جاهلية وليس معنى الحديث أن المسلم الذي يموت في زمن ليس فيه جماعة ولا إمام أي جماعة المسلمين مع إمامهم (مثل زماننا هذا) أنه يموت ميتة جاهلية إنما الذي يموت متمردا على طاعة الخليفة مع قيام الخليفة هو الذي ينطبق عليه ما ورد في الحديث.
    

    ـ ما معنى الآية القرآنية “واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي”؟

    ـ كان سيدنا موسى عليه السلام قد أصابه شئ من العقدة وهي عقدة خفيفة باللسان ولكنه كان سليم النطق بالحروف لم يكن يبدل الحرف بالآخر إنما في لسانه شئ خفيف من أثر الجمر الذي وضعه على لسانه حين كان صغيرا عند فرعون ولكن ليس بحيث يكون معيبا عند الناس قال الله تعالى إخبارا عن موسى عليه السلام أنه قال: “واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي اشدد به أزري” فإن موسى صلى الله عليه وسلم طلب من الله تعالى أن يكون معه هارون حتى يقوى بذلك تبليغه وليس لأنه كان لا يحسن النطق لأن الأنبياء كاملون في الخلق والخلقة.

    ـ جماعة من بلادي أحسنت إليهم لما وصلوا مهاجرين إلى أمريكا ثم بعد مدة طويلة أساءوا إليّ وأنكروا معروفي فقلت لن أعمل هذا مع غيرهم؟

    ـ الذي يعمل المعروف لوجه الله تعالى ولا يتأثر بمدح الناس أو ذمهم لأنه يعلم أن الله مطلع على ما فعل وأجره عند الله تعالى والمسلم مطلوب أن يعفوا عن من أساء إليه. الرسول صلى الله عليه وسلم سئل ما النجاة يا رسول الله؟ قال: أن تعفو عن من ظلمك وتصل من قطعك. فمن كان على هذا الحال العفو والصفح وعمل الخير مع الناس رجاء الثواب من الله تعالى فهو عند الله تعالى بخير وهو على السنة الشريفة أما أن يمنع الإنسان نفسه من الخير لمجرد أن أساء إليه من أحسن إليهم فهو يضيع على نفسه خيرا كبيرا وليس كل الناس لا يشكرون المعروف لأهله.

    ـ لماذا سميت زوجات النبي صلى الله عليه وسلم  بأمهات المؤمنين؟

    ـ الله سماهن أمهات المؤمنين بقوله تعالى “النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله” سورة الأحزاب 6 وهؤلاء النسوة سمين بأمهات المؤمنين من باب الحرمة والاحترام والتوقير والتعظيم، ولما لهن من خصائص خاصة بهن منها أنهن لا يجوز لهن أن يتزوجن أحدا بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وكذلك عليهن أحكام خاصة بهن في الشرع.

    ـ ما معنى من كفر مسلم فقد كفر؟
    ـ الحديث رواه الإمام مسلم في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال “من دعا رجلا بالكفر أو قال عدو الله وليس كذلك إلا صار عليه” والمعنى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  حذرنا أن نقول لمسلم يا كافر أو يا عدو الله وبين لنا أن من قال ذلك لمسلم يعود عليه وبال هذه الكلمة إلا أن كان قالها لسبب شرعي فليس عليه حرج وكذلك إن كان قال ذلك متأولا فلا يكفر، والتأويل هو أن يفعل هذا المسلم فعلا يشبه فعل الكفار فيظن به أنه لا يحب الإسلام أولا يعتقد الإسلام فكفره بناء على هذا الظن لما رأى منه من قول خبيث أو فعل خبيث.

    ـ ما هو حديث سيدنا عمر بن الخطاب في الجابية؟

    ـ كان سيدنا عمر رضي الله عنه ذاهبا إلى بيت المقدس فوقف في أرض يقال لها الجابية قرب الشام فوقف في أصحابه ثم قال: “قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم  خطيبا كوقفي فيكم ثم قال “”عليكم بأصحابي ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم وعليكم بالجماعة وإياكم والفرقة فإن الشيطان مع الواحد وهو مع الأثنين أبعد فمن أراد بمبوبة الجنة فليلزم الجماعة” هذا الحديث صحيح مشهور والجماعة التي ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم  في هذا الحديث جمهور المسلمين ومعنى بمبوبة الجنة أي في المكان الذي هو وسط الجنة أي المكان الأحسن، الجنة لها أطراف الوسط أفضلها.

    ـ ماذا يقول علماء المسلمين في العقل؟
    ـ أهل السنة قالوا العقل السليم شاهد للشرع لأن الشرع لا يأتي إلا بما تجوزه أي تقبله العقول السليمة وليس العقل هو الأمام عند المسلمين كما تدعي الفلاسفة بل العقل يشهد أن ما في الشرع الإسلامي صحيح والعقل هو صفة راسخة في الإنسان يميز به بين القبيح والحسن ولذلك لا يجوز تسمية الله تعالى بالعقل كما ذكر بعض الكتاب بقولهم عن الله تعالى “العقل المدبر” فهذه العبارة لا تليق بالله تعالى لأن الله تعالى منزه عن صفات البشر قال الإمام أبو جعفر الطحاوي، ومن وصف الله تعالى بصفة من صفات البشر فقد كفر والعياذ بالله تعالى ثم إن العقل السليم إذا لم يعقه عائق يفهم أن هذه العوالم الذي خلقها لا يكون مثلهم، ويفهم أن خالق هذه العوالم لا يجوز أن يكون في مكان فالله تعالى منزه عن المكان والزمان أيضا.

    ـ بعض الناس يزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  يعلم كل الغيب ويستدلون بالآية “عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحد إلا من ارتضى من رسول فأنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا” فما معنى هذه الآية وكيف نرد عليهم؟

    ـ قول الله تعالى “عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحد إلا من ارتضى من رسول فأنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا” الاستثناء في هذه الآية منقطع فليس ما بعد “إلا” مستثنى من قوله (فلا يظهر على غيبه أحد) إنما المعنى “لكن من ارتضى من رسول فأنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا” أي يجعل ملائكة يرصدونه ويحفظونه معناه الرسول لهم هذه المزية، ليس المعنى أن الرسول يطلعهم على غيبه، فليس فيها متمسك لمن يقول إن الله يطلع الرسول على كل الغيب، هؤلاء سووا بين الله وبين غيره فهم يدخلون تحت قوله تعالى “الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون” كما أن هؤلاء المشركين ساووا معبوداتهم بالله كذلك هؤلاء الذين يقولون إن الله يطلع نبيه على جميع الغيب، يعلم كل ما يعلم الله، ساووا بين الله وبين الرسول، فحكمهم كحكم أولئك ولا ينفعهم قولهم إن الله علمه بجميع الأشياء بذاته أما الرسول ليس بذاته بل بإعلام الله له. فلو كان الله يطلع أحدا من خلقه على جميع ما يعلمه هو لم يمتدح بقوله “وهو بكل شئ عليم” ثم هؤلاء خالفوا قوله تعالى “قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم إن أتبع إلا ما يوحي إليّ” أي لا أعلم جميع ما يفعله الله بي وبكم أنما أعلم القدر الذي أوحى الله به إليّ.

    ـ ما هو زواج المسمى بزواج المسيار؟

    ـ هو أن يتزوج الرجل المرأة ويأخذ عليها العهد أن لا تطالبه بالقسم (أي بقسمتها في المبيت) فهذا الزواج يصح، لكن لها أن ترجع بعد ذلك عن الشرط.

 

   
    الملائكة الكرام
    إن اللهَ تبارك وتعالى خلقَ هذا العالمَ بأسرِهِ العُلويَّ والسُّفليَّ والعرشَ والكرسِيَّ والسماواتِ والأرضَ وما فيهِما وما بينهُما من مخلوقاتٍ كثيرةٍ عجيبةٍ ومتنوعَةٍ تدُلُّ على أنَّ هذا العالَمَ مخلوقٌ بتدبيرٍ وتقديرٍ وأن له خالِقًا وصانِعًا قديرًا حكيمًا تامَّ القدرةِ بالغَ الحِكْمَةِ، مُتَّصِفًا بِصِفاتِ الكمالِ مُنَزَّهًا عن صفاتِ النقصانِ وهو اللهُ سبحانَهُ وتعالى.

    ومن مخلوقاتِ اللهِ وءاياتِهِ الباهرةِ الدالَّةِ على وجودِهِ تعالى وعظيمِ قُدرتِهِ الملائكةُ الذين لا يُحصِي عددَهم إلا اللهُ تبارك وتعالى، خلقَهُمُ اللهُ عزّ وجلّ وجعلَ عددَهُم أكثرَ منَ الجِنِّ والإنسِ.

    الملائكةُ أجسامٌ لطيفةٌ نورانِيةٌ أي خَلَقَهُمُ اللهُ منْ نورٍ لَيسوا من جِنْسِ البَشَرِ، لا يتوالَدونَ ولا يأكُلونَ ولا يَشربونَ ولا ينامونَ ولا يَتعَبونَ َ ولا يتَناكحونَ لأنَّهُم ليسوا ذُكُورًا ولا إناثًا، هم سكانُ السماواتِ السبعِ شرَّفَهُمُ اللهُ عز وجلَ وأكرَمَهم وجعلَهم مجبولينَ على طاعتِهِ، وقد خلَقَهُمُ اللهُ عزَّ وجلَّ لطاعَتِهِ وعبادتِه وليسَ لمساعدَتِه وإعانَتِه لأنهُ الصمدُ الذي لا يَحتاجُ إلى أحدٍ، قالَ اللهُ سبحانَهُ وتعالى في وصفِهم: }لا يعصُونَ اللهَ ما أمرَهُم ويفعلونَ ما يُؤمَرون{ ليسَ فيهِم كافرٌ ولا عاصٍ، ويشفعونَ يومَ القيامَةِ لبعضِ عُصاةِ المسلمينَ، قال اللهُ عز وجل:

    }وقالوا اتَّخّذَ الرحمنُ ولداً سبحانَهُ بل عبادٌ مُكْرَمُون، لا يَسْبِقُونَهُ بالقولِ وهم بأمرِه يعمَلُون{ (الأنبياء / 26 – 27). خلقَ اللهُ تعالى الملائكةَ واصطفاهم لعبادَتِه فهُمْ صفوةٌ شريفةٌ لا يختارونَ إلا الطاعةَ لخالِقِهم ليس فيهم مَيْلٌ إلى معصيةٍ لا بالقولِ ولا بالفِعلِ، لأنهُ سبحانَهُ وتعالى جَبَلهُم على طاعَتِه، ولذلك وَجَبَتْ لهُمُ العِصمةُ من المعاصي فلا يوجدُ فيهم كافرٌ ولا عاصٍ.

    ملائِكَةُ الرحمنِ المكرمونَ هم سكانُ السمواتِ السبعِ، فالسمواتُ السبعُ التي خلقَها اللهُ عز وجل مشحونةٌ بِهم، فليسَ في السمواتِ موضعُ أربعِ أصابع إلا وفيها ملكٌ قائمٌ أو راكعٌ أو ساجدٌ يعبُدُ اللهَ، ولهم بيتٌ مُشَرَّفٌ في السماءِ السابِعةِ يُسمَّى “البيتَ المعمور” وهو بالنسبةِ إلى الملائكةِ كالكعبةِ لأهلِ الأرضِ، وقد قالَ النَّبِيُّ عليهِ الصلاةُ والسلامُ: “أَطَّتِ السماءُ وحُقَّ لها أن تَئِطَّ، ما في السماءِ موضعُ أربعِ أصابع إلا وفيهِ ملَكٌ قائِمٌ أو راكعٌ أو ساجدٌ”. فيجب على كل مسلم أن يعتقد هذا في الملا ئكة الكرام لاْ ن الإيمان بملائكة الله من أصول عقيدة المسلمين.

 

   
    الرسل ودعوتهم إلى توحيد الله

    بعث الله رسله دعاة إليه، دعاة إلى دينه، بعثهم مبشرين ومنذرين، بعثهم ليقيم بهم حجته على عباده، قال تعالى: وَإِن مّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ [فاطر: 23]، وقال جل جلاله: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِى كُلّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللَّهَ وَاجْتَنِبُواْ الْطَّـاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَـالَةُ [النحل: 36]، وقال تعالى: رُّسُلاً مُّبَشّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً [النساء: 165].

    إن أنبياء الله ورسله دعوا إلى الله، ونصحوا أممهم، وجاهدوا في الله حق جهاده، أدوا الأمانة، ونصحوا للأمة، وقاموا بما أوجب الله عليهم.فأولهم آدم عليه السلام ومن جاء بعده إلى ما بعد أدريس حيث حصل الكفر من الناس فأرسل الله تعالى نوح عليه السلام فكان أول رسول واجه الكفار بعثه الله في قومه لما فشا فيهم الشرك حتى عبدوا بشراً من دون الله، فبعثه الله يدعو قومه إلى الله، ويحذرهم من الشرك به، ومكث فيهم ألف سنة إلا خمسين عامًا، وقال الله: وَمَا ءامَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ [هود: 40]، لقد نصحهم وأرشدهم، ودعاهم إلى الله ليلاً ونهارًا، سرًا وجهارًا، ولكن الله صرف قلوبهم عن الهدى، وهو يقول: وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ [الأعراف: 62]والله تعالى تابع الرسل على العباد، فما يمضي رسول حتى يأتي رسول بعده، وكل رسول يُبعث بلسان قومه، وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيّنَ لَهُمْ [إبراهيم: 4] وهم متفاوتون في الفضل، فأولو العزم: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد ، أولئك أولو العزم المذكورون في قوله: فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ [الأحقاف: 35]. وختم الله الرسالات كلها بمبعث محمد .

    والله بين لنا أن دعوة الرسل تلتقي على هدف واحد هو الدعوة إلى توحيد الله، وعدم الإشراك به والإعتقاد أن الله تعالى خالق كل شئ وأنه مستغني عن كل شىء فلا يحتاج لسماء ليسكن فيها ولايحتاج لملائكة ليعينوه بل العرش والسماء محمولون بلطف قدرة الله , وأمر الأنبياء بإخلاص الدين لله، وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِى إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَـاهَ إِلاَّ أَنَاْ فَاعْبُدُونِ [الأنبياء: 25] وإن تنوعت شرائعهم، كما قال: لِكُلّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَـاجاً [المائدة: 48].

    وختم الله الرسالات كلها بمبعث محمد ، سيد الأولين والآخرين، وإمام المتقين، والمبعوث رحمة للعالمين، تَبَارَكَ الَّذِى نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَىا عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَـالَمِينَ نَذِيراً [الفرقان: 1]، وَمَا أَرْسَلْنَـاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لّلْعَـالَمِينَ [الأنبياء: 107]، فدعا إلى ما دعا إليه إخوانه المرسلون، دعوةً إلى توحيد الله، وأمرًا بعبادة الله، وتحذيرًا من الشرك بالله، وناله من قومه ما ناله، قالوا عنه: إنه كذاب، وإنه الساحر، وإنه شاعر، وإنه افتراها وتُملى عليه بكرة وأصيلاً، ومع هذا فالله يأمره بالصبر والتحمل، فصبر وثابر، ودعا إلى الله ليلاً ونهارًا، وسرًا وجهارًا، يأتي أندية العرب، فيعرض عليهم دعوته، ويطالبهم بأن يحموها ولهم الجنة، فمن مستجيب، ومن رادٍ، ومن متوقف، إلى أن هيأ الله له الهجرة إلى المدينة صلوات الله وسلامه عليه، بعد اتفاق الأوس والخزرج معه على النصرة والتأييد والحماية، فرضي الله عنهم وأرضاهم. إن الدعوة إلى الله طريق الأنبياء والمرسلين، منهج محمد ، قُلْ هَـاذِهِ سَبِيلِى أَدْعُو إِلَىا اللَّهِ عَلَىا بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِى وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [يوسف: 108].

 

    نزاهة الرسول عما يفتريه الحاقدون

    قال الله تعالى: ) ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين(. سورة الأحزاب. أما بعد، فقد شغف المغرضون من المستشرقين كعادتهم في التفتيش على ما يظنونه أو يتوهمونه باباً للطعن والافتراء على الإسلام ونبيه عليه السلام فجعلوا من تعدد زوجات النبي المصطفى عليه السلام مناسبة لهذا الطعن والافتراء. فنقول لهم: إذا نظرنا إلى دعوة النبي عليه السلام، والى الدولة التي أقامها وأسسها، وإلى ما صنعه هذا النبي العظيم في حياته، وإلى هذه الدولة الإسلامية التي امتدت من الصين إلى المغرب، فبعد هذا من الذي يقول إن هذا عمل رجل مشغول، وان الذي شغله المرأة؟ ومن الذي تفرغ لعمل عظيم وبلغ فيه ما بلغ محمد عليه السلام في مسعاه؟ فهل بعد هذا يقال أن النبي عليه السلام شغلته المرأةُ عن عمله، وأنه كان متعلق القلب بالنساء؟ فأي افتراء هذا، وأي إفك وإفساد مثل هذا.

    فليُعلم أن نبينا عليه السلام لم يكن متعلق القلب بالنساء والدليل على ذلك:

    * أنه كان معروفاً بين أهل مكة بمحمد الأمين إلى أن بلغ من العمر أربعين سنة وقد كان أوتي من الجمال ما لم يساوه فيه أحد.

    * فلو كان كما يفتري عليه الملحدون وَلوعاً بالنساء لظهرت منه رذيلة من رذائل كثيرة، ولكان أهل بلده طعنوا فيه بذلك حين أعلن دعوته ودعاهم إلى عبادة الله وحده، وترك ما كانوا يعبدونه من الأوثان التي كان عليها آباؤهم وأجدادهم فشق عليهم دعواه لهم. وكانوا إكتفوا بالتشنيع عليه بذلك عن غيره من أساليب الإيذاء له ولمن آمن به. ولم يُسمع عنه أنه كان يلهو كما يلهو الفتيان، بل عُرِفَ بالطهر والأمانة، واشتهر بالجد والرصانة، ولم يقل أحد: تعالوا يا قوم فانظروا هذا الفتى يدعوكم اليوم إلى الطهارة والعفة ونبذ الشهوات وأنه لم يكن كذلك قبل ذلك.

    * ولم يتزوج إلا بعد أن صار عمره خمسة وعشرين عاماً فبنى بأولى زوجاته خديجة وكانت تبلغ من العمر نحو الأربعين، ثم ماتت زوجته حين بلغ من العمر خمسين سنة ولم يكن عنده غيرها.

    * فلو كان النبي متعلق القلب بالنساء لكان أعرض عن خديجة إلى الفتيات الإبكار أو جَمَعَ بعد وفاة خديجة الفتياتَ الأبكار اللاتي اشتهرن بالجمال في مكة والمدينة والجزيرة العربية، فيسرعن إليه راضيات فخورات، وأولياء أمورهن أرضى منهن وأفخر بهذه المصاهرة التي لا تعلوها مصاهرة.

    * وأيضا لو كان الأمر كما يقولون لكان عدّد الزواج قبل أن يبلغ عمره خمسين سنة كما هو شأن المنهمكين في شهوة النساء.

    * ولو كان النبي عليه السلام وَلوعاً بالنساء لاختار الفتيات الأبكار فقط ولكنه لم يتزوج بكراً قط غير عائشة رضي الله عنها بعد خديجة امرأة أخرى ثم عدد لا لإشباع الشهوة بل لحكم تعود إلى مصالح دعوته فخصصه الله تعالى دون أمته بأن أباح له أن يجمع بين أكثر من أربع من الزوجات.

    ومن الدليل على أنه لم يكن متعلق القلب بالنساء ما رواه مسلم في صحيحه عن عائشة أنها قالت:”ما كانت تمر ليلتي على رسول الله عليه السلام إلا خرج إلى البقيع-جبانة المدينة- يدعو لأهل الجبانة مع ما اجتمع في عائشة من حداثة السن والجمال. ونقول لهؤلاء أنسيتم أنه لما تزوج خديجة كان زواجه بسيدة في الأربعين وقد اكتفى بها إلى أن توفيت وكان جاوز الخمسين. ونسيتم أن النبي الذي وصفتموه بما هو نعتكم وشغلكم الشاغل من الارتماء في أحضان النساء مع الإكثار من الخمور والأكل الدسم الذي يقوى الشهوة، كان أحياناً لا يشبع في بعض أيامه من خبز الشعير.

    ونسيتم أنه لم يجاوز حياة القناعة قط لإرضاء نسائه ولو شاء لما كلفه غير القليل بالقياس إلى ما كان في يديه ويوزعه على عباد الله. هل نسيتم كل هذا وهو ثابت في التاريخ ثبوت عدد النساء اللاتي جمع بينهن عليه الصلاة والسلام. بعد دحض أكاذيبهم بالوقائع والبراهين هل تجرؤن على ذكر ما يفعله أسيادكم من فضائح ومحازي في خباياهم وعزلتهم أثناء خلوتهم بهن.

    الحكمة من تعدد الزوجات: كان تعدد زوجات النبي عليه السلام لحكم منها:

    * أن تنتشر شريعته بطريق النساء إلى النساء، فإن أحكام الشرع الخاصة بالنساء يسهل انتشارها بينهن من بعضهن لبعض أكثر مما لو كان بطريق الرجال إليهن كالحيض والنفاس والجماع.

    * جمعُ شتات القبائل بالمصاهرة.

    * إلى غير ذلك مما يؤيد مشروعيةَ تعدد أزواج النبي عليه السلام.

    أسماء أزواج النبي:

    ـ تزوج أولاً خديجة وذلك قبل نزول الوحي عليه بخمس عشرة سنة فولدت له زينت وهي أكبر بناته، ثم رقية، ثم أم كلثوم، ثم فاطمة، وولدت له من الذكور القاسم، والطيب، – عبد الله – مات رضيعاً، والطاهر.

    ـ ثم تزوج بمكة بعد موت خديجة بسنة وذلك قبل الهجرة بأربع سنين سودةَ بنت زمعة.

    ـ ثم تزوج على سودة بمكة عاشةَ بنت أبي بكر قبل الهجرة بسنتين.

    ـ ثم تزوج بالمدينة في سنة اثنين بعد الهجرة قبل وقعة بدر أمَ سلمة وأسمها هند بنت أبي أمية.

    ـ ثم تزوج بالمدينة في سنة اثنتين عقب بدر حفصة بنت عمر بن الخطاب.

    ـ ثم تزوج سنة ثلاث زينب بنت جحش.

    ـ ثم في سنة خمس جويرية.

    ـ ثم تزوج في سنة سبع أم حبيبة بنت أبي سفيان.

    ـ وصفيةَ بنت حيي من بني النضير.

    ـ وميمونة خالة عبد الله بن عباس.

    ـ ثم تزوج فاطمةَ بنت شريح وكانت وهبت نفسها للنبي عليه السلام.

    ـ ثم تزوج زينبَ بنت خزيمة ثم طلقها.

    ـ ثم تزوج من أهل اليمن أسماء بنت النعمان من بني الجون ثم طلقها.

    ـ ثم تزوج أم شريك من بني النجار.

    أخي المسلم، لا تلتف إلى هؤلاء الملحدين الحاقدين ولا تأخذ بأقاويلهم الباطلة وأفكارهم الفاسدة وعقائدهم الباطلة ولا تدع الشك في صدق الرسول ودعوته النقية وأخلاقه الحميدة يدخل إلى قلبك وأقبِل إلى تعلم أمور دينك حتى تستطيع الرد على أباطيل المبطلين ودسائس الكافرين.

    اللهم نور أبصارنا بهدى القرآن وزين قلوبنا بالتقوى وهذب نفوسنا بسيرة النبي محمد عليه السلام.

   

 

 

    بِرُّ الوالدين وحقّهما على الولد

    يقول الله تبارك وتعالى وهو أصدق القائليناووصينا الانسان بوالديه حُسناًا سورة العنكبوت.

    وجاء في حديث عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”أعظم الناس حقاً على المرأة زوجها وأعظم الناس حقاً على الرجل أمه”. حديث صحيح صححه الحاكم وغيره.

    والآيات في هذا الباب كثيرة وقد وردت أحاديث صحيحة مشهورة ولو أردنا بسطها لجمعنا مجلدات في ذلك. وفيما ذكرنا يتبين لنا عظم حق الوالدين على أولادهما، وأعظمهما حقاً على الولد الأم فإنها أولى الناس بالبر والطاعة. ولا يسقط بر الأم والأب عن الولد لكونهما أساءا إليه في صغره بأن أضاعاه وقطعاه من الإحسان والنفقة فليس للولد حين الكبر أن يقابل هذه الإساءة بالإساءة فيقول هما لم يرحماني صغيراً بل أضاعاني وسلماني للجوع والعطش والعرى فأنا اليوم أعاملهما بالمثل فمن فعل ذلك وقع في وزر كبير هو وزر العقوق الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم:”ثلاثة لا يدخلون الجنة العاق لوالديه والد يوث ورجلة النساء”. رواه البيهقي. أي لا يدخلها مع الأولين.

    معنى العقوق وعظم ذنبه

    ومعنى العقوق أن يؤذي والديه أذى ليس بهيّن ومع ذلك فإيذاء الوالدين أذى شديداً أو خفيفاً حرام. ومنه شتم الأم والأب. أو ضرب الأم أو إهانتها أو إحداهما.

    ومن جملة العقوق إذا أطاع الولد أمه على ظلم أبيه أو أطاع أباه على ظلم أمه. وليعلم أن عذاب عقوق الوالدين المسلمين عند الله تعالى شديد حيث إن عاقهما لا يدخل الجنة مع المسلمين الأولين بل يدخلها بعد عذاب شديد مع الآخرين للحديث المذكور آنفاً وليس المعنى أنه كافر محروم من الجنة. كذلك حثّنا الشرع على بر والدينا فقد قال الله تعالىاووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهن وفِصالُه في عامين أن اشكر لي ولوالديك إليَّ المصيرا سورة لقمان. وقال تعالىاوقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناا سورة الإسراء. أي براً بهما وشفقة وعطفاً عليهما ومعنى قولهاوقل لهما قولاً كريماا سورة الإسراء. أي قولاً ليناً لطيفاً فإن الله سبحانه وتعالى نهى عن أن يقال لهما أُفٍ وأمر سبحانه وتعالى بأن يُقال لهما القول الكريم أي اللين لا سيما عند الكبر وأن يخفض لهما الجناح بأن يكلمهما بأدب وإحترام.

    أحاديث في فضل بر الوالدين

    ومما ورد في فضل بر الوالدين ما رواه البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:”إنطلق ثلاثة نفر ممن كان قبلكم حتى آواهم المبيت الى غار، فدخلوه فانحدرت صخرة من الجبل فسدّت عليهم الغار فقالوا إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم قال رجل منهم اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران وكنت لا أغبق قبلهما أهلا ولا مالا (أي لا أقدم عليهما في الشرب أهلا ولا مالا كرقيق وخادم) فنأى بي طلب الشجر يوماً فلم أرح عليهما حتى ناما فجلبت لهما غبوقهما فوجدتهما نائمين فكرهت أن أوقظهما حتى برق الفجر والصبية يتضاغون عند قدمي (أي يصيحون من الجوع) فاستيقظا فشربا غبوقهما اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة فانفرجت شيئا لا يستطيعون الخروج منه. ودعا الإثنان الآخران بفضل أعمالهما فانفرجت عنهم الصخرة وخرجوا يمشون. فبعد ما ذكر من فضل بر الوالدين ووعيد عقوقهم فأي عاقل يعدل عن برهم الى عقوقهم؟

    أخي المسلم، إن وقعت في شتم والديك أو أحدهما أو إيذائهما بقول أو فعل فسارع رحِمك الله الى التوبة بأن تستسمح منهما واعزم بقلبك أن لا تعود لمثل ما صدر منك وأحسن إليهما وقل لهما قولاً كريماً.

    اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك وفجأة نقمتك وجميع سخطك.

    اللهم يا مصرف القلوب صرِّف قلوبنا على صاعتك يا أرحم الراحمين.

 

   
    دعوة للخير والبركة
    كثيراً ما تأتي الدعوات للأعراس والإجتماعات والسهرات والمآدب ويدور الكلام فيها على السياسة والإقتصاد والعروبة والبلاد والغربة والزواج والتجارة والجامعات والحكايات فيذهب الوقت وتقطع الأوقات، إلا أن هذه الدعوة تختلف عن الدعوات دعوة لأمسية يدور الكلام فيها عن أشرف الكائنات وسيد السادات , إنها دعوة لحضور الإحتفال الديني الحاشد الكبير بذكرى ولادة النبي محمد صلى الله عليه وسلم المدح فيها لمن مدحه الله في القراءن والسيرة فيها سيرة من جعل الله فيه مكارم الأخلاق, الوافدون إليها شدهم الشوق لسماع السيرة النبوية العطرة ,والمنشدون فيها يشنفون المسامع بأصواتهم الجميلة بمديح وقصائد زهدية ترقق القلوب وتذكر بالشمائل المحمدية ,وتعبق بنفحات المولد الشريف.

    نعم أدعو الجالية الكريمة بكل شرائحها نساءً ورجالاً إلى أمسية المولد لنقف على محطات من سيرة صاحب الذكرى علنا نستنير بنور هديه في هذه الظلمات والفتن التى تتقلب علينا فرسول الله يستحق منا التعظيم كيف لا وربنا تبارك وتعالى أمرنا بتوقيره في القران الكريم قال الله تعالى:

    (فالذين ءامنوابه وعزروه ) ومعنى عزروه هنا عظموه , أجل لقد كان هذا النبي الأفخر والرسول الأعظم على قدر كبير من العظمة والسمو والرفعة , كان بحق أعظم إنسان على مر الزمان ,فهو أكرم العرب والعجم واثبتهم قلباً وأشدهم عزماً,فلقد نشا يتيماً فكان بحر الإنعام والسخاء والكرم , وكان ناسكاً كبحر من الحكم ومجمع من الفضائل, وأمياً فكان بحراً زاخراً بالعلوم ,يرجع إلى هديه الأفذاذ ويستند إلى حديثه الأئمة الكبار والعلماء الأبرار , وصادقاً اميناً منذ صباه فإذا به يغدو مضرب المثل في الصدق والأمانة ويجمع أهل مكة على تسميته بالصادق الأمين .

    فهو سيدنا وعظيمنا وقائدنا وشفيعنا يوم القيامة محمد عليه الصلاة والسلام هذا العظيم يستحق منا أن تجتمع الآلاف بل الملايين للاحتفال بمولده الشريف ,لذلك أكرر دعوتي لجاليتنا الكريمة للأجتماع ليلة السبت المقبل في الواحد والثلاثين من شهر أيار في باحة مسجد أهل السنة والجماعة في أناهيم الساعة الثامنة مع تناول العشاء حباً برسول الله صلى الله عليه وسلم . والحق كل الحق في حبه وفي إظهار السرور بمولده.

    الله عظم قدر جاه محمد

    واناله فضلاً لديه عظيما في محكم التنزيل قال لقومه صلوا عليه وسلموا تسليماً.

   

 

    ذكرى المولد وحكم الإحتفال بها
    الإحتفال بمولد رسول الله هو من البدع الحسنة، وأول من أحدثه ملك إربل وكان عالماً تقياً شجاعاً يقال له المظفر ، وذلك في أوائل القرن السابع للهجرة . جمع لهذا كثيراً من العلماء فيهم من أهل الحديث والصوفية الصادقين فاستحسن ذلك العمل العلماء في مشارق الأرض ومغاربها . حتى إن الحافظ ابن دحية قدم من المغرب فدخل الشام والعراق واجتاز بإربل سنة أربع وستمائة فوجد ملكها يعتني بالمولد فعمل له كتاب : (( التنوير في مولد البشير النذير )) . وتوالى الحفاظ على التأليف في قصة المولد فألف شيخ الحفاظ العراقي كتاباً في المولد سماه (( المورد الهني في مولد النبي )) .

    فالعلماء والفقهاء والمحدثون والصوفية الصادقون كالحافظ العسقلاني والحافظ السخاوي والحافظ السيوطي وغيرهم كثير ، حتى علماء الأزهر كمفتي الديار المصرية الشيخ محمد بخيت المطيعي ، حتى علماء لبنان كمفتي بيروت السابق الشيخ مصطفى نجا رحمه الله استحسنوا هذا الأمر واعتبروه من البدع الحسنة فلا وجه لإنكاره بل هو جدير بأن يسمى سنة حسنة لأنه من جملة ما شمله قول رسول الله : ((من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده لا ينقص من أجورهم شيء )) رواه مسلم .

    هذا وقد استخرج الحافظ العسقلاني لعمل المولد أصلاً من السنة النبوية المطهرة واستخرج الحافظ السيوطي أصلاً ثانياً . ولا يجوز أن يقال: كل شيء لم يفعله رسول الله سواء وافق شرعه أم خالفه فهو مردود ، لا ، بل لا بد من التفصيل لذا قال الإمام المجتهد مجدد القرن الثاني الهجري محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه: ((المحدثات من الأمور ضربان : احدهما ما أحدث مما يخالف كتاباً أو سنة أو أثراً أو اجماعاً فهذه البدعة الضلالة ، والثانية ما أحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد من هذا وهذه محدثة غير مذمومة )) .

    معناه : إن هناك أموراً أحدثت توافق الكتاب أوالسنة أو الأثر أو الإجماع فهي بدعة حسنة ، كما قال سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعد أن جمع الناس على صلاة التراويح على إمام واحد : (( نعمة البدعة هذه )) . رواه البخاري .

    من البدع الحسنة

    من ذلك تنقيط المصاحف وكان الصحابة الذين كتبوا الوحي الذي أملاه عليهم الرسول يكتبون الباء والتاء ونحوهما بلا نقط ، حتى عثمان رضي الله عنه لما كتب ستة مصاحف وأرسلها إلى الآفاق واحتفظ لنفسه بنسخة كانت غير منقوطة . إنما أول من نقط المصاحف رجل من التابعين من أهل العلم والفضل والتقوى يقال له يحي بن يعمر وهو أول من وضع حركات الإعراب . وأما أول من فعل الهمزة والشدة في المصحف هو الإمام الحسن البصري التابعي الجليل ومع ذلك العلماء ما أنكروا ذلك بل اعتبروا ذلك بدعة حسنة . فهل يقال هذا لم يكن في عهد رسول الله تعالوا اكشطوا ذلك من المصاحف اليوم ؟

    من البدع السيئة
    ومن البدع السيئة التي تخالف ما جاء به رسول الله ما هو موجود في الكتاب المدسوس المسمى (مولد العروس ) من قولهم : إن الله تعالى قبض قبضة من نور وجهه فقال لها كوني محمداً فكانت محمداً . ومن البدع السيئة أيضاً ما درج عليه بعض المؤذنين من قولهم إن محمداً أول المخلوقات. فهذا يخالف الكتاب والسنة لأن أول المخلوقات الماء وأما سيدنا محمد فهو أفضل المخلوقات . وفي الختام نسأل الله تعالى أن يفقهنا في ديننا وأن يعيد علينا هذه الذكرى بالخير واليمن والبركات .

 

   
    الذنوب الكبائر

    المعاصي تنقسم إلى صغائر وكبائر لقوله عز وجل: إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلاً كريماً [النساء:31]وقوله عز وجل: وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان [الحجرات:7].وقوله عز وجل: الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم [النجم:32].وقوله : ((الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينها ما اجتنبت الكبائر)) وتعريف الذنب الكبير هو الذي جاءت النصوص الشرعية بالوعيد الشديد لمن فعله كاللعن ونحوه ,وقد ذكرت أصناف منها في الأحاديث الشريفة منها: قوله عليه الصلاة والسلام ((اجتنبوا السبع الموبقات: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات)) ومن عقيدة أهل السنة أن لا يكفروا أهل الكبائر من المسلمين ما لم يستحلوها، وما لم يدل الدليل الشرعي على أن هذا العمل كفر, قال الإمام أبوجعفر الطحاوي السلفي رحمه الله ((ولانكفر أحداً من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله)) ومعنى ذلك أن مرتكب الكبيرة كشارب الخمر أو نحوه لايحكم عليه بالكفر لمعصيته بل هو مسلم عاصي فاسق إلا أن يعتقد أو يقول باستحلال هذه المعصية لأنه يكون عاند الشرع وخالف النصوص ومخالفة النصوص كفرُ، ثم إن على العبد أن لا ينظر إلى صغر المعصية والذنب، ولكن ينظر إلى عظمة من يعصي، إلى عظمة الله الخالق العالم بكل شئ سبحانه وتعالى.وإن كان هناك ثمة فرق بين الذنب الكبير والذنب الصغير إلا أن الكل حرام ولكن من تجنب الكبائر والفواحش عفي عنه بالصغائر لتجنبه الكبائروقد وعد ربنا تبارك وتعالى بتكفير السيئات وإدخال الجنة لكل من اجتنب الكبائر قال الله تعالى: إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَائِرَ مَا تُنهَوْنَ عَنْهُ نُكَفّرْ عَنْكُمْ سَيّئَـاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُّدْخَلاً كَرِيماً [النساء:31]،

    وقال تعالى: وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَـائِرَ الإِثْمِ وَالْفَواحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُواْ هُمْ يَغْفِرُونَ [الشورى:37] والإصرار على الصغيرة يحولها إلى كبيرة كما قال العلماء، فلا صغيرة مع إصرار، والإصرار هو أن يداوم على الذنوب الصغيرة من غير توبة حتى تصير تغلب حسناته يقول سبحانه وتعالى وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَـاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَىا مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [المائدة:135].وهاكم بعض أمثلة عن الكبائر:

    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ ثلاثا: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وشهادة الزور، وقول الزور، وكان متكئا فجلس فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت)) وفي الحديث أيضاًأن رجلا قال للنبي : ((أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله ندا وهو خلقك قال: إن ذلك عظيم، ثم أي؟ قال: وأن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك، قال: ثم أي؟ قال: أن تزاني حليلة جارك)) وروي أيضا: ((من الكبائر شتم الرجل والديه، قيل وهل يشتم الرجل والديه؟ قال: نعم، يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه)) .

    والإنسان ينبغي أن يتوب من الذنوب كبيرها وصغيرها ويكثر من الإستغفار ولاينبغي أن يتهاون بالمعصية فان الجبال الكبيرة من الحصى الصغيرة .

   

 

    وَلاَ تُفْسِدُواْ فـي الأرْضِ بَعْدَ إِصْلَـاحِهَا

    إن هذه الأرض قد أصلحها الله تعالى أتم الإصلاح برحمته ونعمته، وفضله على خلقه، حين أراد بهم رشداً، فأرسل إليهم رسله، وأنزل عليهم كتبه متضمنة من البينات والهدى ما تكفل لهم به سبحانه من أسباب السعادة في العاجلة والآجلة، وعداً منه حقاً، لا يتخلف ولا يتبدل؛ فصلحت بذلك هذه الأرض صلاحاً هو غاية الصلاح وأكمله وأنفعه وأبقاه، بل لا صلاح في الحقيقة إلا هذا الصلاح التام الشامل الذي جاء به هذا الدين في كل شرعة من شرائعه. ولا عجب أن كان الإفساد في الأرض بعد إصلاحها من أعظم الإفساد وأقبحه، وأشده إيغالاً في الشر وإمعاناً في النكر. وإن للإفساد في الأرض صوراً كثيرة وألواناً عديدة لا تكاد تقع تحت الحصر، ألا وإن أعظم هذا الإفساد الشرك بالله عز وجل الشرك بالله عز وجل بصرف العبادة إلى غيره، وهو ظلم عظيم كما قال سبحانه في وصية لقمان لابنه: يابُنَىَّ لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13].

    وإنه لظلم عظيم يظلم به المرء نفسه أشد الظلم، ويغبنها أعظم الغبن، إذ يسوي الخالق القادر الرازق المدبر المحيي المميت، المتفرد في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته بالمخلوق العاجز الفاني، ولذا كان مثل من أشرك بالله كمثل من هوى من القمة الشاهقة العالية إلى أسفل دركات الحضيض، كما قال سبحانه: وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِى بِهِ الرّيحُ فِى مَكَانٍ سَحِيقٍ [الحج:31]. فأي فساد في الأرض أعظم من فساد من يدعو مع الله أحداً لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً، ولا موتاً، ولا حياةً ولا نشوراً.أو أن يشبه الله الخالق العظيم بالمخلوق الضعيف,فالأنسان المحتاج للمكان والطعام والحياة لايشبه بالرب الخالق الغني عن كل المخلوقات. ومن ألوان الفساد في الأرض وصوره أيضاً التردي في ردهة الخطايا، والتلوث بأرجاسها في مختلف ألوانها، ومن أعظمها تلك الكبائر الموبقات المهلكات التي توعد الله من اقترف منها شيئاً بأليم عقابه، وعظيم نكاله، وبينها رسول الله في الصحيح الثابت من سننه، ومنها السحر، وقتل النفس التي حرمها الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات، وعقوق الوالدين، وشهادة الزور، والزنا، ومعاقرة الخمر، وتعاطي المخدرات، والسرقة، وقطيعة الرحم، وغير ذلك من الموبقات التي يوبق بها المرء نفسه ، فتنتقص من إيمانه ، ويغدو باقترافها مطية طيعة للشيطان يسوقها إلى حيث شاء من سبل الشرور ومسالك الغواية ويطمس بصره عن البينات، ويعمي بصيرته عن الهدى، ويزين له عمله، ويمد له في غيه، ويحسّن له عوجه، حتى يرى حسناً ما ليس بالحسن، فيحسب أن ما هو عليه من الإفساد في الأرض هو الصلاح حقاً بلا ريب، شأن أهل النفاق الذين أخبر سبحانه عن حالهم بقوله: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِى الارْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـاكِن لاَّ يَشْعُرُونَ [البقرة:11-12].

    ومن صور الفساد في الأرض ما يفعله الظلمة اليوم في الأرض من عدوان سافرٍ، وبغي مخضع تبدي جلياً في هذا القتل والهدم والتشريد والحصار الذي لم يستثن شيخاً كبيراً، ولا شاباً نضيراً، ولا طفلاً صغيراً، ولا غرو فإنها حلقة من سلسلة من حلقات الإفساد في الأرض.وإذا كان الفساد في الأرض إنما يقع فيها بما كسبت أيدي الناس، وبما اجترحوه من سوء ؛ كما قال سبحانه: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِى الْبَرّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِى النَّاسِ [الروم:41]. فإن مما لا يرتاب فيه أولو الألباب أن علاج ذلك ورفعه إنما يكون أيضاً بما تكسبه أيدي الناس ؛ لأنه سبحانه لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، ولا يتم ذلك إلا إذا تاب الخلق إلى ربهم ، والتمسوا رضوانه فعبدوه حق العبادة، وَلاَ تُفْسِدُواْ فِى الأرْضِ بَعْدَ إِصْلَـاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مّنَ الْمُحْسِنِينَ [الأعراف:56].

 

   
    لاينزل بلاء إلا بذنب ولايرفع إلابالتوبة

    عند نزول البلآء وحصول المحن والمصائب لابد لنا من مراجعة الأمور وإصلاح النفوس والقلوب إذ أن عامة البلاء ينزل بكثرة الكفربالله تعالى وقد ضرب الله تعالى المثل بالأمم السابقة أن منها كانت في رغد من العيش وطمأنينة ورخاء فكفروا بأنعم الله تعالى فأذاقهم الله البأساء والضراء وأنزل فيهم المحن والبلاء وهو معنى الآية(إن الله لايغير مابقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) ولذلك جاء في الأثر أنه في زمن الصحابة وبعد موت النبي صلى لله عليه وسلم حصل قحط وجفاف فتوسل الناس بعم رسول الله العباس رضي الله عنه ليدعو الله لهم بنزول المطر فكان من دعائه ((اللهم لاينزل بلآء ٌإلابذنب ويرفع إلا بتوبة اللهم تُبنا إليك)) فنزل المطر حينها,واليوم ونحن في خضم هذه المحن والبلايا لابد لنا من التوبة وعمل الخير ليدفع الله عن الأبرياء والمظلومين والمتضهدين البلايا قال الله تعالى:

    فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ ءامَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا ءامَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْىِ فِى الْحَيَواةَ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىا حِينٍ [يونس:98].

    فالبعد عن المحرمات وعمل الخيرات والتوبة إلى الله سبب لحصول الأمن والرخاء من الله تعالى المدبر للعالم سبحانه وتعالى,وكما شرع الله كثرةَ أبوابِ الخير وأسباب الحسنات سدَّ أبوابَ الشرِّ والمحرَّمات، وحرَّم وسائلَ المعاصي والسيِّئات، ليثقلَ ميزان البرِّ والخير، ويخِفَّ ميزانُ الإثم والشرِّ، فيكون العبد من الفائزين المفلحين، قال الله تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبّيَ الْفَواحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْىَ بِغَيْرِ الْحَقّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزّلْ بِهِ سُلْطَـاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ [الأعراف:33]، قال تعالى: وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتّعْكُمْ مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَىا أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ [هود:3]وجِماع الخيروسببُ السعادة التوبةُ إلى الله، قال الله تعالى: وَتُوبُواْ إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31].فمن وقع في الذنب فليعقد النية على عدم العود إليها وليندم على ما فعل من معصية الله وليكثر من الإستغفار هذا في المعاصي التى لادخل للبشر فيها أما ما كان متعلق بحقوق البشر كالسرقة والظلم وأكل الأموال بغير حق فلا بد من إعادة الحق لأهله أوالمسامحة ,وأما من كان واقع في الكفر والعياذ بالله أوالردة كأن كان ينكرأويشك في وجود الله أوالآخرة أوالجنة أوالنار أوكان منمن تلفظ بألفاظ الردة كسب الله أوالدين أو القران أوإستخف بالصلاة أوالحج أوالزكاة فالتوبة من ذلك الرجوع إلى الإسلام بالنطق بالشهادتين لأن توبة الكفر والردة الشهادتين فقط.

    ومعنى التوبةِ هي الرجوع إلى الله والإنابةُ إليه من فعل المحرّم والإثم، أو من ترك واجب أو التقصير فيه، بصدقِ قلبٍ وندمٍ على ما كان.وتجب التوبة من الذنوب فوراً وهي الندم والإقلاع والعزم على أن لايعود إليها وإن كان الذنب ترك فرض قضاه أوتَبعة لآدمي قضاه أو استرضاه. والتّوبة بابٌ عظيم تتحقّق به الحسنات الكبيرةُ العظيمة التي يحبّهاالله؛لأنّ العبد إذا أحدث لكلّ ذنبٍ يقع فيه توبةً كثُرت حسناته ونقصت سيّئاتُه،قال الله تعالى: وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَـاهَا ءاخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذالِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَـاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيـامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً إِلاَّ مَن تَابَ وَءامَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَـالِحاً فَأُوْلَـئِكَ يُبَدّلُ اللَّهُ سَيّئَاتِهِمْ حَسَنَـاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً [الفرقان:68-70].

   
    الملائكة الكرام
    إن اللهَ تبارك وتعالى خلقَ هذا العالمَ بأسرِهِ العُلويَّ والسُّفليَّ والعرشَ والكرسِيَّ والسماواتِ والأرضَ وما فيهِما وما بينهُما من مخلوقاتٍ كثيرةٍ عجيبةٍ ومتنوعَةٍ تدُلُّ على أنَّ هذا العالَمَ مخلوقٌ بتدبيرٍ وتقديرٍ وأن له خالِقًا وصانِعًا قديرًا حكيمًا تامَّ القدرةِ بالغَ الحِكْمَةِ، مُتَّصِفًا بِصِفاتِ الكمالِ مُنَزَّهًا عن صفاتِ النقصانِ وهو اللهُ سبحانَهُ وتعالى.

    ومن مخلوقاتِ اللهِ وءاياتِهِ الباهرةِ الدالَّةِ على وجودِهِ تعالى وعظيمِ قُدرتِهِ الملائكةُ الذين لا يُحصِي عددَهم إلا اللهُ تبارك وتعالى، خلقَهُمُ اللهُ عزّ وجلّ وجعلَ عددَهُم أكثرَ منَ الجِنِّ والإنسِ.

    الملائكةُ أجسامٌ لطيفةٌ نورانِيةٌ أي خَلَقَهُمُ اللهُ منْ نورٍ لَيسوا من جِنْسِ البَشَرِ، لا يتوالَدونَ ولا يأكُلونَ ولا يَشربونَ ولا ينامونَ ولا يَتعَبونَ َ ولا يتَناكحونَ لأنَّهُم ليسوا ذُكُورًا ولا إناثًا، هم سكانُ السماواتِ السبعِ شرَّفَهُمُ اللهُ عز وجلَ وأكرَمَهم وجعلَهم مجبولينَ على طاعتِهِ، وقد خلَقَهُمُ اللهُ عزَّ وجلَّ لطاعَتِهِ وعبادتِه وليسَ لمساعدَتِه وإعانَتِه لأنهُ الصمدُ الذي لا يَحتاجُ إلى أحدٍ، قالَ اللهُ سبحانَهُ وتعالى في وصفِهم: }لا يعصُونَ اللهَ ما أمرَهُم ويفعلونَ ما يُؤمَرون{ ليسَ فيهِم كافرٌ ولا عاصٍ، ويشفعونَ يومَ القيامَةِ لبعضِ عُصاةِ المسلمينَ، قال اللهُ عز وجل:

    }وقالوا اتَّخّذَ الرحمنُ ولداً سبحانَهُ بل عبادٌ مُكْرَمُون، لا يَسْبِقُونَهُ بالقولِ وهم بأمرِه يعمَلُون{ (الأنبياء / 26 – 27). خلقَ اللهُ تعالى الملائكةَ واصطفاهم لعبادَتِه فهُمْ صفوةٌ شريفةٌ لا يختارونَ إلا الطاعةَ لخالِقِهم ليس فيهم مَيْلٌ إلى معصيةٍ لا بالقولِ ولا بالفِعلِ، لأنهُ سبحانَهُ وتعالى جَبَلهُم على طاعَتِه، ولذلك وَجَبَتْ لهُمُ العِصمةُ من المعاصي فلا يوجدُ فيهم كافرٌ ولا عاصٍ.

    ملائِكَةُ الرحمنِ المكرمونَ هم سكانُ السمواتِ السبعِ، فالسمواتُ السبعُ التي خلقَها اللهُ عز وجل مشحونةٌ بِهم، فليسَ في السمواتِ موضعُ أربعِ أصابع إلا وفيها ملكٌ قائمٌ أو راكعٌ أو ساجدٌ يعبُدُ اللهَ، ولهم بيتٌ مُشَرَّفٌ في السماءِ السابِعةِ يُسمَّى “البيتَ المعمور” وهو بالنسبةِ إلى الملائكةِ كالكعبةِ لأهلِ الأرضِ، وقد قالَ النَّبِيُّ عليهِ الصلاةُ والسلامُ: “أَطَّتِ السماءُ وحُقَّ لها أن تَئِطَّ، ما في السماءِ موضعُ أربعِ أصابع إلا وفيهِ ملَكٌ قائِمٌ أو راكعٌ أو ساجدٌ”. فيجب على كل مسلم أن يعتقد هذا في الملا ئكة الكرام لاْ ن الإيمان بملائكة الله من أصول عقيدة المسلمين.

 

   
    القرآن الكريم

    القرآن هو الهدى والنور، وفيه الهدي إلى كلِّ خير، والنهي عن كل شر،فيه الحلالُ والحرام، وتفاصيلُ التشريع والأحكام، وأحكام الدنيا والآخرة، من تمسَّك به هداه الله لأرشد الأمور، ومن نبذَه فهو محروم، قال الله تعالى: إِنَّ هَـاذَا الْقُرْءانَ يِهْدِى لِلَّتِى هِىَ أَقْوَمُ وَيُبَشّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّـالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا [الإسراء:9]، وقال تعالى: فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاىَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَىا وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِى فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيـامَةِ أَعْمَىا [طه:123، 124]، القرآنُ معجزة نبينا وسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام الباقية الدائمة، التي تخاطِب الأجيال البشرية إلى قيام الساعة،وتُقنِع العقلَ الإنساني السليم بأنواعِ البراهين الكثيرة،هذه المعجزة الخالدة لم يقدر الإنس والجنّ على أن يأتوا بكتاب مثلها من وقتَ نزول القرآن الكريم، بل لو اجتمع أولُهم وآخرهم فلن يستطيعوا أن يأتوا بكلام مثل معجزة القرآن العظيم، قال الله عز وجل: قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىا أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـاذَا الْقُرْءانِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا [الإسراء:88]. بل جاء فيه التحدّى بأن يأتوا بعشر سور مثله فلم يقدروا، قال عز وجل: أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَـادِقِينَ [هود:13]. وآخر الأمر دعاهم الله تعالى أن يأتوا بسورة واحدة من مثله فعجزوا، قال تعالى: وَإِن كُنتُمْ فِى رَيْبٍ مّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىا عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَـادِقِينَ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِى وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَـافِرِينَ [البقرة:123، 124]

    وأنزل الله القرآنَ العظيمَ معجزاً رحمةً من الله بعباده، ليعلموا أنه كلامُ الله الذي ليس ككلام البشر ولاهو من تأليف النبي ولامن تصتنيف جبريل بل هو وحي من الله أنزله الله على نبيه بطريق الوحي جبريل , وأنّ الله هو الإله الحق المبين، وأن محمداً رسول الله حقاً، لأن القرآنَ العظيم أكبرُ دليل يخبرنا بصفات ربنا،تبارك وتعالى الذى لايشبه شئ من خلقه قال الله تعالى((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ )) وفيه ما يجب لله من صفات الكمال، وما يُنزَّه ويُقدّس عنه من النقص الذي لا يليق بجلاله تبارك اسمه وتعال، قال تعالى: تلْكَ ءايَـاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقّ فَبِأَىّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَءايَـاتِهِ يُؤْمِنُونَ [الجاثية:6]، وقال تعالى: تِلْكَ آيَـاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ [البقرة:252]، فمن لم يؤمن بالقرآن الكريم ومعجزتِه لا تنفعه خوارقُ العادات ومشاهدةُ الآيات.وإعجاز القرآن العظيم في رسمه البديع، وفي تشريعاته الحكيمة، وفي دلائله على سنن الكون وأسرار الخلق، وفي بيانه لسنن البشر، وفي شمول تعليماته، وفي صدق أخباره، فيما كان وما يكون، وفي سموِّ مقاصده وغاياته. وإعجازُ القرآن الكريم في تربيته المتكاملة للإنسان من جميع الجوانب، فقد أخرج أمةَ الإسلام للناس، فكانت بالقرآن خيرَ الأمم، كما قال تعالى: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ ءامَنَ أَهْلُ الْكِتَـابِ لَكَانَ خَيْراً [آل عمران:110]، فلم ترَ البشرية في تاريخها الطويل أرحمَ ولا أعدلَ ولا أسمحَ من أمة الإسلام، ولا أنبلَ من أمة الإسلام.

    أيها المسلمون، إنكم في أشدِّ الحاجة إلى التخلّق بالصفات التي دعاكم إليها القرآن، بامتثال أوامره، والابتعاد عن نواهيه، وتحليلِ حلاله، وتحريم حرامِه، والعملِ بمحكمه، والإيمان بمتشابهه. والقرآن العظيم ينبغي أن تخشع الجوارحُ لترغيبه وترهيبه، ووعده ووعيده، كما قال تعالى: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَـاباً مُّتَشَـابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىا ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِى بِهِ مَن يَشَاء وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ [الزمر:23]. ورمضانُ من أفضل الأوقات لتلاوة القرآن والتأثر به، لأن القرآنَ مفرج الكروب وشفاء النفوس وفي رمضان يضعف سلطان النفس الأمارة بالسوء على البدن للصيام عن غذاء البدن، فتستعلي الروح وتقوى بالقرآن الكريم، فينتفع المسلم بكلام الله غايةَ النفع، ويتلذَّذ بتلاوة القرآن الذي هو بركة حياته، فالقرآن العظيم كالغيثِ النافع، والنفسُ كالأرض، ورمضان كالزمان الصالح لنزول الغيث، الذي تنبت الأرض فيه من كل زوجٍ بهيج.فيا أهل القران هذا شهركم فدعوا اللهو واغتنموا الفضل والحذر الحذر من الخوض في معاني القران بغير علم وما حصل بنا من النوازل من جراء التجرء على تفسير القراءن على نهج التطرف ورمى الناس بالشرك واستباحة دمائهم حتى وصل الأمر إلى تفخيخ المصاحف بحجة الحهادوالإستشاد وقد جاء الخبر بالنهي الشديد عن الخوص بمعاني القراءن عن جهل ففي الحديث ((أجرؤكم على الفتوى أجرئكم على النار ومن أفتى بغير علم فليتبؤ مقعده من النار )) أكثروا من ذكر الله تعالى وقرائة كتابه وفهمه وتعلمه من أهله نفعنا الله بالقراءن العظيم وجنبنا الزلل وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم.

   
    اتركوا لنا رمضان !!!

    نعيش هذه الأيام أياماً مباركات ،صيام وتراويح قرآن وتسابيح صدقة ودعاء ،وبر وإحسان ،وغيرها كثير مما يتقرب بها المسلمون إلى ربهم في هذا الشهر ،لقدكثر المصلون ،وهذا أمر طبيعي نشاهده في كل رمضان ،وأقبلت الأسر على الشهر الفضيل لتتزود التقوى ، لكن ثمة أمر آخر يتناقض مع كل ما سبق ذكره ،يقع أيضاً من الكثيرين في رمضان ،وهذا الأمر يعكس الأمور السابقة وهو قضية التلفاز والسهر في مواضع اللهو في رمضان. أيها المسلمون الصائمون: إن البرامج التلفزيونية كما هو مشاهد أنها تنشط في رمضان بشكل عجيب ،ويتضاعف جهود المحطات وقنوات البث.وهذا لا يتعارض مع حديث أبي هريرة المتفق عليه أن رسول الله قال: ((إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب جهنم ،وسلسلت الشياطين)). وفي رواية مسلم: ((وصفدت الشياطين)) لأن الذي يسلسل هو الشياطين من الجن كما جاء في رواية الترمذي وابن ماجه-ومردة الجن-، لكن الذي وراء هذه البرامج هم مردة شياطين الإنس.

    وكأنه أن هذا النشاط المكثف لأمر مقصود ،وهو إزالة الأجر والثواب الذي حصل عليه العبد في نهار رمضان فتأتي هذه البرامج وتقضي عليه بالليل. لكن هؤلاء الشياطين لم يدعوا الصائمين من جمع الحسنات حتى في النهار ،فالتلفاز يعمل طوال ساعات الليل والنهار ،فانشغل الكثيرون حتى في نهار رمضان عن الذكر والاستغفار وقراءة القرآن ،وجلسوا أمام هذا الجهاز ،واكتفوا من الصيام بالإمساك عن الطعام فقط.

    إن الذي يعرض على الناس الآن فيه من الكفر بالله تعالى والفسق والرذيلة الشئ الكثير،يعرض على الناس تمثيليات ومسلسلات العشق والغرام ،يعرض على الناس الطرب الذي فيه العهر الصريح واشد ما يؤذي في ذلك استخدام اسم هذا الشهر الفضيل فمن التلفزيون إلى الصحف التى تستقبل هذا الشهر بنجوم علب الليل والسهر المتجرد عن الحياء الخالي من التقاليد التى عرفها المسلمون في رمضان،عيب عليكم ان تذهبوا روحانية هذا الشهر بفنون شيطانيه بحجة خيم السهر ورمضان.رمضان في المساجد رمضان للتعبد والتزود من الخير وشكر الله والصلاة رمضان شهر نزل فيه القراءن الكريم وتزدحم فيه صنوف الخير والعبادة.

    لقد تبلدت أحاسيسس الناس ،وماتت الكثير من الفضائل الإسلامية في نفوسهم حتى صاروا يتقبلون أن ينظروا في الشاشةأو غيرها المشاهد التى تؤذي الصائمين والأصوات التى تحرك النفوس ألى الخلاعة والمجون وكل هذا بمناسبة الشهر الفضيل!! ،ونحن مطالبون أن نأخذ الأمر بعفوية وطبيعية.حتى نكون في نظر البعض متعصرنين!! أيها الصائمون: هل يتناسب كل ما ذكر مع رمضان ،شهر جمع الحسنات ،وشهر نزول الرحمات والبركات كيف تنزل الرحمات على البيوت؟ ما هذه التناقضات التي نعيشها. نمسك عن الطعام والشراب ،ولا نمسك عن النظر والاستمتاع المحرم، هل الصيام فقط الامتناع عن الأكل والشرب؟

    أين هدوء ليالي رمضان التي كنا نعرفها قديماً، إن رمضان كان له جوه الخاص ،وشفافيته الفياضة ،وروحانيته الخاصة ،بين قارئ لكتاب الله ،ومستغفر بالأسحار ،وقائم يصلي لصوته حلاوة المناجاة ،الكل في هدوء وسكينة ،فجاء التلفاز والخيام في رمضان وحرموا الناس تلك السكينة وذاك الهدوء ،بأفلام ومسلسلات العنف والجريمة وأغاني لاتعرف ولاتفهم منها إلاالخلاعة والميوعة. وتنذهل في أشد ذلك أنها تفصل بأنباء وصور لمسلمين في فلسطين أوغيرها تظهر فظاعة وشدة الظلم الذي حل بهم فبدل ان يرفع يديه بدعوة صالحة يغير جوه ويفرفش برؤية الغانيات!! والأدهى من ذلك كله ،أن يُخدع الناس في رمضان ببعض الأفلام التي يسمونها الإسلامية أو (المسلسلات الدينية) ،فالمخنثين من الممثلين الذين كانوا في شعبان يمثلون أفلام الخلاعة والدعارة ،إذا جاء رمضان ،مثلوا أدوار الصحابة في تمثيلياتهم. والممثلة الساقطة التي كانت في شعبان ،تُقبل على شاشات التلفاز ،ويُمارس معها الفجور تخرج في رمضان بحجاب وجلباب طويل لتمثل دور الصحابيات ،أو زوجة أحد الشخصيات الإسلامية، أي مغالطة أعظم من هذا ،بل أي منكر أعظم من هذا ونحن ننظر ونتقبل الأمر بشكل طبيعي ،ماتت الغيرة عندنا حتى على أصحاب رسول الله.!!

    زد على ذلك أصحاب الفتاوى التى ماأنزل الله بها من سلطان يملؤن الفضائيات ويمطرون الناس بفتاوى لاأصل لها عند المسلمين وكل ما في الأمر أن المتكلم زاع صيته بين الناس أو راقصة تابت فانقلبت إلى عالمة مفتيةفقيهة ولسنا ضد توبتها وتشجيعها ولكن للفتوى أهلها ولعلم الدين أهله وقد قال ابن سيرين((إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم) فلنتق الله أيها المسلمون ،ولنعرف لرمضان حقه وحرمته ،ولنترك المعاصي والذنوب ،ونتوب إلى الله توبة صادقة في هذا الشهر فإنها والله فرصة، والمحروم من حرم ذلك. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ألم تلك آيات الكتاب الحكيم هدى ورحمة للمحسنين الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزواً أولئك لهم عذاب مهين وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبراً كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقرا فبشره بعذاب أليم إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات النعيم خالدين فيها وعد الله حقاً وهو العزيز الحكيم .

   

 

 

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين

    سماحة الشيخ سمعت من بعض الشيوخ أن القراء ن نزل مفرقاً ولم ينزل على النبي دفعة واحدة فما الحكمة في ذلك؟

    اتفق أكثر العلماء على أن الكتب السماوية السابقة للقرءان كالإنجيل والتوراة والزبور أنزلت جملة, حتى كاد اتفاقهم أن يكون إجماعا.

    أما القرءان الكريم فقد نزل على سيدنا محمد مفرقا.

    في الأول نزل القرءان جملة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا في مكان يقال له: بيت العزة, ثم نزل مفرقا على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

    قال أبو شامة: فإن قيل: ما الحكمة من نزوله مفرقا ولم لم ينزل جملة كسائر الكتب السماوية, قلنا: هذا كتاب تولى الله جوابه حيث قال: {وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرءان جملة}أي دفعة واحدة {كذلك} أي كذلك أنزلناه مفرقا {لنثبت به فؤادك} أي لنثبت به قلبك, فإن تكرر الوحي في كل مناسبة أدعى إلى ثبوته, وأكثر اهتماما بالمنزل عليه, كما أنه يحصل له به من السرور ما تعجز العبارة عن وصفه, وقد روي أنه صلى الله عليه وسلم كان أكرم ما يكون في رمضان لكثرة لقياه جبريل عليه السلام.

    وقيل إن معنى: {لنثبت به فؤادك} لتحفظه, فإنه صلى الله عليه وسلم كان أميا وباقي الأنبياء كان يقرأ ويكتب, فنزل القرءان عليه مفرقا ليتمكن من حفظه وتثبيته, بخلاف باقي الأنبياء فإنه كان يقرأ ويكتب.

    كما أن نزول القرءان مفرقا أدعى إلى قبوله, فلو نزل جملة لثقل على البعض قبوله لكثرة ما فيه من الفرائض والمناهي, فإن بني إسرائيل لم يقروا بما في التوراة في بادئ الأمر لما أمرهم موسى بما فيها, حتى رفع الله فوقهم جبل الطور كالظلة وظنوا أنه سيقع عليهم فأقروا بالتوراة.

    وتقرر أن القراءن الكريم نزل في ظرف ثلاثة وعشرين سنة ونيف وكان إكتمال نزوله على رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل موته.

    س: ما هو حديث الجارية و ما معناه؟

    ج: جاء في صحيح مسلم أن رجلاً جاء إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فسأله مع جارية له قال: “قلت يا رسول الله أفلا أعتقها قال ائتني بها فأتاه بها فقال لها: أين الله؟ قالت: في السماء_ قال: من أنا؟ _ قالت: أنت رسول الله _ قال: أعتقها فإنها مؤمنة. و ليس معناه أن الله ساكن السماء بل معناه أن الله عالي القدر جداً.

    وقد قال أهل الحديث فيه مضطرب سنداً و متناً لا يصح عن رسول الله ولا يليق برسول الله أن يقال عنه إنه حكم على الجارية السوداء بالإسلام لمجرد قولها الله في السماء فمن أراد الدخول في الإسلام يدخل فيه بالنطق بالشهادتين وليس بقول الله في السماء، أما المشبهة فقد حملوا حديث الجارية على ظاهره وليس على مراد الرسول.

    وعند علماء أهل السنة حديثين يبطلان تفسير حديث الجارية على ظاهره:

    1_ روى البخاري أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: “إذا كان أحدُكم في صلاته فإنه يناجي ربه فلا يبصقن في قبلته ولا عن يمينه فإن ربه بينه وبين قبلته”. وهذا أقوى إسنادا من حديث الجارية.

    2_ أخرج البخاري عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: “اربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائباً إنما تدعون سميعاً قريباً إنه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته”.

    هذا وينبغى لك أيها السلئل عدم حمل الأحاديث المتشابهة على ظاهرها ماتتخيل وتتوهم بل لابد من الرجوع إلى النصوص والقواعد الأصل ,ولاسيما في مسا ئل الإعتقاد لأن من المقرر والثابت عند المسلمين بالأجماع أن الله تعالى لايوصف بصفات الخلق بتاتاً والمكان والجهة والسماء والعرش خلق لله تعالى وحاشا أن يحتاج الله إليها ,قال الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه (( لايشبه الخالق مخلوقه)) فتبين أن معنى حديث الجارية نسبة التعظم لله حيث فالت في السماء وليس مرادها المكان.

    س: ماهي الروح ؟ وهل البهائم لها أرواح؟

    ج: يجب الإيمان بالروح وهي جسم لطيف لا يعلم حقيقته إلا الله وقد أجرى الله العادة أن تستمر الحياة في أجسام الملائكة والإنس والجن والبهائم ما دامت تلك الأجسام اللطيفة مجتمعة معها، و تفارقها إذا فارقتها تلك الأجسام. والدخول في تفاصيل الروح يتوقف عنده لقول الله تعالى(( ويسئلونك عن الروح قل هي من أمر ربي)) والبهائم لها أرواح و من قال أن الروح قديمة ليست مخلوقة كفر و كذلك من قال البهائم لا أرواح لها كما قال بعض أهل عصرنا وذلك تكذيب للقرآن قال تعالى (وإذا الوحوش حشرت) وقال رسول الله صلّى الله عليه و سلم: “لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء”. رواه مسلم.

 

   
    كُفوا عَنا تطرفكم

    التطرف والإرهاب كلمتان هما من أكثر الكلام تتداول في هذا الزمن ولن أدخل في المعاني اللغوية والإصطلاحات ولكن لابد من وقفة ,وقدأخذت على عاتقي كشف شبهات المتطرفين منذ زمن بعيد بالعلم والبيان,وصحيح أن الأحزاب المتطرفة حَملت المسلمين عبئاً وحملاً من جراء الفتاوى الفاسدة والتوجهات المنحرفة,إلا أن الإشارة اليوم إلى أن التطرف شديدّ في الكلام على الأنبياء بحقد وافتراء, وكما هو عند المسلمين كذا عند غير المسلمين يوجد تطرف وتعصب بغيض لايرضى به أصحاب العقول السليمة والأفكار المنورة من تشويش لصور وسير الأنبياء ودس الإفتراءت على الشرائع التى جاء بها الأنبياء,ولاسيما سيرة نبي الله محمد عليه الصلاة والسلام والتى هي من السير التي حفظة على مر العصور والد هور ففي العصور الماضيةِ والأحقاب السّالفة عاش كثيرٌ من العظماء ورجالات التأريخ، نقلتِ الأنباء أخبارَهم، ودوّنت الكتب أوصافهم، وسجّلت المدوّنات أحوالَهم،غيرَ أنه لا يوجد أحدٌ من هؤلاء العظماء والرجال من نُقلت أخباره ودُوّنت صفاته وحُفظت سيرته وكُتِب سجلّ حياتِه كما كان لنبينا محمد ، لقد وصَلَ إلينا ذلك بالنّقل المتواتر.

    إنَّ سيرةَ رسول الله محمدٍ أصحُّ سيرةٍ لتأريخ نبيٍّ مرسَل، سيرة واضحة مدقّقة في جميع أطوارها ومراحلها، حتى قال كاتب من غير المسلمين: “محمّد هو النبي الوحيد الذي وُلِد تحت ضوء الشمس”، إشارةً من هذا الكاتب إلى دقّة سيرته عليه الصلاة والسلام وصحّتها وتوازنها ووضحها وضبط أسانيدها.ُنقول ذلك ليس لإيثار فتن ولكن لردحملة متطرفة الفكرتعمل مشوشة تريد النيل من سير النبي محمد فضلاً على النيل من سير إخوانه الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. إني أدعوا العقلاءَ لنبذ هذا التعصّب المقيت وممارسة هذا الإرهاب الفكري الذي يقود إلى تأجيج الأحقاد واستفزازِ الشعوب وحلولِ الكوارث التي يكتوي بنارِها المجتمع,وإنَّ الهجوم على الإسلام ونبيّ الإسلام لا يزيد الدّين وأهلَه إلا صلابةً وثباتاً وانتشاراً وظهوراً، وفي كتاب الله تعالى هُوَ الَّذِى أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىا وَدِينِ الْحَقّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدّينِ كُلّهِ وَكَفَىا بِاللَّهِ شَهِيداً [الفتح:28].

    إنّهم يعلمون أنّ الذين يدخلون في دين الإسلام في ازدياد وتنامي على الرّغم من كلّ الظروف والمتغيّرات والأحداث والمقاومات وما تسببه البعض ممن ينتسون إلى الإسلام من تشويه للحقائق بسبب تطرفهم وغلوهم ، والتشويه للإسلام وأهله ونبيِّه وقرآنه. إنّنا ندعو كل منصف وكلَّ طالبٍ للحقيقة أن يقرأ دينَنا من مصادره، ومن أهل العلم وأن يطّلع على سيرة نبينا محمد ، من أهل الإعتدال من المسلمين فالرسول هو المثل الأكبر للمسلمين وليست الأسماء والرموز لتى تدعى التكلم وصاية عن المسلمين فالسيرة النبوية مدوّنة محفوظة تدوينا وتوثيقا لا يدانيه توثيق ولا يقاربه تحقيق. وليعلم طالبُ الحقيقة ومبتغي الإنصاف أنّ المسلمين يكفيهم فخراً وشرفاً أن دينَهم يحرّم كلّ انتقاص أو تكذيبٍ لأيّ نبيٍّ من أنبياء الله، ويأمر باحترام ما جاؤوا به من الحق والهدى قال اله تعالى شَرَعَ لَكُم مّنَ الِدِينِ مَا وَصَّىا بِهِ نُوحاً وَالَّذِى أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىا وَعِيسَىا أَنْ أَقِيمُواْ الدّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ [الشورى:13]، وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّواْ اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ [الأنعام:108]

    إنَّ المسلمين يحترمون جميعَ رسل الله، ويوقّرون كلَّ أنبياء الله عليهم جميعاً أفضل الصلاة والسلام، ءامَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ ءامَنَ بِاللَّهِ وَمَلَـئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ [البقرة:285].

    وقد اقتَضَت إرادةُ الله سبحانه وحكمته أن يختم الأنبياءَ والرسل بمحمد ، وأن يختمَ الرسالات بالشريعة التىجاء بها، ليكونَ للناس بشيراً ونذيراً، وليكون للعالمين رحمة. بعثَه على فترة من الرسل، ضلّ فيها الناس رشادَهم، وجحدوا عقولَهم وقلوبَهم، فصاروا كالأصنام تعبُد الأصنام، وكالحجارة تقدّس الحجارة، ملَؤوا الأرضَ خرافاتٍ وأوهاماً، فلطف الله بعباده، فاصطفى محمداً صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ليبلِّغ خاتمةَ رسالاته، ويهديَ بآخر كتبه، فكان بإذن الله الغيثَ نزل على الأرض الموات، فتبصّر الضالّون طريقَ النجاة، واستردَّ من تبعه كرامتهم، ثم على طالبِ الحقيقة والإنصاف أن ينظرَ فيما نالته سيرةُ محمد من العناية الفائقة والدقّة البالغة في التدوين والتحقيق والشمول والتصنيف والاستنباط، لقد كانت سيرةً ومسيرة جليّةَ المعالم، كلّها حقٌّ، وكلّها صدق، توثيقاً وكتابة، وقراءة وبحثاً، واستيعاباً واستنباطاً. لم تُحفَظ قصةُ حياةٍ ولا سيرة رجل ولا مسيرة بطل مثلما حُفظت سيرةُ نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم. سيرةٌ لم تلحقها الأساطير والأوهام، إنّ الذين وصفوه ودوّنوا سيرتَه أحبّوه والتزموا الاقتداءَ به، فاجتمع في وصفهم وتدوينهم أمانةُ النقل مع محبّة الموصوف، فامتزجت لديهم العاطفةُ بالدين والحب بالأمانة، فكانوا في نقلهم يؤدّون واجباً ويتّبعون سُنّة، فسلموا من الكذب والتحريف والتناقض والجهل، لقد ضمّت السيرةُ النبوية جميعَ شؤون رسول الله وتفاصيل حياته وأطوار عمره، من الولادة والرضاعة والطفولة والشباب والكهولة، في حياته قبلَ النبوة، من صدقه وأمانتِه واشتغالِه بالرعي والتجارة وزواجِه، ثم ما حبِّب إليه من الخلوة والتعبُّد، ثمّ بعثته ومواقف قومه العدائية، ومقاومتهم وما واجهوه به من اتهاماتٍ من سحرٍ وجنون وكذب، ثم تزايُدِ أتباعه وعلوِّ شأنه، وما حصل مع قومه من مواجهاتٍ ومهادنات وحروبٍ ومسالمات وما أظهر الله على يديه من كرامات.

    أمّا حياتُه الشخصية فقد نقل لنا النقلة الأثبات تفاصيلَ أوصافه الجسدية من الطول واللّون والهيئة والمشية وحياته اليوميّة من قيامه وجلوسه ونومه ويقظته وضحكه وغضبه وأكله وشربه ولباسه وما يحبّ وما يكره وعبادته في ليله ونهاره، وحياته مع أهل بيته وفي مسجده وأصحابه مع الأصدقاء ومع الغرباء وفي السفر وفي الحضر، ناهيكم بأخلاقه الكريمة من التواضع والحلم والحياء والصبر وحسن العشرة، بحيث لم يبقَ شيء من حياته مخفياً أو مكتوماً، إذا دخل بيته فهو بين أهله وخدمه وأولاده، وإذا خرج فهو مع الأصحاب والغرباء، وكلّ ذلك منقولٌ محفوظ ,ولم تلحق حياتَه الأساطير، ولم تُضْفَ عليه صفات الألوهية لا قليلا ولا كثيراً، فهو النبيّ الرسول، والرسول الإمام، والرسول الحاكم، والرسولُ الزوج، والرسول الأب، والرسول المجاهد، والرسولُ المربي، والرسول الصديق.العارف بربه المعلم للناس الخير والرشاد, محمد أنموذجُ الإنسانية الكاملة والأخلاق الفاضلة، وحامل لواء الدعوة العالمية الشاملة.أعطاه ربُّه وأكرمه، وأعلى قدره ورفع ذكرَه، صفوةُ خلقِ الله، وأكرم الأكرمين على الله، ومع حبِّ المسلمين لنبيّهم عليه الصلاة والسلام وتعظيمِهم له وتوقيرهم لجنابه فإنّ عقيدتهم فيه أنه بشرٌ رسول، عبدٌ لا يعبَد، ورسول لا يكذَّب، بل يُطاع ويُحبّ ويوقَّر ويُتّبع، شرّفه الله بالعبودية والرسالة.قال الله تعالى:((النَّبِىُّ أَوْلَىا بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ [الأحزاب:6]، فهو أقربُ إلى قلوبنا من قلوبِنا، وأحبّ إلى نفوسنا من نفوسنا، وهو المقدَّم على أعزّ ما لدينا من نفسٍ أو مال أو ولد أو حبيب، ولن يذوقَ المسلم حلاوةَ الإيمان في قلبه وشعوره ووجدانه إذا لم يكن حبُّ رسول الله فوقَ كلّ حبيب، ففي الحديث الصحيح: ((ثلاثٌ من كنَّ فيه وجد حلاوةَ الإيمان؛ أن يكون الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما))

    فيا عقلاءَ العالم، هذا هو نبيُّنا، وهذه هي سيرتُه، وهذا هو حبّنا له وإيماننا به ومتابعتنا له، ولن نقبلَ أن ينالَ منه أحد، هؤلاء الذين يسعَون إلى تشويه صورةِ نبينا محمد ، كما فعلوا ويفعلون من نشر الأغاليط واختلاق الأكاذيب حولَ قرآنِنا وتفسيره والدسّ عليه.إنّها إساءةٌ متتابعة ومتكرّرة تثير مشاعرَ المسلمين , وممّا يؤسَف له أنّ هذه الإساءات تصدر من رجالٍ ينتسبون إلى مؤسسات وكتاب وأعلاميون وجمعيات تتدعى الحوار والمحبة والفكر، اتّهموا نبينا بالكذب وبالجنون وبالسرقة وقطعِ الطريق وسيئ الأفعال، ووصفوا دينَنا بأنه خدعة كبرى.وقراننا بأن فيه أغاليط زوراً وبهتاناً,إنّ هذه المحاولاتِ من التشويه والدسّ والأكاذيب والإفك إنما تسيء إلى العلاقاتِ بين الشعوب، وتبثّ بذورَ الكراهية، وتذكي أجواءَ التعصب البغيض، وتثير أبشعَ صوَر البغضاء بين الناس. إن أمّة الإسلام وقد فاقت أعدادها المليارَ وربع المليار وتقترِب نسبتُها إلى رُبع سكان العالم ، إنَّ هذه الأمة كل من ينتسب إليها يحمل في قلبه الحب للأنبياء ومن تبعهم بحق ويردد ويكرر في كل صلاة الطلب من الله تعالى أن يهديه طريق الرسل والأنبياء وأتباعهم في قول الله تعالى ((إهدنا الصراط المستقيم . صراط الذين أنعمت عليهم فُسر ذالك بصراط الأنبياء ومن تبعهم , وبعدَّ ذلك كلّه مع عِظَم خطره وأليم وقعِه فإنّ المسلمين ليسوا في شكّ من دينهم ولا من نبيّهم، فهذه الاتهامات والأوصاف عينُها سبقَ إليها أهل الجاهليّة الأولى، ولم يكن لها أيّ تأثير في السيرة النبوية ولا المسيرة الإسلامية. فالإسلام دينُ الله، ومحمّد رسول الله، وكلّ ذلك محفوظ بحفظ الله، فلله الحمد والمنة.

 

   
    الرزق

    قال الله تعالى: إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين [الذاريات:58]. فالـرزق مقـدر معلـوم، والإنسان في بطن أمه لم يكتمل بناء أو تشكيلاً، فلا يزيد رزقه عند خروجه على ما كتب ولا ينقص. روي عن عبد الله بن مسعود عن النبي قال: (( إن روح القدس نفث في روعي أن نفساً لن تموت حتى تستكمل رزقها، ألا فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ، ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تطلبوه بمعاصي الله ، فإنه لا يدرك ما عند الله إلا بطاعته ))

    ومعنى (روح القدس جبريل في روعي أي أخبرني) نعم لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها، فلماذا إذا يسرق السارق ، ويختلس المختلس ،طالما أن رزقه آتيه لا محالة ، إنه لو استقرت هذه الحقيقة في ذهنه لما عصى الله الكثير من الناس وتجرأ على محارمه , فالله ضمن حتى للبهيمة العاجزة الضعيفة قوتها: وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم [العنكبوت:60].

    فكم من الطير والبهائم ما يدب على الأرض تأكل لوقتها ولا تدخر لغد فالله يرزقها أينما توجهت ، وعندما نسمع قول الله سبحانه وتعالى: الله يرزقها وإياكم نعلم علم اليقين أن الله تعالى هو يرزق الحريص والمتوكل في رزقه ، وبين الراغب والقانع ، وبين القوي والضعيف فلا يغتر جلد قوي أنه مرزوق بقوته ، ولا يتصور العاجز أنه ممنوع من رزقه بعجزه، يقول الله تعالى: وما من دابة فى الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين [هود:6]. فإنه يضمن للخليقة جمعاء رزقها فضلا منه لا وجوبا عليه، ووعداً منه حقاً، فهو لم يخلق الخلق ليضيعهم .

    ولربما يخيل للبعض أنه بعلمه وقوته وفطنته يتحصل على الرزق، وليس الأمر كذلك، فالله أضاف الرزق إلى نفسه أي أنه هو مقسمه بين العباد ولايتصور أن ياكل فرد رزق غيره إذ يقول: كلوا واشربوا من رزق الله [البقرة:60]. فإذا تحصل الإنسان على رزقه بوسيلة أو بسبب ما فليعلم أن الله هو خالق هذه الوسيلة، وهذا السبب وهما كذلك من رزق الله. وما أعظم كلمة الأمام الرفاعي رضي الله عنه إذ يقول في أمر الرزق((علمت أن رزقي لن يأكله غيري فأطمئن بالي)) عندما يعلق المرء قلبه بالتوكل على الله مع الأخذ بالأسباب يرتاح باله وتهدء نفسه وما يحمل الحاسد على الحسد إلا مايثور في نفسه من نسيان أن الأرزاق بيد الله يعطي من يشاء ويمنع من يشاء لأنه هو تعالى خالق كل شئ الأسباب والمسببات والأحوال كلها والعباد كلهم في مشيئته أحوالهم وأرزاقهم ومحياهم ومماتهم . فسبحان الله الذي وسع علمه الأ شياء كلها وتحت مشيئته الأنفاس والأعمار والأرزاق.

   
    حقيقة التصوف

    إن مما ابتُلينا بهِ في هذا العصرِ أناسًا يروِّجون الأكاذيبَ الملفَّقةَ والأقاويلَ الفاسدةَ باسمِ الصوفيةِ وهم في الحقيقةِ ما عرفوا من الصوفيةِ إلا الاسمَ بل هم بعيدونَ كلَّ البعدِ عن التصوفِ. كما نرى أناسًا ءاخرونَ يذمُّونَ الصوفيَّةَ بالإطلاقِ ويعتبرونَ التصوفَ كفرًا وزندقة,ً ليستِ الصوفيةُ مذمومةً على الإطلاقِ بل المذمومُ هو من ادَّعى التصوفَ ثم خالفَ الشريعةَ وترك العملَ بما جاءَ عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم لأنه لا بد للصوفيِّ أن يعملَ بما جاء عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ظاهرًا وباطنًا ليس كما يقولُ بعضُ مدعي التصوفِ عن الذين يشتغلونَ بالعلمِ أنتم أهلُ الظاهرِ أما نحنُ أهلُ الباطن، يقولونَهَا على معنى الذمِّ وهذا فسادٌ لا يقبلُه الدين.فالتصوُّفُ هو صفاءُ المعاملةِ مع اللهِ والصدقُ بالقولِ والعملِ والنِّية، واجتنابُ المحرمِ والتزامُ الواجبِ والإكثارُ من نوافِلِ الطاعاتِ وتعلُّقُ القلبِ بالآخرةِ والعطفُ على الفقراءِ والمساكينِ ومساعدةُ الأراملِ والمحتاجينَ وعدمُ تعلقِ القلبِ بالدُّنيا وزينَتِها مع التواضُعِ والانكسارِ وغضِّ البَصَرِ وحِفظِ الجوارحِ مع الحِلمِ والتأَدُّبِ بآدابِ الشريعةِ واتِّباعِ الرسولِ في كلِّ صغيرةٍ وكبيرة، والعمل بقولِ اللهِ تعالى }قل إنْ كنتم تحبونَ اللهَ فاتبعونِي يحبِبْكُمُ الله{ .

    فالصوفيةُ هم الذينَ صفَتْ نفوسُهم وزكَت أعمالهُم. فمن كانَ بهذهِ الصفةِ فهو من أحبابِ اللهِ تعالى، وقد كانَ أولُ الصوفيةِ أبو بكر الصديقُ رضي اللهُ عنه ثم أشباهُه في سيرتِه التي هي صفاءُ المعاملةِ واتباعُ الرسول فمن عامَلَ ربَّه معاملةً صافيةً وأخلصَ للهِ في سرِّه وأحسنَ نيتَهُ فذلك هو الصوفِيُّ الذي تستَنْزِلُ الرحماتُ بذكرِه. ليسَ التصوفُ مجردَ لبسِ الثيابِ الرَّثةِ وعدمِ الاكتراثِ إلى صنوفِ الملذَّاتِ بل لا بد منَ التَّقوى قبلَ كلِّ ذلك، فكم من أناسٍ يظهرونَ أنفُسَهُم بمظْهَرِ التصوُّفِ ثم نراهُم يُحرِّفونَ دينَ اللهِ تعالى بل ومِنهم من يعتقِدُ الحلولَ والاتحادَ أي على زعمِهم أنَّ اللهَ حلَّ فيهم وهذا كفرٌ وضلالٌ، فمثلُ هؤلاءِ هم من أساءوا إلى التصوُّفِ حتى ظنَّ بعضُ الناسِ أن الصوفيَّةَ كلَّهُم على هذا الاعتقادِ، وقد قالَ الشيخُ محيي الدينِ بنُ العَرَبي:

    “من قالَ بالحلولِ فدينُهُ معلولٌ وما قالَ بالاتحادِ إلا أهلُ الإلحادِ”. معناهُ من اعتقَدَ بالحلولِ أو الاتحادِ فهو كافرٌ ملحِدٌ والعياذُ باللهِ وكانَ من هؤلاءِ رجلٌ اسمُهُ الحلاّجُ كان يدَّعي التصوفَ ثم يقولُ ما في الجُبَّةِ إلا اللهُ وأنا اللهُ وقد بعثَ مرةً برسالةٍ إلى أحدِ مريديهِ يقولُ له فيها من الرحمنِ الرحيمِ إلى فلان، والعياذُ باللهِ من هذا الكفرِ.فالتصوفُ بريءٌ من مثلِ هذا الرجلِ الذي تفَرَّسَ فيهِ الجنيدُ إمامُ الصوفيةِ العارفينَ حيثُ قالَ له: لقد فتحتَ في الإسلامِ ثغرةً لا يسدُّها إلا رأسُك. فتحقَّقَتْ فراسَةُ الجنيدِ بالحلاجِ الذي قُتِلَ على يدِ الخليفةِ المقتدِرِ باللهِ فأراحَ اللهُ المسلمينَ من فسادِه وشرِّه. وقد قالَ سيدُنا أحمدُ الرفاعيُّ الكبيرُ عن الحلاجِ: لو كانَ على الحقِّ ما قالَ أنا الحق ُّوليُعلم أيضًا أنهُ ليس من التصوفِ الاجتماعُ باسمِ الطريقةِ بدعوى الذكرِ كما يفعلُ بعضُ المنتسبينَ إلى بعضِ الطرقِ ثم نراهم يحرِّفونَ اسمَ اللهِ كأن يقولوا اللا بدلَ الله ثم يقولونَ بعدَ ذلكَ ءاه ءاه.فذلكَ من الحرامِ الذي لا يرضى اللهُ بهِ لأنَّ فيه تحريفًا لاسمِ اللهِ واللهُ تعالى يقولُ: }وللهِ الأسماءُ الحسنى فادعوهُ بها وذرُوا الذين يُلحدونَ في أسمائِه{.

 

   
    إثبات عذاب القبر وعَود الروح إلى الجسد

    الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى ءاله وأصحابه الطيبين الطاهرين. أما بعد فيقول عزوجل في القرءان الكريم : النار يعرضون عليها غدواً وعشياً ويوم تقوم الساعة أدخلوا ءال فرعون أشد العذاب ( سورة غافر / ءاية 46 ) . اعلم رحمنا الله وإياك أن من معاني الشهادة الثانية أي أشهد أن محمداً رسول الله أن يصدق الإنسان بعذاب القبر ونعيمه وسؤال الملكين منكر ونكير عليهما السلام، فمن أنكر عذاب القبر كذب القرءان ومن كذب القرءان كفر ، فهذه الآية فيها إثبات عذاب القبر وهي صريحة لأن الله تعالى قال : ] النار يعرضون عليها غدواً وعشياً ويوم تقوم الساعة.

    معناه أن ءال فرعون أي أتباعه الذين اتبعوه على الكفر والشرك يعرضون على النار في البرزخ أي في مدة القبر والبرزخ ما بين الموت إلى البعث يعرضون على النار عرضاً من غير أن يدخلوها حتى يمتلئوا رعباً أول النهار مرة وءاخر النهار مرة ووقت الغداة من الصبح إلى الضحى وأما العشي فهو وقت العصر ءاخر النهار ويوم تقوم الساعة أي يقال للملائكة أدخلوا ءال فرعون أشد العذاب وءال فرعون هم الذين عبدوه واتبعوه في أحكامه الجائرة ليس معناه أقاربه ثم هناك ءاية أخرى تثبت عذاب القبر؛ فقد قال عز وجل : ] ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى [ ( سورة طه / ءاية 124 ) .

    المعنى أن الكفار الذين أعرضوا عن الإيمان بالله تعالى إذا ماتوا يتعذبون في قبورهم وليس المراد بـ (معيشة ضنكا ) معيشة قبل الموت إنما المراد حالهم في البرزخ ، وكلمة ( ذكري ) هنا معناها الإيمان بالله سبحانه وبالرسول ليس المراد بها الذكر المعروف وهو قول : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ونحو ذلك . وهذه الآية عُرف أن المراد منها عذاب القبر من الحديث المرفوع إلى النبي الذي فسر هذه الآية ( معيشة ضنكا ) بعذاب القبر رواه ابن حبان وفي هذا قال الرسول الكريم لأصحابه : (( هل تدرون في ماذا أنزلت ] فإن له معيشة ضنكا [ قالوا : الله ورسوله أعلم : قال عذاب الكافر في قبره))… الحديث .

    وفي هذا دليل أيضاً على أن الميت في القبر بعد عودة الروح إليه يكون له إحساس بالعذاب إن كان من المعذبين للكفر أو للمعاصي . وقد قال الرسول : ((القبر إما حفرة من حفر النار أو روضة من رياض الجنة )) رواه الترمذي من حديث أبي سعيد . وقد قال مسروق رحمه الله : (( ما غبطت أحداً ما غبطت مؤمناً في اللحد، قد استراح من نصب الدنيا وأمِِنَ عذاب الله تعالى )) . وقد حدّث ثابت البناني رحمه الله قال : دخلت المقابر فلما قصدت الخروج منها فإذا بصوت قائل يقول : يا ثابت لا يغرنَّك صموت أهلها فكم من نفس مغمومة فيها .

    ولنرجع قليلاً إلى الآيتين السابقتين فيتبين أنهما واردتان في عذاب القبر لكل الكفار أما العصاة المسلمون من أهل الكابئر الذين ماتوا قبل التوبة فهم صنفان : صنف يعفيهم الله من عذاب القبر وصنف يعذبهم ثم ينقطع عنهم ويُؤخّر لهم بقية عذابهم إلى الآخرة . وليعلم أنه لا يقال إن الميت إذا كان يرى في القبر في هيئة النائم ولا يُرى عليه شيء من الاضطرابات ولا يصرخ فإذاً هو ليس في عذاب؛ فقد قال بعد الفقهاء : (( عدم الوجدان لا يستلزم عدم الوجود )) فإذا نحن لم نرى الشيء بأعيننا فليس معناه أن هذا الشيء ليس موجوداً ؛ فكثير من الأمور أخفاها الله عنّا وبعضها يكشفها الله لبعض عباده .

    تأكد عذاب القبر بسبب الغيبة

    وعدم الاستنـزاه من البول

    روى البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى عن ابن عباس : مرّ رسول الله على قبرين فقال : (( إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير إثم قال بلى أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة وأما الآخر فكان لا يستـتر من البول )) ثم دعا بعسيب رطب فشقه اثنين فغرس على هذا واحداً وعلى هذا واحداً ثم قال: (( لعله يخفف عنهما )) فهذا الحديث بعد كتاب الله حجّة في إثبات عذاب القبر ، الرسول مر على قبرين فقال : (( إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير إثم )) ثم قال : (( بلى)).

    إثبات عذاب القبر

    وعود الروح إلى الجسد

    أي بحسب ما يرى الناس ليس ذنبهما شيئاً كبيراً لكنه في الحقيقة ذنب كبير لذلك قال : (( بلى أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة )) وهي نقل الكلام بين اثنين للإفساد بينهما ، يقول لهذا فلان قال عنك كذا ويقول للآخر : فلان قال عنك كذا ليوقع بينهما الشحناء، وأما الآخر فكان لا يستنـزه من البول أي كان يتلوث بالبول وهذا من الكبائر فقد قال عليه الصلاة والسلام : (( استنـزهوا من البول فإنّ عامة عذاب القبر منه )) رواه الدارقطني من حديث أبي هريرة .

    ومعناه : تحفظوا من البول لئلا يلوثكم ، معناه لا تلوثوا ثيابكم وجلدكم به لأن أكثر عذاب القبر منه . هذان الأمران بحسب ما يراه الناس ليسا ذنباً كبيراً لكنهما في الحقيقة عند الله ذنب كبير ، فالرسول رءاهما بحالة شديدة وأنهما يُعذبان وليس من شرط العذاب أن تمسَّ جسده النار ، الله جعل عذاباً كثيراً غير النار في القبر، الرسول رأى ذلك وبعض المؤمنين الصالحين يرون ذلك ويرون النعيم والأدلة كثيرة نذكر منها حديث رواه ابن حبان أن التقي بعد سؤال منكر ونكير عليهما السلام قال الرسول : (( ثم يُفسح له في قبره سبعون ذراعاً في سبعين ذراعاً )).

    والذراع الشرعي من رءوس الأصابع إلى المرفق ، حوالي نصف متر وينور له فيه ويقال له : نم كنوم العروس الذي لا يوقظه إلا أحبُّ أهله إليه حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك ، كذلك التقي يشم من رائحة الجنة ويرى مقعده من الجنة الذي يتبوءه بعد الحساب وذلك أنّ روحه تؤخذ إلى مكان قرب الجنة فيرى مقعده فيعرف فضل الإسلام حين ذلك معرفة عيانية كما كان يعرف في الدنيا معرفة يقينية قلبية . وبعض المتقين يزيد في النعيم بأن يُوسَّع قبره مد البصر كما حصل للصاحبي الجليل العلاء بن الحضرمي رضي الله عنه الذي كان من أكابر الأولياء لما نبشوا قبره بعد دفنه في أرض مسبعة لينقلوه إلى مكان أخر وجدوا قبره يتلاطم بالأنوار ، كذلك من النعيم يأتيه من نسيم الجنة لما يُفتح له في قبره باب إلى الجنة كذلك يُملأ قبره خضرة أي يوضع في قبره من نبات الجنة الأخضر وهذا النعيم كله حقيقي ليس وهماً لكن الله يحجب ذلك عن أبصار الناس أي أكثرهم، أما أهل الخصوصية من عباد الله الكاملين فيشاهدون. والحكمة في إخفاء الله حقائق أمور القبر وأمور الآخرة ليكون إيمان العباد إيماناً بالغيب فيعظم ثوابهم وقد ورد في الحديث أن الرسول قال : (( ما رأيت منظراً إلا والقبر أفظع منه )) رواه الترمذي والحاكم.

    وقد روي أن سفيان الثوري رحمه الله قال : ((من أكثر ذكر القبر وجده روضة من رياض الجنة ومن غفل عن ذكره وجده حفرة من حفر النار )) وكان الربيع بن خيثم رحمه الله قد حفر قبراً في داره فكان إذا وجد في قلبه قساوة دخل فيه فاضطجع فيه ومكث ساعة ثم قال : ] ربّ ارجعونِ لعلي أعمل صالحاً فيما تركت [ ( سورة المؤمنون / ءاية 99-100 ). ثم قال : يا ربيع قد أرجعت فاعمل الآن قبل أن لا ترجع ، فرحم الله أولئك الرجال كم كانوا عظماء وكم كانوا خائفين من الله وكم كانوا عاملين للآخرة زاهدين في الدنيا راجين رحمة ربّهم خائفين عذابه رزقنا الله الاقتداء بهم ءامين .

    عود الروح إلى الجسد في القبر

    اعلم أنه ثبت في الأخبار الصحيحة عود الروح إلى الجسد في القبر كحديث البراء بن عازب رضي الله عنه الذي رواه الحاكم وأبو عوانه وصححه غير واحد وفيه ويعاد الروح إلى جسده . وأما حديث ابن عباس مرفوعاً : (( ما من أحد يمر بقبر أخيه المؤمن كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا عرفه ورد عليه السلام)) رواه ابن عبد البر وعبد الحق الإشبيلي وصححه . ونحن نؤمن بما ورد في هذا الحديث ولو لم نكن نسمع ردّ السلام من الميت لأن الله حجب عنا ذلك ويتأكد عود الحياة في القبر إلى الجسد مزيد التأكد في حق الأنبياء فإنه ورد من حديث أنس عن النبي عليه الصلاة والسلام : (( الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون)) رواه البيهقي .

    إثبات عود العقل

    إلى الميت في القبر

    فعن عبد الله بن عمرو أن رسول الله ذكر فتَّاني القبر فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : أترد علينا عقولنا يا رسول الله قال : (( نعم كهيئتكم اليوم)) قال : فبفيه الحجر ، ومعنى الفتَّان الممتحن ، منكر ونكير سُمّيا بذلك لأنهما يمتحنان الناس ولأنهما مخوفان فقد ورد في الحديث الذي رواه ابن حبان أن الرسول قال : (( إذا قُبر الميت أو الإنسان أتاه ملكان أسودان أزرقان يقال لأحدهما منكر وللآخر نكير فيقولان له ما كنت تقول في هذا الرجل محمد )) …

    الحديث ، وقوله رضي الله عنه : أترد علينا عقولنا يعني السؤال فقال له الرسول : (( نعم كهيئتكم اليوم )) أي يكون الجواب من الجسم مع الروح فقال عمر : فبفيه الحجر ، أي ذاك الخبر الذي لم أكن أعرفه وسكت وانقطع عن الكلام معناه ليس له حُجّة على ما كان يظن ، هو كان يظن أنه لا ترد عليهم عقولهم فلما قال له الرسول بأنه تُرد عليهم عقولهم عرف خطأ ظنّه. واعلم يا عبد الله أنه بعد دفن الإنسان يأتيه ملكان أسودان أزرقان أي لونهما ليس من السواد الخالص بل من الأسود الممزوج بالزرقة وهذا أخوف ما يكون من الألوان حتى يفزع الكافر منهما، أما المؤمن التقي لا يخاف منهما ، الله تعالى يثبته يلهمه الثبات وهما لا ينظران إليه نظرة غضب .

    أما الكافر يرتاع منهما وقد سميا منكراً ونكيراً لأن الذي يراهما يفزع منهما وهما اثنان أو يكون هناك جماعة كل واحد منهما يسمى منكراً وجماعة كل واحد منهما يسمى نكيراً ، فيأتي إلى كل ميت اثنان منهم واحد من هذا الفريق وواحد من الفريق الآخر . وليعلم أن مُنكِر سؤال الملكين منكر ونكير عناداً كافر . الله يثبتنا عند سؤال الملكين بجاه سيد الكونين سيدنا محمد وبجاه المرسلين والملائكة المقربين والأولياء والصالحين .

   
    العقل السليم شاهد للشرع

    أن من أعظم النعم التي أكرمنا الله بها هي نعمة العقل، العقل الذي وهبنا الله إياه، لنمتاز به عن الحيوان الأعجم، والصخر الصلب، فبالعقل يشرف الإنسان، وبالعقل يكلَّف المرء المسلم، وبه يعرف خالقه جل شأنه ذلكم العقل الذي يميز به بين الخير والشر، والهدى والضلالة، إذا استعمله الإنسان سببًا في سلوك طريق الهدى، والبعد عن موارد الردى العقل الذي يُعدُّ نعمة عظمى، امتن الله بها علينا، قُلْ هُوَ الَّذِى أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَـارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ [الملك: 23].وإنه لا يعلم قدر العقل إلا من وُهبَه، ومن تأمل حكمة الله جل وعلا في أن يكون الطفل الوليد بلا عقل لأدرك أثر هذه النعمة عليه حينما يوهب شيئًا بعدما مُنِع منه، ليكون الإحساس به أشدّ وقعًا،وأجدى نفعًا، وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مّن بُطُونِ أُمَّهَـاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَـارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [النحل: 78].

    فالعقل ضرورة كبرى من هذه الضرورات، مرهونة بإيجاد ومنع، فالإيجاد إنما يكون من خلال استعماله في طاعة الله سبحانه واعتقاد دين الإسلام به، والمنع إنما يكون من خلال سد كل ذريعة مفضية إلى إفساد هذا العقل أو تعطيله عن الاتصال بنور الهداية، فلأجل ذا حرِّم كل ما من شأنه أن يكون سببًا في زواله، كشراب المسكرات والمخدرات ثم إن العقل البشري الذي يستطيع أن يؤدي وظيفته على أكمل وجه، هو ذلكم العقل الذي تجرد عن الهوى، وخلص من ربقة التقليد الأعمى، فلم يتأثر بالآراء والأفكار المنحرفة التي تدفعه للوقوع في الزيغ والضلال، كما أنه لم يُعطّل قواه باتباع أعمى، فينجرّ به على انحراف ذريع وزيع مُردٍ.هذا هو العقل السليم،وأما الذين كبّلوا عقولهم، وعطلوها عن موارد النهل الصافي فهم الذين قال الله عنهم: إِنَّ شَرَّ الدَّوَابّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ [الأنفال: 22].ولأجل ذلك كان جواب أمثال هؤلاء يوم القيامة وَقَالُواْ لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِى أَصْحَـابِ السَّعِيرِ فَاعْتَرَفُواْ بِذَنبِهِمْ فَسُحْقًا لأَصْحَـابِ السَّعِيرِ [الملك: 10، 11].

    وماجاءت به الكتب المنزلة وما أخبر به الرسل الكرام لايخالف العقل السليم ولايعارضه بل كل ما جاء في الشرع موافق للعقل السليم فاعتقادنا أن الله تعالى يستحيل عليه الشريك والشبيه والمثيل والمكان وكل صفات الخلق هو مما يشهد به العقل والفكر الصحيح ، والإيقان بوجود الله تعالى وأنه خالق كل شيء يشهد لذلك العقل السليم، فالعقل السليم يشهد أنه ما من ضربة إلا ولها ضارب وما من كتابة إلا ولها كاتب وهذا العالم بما فيه من غرائب وعجائب ونظام ومخلوقات لابد له من خالق وهو الله العظيم الذي خلق جميع الخلائق بقدرته والعقل يشهد بالحس أن هذه الخلائق لها بداية، فالواحد منا يعرف أن له وقت وجِدَ فيه كان قبله معدوم الوجود وأن المعدوم بالأصل لايمنع أن يعود إلى حالة العدم بعد الوجود فكان من ضرورة العقل أن يقال العبد المخلوق له بداية ونهاية والله تعالى الخالق القدير لابداية لوجوده ولانهاية لوجوده،هكذا يشهد العقل فالمسلمون اعتقادهم أن العقل شاهد الشرع إذ أن الشرع لم يأتي إلا بمجوزات العقول ومع ذلك هناك أحكام شرعية نعتقدها ونطبقها ولاندخل فيها عقولنا وآراءنالأننا نجزم أن فيها الحكمة والمصلحة وإن لم تضح وتظهر لنا هذه الحكم ومن هنا يردد الناس المقولة التى تنسب إلى الإمام علي (لو كان الدين بالرأي لكان مسح الخف من أسفله لامن أعلاه) هذا عن العقل.

    وينبغي في هذه العجالة المختصره أن أنبه القراء أن العقل صفة راسخة في البشر ولايجوز أن يوصف الله تعالى بها كما يتسرع ولايتورع بعض من يسمونهم كتاباً إسلامين وينسبون هذه اللفظة الخاصة بالخلق إلى الله وهذاموجود في كتب سيد قطب من قوله عن الله تعالى ((العقل المدبر)) وهذا مخالف لأصول الشريعة التي منها أن الله لايوصف بصفات البشر عملاً بالآية القرآنية ((ليس كمثله شيء)) ومخالف للغة العرب التي لايمكن فيها إطلاق هذا اللفظ على الله تعالى .

   
    العقيدة الإسلامية

    كثيراً ما تردني رسائل تتعلق بتوضيح العقيدة الإسلامية لغير المسلمين أو للبعض الذين ليس لهم إطلاع على العقيدة الإسلامية، ولأهمية هذه المسألة سيما أننا في بلاد قد يوجد في البيت الواحد زوج على دين وزوجة على دين آخر كان من المهم توضيح العقيدة الإسلامية ليعلمها من شاء المعرفة بها.

    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: فهذا بيان للعقيدة الإسلامية الحقة مأخوذ من كتاب الله ومن حديث رسوله صلى الله عليه وسلم. فقد جاء في الحديث الشريف الذي رواه مسلم أن جبريل سأل النبي عن أشياء ليجيبه فيتعلم الناس وكان مما سأله قال: {فأخبرني عن الإيمان} فقـال عليه السلام: الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره قال: “صدقت” الحديث. هذا الحديث يبين لنا جملة الإيمان وهاكم البيان بالتفصيل:

    الإيمان بالله

    قال عليه السلام: الإيمان أن تؤمن بالله أي بوجوده تعالى وأنه لا بداية ولا نهاية لوجوده قال تعالى: (هو الأول والآخر) [سورة الحديد/3] والله سبحانه واحد في ملكـه لا شريك له في الألوهية قال تعالى: (وإلهكم إله واحد) [البقرة/162] وهو عز وجل قائم بنفسه لا يحتاج إلى غيره.

    قال تعالى: (فإن الله غني عن العالمين) [آل عمران/97] فهو المستغني عن كل ما سواه والمفتقر إليه كل ما عداه خلق السماء وكان قبلها وخلق العرش ولا يحتاج إليه لا يحمله العرش بل العرش وحملة العرش محمولون بلطف قدرته تعالى. والله لا يشبه شيئاً من خلقه قال تعالى: (ليس كمثله شيء) [الشورى/11] وهو تعالـى قـادر على كل شـيء لا يعجـزه شـيء في الأرض ولا في السمـاء قـال تعالـى: (وهو على كل شيء قــديــــر) [سورة المُلك/1] والله يفعـل ما يشاء قال تعالى: (فعال لما يريد) [سورة البروج] وقد روى أبو داود عن رسول الله عليه السلام أنه قال : ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن خلق الخلق وأقدرهم على ما شاء قال تعالى: (وما تشآؤن إلا أن يشآء الله) [سورة التكوير/29] والله تعالى بكل شيء عليم وعِلْمُ اللهِ شاملٌ لا يخفى عليه شيء قـال تعالى: (وهو بكل شيء عليم) [ سورة الحديد/3] فهو عالم بما كان وبكل ما يكون وبكل ما لا يكون أن لو كان كيف كان يكون بعلم واحد أزلي غير حادث، والله سبحانه وتعالى حي لا يموت قال تعالى: (وتوكل على الحي الذي لا يموت) [سورة الفرقان/58] وهو سبحانه وتعالى يسمع ويرى بلا تشبيه ولا تمثيل ولا كيفية قال تعالى: (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) [سورة الشورى/11] وهو متكلم بكـلام أزلـي قديم غير حادث قال تعالى: (وكلم الله موسى تكليماً) [سورة النساء/164] والله جل وعـلا لا يحـويـه مكان ولا يجري عليه زمان وهذا ما نقله بالإجماع صاحب كتاب ’’الفرق بين ا لفرق‘‘( ص 333) فهو تعالى خالق المكان ومجري الزمان ولا يشغله شأن عن شأن.

    قال الحافظ أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي الشافعي (676 هـ) ما نصه: {إن الله تعالى ليس كمثله شيء، وإنه منـزّه عن التجسيم والانتقال والتحيز في الجهة، وعن سائر صفات المخلوق}.ا.هـ

    وقال العارف بالله الشيخ عبد الغني النابلسي الدمشقي الحنفي (1143هـ) ما نصه: { فيتنزه سبحانه وتعالى عن جميع الأمكنة العلوية والسفلية وما بينهما} ا.هـ.

    الإيمان بالملائِكـةِ

    وملائكته (الحديث) يعني أن الإيمان بوجود الملائكة الكرام واجب وهم مخلوقـون من نور وفي الحديث الذي رواه مسلم خلق الله الملائكة من نور (الحديث) وقد ثبت عن سعيد بن المسيّب أنه قال: {إن الملائكة لا يتوالدون ولا يأكلون ولا يشربون ولا ينامون وأنهم ليسوا ذكوراً ولا إناثاً }. قال الله تعالـى: (إن الذين لا يؤمنون بالآخرة ليسمون الملائكة تسمية الأنثى) [سورة النجم/27] والملائكة عباد لله طائعون قال تعالى:( لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون) [سورة التحريم/6] فلا يجوز الأخذ بما يروى عن هاروت وماروت أنهما فتُنِا بامرأة يقال لها الزُّهرة فإن القصة غير ثابتة ثبوتاً يحتج به في الإعتقاديات.

    الإيمانُ بالكُتُـب السماوية

    وكتبه (الحديث) يعني أنه مما يجب الإيمان به الكتب السماوية التي أنزلها الله على رسله بالوحي بواسطة جبريل عليه السلام، وهي حقٌّ كلُّها أنزلت لما فيه مصلحة العباد وهي شرائع للعباد تبين ما أمرهم الله به ومن أشهر هذه الكتب القرآن والإنجيل والتوراة والزبور ونؤمن أنها كلام الله وليست من تأليف جبريل ولا محمد ولا عيسى ولا موسى عليهم الصلاة والسلام. وكتب الله المنزلة من القرآن والتوراة والإنجيل والزبور عبارات عن كلامه الذاتي الأزلي الأبدي والعبارةُ غيرُ المعبَّر عنه، ولذلك اختلفت باختلاف الألسنة. فإذا عُبِّر عن الكلام الذاتي بحروف القرآن التي هي عربية فقرآن وبالعبرية فتوراة وبالسريانية فإنجيل وزبور. فالاختلاف في العبارات دون المعبَّر عنه. فتبين أن قراءتنا وتلاوتنا حادثة والمقروء والمتلو أي مادلت عليه القراءة والتلاوة من كلامه الذاتي قديم أزلي كما إذا ذكر الله بألسنة متعددة ولغات مختلفة فإن الذكر حادث والمذكور وهو رب العباد قديم أزلي فتأملوا ذلك رحمكم الله.

    الإيمانُ بالرُّسل

    ورسله (الحديث) أي أنبيائه من كان رسولاً ومن لم يكن رسولاً فيجب الإيمان بالأنبياء والرسل عليهم أفضل الصلاة والسلام. واعلم يا أخي أنه ليس كلُّ نبي رسولاً فالرسول يأتي بنسخ بعض شرع من قبله أو بشرع جديد والنبي غير الرسول يوحى إليه ليتبع شرع رسول قبلَه. فكلٌّ أوحي إليه وكل أمر بالتبليغ وكلهم على دين واحد هو الإسلام وقد جاء في البخاري أن رسول الله قال: الأنبياء اخوة لعلات(1) دينهم واحد هو الإسلام وهو الدين المقبول عند الله قال تعالى: (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) [سورة آل عمران/85] .

    1) الاخوة لعلات هم الاخوة من أب واحد وأمهات مختلفات وقد شبه بهم الأنبياء لأن الإسلام يجمعهم مع اختلاف شرائعهم وكل شريعة من شرائعهم جاءت بالإسلام.

    والأنبياء أفضل من الملائكة ومن جميع المخلوقات قال تعالى: (وكلاً فضلنا على العالمين) [سورة الأنعام/86] ويجب لهم صفة الصدق والأمانة والفطانة والشجاعة والجهاد في الله ويستحيل عليهم الكذب والخيانة والرذالة والسفاهة والبلادة والجبن والتقصير في الدعوة لدين الله وغير ذلك من الصفات التي لا تليق بمقام النبوة. وهم معصومون من الكفر والكبائر وصغائر الخسة قبل النبوة وبعدها فليحـذر مما فيه أن يوسف هم بالزنا أو أن إبراهيم عبد الكوكب أو أنه شك في قدرة الله أو أن داود فتن بامرأة فأرسل زوجها إلى الحرب ليقتل فيأخذ زوجته، ليحذر من ذلك فإنه مخالف لشرع الله وما كان من القرآن ظاهره يعطي ذلك فلا يحمل على ظاهره الذي لا يليق بمنصب النبوة لأن الأنبياء منزهون عن كل نقص مترفعون عن كل خسة ولا ريب في ذلك فإنهم أفضل الخلق.

    الإيمان باليَـومِ الآخـــر

    واليوم الآخر (الحديث) يعني مما يجب الإيمان به الإيمان باليوم الآخر وأن الله يبعث من في القبور وقد أخبرنا الرسول الأعظم عليه السلام جملة مما يحصل للعبد بعد الموت فمن ذلك عذاب القبر ونعيمه وسؤال الملكين منكر ونكير والبعث والحشر والقيامة والحساب والثواب والعذاب والميزان والنار والصراط والحوض والشفاعة والجنة والرؤية لله تعالى بالعين في الآخرة وخلود أهل الجنة في الجنة وخلود أهل النار في النار.

    الإيمــــانُ بالقَـــــــــدَرِ

    وأن تؤمن بالقدر خيره وشره (الحديث) ومعنى ذلك أن كل ما دخل في الوجود من خير وشر من أعمال العباد فهو بتقدير الله ومشيئته الأزلية و علمه فالخير من أعمال العباد فهو بتقدير الله ومحبته ورضاه والشر من أعمال العباد فهو بتقدير الله لا بمحبته ولا برضاه وكل ما يحصل في الكون هو بمشيئة الله تعالى قال تعالى: (وما تشاؤن إلا أن يشاء الله) [سورة التكوير/29] وقال أبو حنيفة رضي الله عنه في الوصية: }فلو زعم أحد أن الخير والشر بغير تقديره تعالى صار كافراً وبطل توحيده} ا.هـ. فالخير والشر بخلق الله تعالى وعلمه وتقديره والعبد كاسب باختياره وليس مجبوراً في أعماله طاعة كانت أم معصية إيماناً كانت أم كفراً عرفاناً كان أم نُكْراً فكل ذلك باختيار العبد لما شاء الله له وقدّره عليه.

    وقال صدقت المصدِّق هو جبريل عليه السلام وهو أفضل الملائكة والمصدَّقُ هو محمد بن عبد الله أفضل الأنبياء والمرسلين قال: أنا سيد ولد آدم ولا فخر رواه الترمذي.

    وهو خاتم النبيين قال تعالى: (ما كان محمدٌ أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين) [سورة الأحزاب/40] وقال وختم بي النبيون رواه مسلم. فهذه نبذة مختصرة عن أهم الأملر الأعتقادية التى يجب على كل مسلم إعتقادها ليكون سليم الإعتقاد مما يخالف ما جاء به القران والسنة وإجماع علماء المسلمين فمن حمل هذا الإعتقاد فهو مسلم مؤمن عند الله تعالى ومن خالف فليس عللى عقيدة المسلمين والله تعالى أعلم.

   
    الكلمة الطيبة
    الله سبحانه وتعالى خلقنا ، وخلق لنا السمع والبصر والفؤاد ، والأيدي ، والأرجل والعقل والقلب.وهذه كلها نعم عظيمة أنعم بها علينا ، وقد منحنا الله هذه النعم من أجل أن نستعملها فيما يرضي الله تعالى. وأخطر هذه النعم وأهمها فيما يؤاخذ الله به ، وفيما يتعامل الناس به ، هو اللسان وفعلاً فاللسان هو المعبر عما في القلب ، فمكنون نفسك ، يعبر عنه لسانك.والكلمة التي ينطق بها اللسان ، لها خطرها، ولها شأنها في الدنيا والآخرة.

    والإنسان يمتاز عن غيره بالكلمة ، والمسلم يعصم ماله ، ويعصم نفسه ، ويعصم عرضه ولا يجوز لأحد أن يناله بسوء في شيء من ذلك كله ، وكتاب الله تعالى أفضل كلام ينطق به اللسان، هو أعظم الكلام على الإطلاق، فإذا نطقت بالكلمة من كتاب الله كان لك بكل حرف عشر حسنات.ومن قرأ سورة الإخلاص مرة واحدة ، فكأنما قرأ ثلث القرآن؛ لأنها سورة التوحيد وسورة تنزيه الله وتعظيمه سبحانه وتعالى.

    وأحاديث رسول الله كلها كلمات يستنير بها القلب ، وتنشرح لها النفس وفيها منهجنا في الحياة وكيف نسير على ما يرضي الله سبحانه وتعالى. وقد حث ربنا سبحانه وتعالى عن قول الكلمة الطيبة بأنواعها في آيات كثيرة قال تعالى: وَلْتَكُن مّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [آل عمران: 104]. والدعوة إلى الخير ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الكلام الطيب وقال سبحانه أيضاً مؤكداً على ذلك ادْعُ إِلِىا سَبِيلِ رَبّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَـادِلْهُم بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ [النحل: 125]. وقال أيضاً وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَـالِحاً وَقَالَ إِنَّنِى مِنَ الْمُسْلِمِينَ [فصلت: 33]. بل إن الله دعا إلى الكلام الطيب حتى مع المخالفين في الدين والاعتقاد وَلاَ تُجَـادِلُواْ أَهْلَ الْكِتَـابِ إِلاَّ بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ [العنكبوت: 46]. وبيَّن سبحانه أن الشيطان يحرص على التحريض بين الناس. وأن الكلام الطيب هو الذي يفسد مخططات هذا الشيطان فقال: وَقُل لّعِبَادِى يَقُولُواْ الَّتِى هِىَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَـانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَـانَ كَانَ لِلإِنْسَـانِ عَدُوّا مُّبِينًا [الإسراء: 53]. وبيَّن سبحانه وجوب الكلام الطيب مع الناس عامة فقال وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنًا [البقرة: 83]. وقال: وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً [النساء: 5]. وقال فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُورًا [الإسراء: 28]. هذا بشكل عام.

    ثم بين سبحانه أن للوالدين الحق الأول على الإنسان في مخاطبتهما بالكلام اللين والطيب فقال: فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِى صَغِيرًا [الإسراء: 22، 23]. وقد لا تستطيع أن تقدم المال للناس وللفقراء منهم والمساكين لكنك تستطيع أن تقدم لهم الكلام الطيب قال تعالى: قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى [البقرة: 263]. وقال وَأَمَّا السَّائِلَ فَلاَ تَنْهَرْ [الضحى: 10]. كما بين سبحانه الثواب العظيم الذي يترتب على قول الطيب فقال يأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَـالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب: 70، 71].

    إذن الكلمة الطيبة لها أهميتها وقيمتها وتأكد يا عبد الله أنك إذا نطقت بالكلمة الطيبة من رضوان الله سبحانه لا تلقي لها بالاً قد تدخل بها الجنة.وإذا نطقت بالكلمة الطيبة فإنها ستبعدك عن النار كما أخبر : ((اتقوا النار ولو بشق تمرة، فإن لم يكن فبكلمة طيبة)) وأنت أيضاً إذا قلت سبحان الله أو سبحان الله وبحمده العظيم ، فأنت تسمع النبي وهو يقول : ((كلمتان حبيبتان للرحمن، خفيفتان على اللسان ، ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم)). ومن قال في مائة مرة سبحان الله وبحمده غفرت ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر.

    وكل هذا من الكلام الطيب.

   
    جريمة الزنا

    جريمة من أبشع الجرائم، وفاحشةٍ من أكبر الفواحش، وموبقةٍ من أخطر الموبقات، تتجلى فيها هذه البهيمية المغرقة. جريمة تفقد فيها الشهامة، وتذهب بالمروءة، يحل مكان العفاف فيها الفجور، وتقوم فيها الخلاعة مقام الحشمة، وتطرد فيه الوقاحة جمال الحياء. إنها جريمة الزنا؛ كم جرَّعت من غصةٍ، وكم أزالت من نعمة، وكم جلبت من نقمة، وكم خبأت لأهلها من آلامٍ منتظرة، وغمومٍ متوقعة، وهمومٍ مستقبلة.0وفي الحديث(( والقلب يهوى ويتمنى، والفرج يُصدِّق ذلك أو يكذبه).

    الشرع الإسلامي يقف من هذه الجريمة موقف حزم وحسمٍ، وصراحةٍ وصرامة؛ إنه يمتدح الشهمَ الكريمَ الذي يغارعلى نفسه ويغار على حرماته، ويندد بالديوث الذميم الذي يقر الخبث في أهله. لتبقى الأعراض مصونة، والشرف موفورًا عزيزًا.والزنا محرم بقواطع الأدلة؛ في محكم القرآن وصحيح السنة وإجماع أهل الملة بل إجماع أهل الملل.

    وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَـاهَا ءاخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذالِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَـاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيـامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً إِلاَّ مَن تَابَ وَءامَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَـالِحاً [الفرقان:68-70].

    والله سبحانه في محكم تنزيله نهى عن قربه والدنو منه مما يعني البعد عن بواعثه ومقدماته.

    وَلاَ تَقْرَبُواْ الزّنَىا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً والزنا نذير رعب وفزع في فشو الأمراض، ونزع البركات،الزهري والسيلان من أمراضه، والإيدز من أوبئته في أمراض يرسلها الله لم تكن في الأسلاف،

    إن من أهل هذه الحضارة والمغرورين بها، قد أطلقوا لشهواتهم العنان، استباحوا كل ممنوع. ونبشوا كل مدفون، وكشفوا كل مستور. تنصلوا من مسؤوليات العائلة، وجروا خلف كل متهتكة وفاجرة هل أدى بهم ذلك إلى تهذيب الدوافع كما يقولون؟ وهل أنقذهم من الكبت كما يزعمون؟؟ لقد انتهى بهم إلى سعار مجنون لا يهدأولا يرتوي. لقد قلَّ نسلهم، وتوقف نموُّهم مما ينذر بفنائهم. لقد قل نسلهم لأنهم قضوا شهواتهم بغير الطريق المشروع،وتهربوامن المسؤولية ,وتبرؤوا من سياج الأسرة. الحلال عندهم لا يفترق عن الحرام. لا يغارون على محارم، ولا يشمئزون من فواحش. العلاقات عندهم معزولة عن الخلق والروح والدين والعبادة. لقد كان حفيًا عند استقبال الآلاف المؤلفة من اللقطاء وأولاد التبني، لا يسألون من أين جاءوا، ولا يكترثون بالآثار الاجتماعية التي يُخلفها من لا آباء لهم ولا أمهات،وهم يزعمون أنهم أرباب العلوم والمعارف.

    إن دين الإسلام لا ينكر دوافع الفطرة، ولا يلغي الوظائف التي ركبها الله في الإنسان، ولا يكبت الغرائز ولا يستقذرها، ولكنه يهذبها وينظمها ويسيرها في مسالك الطهر، ويرفعها من مستوى الحيوانية المحضة لتصبح محورًا تدور عليه الآداب النفسية والإجتماعية. إنه يحارب الحياة البهيمية الساقطة التي لا تقيم بيتًا، ولا تبني أسرة، ولا تنشئ حياةً كريمةً ومجتمعًا طاهرًا.

    إن دين الإسلام يقصد إلى حياة أسرية كريمة محترمة تشترك فيها الآمال والآلام، ويؤخذ بها حساب الحاضر والمستقبل. محضنٌ لذرية صالحةٍ ومنشأٌ لجيلٍ طاهرٍ، فيه الأبوان حارسان أمينان لا يفترقان.

    هذا المجتمع الكريم النابت في تعاليم الإسلام يتميز بآدابه، ويلتزم بأحكامه، هذا المجتمع يجعل جريمة الزنا قصيةً في ركن لا يطالها إلا فئات شاذة لا يؤبه لها.

    إن الذي يكبح هذه الجريمة، ويضيق دائرتها هو شرع الإسلام بأحكامه وآدابه وعقائده بدءًا من الإيمان بالله وخشيته وتقواه وحسن مراقبته سبحانه، ثم تنقية المجتمع من بواعث الفتن، ومواطن الريب.معاشر المسلمين الشباب والشابات إياكم ثم إياكم إن تلوثوا سمعتكم، وفيما قسم الله لكم من الحلال غنية عن الحرام.

    وتصوروا حين تروادكم أنفسكم الأمارة بالسوء أو يراودكم شياطين الجن والإنس للمكروه، تذكروا موقف نبي الله يوسف عبه السلام المعصوم كيف رد الفتنة بذكر الله حين راودته التي هو في بيتها عن نفسه، وغلقت الأبواب وقالت هيت لك، قال: معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون.

    أجل لقد رأى يوسف الصديق عليه السلام برهان ربه، وهو الإلهام أن لايدفعها بيده حتى لاتكون حجة عند قومها وتثبت إفترائها وتقول ضربني ليعتدي علي وحاشا ليوسف أن يقع في مثل ذلك لأن الأنبياء معصمون عن كل الكبائر ثم صرف الله عنه السوء والفحشاء، وعده في عباده المخلصين.

    في مثل هذه المواقع يبتلى المؤمن، وفي مثل هذه المواقف يمتحن الرجال والنساء، وفي مثل هذه المواطن تبدو آثار الرقابة للرحمن الذي لاتخفى عليه خافية، وهل أنت يا عبد الله بمعزل عن علم الله مهما كانت الحجب، وأيا كان الستار؟ كلا، فالله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وهو الذي يعلم السر وأخفى ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير [الملك:14].

    إذا ما خلوت الدهر يوما فلا

    تقل خلوت ولكن قل عليّ رقيب

    وليعلم أن مستحل الزنا في الإسلام كافر خارج من الدين، والواقع فيه من غير استحلال فاسق أثيم، فينبغي الحذر من كلام فيه إستحلال لهذه الجريمة قال اله تعالى: قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون والذين هم للزكاة فاعلون والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون [المؤمنون:1-7].

   
    تبرئة نبي الله يوسف الصديق عليه السلام

    كثيراً ما يدور الحديث في قصة نبي الله يوسف عليه السلام وبالتحديد موقفه ونزاهته أمام المرأة التى نشأ في بيتها والمؤسف أن الكثيرين من الناس يحملون القصة على غير حقيقتها بل إن منهم من يصل الأمر به إلى رمي سيدنا يوسف عليه السلام الصديق الطاهر بتهم تنقص من قدره ويصوره البعض بالرجل الزاني والعياذ بالله,ومن المعلوم أن من أصول العقيدة في الإسلام تعظيم الأنبياء جميعاً ووصفهم بالعصمة من الكفر والفواحش إذ أن الأنبياء بشر لكن الله تعالى عصمهم عن أمور لا تليق بهم فلا يتصو منهم فعلها, ومن المقرر أيضاً أن من رمى نبي من الأنبياء برذيلة فقد سب النبي وسب النبي كفر والعياذ بالله تعالى.لذلك أردت التوضيح لجانب من قصة يوسف عليه السلام وليس المراد سرد القصة بكاملها.والنقطة التي أريد هي تبرئة يوسف عليه السلام من ظن وتفسير يورده البعض في قضيته مع إمراءة العزيز التى ذكرها الله في القران قال الله تعالى(وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب وقالت هيت لك قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون .

    كان يوسف عليه السلام ذا جمال شديد, بل قد جاء في الصحيح أنه أوتي شطر الجمال, فلم تتمالك امرأة العزيز نفسها لما رأت فيه ذلك الجمال حتى راودته عن نفسه, فأبى عليها وامتنع أشد الإمتناع ولم يكن ليخون أو يقع فيما برء الله منه الأنبياء ,وقد حفظه الله تعالى وصرف عنه السوء والفحشاء كما قال سبحانه ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه, كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين قد يفهم من ظاهر هذه الآية أن يوسف الصديق عليه السلام هم بأن يفعل بتلك المرأة من السوء والفحشاء مثلما همت هي أن تفعل(وهذا ما يذكر في بعض التفاسير وهو إما من قبيل الدس والإفتراء المتعمد وإما من الغلط الشنيع )) ولكن من أوضح ماقيل في تفسر هذه الآية أن يقال الهم من أمراءة العزيز كانت همت بالفاحشة لما وقع في قلبها من جمال يوسف عليه السلام ,والهم من يوسف كان هم الدفع والضرب لإبعادها عنه وزجرها عما تريد من الأمر الذي لايريده والبرهان المذكور هو أن الله ألهم يوسف أن لايدفعها باللمس والدفع أو الضرب حتى لايكون حجة وافتراء عند قومها فتقول ضربني ودفعني ليعتدي علي فيكون أقرب لتصديقها فلذالك استبق الباب قال تعالى(( واستبقا الباب وقدت قميصه من دبر والفيا سيدها لدى الباب قالت ما جزاء من اراد باهلك سوءا الا ان يسجن او عذاب اليم ))

    والقرآن العظيم بين لنا خمس شهداء على براءة يوسف عليه السلام من ذلك وهم :يوسف الصديق نفسه وامرأة العزيز نفسها وزوجها والنسوة اللاتي قطعن أيديهن والشاهد من أهلها.

    أما يوسف الصديق نفسه فقد جزم ببراءة نفسه وثبت على نقائه وطهارته فقال: هي راودتني عن نفسي [يوسف:26]. وقال لما هددته امرأة العزيز بالسجن إن لم يستجب لها رب السجن أحب إليّ

    وأما امرأة العزيز فاعترفت وأقرت ببراءة يوسف فقالت ولقد راودته عن نفسه فاستعصم [يوسف:32]. وقالت في موقف أخر أمام الملك: الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين .

    أما النسوة اللاتي قطعن أيديهن فقلن عن يوسف: حاشا لله ما علمنا عليه من سوء [يوسف:51].وأما زوج المرأة فقال مخاطباً امرأته إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين [يوسف:28-29]. فبين بكلامه هذا براءة يوسف وأن اللوث والتهمة والكيد والخطيئة في امرأته وأنها هي التي دعته وتهيئات له وحرصت أشد الحرص ولكن هيهات هيهات فأن يوسف الذي وصفه ربه بالصديق وأنه من عباده المخلصين أعلى قدر اً وأرفع من أن يتلوث في الرذائل أوأن يخون عرض من جعله في بيته وهذا مما يربأ عنه أهل الفضل والمرؤة من عامة البشر فكيف بالنبي الصديق؟؟ سبحانك هذابهتان عظيم…

    وأما الشاهد من أهلها فقال: إن كان قميصه قُدَ من قُبل فصدقت وهو من الكاذبين وإن كان قميصه قُدَ من دبر فكذبت وهو من الصادقين [يوسف:26]. فوجدوا قميص يوسف قُدَ من دُبرٍ أي شُق من خلفه وذلك أنهما لما استبقا الباب يوسف وامرأة العزيز, يوسف يفر بنفسه من السوء والفحشاء وامرأة العزيز مصممة على السوء والفحشاء أمسكت بقميصه من خلفه فشقته فوجدوا قميص يوسف شق من دبر فكان ذلك من الأدلة على براءته عليه السلام ,

    وبعد هذا ينبغي أن يحذر كل الحذر من القصص المفتراة على يوسف ومن أقاويل السفهاء الذين يرمون هذا النبي الشريف العفيف الطاهر بالزنى يوسف ابن نبي الله يعقوب ابن نبي الله إسحاق ابن نبي الله إبراهيم عليهم السلام, روى الإمام أحمد والبخاري من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي قال: ((الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم)).

    فالحذر الحذر من الإفتراء على الأنبياء الشرفاء المطهرون ومن الكتب التى تروى القصص المكذوبة التي لاأصل لها على أنبياء الله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

   
    الدنيا دار بلاء

    الأحوال لا تثبت على حال، والسعيد من لازم التقوى، وإن افتقر أغنته، وإن ابتلي جملته، فلازم التقوى في كل حال، فإنك لا ترى في الضيق إلا السعة، ولا في المرض إلا العافية، ولا في الفقر إلى الغنى،والمقدور لا حيلة في دفعه، وما لم يُقدّر الله لا حيلة في تحصيله، والرضا والتوكل يهونان المصائب، والله هو له الأمر والتدبير،وتدبيره لعبده خير من تدبير العبد لنفسه، وهو أرحم به من الأم بولدها,ومن رضي باختيار الله أصابه القدر وهو محمود مشكور ملطوف به، وإلا جرى عليه القدر وهو مذمومٌ، ومع هذا فلا خروج عما قُدّر عليك.ولقد قدر الله مقادير الخلائق وآجالهم،وقسم بينهم معايشهم وأموالهم،وخلق الموت والحياة ليبلوهم أيهم أحسن عملاً. والإيمان بقضاء الله وقدره ركن من أركان الإيمان، وما في الأرض من حركة أو سكون إلا بمشيئة الله وإرادته، وما في الكون كائن إلابتقدير الله وإيجاده.

    والدنيا طافحة بالأنكاد والأكدار، مطبوعة على المشاق والأهوال، والعوارضُ والمحنُ فيها هي كالحر والبرد لا بد للعبد منها، وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْء مّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مّنَ الأمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشّرِ الصَّـابِرِينَ [البقرة:155]، والمصائب محن يتبين بها الصادق من الكاذب، أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُواْ أَن يَقُولُواْ ءامَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ [العنكبوت:20]، ولا بد من حصول الألم لكل نفس، سواء آمنت أم كفرت، والحياة مبنية على المشاق وركوب الأخطار،والمرء يتقلب في زمانه في تحول من النعم واستقبال للمحن. فهذا نبي الله آدم عليه السلام يُخرج من الجنة ويبتلى في الأرض ويقتل أحد ولديه الآخر وأي بلاء أشد من هذا.فأذا كان الأنبياء يبتلون فما دونهم أولى. فوطّن نفسك على المصائب قبل وقوعها،ليهن عليك وقعها، ولا تجزع بالمصائب، فللبلايا أمد محدود ولا تسخط بالمقال، فرب كلمة جرى بها اللسان هلك بها الإنسان وأودت بصاحبها إلى سخط الله والوقوع بالكفر.والمؤمن الحازم يثبت للعظائم، يخفف المصاب على نفسه بوعد الأجر وتسهيل الأمر، والصابرون مجزيون بخير الثواب، وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [النحل:96] فلا تضيّع زمانك بهمّك بما ضمن لك من الرزق، فما دام الأجل باقياً كان الرزق آتيا، قال تعالى: وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا [هود:6]، بالابتلاء يعظم أجر الأبرار، يقول سعد بن أبي وقاص قلت: يا رسول الله، أي الناس أشد بلاءٌ؟ قال: ((الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه، وإن كان في دينه رقة خفف عنه، وما يزال البلاء بالمؤمن حتى يمشي على الأرض وليس عليه خطيئة)) رواه البخاري.وطريق الابتلاء معبر شاق، تعب فيه آدم، ورمي في النار الخليل،الدنيا لم تصفُ لأحد، يقول المصطفى : ((من يرد الله به خيراً يصب منه))رواه البخاري.فتشاغل بما هو أنفع لك من حصول ما فاتك، من رفع خلل،وتلمّح سرعة زوال بليتك تهن، ولا تقنط فتُخذل، وتذكر كثرة نعم الله عليك، وادفع الحزن بالرضا بمحتوم القضا، فطول الليل وإن تناهى فالصبح له انفلاج، وآخر الهم أول الفرج، والدهر لا يبقى على حال، بل كل أمر بعده أمر، وما من شدة إلا ستهون،ولا تيأس وإن تضايقت الكروب،فلن يغلب عسر يسرين، واضرع إلى الله يزهو نحوك الفرج، وما تجرّع كأس الصبر معتصم بالله إلا أتاه المخرج، يعقوب عليه السلام لما فقد ولداً وطال عليه الأمد، لم ييأس من الفرج، ولما أُخد ولده الآخر لم ينقطع أمله من الواحد الأحد، بل قال: عَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَنِى بِهِمْ جَمِيعًا [يوسف:83].

    وربنا تعالى وحده له الحمد، وإليه المشتكى، فإذا تكالبت عليك الأيام، وأغلقت في وجهك المسالك والدروب، فلا ترجُ إلا الله في رفع مصيبتك ودفع بليتك، وإذا ليلة اختلط ظلامها، وأرخى الليل سربال سترها، قلب وجهك في ظلمات الليل في السماء محل البركات ومهبط الرحمات ومسكن الملائكة الكرام، وارفع أكف الضراعة إلى الله الذي يعلم بك ويسمعك وأنت في أي مكان وهو سبحانه موجود بلا مكان لأنه كان قبل المكان والزمان، وناد الكريم أن يفرج كربك، ويسهل أمرك، وإذا قوي الرجاء، وجمع القلب في الدعاء قوي رجاء القبول، أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوء [النمل:62]، وتوكل على الله القدير، وسلِّم الأمرلله،واسأله الفرج،ولا تستطيل زمن البلاء، وتضجر من كثرة الدعاء، فإنك مبتلى بالبلاء، متعبَّد بالصبر والدعاء، ولا تيأس من روح الله وإن طال البلاء، فالفرج قريب، وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرّ فَلاَ كَـاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ [يونس:107]، وهو الفعال لما يريد اصبر على بلائه وحكمه، واستسلم لأمره. قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَـانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ [التوبة:51].

   
    التوبة وشروطها

    قول الله عز وجل: (يا أيها الذين ءامنوا توبوا إلى الله توبة نصوحًا) (سورة التحريم/ءاية 8) ويقول تعالى: (وتوبوا إلى الله جميعًا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون) (سورة النور/ءاية 31) ويقول تعالى: (واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إنّ ربي رحيم ودود) (سورة هود/ءاية 90 ويقول تعالى: (وإني لغفار لمن تاب وءامن وعمل صا لحًا ثم اهتدى) (سورة طه/ءاية 82. وروى ابن ماجه رحمه الله أن الرسول محمدًا صلى الله عليه وسلم قال: «التائب من الذنب كمن لا ذنب له«.وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع روعن ابن عباس وأنس بن مالك رضي الله عنهما أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «لو أنّ لابن ءادم واديًا من ذهب أحبّ أن يكون له واديان، ولن يملأ فاه إلا الـــتـــراب، ويــتــوب الله على من تاب« رواه البخاري ومسلم.

    وفي قصة المرأة من جهينة لما زنت وحملت ووضعت ثم شُدت عليها ثيابها ثم أمر بها فرُجمت ثم صلى عليها النبي صلى الله عليه وسلم. فقال عمر: تصلي عليها يا رسول الله وقد زنت؟ قال: «لقد تابت توبة لو قُسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وهل وجَدْت أفضل من أن جادت بنفسها لله عز وجل« رواه مسلم رحمه الله.

    والتوبة واجبة من كل ذنب كبيرة وصغيرة فورًا وقد تظاهرت دلائل الكتاب والسنة وإجماع الأمة على وجوب التوبة.والغفلة هي الانشغال بمعصية الله عن طاعته، فالمسلم العاقل هو الذي يقوّم نفسه ويأخذ بزمامها إلى ما فيه مرضاة الله تعالى ورسوله، وإن جنحت نفسه يومًا للوقوع في المعاصي والانهماك في الشهوات المحرمة، يعلم أنّ الخالق غفور رحيم، يقبل التوب ويعفو عن السيئات، وأنه مهما أسرف في الذنوب ثم تاب منها فإنّ الله يغفرها جميعًا. لقوله عزّ وجل: (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إنّ الله يغفر الذنوب جميعًا إنه هو الغفور الرحيم) (سورة الزمر/ ءاية 53) والقنوط من رحمة الله هو أن يجزم المرء في نفسه بأنّ الله لا يرحمه ولا يغفر له بل يعذبه، وهذا القنوط ذنب من الكبائر.

    فكن يا عبد الله وقّافًا عند حدود الشريعة، ملتزمًا بالأوامر الإلهية منتهيًا عن النواهي ولا تدَعْ نفسك تحدثك بالمعصية، وإن كانت معصية صغيرة، فإنّ من الناس مَنْ إذا وقع في وحل المعاصي ومستنقع الذنوب استلذ ذلك، وظل قابعًا في ظلام الفجور والخطايا، وقد قيل:

    إذا ما خلوتَ الدهرَ يومًا فلا تقلْ

    خلوت ولكن قل علي رقيبُ

    ألم ترَ أنّ اليومَ أسرعُ ذاهبٍ

    وأن غدًا للناظرين قريبُ

    وقال بعضهم: يا نفسُ توبي فإنّ الموت قد حانا

    واعصي الهوى فالهوى ما زال فتانا

    في كل يومٍ لنا ميت نشيعه

    ننسى بمصرعه أثار موتانا

    يا نفس مالي وللأموال أكنزها

    خلفي وأخرج من دنياي عريانا

    قد مضى الزمان وولى العمر في لعب

    يكفيك ما كانا قد كان ما كانا

    وأما شروط التوبة فهي التي لا بد منها لقبول التوبة عند الله وهي:

    1 ــ الإقلاع عن المعصية أي تركها فيجب على شارب الخمر أن يترك شرب الخمر لتُقبل توبته والزاني يجب عليه أن يترك الزنا، أما قول: أستغفر الله. وهو ما زال على شرب الخمر فليست بتوبة.

    2ــ العزم على أن لا يعود لمثلها أي أن يعزم في قلبه على أن لا يعود لمثل المعصية التي يريد أن يتوب منها، فإن عزم على ذلك وتاب لكن نفسه غلبته بعد ذلك فعاد إلى نفس المعصية فإنه تُكتب عليه هذه المعصية الجديدة، أما المعصية القديمة التي تاب عنها توبة صحيحة فلا تكتب عليه من جديد.

    3 ــ والندم على ما صدر منه، فقد قال عليه الصلاة والسلام: «الندم توبة« رواه الحاكم وابن ماجه.

    4 ــ وإن كانت المعصية تتعلق بحق إنسان كالضرب بغير حق، أو أكل مال الغير ظلمًا، فلا بدّ من الخروج من هذه المظلمة إما برد المال أو استرضاء المظلوم؛ قال النبي عليه الصلاة والسلام: «من كان لأخيه عنده مظلمة، فليتحلله قبل أن لا يكون دينار ولا درهم« رواه مسلم رحمه الله.

    5 ــ ويشترط أن تكون التوبة قبل الغرغرة، والغرغرة هي بلوغ الروح الحلقوم، فمن وصل إلى حدّ الغرغرة لا تقبل منه التوبة، فإن كان على الكفر وأراد الرجوع إلى الإسلام لا يقبل منه، وإن كان فاسقًا وأراد التوبة لا يقبل منه؛ وقد ورد في الحديث الشريف: «إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر« رواه الترمذي وقال حديث حسن.

    ويشترط أن تكون قبل الاستئصال، فلا تقبل التوبة لمن أدركه الغرق مثل فرعون لعنه الله

    وكذلك يشترط لصحتها أن تكون قبل طلوع الشمس من مغربها، لما صح عن النبي عليه الصلاة والسلام: «إن في المغـــرب بابًا خلقــه الله للتوبة مسيرة عرضه سبعون عامًا لا يُغلق حتى تطلع الشمس منه« رواه ابن حبان.

    وقال عليه الصلاة والسلام: «من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه« رواه مسلم.فمن أراد الله به خيرًا رزقه التوبة النصوح والكاملة والثبات عليها حتى الممات.

    إن الله أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين فلا يقنطن المؤمن من رحمة الله وليتُبْ إليه مهما بلغ عظم ذنوبه؛ فقد وردت قصة عن مسلم من بني إسرائيل قتل مائة إنسان ثم سأل عالمًا: هل لي من توبة؟ قال له: ومن يحول بينك وبين التوبة، اذهب إلى أرض كذا فإن بها قومًا صالحين، يعبدون الله تعالى فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء، فانطلق حتى إذا نصف الطريق أتاه الموت، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب. فقالت ملائكة الرحمة: جاء تائبًا مقبلاً بقلبه إلى الله تعالى، وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيرًا قط، فأتاهم ملك بصورة ءادمي فجعلوه بينهم فقال: قيسوا ما بين الأرضين فإلى أيهما كان أدنى فهو له، فقاسوا فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد، فقبضته ملائكة الرحمة. وفي رواية في الصحيح: فكان إلى القرية الصالحة أقرب بشبر فجعل من أهلها، وفي رواية فوجدوه إلى هذه أقرب بشبر فغفر له.

    فما أعظم التوبة وما أسعد التائبين، فكم من أناس فاسقين فاسدين بالتوبة صاروا من الأولياء المقربين الفائزين.

    جعلنا الله من التائبين الصادقين القانتين الصالحين بجاه سيد المرسلين والصحابة الطيبين وءال البيت الطاهرين ءامين.

   
    أولى الناس وأقربهم للرسول وفضل الصبر

    الحمدُ للهِ غافرِ الذنوبِ والآثامِ، المنعِمِ علينا بالإيمانِ والإسلامِ، اللطيفِ الخبيرِ بأحوالِ عبادِهِ منَ الرَّعِيَّةِ والحُكامِ. أحمَدُهُ سبحانَهُ وتعالى حَمْدَ من أمرَ بالمعروفِ ونهى عن المنكرِ والحرام، وأُصلي واُسلّمُ على سيدِنا وحبيبِنا وعظيمِنا وقرةِ أعينِنا محمدٍ إمامِ المرسلينَ والأئمةِ الأعلام.

    أنَّ اللهَ تبارك وتعالى يقول: ))وإِن تَظاهَرا عليهِ فإنَّ اللهَ هو مولاهُ وجبريلُ وصالِحُ المؤمنين((.

    ورد في صحيحِ البخاريِّ أنّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: “إنَّ ءالَ أبي طالبٍ ليسوا بأولِيائي إِنَّما وليِّي اللهُ وصالِحُ المؤمنين” وقالَ صلى اللهُ عليه وسلم: “إنَّ أولى النّاسِ بِيَ المتقونَ من كانوا وحيثُ كانوا” معنى الحديثِ أنَّ أولى الناسِ برسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم هم المتقونَ، والمتقونَ هم المؤمنونَ الذين يُؤَدُّونَ الواجباتِ ويجتنبونَ المحرَّماتِ. ومن جُمْلةِ الواجباتِ تعلُّمُ علمِ الدينِ الضروريِ، أي ما يَحِلُّ وما يَحْرُمُ من المأْكَلِ والملبَسِ والمشربِ والمالِ، وهذا يُعرفُ بالتَّعَلُّمِ من أهلِ المعرفةِ الذين تعلَّموا مِمَّنْ قبلهم من أهلِ المعرفةِ إلى أن يَتَسَلْسَلَ الاتصالُ والنقلُ إلى الصحابةِ، من تعَلَّمَ القدرَ الضرورِيَّ بهذهِ الطريقةِ وليسَ شرطاً أن يَصيرَ مُفْتِياًّ وعمِلَ بهِ أي أدَّى كلَّ ما تعلَّمَ أنَّهُ فرضٌ واجتنبَ كلَّ ما تعلَّم أنهُ حرامٌ هذا يقالُ له المُتَّقِي ويقالُ للجمعِ المتَّقون، الرسولُ صلى الله عليه وسلم يقولُ: “إنّ أولى الناسِ بيَ المتقون من كانوا” أي مِنْ أيِّ جِنسٍ كانوا، “وحيث كانوا” أي في أيِّ أَرضٍ كانوا فالذي يكونُ بأقصى الشَّرْقِ أو بأَقْصى الغربِ ويكونُ تَقِياًّ أقربُ إلى الرَّسولِ مِنْ حيثُ المعنى منَ الذي وُلدَ بالمدينةِ المنورةِ وعاشَ فيها إذا لم يكُنْ تَقِياًّ، فالقُرْبُ الحقيقيُّ مِنْ رسولِ اللهِ القربُ النافِعُ الذي تعلو به الدرجاتُ هو تقوى اللهِ ليسَ النسب، فالإنسانُ من أيِّ جنسٍ من أجناسِ الناسِ كانَ إذا تَعَلَّمَ دينَ اللهِ عرَفَ الحلالَ والحرامَ وعَمِلَ بما تعَلَّمَ هذا أقربُ إلى الرَّسولِ وأفضلُ عندَ اللهِ تعالى من ذاكَ الآخرِ الذي نسبُهُ حُسينِيٌّ أو حسنِيٌّ وهو غيرُ مُتَّقٍ للهِ تعالى. ثمَّ إنَّ الإنسانَ تعلو درجَتُهُ عندَ اللهِ بحَسَبِ صبرِهِ، والصبرُ ثلاثةُ أنواعٍ الصبرُ عن المحرماتِ والصبرُ على الطاعاتِ والصبرُ على المكارِه.

    والصبرُ عن المحرماتِ وهو أشدُّ أنواعِ الصبرِ، كفُّ النفسِ عن المحرماتِ على اختلافِ أنواعِها وهذا أفضلُ من كثيرٍ منَ النوافِلِ، مثلا إنسانٌ يصلي في اليومِ والليلةِ مائةَ ركعةٍ تَطُوُّعاً للهِ غيرَ الفرضِ وإنسانٌ ءاخَرُ لا يُصلِّي إلا الفرضَ، لا يصلي شيئاً من السنةِ إلا الفرضَ لكنَّ هذا كفَّ نفسَهُ عنِ ارتكابِ معصيةٍ أو أكثر منْ معصيةٍ. أما ذاكَ الذي يُصلِّي كلَّ يومٍ تطَوُّعاً لهُ معاصٍ يقعُ فيها. فهذا الذي يَكُفُّ نفسَهُ عنِ المعاصي ولا يصلِّي النفلَ إلا الفرضَ أفضلُ عندَ اللهِ من ذاكَ الذي يُصلِّي النَّفْلَ ويرتَكِبُ معصيةً أو معصيتينِ أو ثلاثاً وعلى هذا يقاسُ، تركُ معصيةٍ واحدةٍ أفضلُ عندَ اللهِ من عملِ ألفِ حسنةٍ من النَّوافِلِ، هذا ليسَ بينَهُ وبينَ الولايةِ إلا مرتبةٌ واحدةٌ وهي أن يُكْثِرَ من نوعٍ من أنواعِ النوافِلِ لو من نوعٍ واحدٍ أولياءُ اللهِ يفترقونَ عن غيرِهم منَ المسلمينَ حتى إنَّهم أعلى درجةً عندَ اللهِ منَ الشهيدِ الذي قاتَلَ العدُوَّ في سبيلِ اللهِ تقرُّباً إلى اللهِ بذَلَ نفسَه وخاطَرَ بنفسِه. والنوعُ الثاني من أنواعِ الصبرِ، الصبرُ على الطاعاتِ أي المواظَبَةُ على الطاعاتِ ومن الصبرِ على الطاعاتِ الصبرُ على الصلواتِ بحيثُ لا يشغَلُهُ عن الصَّلاةِ ولدٌ ولا مالٌ ولا صديقٌ، بعضُ الناس ينشغلونَ عنِ الصلاةِ من أجلِ الولدِ من أجلِ الأطفالِ وبعضُهم حتى لغيرِ الأطفالِ، قد تترُكُ المرأةُ الصلاةَ حتى ترضِيَ أولادَها الذين هم بالِغونَ بِتَهْيِئَةِ الطعامِ لهم تُعَطِّلُ صلاةً أو صلاتينِ من أجلِهِم هذهِ ناقِصَةٌ عندَ اللهِ بعيدةٌ منَ اللهِ، كذلكَ بعضُ النساءِ منْ أجلِ إرضاءِ أزواجِهنَّ يُعَطِّلْنَ صلاةً أو أكثرَ، هؤلاءِ ما صَبَرْنَ على الطاعةِ. كذلكَ بعضُ الناسِ يتكاسَلونَ عنِ الصلاةِ وقتَ البَردِ هؤلاءِ أيضا ليسوا من أهلِ الصَّبرِ على الطاعةِ.

    ومن هذا النوعِ أيضا الصَّبرُ على الصيامِ في أيامِ الحرِّ التي يشتَدُّ فيها العطشُ والجوعُ، فالذي يحبِسُ نفسَهُ عن الأكلِ والشربِ مع ميلِ نفسِهِ في رمضانَ إلى الأكلِ والشربِ هذا صابِرٌ على الطاعةِ والصبرُ على الطاعةِ بابٌ واسعٌ.والثالثُ من أنواعِ الصَّبرِ الصبرُ على المكارِهِ والشدائِدِ والمصائِبِ كالصبرِ على الأمراضِ أو على شدةِ مرارةِ الفقرِ أو على فُقدانِ من يعُزُّ منَ الأهلِ والأصحابِ والأصدقاءِ فمنِ ابتُلِيَ بأيِّ مصيبةٍ من هذهِ المصائِبِ فصَبَرَ عليها فهو عندَ اللهِ في خيرٍ قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: “من يرِدِ اللهُ بهِ خيراً يُصِبْ منهُ” وقالَ: “إنَّ عُظْمَ الأجرِ معَ عُظْمِ البلاءِ”.

    ثم بعضُ الناسِ الذينَ أرادَ اللهُ تبارك وتعالى بِهِمُ الشَّرَّ قد تمضي عليهم أيامٌ وأزمانٌ يكونونَ فيها مُقْبِلينَ على العبادةِ ثم تصدُمُهُمُ المصائِبُ والبلايا فيرجِعونَ إلى الوراءِ بدل أن يثبُتوا على الصبرِ كأن يقِلَّ رزقُهم بعد أن كانَ واسِعا فيترُكونَ النَّشاطَ في العباداتِ الذي كانوا عليهِ. قالَ تعالى في هؤلاءِ: ))ومِنَ الناسِ من يعبُدُ اللهَ على حرفٍ فإِنْ أصابَهُ خيرٌ اطمأَنَّ بهِ وإن أصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ على وجهِهِ خسِرَ الدُّنيا والآخرةَ((، فمعنى هذه الآيةِ أنَّ مِنَ النَّاسِ الذينَ أُريدَ بهمُ الشرُّ منْ يدخُلونَ في الإسلامِ فيكونونَ في حالةِ يُسْرٍ ونِعمةٍ فيقولونَ هذا الدينُ حقٌّ لأنا دخلْنا فيهِ ولقِينا رخاءً وسعادةً ثم بعدَ أن تصيبَهُمُ المصائبُ ينقلبونَ يقولونَ هذا الدينُ ما نفَعَنا هذا من شُؤْمِ هذا الدينِ لا خيرَ فيهِ لو كانَ فيهِ خيرٌ ما أصابَتنا هذه البلايا هؤلاءِ ذمَّهُمُ اللهُ تعالى في القرءانِ في هذهِ الآيةِ، فعلى العبدِ أن يثبُتَ على صِفَةِ الصبرِ أي عليهِ أن يؤمِنَ باللهِ ورسولِهِ ويلزمَ طاعةَ اللهِ تعالى في الرَّخاءِ والشِّدَّةِ فلا يتحولُ إلى الفُسوقِ لما يكثُرُ الرزقُ عليهِ لا يرتَكِبُ الفسوقَ والفجورَ ثمّ إن أصابَهُ قِلَّةٌ وفاقَةٌ لا يترُكُ فرائضَ اللهِ بل يثبُتُ في المقامِ الذي هو فيهِ ولا يتركُ مُلازمةَ طاعةِ اللهِ تعالى.

    اللّهُمّ صلّ على محمدٍ وعلى ءالِ محمدٍ كما صلّيْتَ على إبراهيمَ وعلى ءالِ إبراهيمَ إنّكَ حميدُ مجيدُ، اللّهُم اغفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا اللّهُم نَقِّنَا من الذُّنوبِ والخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأبيَضُ مِنَ الدّنَسِ يا ربَّ العالمينَ اللّهُمّ عَلِّمْنَا ما جَهِلْنَا وذَكِّرْنَا ما نَسِينَا واجعَلِ القُرءانَ ربيعَ قُلُوبِنَا ونُوراً لأبْصارِنَا وَجَوَارِحِنَا وَتَوَفَّنَا على هَدْيِهِ وأكْرِمْنَا بِحِفْظِهِ واحْفَظْنَا بِبَرَكَتِهِ وَبَرَكَةِ نَبيِّكَ مُحمدٍ عليهِ الصّلاةُ والسّلامُ واغفِرِ اللّهُمَ للمُؤمنينَ والمؤمناتِ الأحْياءِ مِنهُم والأمواتِ إنّكَ سميعٌ قريبٌ مجيبُ الدّعواتِ.

   
    -كثيراً ما نسأل عن أمر إحداد المراءة على زوجها بعد الوفاة وهل هوا واجب ؟ وهل كل التقاليد والعادات التى في بعض البلاد من الإحداد الشرعي ؟

    فنقول وبالله التوفيق الإحداد تكريماً وليس حجراً على المراءة كما يظن البعض وهو حكم يختص به النساء دون الرجال وحكم شرعي أمر الله به المراءة في حق الزوج ولحكم عديدة ظاهرة منها عدم إظهار الزينة والإنشغال بها حرمة وحفظ ورعاية للزوج الذي توفي عنها، وكما أن أصحاب القوانين الدنيوية أحدثوا أمورأً في الحزن والإحداد على العظماء عندهم من تنكيس الأعلام والوقوف دقيقة صمت وإغلاق المؤسسات رعاية للذي مات وغير ذلك من أمور، أمر الله المراءة بما هو أجل من ذلك لتبقى مدة تمتنع فيها عن الزينة والزواج،حفظاً للعشرةالتى كانت بينهما ولبرائة الرحم وعدم إختلاط الأنساب ولغير ذلك كانت العدة والإحداد.

    و من معاني الإحداد في اللّغة العربية: المنع، ومنه امتناع المرأة عن الزّينة وما في معناها إظهاراً للحزن .وهو في الاصطلاح الشرعي:امتناع المرأة من الزّينة وما في معناها مدّةً مخصوصةً في أحوال مخصوصة ، وكذلك من الإحداد امتناعها من المبيت في غير منزلها .

    وحكم إحداد المرأة على زوجها المتوفى عنها واجب بنص كلام الله عز وجل قال الله تعالى:والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن أربعة اشهر وعشراًفيجب على المرأة، أن تمكث في بيتها بعد موت زوجها أربعة اشهر وعشرة أيام، هذا بالنسبة للزوج،ويجوز لها الإحداد على غير زوجها بمعنى أنه لها الإحداد على أبيها أو أمها أو أخيها ولكن لا يجب، فالإحداد على الزوج هوالواجب، والإحداد على غيره جائز بشرط ألا يزيد على ثلاثة أيام، لقوله ، في الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه:((لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا)) ولهذا بوب الأمام البخاري رحمه الله لهذا الحديث بقوله،باب إحداد المرأة على غير زوجها.

    والمرأة الحادة ممنوعة من الطيب أي العطر، لحديث أم عطية عند البخاري قوله ، في شأن الحادة: ((ولا تمس طيبا))، و لا بأس لها أيضا من استعمال الأدهان والمراهم والعقاقير للتداوي لأنه ليس بطيب.و مما يلزم المرأة الحادة أيضاً تجنب الزينة في الثياب فيحرم عليها لبس كل ما فيه زينة من الثياب فتلبس ثيابها العادية وتترك كل ما فيه التزين، وما انتشر عند العوام بإلزامها لبس السواد فلا أصل له.فلها أن تلبس الأبيض وغيره من الألوان بل عليها تجنب ما هو زينة بالعرف حتى لو كان أسوداً فأن من السواد مايكون زينة ويتخذ لباساً للعرس!!فلاتنحصر الزينة بالألوان بل كل ما هو في العرف زينة تتجنبه، وتجتنب أيضاً الزينة في البدن، وذلك بمنعها من الحناء، والكحل.وذلك لحديث أم سلمة رضى الله عنها قالت:قال رسول الله :((المتوفى عنها زوجها لا تلبس المعصفر من الثياب ولا الممشقة ولا الحلي ولا تختضب ولا تكتحل)) رواه أبو داود والنسائي.ويلحق بهذا مساحيق التجميل المستخدمة في هذا الزمان فإنها من الزينة في البدن الممنوعة منها المرأة الحادة. و تتجنب الحلي.والحلي يشمل كل ما تتجمل به المرأة وتتحلى به من قرط أو سوار أو خاتم سواء كان من الذهب أو الفضة أو غيرهما مما يتخذ زينة كاللؤلؤ والزمرد والألماس ونحوها. ويجب عليها أيضاً لزوم بيتها، الذي توفي زوجها وهي فيه. فإنه يجب عليها لزوم بيت الزوجية، الذي توفي عنها وهي فيه حتى تنتهي مدة الإحداد. وبناءً عليه. فإذا بلغها خبر وفاة زوجها وهي في غير بيتها كان تكون في بيت أهلها، فإنها ترجع إلى بيتها، وتمكث فيه حتى نهاية الإحداد، لكن قد يكون هناك مسوغ لها للانتقال إلى بيت أخر، فلا بأس بذلك،كخوف هدم البيت أو غرق أو عدو أو حريق، أو وحشة، أو كانت الدار غير حصينة يخشى فيها من اقتحام الفجرة أواللصوص، أو كانت بين فسقة تخاف على نفسها، فإن لها الانتقال إلى ما شاءت من المساكن، ومن الأعذار المبيحة لها للانتقال، إخراج الورثة لها من البيت، أو انتهاء مدة الإيجار قبل تمام عدتها، فلها الخروج، ويجوز لها أيضا الخروج المؤقت كما لو احتاجت إلى طبيب أو شراء حاجياتها إن لم يكن لها من يقضى حوائجها وكل هذا ضرورة والضرورة تقدر بقدرها. وكذا يحرم عليها أن تخطب للزواج أثناء فترة الإحداد، هذا ما يلزم المراءة في فترة الإحداد ولايجوزلها الزيادة عن مدة الإحداد.

    وما أحدثه بعض الناس من زيادة في المسئلة وانتشر بينهم، وألزموه على أنفسهم وعلى غيرهم، مما لم ينزل الله به من سلطان فلاأصل له في الشرع من ذلك:إلزام المرأة لباساً معيناً أو لوناً معيناً.وامتناع المرأة من تمشيط شعرها أو النظر في المرآة والتلفاز وامتناعها من الاغتسال والتنظف.وامتناعها من العمل في بيتها،أومن الظهور على سطح البيت أو الشرفة أو الحديقة ،واعتقاد المرأة أنه لا يجوز لها تكليم الرجال مطلقاً، أو لا يجوز لها الإجابة على الهاتف وأنها إن تكلمت فسدت عدتها. فكل هذا غير صحيح ولاأصل له في الدين إنما هو مما أدخله الجهلة ونشروه بين الناس بغير علم ولادليل شرعي، فلتنشر هذه المسائل ليعرفها الناس على الصواب،فليس المقصود من العدة الإيذاء بالمراءة وهجرنها من كل شىء بل لها أن تجلس مع الزوار رجالاً ونساءً ولها أن تعمل بما يروح عن نفسها من غير ما جاء في الشرع النهي عنه ولها الدخول على الجيران للأستئناس بهم وكذا كل ما فيه ضرورة، وبالإجمال فإن المراءة تمتنع عن كل مايرغب فيها بالزواج أثناء الإحداد حرمة للزوج وتطيب لنفس أهل الزوج وأقاربه ومرعاة لشعورهم، وطاعة لله تعالى فإذا انقضت المدة الشرعية عادت لطبيعتها يجوز لها الزواج وغيره ولها وفعل ماتشاء، وإن كان الحزن والأسف والذكر بالخير لاحد له فليس المقصود بالإحداد نسيان الميت بعد العدة بل يذكر ويدعى له ويترحم عليه لكن من غير إحداد، ويبقى تنبيه وهو أن من فاتها أيام الإحداد فلا تقضى أي لاتحد بعد المدة من الوفاة فمن تركت الإحداد بعد الوفاة فليس عليها قضائها ، هذا باختصار ما جاء في أمر الإحداد، نسأل الله تعالى أن يرحم أمواتنا ويلحقنا بالصالحين.

    

   
    ولاتقربوا الزنا

    إن من أفحش الفواحش وأحط القاذورات جريمة الزنا ،حرمه الله تعالى فقال تعالى: وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلزّنَىٰ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً [الإسراء:32]، فأخبر تعالى عن فحش الزنا في نفسه، وهو ما انتهى قبحه، وأخبر عن سبيله، وهو سبيل بلاء وفقر وعار وضعف للإيمان وقلة للحياءو التقوى والخوف من الله.قال الله تعالى: الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زانٍ أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين

    ويقول في الجزاء والعقوبة عن عذاب الزاني والزانية، وأن عذابهما أليم،بعد ذكر الشرك بالله والقتل والزنا، قال تعالى: وَٱلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهَا ءاخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِى حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَـٰعَفْ لَهُ ٱلْعَذَابُ يَوْمَ ٱلْقِيـٰمَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً إِلاَّ مَن تَابَ وَءامَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَـٰلِحاً فَأُوْلَـئِكَ يُبَدّلُ ٱللَّهُ سَيّئَاتِهِمْ حَسَنَـٰتٍ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَـٰلِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى ٱللَّهِ مَتاباً [الفرقان:68-71]. أخبر الله تعالى عن عذاب الزاني ما لم يرفع العبد ذلك بالتوبة النصوح والأعمال الصالحة والندم والعزم على عدم العودة إليه، فما أقبح جريمة الزنا ،إن الزاني يبدد الأموال ويهتك الأعراض ،عاره يهدم البيوت المطمئنة ،ويطأطئ الرؤوس ،يسوَّد الوجوه ،ويخرس الألسنة ،ويُهبط بالرجل العزيز إلى هاوية من الذل والحقارة والازدراء ،ينزع ثوب الجاه والحياء مهما اتسع ،ويخفض عالي الذكر مهما ارتفع ،جريمة الزنا لطخة سوداء وفعل قبيح لا يقتصر تلويثه على فاعله ،بل إنه يشوه كلا الشخصين و أفراد المجتمع إذ انتشر،إنه العار الذي يطول،يتناقله الناس زمناً بعد زمن ،بانتشاره تغلق أبواب الحلال ،ويكثر اللقطاء ،وتنشأ طبقات في المجتمع بلا هوية إنه الزنا ،يجمع خصال الشر ،من الغدر والكذب والخيانة ،إنه ينزع الحياء ويذهب الورع ،ويزيل المروءة ،ويطمس نور القلب،ويجلب غضب الرب ،إنه إذا انتشر ،أفسد نظام الدنيا ،في حفظ الأنساب وحماية الأوضاع ،وصيانة الحرمات.والحفاظ على روابط الأسر وتماسك المجتمع.،والزنا إثم وجرم عظيم جداً لا يكبره إلا القتل والشرك برب العالمين ،قال الله تعالى: ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا ، وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن)). ومعناه لايفعل الزنا وهو كامل الإيمان بل هو واقع في الفسق والمعصية الكبيرة إذا لم يستحل هذا الفعل أما إن استحل الزنا فقد وقع فيما هو أشد من الزنا وهو الكفر لأن اعتفاد حل الزنا ضد الفرآن ومن عاند الفران فحكمه الكفر،فما أبشع التسرع في الكلام في مثل هذا بألفاظ فيها أستحلال الزنا ةاستحسانه، فمن أبتلى بهذه الجريمة فليتب إلى الله وإياه أن يقول عن فعل الزنا أو مقدماته أنه حلال!! فأن من المعلوم بين الناس جميعهم حرمة ذلك، فويل للمستحل لذلك وويل لمن يفعل الزنا غير أن الفعل مع إعتقاد التحريم ذنب كبير وفسق واعتقاد الحل كفر وتكذيب لكلام الله تعالى.وفي الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الذنب أعظم عند الله؟ قال: ((أن تجعل لله نداً وهو خلقك ،قلت: إن ذلك لعظيم. قلت: ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك. قلت: ثم أي؟ قال: أن تزاني حليلة جارك)). فليس بعد الكفر بالله و بعد قتل النفس أعظم من الزنا في الذنب عند الله،فيا أيها المسلمون إتقوا الله في السر والعلن واذكروا أنكم ميتون وعلى ربكم ستعرضون ولا يغرنكم حال من حولكم من الناس من ألفوا هذا الذنب العظيم وهونوه على أنفسهم بألفاظ خفيفة كالصداقة والمعاشرة والصحبة والتعارف وغير ذلك. فالزنا تنفر منه الطباع السليمة وهذا شىء ببديهة العقل معروف هل يرضى الزاني هذا الفعل لأمه وأخته وابنته؟؟ لا لأن الطباع السليمة حتى الهائم تنفر من ذلك !! حرام قطعاً بلا شك والله تعالى أحل الحلال لتؤتى البيوت من أبوابها فلم يمنع الله العبد من التلذذ بما جعل فيه من شهوة لكن تحت حدود الشرع والعفة والطهارة لاتحت فانون البغاء واختلاط النطف في الأرحام والفجور والرذيلة، إتقوا الله في أنفسكم وأولادكم وإلا فالحرام إثم وذل في الدنيا وعذاب وندم بعد الموت إن لم يتب العبد منه وقد قال بعضهم:

    تفنـى اللـذاذة ممن نـال صفوتها مـن الحـرام ويبقى الخـزي والعـار
    تبقىعواقب سـوء مـن مغبتـها لا خيـر في لـذة مـن بعـدها النـار
    

    والله أعلم وأحكم

 

Prev Post

ثبوت نبوة سيدنا ءادم عليه السلام

Next Post

العدد الثالث

post-bars