مجَدِّدُ القَرن يكونُ حَيًّا عندَ تمام القَرن يكونُ أخَذَ قِسمًا مِنَ السِّنين التي قَبلَ تمَام القَرن حتى استمَرَّ حَيًّا عائشًا عندَ تمام القَرن هذا الذي يقالُ لهُ مجدِّد القَرن، أمّا مَن يكونُ في خلال القَرن ولم يُدرك رأسَ القرن فليسَ كذلك، شَرطُه الأوّل للمُجدّد العِلم والتقوى، الجاهلُ بعلم الدين لا يكونُ مجدّدًا لأيّ عَصرٍ من العُصور. وكذلك يُشتَرط أن يكونَ أدرَك تمامَ رأس القَرن وهو بهذه الصّفة أي أن يكونَ عالماً تقيّاً “ذَابًّا” عن السُّنّة قامِعًا للبِدَع يَنفَعُ الناسَ بِبَيانِه، ويَقمَعُ البِدَعَ ببَيانه، يُبيّنُ الضّلالات ويحذّرُ منها ويبيّن السُّنَن ويَحُثُ عليها، السُّنَنُ أي الأمورُ التي شَرَعها رسولُ الله مِنْ فرائضَ وغيرِ فرائض، يحثُّ الناسَ عليها، ويكونُ هو بحيثُ يُقتَدي به لأنّهُ صَالحٌ تَقيٌّ عالمٌ هذا هو قُدوةُ الخَير. بعضُ الناس يظُنّون أنّ التّقيّ هو الذي لا يتكَلَّم بأحَدٍ مِنَ الناس بالذّم والانتِقاد والاعتراض هذا ظَنٌّ غَيرُ صَحيح، بل التُّقيّ أن يتّقي الرّجلُ فيما بينَهُ وبينَ ربّه يؤدّي ما قَد فَرضَ اللهُ عليه مِن أعمال الدِّين ويتجَنّب ما حَرّم اللهُ عليه مِنَ المحرمات ويأمرُ وينهَى ومِن جملة الأمر والنهي التّحذيرُ مِن أُناسٍ يحرِّفُونَ شَرع الله باسم العِلم باسمِ المشيَخة باسم التّصوف باسم الطّريقة، كثيرٌ منَ الناس يضُرّون عبادَ الله باسم العِلم يُفتُونَ بغَيرِ ما أَنزل الله، وبعضٌ يُضلّون الناسَ ويَضُرُّونهم باسم التصَّوف، كثيرٌ مِِنَ الناس يَدّعُون مَشيَخة الطّرق هذا يقولُ أنا نقشبَندي وهذا يقولُ أنا قادِري وهذا يقولُ أنا رفاعِي وهم غيرُ مُطبّقِين لأصولِ الطّريقة وأمورِها، إنما عندَهم الدَّعوى المجرّدة يلتَزمُون أزياءَ مِن استعمال المسبَحة والأناشيد التي فيها مَديحٌ للرسول وقراءةِ أذكارٍ فيها تمجيدٌ للهِ تبارك وتعالى، يلتَزمُون هذا فيُوهمون الناسَ أنهم أتقياء وأنهم يُقرّبونَ الناس إلى الله تعالى وهُم في الحقيقة مُبعَدُون لأنهم ينْطَوُون على أشياءَ فاسدة إمّا اعتقادية وإما عمَليّة ويُضلّون مَن اتّبَعهُم وحَسّنَ الظَّن بهم كما أن هناك فريقاً ممن ينتَسبون إلى العلم الشّرعي يُفتُون على غيرِ وجه الصوابِ في التّحريم والتّحليل،
قَد يحرّمونَ أشياءَ ليسَت حَرامًا في شَرع الله وقَد يحلّلونَ أشياءَ هيَ في شَرع الله حَرام فيَتبعُهم مَن لا مَعرفةَ لهُ فيكونُ هذا كما قيلَ: زَلّةُ العَالِم زَلَّةُ العَالَم، معناهُ يَزِلُّ به هَذا وهَذا وهَذا كُلُّ مَن سمعَ فتواهُ يَنزلقُ كأنّهُ يَعتبرُه قُدوةً ، زَلّةُ العَالِم زَلّةُ العَالَم، معناهُ يَضِلُّ بهِ خَلقٌ كثِير، هوَ شَخصٌ واحِد لكن يَزِلُّ ويَضِلُّ به خَلقٌ كثير، كذلكَ هؤلاء الذينَ يدّعُونَ الولايةَ والتّصوفَ يُوهمونَ النّاسَ أنهم أولياءُ الله وأنهم يُقَرِّبونَ الناسَ إلى الله، كانَ أَحَدُ الذينَ فيهِم انحرافٌ كبِير يقولُ للناس نحنُ عندَنا صارَ الوصولُ إلى الله سَهلاً بخَلْوةِ ثلاثةِ أيّام نُطَلّعُ المريدَ وليًّا عَارفًا بالله، وقالَ كما أنّهُ فيمَا مضَى الناسُ كانوا يتَكلَّفُون شَهرَين لرِحلَةِ الحج أي للذّهاب والإياب واليوم في أربعةِ أيام يَقضِى الواحِدُ النّسُكَ ويَعودُ إلى بلَدِه قالَ كذلكَ نحنُ عندَنا صارَ الوصولُ إلى الله سَهلاً بخَلوةِ ثلاثةِ أيّام نُطَلّع المريدَ وَليًّا عَارفًا بالله، فمُريدُوه لهذا الشخص ازدادُوا غُرورًا وتَعلُّقًا بهِ لأنهم صَدّقُوه.
هَذا الرّجلُ عندما يَدخُل أحَد أتباعِه لخلوةِ ثَلاثةِ أيّام يَأكُل فيها كالعَادةِ ويَشرَبُ فيها كالعادةِ ولا تتَهذَّبُ نَفسُه إنما يقولُ لهُ قُل كذا بعدَد كذَا ويُعلّق لهُ ورَقة مكتوبًا علَيها لفظ الجلالة الله ثم يَدخُل عليه في اليوم الأوّل فيقولُ لهُ غَمِّضْ عَينَيكَ وتَصوّر أنّ حُروفَ لَفظِ الجلالة ارتَسمَت في قَلبِك فيقولُ لهُ للمُريد وهوَ مغَمِّضٌ عَينَيه هل ارتسمَت حروفُ لفظِ الجلالة على قَلبِك فإنْ قالَ نَعم يقولُ لهُ وصَلتَ إلى المقَام الأوّل ثم يَدخُلُ عليهِ اليومَ الثاني فيَسألُه سؤالاً تَوهُّميًّا كهَذا السؤال فإنْ قالَ نَعم يقولُ لهُ وصَلتَ إلى المقام الثّاني ثم المرّة الثالثة يدخُل عليه فيقولُ لهُ هل تصَوّرتَ هذه الدّنيا مِنَ العَرش إلى الفَرش تضَاءَلت وتصَاغَرت حتى صارَت ككُرة صغيرة فإن قالَ نَعم يقولُ لهُ تَفضّل فُتِحَ عليكَ معناهُ صِرتَ وَليًّا، فمَا يحصُل لهؤلاء هو تَوهُّمات، الكافرُ يَستطيعُ أن يتَصوّر هذه التّصورات والمسلمُ يستَطيعُ، وليسَ هَذا طَريقَ الصّوفية، الصّوفيّةُ هُم كما قال إمامُهم الجُنيد رضيَ اللهُ عنه: مَا أخَذنا التَّصوُّفَ بالقَالِ والقِيلِ بل أخذناهُ بالسَّهرِ والجُوعِ وتَركِ المألوفاتِ والمستَحسَنات. يعني قَطعنَا أنفسَنا عن شَهواتها لأنّ التَّصوُّفَ صَفاءُ المعامَلة كمَا قال حارِثة: “أَسهَرتُ لَيلِي وأَظمَأتُ نهاري فكأني بِعرشِ ربّي بارزًا وكأني بأهلِ الجنَّةِ يتَزاوَرُونَ فيها وكأني بأهلِ النارِ يتَعاوَوْنَ فيها”.
هذا حديثٌ رواه كثيرٌ مِن المؤلِّفينَ في الحديث كالبيهقيّ وغيرِه أنّ رسولَ الله صلى اللهُ عليه وسلّم صَادَف رجُلاً مِنَ الصّحابةِ يُسمّى حارِث وفي لفظٍ حَارثَة فقال له:” كَيفَ أصبحتَ يا حارثة، قال أصبَحتُ مُؤمنًا حَقًّا، قال انظر يا حارثة فإن لِكُلّ قولٍ حقيقةً قال يا رسول الله عَزفتُ نفسي عن الدّنيا أسهَرتُ لَيلِي وأَظمَأتُ نهَاري ، معناهُ قَطعتُ نَفسي عن الدُّنيا أي لا أُعطِي نَفسِي شهَواتها، لا أَتركُها تَستَرسِلُ في مَلذّاتها، ليسَ مَعناهُ أنا أُحرّمُ التّنعّم، التّنعّمُ ضِمنَ الحَلالِ ليسَ حَرامًا، إنما شَأنُ الصّوفيّة أن يمنَعُوا أَنفُسَهُم عن كثِيرٍ مِنَ الحلال لا يُعطُونها إلا القَدرَ الذي لا تَستَغني عنه، النّوم يُعطُونها القَدرَ الذي يُحفَظ به صِحّةُ الجسَد ومِنَ الأكل كذلكَ ومِنَ الشّراب كذلكَ، قال وكأني بعَرش ربّي بارِزًا أي أنه صَار عندِي مِن اليقين بما جَاء عن الله وعَن رسولِه بحيث أنّه كأني أُعَايِنُ العَرش مُعايَنةً مع بُعدِ مسَافَتِه عنّا، كأني أُعايِنُ العَرشَ عِيانًا، أَراه بارزًا، مِن شِدّة اليَقين كأني بأهلِ الجنّة يتَزاوَرُون فيها أي صارَ عندي يقِين بحيث إني كأني أُشَاهدُ أهلَ الجنّة وهم يتزاوَرُون فيها، يجلِسُونَ على سُرُرٍ متَقابلِين، وكأني بأهلِ النّار يتعَاوَونَ فيها أي وقَد وصَلْتُ بالتّصديق بما ورَدَ عن جهنّم كأني أشَاهِدُها عِياناً فقال رسول الله:” عَرَفْتَ فالزَم، عَبدٌ نوّرَ اللهُ الايمانَ في قَلبِه”رواه الطبراني والبيهقي وأبو نعيم. هذا التّصوّف ليسَ التّصوف إطراق الرؤوس والتزام إمسَاك المسَابح وإنشاد الأناشِيد والمدائح النّبوية والتزامُ أزياء مخصوصة مع الجهل بالدّين كما يَفعَلُ هؤلاء المموّهونَ المدجّلون.