حسن الخلق
أما بعد عباد الله، فإني أحبكم في الله وأوصيكم ونفسي بتقوى الله يقول اللهٌ تبارك وتعالى في القرءان الكريم: {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون} سورة الزمر/9.
أهل الله الأتقياء الأولياء أهل الصدق والوفاء والصفاء العارفون بالله تعالى العلماء العاملون الخائفون الخاشعون الساجدون الراكعون تحلوا بالخلق الحسن وأقبلوا على بذل المعروف.
ورد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي أجاب فيه صاحبه أبا ذرٍ رضي الله عنه وصاياه الشريفة التي ترفع من شأن العالم الملتزم بها، فقد روى ابن حبان في صحيحه عن أبي ذرٍ رضي الله عنه قال: “أوصاني خليلي بخصالٍ من الخير، أوصاني أن أنظر إلى من هو دوني ولا أنظر إلى من هو فوقي وأوصاني بحب المساكين والدنو منهم وأوصاني أن أقول الحق وإن كان مرا وأوصاني أن أصل رحمي وإن أدبرت وأوصاني من أن أكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله”.
الخلق الحسن وبذل المعروف من شمائل النبي عليه الصلاة والسلام فقد قالت عائشة رضي الله عنها في وصف النبي صلى الله عليه وسلم: “لم يكن فاحشا ولا متفحشا ولا سخابا في الأسواق ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح” ومن خلق النبي العربي الكريم صلى الله عليه وسلم ما قاله عليه الصلاة والسلام يعلمنا ويؤدبنا: “من كظم غيظه وهو يستطيع أن ينفذه دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق حتى يخيره في أي الحور ما شاء”.
أيها الأحبة الكرام، هذه شمائل النبي صلى الله عليه وسلم ووصاياه، النبي عليه الصلاة السلام صاحب الوجه الحسن والخلق الحسن أوصانا ببذل المعروف والخلق الحسن فما هو الخلق الحسن الذي لو تحلينا به أفرادا وأسرا علماء وأساتذة ومعلمين ومريدين ما قاله عبد الله بن المبارك في وصف الخلق الحسن “هو بسط الوجه وبذل المعروف وكف الأذى” هي العبر في الدين كثيرةٌ ولكن علينا الاعتبار والاتعاظ وما سردناه وما تلوناه وما ذكرناه وما بسطناه إن هو إلا كما يعلق في الخيط في ما لو ألقيته في البحر ثم أخذته.
فالعبر في القرءان الكريم والحديث النبوي الشريف وفي كلام الصحابة الكرام ومن تبعهم بإحسانٍ مواعظ وعبر، شمائل حسنةٌ وخصالٌ حميدةٌ إذا فلم التنازع؟ إذا فلم الشقاق؟ فلم عقوق الوالدين؟ فلم نشوز الزوجة؟ إذا فلم يظلم كثيرون أنفسهم وغيرهم؟ والعبر كثيرةٌ والمواعظ وفيرةٌ والآيات البينات ثابتةٌ واضحةٌ والأحاديث الشريفة الصحيحة ثابتةٌ واضحة الشأن في من يعمل في ما تعلم، الشأن في أن تطبق على نفسك ما تسمع من علوم الدين وءاداب الشريعة وسلوك الصالحين.
نعم إخوة الإيمان، النبي صلى الله عليه وسلم أوصى أبا ذرٍ أن ينظر إلى من هو دونه في الدنيا حتى يشكر نعمة ربه عليه وحتى لا يزدري المرء نعم الله التي أسبغها عليه، ففي أمور الدنيا انظر إلى من هو أقل منك وأضعف منك جسما وأقل ذرية وأكثر بلاء وأشد أمراضا لتنظر في نفسك فتقول الحمد لله على كل حال.
قال: “ولا أنظر إلى من هو فوقي” فإن من ينظر إلى من هو فوقه ممن أنعم الله عليهم فإن لم يكن له مالٌ ولا ذريةٌ ولا صحةٌ ولا حاشيةٌ فإن كثيرين يسعون السعي الحرام ليكثر موردهم ولتتعدد حساباتهم في البنوك فيطرقون أبواب الحرام ولا يكتفون بالحلال وهكذا شأن بعض الأولاد وبعض الزوجات الذين يكونون فتنة في إلحاحهم ومتطلباتهم فلا يكفون عن الإلحاح عن طلب المزيد حتى يغرق الزوج أو الأب في مالٍ حرامٍ وترتكبه الديون الكثيرة بعدما يحاول مقامرا خاسرا فيعود خائبا ولا يندم بعضهم على ما يبدر منه بل يتورط من قضيةٍ إلى قضيةٍ من زنا إلى شرب خمرٍ من قمارٍ إلى قرض ربا ظنا منه أنه يريد مرة أن يموه عن نفسه ومرة أن يوسع موارد رزقه فهل أولادك في مثل هذه الحالة وزوجتك تدفع عنك عذاب القبر في ما لو تورطت في المال الحرام وظلم الناس لتلبي طلباتهم في ما حرم الله تعالى.
قال النبي عليه الصلاة والسلام “وأوصاني بحب المساكين والدنو منهم” عاشر أهل الفضل، ليكن أصدقاءك وأصدقاء أولادك من أهل العلم والفضل، ليكن طلبة علم الدين من أهل الأدب والسلوك الحسن في الشريعة أصدقاءك، لا تعاشر أهل السوء ولا تأذن لأولادك بمعاشرة أهل السوء وكذلك الأمر بالنسبة لزوجك فإن صاحب السوء ساحبٌ، وكثيرون من الآباء في غفلةٍ عن هذا يتركون أولادهم فيفاجؤون في ما بعد أن ولده صار مدمنا على سجائر المخدرات أو في شم الكوكايين أو بيع والاتجار في الهرويين وأن ابنته صار يراقصها فلانٌ ويداعبها فلان والعياذ بالله تعالى، كل ذلك بدعوى الحضارة كل ذلك بدعوى التمدن أما دين الله تبارك وتعالى فكثيرون يظنون أنه للمساكين والفقراء والذين شابت رؤوسهم، أما الشباب والأغنياء والرجال والنساء الذين في مقتبل عمرهم فقل ما يلتفتون إلى الالتزام بأحكام دين الله تعالى.
قال: “وأوصاني أن أقول الحق ولو كان مرا” اتهم رأيك، اتهم نفسك، لا تكن مستبدا برأيك ولا يكن همك أن يغلب رأيك رأي إخوانك، تعاونوا على البر والتقوى، ولا يكن همك أن تتفرد برأيك فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يوحى إليه وكان يستشير.
قال: “وأوصاني أن أصل رحمي وإن أدبرت” أليس الله تعالى يقول في القرءان الكريم: {فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم} سورة محمد / 22.
ولطالما أوصينا في مناسباتٍ كثيرةٍ وخطب الأعياد وغيرها بصلة الأرحام فإن تفكك المجتمع اليوم وما يعانيه من فتنٍ وأوبئةٍ سببه عدم الترابط الديني الأخوي الذي حض الله عليه في القرءان وأمرنا به النبي عليه الصلاة والسلام فبعضٌ من الناس لا يعرفون خالاتهم ولا عماتهم ولا أخوالهم بل لا يزور جده ولا جدته إلا بعد عشر سنين حين ما يأتيه ورقة نعيه فينتظره خارج المسجد ليسأل في ما بعد ماذا ترك لنا من وصيةٍ أو تركةٍ.
قال: “وأوصاني بأن أكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله” فإنها تفرج الهم بإذن الله فأكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله، ومعناها لا حول عن معصية الله إلا بعصمة الله ولا قوة على طاعة الله إلا بعون الله، هذا والله أعلم.